أصدر المركز المغاربيُّ للدِّراسات، كتابه الثَّاني تحت عنوان “مؤشِّرات قرآنيَّة نموذج لرصد حركة التَّاريخ” للدُّكتور نزار كريكش.

الفكر الإسلاميُّ و التُّراث الذي بين أيدينا لم نحسن أَنْ نصنع منه نماذج تفسيريَّة للواقع الذي نعيشه، و الاهتمام المنصبُّ حول الماضي في دراسة التَّاريخ، أو ذاك الذي يبغي تغيير الواقع عبر العودة للشَّريعة الإسلاميَّة ،أو من خلال التَّغيير المتدرِّج، أو عبر خلق بيئة من الحرِّيَّة لتطبيق تلك الشَّريعة، كلُّه فكر يدور بين الماضي و الحاضر، هذا الفكر لا يملك القدرة التَّفسيريَّة لبناء النَّماذج المعرفيَّة و دراسة المستقبل.

وهو كتاب فكري ولا حدود له، يتعمَّق في هذا المجال، ويرى الكاتب أنَّ الباب الذي يجب أن يفتح لدراسة الأحداث وتوقُّع مآلاته عبر فقه السُّنن الإلهيَّة ونظريَّة الوحدة القرآنيَّة، وأنَّ هاذ الأمر لن يتمَّ إلَّا بنموذج معرفيٍّ يحدِّد القضايا الأساسيَّة التي يجب أن نتابعها في المجتمع الذي نريد تغييره أو الأحداث التي نتعامل معها. الفرضيَّة الأساسيَّة في الكتاب هو أنَّ ترتيب القرآن الكريم و التِّكرار الذي يعيبه البعض على القرآن لا يجب التَّعامل معه كنقيصة في هذا النَّصِّ الألهيِّ الكريم، بل هو نموذج كامن يمكن أَنْ نحدِّد منه القضايا الأساسيَّة التي ندرِّس بها المجتمع.

الكتاب قام بذلك، فاختار خمس سننٍ أساسيَّة هي التي تشكِّل النَّموذج المعرفيَّ الذي نبحث عنه، هذا النَّموذج هو سرُّ ترتيب القرآن، وأنَّ الوحدة القرآنيَّة التي كتب عنها كثيرون تدور حول خمس سننٍ أساسيَّة هي: سنَّة الهداية، والتَّدافع، والتَّنازع، والجزاء، والاستخلاف، هذه السُّنن تبحث عن أسئلة أساسيَّة في أيِّ مجتمع بشريٍّ، وهي الطَّريقة التي ينظر بها النَّاس وحكَّامهم للمستقبل ومستوى التَّوقُّعات داخل المجتمع، القوى المجتمعيَّة وتوازن حركة هذه القوى، التَّفاوت الطَّبقيُّ وتماسك المجتمع، أثر الزَّمن على هذا التَّفاوت و حجمه، ثمَّ التَّغيرات الدِّيمغرافيَّة و البيئيَّة و التَّنمويَّة. هذه الخماسيَّة يدرسها الكتاب في القرآن و التَّاريخ، و يضع نموذجاً جامعاً عبر الوحدة القرءانيَّة و السُّنن الاجتماعيَّة، الفكرة جديدة طرحت للإنضاج، ولفتح باب الدِّراسات المستقبليَّة عبر الدِّراسة المعمَّقة للتُّراث كما هو في كتب السَّلف دون ليٍّ لأعناق النُّصوص، بل عبر الاستقراء و الفهم الموضوعيِّ لكتاب الله.