شهدت إيران نهاية الشهر الماضي مسرحية انتخابية محبكة من حيث الأداء والإخراج ، فيوم الجمعة 26 شباط (فبراير) كان الإيرانيون على موعد مع عملتي انتخاب؛ إحداهما تختص بانتخاب أعضاء مجلس الخبراء “مجلس خبركان”، والأخرى تتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الشورى “مجلس شوراى اسلامى” .
وقد عمل الولي الفقيه بجد ودفع باتجاه رفع نسبة المشاركة لانتخاب المجلسين ، حيث
عول على هذه الانتخابات كثيرًا ، فعلى الصعيد الدولي ستهيئ هذه الانتخابات لتسويق صورة إيران باعتبارها دولة “ديمقراطية تعدديه ” في إقليم ملتهب ، واعتبار نفسها موازية لإسرائيل ولتركية على اعتبار أنهما ليسا النموذجان الديمقراطيان الوحيدان في المنطقة، و أنها أي إيران بمثابة النموذج والمثال الصالح تصديره إلى المنطقة على خلاف الآخرين و كون طهران تسعى بشكل حثيث لتشويه التجربة التركية – على وجه الخصوص – وتعتبرها النموذج الداعشي الطامح لإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية غير الصالح ليكون المثال ، وهو ما يحاول النظام الترويج له منذ نجاح حزب العدالة والتنمية في بناء حكومة استطاعت النهوض بتركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي ، بحيث باتت تزاحم لقيادة الإقليم عن جداره ، وهو ما تعتبره طهران خطراً محدقاً يواجه مشروعها القائم على استنزاف قدرات الخصوم عن طريق الزج بهم بصورة محكمة ، وبشكل ممنهج ومخطط له في أتون الصراعات الإقليمية لإشغالها وإضعافها ، كي يتسنى لها الصعود على مآسي الشعوب وويلاتها .
أما على صعيد البيئة الداخلية الإيرانية فستشكل هذه المسرحية- حسب إخراج الولي الفقيه – فرصة للتعبير عن مطالب الطبقات الاجتماعية التي عانت الأمرين من سياسات النظام الهوجاء ، والتي باتت بمثابة القنبلة التي ستنفجر بوجه الدولة العميقة التي أوصلت الإيرانيين والشعوب الإيرانية إلى طريق مسدود بعد تدمير طموحاتهم وآمالهم نتيجة السياسة الدموية للتعامل مع مشهد الحركة الخضراء في أواسط سنة 2009.
مسرحية الانتخابات الإيرانية بمشاهدها ومقاطعها ، والشخوص الذين لعبوا دور البطولة تمثيلاً وإعداداً وإنتاجاً وإخراجاً تُظهر أن نتائج هذه الانتخابات تظهر ثقافة وسلوك النظام الإيراني السياسي الرافض فعلاً للديمقراطية الحقيقية القادرة على انتاج مؤسسات فاعلة قادرة على محاسبة النظام ومراقبة أدائه ، بحيث باتت ديمقراطية إيران المزيفة شكلاً من أشكال المشاركة الموسمية التي يحتاجها النظام على الدوام كي يوظفها لإعادة إنتاج صورته القبيحة، ومحاولة تسويق نفسه داخلياً وخارجياً .
الانتخابات تمت – كما في السابق – في ظل توجيه المرشد الأعلى والحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور ، ودخلت هذه المرة أدوات الدولة العميقة بكامل ثقلها على خط ترتيب عمليات التزوير بشكل مفضوح ، حيث حسمت النتائج عن جدارة قبل الذهاب لعمليات التصويت، وقد برز ذلك من خلال المعايير المعتمدة في عملية فلترة المرشحين من جانب مجلس صيانة الدستور ؛ فالمرشحين من الصف الأول في التيار الإصلاحي والمعارضين المستقلين تم إقصائهم مبكراً ، بُغية تعبيد الطريق لأنصار المرشد ومريدي الحرس الثوري للوصول إلى سدة مجلس الشورى والخبراء بسلاسة ويسر ودون عناء .
لا شك بأن إيران هي دولة طائفية بامتياز ؛ فهي فقط لا تمارس الفيتو ضد ترشيح أبناء جلدتهم ، بل إن دولة ولي الفقيه تمارس سياسة استبعاد ممنهج في الوظائف العليا والدنيا على حد سواء ؛ خاصة ما يتعلق بعمليات الترشح لمجلسي الشورى والخبراء وحتى مجلس صيانة الدستور ورئاسة الدولة …بناء على مذهبه ؛وهذا الأمر يأتي انسجاماً مع الدستور الإيراني العنصري الذي لا يساوي بين مكونات الشعب الإيراني والشعوب الأخرى القاطنة هناك ، فهل هناك دستور في العالم يفرق بين مواطنيه ، ويمارس سياسة عنصريه تجاههم ، فالمادة 12 من الدستور نصت على’ أن المذهب الجعفري الأنثى عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير“ ونحن نقول أن من حق أي إنسان أن يتساءل كيف يتم تصنيف مكونات الشعب على أساس طائفي ، وكيف يمكن أن تتحقق الديمقراطيه والحفاظ على حقوق المواطنين على اعتبار أنهم متساوون ، ويتمتعون بنفس الحقوق والواجبات في ظل هكذا دستور قائم على مثل هكذا تمييز .
لا شك بأن مشاهد جريمة المسرحية الانتخابية ناقصة وغير مكتملة الأركان لأن المقطع الخاص بإرادة الشعب الإيراني والشعوب الأخرى القاطنة هناك هي الغائب الأكبر والأبرز عن البطولة ليعبروا بكل حرية عن رغبتهم وإرادتهم في التغيير ، كما
حدث في مسرحية الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في 12 يونيو 2009
والتي بثت وتخضبت مشاهدها بدماء الإيرانيين ، حيث غاب عن تلك المسرحية المشهد الخاص بأكبر عملية تمت لتزوير إرادة الشعب الإيراني ، والتي تسببت في اندلاع الثورة الخضراء التي واجهها النظام الإيراني بالحديد والنار، وسط صمت المجتمع الدولي الذي أطربنا دوماً باسطوانته المشروخة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وأنهم حُراسها وسدنتها ، ؛ فأين كانوا عندما خرج الشعب الإيراني؛ وفي مقدمتهم الشباب والنساء والأطفال، وتم قمعهم بصورة لا مثيل لها ، لكن لماذا ؟ لأنهم وقفوا بشجاعة ضد أكبر عملية تزوير شهدتها إيران خلال تاريخها الحديث لمصلحة الرئيس المتشدد المنتهية ولايته آنذاك أحمدي نجاد، بعد قرار المرشد بأن يمنحه ولاية ثانية على حساب منافسه مير موسوى الذي مايزال هو وأركان قيادة التيار الإصلاحي يقبعون تحت الإقامة الجبرية لغاية كتابة هذه السطور .
إذاً هي فقاعة كبرى اسمها كذبة الانتخابات الإيرانية التي تؤدي إلى مزيد من الاستبداد والطغيان عن طريق تزوير إرادة الشعب ، لصالح نظام ثيوقراطي دموي
ما فتئ يوماً يفتك بشعبه بحجج وذرائع واهية ؛ من أهمها حماية ديمقراطيته المزيفة ، و حفاظاً على نظام ولاية الفقيه ، الذي هو أوهن من بيت العنكبوت .