مثّلت المفاوضات السورية في جنيف و من بعدها الآستانة ظاهرة لافتة للنظر، ليس بالنسبة للسوريين، و إنما لشعوب العالم قاطبة، و بخاصة المراقبون السياسيون الذين لديهم شغف بفلسفة الوقائع و تحليلها و معرفة ما هي عليه في سرّ أو علن.
و أول لافت للنظر يتمثل بمواقف الدول الكبرى التي ترعى المفاوضات، و التي تخطط لها و توجهها و بدور المبعوث الأممي و بما هو عليه من مصداقية، و بمواقف الأمم المتحدة و مجلس الأمن اللذين يعدان مسؤولين عن الأمن و السلام العالميين و قد أصبح بعضها غير مقروء و غير مفهوم حتى بالنسبة للسوريين الذين يعدون معنيين بها أولا و آخرا.
فشارة الإحباط و الفشل أصبحت تلف المعنيين بالأمر جميعا، و تصمهم بمايجب أن يوصم به القتلةو المجرمون . و هم كثير، و يتحملون تبعات ماجرى، و مايجري. و ماسيجري لاجقا منذ اندلاع الثورة السورية و إلى اليوم.
فمنذ اندلاع الثورة هرعت جهات أجنبية و إقليمية من أجل مباركتها و مد يد العون لها ، و على ضوئها تكون ما يسمى بـ( أصدقاء سوريا) الذين ذرفوا من الدموع أكثر مما ذرفت تماسيح الأطلنطي، و أصدروا من التصريحات المؤيدة و الداعمة، مافيه الكفاية، ثم لم يلبسوا أن انفضوا من حول الثورة، و من ثم أصبح بعضهم من كبار أعدائها و من الذين يخططون من أجل إفشالها و تغيير مسارها.
أما الذين لم ينضموا إلى قائمة( أصدقاء سورية) فقد شكلوا فيما بينهم غرفة عمليات مشتركة، من أجل مواجهة قوى الثورة، و قد لاقى السوريون منهم أكثر مما لاقوه من نظامهم الذي وصف بالقاتل و المجرم و المستبد.
و من أجل دعم غرفة العمليات هذه أوجدوا ( الورش الإعلامية و السياسية الخاصة التي تجعل من إعلامها و سياساتها بندقية متقدمة داخل سورية و خارجها. و قد عملوا على شيطنة بعض الفصائل المقاتلة و على عدها حارجة عن المبادىء الوطنية تارة، و عن الدين تارة أخرى و على جعلها بحكم المستباح دمه و ماله و عرضه ، كل ذلك قصد إضعاف الشأن السوري، و قصد حرف مسار الثورة السورية و ذلك لتنشغل بذاتها عن أعدائها، و لتتولى تصفية بعضها. و هذه حقيقة واقعة، وقد تحوّلو إلى شركاء في قتل السوريين، و أصبح لهم قواتهم المسلحة على الأرض السورية،و أصبح طيرانهم الحليف لايبارح السماء السورية، و هو يشنّ أعنف الغارات على السوريين تحت عطاء مايسمى بمكافحة الإرهاب، و لايعلم إلا الله كم قتلوا من السوريين من نساء و أطفال و شيوخ، فضلا عن تدمير البنى التحتية، و أطلال حلب و أنقاضها و هي شاخصة للعيان تشهد على جرائم أولئك الأعداء و منهم التحالف الدولي الذي يقود المعركة ضد شعب أعزل، كل ذنبه، أنه خرج يريد الحرية ضد نظام طاغية كل مايوصف به أنه: طائفي، و عنصري و حاقد و يتبنى مخططات أجنبية تعمل من أجل تدمير سورية و شعبها.فووجه من قبل أولئك مجتمعين بالمخططات العدوة التي تعمل من أجل قتله و تدميره و بالوسائل المتاحة. و التي منها جر عنق المقاتلين السوريين إلى خارج بلادهم و ذلك عبر تراجيديا مؤلمة، ممثلوها قراصنة محترفون يهدفون إلى قطع تلك العنف بسكين حادة أطلقوا عليها اسم ( المفاوضات) و جعلوا مكانها ، بعض المدن ، كجنيف و الآستانة، و العاملون جميعا في هذا المضمار أجناد مجندة للاعبين الكبار ينفذون محططاتهم و يأتمرون بأمرهم، يستوي في ذلك وللأسف الشديد الفرقاء كافة بمافيهم الموظفون الأمميون من أمثال: دي مستورا و الأخضر الإبراهيمي، و كوفي عنان، و الدابي.
و هؤلاء جميعا جمعهم ما عون (جنيف) و من بعده ( الآستانة) و جميعهم ينفذون و بالتزام دقيق إملاءات الكبار الذي أوصلوا البلاد السورية إلى ماهي عليه الآن، و لايزالون ينفذون الأوامر كما ينفذها العسكري المنضبط، و بدون تردد أو تذمر. وذلك أن مابني على خطأ لن يؤدي إلا إلى خطأ؛ فجنيف و الآستانة و هما ليسا أكثر من محطتين معدتين مسبقا، من أجل قتل الشعب السوري، لن يصدر عنهما إلا ماسيؤدي إلى قتل الشعب السوري. حتى و لو تدثرا بألف عباءة و عباءة.
فجنيف التي كان مبدأها آواخر2012م وقد مضى عليها أكثر من أربع سنوات، و قد تعددت فكان منها جنيف(1) و جنيف (2) و جنيف(3) و جنيف(4) و أحيرا جنيف(5) المزمع عقدها في 20 مارس آذار المقبل لم تزد المشكلة إلا تعقيدا، فبفضلها أصبح الحديث عن منصات أربع، و هي على التوالي منصة الرياض و منصة القاهرة، و منصة موسكو و أخيرا منصة الآستانة التي يعمل الروس من أجل جعلها طرفا رابعا مفاوضا، و هذه المنصات الأربع يختلط حابلها بنابلها، و أكثرها من صنع النظام ، و من صنع الأطراف الخارجية، التي تنفذ المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها سورية اليوم و التي تتناول بنيتها الديمغرافية ووحدتها الوطنية، و عروبتها و إسلامها بشكل خاص. كل ذلك خدمة لإسرائيل، و للدول الكبرى التي تخفي خلف يافطتها المعلنة، حربا صليبية غير منتهية. تتوزع الأدوار فيها تماما كالذي يحدث اليوم بين الروس و الأمريكان، و بعض الدول الأوربيية، و بصرف النظر عن الشعب السوري و مايتعرض له من إبادة. و هذا يجعلنا نكرر ماقلناه آنفا:
( مابني على خطأ لن يؤدي إلا إلى خطأ)
فجنيف من قبل و من بعد ليست أكثر من عملية جراحية يكثر فيها التخدير، و تخدير الشعب السوري بهذه التراجيديا الحزينة بات واضحا للعيان، و قد كثر الحديث عنه من قبل أولئك الذين يملكون ضمائر حية، و عقولا واعية ورؤى ممتدة لما هو أبعد.
أما (الآستانة) التي تعدت خلال فترة قصيرة من الآستانة (1) إلى الآستانة(2) و من ثم إلى الآستانة (3) المزمع عقدها في الرابع عشر من الشهر الجاري مارس / آذار فقد كان الغرض منها:
- امتصاص أثر الصدمة بعد سقوط حلب الشرقية و بعد إجلاء سكانها عنها، و تحويلهم إلى نازحين و لاجئين و مشردين تضيق بهم الأرض السورية على اتساعها.
- توجيه الضربة الأكثر قوة للمعارضة بشقها و إشغالها ببعضها، بل و جعل بعضها حليفا للنظام يقاتل معه و يأتمر بأمره. إن لم يكن بالسلاح فبالكلام. و ماأكثر التصريحات الدالة على ذلك.
- توفير الفرص الكافية لقوات النظام من أجل إعادة اجتياح المناطق المحررة، تحت غطاء مكافحة الإرهاب و العمل على تصفية معاقل الثورة معقلا معقلا.
- دعم التحولات المستجدة في جنيف(4) التي تجعل من مكافحة الإرهاب الفريضة التي يجب أن تكون قبل الفريضة حيث يصبح الجميع( الفصائل المقاتلة و النظام) معنيين بقتال الإرهابيين و بقيادة الأصدقاء الروس و الأمريكان. و القصف المستمر الذي يقوم به الطيران الروسي و الطيران الحليف يثبت صحة ذلك.
و باختصار: فإن مسلسل مفاوضات جنيف و مسلسل مفاوضات الآستانة يعززان و يكملان بعضهما( و الرأي لديمستورا). فجهود الآستانة التي تستجد حديثا برعاية روسية و بمشاركة إقليمية تركّز على وقف النار و على مكافحة الإرهاب، و على ترويض الفصائل المقاتلة التي تورطت في مباحثات الآستانة. التي يراد لها الآن أن تصبح شريكا في مكافحة الإرهاب أما جهود جنيف(4) بإضافتها مكافحة الإرهاب إلى جدول أعمالها هذه الجهود تفتح الباب واسعا للتآمر على الشعب السوري وللّعب على التناقضات الموجودة بين مكوناته الاجتماعية، و فصائله المقاتلة و هذا هو الذي يحدث. فدي مستورا يرى أن السلة الرابعة من السلال الأربع ستتناول استراتيجية مكافحة الإرهاب. و هذا يعني باختصار شديد عودة النظام و على رأسه بشار الأسد بعد تدمير سورية و قتل شعبها و تغيير بناها الديمغرافية، و ذلك بتوطين الميليشيات الشيعية القادمة من وراء الحدود فيها، و بإبدالها من الجمهورية العربية السورية. التي نصت دساتيرها جميعا على أن: الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، و على أن الدين الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، إلى جمهورية سوريا الديمقراطية التي تقول: إن سورية دولة علمانية لادينية متعددة الأعراف و الأجناس و بذلك ينتفي معا: العروبة و الإسلام من أرض امتزج ترابها بدماء رجالها فأديلت إلى غيرهم بقوة أعدائهم، و بغباء الأمعات من أبنائهم الذين يقتتلون الآن على الساحة السورية، و الذين تحت غطاء المسميات و الألقاب يفعلون ببلدهم و شعبهم مايفعله العدو بعدوه.( فلا قرت أعين الحمقى و المغفلين)