المركز السوري سيرز - د. عبادة التامر
تشكل الحاجات الاقتصادية والمعيشية الحاجة الأكثر أهمية والتي تلي الحاجة إلى الأمن وربما تسير معها جنباً إلى جنب في حالة الشمال السوري.
ومع الإقرار بتحسب الواقع الأمني إلى حدٍ ما في المناطق الأربعة إلا أن التوجس والقلق مازال يتسرب إلى المجتمع وأفراده في هذا الجانب، فمن جهة منطقة ادلب (درع الربيع) مازال المجتمع غير متأكدٍ تماماً من إمكانية صمود وقف إطلاق النار الحالي وكيفية عودة الهجرين إلى منازلهم ومن هي الجهة التي ستشرف على تلك المناطق وآلية التعاون التركي-الروسي لإدارتها، إضافة لمسألة التنظيمات الراديكالية وآلية حل هذه العقدة ومداها الزمني.
أما منطقة غصن الزيتون فتشهد توجساً أمنياً من نوعٍ مختلف إلى حدٍ ما يتعلق بالتفجيرات والسيارات المفخخة من جهة والتي يمكن أن يقف ورائها إحدى جهتين (قسد أو مخابرات النظام السوري)، وهذه المسألة إضافة لحالة الاقتتال بين بعض الفصائل المسلحة وضعف دور المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني) والشرطة الحرة في ضبط الحالتين يشكل هاجساً أمنياً لدى المجتمع. وتنسحب هذه الحالة على منطقتي درع الفرات ونبع السلام.
لذلك يشكل هذا الجانب الحاجة الأولى لدى المجتمع المحلي للانطلاق نحو تثبيت نتائج نجاح العمليات العسكرية والجهد السياسي التركي وتحويلهما إلى واقعٍ يعيشه المجتمع المحلي بشكل أفضل.
يترافق مع الحاجات الأمنية وربما يتجاوزها في بعض الحالات الحاجات الاقتصادية والمعيشية للمجتمع المحلي في الداخل السوري – يتجاوزها لأنه في بعض الحالات يصبح العمل شديد الخطورة أمنياً ومع ذلك لا يستطيع الشخص إلا أن يقوم بعملٍ ما حتى يسد احتياجات الأسرة ولو كانت نسبة المخاطرة الأمنية تصل إلى 70 أو 90 في المئة-
ولمناقشة هذه المسألة بشكل علمي يجب التنويه إلا أن الشمال السوري يعتمد على ثلاثة مصادر أساسية للدخل وسد الاحتياجات المعيشية للمجتمع.
المصدر الأول: المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني العالمية والتي تقدم رواتب لموظفيها في الداخل ومساعدات عينية للمستفيدين.
المصدر الثاني: الرواتب التي يتلقاها المقاتلون وعناصر الشرطة والمعلمون والقضاة في الشمال المحرر عدا منطقة إدلب* وهي رواتب قد تكون رمزية (بين 500-800 ليرة تركية وربما تصل إلى 1000 في حالات نادرة).
المصدر الثالث: التبادل التجاري مع مناطق النظام وتسويق المنتجات المحلية الزراعية وغيرها عن طريق تجارٍ في مناطق النظام.
ومع تزايد انخفاض قيمة العملة السورية بشكل كبير وضعف المصادر الثلاثة للدخل في المناطق المحررة وواقع النزوح والعيش في المخيمات، يعيش المجتمع المحلي وتحديداً الطبقات الأشد فقراً فيه حالة من العوز والافتقار إلى بعض أبسط مقومات الحياة.
هذا الأمر أيضاً إلى جانب الشق الأمني يشكل أهمية فائقة لجهة خطورته ونتائجه التي قد تشمل بعض الانحرافات الاجتماعية وانتشار حالات الفلتان الأمني. لذلك يشكل هذان المحوران كلاً واحداً، ولا يجب الفصل بينهما. (الاقتصادي والأمني)
ومن الواجب التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية التركية لإيجاد طرقٍ لتثبيت نجاح الجهد العسكري والسياسي في تلك المناطق عبر تعميق حالة احساس المجتمع بالأمن –النسبي- وسد حاجاته المعيشية.
فعلى سبيل المثال تشكل عملية التبادل التجاري مع تركيا أحد أبرز الجوانب التي يمكن العمل عليها لتحسين الواقع الاقتصادي في المنطقة وتسويق المنتجات المحلية عبر التجار والمؤسسات التركية المختصة بعد وضع المعايير والمواصفات الضرورية لهذه العملية.
كما يمكن العمل مثلاً على انتاج بعض المنتجات التي تتمتع المنطقة بميزة نسبية في انتاجها الزراعية أو غيرها لصالح التصدير أو السوق المحلية التركية وعبر الشركات التركية.
كذلك تشكل مسألة التدهور المتزايد لقيمة العملة السورية هاجساً للطبقة الفقيرة من المجتمع وقد طرحت أفكارٌ عديدة من قبل مختصين محليين سواء في منطقة إدلب أو المناطق الأخرى لاستبدال النقد المتداول بالليرة التركية أو الدولار الأميركي.
أن تحسين الواقع المعيشي والخدمي والاقتصادي للمنطقة المحررة يشكل بلا أدنى شك المدخل الأكثر أهمية لتثبيت نجاح العمليات العسكرية والسياسية التركية، وتعميق الأخوة التي لمسها المجتمع المحلي، إضافة لإمكانية عودة اللاجئين أو بعضهم من تركيا.
وكذلك فإن تدهور هذا الواقع قد يحمل معه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة جداً وقد تهدد بنسف بعض الانجازات في المسارات الأخرى.