محـمـد تـناح – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
ملخـص
تحاول هذه الورقة تبسيط مجريات الأحداث السياسية في الجزائر بعد انطلاق الحراك الشعبي يوم الجمعة 22 فيفري 2019م، ضدّ ترشيح الرئيس المخلوع “عبد العزيز بوتفليقة” لعهدة رئاسية خامسة، وإلى غاية تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية 12 ديسمبر من السنة نفسها. كما ستسلط الضوء على أسباب تطوّر مطالب الحراك من إسقاط العهدة الخامسة إلى إسقاط النظام السياسي بكل رموزه. ثم ستحاول شرح الأسباب التي أدت إلى استمرار الحراك لـ 10 أشهر رغم تنحية بوتفليقة بعد 40 يومًا من بدايته، وستجيب عن كثير من الأسئلة من بينها:
ماذا حدث بعد تنحية بوتفليقة؟
ومن استلم السلطة؟
ومن كان الحاكم الفعلي للجزائر طوال الأشهر الماضية؟
وهل بقي الحراك متماسكا؟
وكيف كان موقفه من رئاسيات 12 ديسمبر؟
مقدمة
في الثاني والعشرين من فيفري 2019م، انطلق الحراك الشعبي الجزائري، ضدّ عهدة رئاسية خامسة للرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ثم توسّعت مطالبه إلى إسقاط السلطة الحاكمة في كل البلاد، فتحقّق المطلب الأول، بينما لم تتحقق أهم المطالب الأخرى، ممّا جعل الحراك يستمرّ لقرابة 10 أشهر كاملة، إلى أن تمّ إجراء انتخابات رئاسية يوم الخميس 12 ديسمبر 2019م، رغم وجود رفض شعبي واسع لها. وطوال الفترة التي سبقت الانتخابات، اعتقد الموالون لإجرائها في موعدها، أن الغالبية العظمى من الشعب الجزائر تؤيد مسعى السلطة الفعلية ([1]) في إجراء الانتخابات الرئاسية، والبقية المعارضة مُجرّد أقلية. وبغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات، وظروف إجرائها، فإن رئاسيات 12 ديسمبر قد طغت على كل النقاشات السياسية داخل البلاد طوال الأشهر الماضية، باعتبارها قد قسّمت فعلا الشارع الجزائري بين مؤيد ومعارض، وأثارت فتنة كبيرة بين أبناء الشعب الواحد، فالموالون يعتبرونها الحلّ الوحيد للتخلص من العهد القديم، والمعارضون يعتبرونها مجرّد تجديد للنظام الحاكم. وبناء على ذلك، سنطرح السؤال الجوهري والرئيس:
هل السلطة الفعلية الحاكمة في الجزائر استغلت انتخابات 12 ديسمبر في تجديد نظام الحكم؟
ويندرج تحت السؤال الرئيس أسئلة فرعية منها:
من فاز في انتخابات 12 ديسمبر، حزب المقاطعون الذي يمثله الحراك الشعبي؛ أم حزب المشاركون الذي بات يعتبر من يخرج إلى الشارع كل يوم جمعة (بعد تنحية بوتفليقة) أقلية ومن بقايا الحراك؟
وهناك فصيل من هذا الحزب يصفهم بـ “أذناب فرنسا ([2])” أو “الزواف ([3])” وهم أيضا ضدّ الجيش الجزائري!!!
وماهي السيناريوهات المطروحة أمام الحراك الشعبي الحالي؟
وماهي الحلول المقترحة للأزمة السياسية الحالية؟
وهل سترضخ السلطة الفعلية لمطالب الحراك؟
وما مستقبل هذا الحراك؟
أولا: قبل حراك 22 فيفري؛ العهدة الخامسة وشرارة الثورة
قبل 22 فيفري 2019م، كان الجميع (ماعدا أنصار العهدة الخامسة وما قبلها من عُهد) متفقون على أن النظام السياسي الحاكم في البلاد لابد أن يسقط بكل رموزه السياسية والعسكرية، وهذا الموقف يعبّر عن الجهة ذات الطابع الراديكالي؛ التي تؤمن فقط بهذا الطرح؛ لإحداث تغيير حقيقي في البلاد. والجهة الأخرى أقلّ منها نبرة في التوجّه، كان هدفها الإطاحة فقط بالسلطة السياسية المتمثلة في الحكومة ورئيس الجمهورية مع الإبقاء على القيادات العسكرية، على أن يتنازلوا عن مناصبهم طواعية أو يأتي رئيس “منتخب” ليزيحهم جميعًا.
قبل 22 فيفري، لم يتوقع النظام الحاكم في البلاد – بواجهته المدنية ([4]) وسلطته الفعلية، وحتى المواطنون أن يخرج الشعب في حراك ثم يتحوّل إلى ثورة سلمية شملت كلّ مدن البلاد (ما عدا من كان يستشرف طوال السنوات الماضية حدوثها بناء على معطيات ومؤشرات اجتماعية خطيرة قد تؤدي يوما ما إلى انتفاضة ثم ثورة شعبية كبيرة ضدّ الجماعة الحاكمة وكانت تنتظر فقط سببًا لحدوثها)، وقد كان إعلان واجهة النظام المدنية ترشيح الرئيس المخلوع بوتفليقة لعهدة خامسة، وهو السبب المباشر في اندلاع ثورة سلمية شملت كل أطياف المجتمع الجزائري (ماعدا أنصار بوتفليقة والنظام الحاكم).
ثانيا: 22 فيفري؛ بداية الحراك وصدمة النظام البو تفليقي
في يوم الجمعة 22 فيفري 2019م، خرج مئات الآلاف من الجزائريين في معظم المدن الكبرى، فمثـّـلَ هذا الخروج صدمة للنظام، ثم خرج قائد السلطة الفعلية، في خطاب وصف فيه المتظاهرين بالمغرّر بهم ([5])، وكان بالفعل يقف ضدّ الحراك في بدايته، وقد استمر أفراد هم واجهة للنظام في مسعاهم نحو العهدة الخامسة.. وفي الجمعة التي تلتها زاد عدد المتظاهرين إلى الملايين، وتوسّع الحراك وامتدّ إلى مدن أخرى، وكانت ردّة فعل الشرطة مرنة. ومازال قائد السلطة الفعلية وأفراد الواجهة المدنية مُصرّين نحو التوجه إلى العهدة الخامسة… فتحوّل الخروج الشعبي من حراك إلى ثورة عظيمة. وهنا بدأت السلطة الفعلية في تغيير موقفها من الحراك، وقد تبيّن ذلك من خطابات قائدها ([6])؛ بعد التقارير التي وصلتها حول الحجم الحقيقي لعدد المتظاهرين والمدن التي شملتها التظاهرات. وكانت ردت فعل الواجهة المدنية سريعة في إلغاء العهدة الخامسة يوم الإثنين 11 مارس 2019م، ثم محاولتها الالتفاف حول مطالب الشعب بالتمديد، إلى أن وصلت إلى التخطيط لإقالة قائد السلطة الفعلية وإعلان ما أسمته هذه الأخيرة بـ “الحالة الاستثنائية” بعد إقالة قائدها، ثم تعيين قائد جديد لها سيقمع الحراك الشعبي.. كانت محاولة فاشلة مهدت الطريق نحو الضغط على الرئيس للتنحي ([7]) ثم إلقاء القبض على كبار رجال المال الفاسد، وعلى مهندس الواجهة المدنية شقيق الرئيس المخلوع (السعيد بوتفليقة) وقادة المخابرات السابقين (توفيق وطرطاق) ورميهم في الحبس، في خطوة اعتبرها جزء من الحراك “مجرد انتقام”، وتوالت الأحداث بعدها…
ومن ذلك:
1- ضغط قادة السلطة الفعلية على الرئيس المخلوع بالتنحي، وسجن رموز واجهة الحكم المدنية، وقادة المخابرات، واستحسنه الشارع.
2- بعد الإطاحة ببوتفليقة رجع ثلث الحراك إلى البيت.
3- تفاوتت أعداد المتظاهرين مع دخول شهر رمضان وفصل الصيف بين جمعة وأخرى، من بين الأسباب الموضوعية طبيعة الطقس خاصة في الجنوب.
4- بعد الدخول الاجتماعي نهاية فصل الصيف، بدأ الحراك يعود تدريجيا إلى ما كان عليه في الجمعات الأولى.
5- لماذا استمر الحراك رغم أن المطلب الأساسيّ بتنحي الرئيس قد تحقق؟
في الجمعة الأولى والثانية من الحراك كان المطلب يقتصر على إلغاء العهدة الخامسة، ثم تطوّر إلى إسقاط الحكومة وكل سلطة الواجهة المدنية، من خلال تطبيق مواد معينة في الدستور الحالي للبلاد (المادة 7([8]) و 8([9]) إقالة الحكومة التي عينها الرئيس المخلوع وتسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة تدير شؤون البلاد في فترة محدّدة تتفق عليها كل الأطراف وتحضر لانتخابات رئاسية جديدة) (والمادة 102([10]) إقالة رئيس الجمهورية بسبب حالته الصحية) بل كان هذا أيضا مطلب قائد السلطة الفعلية في خطاباته المُعلنة([11]) وطبقت المادة 102 بإقالة رئيس الجمهورية، وتولى عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوما. وباقي المواد لم تطبق. فاعتبره المتظاهرون خيانة لهم، فكان هذا السبب المباشر في استمرار حراكهم السلمي.
6- لم تستجب قيادة السلطة الفعلية لمطالب الشعب، وقد أدى هذا إلى التصعيد من فئة واسعة من الحراك، بحيث ظهرت ولأول مرة لافتات وأصوات تدعوا إلى إسقاط قائد السلطة الفعلية.
7- ومع ذلك بقي الحال كما هو، فالحراك متمسك بمطالبه، والسلطة الفعلية ترفض الاستجابة. ورغم الرفض الشعبي الواسع في الشارع، أعلن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح يوم الأحد 15 سبتمبر 2019م عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية بتاريخ 12 ديسمبر من نفس السنة.. وكان الحراك قبلها قد أسقط الانتخابات الرئاسية التي كان من المفروض أن تجرى يوم 4 جويلية 2019م أي بعد ثلاث أشهر من إقالة بوتفليقة.
ثالثا: مؤشرات الثورة المضادة ومحاولات السيطرة على الحراك
في الفترة التي تلت إقالة بوتفليقة، وسجن رجال المال الفاسد، وقادة الواجهة المدنية للنظام، والمخابرات السابقين، بدأت جهات في السلطة الفعلية تلعب على وتر الهوية، والتاريخ، لتوجيه الحراك والسيطرة عليه وفق مقاساتها، وقد عملت مجموعات “التفكير” التابعة لها على ترويج واسع النطاق لكتابات تصنع الكذب الممنهج والمبرمج، وتزيّف الحقائق، في شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإلكترونية، بالاعتماد على مجموعة كبيرة من الكتاب والصحفيين والمصورين، كان الهدف منها السيطرة على العقول وتضليلها، وتوجيه جُمهور المُخاطبين وقيادتهم نحو الأفكار التي ترغب السلطة الفعلية في أن يعتنقها الجميع، ثم اختراق الحراك، والسيطرة عليه، ثم القضاء عليه، وكل ذلك سيتم عبر مراحل:
المرحلة الأولى: تجنيد بعض الصفحات الكبرى على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك (باعتباره الأكثر شهرة واستعمالا في الجزائر) وفتح صفحات أخرى، لإعطاء صورة نمطية عن الحراك وأنه قد انتهى بخاصة بعد إقالة بوتفليقة وسجن العصابة، وأن كلّ من بقي في الشارع من بقايا الحراك مدفوعون مما يسموهم بـ “الدولة العميقة ([12])” و”أذناب فرنسا”، وهم أيضا ضدّ الجيش الوطني!، مع تكثيف الحرب النفسية ضدّ الحراك، ونشطائه البارزين، وتشويه صورهم. فضلا عن الضغط على القنوات الإعلامية الخاصة، بالكفّ عن تصوير الحراك الشعبي، مع إبراز جوانبه السيئة، في حال ما إذا وُجدت، وإخفاء الجوانب الإيجابية وطمسها وتجاهلها، واستبدالها بخطابات السلطة الفعلية، وإضفاء بروباغندا سياسية ([13])، واللعب على وتر الأمن والاستقرار، والتخويف من التدخل الأجنبي، والتحذير من أنّ البلاد ستكون في خطر “إذا لم تتوجهوا إلى انتخاب رئيس جديد يقود البلاد ويحميها من التدخلات الأجنبية”.
المرحلة الثانية: تقسيم الحراك، بضرب وحدته، بعد التركيز على مناطق معينة من البلاد وتخوينها ثم عزلها، ثم إعطاء صورة عن نهاية الحراك وانحصاره في هذه المناطق المشكوك في وطنية أبنائها.
المرحلة الثالثة: تقزيم الحراك وإفراغه من محتواه والسيطرة عليه بالقوّة إن لزم الأمر.
المرحلة الرابعة: بعد تنفيذ المخطط، ستختفي بعض أقلام بروباغندا التضليل والتخوين، إما بانسحابهم من صفحات الفيسبوك، بعد تقديم اعتذار لمتابعيهم والانصراف لأمور خاصة، أو غلقها مباشرة، أو تركها مع وقف نشاطهم الكتابي، ثم ستعود في الوقت الذي يُطلب منهم ذلك.
المرحلة الخامسة: سيعمل الرئيس المعين، منذ بداية تنصيبه على تقديم خطابات شعبوية مثل التي كان يقدمها بوتفليقة في بداية عهدته الأولى (واكتشف الجميع فيما بعد أنها كانت مجرّد كذب ووهم وخديعة كبرى)، في محاولة لجذب الملايين التي قاطعت الانتخابات.
المرحلة السادسة: سيقدم الرئيس المعيّن، فكرة الحوار مع الحراك، بناء على خطّة مسبقة ستضعها مجموعات “التفكير” التابعة للنظام، ستبدأ بإعداد قائمة ممن يسمونهم بـ “ممثلي الحراك”، معظمهم من الأقلام التي كانت ومازالت مع توجّه السلطة الفعلية، ثم سيتم الترويج لها على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، وربما حتى على قنواتهم الإعلامية الخاصة، لمعرفة ردة فعل الرأي العام، وتهيئته لقبول فكرة الحوار، باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة السياسية، وسيتم تنفيذ مخرجات هذا الحوار، وسيكون بعدها للسلطة الفعلية مبرر لمواجهة الحراك الشعبي بالقوة. لأنها ستقول “ها قد اخترتم ممثليكم، وتحاوروا معنا نيابة عنكم، ووصلنا إلى اتفاق مُرضي للطرفين، والآن لا مبرر لبقائكم في الشارع”. بمعنى آخر الحوار الذي تريده السلطة الفعلية هو حوار تكون نتائجه محسومة لها، وهذا سبب رفضها لبعض المبادرات الجادّة التي قدمتها بعض الشخصيات الوطنية خلال الأشهر الماضية دعت فيها السلطة للحوار الجاد ([14]). ولذلك فهي ستتحاور مع من كان يروج لخطاباتها في الأشهر الأخيرة، حتى وإن كان مع الحراك في أسابيعه الأولى ثم انسحب ورمى أفكاره في أحضانها.
وسيكتشف بعدها الحراك الشعبي أن السلطة الفعلية تحاورت مع نفسها فقط، مثلما حدث مع الحوار الذي دعا إليه الرئيس السابق عبد القادر بن صالح، من أجل التوافق على تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، وقد تم تأسيس هيئة الوساطة والحوار الوطني شهر جويلية 2019م من طرف رئيس الدولة، واكتمل تشكليها شهر أوت من السنة نفسها ([15])، وعُيّن “كريم يونس” منسقاً لها على أساس أنه شخصية وطنية، وهو من رموز نظام بوتفليقة، وقد تعرّض لانتقادات حادّة من المتظاهرين، ثم تمّ التحاور مع بعض الأشخاص من ما يسمى بـ “المعارضة” وأحزاب السلطة، أضْفتْ في النهاية إلى فرض منطق السلطة الفعلية في إجراء الانتخابات الرئاسية، مع تعيين سلطة عليا مستقلة لتنظيمها والإشراف عليها.
ولابد من التذكير أيضًا بالحوار الذي دعا إليه المخلوع بعد تعيينه رئيسا للجمهورية سنة 2014م، وكلف مدير ديوانه آنذاك أحمد أويحيى (المسجون حاليا بـ 15 سنة سجن نافذة بتهم فساد) بإدارة المشاورات مع الشخصيات الوطنية، والمعارضة، حول تعديل الدستور، ثم في النهاية اكتشف الشعب تلاعب هذه السلطة بالدستور، والقوانين، إلى أن انتفض ضدها بعدما قررت المُضي نحو العهدة الخامسة ([16])، والتي كانت سببا في الإطاحة بكبار رموزها، القابعين في السجون اليوم.
وكذلك التذكير بحوار 1994م، الذي قاده آنذاك عبد القادر بن صالح، تحت ما يسمّى بـ “لجنة الحوار الوطني”. وبعد الحوار والتشاور بين مختلف “القوى السياسية، وممثلي المجتمع المدني” آنذاك في عزّ الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد في غياب المعارضة الحقيقية، أعِدّت ندوة الوفاق المدني (فيفري 1994م) التي انبثقت عنها أرضية الوفاق الوطني، قامت بموجبها هيئات المرحلة الانتقالية. ثم تمّ إنشاء المجلس الوطني الانتقالي (برلمان المرحلة الانتقالية) وترأسه عبد القادر بن صالح. وكل هذه الخطوات أتت بعد انقلاب 11 جانفي 1992م على الشرعية الشعبية، وبعد حل البرلمان وإلغاء نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية (26 ديسمبر 1991م) التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتوقيف المسار الانتخابي.
وماذا بعد؟
1- بعد حملات التضليل الكبرى على شبكات التواصل الاجتماعي، وبروباغندا القنوات الإعلامية الخاصة والعامة، نجحت السلطة الفعلية في تحييد فئة معتبرة من الحراك، ونقلهم من الشارع إلى البيت، مع التحكم في نمط تفكيرهم، باعتبارهم محدودي التفكير، وليس لهم اطلاع سياسي طويل يمكّنهم من التمييز بين الحقيقة والتزييف.
2- كانت هذه الفئة رغم قلة عددها -مقارنة بين من مازال يخرج إلى الشارع أو مازال مع مطالب الحراك والتزم بيته- هي التي ستمر بها السلطة الفعلية انتخابات 12 ديسمبر، إلى جانب وعائها الانتخابي المعتاد الذي كان يصوت للرئيس المخلوع طوال العهدات السابقة.
3- في أثناء الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر، تم الترويج على نطاق واسع لفكرة: أنّ الغالبية العظمى من الشعب مع الانتخابات. والأقلية وهي التي مازالت تخرج إلى الشارع ضد الانتخابات. ولا تأثير لها مادامت هي أقلية. وستجرى الانتخابات في موعدها. لكن مسار الحملة الانتخابية والاستقبال المحتشم للمترشحين الخمسة أعطى انطباعا على أن الأغلبية ضد الانتخاب، فهل هذا صحيح أم مجرد وهم؟
ومن كانت له الأغلبية؟
رابعا: رئاسيات 12 ديسمبر، مقاطعة شعبية كبيرة
بدأ الصمت الانتخابي قبل يومين من موعد الانتخاب؛ وكان الجميع يترقب -موالاة ومعارضة- يوم الخميس 12 ديسمبر، تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية داخل البلاد.
صبيحة يوم الخميس 12 ديسمبر بدأ الاقتراع، بلغت نسبة المشاركة إلى غاية منتصف النهار 7.92% حسب ما صرّح به رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي ([17])، ثم في نهاية الاقتراع على الساعة 7 مساء صعدت فجأة إلى 41.13% مع احتساب نسبة الجالية في الخارج 8.69 بالمائة ستصبح 39.83% حسب النتائج الأولية.
بالأرقام الأولوية الصادرة عن سلطة الإنتخابات ([18]):
- الهيئة الناخبة المسجّلة داخل الوطن وخارجه = 24 مليونا و474 ألفا. و161 مسجلا، منهم 900 و14 ألفا و308 من الجالية في الخارج.
- المصوتون = 9 مليون و747 ألفاو804.
- مع حذف عدد الأوراق الملغاة الغير معبر عنها المقدرة بـ مليون و243 ألفا و458 صوتا، و11 ألفا 588 صوتا متنازعا فيه، وسيصبح العدد 8 مليون و504 ألفا و346 صوتا معبرا عنه. هذا هو العدد الكامل الذي صوت في انتخابات 12 ديسمبر.والمقاطعون = 14 مليونا و726 ألفا و357 صوتا.
بهذه الأرقام الرسمية الأولية المعلن عنها من السلطة العليا المستقلة للانتخابات ينتصر حزب المقاطعون بفارق يصل أو يقارب 5 ملايين.. وبالتالي فتلك الفكرة التي كانت تعتقد أن الأغلبية مع الإنتخابات قد أسقطتها الأرقام المذكور.
خامسا: مرشّح السلطة الفعلية نحو قصر المرادية!
أفرزت انتخابات 12 ديسمبر فوز المترشح المتوقع “عبد المجيد تبون”، وبكل تأكيد هو مرشح السلطة الفعلية، الذي ظلمته واجهة الحكم المدنية عام 2017م بعد إقالته من منصبه، وزير أول ([19]).
وطريقة إقالة تبون، أصبح يُروج لها في أثناء الحملة الانتخابية من جماعة البروباغندا السياسية، على أنها دليل يثبت أنّ الرجل هو المناسب لقيادة البلاد، وسيواجه “بقايا العصابة” وسيلبي ما تبقى من مطالب الحراك، بل هو مرشح التيار النوفمبري ([20]) الباديسي ([21]). وقد انساق وراء هذه البروباغندا محدودي التفكير. ولكن السؤال الذي تطرحه جماهير الحراك هنا: بما أن “تبون” المترشح المنقذ الفائز هو مرشح الجماهير التي كانت تروّج إلى نهاية الحراك وما تبقى منه هم “أذناب فرنسا” أو “زواف” ومجرد أقلية تقف ضد المؤسسة العسكرية.. كم تحصل على صوت من الأصوات المعبر عنها والتي ظهرت أنها قليلة جدا لم تصل إلى 40% من مجموع الهيئة الناخبة؟
وفقا للنتائج الأولية، تحصّل عبد المجيد تبون (المترشح الحر) على 4 ملايين و945 ألفا و116 صوتا، أي 58.15% من مجموع الأصوات المعبر عنها المقدرة بـ 8 مليون و504 ألفا و346 صوتا.
والأصوات الأخرى موزعة بين:
عبد القادر بن قرينة (مترشح عن حركة البناء الوطني) مليون و477 ألفا و735 صوتا، أي 17.38%.
علي بن فليس (مترشح عن حزب طلائع الحريات ويعتبر نفسه مرشح حر) 896 ألفا و934 صوتا، أي 10.55%.
عز الدين ميهوبي (مترشح عن التجمع الوطني الديمقراطي) 617 ألفا و753 صوتا، أي 7.26%.
عبد العزيز بلعيد (مترشح عن جبهة المستقبل) 566 ألفا و808 صوتا، أي 6.66%.
هذا يعني أن الجماعة التي صوتت على المترشح “تبون” عددها قرابة 5 مليون فقط هذا حجمها. أما من كانوا يوصفون بالأقلية تبين أن عددهم يفوق 14 مليونا كلهم قاطعوا انتخابات 12 ديسمبر.
بمنطقهم فكل هؤلاء الـ 14 مليونا هم “زواف” و”أذناب فرنسا” وأعداء لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي!
النتائج النهائية الصادرة عن المجلس الدستوري الجزائري يوم الإثنين 16 ديسمبر 2019م، والتي رسمت فوز تبون، ليست متباعدة كثيرًا عن التي أصدرتها السلطة العليا المستقلة للانتخابات وهي كالتالي ([22]):
داخل الوطن:
الناخبون المسجلون 23 مليونا و559 ألفا و853
الناخبون المصوتون 9 ملايين و675 ألفا و515
الأصوات الملغاة مليون و233 ألفا و460
الأصوات المعبر عنها 8 ملايين و442 ألفا و55
نسبة المشاركة 41.07 بالمائة
داخل الوطن وخارجه:
الناخبون المسجلون 24 مليونا و464 ألفا و161
الناخبون المصوتون 9 ملايين و755 ألفا و340
الأصوات الملغاة مليون و244 ألفا و925
الأصوات المعبر عنها 8 ملايين و510 ألفا و415
نسبة المشاركة 39.88 بالمائة
الأصوات التي تحصل عليها كل مترشح:
عبد المجيد تبون: 4 ملايين و947 ألفا و523 بنسبة 58.13 بالمائة
عبد القادر بن قرينة: مليون و477 ألفا و836 بنسبة 17.37 بالمائة
علي بن فليس: 897 ألفا و831 بنسبة 10.55 بالمائة
عز الدين ميهوبي: 619 ألفا و225 بنسبة 7.28 بالمائة
عبد العزيز بلعيد: 568 ألفا بنسبة 6.67 بالمائة
المقاطعون داخل الوطن وخارجه: 14 مليونا و708 ألفا و821.
سادسًا: من هو عبد المجيد تبون؟
عبد المجيد تبون (74 سنة) من مواليد 17 نوفمبر 1945م في ولاية النعامة جنوب غرب الجزائر، تخرّج من المدرسة الوطنية العليا للإدارة اختصاص اقتصاد ومالية سنة 1965م. شغل وظائف عليا في الدولة، بداية من أمين عام في عدّة ولايات جزائرية، ثم عُين ما بين 1991م- 1992م وزيرًا منتدبًا للجماعات المحلية، ثم أصبح وزيرًا للسكن والعمران عام 1999م، ثم وزيرًا للاتصال ما بين 2001م – 2002م، في حكومة “علي بن فليس”، ثم اختفى عن الساحة السياسية بعد تفجّر قضية بنك الخليفة الجزائري، المعروفة بفضيحة القرن.
وكان “تبون” من ضمن مجموعة الوزراء المشتبه بتورطهم في القضية، على خلفية إعطائه تعليمات لمدير صندوق التسيير العقاري الذي يشرف على إدارة الأملاك العقارية والإسكانية، بنقل أموال الصندوق من بنك حكومي لإيداعه في هذا البنك الخاص الذي كان يمنح فائدة أعلى بكثير من تلك التي تمنحها البنوك الحكومية، وتصل لـ 7 في المائة. لكنه نجا من التهمة ومثل أمام المحكمة في نوفمبر 2007م كشاهد فقط. ونفى جملة ما وُجه إليه أو أن يكون أصدر أي تعليمات مكتوبة في هذا السياق لأي هيئة تابعة لوزارته بذلك. وعاد “تبون” مجددًا إلى العمل الحكومي ليعين بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2012م وزيرًا للسكن، ثم كلّف عام 2017م، إضافة إلى منصبه كوزير للسكن، بإدارة وزارة التجارة بالنيابة، بعد وفاة وزير التجارة الأسبق بختي بلعايب ([23]). ثم يخلفه أحمد أويحيى بعد ثلاث أشهر.
وفي أثناء مجريات ترشّحه لرئاسيات 12 ديسمبر، يجيب تبون على سؤال حول علاقته بقضية بنك الخليفة، في حوار بثته قناة “الحياة” الخاصة في الجزائر، قال تبون: “هناك أطراف أرفض تسميتها، ضخّت أموالا طائلة في حساب الخليفة من أجل توريطي، ولا صلة لي بما سعوا لإلصاقه بي”([24]).
ويُذكر أنّ ابن تبون المدعو “خالد تبون”، متابع قضائيًا في قضية الـ 701 كيلوغرام من الكوكايين الشهيرة التي تفجّرت في صائفة 2018م، والمتهم الرئيس فيها المدعو “كمال شيخي” المعروف باسم كمال “البوشي – Boucher” (الجزار – بائع اللحم).
سابعًا: المقارنة مع تونس ومصر
هناك من يقارن بين نسبة المشاركة في انتخابات الجزائر 12 ديسمبر مع انتخابات تونس ومصر بعد الثورة، وانتخابات تونس الأخيرة.
1- منطقيا لا يجوز المقارنة بأوّل انتخابات رئاسية جزائرية في ظلّ الحراك، مع انتخابات رئاسية أخرى أتت بعد 8 سنوات من الثورة في تونس، المقارنة تكون مع انتخاباتهم الأولى بعد الثورة.
2- هناك تباعد كبير بين الإنتخابات الرئاسية بعد الثورة في تونس وانتخابات الجزائر 12 ديسمبر سواء من ناحية ظروف إجراء الإنتخابات أو من ناحية المشاركة. في تونس سقط النظام السياسي كاملا، وحُلّ الحزب الحاكم، ودخلت البلاد في مرحلة انتقالية دامت ثلاث سنوات، انبثق عنها دستور جديد، وقانون انتخابات جديد، وهيئة عليا مستقلة للانتخابات منظمة جيدا، ثم في 2014م أجْريت الانتخابات الرئاسية، وكانت نسبة المشاركة في الدور الأول قد بلغت 62%؛ وفي الدور الثاني 60%، ولم يكن هناك شعب في الشوارع رافض للانتخابات. أما في الجزائر، فلم يسقط النظام السياسي، وحكومته لم تتغير، وكل رموز النظام لم تتغير؛ ولم يتغير قانون الانتخابات، ولا يوجد دستور جديد، ولا سلطة عليا مستقلة للانتخابات منظّمة مثل التي في تونس (انبثقت ولكن غير منظمة)، ونسبة المشاركة 39.88% أقل بكثير من تونس. وهناك شعب في الشارع رافض لظروف إجراء الانتخابات. ([25])، حتى إذا قارنا مع انتخاباتهم الأولى الخاصّة بالمجلس التأسيسي أكتوبر 2011م والتي فازت بها حركة النهضة، فإن النسبة بلغت 70%. وانتخاباتهم الرئاسية 2019 بلغت 55% الأغلبية شاركت.
3- وفي مصر نسبة المشاركة في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة وصلت إلى 51% وهي الأغلبية مادام النسبة أكثر من 50%.
إذا لا مجال للمقارنة بين تونس ومصر مع الجزائر… فهناك فرق كبير وشاسع، وخاصة مع تونس.
ثامنا: مجريات الحراك وطريقة تعامل السلطة الفعلية معه
1- الطريقة التي تعاملت بها السلطة الفعلية مع الحراك الشعبي بعد إقالة بوتفليقة كانت سيئة الإخراج.
2- السلطة الفعلية كانت تعرف جيدًا أن نسبة المقاطعة ستكون كبيرة وقد اعترفت بذلك من خلال أرقامها الرسمية، التي يعتبرها البعض مُضخمة.
3- السلطة الفعلية مرّرت الإنتخابات في المرّة الثانية عندما تيقنت أنها نجحت في تحييد جزء من الحراك لصالحها حتى تستغله في تأطير الإنتخابات والمشاركة فيها.
4– الوعاء الانتخابي الذي شارك في الانتخابات ضمّ ما يلي:
- من كان يصوّت لبوتفليقة.
- الجديد في هذه الإنتخابات هو مشاركة فئة من المواطنين وهم الذين وصفتهم بمحدودي التفكير أغلبهم لم يشارك في الاستحقاقات الانتخابية السابقة وقد شاركوا هذه المرة اعتقادًا منهم أنّ النظام فعلا تغير، وهذه الإنتخابات ستنقل البلاد إلى عهد جديد، خالي مما يسموه هم بـ “الزواف ” و”أذناب فرنسا”.
- فئة شاركت في الانتخاب بمنطق “النكاية” تشفّـيًا في منطقة معينة من البلاد. وهذه الفئة لعبت دورًا كبيرًا في التأثير على الفئة الثانية محدودي التفكير.
- فئة لها حسابات خاصة مصلحية، مثل من يريد الحصول على اعتماد رسمي لحزبه، أو من يطمح لمسح ديونه، منهم بعض من شباب المستفيدين من قروض “أونساج – ANSEJ([26])“، بعض من شباب عقود ما قبل التشغيل الطامحون في الإدماج، المتخوفون من الإقصاء من قوائم السكن الاجتماعي إلخ.
- أتباع الأحزاب المشاركة في الإنتخابات.
كلهم مجتمعون لم يصلوا إلى 40% من مجموع الهيئة الناخبة المسجلة داخل وخارج الوطن. طبعا لا يصح تخوينهم جملة، كما لا يصح تخوين من هم في الحراك، ما داموا جزائريين، (فمن تثبت عمالته لأطراف خارجية فهو خائن يطبق عليه القانون كشخص)، الذي يصح قوله: هو أن الذين كانوا مع مسعى السلطة الفعلية في إجراء الانتخابات لم يكونوا صفا واحدا (فهناك فئة واسعة منهم هي في الأصل لا تريد تغيير النظام وهي من أنصار الرئيس المخلوع كانت لهم محاولات فاشلة في اختراق الحراك -ولا أقصدها في سياق هذا الكلام- اعتقدوا أن النظام ربما تغير فعلا، ولابد من انتخاب رئيسا جديدا لينقل البلاد إلى عهد يختلف تماما عن العهد القديم، وهذا يعتبره أنصار الحراك تقديرًا خاطئاً. في حين تنظر الجماهير التي مازالت في الحراك الشعبي أن النظام يريد من خلال هذه الإنتخابات تجديد نفسه، ولن يحدث تغيير بعدها، بل ربما ستعود البلاد إلى ما كانت عليه قبل 22 فيفري أو أسوأ.
تاسعًا: السيناريوهات والحلول
1- السيناريوهات:
السيناريو الأول:
أن يستمر الحراك ويُرفض الاعتراف بالرئيس الجديد ويرفض التفاوض معه، إلى أن يتم ّإسقاطه. وهذا يكلف الكثير من الوقت في حال بقاء الحراك مقتصرا على يوم أو يومين في الأسبوع. لأنّ التجربة الحالية المقتصرة على الخروج يوم الجمعة مع ثلاثاء الطلبة فقط، أثبتت أن النظام لا يستجيب لها بسرعة، والدليل هو مرور قرابة 10 أشهر ولم تستجب السلطة الفعلية لمطالبه الكاملة.
السيناريو الثاني:
يقبل الحراك التفاوض بشروط، بعد تكليف ممثلين حقيقيين له، وليس مزيفين كمثل القائمة التي أشرت إليها أعلاه. هؤلاء سيمثلون الحراك والأغلبية التي قاطعت الإنتخابات المقدر عددها بـ 14 مليونا. والتفاوض من المفروض سيكون مع السلطة الفعلية، لأنها هي الحاكم الفعلي للبلاد، أو مع من يمثلها (رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه).
2- الحلول:
يبقى السيناريو الثاني سيناريو التفاوض قائمًا، وسيكون بالشروط التالية:
- استمرار الحراك باعتباره الضامن الأول والأخير لتلبية المطالب الشعبية.
- تفويض ممثلين حقيقيين لا يساومون ولا يتلاعبون بمطالب الحراك، مهمتهم تقتصر على نقل مطالب الحراك إلى السلطة الفعلية والتفاوض معها نيابة عنه، وأن يكون لهم تواصل دائم مع الحراك.
- أن تقبل السلطة الفعلية بالحوار الجاد.
- إطلاق سراح سجناء الرأي والنشطاء السياسيين دون استثناء حتى الذين اعتقلوا في سنوات التسعينيات، لا يشمل هذا رجال المال الفاسد، ورموز النظام.
- التعهد بعدم اعتقال النشطاء السياسيين، والصحفيين، وكتّاب الرأي. وإلغاء كل المتابعات القضائية بحقهم سواء كانوا في الداخل أو في الخارج.
- فكّ الخناق الأمني عن ميادين التظاهر، خصوصا في العاصمة. ووقف الاعتقالات.
- إبعاد المتطرفين والمتنطعين عن الحوار من كل الأطراف، سواء من الحراك أو من أتباع السلطة الفعلية.
- وقف كافّة حملات التحريض والتخوين من الطرفين.
التفاوض مع السلطة الفعلية سيكون بناء على المطالب التالية:
- تشكيل حكومة كفاءات وطنية يمنع فيها كل من تقلّد مسؤوليات عليا في السنوات الثلاثين الماضية أو من كان يروّج لنظام بوتفليقة في الإعلام، أو كان عضوًا في حملته الانتخابية.
- يتنازل رئيس الجمهورية عن جزء من صلاحيته للحكومة الجديدة.
- تغيير قانون الإنتخابات جذريًا، مع إعادة هيكلة السلطة العليا المستقلة للانتخابات.
- وضع قانون العزل السياسي، بحيث يُطبق على كل من تقلد مناصب عليا في الثلاثين سنة ماضية، يشمل رؤساء الدوائر، والولاة، والوزراء، قادة أحزاب السلطة، على الأقل مدة فترتين انتخابيتين رئاسيتين، وإقصاء من ثبت فساده وإجرامه إلى الأبد.
- الاستقلالية التامة للقضاء.
- تحييد المؤسسة العسكرية عن السياسة والشأن المدني نهائيا. لا يقبلون في البداية، ولكن لابد من الوصول إلى تسوية معهم، تجبرهم على الانحياز إلى إرادة الشعب وحكم القانون ودولة المؤسسات، بحيث يكون الجيش خاضعًا إلى السيطرة الديمقراطيةDemocratic Control ([27])، بمعنى السيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة، حتى تتجنب البلاد صراعات قد تُضعف الدولة والجيش (من بين ما تتضمنه التسوية مثلا: تحصين كبار قادة الجيش الحاليين من المحاسبة، بمقابل امتناعهم من التدخل في الشأن السياسي والمدني، ثم يسلموا مناصبهم وديا إلى قيادات عسكرية جديدة بأمر من رئيس الجمهورية).
- إجراء انتخابات برلمانية وبلدية في وقت قريب جدًا، بحيث يعمل البرلمان الجديد على تأسيس دستور جديد للبلاد مع إشراك المجتمع المدني في المناقشات، ثم يُعرض على الاستفتاء الشعبي.
- الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة.
خاتمة
دخل الحراك الشعبي الجزائري شهره العاشر، ومازالت الملايين تخرج إلى الشوارع، معظمهم من الشباب، المتضررين من حقبة النظام البوتفليقي، مصرّين على تحقيق مطالبهم المشروع: (دولة مدنية يحكمها القانون). وبما أن الحراك مُستمر، فلابد من وضع هذه النقاط دائما في الحسبان:
1- تسعى بعض الأطراف في الداخل إلى اختراق الحراك وتوجيهه وفقًا لمقاساتها. ففي بداية الحراك مثلا سعى مُناصري الرئيس المخلوع إلى اختراقه من خلال تأييده بهدف السيطرة عليه، وبعد خسارتهم العهدة الخامسة ثم إقالة بوتفليقة، أعلنوا ولائهم للسلطة الفعلية، في محاولة منهم لتوجيه الأنظار عن سيئاتهم، والنجاة من المُحاسبات القضائية. أما حاليًا يسعى الطرف الاستئصالي الذي برز بشكل كبير في محرقة التسعينيات (الداعم الرئيس للنظام آنذاك ضد الإسلاميين) إلى اختراق الحراك، والسيطرة عليه… وتبقى كل هذه المحاولات مكشوفة وفاشلة، ومرفوضة من شباب الحراك.
2- النظام الحاكم في الجزائر منذ نصف قرن، لن يتنازل بسهولة عن الحكم، ولن يسلّم السلطة إلى الشعب بهذه السهولة.
3- بعد أي تحرّك شعبي يسعى النظام الحاكم إلى تجديد نفسه بطرقه الخاصة.
4- الصندوق ليس معيار للسلطة الفعلية أبدًا فهو مجرّد وسيلة يتم من خلالها إعطاء انطباع للقوى الكبرى أن الجزائر يعيش انتخابات وديمقراطية…
5- تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، يعني أنّ النظام الحاكم في الجزائر قد نجح في تجديد نفسه، باعتبار أن (تبون) هو واحد من رموز واجهة النظام المدنية، الذي شغل مناصب عليا في الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان آخرها؛ منصب وزير أول سنة 2017م في العهدة الرابعة من فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة.
6- إن وافق الحراك على التفاوض، ستحاول السلطة الفعلية في البداية التلاعب بمخرجات الحوار، لكن مع استمرار ضغط الشارع، سيجبرها على تحقيق المطالب. ولذلك وكما أشرت، فإنّ استمرار الحراك سيبقى الضامن الوحيد لتحقيق المطالب الشعبية.
7- يبقى مستقبل الحراك مرهونا بمدى استجابة السلطة الفعلية لمطالبه المشروعة.
إن الديمقراطية تفرض على من يُؤمن بها احترام آراء كل الأطراف ماعدا من يمارس العنف اللفظي أو الجسدي. أو من له أجندات خاصة هدفها إثارة الفتنة بين أبناء الشعب الواحد واللعب على وتر الهُوية والتاريخ.
-الهوامش-
([1]) السلطة الفعلية هي قيادة الأركان ممثلة في الجنرال أحمد قايد صالح (79 سنة)، ثم بعد وفاته المُفاجئة بـ “أزمة قلبية” صبيحة الإثنين 23 ديسمبر 2019م، خلفه قائد القوات البرية اللواء سعيد شنقريحة.
([2]) أذناب فرنسا يقصد بهم عملاء فرنسا في الداخل، أو حزب فرنسا.
([3]) الزواف ((Zouaves مصطلح تاريخي يعبر عن الخيانة والعمالة للخارج، وفرنسا على وجه التحديد. وهو تحريف فرنسي أخِذ من “زوافة zuave ” = النطق التركي لكلمة زواوة، أطلق على ما تبقى من فرقة الزواوة التي أنشأها العثمانيون قبل الإحتلا الفرنسي (كانت متواجدة في منطقة القبائل) كما ضمت أيضا بعض من العرب والكراغلة والزنوج الأوائل الذين تم تجنيدهم في الجيش الفرنسي بعد شهر من الإحتلال الفرنسي للجزائر، وكان أكثرهم من الزواوة zouave. كانت مهمة الزواف الأساسية تتمثل في مساندة الفرنسيين في إحتلال المناطق الجزائرية الرافضة للتواجد الفرنسي في الجزائر. للمزيد أنظر: https://bit.ly/38H9Ejx . في السنوات الأخيرة، تم توظيف كلمة زواف خارج سياقها التاريخي. وقد تم إستخدامها بشكل واسع أثناء الحراك الشعبي وخاصة بعد تنحية عبد العزيز بوتفليقة، لتُستغل في إثارة الفتنة بين الشعب الواحد.
([4]) واجهة النظام المدنية هي رئيس الجمهورية وحكومته.
([5]) خطاب قايد صالح الذي وصف فيه المتظاهرين بالمغرر بهم:
([6]) خطاب القايد صالح الذي دعا فيه إلى تطبيق (المادة 102) من الدستور:
([7]) فيديو تنحية عبد العزيز بوتفليقة: https://bit.ly/2POcTNp ، بيان الإستقالة: https://bit.ly/2RRBtjh
([8]) نص (المادة 7) من الدستور الجزائري: “الشعب مصدر كل سلطة”.
([9]) نص (المادة 8) من الدستور الجزائري: “السلطة التأسيسية ملك الشعب. يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها. يمارس الشعب هذه السيادة أيضا عن طريق الإستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين”.
([10]) نص (المادة 102) من الدستور الجزائري: “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع. يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 104 من الدستور. وفي حالة إستمرار المانع بعد إنقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشغور بالإستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادة. في حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويُثبِت الشغور النهائي لرئاسة الجمهوريّة. وتُبلّغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا. يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها إنتخابات رئاسية. ولا يحِق لرئيس الدولة المعين بهذه الطّريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية. وإذا إقترنت إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة. وفي هذه الحالة، يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة. يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشروط المحددة في الفقرات السابقة وفي المادة 104 من الدستور. ولا يمكنه أن يترشح لرئاسة الجمهوريّة”.
([11]) خطاب القايد صالح الذي دعا فيه إلى تطبيق (المادة 7 و8) من الدستور: https://bit.ly/35xdkCN
([12]) يقصدون بها جماعة قائد المخابرات الجزائرية السابق توفيق مدين والمسجون حليا بـ 15 سنة حبس نافذة.
([13]) أشْتهر مفهوم البروباغندا السياسية بداية من 13 مارس 1933م، عندما عُين باول يوزف غوبلز Paul Joseph Goebbels (29 أكتوبر 1897م – 1 مايو 1945م) على رأس وزارة الرايخ لتنوير الرأي العام والدعاية أثناء الحقبة النازية في ألمانيا. ومن بين الأساليب التي اتبعها غوبلز هي إتخاذ التكرار كأسلوب من أساليب الدعاية الجيدة لتوجيه الرأي العام. وقد إبتكر غوبلز فن صناعة الكذب وتزييف الحقائق بالإعتماد على الكتاب والصحفيين والمصورين والسينمائيين. وكانت من بين أشهر مقولاته: إكذب ثم إكذب وإكذب وأخيرًا سيضطر الناس إلى تصديقك.
([14]) من أبرزها المبادرة التي تقدمت بها 16 شخصية دينية وطنية من بينها عميد علماء الجزائر الشيخ محمد الطاهر آيت علجت ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرزاق قسوم نهاية شهر مايو 2019م. تضمنت المبادرة حزمة من المقترحات للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد، أهمها تنظيم ندوة للحوار الشامل، وتفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، وإسناد المرحلة الإنتقالية لمن يحظى بموافقة أغلبية الشعب. أنظر: 16 شخصية دينية وطنية تطرح مبادرة للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد، (الجزائر: الإذاعة الجزائرية، 31 مايو 2019م)، في: https://bit.ly/2qUFTuJ
([15]) تشكلت لجنة هيئة الوساطة والحوار الوطني من 41 من الشخصيات الوطنية، بينهم وزراء سابقون، وأساتذة جامعيون و”خبراء”، ومن ما أسمتهم الهيئة “نشطاء في الحراك الشعبي”.
([16]) كان الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن رسميا نيته في الترشّح لعهدة خامسة يوم الأحد 10 فيفري 2019م، لرئاسيات 18 أفريل من نفس السنة والتي ألغيت فيما بعد.
([17]) للمزيد أنظر: رئاسيات 12 ديسمبر: نسبة المشاركة بلغت 7.92 بالمائة على الساعة 11 صباحا، (الجزائر: وكالة الأنباء الجزائرية، 12 ديسمبر 2019م)، في: https://bit.ly/2LWN50E
([18]) أنظر: النتائج النهائية للإنتخابات الرئاسية 12 ديسمبر 2019، في: https://bit.ly/2EoeC6U
([19]) عُين وزيرًا أولا نهاية شهر مايو 2017م، ثم أقيل شهر أوت من نفس السنة، وخلفه أحمد أويحيي، للمزيد أنظر: https://bit.ly/36HCNt1
([20]) النوفمبرية نسبة إلى ثورة التحرير الجزائرية ومبادئها الموثقة في بيان أول نوفمبر.
([21]) الباديسية نسبة إلى العالم الجزائري ورجل الدين الإصلاحي عبد الحميد بن باديس.
([22]) أنظر: بيان المجلس الدستوري حول النتائج النهائية لإنتخاب رئيس الجمهورية ليوم 12 ديسمبر 2019، في: https://bit.ly/350SVF3
([23]) أنظر: عبد المجيد تبون… رمز قضية بنك الخليفة رئيسا للحكومة الجزائرية، (العربي الجديد، 24 مايو 2017م)، في: https://bit.ly/34tQ5I6
([24]) أنظر: تبون: حقيقة صلتي بالخليفة وقروض الـ 50 مليار دولار، (الجزائر: الشروق أون لاين، 18 أكتوبر 2019م)، في:
https://bit.ly/2RWOeZP
([25]) فهي في الحقيقة رفض لظروف إجراء الإنتخابات، وليس رفض الإنتخابات كآلية اقتراع تفرز رئيس جمهورية مُنتخب من الأغلبية الشعبية.
([26]) “أونساج – ANSEJ” هي الوكالة الوطنية لدعم الشباب وتشغيلهم، أنشئت عام 1996م مكلفة بتشجيع والشباب الجزائري العاطل عن العمل والبالغ من العمر (19 – 35 سنة)، ومرافقتهم في إنشاء مؤسساتهم الخاصة بقروض بنكية.
([27]) تعتبر السيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة شرطا مسبقا لضمان احترام السيادة السياسية للسلطات المدنية المنتخبة ديمقراطيا، من خلال: حماية سيادة القانون وحقوق الإنسان – خدمة القوات المسلحة لمصالح السكان والتمتع بالدعم والشرعية الشعبية – توافق سياسات وقدرات الجيش مع الأهداف السياسية للبلاد وتتناسب مع موارده – ولا يساء إستخدام الجيش لأغراض سياسية. يخضع الجيش إلى السيطرة الديمقراطية من خلال الأدوات التالية: سيطرة مدنية: للسلطة المدنية سيطرة على مهام الجيش وتكوينه، وميزانيته وسياسات المشتريات الخاصة به. والسياسة العسكرية والموافقة عليها تتم من قبل القيادة المدنية، ولكن سيتمتع الجيش باستقلالية كبيرة في تحديد العمليات المطلوبة لتحقيق أهداف السياسة التي تحددها السلطة المدنية.
حكم ديمقراطي: تشرف المؤسسات البرلمانية والقضائية الديمقراطية، والمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة على أداء الجيش. وهذا يضمن مساءلة كل من المواطنين والحكومة، ويعزز الشفافية في قراراته وإجراءاته.
خبرة مدنية: المدنيون لديهم الخبرة اللازمة للحصول على المسؤوليات المتعلقة بإدارة ومراقبة الدفاع. مما يخفف من حدّة الإحترام للخبرة المهنية للجيش، ولا سيما أن المدنيين كثيرا ما تكون لديهم خبرة تنفيذية محدودة.
عدم التدخل في السياسة الداخلية: لا الجيش كمؤسسة، ولا القادة العسكريين كأفراد.
الحياد الأيديولوجي: لا يؤيد الجيش أي أيديولوجية معينة تتجاوز الولاء للدولة.
الحد الأدنى من الدور في الاقتصاد الوطني: قد يكون للجيش قطاعات إقتصادية كبرى مرتبطة بالدفاع، ومع ذلك هذا لا يجب أن يضعف ولاء الجيش للقيادة المدنية الديمقراطية، ولا يقوض مهمته الأساسية أو يؤدي إلى تنافس أو تدخل غير متناسب مع القطاع الصناعي المدني.
القيادة الفعالة: تضمن المساءلة أمام المجتمع ومؤسسات الرقابة التابعة له، وتعزّز الإحترام لجميع القوانين واللوائح ذات الصلة، وتسعى إلى ضمان الإحتراف في الجيش.
احترام حقوق الأفراد العسكريين: بحيث يتمتع أفراد القوات المسلحة بحرية ممارسة حقوقهم. أنظر:
Democratic Control of Armed Forces, (Geneva Centre For the Democratic Control of Armed Forces, 05,2008), p: 2-3.