محمد فاروق الإمام – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
الخوارج صفحة سوداء في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية
ليس من الغريب على أمة الإسلام، وهي ذات الحضارة والأمجاد، وذات التاريخ المليء بالصفحات المشرقات، أن تظلل بعض جوانبه الزاهية صفحات مخضبة بالدماء أو مجللة بالسواد، بفعل بعض الأيادي الخبيثة، التي كانت تمتد -بدهاء متقن-لتنفث سمومها إلى عقول بعض جهلة هذه الأمة من ذوي النفوس الضعيفة والرؤوس الخاوية، لتجعل منهم أداة لشق صف المسلمين، ومعولاً لهدم هذا الدين، خدمة لأغراضها الوضيعة، ولتنفّس عن أحقادها الدفينة. فقد عزَّ على هذه الطغمة الحاقدة أن تنتشر منارات التوحيد، وأن يعلو النداء الخالد.. الله أكبر.. الله أكبر.. فوق كل أرض وتحت كل سماء.
وكان لهذه الفئة الباغية الضالة حضور في كل زمان ومكان حتى يومنا هذا، تتخفى تحت أسماء ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، تقف في وجه الحق وأهله متحدية كل نواميس الحياة، تقتل وتسفك الدماء وتشيع الضلالات والبدع والانحرافات وتعمل على إغواء الشباب وحرف معتقداته تحت شعار (قال الله وقال رسول الله)، رافضة مواجهة علماء الأمة أو الحوار معهم، فما يعتقدونه ويبشرون به هو الحق والدليل عندهم، فعلماء الأمة وعامة المسلمين ممن لم يبايعوا أميرهم وقد علموا بوجوده؛ هم مرتدون عليهم أن يُستتابوا ويعترفوا بكفرهم حتى يُقبلوا في حظيرة الإسلام، معيدين سيرة من سبقهم من خوارج هذه الأمة.
أمراء التنظيمات المتطرفة ضالون مضلون
دَأَبَ كثيرٌ من عناصرِ وأمراءِ بعض التنظيمات المتطرفة العاملة اليوم في بلاد الشام على اتهام مقاتلي الجيش الحر بالضلال والعمالة للكفار، ومن اتهمهم فلا خير فيه؛ لأن النبي قال فيهم كما أخرج الترمذي وأحمد: “إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ”.
ويَمُنُّ هؤلاء على أهل الشام بأنهم جاؤوا لنصرتهم، بينما الواقع يدل على أنهم جاؤوا لغزو أراضيهم باعتبارهم كفاراً، وسلب خيراتهم في حقول النفط، والمطاحن، والبلدات المحررة، ألا يصدق فيهم قول النبي في البخاري ومسلم: “وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ”. مع أن المنّة لله ثم للجيش الحر على كل القادمين لنصرتنا؛ حيث عبَّدوا لهم بدمائهم الطريقَ إلى الشّام، ليتشّرفوا بمسّ ترابها والجهاد على ثراها.
فالخوارجُ لا يختصُّون بزمانٍ أو أشخاصٍ، وإنما هم فرقةٌ ضالّةٌ لها صفاتٌ، وكلُّ من اتَّصف بها أو ببعضها فهو منهم، ولذلك يظهَرون في الأمَّة كلَّ حينٍ إلى أن يظهر آخرُهم مع الدّجّال: ففي سنن ابن ماجه قول النبي: “يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ”، أي في جيوشهم.
صفات الخوارج وأماكن خروجهم
للخوارج صفات ذكرتها الأحاديث الشريفة، وينطبق كثير منها على أمراء وعناصر بعض التنظيمات المتطرفة التي حلت على أرضنا، وهي ليست تصرفات فردية كما يدَّعون؛ فإنّ تكرارها، وعظمها يدل على أنها سياسة لهذه التنظيمات، يتم تنفيذها بعلم أمرائها الكبار، وصفاتهم هي:
-يخرجون في آخر الزمان، وأكثر خروجهم من جهة الشرق (العراق)، كما هو حال (أبو بكر البغدادي، الذي أعلن الخلافة الإسلامية ونصب نفسه خليفة للمسلمين)، قال رسول الله كما في البخاري ومسلم: “سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ”. وفي مسند أحمد وصحيح ابن حبان قال رسول الله: “يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلام، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”.
من وراء فبركة تنظيم الدولة الإسلامية؟!
تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية هو فبركة مشتركة بين المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية والإيرانية أوجدته خدمة لإسرائيل؛ فقد كشف مؤخراً “إدوارد سنودن” الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية أن الأخيرة، وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية MI6″” ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة “الموساد” مهدت لظهور “داعش”.
ونشر موقع “ذي إنترسيبت” تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ”عش الدبابير”.
وأظهرت وثائق مسربة من وكالة الأمن القومي أن الأخيرة قامت بتنفيذ خطة بريطانية قديمة تعرف بـ”عش الدبابير” لحماية إسرائيل تقضي بإنشاء دين شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له وفقا لما أورد موقع “المواطن”.
وبحسب وثائق سنودن، فإن الحل الوحيد لحماية “الدولة العبرية” يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده.
حقيقة أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه أميراً للمؤمنين
كشفت تسريبات “ذي إنترسيبت” أن “أبا بكر البغدادي” خضع لدورة مكثفة استمرت لمدة عام كامل خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في الموساد، بالإضافة إلى تلقيه دورات في فن الخطابة ودروساً في علم اللاهوت، ولعل ما حدث على الأرض السورية يؤكد ما قاله “سنودن”.
-أكثرُ عناصرهم وأمرائهم صِغارُ السّنِّ، ويحرصون على أن يضموا إليهم الصغار لغسل أدمغتهم وحشوها بالأفكار التي يريدون؛ لأنَّ منهجَهم التكفيريَّ لا يقتنعُ به راشدٌ، وهم أيضاً سفهاء الأحلام؛ أي حمقى لا يحسبون عواقب تصرفاتهم، ولذلك يستعْبِدُهم أمراؤُهم الكِبارُ تحت شعار (السّمع والطّاعة للأمير): ففي البخاري ومسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ”.
-المكابرةُ، واحتقارُ الخلق، وردُّ الحقّ المخالف لهواهم، فإذا وافق هواهم قبلوه، وإن خالفه رفضوه وأوّلوه: يظهر هذا من نقاشِهِم لعليِّ بن أبي طالب، حين حاجَّهم في قولهم: (لا حكم إلا لله)، فلم يقتنعوا وقاتلهم حتى قتلوا عن آخرهم، وقال كما في صحيح مسلم: “كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ: “يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ – وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ – مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ”.
بداية ظهور الخوارج
-ظهر الخوارجُ في عهد علي بن أبي طالب يكفِّرون مرتكبي الكبائر، وأما أمراء هذه التنظيمات فلا يتبنَّوْن هذا المذهبَ نظريّاً وأما عمليّاً فإنهم يكفرون المسلم دون وَرَعٍ أو تثبُّت، ولو لمجرّد مخالفته لهم، ويعتقد كثيرٌ منهم أنّ الأصل في أهل الشام الردة، فأين هم من قول رسول الله في صحيح البخاري: “أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ”.
وإذا قيل عن هذه التنظيمات: ليسوا خوارج؛ لأنهم لا يكفِّرون مرتكبي الكبائر، فنقول: لم يرد في الأحاديث عن الخوارج الذين سيخرجون في آخر الزمان أنهم يكفرونهم، بل وصفتهم بأوصاف أخرى وكلها فيهم، علماً أنَّهم عملياً يكفرون المؤمنين بالتشهي ودون تثبت، وهذا أشنع وأقبح.
معاملة الخوارج للمسلمين من أهل السنة والجماعة
-يعاملون المسلمين بمعاملة الكافرين وإن حاولوا–نظريّاً-أن يظهروا بخلاف ذلك لكسب الحاضنة الشّعبيّة حتى يتمكّنُوا، ففي البخاري قال ابن عمر: “إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ”. ومن ذلك الغِلظةُ في معاملة المؤمنين بدل الرحمة والدّعوة، قال تعالى: (أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29). وقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (المائدة:54). ومنها شهر السلاح على المسلمين لأدنى الأسباب وأتفه الأمور؛ وفي مسند البزار قال رَسُول اللَّهِ: “إِذَا شَهَرَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَخِيهِ سِلَاحًا فَلَا تَزَالُ مَلَائِكَةُ اللَّهِ تَلْعَنُهُ حَتَّى يُشِيمَهُ عَنْهُ”. ومنها ظنُّ السُّوء بالمسلمين والمجاهدين الذين سبقوهم في الجهاد في الشام: كالعمالة والخيانة والرّدّة، ففي شعب الإيمان للبيهقي قال النّبيّ مخاطباً الكعبة: “ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ”.
-ومن صفاتهم عن النبي كما في البخاري ومسلم: “يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ”. فهم يحاربون مجاهدي الجيش الحر الذين فتحوا للمهاجرين باب الجهاد في الشام، فيطعنونهم في ظهرهم بمهاجمة المناطق المحررة، ولا يقاتلون النظام في جبهات حلب؛ ففي البخاري ومسلم قال رَسُولُ اللهِ: “سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ”. ولهم في ذلك ذرائع جاهزة ومعلّبة فيقولون: الجيش الحر مرتدُّون، أو سوف يرتدون، في قتلهم جَلْبُ مصلحةٍ حسب أهوائهم!!.
كثرة عبادتهم التي لا تنفعهم شيء
-يكثرون من العبادات: كالصلاة والصيام وقراءة القرآن، ولا ينتفعون بشيءٍ منها؛ لأنهم يحبطونها بتكفير المسلمين والاستهانة بدمائهم، ففي مسلم ومسند أحمد قال النبي فيهم: “يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ … لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ”. وعند ابن ماجه: “سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ”. وفي البخاري ومسلم: “لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ». وربما قرءوا القرآن يستدلّون به على مخالفهم ويكون كلامهم في الحقيقة حجّةً عليهم: ففي مسلم ومسند أحمد: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ”.
شعارهم في ألسنتهم دون الالتزام بأخلاق أو قيم أو دين
-شعارُهم الدّعوة إلى كتاب الله، ولكنهم يردّدونه بألسنتهم فقط، ولا يلتزمون به في معاملاتهم وأخلاقهم، كما نجده في كثير من أمرائهم وخاصة الأعراب منهم، ففي مسند أحمد قال النبي عنهم: “قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ … يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ”. وقال: “يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ”. فيدْعُون إلى خيرٍ يحبُّه النّاس، وفي التّطبيق العمليّ يؤَوِّلون الغدر والخيانة والكذب والفتنة وغيرها من صفات المنافقين بأنّها من السّياسة الشّرعيّة، وهي ضروريّةٌ لإقامة دولة الإسلام الخاصّة بهم، مع أنّ الخوارج في عهد علي بن أبي طالب كانوا يعُدُّون الكذبَ كفراً، لكن هؤلاء أضافوا وصف النّفاق إلى وصف الخوارج.
-لكثرة عباداتهم الظاهريّة، ودعوتهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، يغترّ بهم كثيرٌ من النّاس، وأكثر المنخدعين صغار السن، وطيّبو القلوب الذين يحبون الدين وأهله، ففي مسند أحمد قال رسول الله: “إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَتَعَبَّدُونَ فَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ”.
غلظة الخوارج ووقاحتهم وقلة أدبهم
-الوقاحةُ، والفظاظة، وقلّةُ الأدب مع الناس، وأكثر ما يلاحظ في هؤلاء، وهذا كله مخالف لهدي النبي، ففي البخاري ومسلم: أعطى النبي بعض المشركين من الغنائم، وعلّلَه بقوله: “إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ”، فَجَاءَ رَجُلٌ اسمه ذو الخُوَيْصِرة فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: “وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ بَعْدِي إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي”، ثم قال رَسُولُ اللهِ فيه: “إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ …”. وفي السنة لابن أبي عاصم: “إِنَّ فِي أُمَّتِي أَخًا لِهَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ”.
-الغُلُوُّ في الدّين والتّشدُّد فيه في غير موضع التّشديد، ففي مسند أحمد قال النبي في ذي الخُوَيْصِرَة: “فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ، كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”. مع أن النبي قال في مسند أحمد: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ”. ومن ذلك: أنهم يرمون المسلم بالكفر؛ لأنّه يتناول السيجارة مع إقرارنا بحرمتها، وإذا رأَوْا رايةً غيرَ رايتِهم كعلمِ الثورة السُّورية اتّهموا حامله بالشّرك والكفر وأنه طاغوت، وغير ذلك.
-الغدر، والخيانة، ونقض العهود، وتضييع الأمانات، بحججٍ واهيةٍ؛ كقولهم: هؤلاء كفار، أو هذا من السياسة الشرعية، ولذلك يحرمون الجيش الحر من الغنائم بعد ائتمانهم عليها، وقد يعطون أحداً يقاتلونه الأمان ثمّ ينكُثُون به، قال جل جلاله في أمثالهم: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (البقرة: 27)، ففي تفسير الطبري وابن المنذر: كان سعد ابن أبي وقاص يقسم أنهم الحرورية (أي الخوارج). مع أن هذه من صفات المنافقين: ففي البخاري ومسلم قال النبي: “آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”. وفي رواية عندهما: “وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ…وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر”