في الوقت الذي يقرب فيه انطلاق جنيف 4 ، وبمناسبة مرور خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية ، وفي الوقت الذي نشهد فيه طروحات استعمارية جديدة لتفتيت المنطقة وإعادة تركيبها من جديد وفق رؤية جهنمية مخيفة، من خلال طرح شعار الفيدرالية وأنها هي الحل الأمثل للأزمة السورية ، يحدث الانفجار الذي هز العاصمة أنقرة، وأودى بحياة أربعة وثلاثين من المواطنين الأتراك الأبرياء ، وما يزيد عن سبعين جريحاً.
تأتي محاولة تفسير دوافع انفجار أنقرة الارهابي وتوقيته ، ومن يقف ورائه ؟ ومغزى ذلك ؟ .
ثمة من يربط الانفجار بمواقف النظام السوري ، المستفيد الأكبر طبعاً ، والحسابات الداخلية التركية المرتبطة ، بتصفية الحسابات بين الفرقاء السياسيين ، لا سيما فيما يتعلق بملابسات النزاع الدائر بين الحكومة التركية، وحزب العمال الكردستاني. و سعي بعض الأحزاب المنافسة لأهداف يُراد تحقيقها، بغية إحراج الرئيس أردوغان وحكومته التي استطاعت نقل تركيا إلى عهد سياسي واقتصادي وإستراتيجي جديد، استطاعت من خلاله قيادة المنطقة والاقليم عن جدارة.
مكان الانفجار بالقرب من المنشآت الحكومية الحساسة ، وقد جاءت هذه الانفجارات رغم الإجراءات الأمنية الكبيرة والدقيقة لكن المنفذين- للأسف الشديد – تمكنوا من الوصول لأهدافهم ، وهذا يدل أن مثل هذه العمليات لا تتم من دون تنسيق أجهزة استخباراتية مرتبطة بدول لها مصلحة في تفجير الوضع الأمني في تركيا ، وتسعى لإثارة الفوضى غير الخلاقة فيها .
يأتي انفجار أنقرة أيضاً، تزامنا مع الفترة التي تشن فيها الحكومة التركية حملة لمواجهة أعضاء منظمة “حزب العمال الكردستاني”، التي تصفها بـ “الإرهابية”، وفي سياق حرب تركيا ضد تنظيم داعش ، ومحاولات النظام السوري ومن يرعاه لنقل الإرهاب إلى الداخل التركي لإجبارها على مراجعة سياساتها ضد بشار الأسد ومليشياته .
المثير في الموضوع أن تركيا تشهد أعمال إرهابية ممنهجة وبشكل مرتب ضمن برنامج مُعد سابقاً في أنحاء مختلفة من الجغرافيا التركية، مستهدفة قطاعات السياحة والاقتصاد ومنشآت الدولة الحساسة . وإن حدوث هذا الانفجار في قلب العاصمة التركية أنقرة، له دلائل وإشارات سياسية للحكومة التركية التي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استهدافها بهذه الصورة الإرهابية الدموية الدنيئة .
في حين يُعتبر هذا الانفجار الذي هز بعض مؤسسات الدولة السيادية في العاصمة “أنقرة” هو الأعنف من نوعه، ولا سيما في فترة حرجة تمر بها تركيا، وهي فترة توتر علاقات تركيا مع روسيا وإيران ونظام بشار الأسد وإسرائيل معاً ،ويأتي هذا الانفجار الإرهابي بعيد إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي التركي – السعودي ، وتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب بمشاركة تركية فاعلة . هذه التطورات الخاصة بمواقف تركيا المشرفة ، تؤشر إلى بوصلة المستفيدين من خلخلة الوضع الأمني في تركيا ، واستهداف استقرارها ومحاولة إجبارها على تغيير مواقفها السياسية، وهذا لن يتم ؛ نتيجة مواقف الحكومة التركية الداعمة لقضايا الأمة في الحرية والديمقراطية ، والوقوف إلى جانب شعوبها المقهورة ؛ لا سيما في سوريا . .
ولابد من الإشارة إلى أن النظام السوري والقوى الخارجية الداعمة له ، فهي دول تسعى لزعزعة الاستقرار والأمن التركي منذ زمن ، حيث كان الرد التركي عقب التفجيرات واضحاً جلياً على لسان الرئيس أردوغان ” أن تركيا ستقف ضد الإرهاب والداعمين له بقوة وإصرار وعزم لا يلين”.
من المؤكد أن تركيا والمنطقة تمر بمرحلة هي الأصعب، نتيجة وجود المخططات التي تستهدف أمنها واستقرارها ووجودها ، وأن الغربان السوداء التي تحلق في سمائها، وتبث نعيقها ورسائلها الدموية ،لن تثني تركيا أو ترعبها ، وأن تركيا الحرية والديقراطية والنمو الإقتصادي ماضية ومستمرة في رسالتها وواجبها الأخلاقي والإنساني بدون تقهقر أو تردد. .