د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
انطلاقا من التصريحات التي صدرت مؤخرًا عن عدد من الدول الأوربية التي تتبني مقاربة مختلفة حول طريقة إدارة الأزمة الإيرانية، ففي الوقت الذي تلوّح فيه واشنطن بتضييق الخناق الاقتصادي بشكل أكبر، ويلوح ترامب بالخيار العسكري، نجد أوروبا لا تحاول إنقاذ! بل بدأت تشاطر واشنطن ضرورة تعديله، والتلويح بالانسحاب منه بعد التصعيد الإيراني الخطير الذي استهداف “أرامكو”!!!
لا شك بأن الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرنسا، ولقائه مع الرئيس إيمانويل ماكرون حيث بحثا تداعيات الأزمة الإيرانية؛ بدأ الانطباع يشير إلى أنهما يتبنيان المقاربة ذاتها، وتبعه دخول لندن، وبرلين على خط التضامن مع السعودية، وتحميل طهران المسؤولية الكاملة عن هجمات “أرامكو” من خلال بيان ثلاثي شديد اللهجة تم توجيهه إلى إيران.
لا شك أن خيارات إيران باتت ضيقة، وأصبحت تخشى أن تواجه دونالد ترامب مرة أخرى، إذا ما فاز في انتخابات 2020 الرئاسية في أميركا، هذا إلى جانب أنها قلقة كثيرًا من الانسحاب الأوروبي من الاتفاق النووي، هذا عدا أنه لا يمكن الرهان على الدعم الروسي، والصيني، في الوقت الذي لا تقومان بإجراءات جادة عمليا.
سارعت عبر وسائل إعلامها إلى توجيه أصابع الاتهام لعواصم صناعة القرار الأوروبية التي تبني خطابا مزدوجا… مرة بمساندة الاستراتيجية الأمريكية، ومرة اخرى بتفهم المصالح القومية الإيرانية دون تقديم أية امتيازات، وقد تؤدي إلى تخفيف الضغط عن إيران…
الحقيقة التي توصلت لها طهران تقول: إن أوروبا تماطل وتراوغ، ولم تُغير أبدا من موقفها الأصلي تجاه هذه الأزمة، وذلك منذ أن قرّر دونالد ترامب تمزيق الاتفاق النووي مع إيران واعتباره تهيداً للأمن والمصالح القومية الاميركية.
إن احتمال تنفيذ أوروبا لتهديدها بالخروج من الاتفاق النووي في حال مضي إيران بدبلوماسية حافة الهاوية، هذا إلى جانب خطوتها الرابعة من خفض الالتزامات بالاتفاق النووي، باتت مطروحة على الطاولة أكثر من أي وقت مضى، وربما تكون ممارسة أوروبا لمزيد من التصعيد الهدف منه هو إجبار طهران على القيام بالتراجع عن خطواتها، وأن هذه الاجراءات لن تمنح طهران القدرة على مساومة أوروبا مجددًا.
من المؤكد أن الأزمة تسير نحو مزيد من التعقيد بين أوروبا، وإيران، فالدبلوماسية الأوروبية مبنية على أساس أنه إذا ارادت طهران إنفاذ الاتفاق النووي فعليها التراجع عن الخطوات التصعيدية النووية، وضرورة القبول بتعديل الاتفاق النووي وفق مسارات تطال البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني الذي يشكل تهديدا حيويا على الإقليم بمختلف مكوناته.
والمسار الثاني: أن تتوقف السلطات الإيرانية عن سياستها العدوانية تجاه الإقليم، ودعمها للأذرع والمليشيات الطائفية.
العنصر الجديد -الذي دخل للضغط أوروبيا على طهران- لا شك هو خروج الأخيرة عن الخطوط الحمراء، وعن قواعد اللعبة السياسية، التي سمحت لها فيما مضى بزعزعة الاستقرار العالمي، من خلال محاولاتها استهداف أمن الطاقة العالمي بعد هجمات سبتمبر على منشآت “أرامكو”. والأيام حبلى بالمفاجآت!!!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي