( الإرهاب و الإرهابيون) مانشيت إعلامي واسع الطيف.هو من ابتكار الآلة الإعلامية الحديثة، التي تقف خلفها سياسات الدول الحليفة، و يجري في سياقها- داخلا و خارجا-( الأعداء و الأصدقاء) و من أمم شتى، و بعمى نوعي، و بصرف النظر عن الحقيقة، التي يجب أن يعرفها أصحاب المواقف الشريفة في مواجهتهم مع( الإرهاب و الإرهابيين) بعامة.
و مع أن ( الإرهاب و الإهابيين) من المصطلحات التي قد تثير جدلا للوهلة الأولى، سيما من حيث المعاني المجردة، التي تنطوي عليها، و التي تثير المخاوف لدى الآخرين، و تجعلهم يتطيرون منها. بيد أنها في جانبها الآخر تنطوي على معان أكثر عمقا. إذ يجب الفصل بين المقاومين البسلاء الذين يقاومون الطغاة، و يبذلون دماءهم رخيصة من أجل قضاياهم المصيرية، و بين آخرين من أصحاب الضمائر الرخيصة الذين يعملون على سلب الإنسان أخص خصوصياته.
وقد كان الذي حدث بعد- و هو أمر دبر ليلا- أن تجرم الضحية و أن يغدو( الإرهابيون) الحقيقيون، الذين يدمرون و يقتلون هم أصحاب الكلمة، في المواجهات التي تحدث اليوم على الساحة السورية، فيكون تدمير مدن بكاملها- كالذي حدث في حلب- و تهجير سكانها منها، و إبادتهم على أيدي مرتزقة، الميليشيات و الغزاة الأجانب مبررا، و على أساس منه يكون( الإرهاب) الذي يستفحل أمره اليوم، و يطال خطره المسلمين بعامة؛ المصطلح الذي ابتكر قصد إثارة حرب طويلة المدى في العالم الإسلامي، و عدته من أجل ذلك:
- سياسة حليفة: مكنها نفوذها في المحافل الدولية، من أن تكون صاحبة القرار على المستوى الدولي بعامة.
- إعلام واسع الطيف: يستطيع الجمع بين الأسود و الأبيض في خانة واحدة!!
- قوات مسلحة: تستطيع الضرب في الزمان و المكان الذي تريد لايردعها عن ذلك رادع.
- مصالح دولية: تداعت إلى عالمنا الإسلامي، و هي ظمأى، و لانعتقد أنه قد يروي ظمأها دجلة و الفرات و النيل معهما.
- طموحات محلية: استيقظت بعد فترة من الزمن و هي أكثر إلبا على الوطن و المواطن، بسبب من نشازها الأخلاقي و من مركب النقص الذي قد يشغلها عما يجب فعله، و من تبعيتها للأجنبي و إرتمائها في أحضان سياساته المضللة.
- قادة محنكون: اتفقوا على ألا يختلفوا في مواجهة العالم الإسلامي.
ويقابل ذلك، و من موقع ضعف مجرد من الطاقات و القدرات و الإمكانيات الرادعة:
- شرذمة واسعة الطيف في العالم الإسلامي كله: هلهلت نسيجه و جعلته مخزّقا؛ يسهل على العدو و ابتلاعه و هضمه.
- حكام غير أكفاء و لاشرعيين: وصلوا إلى المسؤولية الأمامية في الدول التي يرأسونها بدون أية مؤهلات، و قد شغلتهم كراسيهم عن واجباتهم تجاه شعوبهم. و عما يقتضيه واجب المسؤولية من مواقف.
- عملاء أتباع: ارتبطوا بالأجنبي، و كانوا خدما لسياساته، و عيونا له؛ فهم يجيبون دعوة الداعي إذا ما دعاهم، لايبالون أخطأوا أم أصابوا؛ ماداموا من المقربين الواصلين، حتى ولو كان وصولهم على الجثث و الأشلاء.
- قوى محلية:- سمها ماشئت- أحزابا أو هيئات أو جماعات، او مكونات، كل منها يعمل على شاكلته. و قد فتّوا في عضد الأمة، و كانوا إلبا عليها، بالرغم من كثرة الأيديلوجيات التي تبنوها، و من خرائط الطريق التي رسموها، و من الرؤى التي أشاعوها في نظرياتهم المؤدلجة، و هي أكثر من تحصى.
- زعامات وطنية: عدمت البصر و البصيرة، فهي لم تستطع التخلص من عقد النقص التي تعتريها، و لا أن ترتقي إلى المستوى الأعلى الذي يمليه عليها واجبها. فهي تنوس في دائرة ضيقة من مصالحها الشخصية، و من أنواتها التي أصبحت سبّة عليها.
- كم هائل من الشخصيات الوصولية و الانتهازية التي لديها القدرة على التسلق، و تعرف من أين تؤكل الكتف. و قد كانت مادة غنية للأجنبي الذي عرف كيف يتواصل معها، و يستخدمها في الحرب المعلنة على ( الإرهاب و الإرهابيين)
وقد نتج عن ذلك حالة من الاستضعاف لدى المسلمين بعامة أطمعت بهم عدوّهم، و جعلته يعدّ العدة للقضاء عليهم، و قد كان( الإرهاب) هو المصطلح الذي راجت بضاعته لدى ذلك العدو، و كان ( الإرهابيون) الكنز الذي وجد فيه العدو ضالته المنشودة.
و إذا كنا نعرف( الإرهاب) بأنه يتمثل يتخويف الناس، و ترويعهم، و العدوان عليهم، و باستباحة بلادهم، و بقتلهم و تهجيرهم، و إخراجهم من بيوتهم و حرمانهم من حقوقهم و سلبهم أخص خصائصهم، و من ذلك: الحرية و الكرامة فإننا نعرّف ( الإرهابيين) بأنهم المنفذون الحقيقيون للإرهاب، و المجرمون الكبار الذين يضطلعون بسياساته الخفية و المعلنة، و لايبالون كان ما كان من أمر تلك الجرائم، حتى ولو كان فيها إبادة للبشر.
و إذا كنا نقول: ( الإرهاب) يتخطى الحدود و هو يوجد في المجتمعات كافة الشرقية و الغربية، على حد سواء، فإننا نقول أيضا إن ( الإرهابيين) يتخطون الحدود و هم يوجدون في المجتمعات البشرية كافة؛ شرقية و غربية. و على حد سواء كذلك.
و على أساس من ذلك، فإن الناس يمتاز بعضهم من بعض بالرقي الحضاري. فبقدر ما يختزنزن في ذواتهم من قيم حضارية، تمنع صاحبها من تجاوز حدوده، و من السقوط في حمأة( الدونية) التي تعد بمثابة الحضن الدافئ( للإرهاب)، بقدر مايكونون أكثر رقيا و تقدما. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن ( الإرهاب) يعد بمثابة القيم التي قد توجد في أكثر من أمة، و قد يكون لها انبعاثها الذاتي، الذي قد تسببه الظروف، و قد يكون بسبب من موروثها الطبيعي الذي قذفته إليها مخلفات العصور و لذلك قالوا عن ( الأرهاب) بأنه لا هوية له و لادين. و قالوا عن ( الإرهابيين) بأنهم لاهوية لهم ولا دين، و أنهم يتشابهون في الصفات الخلقية و الممارسات، و شاهد ذلك من التاريخ:
فنحن نجد أن الإرهابيين في مجزرة دير ياسين التي وقعت في التاسع من إبريل/ نيسان، سنة 1998، وراح ضحيتها أكثر من 250 شهيدا و في مجزرة رسم النفل التي وقعت في الثاني و العشرين من يونيو/ حزيران من سنة 2013م، وراح ضحيتها أكثر من مئتي شهيد ينعقد بينهما أكثر من وجه للشبه فنحن نجد أن المجزرتين هدفتا إلى تفكيك الحواضن الشعبية. ففي ديرياسين وقد كانت تقع على الطريق الواصل بين القدس و تل أبيب و في منطقة خناصرة الأحص، حيث كانت رسم النفل تقع على الطريق الواصل بين حلب و دمشق، نجد المجزرتين كان إرهاب الناس و ترويعهم، و نشر الذعر في أوساطهم مقدمة لتفكيك حواضنهم، و لجعلهم ينشغلون بأنفسهم و يحجبون مددهم عن المقاتلين، الذين كانوا يواجهون الصهاينة في فلسطين، و طغيان النظام على الأرض السورية.
و نحن نجد أن المجزرتين هدفتا إلى تهجير السكان، و طردهم من دير ياسين و من رسم النفل و من القرى المحيطة بهما. و ذلك قصد إسكان المستوطنين الصهاينة في الأولى و الميلشيات الشيعية في الثانية. و التهجير الذي طرأ على سكان القصير و مضايا و الزابداني و داريا و الوعر مؤخرا يقيم الدليل على ذلك. فالذي حدث لشعب فلسطين قبل سبعين عاما يحدث لشعب سورية منذ أكثر من ست سنوات ولايزال.
و نحن نجد أن المجزرتين أوغلتا في قتل السكان، و منهم النساء العجائز و الحوامل، و الشيوخ و الأطفال، و عملتا على إبادتهم إبادة ليس أشنع منها، و قد استوى في ذلك الصهاينة و مرتزقة الميلشيات، الذين لاهم لهم إلا القتل و السلب و النهب. و إثارة الذعر و الإرهاب بين الناس و حرقهم أحياء، و تصفيتهم جسديا و بطرق مؤلمة جدا.
و نحن نجد أن المجزرتين عملتا على دك البنى التحتية و على تخريب المدن و القرى، بيتا بيتا و حارة حارة. فكما دكت مدفعية الأرغون و شتيرن و الهاجاناه قرية دير ياسين، فكذلك دكت مدفعية النظام قرية رسم النفل و القرى المجاورة لها كقرية المزرعة و قرية الجنيد و غيرها، و لم يسلم منها حتى الشجر و الحجر فضلا عن الأموات الذين هم في القبور.
و الغريب العجيب في هذه المسألة أن يرتقي( الإرهابيون) و يعلو شأنهم، فينال مناحيم بيغن قائد الأرغون في دير ياسين جائزة نوبل للسلام، بينما يشمخ بوتينبعد دمار حلب و تبيض صورته و يتحول إلى حمامة سلامة في الآستانة و يزهو بشار الأسد الذي كانت الميلشيات تأتمر بأمره، و يرى و هو يسرح و يمرح و كأن شيئا لم يحدث بعد. فيما نرى تهمة( الإرهاب و الإرهابيين) تلاحق الضحية حية و ميتة، و توغل في إيذائها، و كيل التهم لها، قصد تصيدها، ووضعها في قفص الاتهام، بدلا من إنصافها و الأخذ بيدها. فأنت تجد اليوم الداخل السوري بكامله يوصم بالإرهاب، بسبب من مواجهة جبروت النظام الممعن في قتل شعبه، و بسبب من مواجهته الأجنبي الذي يصطف مع النظام ضد شعبه و بسبب من كونه ينتمي إلى أمته العربية و الإسلامية.
و كنتجية لكل ماذكر، نكون أمام حقيقتين:
أولا- حقيقة الشعب المظلوم الذي يوصف بالإرهاب، و الذي عدم النصير و قد خذله أصدقاؤه، و أسلموه إلى قاتله ليقتله على الطريقة التي يريد، حتى ولو كان ذلك بالبراميل المتفجرة، أو بالقنابل الفراغية أو المظلية، أو حتى بأم القنابل الأمريكية الصنع التي جربت مؤخرا في أفغانستان.
ثانيا- الحقيقة المعكوسة التي تجعل الظالم مظلوما، فيصبح الإرهابي الكبير الذي يعد العدة لقتل السوريين، و قد بلغت ضحاياه إلى اليوم أكثر من مليون هو المظلوم و المعتدى عليه، مما يوجب نصرته. فيما يصبح المظلومون الحقيقيون إرهابيين، و أكثرهم إرهابا المقاومون البسلاء الذين يتصدون للإرهاب و يعملون على مواجهته بالمتاح من الوسائل.
و في الختام:
فإن الذي نراه، أن نعود جميعا، إلى جادة العقل و الصواب فنميز الحقائق بعضها من بعض، و نقف المواقف التي تمليها علينا ضمائرنا الحية وواجباتنا الشريفة، فنعرف الإرهابي من سواه بعيدا عن الأفكار المضللة التي تستهدف بيضتنا أولا و آخرا. و لا يكون ذلك! إلا من خلال أمور ثلاثة:
أولها- الموقف المشرّف:
الذي تمليه علينا ضمائرنا الشريفة، وواجباتنا؛ الدينية و القومية و الوطنية و بعيدا عن الارتهانات المسبقة، التي ثبت عدم نزاهاتها أوالآراء المضللة، التي قيدت خطانا، و جعلتنا أعجز عن الحركة في الموقف الجلل، الذي يتطلب المواقف الشريفة، فكان عقباها الشرذمة التي نسقط في حمأتها اليوم، و التي الخلاص منها يعد بمثابة اللبنة الأولى في الموقف المشرف.
ثانيها- الرأي المستوعب:
الذي يكون مستوعبا لقضيته، فاهما أبعادها، و ماهي فيه من محنة، و عارفا بما يتربص بها من أعداء، و بما ينتظرها من مصير. و هو يصدر عن فكر حر. و حصانة و المعية، و بعيدا عن الارتجال الساذج و الجدل المعطل، و الذي لايخدم القضية السورية. و شأنه في ذلك شأن المجتهد، أصاب أو أخطأ ذلك منتهى علمه، و عليه يؤجر إن شاء الله.
ثالثها- العمل المشترك:
الذي توجبه علينا اليوم القضية السورية، و تبعاتها الملقاة على عواتقنا، و التي بات صريخها يستنهض أمة بكاملها- ولايستثنى- الأمر الذي اقتضى أن نعمل مجتمعين، و أن نلبي ذلك زرافات ووحدانا، و ذلك بما في الطاقة، و بالموقف المشترك، و بالعمل من أجل خلاص مرتقب؛ لا يشغلنا عن ذلك شاغل، وقد وقر في نفوسنا إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة.
وقل اعملوا