دونالد ترامب وتداعيات المرحلة المقبلة بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.... أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

توطئة

          في الأزمات الدولية، و عندما تلتاث الأمور إلى درجة يصعب فيها التمييز بين الأبيض و الأسود، يكون الناس أكثر تطلعا للمتغيرات الجديدة. كون تلك المتغيرات قد تقود إلى الجديد. و هذا ماعليه كثير من المراقبين السياسيين اليوم.

      و الأزمات الطارئة في الشرق الأوسط- و هي دولية أكثر منها إقليمية- أصبحت اليوم الشغل الشاغل للمهتمين بالسياسة الدولية، و للعاملين فيها على وجه التحديد.

       ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الرئيس و الفاعل في السياسة الدولية، كان التغيير في الرئاسة الأمريكية أكثر من لافت للنظر، بخصوص منطقة الشرق الأوسط بخاصة، و بخصوص بقية دول العالم بعامة، و منها على وجه التخديد العلاقات الأمريكية التي قد تكون أكثر من ساخنة سيما مع منطقة الشرق الأوسط، و منها البلد الأكثر اشتعالا( سورية التي يباد شعبها و تدمر مدنها و قراها و معالمها الحضارية على مسمع و مرأى من العالم الحر، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، و التي تعد المسبب الرئيس لكل ماحدث في سورية من دمار.

      وقيل ماقيل عن الانتخابات الأمريكية، فقد أدت إلى وصول دونالد جون ترامب(DONALD JOHN TRAMP) إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حيث سيكون في 20 يناير/كانون الثاني من عام 2017م الرئيس الخامس و الأربعين للولايات المتحدة .

      و السؤال: هل ستتغير السياسة الأمريكية تبعا لتغيير طاقم الرئاسة فيها، أم أن الطاقم السابق و اللاحق محكومان بالسياسة الأمريكية المعدة مسبقا من قبل البنتاغون الذي ترسم سياساته دوائر مختصة، و يقوم على تنفيذها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي تكون عادة أكثر التزاما بتلك السياسات  و أكثر احتراما لها؟

        هذا مايمكن أن  يجيب عليه المختصون و الخبراء و أهل العلم بالسياسة الأمريكية و بأسرارها الخفية.

       و البحث عن تداعيات المرحلة المقبلة بعد الانتخابات الأمريكية يقودنا إلى التعريف بترامب، و بسياساته، و بما يمكن أن يوصف بالثابت و المتغير في السياسة الأمريكية، على ضوء معرفة الرئيس الجديد، الذي عد الرئيس الأكثر جدلا في تاريخ الأمريكيين ، بل وقد يكون في السياسة الدولية بعامة.

            فترى من هو دونالد ترامب؟ و على أي من الأسس يبني سياساته المستقبلية التي قد تنجم عنها تلك التداعيات الخفية؟؟؟

دونالد ترامب: (حياته الشخصية):

      ولد دونالد ترامب في 14 يونيو سنة 1946. و هو الابن الرابع من عائلة مكونة من خمسة أشخاص. و يذهب بعض الباحثين إلى أنه من منطقة ( بالاتينات) الألمانية، و من بلدة صغيرة اسمها كالشتات) التي تعد مسقط رأس جدّه. و بحسب موقع (ِDW) فإن هذه الحقيقة كانت معروفة منذ أن  وردت في فيلم وثائقي بعنوان ملوك(كالشتات) و الذي انتج عام 2014م. و الإشارة إلى أصوله الألمانية التي وردت في فيلم ملوك كالشتات، قد تسلط الضوء على شخصية دونالد ترامب العنيفة و المثيرة للجدل فتربط بينها و بين شخصية أودلف هتلر، الذي قد يبدو ترامب قريب الشبه منه سيما في الغطرسة الشخصية التي تعد غير  بعيدة عنه ، و كونه لم يتول منصبا سياسيا من قبل، و ليس له خبرة سياسية أووصفه بالجاهل و بالمعتوه و بالمجنون و بالنرجسي كذلك قد يجعل منه و من شخصية هتلر نموذجا لشخصية واحدة. و من ناحية أخرى فكل ماعرف عن الرجل، أنه ملياردير، و رجل أعمال ناجح و شخصية تلفزيونية و مؤلف. و هذه الصفات الأربع قد تجعله مختلفا عن سابقيه من الرؤوساء الأمريكيين. و منهم باراك حسين أوباما الشخصية التي يعتورها كثير من الغموض و قد توزعت حياته بين دينين و لونين، و تأرجح بين سياستين، و لن  يترك منصبه السياسي إلا بعد أن أصبحت  السياسة من بعده بمثابة الأرض المحروقة، التي لم يتبق منها إلا  مايشين و يلطخ!!!

آراء الصحف الأمريكية و البريطانية في دونالد ترامب:

     أولا- رأي الواشنطن بوست:

      ترى الواشنطن بوست ان الأمريكيين يتوزعون على فئتين:

       آ- الترامبيون: و هم الهمج و الرعاع و محدودو التفكير.

       ب- المعارضون لترامب: و هم نخب المتحضرين، و المثقفين بعامة.

           وقد أفاد مصنف الخبر: أن الأمريكيين بعامة متشائمون من فوزه، و قد وصف انتخابه بالزلزال الذي ضرب أوربا و أمريكا. و كان مايكل مور المخرج السينمائي الأمريكي الذي توقع فوز ترامب قبل أربعة أشهر(1)قد وصفه بالجاهل الخطير، و المهرج، و المعادي للمجتمع، بل بزجاجة المولوتوف الشخصية و هو وصف ليس أكثر منه سوءاً أو خطورة.

  ثانيا- رأي الواشنطن تايمز:

           أما الواشنطن تايمز فالرأي عندها جاء في مقال للكاتب و يسلي بردون، و فيه: أن الأمريكيين لم يكونوا موفقين بدونالد ترامب و بهيلاري كلينتون معا، فهما عنده من أكثر الانتهازيين و لن يكون بأمكان أي منهما أن يتغير، لأن التوبة-حسب قوله- على من اقترب من العقد السابع من العمر قد تكون مستحيلة، و أن ترامب منذ أن بدأ يخطو خطواته الأولى قبل أكثر من عام تجاه  الرئاسة الأمريكية، لايبدو أن هناك أحدا بوسائل الإعلام يدري ما يقوله عنه، غير أنه: شرير و ملعون و مزعج.

  ثالثا- رأي الايكونومست البريطانية(2):

      ترى الايكونوميست البريطانية أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيشكل خطرا عالميا. و سبب هذا الوصف  لترامب يعود لمقابلة له مع شبكة سي ان ان  الإخبارية الأمريكية قال فيها: إنه قد يكون من المفيد حصول حلفاء مثل اليابان و كوريا الجنوبية على ترسانات نووية خاصة بهم. و أنه لن يستبعد استخدام الأسلحة النووية في أوربا. و هذا الوصف جاء مطابقا لمقال كتبه “إدوارد لوكاس” كبير محرري مجلة الايكونومست البريطانية. و سبب ذلك التقدير يعود لترامب نفسه الذي سبق له أن قال في كتابه الذي نشره عام 2000 تحت عنوان: ( أمريكا التي نستحقها) إن على دول شرق أوربا أن تحل مشاكلها الإقليمية القديمة  وحدها دون تدخل أمريكي. وقد زاد على ذلك خلال حملته الانتخابية بقوله: إن على أمريكا ألا تدافع إلا عن الدول التي تدفع لها ماعليها من التزامات مالية بالكامل. و هذا ماجعل بعض المحللين الغربيين يذهب إلى أن حقبة وجود ترامب في السلطة ستزعزع الأسس التي تقوم عليها الالتزامات  الأمنية الأمريكية، و خاصة في مجالات الردع النووي و القوة الجوية و المدرعات ، و الخدمات اللوجستية و المعلومات الاستخبارية. وهذا ممايدخل السرور على بوتين نفسه الذي قد يكون من أهدافه الخلل في العلاقة بين الأوربيين و الأمريكيين الأمر الذي حدا به لتبادل الأنخاب مع بعض أصحابه!!!

      و ختام المسألة: أن دونالد ترامب سيبقى الشخصية التي يصعب تقدير مسارها، أو تخمين المدى الذي يمكن أن تذهب إليه. و من غير الواضح إن كان سينجح في إدارة الولايات المتحدة الأمريكية. لكن من المؤكد أن صعوده إلى البيت الأبيض هو علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، و تعبير عن تفاعلات جرت  في بلد بحجم أمريكا و بأهميتها و علاوة على ذلك، فإنه دليل على تقلص دور الولايات المتحدة في العالم، و الذي قد يكون فوز ترامب هو البرهان الأوضح على تقلص ذلك الدور، و على تفاهمه كذلك.

سياسة دونالد ترامب في أثناء حملته الانتخابية و بعدها:

  • سياسته الداخلية: حسب تصريحاته الشخصية:

أولا- سيكون رئيسا لكل الأمريكيين.

ثانيا- دعوته الأمريكيين إلى توحيد صفوفهم، و تضميد جراحهم، و الالتفاف حول الرئاسة الجديدة

           وهذه السياسة قد تكون من التقاليد المتعارف عليها لدى الأمريكيين. وقد كان على ذلك معظم الرؤوساء الأمريكيين السابقين. و هذا مايجعل تلك السياسة من ناحية مبدئية موضع شك. فدونالد ترامب قد تؤدي سياسته إلى زعزعة الاستقرار  في أمريكا، وإلى بداية تمزق ذلك الكيان العملاق. الذي إن هوى لن نقوم له بعدها قائمة. و ستجد أوربا نفسها بعد ذلك وحيدة في مواجهة المتغيرات الجديدة في العالم، و هو أمر سيكون له شأنه فيما بعد.

  • سياسته الخارجية:

أولا- تجاه إسرائيل

  شأن ترامب في سياسته تجاه إسرائيل شأن الرؤوساء الأمريكيين السابقين، حيث تتسم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بشكل عام بالتقارب و التعاون الاستراتيجي، و هو الشيء المتفق عليه بين جميع رؤساء الولايات المتحدة. و هناك مايشبه الإجماع الأمريكي على الالتزام بحفظ أمن إسرائيل و بتفوقها النوعي على جميع جيرانها. و قد تعهد  ترامب بالحفاظ على أمن إسرائيل و بقائها. كما تعهد  أن  ينهي منذ اليوم الأول لرئاسته كون إسرائيل تعامل و كأنها مواطن من الدرجة الثانية.

2- تجاه أوربا:

          لترامب موقف من العلاقة الأمريكية الأوربية، فعنده على دول شرقي أوربا، أن تحل مشاكلها الإقليمية وحدها دون تدخل أمريكي؛ و أنه على أمريكا ألا تدافع إلا عن الدول  التي تدفع لها  حصتها المالية بالكامل. ولذلك يسود اعتقاد أنه خلال حقبة وجود ترامب في السلطة، ستزعزع الأسس التي تقوم عليها الإلتزامات الأمنية الأمريكية تجاه أوربا منذ عام1941. و المعروف أن أوربا ماتزال تعتمد بشكل كبير  على القدرات العسكرية الأمريكية و خاصة في مجالات الردع النووي، و القوة الجوية، و المدرعات و الخدمات اللوجستية و المعلومات الاستخبارية، ولذلك من المتوقع أن تسارع دول القارة الأوربية، إلى البحث عن طرق جديدة لحماية نفسها تجاه الأزمات المستجدة الداخلية و الخارجية.

3- تجاه روسيا:

            لاتزال روسيا منذ مطلع القرن الحادي و العشرين تتجاوز حدودها بسياساتها العدائية تجاه الغرب. ففي عام 2007م شنت هجوما ألكترونيا على أستونيا، و في عام 2008م شنت حربا على جورجيا، و في عام 20114 ضمت شبه جزيرة القرم ثم أتبعت ذلك باستضافة المنشق عن وكالة الأمن القومي الأمريكية أدوارد سنودن. و لم تتوقف عن ذلك التجاوز ففي العامين 2015  و 2016م وسعت قاعدة طرطوس البحرية على الساحل السوري و جعلت من قاعدة حميم السورية الجوية قاعدة جوية محمية بال س 400 ثم أخذت تتصرف و كأنها قوة احتلال حقيقية على الأرض السورية دون أي حساب للمصالح الأوربية و الأمريكية التي دخلت في دائرة عدم الرؤية بسبب الانتخابات الأمريكية الجديدة وقد جعلت المرشح الجمهوري ترامب الذي فاز بالانتخابات  أكثر إعجابا بروسيا، فهو يرى أن القدرات النووية الروسية أكثر تطورا من القدرات الأمريكيةأمريكيةأ  و أن الترسانة الروسية أكثر تحديثا من الترسانة الأمريكية. و مع أن ذلك قد يكون بسبب الموقف الروسي الداعم لترامب في الانتخابات الأمريكية، إلا أن المصالح الأمريكية بعد ستقود ترامب إلى موقف مغاير تماما لما هو عليه تجاه روسيا. و ستتأرجح السياسة الأمريكية بين موقعين. التنسيق المشترك كما كانت عليه في عهد أوباما أو الاختلاف. وهذا وارد بسبب الطموحات الروسية غير المحدودة في منطقة الشرق الأوسط. و في مناطق أخرى كثيرة من العالم.

  4- تجاه منطقة الشرق الأوسط:

          يمكن أن يقال أولا عن سياسة ترامب ولأول الأمر أنها انطباعية و براغماتية و أكثرها و ليدة الدعاية الانتخابية و كون ترامب لم يشغل منصبا سياسيا من قبل جعل آراءه أكثر سذاجة و عفوية و ارتجالية أما كونه مليارديرا و رجل أعمال ناجح فقد حتمت عليه صفته هذه الحسابات المادية التي كثيرا ماتقف حجر عثرة في وجه السياسيين الذين ينفذون خططاً سياسية معدة مسبقا. ولذلك نراه فيما يخصّ روسيا و إيران و دورهما في منطقة الشرق الأوسط أكثر تشددا فهو يرى أن إيران وروسيا مادامتا أصبحتا من جانب الأسد فيجب عليه محتاربتهما معا و كأنه الخصم اللدود لبشار الأسد، و هذا خلاف ماعليه السياسة الأمريكية. أما الا

 أما الاتفاق النووي الإيراني فهو عنده بمثابة الخطأ الفادح و المهين و هو يرى أن المفاوضين الإيرانيين تفوقوا على الأمريكيين، و أن إيران دولة إرهابية، تسعى لتقويض الأمن الإقليمي، و أنها مسؤولة عن الشبكات الإرهابية التي تنتشر في العراق و سورية و لبنان و اليمن وقد وصلت تصريحاته إلى حد مواجهتها عسكريا، و إلى ضرورة تشكيل تحالف إقليمي ضد المشروع الإيراني. هذا فيما يخص إيران أما دول الخليج و منها المملكة العربية السعودية فقد رأى خلال مناظرته التلفزيونية الأولى في أثناء حملته الانتخابية أن المملكة العربية السعودية عليها أن تدفع مقابل الدفاع عنها ورأيه هذا جاء في الحوار مع MSNBC     وقد دعا صراحة إلى إلغاء التحالف بين الولايات المتحدة و السعودية وقد عدت آراؤه بعامة مسيئة لدول الخليج و للإسلام و المسلمين. و لذلك لم يهتم كثيرا بإسقاط النظام السوري. و إنما ركز على الحرب ضد الإرهاب و الحرب ضد الإرهاب مما عليه السياسة الأمريكية، و قد أصبحت من تعليقات السياسة الأمريكية المعلنة ضد الإسلام و المسلمين و اللافت للنظر أن رأيه بتركيا يختلف عن آرائه الأخرى التي يسوقها ضد القضايا العربية العادلة فهو يرى أن أردوغان قائد ذكي في طريقة تعامله مع محاولة الانقلاب، و يعذره تجاه بالحريات العامة، فعنده نفس الخطأ تقع به الولايات المتحدة الأمريكية. و هي مسألة يمكن أن تعالج داخليا. أما الأزمة السورية فلم تشغله من قريب أو بعيد، بل كثيرا ماكان يبدي تخوفه من بديل النظام و قد عجز عن التفريق بين المعارضة المعتدلة و المعارضة المتشددة، كما أنه لم يخض  كمثيرا في المسائل الإقليمية و لم يعر انتباها لحاكم مثل السيسي يريد أن ينال عنده الخطوة مقدما وذلك يتزلفه إليه. فالرجل أعار انتباهه حسب للقضايا الساخنة و للدول التي لها تأثير على الواقع الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية.

  سياسة ترامب و تداعيات المرحلة المقبلة:

       من هذه العحالة المختصرة عن ترامب و سياساته يمكن أن نقول: إن الرجل يتصف بصفات أربع:

  أولا- بالشدة التي قد تصل به إلى درجة التهور. و بالعنف و الحمق و عدم الاتزان في المواقف السياسية العامة.

  ثانيا- بعدم الخبرة: فعدم شغله الوظائف السياسية التي تؤهله لإدارة البلاد لاحقا. جعلت منه قليل الخبرة، و قليل المعرفة بما عليه السياسة الأمريكية المعدة سلفا من قبل دوائر مختصة تضم أكثر من 300 عالم مختص

  ثالثا- بغلبة الحسابات المادية على شخصه، فهو ملياردير و رجل أعمال ناجح. و من طبيعة رجال الأعمال  أن تكون لهم حساباتهم الدقيقة.

  رابعا- باهتمامه النظري بأمريكا و الأمريكيين.

       و الصفات الأربع هذه مرشحة لتداعيات كثيرة في المنطقة الشرق أوسطية بخاصة. و قد يكون منها:

      أولا- التضييق على الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط و اصطناع المواقف الساخنة ضدهم، و التآمر عليهم و هو أمر مجمع عليه حاليا من قبل التحالف الدولي. وقد جاءت تصريحاته في أثناء حملته الانتخابية و بعدها مؤيدة للتضييق على الإسلاميين و ضربهم، و قد ألبسوهم لباس الإرهاب، و أقعدوهم مقعد المتهم سلفا، حتى ولو بدون بيّنة تذكر. و هذا مايجب الاحتراز منه مسبقا.

     ثانيا- الانجرار وراء السياسة الصهيونية التي تعد مسؤولة عن مشروع التجزئة الإقليمية في الشرق الأوسط و الذي سبق أن دعى إليه تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في سنة 1897 في بازل في سويسرا. و قد جرت عادة الصهاينة أن يبتزوا الأمريكيين، و أن يجعلوا منهم حملة لأفكارهم لقاء دعمهم الانتخابي لهم. و دونالد ترامب واحد من أولئك.

      ثالثا- القيام بمراجعة حسابات شاملة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، سيما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، و من الأرجح أن يغلب المصالح على المبادئ. و أن يبتعد عن الصفقات الخاسرة،فموقف الإدراة الأمريكية السابقة من نظام الأسد، و من حزب الله، و من الأكراد، و من الطموحات الشيعية في المنطقة، قد يخضع لمراجعة كبيرة فالإدارة السابقة ضحت بحلفائها التقليديين مقابل ثوريين راديكاليين و باطنيين لايوثق بهم غالبا.

     رابعا- ادخاله دول الخليج في خانة الابتزاز و المساومة ضد إيران و توجهاتها التوسعية و الطائفية غير المحدودة و هذه هي صفته. و موقفه من دول أوربا الشرقية بخاصة يؤكد هذه الصفة و قد أكد أن الولايات المتحدة ستدافع عمن يدفع التزاماته تجاهها كاملة.

     خامسا- الصدام مع روسيا وإيران على الساحتين السورية و العراقية و هو صدام سيكون سببه أولا و آخرا الدفاع عن المصالح الاستراتيجية في المنطقة الشرق أوسطية. و لذلك يعد إسراع ترامب في تهجمه على الاتفاق النووي و على سياسة إيران، و تلويحه باحتمال دخول الحرب ضدها و ضد روسيا من المسائل المطروحة اليوم على الساحة الدولية، ولن يقف التحالف الدولي مكتوف اليدين تجاه سياسة بوتين التي تعيد للأذهان أو تذكر بسياسة أودلف هتلر التي ذهب جراءها أكثر من خمسين مليون قتيل أو سياسة القياصرة الروس الذين كانوا طموحين إلى الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط و نحن نعتقد أن الشخصيتين. شخصية بوتين، و شخصية دونالد ترامب قريبتا الشبه من شخصية هتلر، و أن العام 2016 و مابعده أقرب شبها ب العام1916 و أن قضية دورة الفلك دورة كاملة قرنا من الزمان ليعيد التاريخ نفسه، أمر قد يكون أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال.

     سادسا- أن تنفض عرى التحالف الدولي الذي قطباه الرئيسان الولايات المتحدة و أوربا. و أن يضعف حلف شمال الأطلسي إلى درجة كبيرة بسبب حسابات ترامب المادية. و بالتالي أن يتنفس العالم الصعداء بعد فض ذلك التحالف، و ان تتغول بعض القوى الناشئة حديثاً و ذلك بسبب الخلل في التوازن الدولي و تخلي القطب الواحد الذي كان يتولى كبر المسألة عن دوره في السياسة الدولية و حسب ما كان عليه من قبل.

    سابعا- أن يبرز إلى الميدان المشروع الغائب (السني) الطابع بعد أن يقتنع الجميع أنه المشروع الذي لابد منه في مواجهة المشروع الشيعي الصفوي الذي تتبناه إيران و الذي تدعمه السياسة الأمريكية الحالية قصد إضعاف الإسلام و المسلمين.

    ثامنا- أن يتعمق التحالف الروسي الإيراني و أن يزداد خطورة في المنطقة الشرق أوسطية. الأمر الذي قد يؤدي إلى إخفاقات كثيرة و إلى انكسارات مزعجة و إن كانت آنية  و محدودة و  التي سيتم التغلب عليها بإذن الله تعالى. فللباطل جولة ثم سرعان مايتلاشى و يزول، و ذلك مماعليه البشر من قديم الزمان و إلى اليوم.

   تاسعا- أن تتنفس المعارضة السورية الصعداء. بعد انفضاض عرى  التحالف الدولي المؤلب ضدها، و أن تجد لها قوى داعمة بديلة و هذا يعني أن الكرة في القضية السورية ستعود إلى  مربعها الأول و أن جولات جديدة قد تكون أشد ضراوة ستشهدها المنطقة. قبل أن تلوي ذراع إيران، التي تحاول اليوم أن تتمدد تجاه المنطقة العربية كلها بدعم  من التحالف الدولي الذي يجد فيها ظهيرا قويا لسياساته في المنطقة.

    عاشرا- أن يقوى أمر الجهاد الإسلامي، و أن تتسع دائرته، و أن تنسلخ عنه بعض الصفات التي ألصقت به (كالإرهاب). و ذلك بعد أن يشعر الجميع و في مقدمتهم الحكام العرب أن اصطفافهم إلى جانب الأجنبي لن يأتي بخير، و انهم يرتكبون إثما كبيرا بتلك المواقف. الأمر الذي يقتضي منهم جمعيا العودة إلى  دائرة الجهاد الإسلامي ليواجهوا المشروعين الصهيوني الصليبي و الصفوي الشعي و هو أمر سيكون له مابعده إن شاء الله.

           وفي الختام:

      فإن دونالد ترامب يبقى شخصية يصعب تقدير مسارها أو تخمين المدى الذي يمكن أن يذهب إليه. و من غير الواضح إن كان سينجح في إدارة دولة عظمى لها استراتيجيتها و خططها المعدة مسبقا، و أووياتها و تقاليدها و مؤسساتها و خبراؤها المختصون الذي يعملون ليل نهار من أجل رسم سياساتها، فضلا عن تجاذباتها التي لاتستطيع صرف النظر عنها. لكن المؤكد أن صعود هذا الوجه الجديد إلى البيت الأبيض هو علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، و تعبير عن تفاعلات جرت تحت السطح ووراء المشهد الاجتماعي و الاقتصادي في بلد بهذا الحجم و هذه الأهمية. علاوة على أنه من تفاعلات ضمور الحضور الأميريكي في العالم، و الذي قد يكون فوز ترامب برهانا عليه و تفاقما له. و يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل يكون دونالد ترامب هو الذي يعيد بناء الولايات المتحدة الأمريكية بناء سليما و على الأسس التي أقامها عليه بناتها الأوائل، أم سيكون الرجل الذي سيجعل من البيت الأبيض بيتا أسود بمايفعل داخله من أفاعيل.

       ذلك مما يعد من مكنون الغيب، ومما ينتظره المراقبون بفارغ الصبر. و مبدأه سيكون يوم 20 نوفمبر/ كانون الثاني من سنة 2017م و هو اليوم الأول من رئاسة دونالد ترامب.

المراجع

 

http://orient-news.net/ar/news_show/106293/0/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%8A%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%A8%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B4%D8%BA%D8%A8-%D9%88%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B6

_____________

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top