د.فادي شامية
مع إحكام الإمام الخميني قبضته على زمام الحكم في طهران؛ اعتمد نظامه –علنا- إستراتيجية “تصدير الثورة”، لكن الشق الآخر -غير المعلن- لهذه الإستراتيجية؛ كان وما يزال: “تصدير محاربة أعداء الثورة إلى وكلائها”. وعليه؛ لم تحارب إيران لا “الشيطان الأكبر” ولا “الشيطان الأصغر” مباشرة، وإنما عبر الوكلاء. “منسق الوكلاء” قاسم سليماني كان أكبر شخصية عسكرية في النظام لهذا السبب بالذات، ومعه انتقلت حدود إيران إلى البحر المتوسط كما أعلن آية الله أحمد علم الهدى، في 20/9/2019.
ويبدو أن ثقافة الدفاع عن إيران ومشروعها في المنطقة قد انتقلت من أعلى هرم السلطة إلى الشرائح الشعبية المؤيدة لها، وهذا ما يفسر طلب ابنة سليماني الانتقام لأبيها من السيد نصر الله وليس من القائد الخامنئي. وبما أن سليماني كان يشغل هذه المنزلة المرموقة؛ فقد وضع اغتياله إيران أمام المعادلة الآتية: “ضرورة الرد (حماية للمشروع) وتجنب الحرب (حماية للمشروع)”، ولذا؛ فقد جاء القصف الإيراني للقواعد الأمريكية متجنبا موجبات تهديد ترامب؛ “قتل الأمريكيين”، ومسبوقا بإبلاغ الجانب العراقي -وتاليا الأميركي- عن الهجوم، ومترافقا مع دعاية زائفة -عن الأضرار والقتلى- موجهة للشعب الإيراني وجماهير الوكلاء، ومتبوعا بإعلان وزير الخارجية جواد ظريف للعالم بأن “الرد كان متكافئا. كل شيء انتهى. ولا نسعى للتصعيد”، بالتناغم مع إعلان ترامب: “كل شيء على ما يرام ولا نسعى للحرب”.
بالمعطيات الصلبة؛ إيران تأذت ماديا ومعنويا باغتيال سليماني، ورغم العنتريات الفارغة؛ ما تزال إستراتيجيتها هي نفسها؛ نقل عبء ترميم هيبة المشروع الإيراني إلى وكلائه، ولهذا السبب بالذات وضع المتحدث باسم الحرس الثوري على نحو لافت أعلام وكلاء إيران خلفه: “الحشد الشعبي- العراق”، و”حزب الله- لبنان”، و”زينبيون- سوريا”، “أنصار الله- اليمن”، و”حماس- فلسطين”.
أما الرد الإيراني الفعلي فقد جاء على الشكل الآتي:
– مقتل وجرح المئات في تظاهرة التشييع في كرمان.
– مقتل 176 مسافراً على متن الطائرة الأوكرانية التي قصفتها إيران عن طريق الخطأ؛ غالبيتهم إيرانيون.
– تدمير إضافي لمصداقية ما تعلنه إيران:
أ- الانتقال من التوعد بـ “رد قوي وقاس ومزلزل”، و”13 سيناريو أضعفها كابوس” ، و”قطع رجل الولايات الأمريكية في المنطقة”، و”إزالة إسرائيل عن الخارطة”.. وتعهد قائد فيلق القدس الجديد بـ “مشاهدة العالم لجثث الأمريكيين في كل الشرق الأوسط”.. ولاحقاً؛ الإعلان عن “مقتل 80 أمريكيا نقلوا بالمروحيات”… إلى تأكيد الحرس الثوري أن “القصف لم يكن يستهدف قتل جنود أمريكيين” (9/1/2019).
ب- الانتقال من اعتبار منظمة الطيران الإيرانية أنه “من غير المنطقي تقنيا القول إن الطائرة الأوكرانية أصيبت بصاروخ” وأن “إيران لديها وثائق تثبت أن الطائرة الأوكرانية التي تحطمت كانت تواجه مشكلة ميكانيكية قبل الإقلاع ولم تحصل على إذن بالطيران، لكن مسؤولي شركة الطيران الأوكرانية تجاهلوا هذه الاعتراضات”، ودعوة الرئيس روحاني وسائل الإعلام “عدم المشاركة في الحرب النفسية”.. ومن ثم الإقرار بالحقيقة القاسية التي أكدها أكثر من مصدر ورئيس: “إسقاط الطائرة بصاروخ عن طريق الخطأ”، وهو ما يعني عدم قدرة فاضح في التمييز بين الطائرة المدنية والطائرة العسكرية في دولة تريد منازلة أميركا!