مقدمة
في ظل الانقسام السياسي الحاد، الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وفشل سبل المصالحة الداخلية، وفي ظل مرور القضية الفلسطينية بأخطر مراحلها، ومحاولة تصفيتها من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر2019، عن عزمه عقد انتخابات فلسطينية عامة، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، حال عودته. ومع أن استخدام تعبير”الانتخابات العامة”، يوحي أنه يشمل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، إلا أن ما تم توضيحه لاحقا، هو أن الرئيس كان يقصد الانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد قوبل هذا الخطاب بموافقة حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، على المشاركة في الانتخابات، مع تأكيدهم على أهمية إجراء الانتخابات الوطنية بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ومنذ إعلان الرئيس عباس، وحتى إعداد هذا التقدير، يسود المشهد السياسي نقاشٌ حول مدى جدية الدعوة، وملاءمة الظروف الموضوعية والذاتية، وإمكانية وجود فرصة حقيقية لإجراء الانتخابات.
خلفيات الدعوة للانتخابات
بعد إقدام السلطة الفلسطينية على سلسلة إجراءات عقابية ضد غزة، أعلن المجلس التشريعي في غزة، وعلى لسان نائب رئيس المجلس د. أحمد بحر، عدم شرعية الرئيس عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، وفقدان تمثيله للشعب الفلسطيني. هذا الموقف الصادر عن المجلس التشريعي في غزة، جاء قبل يوم واحد من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد ذكر د. أحمد بحر، أن “عباس” يعتلي منبر الأمم المتحدة دون أي شرعية قانونية، أو دستورية، أو وطنية، ولا يمثل شعبنا، وإنما يمثل نفسه فقط، مؤكدا “أن من يجوّع شعبنا، وينسق مع الاحتلال، ويصر على نزع سلاح المقاومة، ويفرط بدماء الشهداء وعذابات الأسرى، ويعترف بدولة الاحتلال، ويتنازل عن حق العودة، لا يمكن أن يمثل شعبنا”. بعد ثلاثة شهور تقريبا من هذا الإعلان، أقرت المحكمة الدستورية والتي شكلها الرئيس عباس، قرار بحل المجلس التشريعي وذلك في نهاية شهر كانون أول/ ديسبمر 2018.
خلَقَ حل المجلس التشريعي حالة من الفراغ القانوني، وعزز مركزية السلطة بشكل أكبر بيد الرئيس عباس. وقد تجسد ذلك مرة أخرى عند تكليفه الدكتور محمد اشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بعد إقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله، ورفْض حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، هذه الخطوات، واعتبارها تجاوزا للقانون الفلسطيني.
ينص القانون الأساسي الفلسطيني على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية كل 4 سنوات. ومع ذلك، فإن آخر انتخابات رئاسية كانت قد أُجريت عام 2005، وآخر انتخابات تشريعية عام 2006. وبالتالي، فإن كلا من الرئيس محمود عباس والمجلس التشريعي، يواجهون أزمة حقيقية أمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، حول عدم تجديد شرعيتهم الانتخابية.
فتحاويا، يواجه الرئيس عباس تحديًا حقيقيًا في كيفية إدارة القوى المنافسة له داخليا. ففي قطاع غزة، تزداد قوة محمد دحلان بشكل مستمر، خاصة بعد اصطفاف عدد من القيادات الفتحاوية المعروفة، وأعضاء من المجلس التشريعي عن حركة فتح في غزة، مثل سمير المشهراوي، وسفيان أبو زايدة، وهشام عبد الرازق معه. وتشير تقديرات بعض المحللين، إلى أن تيار دحلان، يمكنه أن يستحوذ على نسبة معتبرة من كتلة فتح الانتخابية، في حال إجراء أي انتخابات قادمة، ومشاركة التيار فيها.
وفي الضفة الغربية، يواجه الرئيس عباس تحدي الخلاف مع القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتياره الذي برز بشكل واضح أثناء الإضراب عن الطعام “إضراب الكرامة”، الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال عام 2017، والذي قاده البرغوثي خلافا لرغبة السلطة.
تأتي هذه التحديات الداخلية الفتحاوية، في ظل تزايد احتمال غياب عباس عن المشهد، سواء لأسباب صحية، أو لتقدمه في العمر. الأمر الذي قد يوحي بقناعة الأطراف الفتحاوية المختلفة، بأهمية تشكيل تكتلات جديدة، لسد الفراغ في حال غياب عباس عن المشهد السياسي الفلسطيني، والأمر ذاته يدفع الرئيس عباس لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي، لتعزيز استقرار الحركة من بعده.
كذلك تأتي دعوة محمود عباس بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثانية، وعدم قدرة أي من الأطراف على تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يعزز إمكانية الذهاب لانتخابات إسرائيلية ثالثة. في هذا السياق، يمكن القول إن عدم الاستقرار الإسرائيلي الداخلي، يربك المشهد الفلسطيني باستمرار، خاصة بعد عزم نتنياهو، كما أعلن في دعايته الانتخابية، على ضم أراضي الأغوار الشمالية والمرتفعات الاستيطانية، لسيادة الاحتلال الإسرائيلي. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على موت مسار أوسلو، ووضع قيادة منظمة التحرير أمام انسداد سياسي كبير. وقد ظهر نتنياهو أكثر جدية في موضوع ضم الأغوار الشمالية، حينما أعلن عن ذلك بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد يوم واحد من إعلان وزير الخارجية الأمريكية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي.
في قطاع غزة، تتدهور الحالة الإنسانية بسبب استمرار الحصار المفروض منذ أكثر من 12 عاما، وتستمر حركة حماس في حكم غزة في ظل ظروف اقتصادية خانقة. فطبقاً للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وصلت نسبة البطالة إلى ما يقارب 55%، ونسبة من يقبعون تحت خط الفقر ما يقارب الـ 34%. مسيرات العودة ما زالت مستمرة، وعدد الشهداء في تزايد مستمر أيضا، إذ ارتقى حتى الآن 350 شهيدا منذ بدء مسيرات العودة، في حين أصيب ما يقارب 19 ألف فلسطيني وفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان. ظرف غزة المعقد يدفع حركة حماس للبحث عن أي مخرج سياسي لتخفيف عبئ الحصار، الأمر الذي قد يجعل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بداية لذلك بالنسبة لحماس.
الأطراف الفاعلة: الدوافع والمصالح
هناك ثلاثة أطراف فاعلة بشكل مباشر في موضوع الانتخابات الفلسطينية، هي حركة فتح، وحركة حماس، و”إسرائيل”. أما الأطراف ذات التأثير غير المباشر، فهي المجتمع الدولي، والإدارة الأمريكية.
يمكن التنبؤ بالأهداف التي تسعى حركة فتح إلى تحقيقها من خلال الانتخابات في هذه المرحلة الحرجة، وبناء على السياقات المذكورة أعلاه وهي:
- إعادة ترتيب شكل التواجد الفتحاوي في الجسم التشريعي الفلسطيني ، بما يضمن إضعاف التيارات المنافسة لمحمود عباس، أي دحلان في غزة والبرغوثي في الضفة، وبالتالي الحفاظ على استقرار حركة فتح.
- تجديد الشرعية الانتخابية، الرئاسية والتشريعية، محليا وإقليميا ودوليا.
- تحقيق عدة مصالح حزبية في ظل وجود أبو مازن، والتي قد يصعب الحفاظ عليها بعده، مثل الاستمرار في السيطرة على السلطة ومكتسباتها.
- البحث عن مخرج للمسار السياسي المأزوم مع الاحتلال الإسرائيلي.
- إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني، أي حركة حماس، أو جرها لبرنامج أبو مازن السياسي.
أما الأهداف التي تسعى حركة حماس إلى تحقيقها من إجراء الانتخابات في هذه المرحلة، فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تخفيف الحصار عن قطاع غزة، من خلال الحكومة المنبثقة عن التشريعي الجديد، حتى لو كان ثمن ذلك تخلي حماس عن الحكم في القطاع.
- الرغبة في تجديد شرعيتها محليا وإقليميا ودوليا، لدفع جميع الأطراف لقبول حماس كفاعل مهم، والتفكير بالتعامل معه.
- حلحلة الواقع المعقد لها في الضفة الغربية، وإيجاد منصات عمل سياسي وجماهيري، تعيد لها الاعتبار والحضور. والتغلب على بعض العقبات بالذات المرتبطة بالسلطة.
- إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني “حركة فتح”، وإضعاف مسار التسوية.
- التمهيد للدخول في منظمة التحرير كلاعب مؤثر.
أما الاحتلال، فإن مصلحته تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وهو بذلك يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:
- استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية كبيرة للاحتلال.
- الاستمرار في التمدد الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية.
- إنهاء الحالة السياسية الوطنية في القدس.
- ضمان الاستقرار الأمني، سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل.
أما المجتمع الدولي، ومع أن الشرعية الانتخابية الفلسطينية تبدو مهمة له؛ لتعزيز مسار حل الدولتين ودعمه، إلا أنه كان قد رفض التعامل مع ما أفرزته انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، التي حصلت فيها حركة حماس على الأغلبية، وفي المقابل استمر في التعامل مع محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، حتى بعد انتهاء فترة ولايته عام 2009. الأمر الذي يعزز فكرة أن المجتمع الدولي معني بالدرجة الأولى بتعزيز مسار حل الدولتين، لكنه لن يهتم كثيرا بالشرعية التي تفرزها الانتخابات.
وبخصوص الموقف الأمريكي، يبدو أن مصالح الإدارة الأمريكية الحالية، تنسجم مع تحقيق مصالح دولة الاحتلال المذكورة آنفًا. فالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، اتخذت العديد من القرارات التي تدمر حل الدولتين، والتي تمثلت فيما يطلق عليه صفقة القرن. وبذلك، فإن الإدارة الأمريكية تعمل على إيجاد محدداتٍ وأطرٍ جديدة للحل، لا تراعي فيها حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبالتالي، فالإدارة الأمريكية الحالية غير مهتمة بموضوع الانتخابات، بقدر ما يهمها المضي قدما في تحقيق تفاصيل صفقة القرن.
السيناريوهات الممكنة
عمليا، اللاعب الأكثر تأثيرا في إجراء الانتخابات أو عدمه، هو حركة فتح، متمثلة بشكل أساسي برئيسها، ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس، الذي تتمركز السلطة بيده. فقرار عباس الذهاب للانتخابات، خاصة بعد موافقة الفصائل الفلسطينية على المشاركة، يعني أن الانتخابات ستتم إذا تم تجاوز تحدي إجراء الانتخابات في القدس. وبالتالي، من الضروري مقاربة أهداف حركة فتح والرئيس عباس في الوقت الحالي، مع المصالح المتحققة من إجراء الانتخابات. وبالتالي فالسيناروهات المتوقعة لمسار الانتخابات هي:
السيناريو الأول: عدم إجراء الانتخابات
يرتبط هذا السيناريو بحركة فتح، وهو يُطرح لأن تقديرات حركة فتح تشير إلى أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، لا يحقق مصلحتها في ترتيب بيتها الداخلي، بل ربما تضرها ضررا واضحا. فالدخول في الانتخابات فيه مخاطر كثيرة، خاصة إذا استطاع تيارا دحلان والبرغوثي تقوية الاصطفاف الداخلي لصالحهما. ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، حسب بعض قيادات الحركة، يمكن أن يتم بطرق أخرى أكثر فعالية، وأقل مخاطرة، وأقل خسارة على المدى الاستراتيجي، لأن الانتخابات لا تعني بالضرورة قدرة حركة فتح على الفوز في المجلس التشريعي، أو حتى إبقاء محمود عباس، أو غيره، في رئاسة السلطة. يتعزز هذا الاحتمال في ظل وجود مؤشرات على افتقاد حركة فتح لقاعدة شعبية واسعة، خاصة في الضفة الغربية، نتيجة لانسداد المسار السياسي، واستمرار التنسيق الأمني، والتضييق على الحريات العامة، وتدهور الحالة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تأتي الانتخابات لصالح الخصم السياسي لحركة فتح، أي حركة حماس، في حال حصولها على أغلبية، أو حتى على نسبة جيدة تمكنها من إعادة ترتيب صفوفها الداخلية، واستعادة شرعيتها في الضفة الغربية، وبالتالي عودة فعاليتها ونشاطها فيها، بعد أن تم تقويضها لأكثر من 12 سنة، وهو الأمر غير المرغوب فتحاويًا، لذلك ليس من مصلحة فتح إجراء الانتخابات.
أما مصلحتها في البحث عن مخرج لمسار التسوية المأزوم، فإن ذلك يشكل دافعًا آخر لحركة فتح في عدم إجراء الانتخابات، إذ أن المشهد السياسي في “إسرائيل”، يشير بنسبة كبيرة إلى خروج نتنياهو من هذا المشهد، سواء بسبب توجيه الاتهام له بالفساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي، أو بسبب المشهد المعقد الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة. وبالتالي، فإن المؤشرات تسير باتجاه بيني غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن غانتس يُحسب على اليمين الوسط، إلا أنه من ناحية أولية لا يعارض العودة إلى المفاوضات مع أبو مازن. من هنا، فإن إجراء الانتخابات الفلسطينية، وحصول حماس على شرعية جديدة، وربما شرعية تعزز قوتها في المشهد الفلسطيني، يدفع أبو مازن إلى عدم إجراء الانتخابات، وذلك من أجل أن يذهب إلى المفاضات دون وجود مجلس تشريعي، ولا معارضة، ولا “وجع راس” كما يُقال.
على المستوى الإقليمي والدولي، من المرجح عدم وجود رغبة دولية لإعطاء حماس فرصة لتجديد شرعيتها في المشهد الفلسطيني، وتعزيز حضورها من جديد، وخاصة في الضفة الغربية. كما أن الجدية تجاه إجراء الانتخابات لاعتبارات الديمقراطية وشرعية المؤسسات، تبقى محل تساؤل، حيث تعامل المجتمع الدولي مع غياب هذه الحالة لأكثر من عقد من الزمن، ورضي بالوضع القائم، الذي هو بعيد كل البعد عن المعايير الديمقراطية، التي يتغنى بها المجتمع الدولي.
إضافة إلى ذلك، فإن مصالح دولة الاحتلال، المتمثلة في إبقاء الانقسام، واستمرار الاستيطان، والحفاظ على الأمن، وإنهاء الحالة الوطنية في القدس، تتحقق بشكل أكبر من خلال عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية. كما أن الوضع الداخلي الإسرائيلي الحالي، يختلف عما كان عليه عام 1996، وعام 2006، حينما أُجريت الانتخابات الفلسطينية الأولى والثانية، وسمحت “إسرائيل” وقتها بمشاركة فلسطينيي القدس في الانتخابات. اليوم الوضع مختلف كثيرًا، حيث يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، واليمين المتشدد، الذي ينظر إلى القدس بحساسية شديدة. كما أن “إسرائيل” اليوم لا تبالي بالمجتمع الدولي ، ولا بالعالم العربي المتناحر، ولا بالأمم المتحدة ، ولذا فليس من المستبعد أن تمنع “إسرائيل” فلسطينيي القدس من المشاركة في الانتخابات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي سوف يتسبب في رفض الفلسطينيين لإجراء الانتخابات دون القدس، سواء كان ذلك لأسباب وطنية جوهرية، أو فرصة للتنصل من الانتخابات لدى من لا يرغبون فيها. هنا يُذكر أن “إسرائيل” اعتقلت نواب القدس عن حركة حماس، ووزير القدس في حكومة حماس، وأبعدتهم عن القدس إبعادًا دائمًا، وسحبت هوياتهم، دون أن يحرك أحد ساكنًا، وأصبح الأمر واقعًا قائمًا.
باختصار، فإن مصلحة عباس، والإقليم، والمجتمع الدولي، وحتى “إسرائيل”، تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وتتطلب العمل على تحجيم حماس وشرعيتها، إلا إذا كان لديها الاستعداد للانخراط في عملية التسوية السياسية، وهو ما لا تدعمه أي مؤشرات.
وفي هذا السياق، قد يظهر تخوف حماس غير المعلن في حال مشاركتها في الانتخابات، فإذا فازت في الانتخابات التشريعية مرة أخرى، فستواجه تحديًا في استحقاقات هذا الفوز، وخاصة تكرار تجربة عام 2006، والحصار الذي فرضه العالم على حكومتها، وعلى أعضائها في المجلس التشريعي. وإذا خسرت الانتخابات، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضعافها، وزيادة الضغط عليها، وعلى برنامجها.
السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات
تمر القضية الفلسطينية بواحدة من أسوأ مراحلها، نتيجة الدعم اللامتناهي من الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو، لتصفية العديد من ملفات الحل النهائي، كالقدس، واللاجئين، والاستيطان. يأتي ذلك كله في ظل استمرار حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني الداخلي. المؤكد هو أن هذه الحالة أضعفت جميع الأطراف الفلسطينية سياسيا، وأن الرئيس عباس تحديدا، بات يواجه تحديات على عدة مستويات: فلسطينيا وفتحاويا، ويحتاج إلى أكبر حشد شعبي للوقوف خلفه لمواجهة هذه التحديات، وخاصة صفقة القرن، وموت مسار أوسلو. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يسعى الرئيس عباس إلى إقناع الأطراف المختلفة، بأن الكل الفلسطيني ما زال مقتنعا بحل الدولتين، وهذا ما ذكره بشكل واضح في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، حينما أشار إلى أنه ما زال مؤمنا بأن الحل الوحيد، هو حل الدولتين. إن صح هذا التوقع، فهذا يعني أن عباس يريد العمل على احتواء حركة حماس، وكسب حشدها الشعبي، لتقوية موقفه في مواجهة صفقة القرن، وتوظيف ذلك في الدعوة للعودة إلى مسار التسوية. ما يرجح هذا السيناريو كذلك، حديث بعض القيادات من حركة فتح عن إمكانية الترشح للانتخابات، بقائمة واحدة مشتركة بين حماس وفتح. قبول حماس بذلك، قد يعزز موقف الرئيس عباس في تحقيق ما يراه مصالح وطنية، وربما مصالح حزبية فتحاوية، مثل ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وجر حماس، ولو بشكل غير مباشر، إلى مسار التسوية، أو استخدامها في تحقيق ذلك. لكن من الجدير ذكره، أن هذا السيناريو يتطلب من حماس قبولها الترشح في الانتخابات بقائمة مشتركة مع فتح.
أما على صعيد حركة حماس، فإن إجراء الانتخابات عموما، يحقق جملة من المصالح، أهمها التحلل، أو التخفيف من عبء إدارة قطاع غزة في ظل الحصار الخانق عليه، سواء بتحمل حركة فتح هذا العبء، إذا أفضت نتائج الانتخابات إلى حصولها على الأغلبية، أو بمشاركة الأطراف الفلسطينية الأخرى في إدارة القطاع. وفي حال تحقق سيناريو إجراء الانتخابات، وفوز حركة حماس بالأغلبية، أو حتى حصولها على مقاعد معتبرة في المجلس التشريعي، فستعتبر حماس ذلك فرصة ومدخلًا لتعزيز وجودها في الضفة الغربية، وزيادة احتمال دخولها في منظمة التحرير، وبالتالي تعزيز شرعيتها مرة أخرى في الساحة الفلسطينية والدولية.
السيناريو المرجح
بإجراء مقاربة موضوعية للسيناروهات المحتملة، فإنه السيناريو الأول، وهو عدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في المرحلة الحالية، هو الأكثر احتمالًا، وذلك للاعتبارات التالية:
- رغبة حركة فتح في عدم تعميق أزمتها الداخلية من خلال المشاركة في الانتخابات.
- ضعف فرصة حركة فتح في الفوز بأغلبية في الانتخابات التشريعية.
- رغبة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وربما الإقليم والمجتمع الدولي، بعدم تجديد الشرعية لحركة حماس.
- معارضة دولة الاحتلال وعدم سماحها بإجراء الانتخابات في القدس.
- رغبة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الحالية في استمرار الانقسام الفلسطيني.
- عدم جدية المجتمع الدولي في ضغطه باتجاه إجراء الانتخابات.
بالرغم مما يُقال عن وجود ضغوط دولية على الرئيس عباس لانتخاب مجلس تشريعي جديد بعد حل المجلس الأخير، فإن الرئيس عباس سيعمل على إقناع العالم بمخاطر الانتخابات، لأنها قد تسفر عن عودة حماس مرة أخرى إلى النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي سيخلق انعكاسات لا يريدها المجتمع الدولي. ورغم ما يُقال أيضا عن استحقاق مهم يسعى إليه الرئيس عباس في أيلول/ سبتمبر القادم، وهو التقدم إلى الأمم المتحدة بمشروع حصول فلسطين على العضوية الدائمة، وما يتطلبه ذلك من وجود برلمان منتخب، فإن الرئيس عباس يفضل تأجيل الموضوع إذا كانت الانتخابات ستُظهره ضعيفًا، أو لا يمثل الكل الفلسطيني.
الاعتبارات المذكورة ترجح أن دعوة الرئيس عباس للانتخابات، جاءت كمناورة سياسية لإحراج حركة حماس، وكرسالة دعائية لتطمين المجتمع الدولي. لكن إعلان حركة حماس والفصائل الفلسطينية، الاستعداد للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فاجأت الرئيس وحركة فتح. ولكن رغم التصريحات الإيجابية تجاه استحقاق الانتخابات، إلا أن الرئيس عباس وحركة فتح، سيخلقون المبررات لعدم إجراء الانتخابات في هذه المرحلة.