د. حسين إبراهيم قطريب – المركز السوري سيرز
16/10/2019م
أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان عملية نبع السلام المشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري في منطقة شرق الفرات من سورية مساء يوم الأربعاء 9/10/2019م، من أجل محاربة الإرهاب وإنشاء منطقة آمنة للسوريين الهاربين من جحيم الحرب، بعد صبر مضن وحوار عقيم جرى مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية والشرقية الفاعلة في الساحة السورية والمحتلة لأرضها، المدمرة لبنيتها، القاتلة لشعبها، ولكن دون جدوى، وتهدف العملية إلى تحقيق أهداف عدة أهمها ما يلي:
- إزالة ممر الإرهاب الذي أنشأته عصابات(pkk & pyd) الكردية الانفصالية الإرهابية في منطقة شرق الفرات السورية، واستبداله بإدارة مدنية محلية مكونة من جميع أبناء المنطقة ومكوناتها.
- إنشاء منطقة آمنة في الأرض السورية تمتد في شرق الفرات من جرابلس ومنبج غرباً حتى المالكية شرقاً، بعمق يتراوح بين 30 – 35 كم، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها.
- تنمية المنطقة الآمنة المذكورة في مختلف المجالات، الخدمية والزراعية والتعليمية والصحية، وإعادة إعمارها بالمدن والقرى، لاستيعاب اللاجئين السوريين الذين لجأوا من منطقة شرق الفرات إلى تركيا بفعل إرهاب النظام وداعش والمليشيا الكردية الإرهابية على التوالي، وهم أكثر من مليون سوري منهم حوالي ثلاثمائة ألف كردي.
- تأمين الموارد المالية لتغطية احتياجات الثورة السورية والجيش الوطني والحكومة المؤقتة وخدمات المناطق المحررة من الموارد النفطية والزراعية المتوفرة في المنطقة.
وبهذه الأهداف ذات الأبعاد المختلفة، الأمنية والإنسانية والتنموية، تقاطعت مصالح تركيا الشقيقة مع مصالح الشعب السوري وقواه الثورية الحرة بتحرير جزء مهم من الأرض السورية التي سيطرت عليه عصابات (pkk & pyd) العنصرية الانفصالية الإرهابية، وهددت الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية، ولهذا تكتسب عملية نبع السلام شرعية قانونية تستند إلى مبررات مختلفة إنسانية وقانونية وأمنية، ويمكن توضيحها بما يلي:
1- لتركيا الشقيقة حدود برية مع سورية يزيد طولها على 850 كم، وتاريخ مشترك معها لقرون، وإن عوامل الجوار الجغرافي، والتداخل الأمني والاجتماعي والثقافي على جانبي الحدود، تحتم على تركيا نصرة الشعب السوري وتعطيها حق التدخل في الأزمة السورية أكثر من جميع الأطراف التي جاءت من وراء البحار والفيافي والقفار، كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران وفرنسا وبريطانية وجهات أخرى كثيرة خفية الأصابع، وجعلت من الأرض السورية ساحة لتصفية الحسابات وحروب المصالح بالوكالة بينها.
2- لتركيا كامل الحق القانوني بمحاربة العصابات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي عبر الحدود السورية بموجب اتفاقية أضنة التي أبرمتها مع النظام السوري في أضنة عام 1998م، ونصت الاتفاقية على إعطاء تركيا الحق بملاحقة العصابات الإرهابية وتتبعها للقضاء عليها في داخل الأراضي السورية.
3- إن تأييد الشعب السوري وقواه الثورية الحرة لعملية نبع السلام، ومشاركة الجيش الوطني فيها بحوالي خمسة عشر ألفاً، وتأهب عشرات الآلاف الآخرين من مقاتليه للمؤازرة، يعد من أهم المرتكزات الشرعية وأكثرها قيمة اعتبارية في إضفاء الشرعية على العملية.
4- إن عصابات (pkk & pyd) الإرهابية باسم قوات سورية الديمقراطية (قسد) لا تمثل الشعب الكردي في سورية، ومارست على مكوناته السياسية الاضطهاد والاقصاء، كما مارستهما على جميع المكونات السورية الأخرى من العرب والتركمان وغيرهما.
5- وتعتبر عصابات (pkk & pyd) الإرهابية العنصرية الانفصالية قوى احتلالية لمنطقة شرق الفرات في سورية، وإن ما سمته بالإدارة الذاتية الكردية وفرضتها قسراً بقوة السلاح على حوالي 19% سكان سورية، وحوالي 37% من مساحة سورية، وهي تنتسب في المنطقة لأقل من 15% من سكانها سورية، وأقل من 10%من سكان سورية، مما يدعو للسؤال عن نوع الشرعية التي تنسبها لنفسها بإدارة هذا الاقليم؟ والحق الذي يخولها بالتصرف بمعظم مقدرات سورية الموجودة في هذا الاقليم وتقدر بـ 64% من الموارد الاقتصادية لسورية.
وفي المقابل فإن تحليل المنطلقات العدائية والذرائع الواهية لأصحاب المواقف الذين شكلوا أنفسهم في دائرة الرفض والادانة لعملية نبع السلام إقليمياً ودولياً، والتي تتمثل في دعوى الاعتداء على السيادة السورية خارج إطار القانون الدولي، وإمكانية عودة تنظيم داعش الإرهابي للظهور في المنطقة من جديد.
وإن الكم اللامعقول وغير المبرر للعقوبات السريعة التي قررتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول ضد تركيا وبعض المسؤولين الأتراك، كشف اللثام عن ضعف مبادئ هذه الدول، وعن حقدها التاريخي، وعن ضعف الجدوى من أية علاقة استراتيجية وتحالف معها، علماً بأن تركيا هي حليف استراتيجي لها وعضو فعال في حليف الناتو معها منذ عشرات السنين، وعلى أية حال يمكن أن نميز بين منطلقين أساسيين لأصحاب المواقف السلبية من عملية نبع السلام هما:
أولاً- منطلق العداء الاستراتيجي لشعوب المنطقة ودولها، والرغبة في إبقائها منطقة ضعيفة تعاني من الإرهاب وعدم الاستقرار، وتابعة مستنزفة القدرات، ويقف في مقدمة هؤلاء كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والعديد من دول الاتحاد الأوربي الأخرى، ولم تشفع لتركيا عند هؤلاء عضويتها في حلف الناتو، كما لم تشفع للشعب السوري وقواه الثورية الحرة عدالة القضية الانسانية ضد اجرام النظام وحلفائه، وإجرام المليشيا الطائفية والكردية الانفصالية الإرهابية (pkk & pyd).
ثانياً- منطلق العداء والكيد لتركيا والتشويش على دورها في سورية والمنطقة العربية ونهضتها الحديثة، وفي مقدمة هؤلاء الأنظمة الاستبدادية الفاشلة في مصر والخليج العربي ولبنان والعراق والجزائر، ولم يشفع لتركيا عند هؤلاء وقوفها مع الشعب السوري وقواه الثورية الحرة، ولا علمهم علم اليقين بأن العصابات الكردية الإرهابية تعمل على تقسيم سورية، والمضحك المبكي أن هؤلاء الكائدون يتذرعون باختراق تركيا لسيادة سورية، وقد عمو وصمو من قبل لسنوات عن اختراق السيادة السورية وتدميرها وقتل شعبها من قبل إيران وروسيا والمليشيا الطائفية متعددة الجنسيات، بل نراهم يسعون راضخين لعلاقة استراتيجية مع روسيا وحوار مع إيران بعد كل ما ارتكبتاه من اجرام في سورية.
كتب الله الحفظ لتركيا والنجاح لعملية نبع السلام، والخلود لشهدائها وشهداء الثورة السورية، والشفاء العاجل لجرحاها، والعودة الآمنة الكريمة لمن تشرد من سورية، والخزي والعار للأعداء وأصحاب الكيد.
إن عملية نبع السلام ستستمر حتى تحقيق أهدافها برغم كل الماكرين والكائدين، وإن مسارها الصحيح والمغيظ للكثير من الأطراف التي وقفت ضدها من منطلقات عدائية كيدية حاقدة، وبغض النظر عما ستسفر عن نتائج سلبية غير محسوبة بفعل التأثيرات الطارئة على مجرياتها، وستحملون وزرها التاريخي من غدر وكاد لها وليس تركيا التي رسمت مسارها النظيف، وشعوب المنطقة تعي من شوش على سيره وجعل له ارتدادات تصب في مصلحة النظام السوري المجرم، فإن مختصر وصف مسار العملية كما هو وكما يلي:
1- إنها عملية تحرير لجزء كبير من الأرض السورية تحتله عصابات إرهابية انفصالية.
2- إنها عملية حرب على إرهاب عصابات انفصالية وحفاظ على وحدة الأرض السورية.
3- إنها عملية إنسانية لإعادة لاجئين سوريين هُجِروا قسرا من قبل عصابات إرهابية انفصالية، وهم من المنطقة نفسها ومن جميع المكونات العربية والكردية وغيرهما.
4- إنها عملية تحمل في طياتها أبعاداً مختلفة، وتهدف إلى تنمية المنطقة وتأمين الأمن والاستقرار فيها.