شعبان عبد الرحمن
خلال مسيرتها علي امتداد نصف قرن (1970م – 2020م)، ارتبطت #مجلة_المجتمع الكويتية باسم الشيخ الجليل #عبد_الله_العلي_المطوع، رئيس مجلس إدارتها – يرحمه الله – (1345هـ 1926م – 1427هـ 2006م)، وقد انعكست المكانة الكبيرة التي حظي بها الرجل في #الكويت وفي العالم الإسلامي أجمع علي تلك المجلة، بما أكسبها حضورا قويا علي الساحة الإعلامية والسياسية والفكرية، فالرجل كان – ولا أزكي على الله أحدا – مدرسة متكاملة الأركان.
فهو على الصعيد الاجتماعي رجل مجتمع من طراز فريد، بسط علاقاته مع المجتمع الكويتي بكل تفريعاته وطبقاته من أعلى الهرم إلى قاعدته العريضة، بل ومع الوافدين على الكويت والقاطنين بها، وقد حكمت حركته وعلاقاته قيمه الإسلامية الرفيعة التي صبغت عاداته العربية الأصيلة كشيخ قبيلة من الطراز الأول.
وهو على المستوي السياسي زعيم بكل ما تعني الكلمة، يتابع الشؤون السياسية على مستوى القطر وعلى مستوى العالم ويحتك ببعضها، ويتبادل الرأي بشأنها مع أصدقائه ومعارفه حول العالم، إضافة إلى عضويته في العديد من المنتديات.. كل ذلك كان يولد لديه أفكارا تتحول إلى كتابات وموضوعات تثري المجلة، كما أن متابعاته المتواصلة لقضايا الأقليات المسلمة وزياراته الميدانية للشعوب المنكوبة بالكوارث، انعكس على إيلاء المجلة تلك القضايا اهتماما كبيرا.
وقد دعم ذلك كون الرجل – يرحمه الله – من رجال الأعمال البارزين، فهو العصامي الذي بات من كبار التجار، وبات يدير ثروة كبيرة إدارة حكيمة يحكمها الحرص على إخراج زكاتها وصدقاتها لمستحقيها حول العالم، واستحق لقب “#رائد_العمل_الخيري_الكويتي“.
ومن خلال قيامي بمسؤولية إدارة تحرير المجلة على امتداد أحد عشر عاما (2004م – 2015م)، وتعاملي مع الرجل عن قرب، وبمناسبة احتفال المجلة يوم السابع عشر من الشهر الجاري بمرور نصف قرن على إصدارها، أستطيع أن أشهد أنه كان رغم كثرة مشاغله وأسفاره ظلت المجلة تشكل ركنا أساسيا في حياته، يبدأ يومه – تقريبا – بالاطمئنان عما ستتناوله في عددها القادم ويختتم يومه بمراجعة ما تم إعداده، وكان أي اتصال هاتفي يصله من “المجتمع” خلال تواجده في أي مكان بالعالم، يقطع عليه عمله ويسارع بالرد ولا ينهي المكالمة حتي يطمئن علي كل شيء.
وقبل إرسال المجلة إلى المطبعة كنت أقرأ عليه معظم الموضوعات المتفق عليها، وكان حريصا أشد الحرص على عناوين الغلاف الرئيسية. أما افتتاحية العدد فكانت تحظي منه بتدقيق بالغ باعتبارها تعبر عن الرأي الرسمي للمجلة. وكان ذلك يأخذ منه جهدا جهيدا، وكم سهرنا معا على الهاتف في مثل تلك الأعمال حتى ساعات متأخرة من الليل، ولم يمنعه من ذلك مرض أو تعب أو انشغال، وأذكر أنني عندما امتد بنا السهر في إحدى الليالي حتى الثانية صباحا أشفقت عليه قائلا: اتعبت حضرتك الليلة، فرد قائلا: والله أنا أكلمك ولا أستطيع التحرك من شدة المرض، لكن المجلة لابد أن تخرج في أحسن وضع.
وكان الباعث على السهر هو ذلك النقاش الصعب الذي كان يستغرق وقتا طويلا حول محتويات العدد الجديد، وقد شجعني على ذلك النقاش أنني في بداية التعامل اتقفنا على حرية النقاش والرأي ووفي معي بذلك – يرحمه الله – وقد اختلفت معه في موضوعات وقضايا وافتتاحيات المجلة، وأشهد أنه كان ينزل علي رأيي في كثير منها، وهو ما كان يثير استغراب القريبين منه.
وقبل وفاته بيوم واحد، كان عائدا من السفر، وكان أول ما بدأ العمل به فور وصوله للمطار اتصاله بي مستفسرا عن العدد الجديد من المجلة ومشدّدا على ضرورة كتابة افتتاحية العدد في موضوع ما يتعلق بقضية قطر من الأقطار، فأوضحت له أن عدم إثارة هذا الموضوع أفضل وقدمت له أسبابي، فقال إذا نلتقي غدا – إن شاء الله – بمكتبي عند صلاة الظهر لنحسم القرار الأخير بمشاركة بعض أصحاب الرأي في هذه القضية.
وفي صباح اليوم التالي اتصل بي وذكرني بالموعد، ثم أخذ يتكلم كلاما طيبا مازال محفورا في قلبي حتى اليوم. وبينما أتأهب للذهاب إلى مكتبه في الموعد المحدد اتصل بي سكرتيره الأستاذ أحمد راجج، فبادرته بالرد مطمئنا: سأكون عندك في الموعد، لكنه قاطعني قائلا بصوت متحشرج: أبو بدر تعيش أنت! .. جلست مكاني بلا حراك ثم نهضت، وبدلا من أن أتوجه إلى مكتبه أسرعت إلى المستشفى الذي امتلأ عن آخره بالناس، لألتقيه في آخر لقاء وجها لوجه – بعد أن أشار لي نجله الأستاذ يوسف بالدخول -، ساعتها تردد في خاطري قول الشاعر:
وما من كاتب إلا ويفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء … يسرك في القيامة أن تراه
مات “بوبدر”، وهو يعمل في ميدان كفاحه حتى اللحظة الأخيرة.. مات في مكتبه و”المجتمع” حاضرة في بؤرة اهتمامه.. مات بعد أنتهى من وضوئه استعداد لصلاة الظهر، وأسأل الله أن يكون لقاؤنا القادم في الفردوس الأعلى من الجنة.
تلك ملحمة الشيخ عبدالله العلي المطوع “بوبدر” الجندي الأول في بناء صرح مجلة “المجتمع” رويتها – من وجهة نظري وكما عاينتها – لأؤكد على أن الرسالة الإعلامية ذات الهدف النبيل لا يمكن أن تتحقق دون بذل وتضحية وإنكار للذات من كل الأطراف وعبر منظومة منسجمة، تؤمن بتلك الرسالة وتعمل بوعي ومهنية علي تحقيقها دون كلل، وذلك من أهم ما تعلمته من هذا الشيخ الجليل يرحمه الله.