• "رسائلٌ إيجابية" بين الأطراف الكُردية.. تمنياتٌ مثقلة بالتحديات

    بعد سلسلة محاولات متعثرة لتشكيل مظلة سياسية كردية؛ أطلقت قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" بدفع أمريكي مؤخراً دعوة تبين فيها رغبتها بتسهيل الحوار والتوافق بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي/ الإدارة الذاتية، وقد لاقت هذه الدعوة صدى بين الأطراف الكُردية.

    ولأهمية الموضوع لما له تأثير على تفاعلات الأطراف المحلية على الخارطة السورية المعقدة، يحاول تقدير الموقف هذا توضيح السياقات الحالية وربطها بالتجارب السابقة، وذلك للوقوف على ما يمكن أن يتمخض عن هذه المحاولة في ظل مشهدٍ سوريٍ شديد التحول والحركية.

  • أثر نتائج حرب حزيران/ يونيو 1967 على الأحوال الثقافية لفلسطينيي الـ 48

    مثّلت الحرب العربية – الإسرائيلية الثالثة عام 1967 نقطة تحول رئيسة؛ وليس ذلك في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي فحسب، بل ترددت أصداؤها في دوائر إقليمية وعالمية، وطالت تداعياتها مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية في المنطقة العربية، كما كان لها أثر في الإستراتيجيات العسكرية في مختلف أنحاء العالم.  كانت الحرب نقطة تحول في تاريخ المنطقة، بما في ذلك تاريخ فلسطينيي 48 بحسب التسميات التي تطلق عليهم. ويرى الدكتور عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن هذه الحرب هي التي صنعت هذا التاريخ الأخير، لأنها كانت البداية الحقيقية لتكتلهم كمجتمع له ما يميزه. إن هذه الحرب هي من دون شك أهم حدث في تاريخ المنطقة الحديث بعد الحرب العالمية الثانية؛ فقد ثبّتت نتائج حرب 1948، وجعلتها غير قابلة للتغيير، وأبرزت أهمية "إسرائيل" للغرب، وكسرت مجرى عملية بناء مشروع ثقافي- سياسي عربي عصري بقيادة مصر. 

    حمل الملف المرفق

  • أزمة النخبة السياسية الفلسطينية

    قلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    عادة ما يتم تعريف النخبة السياسية بأولئك الذين يمتلكون السلطة الحقيقية في الدولة. ويمكن توسيع دائرتهم لتشمل أصحاب النفوذ، والمؤثرين في صناعة القرار، وأولئك الذين يملكون أدوات السلطة والسيطرة الدينية أو الاقتصادية أو العسكرية أو العرقية والقبلية… وغيرها.

    غير أن ما يميز النخبة السياسية الفلسطينية أنها نخبة لحركة تحرر وليس لدولة، وأنها مشتتة جغرافياً، وأن نسبة كبيرة منها تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت حصاره، وأن البيئات السياسية خارج فلسطين تؤثر بدرجات متفاوتة في أفراد النخبة الذين يعيشون فيها، ويُضطرُّون إلى مراعاة سقوفها ومعاييرها.

    وتكمن أزمة النخبة السياسية الفلسطينية الحالية في أن قطاعاً كبيراً ومهيمناً فيها يمارس سلوك الدولة ولكن من دون دولة، وينسق مع الاحتلال، ويدير حالته النخبوية وفق شروط الاحتلال وتحت بيئته، ويعاني من أزمات في الرؤية والمسارات وفي القيادة والرموز والتداول القيادي والبناء المؤسسي.

    ***

    وقد تعددت الدراسات حول النخبة السياسية الفلسطينية، غير أن من أبرزها كتاب “سمات النخبة السياسية الفلسطينية: قبل وبعد قيام السلطة الفلسطينية” للدكتورة سمر جودت البرغوثي، وكتاب “توجهات النخبة السياسية الفلسطينية نحو الصراع العربي الإسرائيلي”، وكلاهما رسالة دكتوراه، وكلاهما أيضاً من إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وكلاهما درس نخبتي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من زوايا مختلفة. وكلتا الدراستين جديرة بالاطّلاع والاستفادة منها. وهذا المقال ليس استعراضاً لأي من الدراستين، ولكنه يستفيد من بعض معطياتهما.

    ***

    تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 بقيادة أحمد الشقيري. وفي سنة 1968 تمكنت الفصائل الفلسطينية من السيطرة على منظمة التحرير، وقامت بإعادة تشكيل جذرية لنخبتها القيادية في مجلسها الوطني وفي لجنتها التنفيذية، حيث هيمنت حركة فتح ولا تزال على النخبة السياسية للمنظمة. وعندما تشكّلت السلطة الفلسطينية سنة 1994، قادت حركة فتح عملية تأسيسها وإدارتها، لتطبع حالتها النخبوية بطابعها. غير أن انتخابات المجلس التشريعي للسلطة سنة 2006 أدخلت حماس ورموزها بقوة في النخبة السياسية للسلطة بعد فوزها بأغلبية ساحقة، وتشكيلها للوزارة العاشرة والحادية عشرة، ثم سيطرتها على قطاع غزة إثر الانقسام الفلسطيني، في مقابل سيطرة فتح على السلطة في الضفة الغربية.

    ***

    عكست أزمات منظمة التحرير آثارها على النخبة السياسية الفلسطينية، إذ دفعت أثماناً قاسية نتيجة محاولتها للعمل بِحرية في البيئة العربية المحيطة بفلسطين، في الوقت الذي لم تتحمل فيه البلاد العربية هذا “الضيف الثقيل” ولا الاستحقاقات التي يستوجبها وجود حركة تحرر في مواجهة العدو الصهيوني المدعوم بالقوى الكبرى، وحاولت تقديم نخب محسوبة عليها، وإلغاء نخبٍ تخاصمها.

    وترافق ذلك، مع عدم وجود بيئات حرة للعمل السياسي الفلسطيني، ولا بيئات صحية للتداول القيادي الفلسطيني، ولا آليات “ديمقراطية” حقيقية لتشكيل المجالس التشريعية والقيادية. وبالتالي فإن الفرز القيادي للنخبة الفلسطينية، ظلّ محكوماً بهيمنة فتح على المنظمة، وبالحسابات الفصائلية.

    ومنذ ثمانينيات القرن العشرين أخذت تظهر قوى فاعلة ووازنة في الساحة الفلسطينية دون أن يكون لها تمثيل في منظمة التحرير (حماس، والجهاد الإسلامي على سبيل المثال) ودون أن يُحتسب قادتها ورموزها ضمن النخبة السياسية “الرسمية” الفلسطينية. وهي ظاهرة اتسعت وزادت مع تنامي هذه القوى وفوزها (حماس تحديداً) في الانتخابات التشريعية للسلطة سنة 2006.

    ثمّ إن النخبة السياسية لمنظمة التحرير نفسها ظهرت عليها مظاهر الضعف والترهل وانعدام الفاعلية، مع حالة التردي والتدهور التي شهدتها مؤسسات المنظمة. ومع تعطُّل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لنحو 27عاماً إذ لم يعقد المجلس الوطني في الفترة 1991-2018، إلا للقاءات شكلية محدودة لتمرير بعض القرارات المسبقة أو “لشرعنة” عمل قيادة السلطة ( 1996،2009،2018).

    وقد أدى ذلك إلى “تكلُّس” البنية النخبوية للمجلس الوطني، التي فاق متوسط السنّ فيها سبعين عاماً، وتجاوزت سنّ ممثل الطلاب فيها ستين عاماً، بينما لحق عشرات بجوار ربهم. وصرنا في المنظمة أمام نخبة “مزمنة” تعيد إنتاج نفسها وإنتاج مشكلاتها، وتعاني من فشل ذريع في القدرة على إنتاج أجيال جديدة.

    ***

    من جهة أخرى، فإن إنشاء السلطة الفلسطينية أنهى حالة وجود النظام السياسي خارج أرضه، لكنه أوجد مشكلة جديدة بوجوده تحت الاحتلال الإسرائيلي وهيمنته. وقد ترافق ذلك مع تعقيدات انتقال النخب السياسية المقيمة في الخارج إلى الداخل الفلسطيني، وتحكُّم الاحتلال الإسرائيلي بالحدود والمعابر وحركة الأفراد والبضائع، وفرضه لشروط سياسية وأمنية واقتصادية على كيان السلطة.

    بينما تَحوَّل الاحتلال إلى الجهة المانحة لبطاقات الفي آي بي VIP لرجالات النخبة في السلطة، مع إمكانية اعتقال أي من شخصيات “النخبة” ممن يتجاوز خطوط الاحتلال الحمراء. ومع تعطُّل مسار التسوية، وتراجع فرص تحول السلطة إلى دولة كاملة السيادة على أرضها، نشأ نظام سياسي مُشوَّه، متموضع في بيئة الاحتلال ومرتهن لشروطه، بينما أخذت النخبة السياسية “تكيّف” نفسها وفق متطلبات “التسوية” ومتطلبات “السلطة”… لتتحول من نخبة “حركة تحرُّر” إلى نخبة سلطة تمارس سلوك الدولة ولكن تحت الاحتلال، وتُضطرّ إلى التجاوب مع أجندة الاحتلال في مطاردة المقاومة وملاحقتها ضمن “التنسيق الأمني”، بينما تتسع في أوساطها أجواء الترهل والفساد المالي والإداري، والركون إلى حالات الرفاهية… في الوقت الذي يذوي فيه الجانب “الثوري” إلا من شعارات أو مفاخرات تاريخية أو توظيف تكتيكي.

    في المقابل، تمكنت المنظومة السياسية للسلطة مع مرور الوقت من إفراز نخب سياسية أكثر تعليماً وأكثر شباباً وأكثر اندماجاً في البيئة الاجتماعية المحلية، وذلك مع انتخابات المجلس التشريعي 1996و2006، ومع تشكيل عديد من الوزارات، وتشكُّل طبقة من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني في أطر السلطة.

    غير أن عقلية الهيمنة واحتكار صناعة القرار التي صاحبت قيادة المنظمة والسلطة لم تمكِّنها من استيعاب نتائج العملية الديمقراطية لانتخابات 2006، ولم يكُن ثمة ترحيب أو قبول بالنخبة السياسية الجديدة (حماس) التي فرضت نفسها من خلال برنامج المقاومة أو من خلال الشرعية الشعبية. وأصبح لدينا أزمة في محاولات جهات معيَّنة “احتكار النخبة”، أو في محاولة إخراج نخب فاعلة ومؤثرة من الإطار “الشرعي” أو “الرسمي”.

    وتولدت أزمة ثانية مرتبطة بهيمنة فصيل معين على السلطة والمنظمة، مُصِرّ على مسارات سياسية معيَّنة (التسوية)، وغير راغب في عمل أي شراكات تؤثّر سلباً على هيمنته السياسية، ولا على المسارات التي اختطّها للعمل الوطني، وهو ما أدَّى إلى تعطيل الفرز الطبيعي للنخبة، وتعطيل بيئة التداول السلمي للسلطة، وغياب البيئة الصحية للتغيير والإحلال القيادي. وهذا أدى بدوره إلى إغلاق المجال أمام ظهور القيادات الشابة، ووجود فجوة كبيرة بين النخبة الحالية التي طال عليها الأمد، وبين الأجيال الصاعدة.

    من ناحية أخرى، فإن انتقال القيادة الفلسطينية إلى الداخل، وضمور دورها ودور المنظمة في الخارج، أدى إلى إهمال الشتات الفلسطيني، (أكثر من نصف الشعب الفلسطيني) المليء بالكفاءات والخبرات والطاقات، بينما تركّز أداء النخبة السياسية الحالية في رام الله، المحاطة بالاحتلال وأدواته. هذا مع إقرارنا بأن النخبة الفلسطينية في الأرض المحتلة 1948  لم تأخذ مكانها ولا دورها الذي تستحقه في المشروع الوطني الفلسطيني.

    وتعكس الدراسة التي قام بها عزام شعث لخمسين شخصية من النخبة الفلسطينية، حالة الإرباك وفقدان الرؤية المتماسكة لدى النخبة السياسية الفلسطينية.

    ففي الوقت الذي يؤيد 7ِ2% منهم إنهاء اتفاق أوسلو، ويُقِرّ 80% بأن المفاوضات هي غير ذات جدوى بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويوافق أكثر من نصفهم على أن ميزان القوى لا يسمح ببلورة مبادرة سياسية جديدة لحل الصراع، ويؤكد 72% أنهم مع هدف تحرير كل فلسطين وأشكال النضال كافة؛ فإنه من جهة أخرى يؤيد 76% منهم عقد مؤتمر كامل الصلاحية على أساس الشرعية الدولية. وعندما يتحدثون عن الوسائل الأكثر جدوى في مواجهة العدو يؤيد 28.2% المقاومة الشعبية، و17% المقاومة المسلحة، بينما يتشتت آخرون على نسبٍ أقل، كما أن ثمة انقساماً وغياب رؤية حول ما يمكن عمله في حال سقوط السلطة نفسها.

    هذا التداخل أو التفكير غير المتسق يعبِّر عن أزمة الرؤية والمسارات لدى النخبة السياسية الحالية، ولعلّ ذلك يتوافق مع حالة انسداد الأفق والإحباطات والانقسامات التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

    وبشكل عامّ، فإن أزمة النخبة الفلسطينية هي أزمة عميقة تمسّ جوهر المنظومة السياسية وتشكيلاتها القيادية، وأدوات فرزها النخبوي، وتؤثر عليها حالة التشتت، وبيئات الاحتلال وأدوات النفوذ الخارجي العربية والدولية.

  • أسباب الوجود الفارسي الايراني في سوريا .... د. هيثم عياش

    يعتقد البعض بان رئيس نظام سوريا بشار اسد هو الذي استدعى إيران لحمايته، والعلاقات بين دمشق النصيرية وطهران الرافضة اصبحت أكثر قوة منذ استيلاء بشار اسد على السلطة في سوريا إثر هلاك والده حافظ أسد عام 2000.

    الا ان العلاقات بين سوريا وايران قديمة تعود الى زمن شاه ايران، فمع استيلاء حافظ اسد على السلطة في سوريا ازدادت العلاقات مع الشاه قوة، فزعيم الشيعة في لبنان /الايراني اللبناني/ موسى الصدر هو صاحب تقوية العلاقات بين حافظ أسد وشاه ايران ثم كان  صادق قطب زاده وابراهيم يزدي وصادق طباطبائي وراء قوة  العلاقات السورية الايرانية  مع عودة الخميني الى ايران، فالأسرة النصيرية التي تحكم سوريا تجد نفسها انها اقلية دينية غير مرغوب بها كما تجد ايران نفسها اقلية وسط الأكثرية الساحقة لمسلمي اهل السنة والجماعة بمنطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي فلا بد للأقلية ان تدعم الاقلية.

    ويرى خبراء منطقة الشرق الاوسط الذين لهم علم ودراية لا باس بها بالمنطقة المذكورة والعالم الاسلامي ان اسباب دعم إيران لبشار اسد وارسال فرقها العسكرية لحمايته والقضاء على الثورة السورية، من اجل فرض سيطرتها السياسية وهيمنتها الدينية على المنطقة بأسرها.

    ومن خلال دراسة الفكر السياسي للثورة الخمينية التي وضعها كل من ابراهيم يزدي وصاحب كتاب الثورة البائسة موسى الحسيني وايضا خبراء جمعية /مينا/ للشرق الاوسط، وهي جمعية يشرف على رئاستها رئيس لجان شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الالماني سابقا روبريخت بولنتس اضافة الى دراسة وضعها المعهد الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، ان إيران غير قادرة على نشر المذهب الشيعي وهيمنتها السياسية على منطقة الشرق الاوسط إذا لم تثبت قدميها في سوريا.

    صحيح ان ثلث سكان العراق هم من الشيعة واكثرهم موالون لإيران الا ان سوريا تختلف عن العراق، فالغالبية العظمى من مسلمي الشعب السوري ينتمي الى اهل السنة والجماعة.

    إيران لها مشروعها وطموحها وأطماعها، ولا أحد يستطيع القول بغير ذلك، ووجودها في سوريا كفيل لها بتثبيت وجودها بالعراق ولبنان وتستطيع من خلال وجودها في سوريا بسط سيطرتها على الاردن لتمتد الى المملكة العربية السعودية، أي ان إيران تريد بسط سيطرتها على منطقة الخليج العربي عبر سوريا واليمن.

    من الاسباب الرئيسية التي تكمن بحماية إيران لبشار اسد ووجودها العسكري المكثف في سوريا، تؤكد تقارير المخابرات الدولية التي تراقب الساحة في سوريا وجود ما بين   1500 و 3 الاف ضابط وجندي ايراني يحاربون في سوريا اضافة ميليشيات شيعية اكبرها ميليشيا ما يُطلق عليه بـ /حزب الله اللبناني/ وميليشيات عراقية ومرتزقة من افغانستان وغيرها، بأن ايران ترى بأحقيتها استلام الزعامة الاسلامية تحت اسم الخلافة.

    ففي كتابه /ولاية الفقيه/ يؤكد قائد الثورة الايرانية الخميني ان على الشيعة استلام منصب الخلافة، فأهل السنة والجماعة استلموا الخلافة الاسلامية لأكثر من ألف واربعمائة عام ذاق الشيعة منهم الظلم والحرمان وعلى الشيعة قيادة العالم الاسلامي وتشييع اهل السنة والجماعة بالترغيب والترهيب.

    ويرى أحمد جنتي وهو رئيس مجلس خبراء القيادة الايرانية ورئيس مجمع صيانة الدستور الايراني ان هيمنة بلاده السياسية على سوريا كفيل لها بفرض هيمنتها على بقية منطقة الشرق الاوسط وعلى إيران محاصرة تركيا من ثلاث جهات، اضافة الى حدودها الطبيعية مع تركيا يجب ان يكون لإيران حدودا جديدة مباشرة مع تركيا عبر العراق وسوريا حتى لا يكون لأهل السنة والجماعة قائمة.

    خبراء منطقة الشرق الاوسط يؤكدون ان الوجود الايراني في سوريا هو ليس فقط لمحاربة السعودية بل من اجل تحقيق إيران لأطماعها بفرض مذهب التشيع وقيادة العالم الاسلامي تحت اسم الخلافة.

    فإيران الشيعية لها مواقف متناقضة مع ثورات مسلمي اهل السنة والجماعة فطهران قامت بدعم الافغان الشيعة اثناء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ومناطق الشيعة مثل مزار شريف كانت آمنة تماما في ظل الاحتلال السوفييتي لم يتعرض سكانها من الشيعة لأي أذى بعكس سكان المدينة المذكورة من اهل السنة والجماعة كما ان من شروط إيران لمسلمي البوسنة والهرسك لقاء مساعدتهم بالحرب ضد صربيا بناء مساجد تشرف عليها إيران، تلك التي يُطلق عليه حسينيات، ولما رفض البوسنيون ذلك اتجهت طهران لتأييد صربيا على الكوسوفو والبوسنة.

    ويعزو استاذ دراسات منطقة الشرق الاوسط في جامعة هومبولدت البرلينية راينهارد باومجارتين التدخل الايراني في سوريا الى وصول طهران مثل موسكو الى المياه الدافئة وان يكون لها منفذا مباشرا على البحر الابيض المتوسط، فإيران بالرغم من وقوعها على حوض بحر قزوين   الا انه بحر داخلي، لا يوجد به الخيرات التي يتمتع بها البحر الابيض المتوسط كما ان الخليج العربي الذي تشارك إيران بضفاف فيه لا يعتبر مرضيا للسياسة التوسعية لإيران. عدا عن ذلك فعرب الاحواز يتحينون الفرص لإنهاء الوجود الايراني ببلادهم، مشيرا ان حال إيران في سوريا مثل حال الصليبيين اثناء تواجدهم بمنطقة الشرق الاوسط فلو استطاع الصليبيون احكام قبضتهم على سوريا ولا سيما العاصمة دمشق لبقوا الى وقتنا هذا وإيران تعتقد ان وجودها في سوريا مرهون ببقاء ما يُطلق عليه بـ /الثورة الخمينية/ على قيد الحياة.

    المركز الاوروبي للدراسات الاستراتيجية ومقره برلين ولندن، يرى بالوجود الايراني والروسي ايضا في سوريا تتمة تنفيذ اتفاقيات سايكس بيكو التي قامت عام 1915 واعيد صياغتها مرات عديدة قبل ان تنفذ عام 1918 وهي تقسيم منطقة الشرق الاوسط الى دويلات متعددة طائفية وعرقية فدويلة للأكراد بين سوريا والعراق وتركيا ودويلات مذهبية لطوائف علوية واسماعيلية وغيرها على ان يصبح اهل السنة والجماعة اقلية من السهل القضاء عليها.

    هذه الخطط أصبح الحديث عنها مجددا بالآونة الاخيرة ولا سيما منذ التدخل الروسي والايراني في سوريا، الا انها ايضا كانت موضع نقاش البيت الابيض زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن عقب حوادث 11 ايلول سبتمبر من عام 2001، اذ هدد بوش بحملة حروب صليبية للقضاء على الارهاب الاسلامي، الا ان مستشاريه كان لهم راي آخر وهو تفتيت منطقة الشرق الاوسط برمته ولا يكون ذلك الا بمعونة تامة من إيران والكيان الصهيوني.

    فقد طرح برنارد لويس على بوش فكرة إذكاء الصراعات المذهبية والعرقية في المنطقة العربية لإعادة تقسيم الدول إلى دويلات يسهل السيطرة عليها من خلال استغلال إيران للنزاعات بين حكوماتها اذ لا يمكن إذكاء النزاع والصراع بالمنطقة الا بدعم من إيران وبدعم لإيران بتذكيتها يمكن ان ينتهي بالتقسيم ودعم إيران لنيل طموحاتها بالمنطقة من خلال استغلال طهران عوامل تقسيم المنطقة، اضافة الى خلق نزاعات عسكرية بين الايرانيين والاتراك والاكراد والعرب والفلسطينيين وبين دول الخليج العربي.

    ومن مقترحات لويس تفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وأوضح ذلك بالخرائط التي اوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتي على اساسها يتم التقسيم، وسلم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر والذي قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود سايكس بيكو ليكون متسقا مع المصالح الصهيوأمريكية.

    وظهر الدعم الامريكي لطموحات إيران بشكل جلي وواضح مع الاتفاق النووي الذي تم في وقت سابق من عام 2013 والتوقيع عليه في وقت سابق من عام 2014 هذا الاتفاق الذي تم بموجبه السماح لإيران الامتداد بمنطقة الشرق الاوسط برمته ووقوع المنطقة تحت الاحتلال الايراني وتحقيق امنيه إيران بقيام ما يُطلق عليه بـالهلال الشيعي.

  • أصل المشكلة: الجهات التي تمثل العالم الإسلامي هي تحت الاحتلال

    د.ياسين أقطاي

    لقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرًا تلك الخطة التي تسمى “صفقة القرن” بعد أن كان الحديث عنها يدور منذ وقت طويل، أعلنها وقد أخذ لجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. إن صفقة القرن في الحقيقة ما هي إلا نتاج لممارسات النفاق والظلم والغدر، ولسياسة الاحتلال والمجازر والعنصرية، التي طالما ساقها النظام العالمي في القرن الماضي. إنها ليست سوى إلحاق بالأراضي التي كانت محتلة أصلًا منذ وقت طويل.

    إن متن تلك الصفقة يكشف في الواقع عن أن العالم الغربي الذي كان يبيعنا العلمانية ويصدّع رؤوسنا بها، بلغته وخطاباته وفلسفته؛ ما هو إلا عالَم متدين ومتطرف وعنصري وفاشي.

    صفقة القرن

    صفقة القرن هي إعلان صريح عن إفلاس كل ما ينادي به الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الدينية والعلمانية والتسامح. إنها صورة تعرض السعي وراء كهانة سخيفة للغاية عمرها 2500 عام من المدنية الغربية، وما يتفرع عنها من جنون، يحاول تصوير المسلم الذي ينطلق من دافع ديني على أنه الشخص الأكثر تعصبًا في العالم.

    إن السبب الوحيد اليوم الذي يجعل من هذه الكهانة تحاول فرض نفسها بنفسها، هو أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في هذا العالم، والتي قد حولت الحلم التبشيري-الصهيوني إلى كابوس يحدّق بالسلم العالمي.

    إن رغبتهم في جعل القدس عاصمة لهم، ليس لأنهم يحبّون القدس ذلك الحب المفرط. حيث لا يمكن أن يعشق القدس، أولئك الذين لا يفهمونها ولا يعرفونها. الولايات المتحدة وإسرائيل واعلام الصليبي بأكلمه بعيدون كلّ البعد عن إدراك كنه القدس.

    إن القدس قبل كل شيء هي ذلك المكان الذي فيه يكون فيد دم الإنسان مقدّسًا ومكرمًا. لا يتم تقديس القدس من خلال سفك دماء الأبرياء، بل يتم هدمها وهدمها، حتى تجدون إنسانيتكم باكلمها تحت الأنقاض. أولئك الذين يريدون أن يجعلوا من القدس عاصمة لهم، لا يمكن لهم على الإطلاق أن يكونوا قريبين من أي معنى من معاني القدس، وهم على وشك سفك دماء الملايين من الناس، وكسر سلام ونظام واستقرار العالم بأسره.

    ليست القدس مكانًا للتغطية على الخطايا، بل مكان إدراك تلك الخطايا والتوبة عنها. إن ترامب وبجانبه نتنياهو وهما يقدمان على هذه الخطوة الوقحة المتعجرفة، يبحثان من خلالها على طريق لغسيل خطاياهم والهروب من اتهامات الفساد التي تلاحقهم.

    كما ذكرنا هذا دائمًا؛ القدس هي مرآة عالمنا. في الواقع وعلى مر التاريخ، تكون القدس انعكاسًا لواقع العالم والإنسانية معًا على مر التاريخ. إن الغطرسة والخيانة والاحتيال والظلم الذي تتم ممارسته في القدس، ما هو إلا انعكاس لما يجري في العالم.

    لقد قال الرئيس أردوغان خلال اجتماعه الذي عقده أخيرًا بعد إعلان ترامب عن صفقة القرن، أن “القدس هي مفتاح السلام العالمي”. لكن ذلك المفتاح له أيضًا تأثير في عرقلة السلام العالمي، حينما يتم استخدامه بطريقة سيئة وضارة، وبالطبع العكس هو الصحيح. نجد انعكاسًا هنا للاضطراب الكائن في النظام العالمي. في الحقيقة، حينما عرّج أردوغان خلال كلمته، نحو الوضع في إدلب وليبيا، قد أوضح بشكل لافت أن ما يجري هو انعكاس للخيانة والاحتلال والاضطهاد الذي يتعرض له القدس.

    في ليبيا، هناك انقلابي ومجرم حرب ومحتل اسمه حفتر، ومن ورائه قوى قد جمعها تعتمد على أسلحتها الفتاكة، ويحاول معهم الوصول إلى السلطة من خلال سحق الشرعية، والمدنيين. إن الذين يدعمونه وجميع أسبابهم وحججهم وصفاتهم، تتماهي تمامًا مع أسباب وحجج وصفات من يحتلون القدس. حينما يمتلك القوة، فإنه يمكن أن يرى عبر فرض الأمر الواقع، أن احتلاله الخسيس حق مشروع.

    ما يتم هناك في ليبيا من احتلال وجرائم وغصب، يتم دعمه وتمويله من زعماء عرب-مسلمين، تمامًا كما هو الحال في القدس. من يمكنه أن يتوقع صدور صوت عن العالم الإسلامي حول القدس؟ أصلًا إن أساس المشكلة أن تلك الجهات التي تمثل العالم الإسلامي محتلة.

    أليس منطق وشكل تعاون روسيا وإيران والنظام السوري في إدلب يتماهى تمامًا مع ما مرّ من المشاهد؟ هناك في إدلب يوميًّا يتم قتل العشرات من المدنيين والأطفال فضلًا عن قصف المدن والمشافي والأفران، باسم الحرب ضد الإرهاب. كم عدد الإرهابيين الذين يموتون حقًّا يا ترى؟ أو بالأحرى من هم الإرهابيون حقيقة هناك؟ هانك العديد من الأسئلة التي تكفي لتفسير كيف تفقد الإنسانية معناها من وراء التبرير باسم الإرهاب. تستطيع روسيا فعل أي شيء فقط لأنها عضو دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولأنها تمتلك ما يكفي من القوة. لا يوجد قوة لمنعها على أي حال. حتى القوى التي يمكن لها أن تمنع روسيا عن إجرامها، لا يتمتعون بسيرة ذاتية أفضل من روسيا. جميعهم دون تفاوت تتقاطر من أيديهم دماء الأبرياء.

    أليس هذا أيضًا انعكاسًا مباشرًا للنظام القائم في القدس؟

    ألا نرى خيانة أولئك الذين يحتلون مقام تمثيل الدول المسلمة، قبل أي شيء من سفك دماء المسلمين هناك، وأراضي المسلمين التي تم احتلالها، وشرف المسلمين وناموسهم المهان؟

    لذلك السبب، يعتبر حال القدس تلخيص لأحوالنا. القدس مرآة العالم. يبدأ الخلاص في القدس أو يكتمل فيها.

    لا يمكن تحرير القدس من خلال الإبقاء على القسوة والتضاد الذين يحكمان العالم الإسلامي. من أجل تحرير القدس ينبغي وضع حد لهذا الظلم في عالمنا. لن يتغير شيء في القدس ما لم يتغير النظام القائم في العالم..

  • أضواء على الحركات الإسلاميَّة المغربيَّة وتأثير الرَّبيع العربيِّ بقلم زهير عطوف

    قبل أن ندخل لموضوعنا الرَّئيسيِّ حول الحركات الإسلاميَّة في المغرب، لابدَّ أن نعطيَ لمحةً قصيرةً عن المغرب الأقصى كمدخل مهمٍّ للموضوع.

    يقع المغرب في الغرب الأقصى للوطن العربيِّ، وهو بعيد عن أوروبَّا وعن إسبانيا بالتَّحديد بـ 14 كيلو متر انطلاقاً من المغرب.

    أهميَّة موقعه الاستراتيجيِّ كبوَّابة إفريقيا والبحر الأبيض المتوسِّط وقربه من أوروبَّا، جعله دائماً عرضة للأطماع الغربيَّة، لهذا استعمرته كلٌّ من فرنسا - وسط المغرب - وإسبانيا - أقصى شمال وجنوب المغرب - ومجموعة من الدُّول - منطقة طنجة - كإنجلترا بالإضافة إلى فرنسا وإسبانيا، يتميَّز المغرب بكونه دولة قائمة منذ 12 قرن، وتتبع له مجموعة من الدُّول الحاليَّة، خصوصاً في غرب إفريقيا.

    أيضا لم يكن المغرب - المعروف عند الأتراك بفاس - تحت سلطة الخلافة العثمانيَّة؛ بسبب أنَّ المغرب كانت له دولة مستقرَّة وقائمة منذ القرن الثَّامن الميلادي، وبسبب تواجد دولة السَّعديِّين القويَّة.

    أمَّا حديثاً فتواجه المغرب عدَّة مشكلات، منها: مشكلة الوحدة الترابيَّة للمغرب، فمازال مشكل الصَّحراء المغربيَّة قائم منذ خروج المحتل الإسباني منها عام 1975م، وكذلك مازالت مدينتي (سبته) و(مليلية) و(الجزر الجعفريَّة) تحت الاحتلال من طرف إسبانيا، بسبب مجموعة من الأسباب أهمُّها التَّاريخيُّ.

    الحركاتالإسلاميَّة في المغرب:

    الحركات الإسلاميَّة في المغرب هي كباقي الحركات الإسلاميَّة في العالم العربيِّ، ظهرت نتيجة القضاء على الخلافة العثمانيَّة الإسلاميَّة، مما خلَّف فراغ مهول في العالم الإسلاميِّ، أدَّى إلى ظهور جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، و يرجع هذا الظُّهور أيضا إلى التَّواجد القويِّ للمؤسَّسات والجمعيَّات التَّابعة للعلمانيِّين، ممَّا جعل الحركة الإسلاميَّة تظهر كبديل لمواجهة هذا التَّيَّار.

    وقد ساهم قرب المغرب من أوربَّا وتأثير الحضارة الأوربيَّة على المغرب، وتأثُّر العلمانيِّين بالنَّموذج الغربيِّ، ساهم ذلك - في خضمِّ هذه المعطيات - في إبراز خصوصيَّة الحركة الإسلاميَّة في المغرب.

    وتنقسم الحركات الإسلاميَّة في المغرب لمجموعة من الأقسام:

    1-حركة التَّوحيد والإصلاح:

    أوَّل هذه الحركات، حركة "التَّوحيد والإصلاح"، وهي جماعة إسلاميَّة تأسَّست سنة 1996م نتيجة اندماج حركة "التَّجديد والإصلاح" و"رابطة المستقبل الإسلاميِّ"، رئيسها الحاليُّ عبد الرَّحيم الشَّيخيُّ، ولها عدَّة هيئات موازية، كمنظَّمة التَّجديد الطُّلَّابيِّ، ومنتدى الزَّهراء... وتشتغل مع حزب العدالة والتَّنمية الحاكم في المغرب بمنطق تميز الدَّعويِّ عن السِّياسيِّ.

    حركة "التَّجديد والإصلاح" تكوَّنت نتيجة تفكُّك "الشَّبيبة الإسلاميَّة" سنة 1975م، وذلك إثر مقتل عمر ابن جَلُّون الصَّحافي اليساري، وكان اسمها الأوَّل هو "الجماعة الإسلاميَّة"، وقد أطلق عليها عام 1981م، ثمَّ سُمَّيت بـ "التَّجديد والإصلاح" سنة 1992م.

    تأسَّست "رابطة المستقبل الإسلاميِّ" سنة 1994م؛ وذلك نتيجة اندماج "الجماعة الإسلاميَّة" بفاس و"الجمعيَّة الإسلاميَّة" بمدينة القصر الكبير، مع ومجموعة "التَّبيُّن" المنفصلة عن "الشَّبيبة الإسلاميَّة".

    في سنة 1996م تأسَّست "حركة التَّوحيد والإصلاح"؛ نتيجة توحيد "حركة التَّجديد والإصلاح" و"رابطة المستقبل الإسلاميِّ"، بعد ذلك بسنة، - أي: في عام 1997م - تأسَّس حزب "العدالة والتَّنمية" الذي تربطه علاقة تمايز مع "حركة التَّوحيد والإصلاح"، وهو منفصل تنظيميَّاً عن الحركة، لكن رغم ذلك يوجد عدد من أعضاء الحركة لهم عضويَّة في الحزب.

    بلغ عدد برلمانيِّ "العدالة والتَّنمية" في الانتخابات الأخيرة سنة 2011م – 107 - أعضاء، وقد حقَّق بهذا الرَّقم المرتبة الأولى، وهي أعلى نسبة يصلها حزب مغربيٌّ بعد الاستقلال.

    أهمُّ ما يميِّز الحركة والحزب: أنَّ الحركة تهتم بالمجال الدَّعويِّ، والحزب بالمجال السِّياسيِّ، حيث تشتغل الحركة بمنطق التَّخصُّصات.

    كما تتميَّز الحركة بما يعرف بالعمل المشترك بين الإخوان والأخوات، أي: مشاركة الإخوان والأخوات ضمن الجمعيَّات والمؤسَّسات واللجان، وفي التَّنظيمات التَّابعة للحركة، وهي ميزة وخصوصيَّة تتميَّز بها الحركة في المغرب عن باقي المكوِّنات الإسلاميَّة في الدُّول الإسلامية الأخرى، حتَّى في تركيا، مثال على ذلك: أنَّ المكتب التَّنفيذيَّ لحركة "التَّوحيد والإصلاح" يشتغل الاخوان مع الاخوات ضمن مكتب واحد وجد.

    2- جماعة العدال والإحسان:

    تأسَّست سنة 1981م، مرشدها هو الشَّيخ عبدالسَّلام ياسين - رحمه الله -، وهي جماعة صوفيَّة تتبنى مواقف سياسيَّة مثل حركة "فتح الله كولن"، لكنَّها تتبنى المواقف السِّياسيَّة صراحة، وهي ذات تنظيم عموديٍّ، تضمُّ عدداً من الهيئات تُسيَّر من طرف الجماعة كـ "الدَّائرة السِّياسيَّة"، وفصيل "العدل والإحسان الطُّلَّابي"، وجمعيَّات أخرى.

    3- حركة "البديل الحضاريُّ" وحركة "من أجل الأمَّة" تأسَّست في أواسط الثمانينيَّات؛ وذلك نتيجة الانشقاق عن حركة "الاختيار الإسلاميُّ"، هذه الأخيرة خرجت من رحم "الشَّبيبة الإسلاميَّة" وتوجُّهاتهم تشبه "حركة النَّهضة" في تونس.

    4-التَّيَّارات السَّلفيَّة:

    وهي متنوِّعة وكثيرة، على سبيل المثال: "الهجرة والتَّكفير"، "المغراويِّين"، "الرَّبيعيِّن" الخ في الغالب هذه التَّيَّارات السَّلفيَّة تابعة تنظيميَّا أو فكريَّا للفكر الوهابيِّ المتواجد في السُّعوديَّة، و كثير منها مموَّل من طرفها.

    الجماعات الصُّوفيَّة:

    وهي كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: "الزَّاوية البودشيشيَّة"،"القادريَّة"، "الحرَّاقيَّة"، "الشَّاذليَّة"، و"التِّجانيَّة" الخ، وهي تعتمد في برامجها على التَّربية الرُّوحيَّة وذكر الله، ولاتتدخل في السِّياسة مطلقاً، مثل: "الطَّريقة النَّقشبنديَّة" في تركيا.

    أمَّا من حيث عددها: فهي قويَّة، بل وتنتشر في كثير من دول إفريقيا الغربيَّة، مثل: السِّنغال، ومالي.

    جماعة الدَّعوة والتَّبليغ:

    وهي جماعة عالميَّة مقرُّها في "باكستان"، توجد أيضا في تركيا ومقرُّها في "إسطنبول" بـ "مسجد السَّلام"، وتشتغل منذ زمن بعيد في المغرب، مركزها الرَّئيسيُّ في "الدَّار البيضاء" بـ "مسجد النُّور" بمنطقة المعاريف، وهذا المسجد يشكِّل مقرَّ الجماعة في إفريقيا، وهي منتشرة في جميع أنحاء المغرب، وهي لاتتدخَّل في السِّياسة، فقط تهتم بالدَّعوة والتَّبليغ، وقد أسَّسها الشَّيخ "إلياس" من "باكستان" في القرن الثَّامن عشر.

    يوجد في المغرب أربع أحزاب إسلاميَّة وهي:

    1-حزب "العدالة والتَّنمية" الحاكم.

    2-حزب "الفضيلة" الذي انفصل عن حزب "العدالة والتَّنمية" سنة 2004م.

    3-حزب "الأمَّة".

    4- حزب "البديل الحضاريُّ" محظورين من العمل.

    العلاقة بالإخوان المسلمين:

    علاقة الحركة الإسلاميَّة في المغرب بالتَّنظيم العالميِّ للإخوان المسلمين، هي علاقة فكريَّة لا تنظيميَّة، خصوصاً التَّنظيمات الحركيَّة، كـ "حركة التَّوحيد والإصلاح"، و"جماعة العدل"... فلا ترتبط بأيِّ تنظيم خارجيٍّ، وذلك ضمن ما يعرف بالخصوصيَّة المغربيَّة.

    الحركات الإسلاميَّة بالمغرب أثناء الرَّبيع العربيِّ:

    الحركة الإسلاميَّة بالمغرب كانت فاعلاً أساسيَّا في التَّغيير الذي عرفه المغرب نتيجة الثَّورات العربيَّة، وذلك على إثر ما يسمَّى بـ "الرَّبيع العربيِّ"، بل أقول: إنَّها العنصر الأوَّل في تعبئة وتنظيم الجماهير من أجل التَّغيير والإصلاح، وقد انقسمت الحركة الإسلاميَّة إلى شطرين في إطار الحراك المغربيِّ والمشاركة فيه، خصوصاً مع حركة 20 فبراير.

    فقد شاركت كلٌّ من العدل والإحسان وبعض التَّيَّارات السَّلفية التي حكم على قياداتها بأحكام نتيجة أحداث 16 ماي2003م الإرهابيَّة في مدينة "الدَّار البيضاء"، في الحراك المغربي.

    أمَّا حركة "التَّوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتَّنمية"، فتنظيميَّاً لم يشاركا في هذا الحراك، وأيضاً لم تشارك مجموعة من التَّنظيمات التَّابعة لهذين التَّنظيمين، لكنَّ مجموعة من قيادات هذه التَّنظيمات شاركت في مظاهرات 20 فبراير2011م؛ للمطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد، وقد حقَّقت هذه المظاهرات مجموعة من المطالب، على رأسها تغيير الدُّستور.

    ويرجع عدم مشاركة "التَّوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتَّنمية" إلى طبيعة الحركة، التي تؤمن بالإصلاح من داخل مؤسَّسات الدَّولة بتدرُّج، في حين كانت مجموعة من مطالب حركة 20 فبراير تميل إلى الرَّاديكاليَّة بسبب قيادتها من طرف اليسار الجذري و جماعة "العدل والإحسان".

    بعد الرَّبيع المغربيِّ:

    أكبر مستفيد من الحراك المغربيِّ هو حزب "العدالة والتَّنمية" بزعامة رئيسه "عبد الإله بنكيران"، الذي عرف كيفيَّة تدبير هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ المغرب، حيث حصل على عدد 107 نائب برلماني في الانتخابات التي جرت عام 2011م مباشرة بعد تعديل الدُّستور،  أي ربع البرلمان المغربيِّ، وهذه سابقة في تاريخ المغرب السِّياسي، لم تتحقَّق من قبل مع أيِّ حزب آخر منذ الاستقلال، حيث تشكَّلت أوَّل حكومة مغربيَّة يقودها حزب ذو مرجعيَّة إسلاميَّة.

    نجد من بين المستفيدين من الحراك أيضاً، التَّيَّار السَّلفي، الذي تمَّ إطلاق سراح مجموعة من قياداته بسبب إعتقالهم في أحداث 16 ماي الإرهابيَّة في "الدَّار البيضاء" سنة 2003م، مثل: "الشَّيخ الفِيزَازي" و"أبو حفص".

    وأيضاً انخراط مجموعة من قيادات السَّلفية في الأحزاب السِّياسيَّة، ومنهم من قام بمراجعات فكريَّة بعد خروجه.

     

  • أهم الاعتبارات والإطار العام للدستور في الحالة السورية.... د. حسين إبراهيم قطريب

    تعريف الدستور:

    هو القانون الأساسي للدولة، ويشمل أهم القواعد القانونية التي تنظم الحياة السياسية والسلطات ومبادئ ممارستها، وفصلها، وآليات انتقالها، والعلاقات في الدولة، وأهم الحقوق الأساسية للإنسان ومكونات المجتمع التي تعترف بها الدولة، سواء كان الدستور على شكل قواعد عرفية غير مكتوبة، وهي مجموعة القيم والمبادئ والسلوك الراسخة في المجتمع، ويعتبرها المجتمع ملزمة، أم على شكل وثيقة مكتوبة واضحة ومعتمدة ومتاحة للاطلاع عليها، تصدرها أعلى سلطة في الدولة، وهي السلطة التأسيسية الأصلية، وتجمع فيها أهم القواعد القانونية في الدولة، وتجعلها المصدر الرئيسي للقانون الدستوري.

    ومن هذا التعريف للدستور يبرز في الحالة السورية سؤالان رئيسيان لا بد من الإجابة عليهما، وأخذ جوابهما بعين الاعتبار عند وضع الدستور الجديد لسورية المستقبل، وهما:

    السؤال الأول: ماهي أهم الاعتبارات التي يجب مراعاتها في وضع الدستور الجديد لسورية؟

    السؤال الثاني: ماهي الدولة الحديثة المنشودة في سورية المستقبل؟ (دولة العدالة والمساواة والتعددية التشاركية الموحدة)

    ماهي أهم الاعتبارات التي يجب مراعاتها؟

    يشكل الدستور القاعدة القانونية الأساسية للسلطة وللحياة السياسية والمجتمع في الدولة، وحتى يكون الدستور واقعياً، ولا يمثل حالة من التباعد والانفصام في المسار الواقعي الطبيعي للدولة، ويسبب حالة من الشعور بالمظلومية وعدم عدم الرضى والاستقرار، يجب مراعاة مجموعة من الاعتبارات الهامة عند وضعه، ولا ينبغي أن يتم ذلك بمعزل عن دراسة الجدوى والملاءمة لإمكانية تطبيقه وفاعليته، ومن أهم هذه الاعتبارات في الحالة السورية ما يلي:

    لتحميل كامل الملف والاطلاع عليه يرجى الانتقال بالضغط هنا

  • إدارة الأزمات: جدلية المراجعات والتخذيل.... د. سعيد الحاج

    لا شيء أكثر شبهاً بحالة الانكفاء والابتلاء في واقعنا العربي والإسلامي اليوم أكثر من فترة الحملات الصليبية وهجمات المغول. لقد كسرت الشعوب العربية حاجز الخوف وبدأت مسيرة صناعة التاريخ والمستقبل في 2011، بيد أن حالها اليوم لا يسر إلا الأعداء.

    ورغم إيماني العميق بأن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي من ثورات قامت على الظلم والفساد والتبعية ظاهرة اجتماعية -سياسية لم تنته بعد بل ستستمر في التفاعل وتجدد نفسها أو -وفق تشبيه أحمد داود أوغلو -كالنهر المتدفق الذي لا يمكن وقفه أو منع مائه من المسير وإن انحرف مساره أحياناً، رغم ذلك إلا أننا اليوم أمام حالة تراجع كبيرة للموجة الأولى من هذه الثورات العربية وتقدم واضح للثورة المضادة في المنطقة ككل.

    فالأزمة في سوريا مستمرة بقرار دولي رغم أكثر من نصف مليون شهيد والكل يتفرج على حلب وهي تدمر، ونظام الانقلاب في مصر ثبت أقدامه أو كاد رغم كل أزماته الاقتصادية، واليمن وليبيا ممنوعان من الحل بقرار إقليمي، فيما لم تنج من القصم والكسر السريع المباشر إلا تونس بحلول وسطية وجزئية وتنازلات يمكن اعتبارها انقلاباً ناعماً بدون مبالغة كبيرة.

    ديدن البشر أن يتغاضوا عن الأخطاء في حالات التقدم واليسر، وأن يضخموا منها في ساعات العسرة والأزمات، سيما حين يتعثر الحل ويتأخر الفرج وتتكرر الإخفاقات، والواقع العربي اليوم ليس استثناء على هذا الصعيد. تراجَعَ على مدى السنوات والشهور الأخيرة بشكل متدرج ومستمر خطابُ التحفيز والدعم والتفاؤل لصالح خطاب التلاوم والنقد والعتب والدعوات للمراجعات والتقييم واستخلاص الدروس. بيد أن الأمر لا يخلو من جدل له مبرراته فيما يتعلق بالتوقيت والجدوى والنتائج المتوخاة، وأسلوب الخطاب وانعكاساته.

    مازالت غالبية الخطاب العربي تصب في خانة التباكي وتحميل العوامل الخارجية المسؤولية وعدم الإثقال على الفاعل المحلي/الذاتي، بينما ازدادت مساحة نداءات المراجعات والنقد الذاتي كثيراً رغم أنها ما زالت أقل بكثير وعلى هامش الخطاب السائد، سيما وأن الكثيرين يرون في هذه الدعوات جلداً للذات وتبرئة للمعتدين و"إفتاءً من القاعدين للمجاهدين"...الخ.

    من ناحية مبدئية، لا يوجد حدث سياسي أو تطور اجتماعي له سبب واحد وحيد، بل تتضافر الكثير من العوامل الذاتية والأسباب الخارجية لتصوغ مسارات ثم مآلات الظواهر المختلفة، وبالتالي فإن أي تقييم أو تحليل يحتفي بالخارجي على حساب الذاتي أو يغفل الأول ليكتفي بالثاني ناقص وغير دقيق. ولكن، هل التقييم العلمي الموضوعي والتشريح الدقيق هو وحده المطلوب من عملية النقد؟؟

    لو كان ذلك هو المطلوب لفصّلنا في العوامل واحداً واحداً وأفردنا لكل منها وزنه النسبي وتأثيره وتفاعلاته مع الفواعل والعوامل الأخرى ولأمكننا أن نسطر المجلدات الضخمة، لكن فائدتها العملية ستكون محدودة. نعم، لا يمكن استخلاص العبر والاستفادة المستقبلية دون دراسة موضوعية صحيحة، لكن الجهد الأكبر ينبغي أن يصب في مسار المستقبل وما يمكن فعله للتسديد. وعليه، فإن عدداً من المحددات يفترض أن يوضع في الحسبان:

    الأول، أن مسؤولية الآخر -الخصم أو العدو -مفروغ منها ومُجْمَع عليها ولا طائل كبيراً من التأكيد عليها، بينما ما زال هناك رفض أو تحفظ بدرجة أو بأخرى على قبول المسؤولية الذاتية.

    الثاني، أننا نملك أن ننصح لأنفسنا ومن نساند لأجل تصويب المسار، بينما لن تصل كلماتنا إلى الآخر وإن وصلت فإن إمكانية التغيير لديه أو على يديه شبه معدومة.

    الثالث، أن العامل الذاتي هو الأجدر بالتغيير والأقدر عليه من بين العوامل الأخرى، في ظل إصرار الآخر على عدوانه واستمرار اختلال موازين القوى وتراجع الظروف المحيطة، ولذا فالنفع العملي منوط بالتغير الذاتي.

    الرابع، أن التدخل/العامل الخارجي استند إلى مواقف وسياسات وأخطاء داخلية ذاتية في كثير من الأحيان أو استغلها، في تناغم مع مفهوم "القابلية للاستعمار" الذي صاغه مالك بن نبي رحمه الله، مما يزيد من أهمية وضع اليد على هذه الأخطاء لعدم تكرارها إن لم نقل محاولة عكس آثارها.

    الخامس، أن النص الديني والتجارب التاريخية والمنطق العقلي كلها تقول بأولوية العامل الذاتي ومحوريته وفق مبدأ "قل هو من عند انفسكم" وقانون "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

    وبناء على هذه المحددات وغيرها نقول إن التقييم الموضوعي مطلوب وتحميل الخصم/العدو المسؤولية القانونية و/أو السياسية واجب، لكن التركيز على العامل الذاتي ينطوي على أهمية استثنائية من باب رجاء التغيير والتطوير والتحسين، وأما الاستمرار في صب اللعنات على الآخر تحت عنوان التآمر والاستهداف والحقد ونظريات المؤامرة فقد يفرغ شحنات النفوس لكنه لا يغير في واقع الميدان الكثير.

    يبقى فقط أن نقول إن التركيز على كوامن النقص الذاتي/المحلي والأخطاء ينبغي أن يأتي في سياق الاستدراك والتعديل وتصويب المسار وتلمس المصلحة وليس الشماتة أو تحميل المسؤولية أو جلد الذات أو التخذيل والتيئيس، فلا نملك هذه الرفاهية. لا بأس أن نلعن المجرمين كل لحظة وفي كل نفس، لكن دعونا أيضاً ننظر فيما يمكن إصلاحه أو تعديله أو تصويب مساره ونخصص له أكبر وأهم مساحات وقتنا وجهدنا وفكرنا، فثمة المصلحة ومظنة التغيير.

    المقال على موقع المركز 

  • إدارة سياسات التحجيم.. موسكو والاستثمار في التناقضات

    الباحث: ساشا العلو
    بعد تدخلها العسكري في العام 2015 ، أدركت موسكو
    جيدا المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل
    دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري،
    إضافة إلى المناخ السياس ي العام الذي حك م و
    يحكم الملف السوري
    دوليا، وخاصة الموقف الأمريكي " يسّر
    الم " خلال حقبيي
    أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، واليي تمثلت ب:
    1 . فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
    2 . ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط،
    والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّ ة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على
    الحدود.
    هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب )درعا، القنيطرة(، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على
    حدوده )داعش، معابر(، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد
    داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة
    العسكرية الروسية على المدن والبلدات.
    وهذا ما حدث
    أيضا مع الكيان ا لإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروس ي لنفسه
    كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل
    عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.
    هو ذاته
    أيضا ما واجهت ه تركيا في العامين الأولى من التدخل الروس ي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها ا لأمنية
    بداية
    عبر دعمها ل " PYD " وذراعه العسكري " YPG " في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف،
    واليي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في
    شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية،
    وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.
    2
    مركز عمران للدراسات الاستراتيجية © جميع الحقوق محفوظة
    عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. | www.OmranDirasat.org
    وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى ح د كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل
    طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياس ي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل
    المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع،
    وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من
    الأراض ي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياس ي، بل وإنجاز صفقات
    مع تلك الدول ، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري
    أساسا ) تعزيز التبادل تجاري، بيع ا لأسححة، وإنشاء معامل
    وقدرات عسكرية.. إلخ(.
    إذا فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة
    لتهدئتها؛
    تنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه
    غالبا في خدمة رؤية موسكو لححل السياس ي.
    واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوز ت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري،
    كالدور العربي- بالخليجي
    ممثلا -، والذي
    أيضا تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما
    طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له،
    مقابل التقدم الروس ي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروس ي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض
    فحسب، من محاولات
    بدءا
    وإنما سعت موسكو لترجمته سياسيا "أستنة" بتغيير أولويات السلال الأربعة مع
    جنيف مرورا
    "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال ، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق
    القرار 2254 إلى الحجنة الدستورية.
    وصولا
    بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم اليي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها
    ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في
    الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية اليي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل
    من الرأيين حجج ه؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك
    لم يعد خافيا
    من الرؤية لمستقبل
    بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءا
    عسكريا
    اليي فرضت تحالفا س ورية إلى
    وصولا
    إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور ا لإيراني في عدة
    مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات،
    أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاو لات حرمان
    إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سور ية ، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول
    السياس ي دوليا المنطقة على ظهر
    الوجود الإيراني في سورية )"معادل قوى "(، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود)الخليج، إسرائيل(.
    ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكا ء منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني ت
    راجعا
    للدور الأمريكي و
    سياسيا
    ارتباكا للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن

    صراعاتها المتعددة، واليي أمّ نت لم وسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة اليي ولدتها تلك الصراعات،
    بدءا
    من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، خ لا
    وأخيرا فات شركاء الناتو
    أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.
    كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّ م
    دور موسكو في سورية، وب من
    دلا ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّ ة
    وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك
    الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروس ي وما
    يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حيى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه )روسيا، إيران(.
    وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها
    الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروس ي
    لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّ ح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في
    الملف السوري.
    قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية رت ه
    ّ
    وما وف من هوامش للدور الروس ي، استمرار الفاعلين المحليين في
    التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية
    فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّ نت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون
    إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد
    ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.
    وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية- روسية
    بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث )إيران( بدعم قوى إقليمية
    ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّ ة على تناقضات القوى المختلفة واليي تؤمن ل
    ها تفردا
    في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طا ل أو يطا ل أو سيطا ل حلفائها
    )النظام، إيران(
    أيضا وشركائها )تركيا( في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي
    بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته
    قد لا يبدو تطبيقه عمليا وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر
    المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية اليي أوصلت الدور الروس ي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

  • إسرائيل تتعهد بوقف تهريب صادرات النفط الإيرانية

    بقلم الدكتور نبيل العتوم

    قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي: إن أي إجراء سيتخذ بحق الملاحة الإيرانية فإن الرد الإيراني سيكون قاسيًا ومحكمًا ومدمرًا، فردّة فعل وزير الدفاع الإيراني جاءت على إثر التهديدات الإسرائيلية بالحدّ من تهريب صادرات إيران النفطية، ويذكر بأنه في وقت سابق تعهد بنيامين نتنياهو بأن البحرية الإسرائيلية قد تتخذ إجراءات غير مسبوقة لوقف تهريب إيران للنفط، وقال: إن القوات الإسرائيلية يمكنها إذا ما اقتضت الحاجة أن تمنع إيران من تهريب النفط ، داعياً القوى العالمية لإحباط أي محاولة من طهران لتفادي العقوبات الأميركي،وأبلغ نتنياهو ضباط البحرية بأن إيران لا تزال تتبع إجراءات سرية لشحن الوقود مثلما كانت تفعل قبل إبرامها الاتفاق النووي عام 2015، في الوقت الذي تحاول فيه إيران التحايل على العقوبات من خلال تهريب النفط خفية عبر مسارات بحرية. وبناء على مدى تلك المحاولات، سيكون للبحرية دور أكثر أهمية في وقف هذه الأفعال الإيرانية داعياَ المجتمع الدولي كلّه إلى وقف محاولات الالتفاف من إيران على العقوبات بأي وسيلة ممكنة.

    وفي ردّة فعله على تلك التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بموضوع الصادرات الإيرانية من النفط، قال وزير الدفاع الإيراني "أمير حاتمي": إن هذا الأمر يعتبر نوعًا من قطع الطريق، وسيؤدي إلى خلق حالة من التوتر الدولي. 

    ولكن ما مدى جديّة هذه التهديدات الإسرائيلية التي تهدف إلى الوقوف في وجه الصادرات الإيرانية من النفط؟ وإذا وقعت هذه التهديدات كيف سيكون الرد الإيراني؟

    من المؤكد بأن التهديدات الإسرائيلية تتزامن مع زيادة وتيرة المساعي الأمريكية الهادفة إلى زيادة رقعة العقوبات المفروضة على إيران لتشمل موضوع التأمين على السفن الملاحية الإيرانية، وإذا ما أثمرت هذه المساعي، فإن شركات التأمين العالمية لن يعد بمقدورها التأمين على السفن الإيرانية، وبالنتيجة فإن السفن الإيرانية ستبحر دون أن يكون هناك تأمين عالمي عليها، وهذا الأمر في الحقيقة سيمهّد لإسرائيل بأن تقوم باستهداف ناقلات النفط الإيرانية وربما تغامر إسرائيل بضرب السفن الإيرانية، فالبحرية الإسرائيلية التي تمتلك طرادات للسفن، كما تملك أسطولاً صغيراً من الغواصات، وأغلب نشاط البحرية الإسرائيلية في البحرين: (المتوسط والأحمر).

    بموازاة ذلك، تتضمن وسائل تهريب النفط الإيراني أساليب معروفة مثل تغيير أسماء السفن، أو تسجيلها لدى دول أخرى، ورفع أعلام تلك الدول عليها، وإيقاف أجهزة تحديد مواقع السفن، ونظام الاتصالات ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر بعيداً عن الأنظار، وهذه الاستراتيجيات والأساليب الإيرانية سيكون لها تداعيات خطيرة على حركة الملاحة العالمية خاصة في حال أصبحت ناقلات الشبح الإيرانية غير موجودة على مسارات وخطوط الملاحة الدولية.

    وقد تلجأ إيران إلى محاولة إعاقة حركة الملاحة العالمية في مضيق هرمز في حال اتخاذ أية خطوات تصعيدية وفي إزائها قد دعم خامنئي اقتراح الرئيس حسن روحاني بأن تمنع إيران صادرات النفط الخليجية إذا تمّ إيقاف صادرات النفط الإيرانية.

    فمن الواضح بأن التصعيد الإسرائيلي باستهداف شحنات النفط الإيراني عرقلتها لم تواجه أي اعتراض أميركي مما يشي بأن هذه الخطوة قد تلقى ترحيب واشنطن وربما انخراطها مع تل أبيب بشكل مباشر لتبني هذه الخطوة.

  • إشكالية الهوية في الجزائر ودور المثقف التوافقي..... جلال خشيب

    رغم الغربة عن الوطن، لا تكاد تخلو نقاشات المثقفين الجزائريين في المهجر عادة من مواضيع راهنة تعيشها البلاد، ولعّل إشكالية الهوية إحدى أبرز هذه المواضيع. وتبرز أهمية هذا الموضوع بالذات في المهجر حينما يقترن بتعريف الجزائري لذاته أمام الأجانب، عربا وعجما على حدّ سواء. كثيرا ما أشعر شخصيا بوجود شغف فكري وعطش معرفي خاصة من قِبل إخواننا في المشرق العربي حينما يتحدثون عن المغرب، ناذرا ما أصادف شخصا عارفا بالنمط الثقافي للمغرب العربي على وجه سليم، فضلا عمّا يرتبط به من أمور السياسة والإجتماع، مع العلم أنّي أحدثكم عن نخب جامعية من مشاربٍ معرفية مختلفة، ليس في ذلك عيب ولا لوم بقدر ما يقع لومي على أهل تلك البلاد المغاربية في التعريف بذواتهم الجمعية. لهذا السبب ولأسباب أخرى تكثر أسئلة هؤلاء المغرب الكبير، عن ثقافة أهله، ذهنياتهم، نفسياتهم، لهجاتهم، نُظم حكمهم السياسية، تركيباتهم العرقية وألوانهم المذهبية والدينية وما إلى ذلك.

    أجد في هذه الأسئلة ما يُبشر بالخير حقا، فكثيرا ما إشتكيتُ فيما أكتب من تلك الفجوة السحيقة بين مشرق هذا العالم ومغربه، قد نعرف عنهم أكثر ممّا يعرفون عنّا في أكثر الأحوال، لأسباب عديدة أهمها الإنتاج السنيمائي المشرقي والإعلامي على وجه عام الذّي يساهم في ترويج ثقافة أهله. فمن شأن هذه الأسئلة أن تنبي جسورا من التواصل بين ضفتي هذا العالم الواسع المتنوع، فلطالما كانت الأسئلة الإشكالية عندي أهم بكثيرا من الأجوبة الجاهزة المرمية على قارعة الطريق، وهذا مربط الفرس في هذا المقال كما يُقال، فردًّا على تلك الأسئلة يُقدّم الجزائريون خصوصا والمغاربة عموما أجوبة متنوعة تصل حدّ التناقض، أغلبها أجوبة جاهزة لا تعكس أدنى حدّ من التفكير النقدي، وسوف أحصر هنا حديثي عمّا يتعلق بالجزائر وحسب.

    أكاد أجزم بعدم وجود موضوع راهن أكثر تعقيدا وإلتباسا من موضوع الهوية، فهو موضوع مركب بالأساس لتعدّد مكوناته وعناصره من جهة، ولتعدّد المقاربات النظرية والمنهجية المعالجة له، لاسيما مع الزلزال المنهجي الذّي أحدثه في العقود الأخيرة المنظور المابعد وضعي في العلوم الإنسانية والإجتماعية مع تيارات ما بعد الحداثة ومناهج الأركيولوجيا والتفكيك عند كل من ميشال فوكو وجاك ديريدا على التوالي أو ما يُسمى بالنيتشاويين الجدد في الفلسفة الفرنسية الحديثة والمعاصرة. لذلك سنقدم قبل مناقشة موضوع المقال تعريفا لمفهوم الهوية، سيكون جامعا وتبسيطيا جدّا يحتاج إلى قراءات كثيرة بالطبع، مراعاةً لسياق المقال، وترسيخا في المقابل لقاعدة العقل المنظّم الممنهج في الكتابة والتفكير.

    الهوية لغة من الهُو، والهُو هو الأنا، أو الإتحاد بالذات، أمّا إصطلاحا فتشير إلى ما يكون به الشيء هو ذاته، أي من حيث وجوده وتحقّقه وخصائص التّي تميّزه عن غيره، فإذا إنتقلت من الفرد وإرتبطت بجماعة ما صارت معبّرة عن فكرة الإنتماء، سواء كان هذا الإنتماء روحيا، وجوديا، ثقافيا أو حتّى سياسيا، فتصير الهوية وعيا جمعيا بالذات والكينونة.

    لذلك فحينما يُعبّر جزائريان أو أكثر في المهجر عن هويتهم بعد سؤالٍ من أجنبي ما عن إنتماءهم للعروبة من عدمه، أو بعد سؤال يطالبهم بتعريف هوية الجزائر المختلفة حقا عن معظم بلدان المشرق والخليج، تتنوّع إجاباتهم بشكل يصل حدّ التناقض والسجال ليتركوا السائل في حيرة دون جواب واضح، معبرّين عن إحدى أبرز المشكلات الفكرية التّي يعيشها أهل هذه البلاد. ولهذا الأمر أسباب مركبة بقدر خاصية التركيب التّي يتميّز بها موضوع الهوية.

    يُعرف تاريخيا أنّ الأمازيغ أو البربر (وتعني الرجال الأحرار) هم السكان الأصليين للجزائر وكافة شمال إفريقيا، وقد كان لهم وجود حضاري في المنطقة وشخصيات تاريخية شهيرة على غرار ماسينيسا ويوغرطة وطارق إبن زياد، ومدن رائدة على غرار سيرتا أو نوميديا، التسميتين القديمتين لمدينة قسنطينة شرق البلاد. تاريخيا، عرفت الجزائر قدوم الفينيقيين إلى أرضها، الرومان، البيزنطيين، الوندال، العرب-المسلمين، الأتراك-العثمانيين ثمّ الفرنسيين منذ القرون الأولى للميلاد، بشكل تمازج فيه المجتمع وتلاقحت فيه حضارات متنوعةٌ وأعراق، لذلك تجد أشكالا وألوانا بشرية مختلفة حدّ التناقض بين شمال الجزائر وجنوبها، بين سواحلها وهضابها، بين شرقها وغربها، فضلا عن اللهجات واللغات والطبوع الثقافية المتنوعة والثرية، ليأتي أحدهم ويقدّم أجوبة تبسيطية جدّا، وبعضها أجوبة تعكس عنصريات ما أو إنحيازات سياسية معينة أو ضحالات فكرية وجهالات معرفية، فيقول أنّ الجزائر أمازيغية الهوية أو عربية الهوية بشكل خالص، أو مسلمةً حتّى، ظنّا منه أنّه وجد حلاّ لهذه الأزمة في تعاليم الإسلام، ويُلغي كل حقائق التاريخ والأنثروبولوجيا وسنن الكون.

    لا تخفى أيضا علاقة تنكر البعض من كل ما له علاقة بالعرب بالحالة التاريخية-الحضارية المتدهورة الذّي يعيشها العالم العربي منذ حوالي قرن من الزمن، فلم يعد مُشرِّفا أن يكون المرء عربيا هذه الأيام، خاصة وقد إلتصق بالعرب كل ما له علاقة بالتخلف والكسل، بالذُل والمهانة، بالتطرف والإرهاب. هناك دوافع سايكولوجية متقاربة على العموم تدفع هؤلاء إلى إظهار تميّز الفرد الجزائري عن بقية العرب المحسوب عليهم بحكم الجغرافيا والتاريخ، وهناك وهناك..

    لهذا السبب وقبل أن أتعامل شخصيا مع تساؤلات كهذه، أوضّح للسائل أولا أنّ الهوية في نظري هي حصيلة لتراكم تاريخي مستمر، مركب ومتعدّد، متفاعل مع ذاته ومع عالمه الخارجي. لذلك فإنّ إدعاءات النقاء العرقي أو الهوياتي الخالص إدعاءات باطلة بحكم التاريخ، يجب أن يُنظر فيما تُخفيه من مصالح، وما يقف خلفها من سلطة، فلطالما إمتجزت المعرفة مع المصلحة والسلطة كما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو.

    كما أنّ الذّي يدعي أنّ الجزائر عربية محضة أو أمازيغية فإنّه يرسّخ لخطاب أحادي يُعادي سنن الكون القائمة أصلا على التعدّد والإختلاف، فالواحد لم يكن يوما أصلا في المخلوقات وإنّما جوهرا في الخالق وحسب (الواحد، الأحد)، لذلك فإرجاع دولة في حجم قارة كالجزائر إلى أصل واحد ما هو إلاّ تعدّي على طبيعة الخَلق وحكمة الخالق.

    من نافلة القول أنّي أذهب دوما إلى تذكير المُحاور أنّي أنحدر من مدينة قسنطينة شرق البلاد، مدينة عريقة في التاريخ شهدت ميلاد أكبر حضارات الأمازيغ تحت إسم نوميديا أو سيرتا، كما أنجبت أكبر علماء الإصلاح في الجزائر العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس صاحب ثلاثية: "الإسلام ديننا، العربية لغتنا والجزائر وطننا"، وصاحب البيت الشعري الأشهر في هذا الصدد: "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب، من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب". أقول ورغم كوني من هذه المدينة التّي نشأ بين أحضانها "النقيضين" فلم أدّعي يوما أنّي عربي خالص أو أمازيغي خالص، ولا ينبغي لي، ما دامت مدينة العلم والعلماء كانت في التاريخ كريمةً، رحبة الصدر مع الجميع.

    نتسائل هنا إذن، لماذا صار حديث الهوية حديثا داخليا صارخا في الجزائر هذه الأيام؟ وكيف نضع هذه الإشكالية المتعلقة بهذا المجتمع في سياقها الكبير؟

    أولا، وفي سياق كوني أشمل، نقول أنّ الخطر والتهديد الذّي تشعر به الجماعات الهوياتية والمجتمعات (غير الغربية) من جراء خطاب العولمة الذّي تُهيمن عليه أساسا النزعة المركزية الغربية وما خلقته هذه النزعة من فراغ روحي إنساني بسبب إفراطها في المادية والإستهلاك وما صاحب ذلك من "شيئنة للإنسان وحوسلته" (حوّلته إلى شيء أو إلى مجرد وسيلة وأداة، حسب تعبير كل من مالك بن نبي وعبد الوهاب المسيري) ، بالإضافة إلى النزعة الإنسانية التدخلية الغربية في العالم (في أنبل صورة لها تخفي مصالح الغرب الإمبريالية الجديدة) كل ذلك خلق ردود فعل عكسية فطرية لدى هذه المجتمعات تجعلها تبحث عن ذاتها المهدّدة بالميوعة والفقدان.

    ثانيا، أدّى خطاب الأنسنة الفلسفي والأخلاقي إلى ظهور مفهوم الإنسان الكوسموبوليتاني كأحد تجليات العولمة، خلق ذلك أزمةَ معنى في مجتمعات كثيرة خاصة تلك المركبة بشكل فسيفسائي والقابعة تحت دول هشّة، أزمة معنى جعلت هذا الإنسان يفكر أكثر في حدوده الهوياتية في مواجهة هذا الإنسان الكوسموبوليتاني المشبّع أساسا بخطاب المركزية الغربية الكامن، في نفس الوقت عمّقت هذه العولمة من النزعة الفردية كفلسفة رأسمالية تُعلي من شأن الفرد على حساب المجتمع.

    ثالثا، وفي المقابل، برزت النزعة القومية التّي تُعلي من شأن الجماعة السياسية/الدولة على حساب الجماعات الهوياتية الضيقة كرد فعل سياسي من الدولة ككيان، ويبدو ذلك بشكل أوضح لدى تلك الدول التّي تعرف صعودا إقليميا لافتا على غرار تركيا وإيران أين تتعزّز فيها النزعة القومية بالأساس، وهنا تحضرني مقولة للبروفيسور جون ميرشايمر رائد التيار الواقعي الجديد في العلاقات الدولية حينما يردّد دوما "أنّ النزعة القومية ستكون الإيديولوجية الأولى والرائدة في القرن الحادي والعشرين"، فهذا النمط من الدول بحاجة وجودية لأن يُثبت ذاته وتميّزه عن الآخرين، فتتعزّز في خطاباته مقولات "الأنا والآخر"، لذا ستكون العولمة أولى أعداءه طالما تدعو إلى أحادية النمط الكوني.

    وبحكم الحجم القاري الجغرافي للجرائر، وزنها التاريخي، ضخامة مواردها وإمكانياتها المادية والبشرية ساد خطاب القوة الإقليمية الصاعدة داخليا ودافع النظام السياسي عن هذه النزعة القومية-الوطنية وروّج لها من دون أن يعمل على تنمية الجزائر لتكون أهلا لها حقا، فتعزَّز شأن الجماعة السياسية الواحدة/ الدولة الجزائرية، مستفزا بعض الجماعات الهوياتية الضيقة، كتلك الحاملة لخيارات الإسلام (ويعني ذلك اللغة العربية تِبعا) ضدّ خيارات القومية والعلمانية أو تلك الجماعات التّي تشعر بظلم النظام لها وتهميشها وإنحيازه ضدّ مطالبها التّي تُشعره برائحة الإنفصال، ونقصد بذلك بعض الجماعات الأمازيغية.

    رابعا، لا يجب أن ننسى أيضا تنامي النزعة ما تحت الدولاتية في القرن الحادي والعشرين والتّي تُقدّم الجماعة الهوياتية على الولاء السياسي للدولة لأسباب لا تتعلق بعولمة الكون وحسب. ففشل السياسات التنموية للدولة (النظام السياسي) وللاعدالة في توزيع الثروات أو تقاسم السلطة، يُعلي من شأن الخطابات الهوياتية الضيقة فتصير الجماعة مصدرا للآمان بالنسبة للفرد أكثر من الدولة ومصدرا للأمل أيضا، ليس على الصعيد السياسي وحسب وإنّما من الناحية الروحية، الأخلاقية والوجودية أيضا، فتلجأ هذه الجماعة إلى تتبنى خطاب المظلومية وتركن إلى كل ما يُغذّي فيها هذا الخطاب ضدّ الدولة، قد تكوّن لنفسها مجتمعا خاصة تقف به ضدّ البقية.

    خامسا، يصاحب شعور النظم السياسية فقدانها لأسس الشرعية عند المجتمع عادة سياسات ذكية منها تجعلهت تلعب على أوتار الهوية لتحافظ على البقاء. لقد جاء إقرار اللغة الأمازيغية هذا العام مثلا كلغة رسمية وطنية في الدستور الجزائري في هذا الوقت بالذات ليكرس النظام السياسي عبرها سياسة "الهروب نحو الأمام"، كوسيلة من وسائل إلهاء الشعب الجزائري عن المستقبل المظلم الذّي ينتظره -لو استمر الوضع كذلك- عبر خلق أو إحياء نعرات إثنية دفينة بين كثير من أفراد هذا المجتمع ينسلُّ منها النظام بعيدا يشاهد ويتحيّن الفرصة المناسبة ليعزّز بقاءه في السلطة أكثر فأكثر. فقد صارت الأزمات البينية وسيلة من وسائل اكتساب شرعية الوجود لهذا النظام بعد أفول نجم الشرعية الثورية والاختفاء التدريجي لجيل الثورة "تحت ضغوط السنن الربانية في الكون".

    هل تذكرون الطريقة التّي عزّز عبرها النظام وجوده قبل عشرين سنة؟ لقد كان موضوع محاربة الإرهاب وحماية الوطن وسيلته في تلك الحظة بعد شعوره بخطر محدق يمس هدف البقاء.

    هل تذكرون كيف كان موضوع السلم والمصالحة الوطنية، إعادة الأمن والتنمية الاقتصادية وسيلة أخرى تكيّف بواسطتها النظام السياسي مع الوضع لقرابة خمسة عشر سنة كاملة؟ 

    هل تتذكرون أحداث غرداية -منطقة في الجزائر شهدت أحداث عنف قُتل فيها 22 شخصًا- والمأساة التي عاشها الجزائريون قبل عام فقط بعدما حامت "ثورات الربيع العربي" في الجوار؟.

    لذا فأزمة الشرعية التي يعيشها النظام الجزائري منذ مدّة طويلة لا سيما بعد فشل مشاريع التنمية ودخول البلاد اليوم نفق أزمة اقتصادية مجتمعية مظلمة (تُعزّزها أرقام فظيعة)، لا بصيص لنورِ أملٍ في الأفق فِكاكًا منها تتطلب منه خلق مصادر شرعية جديدة سواء عبر إحياء نعرات بينية يعتقد أنّ له قدرة على التحكم في مساراتها، أو بوسائل أخرى لا نعلمها من شأنها أن تمنحه جرعا إضافية ليبقى متماسكا قدر الإمكان..

    نعرف جيّدا أنّ موضوعا كهذا يعالج مسألة الهوية الوطنية، من شأنه أن يثير حساسية الكثير، لذا وحتّى نقطع على البعض سوء النية وجب علينا أن نؤكد أنّ الثقافة الأمازيغية لهي جزء لا يتجزأ من تاريخ المجتمع الجزائري، ولا يُنكر ذلك إلا معادٍ أو مكابر لكن أن تكون مطية لأغراض أخرى أو حصان طروادة تستخدمه بعض الأطراف خدمة لمصالح شخصية خاصة أو أجندات أجنبية (مثلما قد يُستخدم الدين أحيانا) فهذا ما يجب أن يرفضه الجميع وينبّه إليه.

    سادسا، الإستقطاب السياسي الذّي تعيشه الأحزاب السياسية أو الأقطاب السياسية داخل البلاد وما تساهم فيه وسائل الإعلام التابعة لهذا الطرف أو ذاك، أدّى إلى إصابة المجتمع "بمرض الأدلجة"، وتعرّض المثقف "لداء الدوغمائية"، فقد صار الأخير يجتهد في تقديم إجابات يدّعي معها تعبيره عن جوهر الحقيقة، بدلا من أن يطرح إشكاليات أنطولوجية ومعرفية بالأساس في هذا الموضوع يساهم من خلالها في تكوين عقل نقدي جمعي لهذا المجتمع بدلا من أن يتركه فريسة لكل خطاب منحاز أو مرجعية تدّعي إمتلاكها لجوهر الحقيقة. وهنا أنتقل لعامل ذي صلة وهو عدم قدرة المجتمع والدولة تاريخيا على إرساء مرجعية فكرية-دينية-وطنية خاصة ممّا أدّى إلى تفكك المرجعيات وتعدّدها بل وإلى مرحلة أخطر بكثير أسميّها شخصيا بمرحلة "صدام المرجعيات الفكرية".

    الخروج من النفق المظلم: أيّ دور للمثقف الجزائري؟

    إنّ إدارة مشكلة الهوية في البلاد بأقل الأضرار تنطلق في نظرنا أساس من إدراك المثقفين ذوي العقول النقدية وأصحاب القلم والرأي لعمق موضوع وإشكالية الهوية عموما، فمن شأن ذلك أن يفتح المجال لترويج خطاب تعددّي مركب غير تبسيطي ولا إختزالي، يقدّم من خلاله المثقف الجزائري الواعي بمسؤوليته التاريخية أجوبة أكثر توافقية تضع السائل المحتار أمام صورة مركبة غير منحازة، تحيّد روحه عن التعصب والتطرف وتفتح عقله لقبول التعدّد والإختلاف كواقع مُعطى حتمي لا مفر منه.

    على المثقف الجزائري أن يُدرك حاجتنا الماسة في هذا الزمن إلى وعاء جامع للهويات يوّحد الإنتماءات دون إقصاد لأحد، لن يكون ذلك إلاّ بمساهمته الفكرية في مشروع بناء دولة مؤسسات قوية ناجحة تنمويا تُدرك قيمة المنتمي إليها كإنسان قبل كل شيء، تذيب الفروقات وتقضي على الخلافات بالعدل، تشيع ثقافة الإختلاف بدلا من الخلاف عبر إرساء وإشاعة مؤسسات الحوار وتبادل الأفكار، تُعلي من قيمة مجتمعها حينما تُشعره عبر إنجازاتها بالفخر بإنتماءه لترابها، فتتشكل قومية جزائرية مثلا (ليس بمعناها الكلاسيكي المؤدلج)، كما تشكلت قومية تركية وأخرى إيرانية أو يابانية أو ألمانية، أو كما تشكلت قومية أميريكة في مجتمع هجين يصدح فيه الأبيض الأوروبي والأسود الإفريقي والقوقازي الآسوي بأنّه أمريكي وفقط، دولة هجينة الأطياف، ثرية الثقافات، موحدة الإنتماء الروحي قبل القرار السياسي، منتمية إلى الوطن، على الأقل في هذا الزمن المليئ بالفتن، والذّي صار أضعف الإيمان فيه أن نُحافظ على حدود سايكس بيكو، أمّا طموحات الوحدة الإسلامية مثلا فلا تزال بعيدة جدّا على هذا الجيل.

    علينا أن نُدرك جميعا أنّ الاختلاف ثراء ومكسب تاريخي وأنّ تعدّد الثقافات في وطن واحد لهو مفخرة لهذا الوطن وأبنائه لا سيما في وطن شاسع بحجم قارة بإمكانه أن يسع قلوب الجميع.

    علينا أن نعيَ أيضا تمام الوعي أنّ الوطن على مفترق طرق حاسم، ولا نجاة للكل ما لم تتكاثف جهود العقلاء وتُهمش الأصوات العنصرية والاستئصالية بكل ألوانها السياسية والإيديولوجية (تلك التي تريد السوء للوطن والشعب) من قِبل نخبة هذا المجتمع وأفراده على حد سواء.

    أكتب هذا في الوقت الذّي يلتف فيه المجتمع الجزائري حول "قضايا ساخنة" ذات صلة بمسألة الهوية، جاعلا إيّها شغله الشاغل، تتجاذبها أطراف متباينة المرجعيات والغايات والمصالح، في الوقت الذّي تعيش فيه الجزائر مرحلة إنتقالية بأتّم معنى الكلمة، يتّم فيها التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة أو ما بعد المصالحة الوطنية أو لنقل ما بعد الأزمنة الكلاسيكية التّي عرفتها البلاد.

    لا نستبعد إطلاقا أنّ هناك من يدفع بالمجتمع للإلتفات إلى قضايا جدلية في هذا الوقت بالضبط (كالقضية الأمازيغية) أو يتعمّد إخراجها للعلن بطرق ما (كقضية مضامين كتاب الجغرافيا) أو يساهم في الترويج لها وحشد الجماهير بإتجهاها (كقضية معلمة مدرسة الإبتدائي) عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، ليُبعد أنظار الشعب عن قضايا أخرى كبرى أكثر أهمية تتعلق بمصير الجزائر أو بمصالح كبرى بين نافذين في البلاد يتّم التجاذب والتوازن بشأنها بعيدا عن أعين الشعب في هذه اللحظة بالذات، في ظرف سياسي سوسيوإقتصادي صعب تمّر به البلاد، فلا حاجة لدوائر صنع القرار أن تُدخل عامل الشعب كعامل ضغط إضافي يشارك في عملية التحضير هذه، لذا تعمل هذه الدوائر على تفريخ الضغط النفسي للجماهير في قضايا أخرى يعتبرها مهمة ويساهم صانع القرار في الترويج لها على أنّها كذلك وأنّها قضايا إشكالية في المجتمع الجزائري على رأسها قضية الهوية وما إرتبط بها كما قلنا. أرجو ألاّ يُفهم كلامي هذا على أنّه تقليل من أهمية ما يطرح للنقاش المجتمعي بقدر ما أحاول بدوري أن أجد سياقا تحليليا مناسبا لما يحدث الآن في هذا الوقت بالضبط.

    إنطلاقا ممّا سبق، نؤكد ضرورة أن يعمل المناخ الفكري النخبوي في البلاد على ترسيخ خطاب التعدد والإختلاف في الداخل تلافيا لأيّ صدامات داخلية قد يعيشها المجتمع مستقبلا بسبب تلك المشكلات ويخرج فيها النظام السياسي منتصرا في كلّ مرّة، مُظهرا نفسه على أنّه الطرف الحامي لوحدة البلاد وأمنها، مكتسبا شرعية جديدة هو في حاجة إليها لإستمراره وتكيفه بعد نفاذ كل الشرعيات التّي استند عليها في الماضي.

    أدعو بدوري إلى بزوغ المثقف التوافقي كما أسمّيه، والذّي صار في نظري ضرورة حتمية للمجتمع الجزائري ولكل مجتمع متعدّد في هذا الزمان، في الوقت الذّي تتّجه فيه مجتمعاتنا إلى مزيد من الأدلجة والإستقطاب وتحت قيادة نخب ثقافية دوغمائية بإمتياز ذات مصالح فئوية تتخّذ من الراهن حصان طروادة وفرصة ثمينة لتحقيق مكاسب ضيقة أو تصفية حسابات تاريخية وهمية أو نَزَعات عنصرية مقيتة. فالحاجة إذن إلى نموذج مستنير لمثقف توافقي حاجة ملّحة للمحافظة على اللحمة وتجاوز الأزمات.

    على كاهل هذا المثقف مهمة إقناع الفرد الجزائري أن يسعى إلى المواطنة كمكسب أرقى بدلا من يتقاتل في كل مناسبة حول حقوق فئوية ضيقة بين الرجل والمرأة تارة، بين العربي والأمازيغي، بين المالكي والإباضي، بين الشرطي، الأستاذ والوظيف العمومي، بين طالب النظام القديم وطالب النظام الجديد تارات أخرى وغيرها من الملهيات عمّا ينبغي أن يطالب به الجزائري ويتحدث. إنّ تحدي التنمية والعدالة الاجتماعية الآن هو الأولى في نظرنا طالما أنّه مطلب إنساني ويخدم الجميع. تذكروا مجدّدا أن الجزائر قارة رحبة تسع بصدرها الجميع .

    على كاهل هذا المثقف التوافقي أيضا مهمة كبرى في محاربة الدوغمائية والترسيخ لمفاهيم العقل النقدي والتعدّد وثقافة الإختلاف. على هذا المثقف التوافقي النقدي أن يدفع بالمجتمع إلى التفكير قبل الإيمان بتلك المسلمات التّي نشأ عليها، أن يُساهم في تكوين وعي جمعي نقدي يكون حاميا للمجتمع من أي تلاعب سلطوي أو نخبوي بعالم أفكاره. ومن نافلة القول التذكير بأنّ للدوغمائية رواد في البلاد، صاروا يهيمنون على الساحة الفكرية والثقافية بما تتيح لهم الوسائل الكلاسيكية للإعلام أو بما يتيحه لهم أيضا الإعلام البديل، ولا شك في أنّهم لا يقلون خطورة على مجتمعاتنا من مفاعلات ديمونة النووية الموجهة بأسلحتها إلينا طالما يساهمون في تدمير المجتمع من الداخل عبر العبث في عالم أفكاره وحقنه بالأمراض.

    لقد نجح الإعلام البديل في خلق منابر للدوغمائية النخبوية وما يتبعها من أجدلة للجماهير عبر جامعيين لم تكسبهم دراستهم لا عقلا نقديا ولا منهجا قويما ولا منطقا سليما في التحليل والتفكير، إذ يمارس هؤلاء الجامعيين أبشع أنواع الجرائم الفكرية على المجتمع عبر الحشد والاستقطاب والأدلجة وترسيخ المرسخ دون النظر فيه وبث كل أشكال العنف والأحقاد والنعرات البينية بحجج المعارك الأخلاقية في سبيل فكرة سامية يؤمنون بها أو تربوا عليها وصارت لهم معيارا أوحدا في تصنيف الجماهير ومنح صكوك التزكية والغفران. صار العلماني إقصائيا مترفعا وغدى الإسلامي عاطفيا متحمسا ولا يكف كلاهما عن الترويج لخطاب سطحي مشحون يهدم كل جسور التوافق والبناء.

    إلى الآن ورغم أزمة دموية طويلة عاشتها البلاد لم نتعلم كيف ندير إختلافاتنا ونحيّد خلافاتنا إذا كانت تضّر بالمصلحة العليا للبلاد، إلى اليوم لا زلنا نؤمن بالخطابات الأحادية وننساق خلفها دون وعي ولا سابقة تفكير، إلى الآن تحكمنا الثنائيات المانوية (نسبة إلى إله الخير والشر الفارسي مانا) بدرجة عالية من الاستقطاب، إلى اليوم لم ننجح في التأسيس لثقافة الاختلاف والتعدّد والتوافق في وقت صارت فيه هذه الثقافة هي المسلّمة الوحيدة لنجاة هذه المجتمعات من الفوضى. إني أدق ناقوس الخطر على جيل بزغت فيه نجومية الأصوات والأقلام الدوغمائية الواهمة بسبب ما يتيحه الإعلام البديل من حرية لم نتربى على مقتضياته بعد .

    أختم هنا برسالة إنسانية أخوية لكل جزائري، خاصة من يُقاسمنا هنا همّ المعرفة والوطن والغربة، رسالة عميقة على لسان فيلسوف الحضارات الأستاذ داريوش شايغان، رسالة تضع اللبنات الأولى للتواضع والإنسانية والتعدّد والإنفتاح وتنبذ كل عنصرية، دوغمائية وإختزال، يقول شايغان أجزم: "أنّه لا توجد اليوم إلاّ حضارة واحدة، هي الحضارة الكونية الحديثة، وما يشكّل هوية الأفراد –في الحقيقة- هي ملكة العقل التّي يمتلكها العالم كلّه وتسمح بتحويل مختلف الإنتماءات الثقافية والإثنية والدينية إلى إنتماءات مجردة، والإنسان الحديث يمتلك قدرة على التحليل المنطقي والتفكير العقلاني بإستقلال عن مختلف إنتماءاته."  

     

     المقال على موقع المعهد 

  • إنفوجراف: عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم في بداية سنة 2017

    يسر مركز الزيتونة أن يوفر للقارئ الكريم رسماً توضيحياً (إنفوجراف) يوضح أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العالم في بداية سنة 2017. ويشمل هذا الإحصاء مناطق الداخل الفلسطيني (الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948)، كما يشمل العالم العربي وباقي دول العالم.

    وتجدر الإشارة إلى أنه تم إعداد هذه المادة بالاعتماد أساساً على أرقام وتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  Palestinian Central Bureau of Statistics (PCBS).

    Infograph_PalPeople_Alzaytouna-PCBS_3-17

     مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/3/2017

  • إيران بين شبح الانهيار أو التفاوض مع واشنطن

    د.نبيل العتوم                                                 

    رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                       

    مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية 

     

         يقول وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”: إن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي هو أحد الخيارات أمام إيران؛ رداً على تشديد العقوبات الأمريكية، وأضاف في تصريحات أخرى تناقلتها الصحف الإيرانية نقلاً عن التلفزيون الرسمي الإيراني: إذا لم تتخذ أوروبا خطوات جدّية لتنفيذ المعاهدة النووية، فإن إيران ستنسحب من تلك المعاهدة. فلقد مضى عام كامل وأوروبا حتى الآن لم تتخذ خطوات عملية للوفاء بالتزاماتها التي وقّعت عليها في المعاهدة النووية، وليس هناك كثير وقت أمامها.

        لم تقف التصريحات الإيرانية عند “ظريف” بل سرعان ما انضم إلى حفلة التصريحات اللواء “محمد باقري”، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية حيث قال: إذا لم يعبر النفط الإيراني مضيق هرمز، فمن المؤكد أن نفط الدول الأخرى لن يعبر منه كذلك. وأضاف “باقري” في إشارة إلى مرور البوارج العسكرية الأمريكية والسفن التجارية وناقلات النفط عبر المضيق حتى الأمس. كما أظهرت التقارير بأن القوات الأمريكية استجابت بالكامل لتهديدات حرس الثورة المسؤولة عن تأمين مضيق هرمز، ولم يكن هناك أي دليل على حدوث تغيير في نهجها الحالي تجاه مضيق هرمز كما قال قائد قيادة القوات المسلحة الإيرانية: ستتخذ القيادة العليا قرارا بإغلاق مضيق هرمز في الوقت الذي تراه مناسباً. ولكن ما مدى جدّية هذه التهديدات الإيرانية؟

    وماذا يعني التهديد الإيراني بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في هذا التوقيت؟

         لا شك بأن هذه التصريحات تأتي عقب زيارة “ظريف” نيويورك والتي استغرقت يومين، والتي حاول من خلالها دراسة شروط التفاوض من خلال الشروع أولاً باقتراح تبادل السجناء السياسيين، كنقطة انطلاق للمحادثات السياسية بين طهران وواشنطن”.

        وتبعه اللجوء إلى التهديد بدبلوماسية حافّة الهاوية بغية تسريع وتيرة التفاوض وتحسين شروطها، في الوقت الذي تواصل فيه العملة الوطنية “التومان” الانهيار؛ حتى وصل الدولار الواحد إلى أكثر من 14700 تومانا، في حين أن أسعار النفط في الأسواق الدولية آخذة في الانخفاض، كما انخفضت طاقة تصدير النفط التي كانت أكثر من مليوني برميل نفط في اليوم، لتصبح أقل من 350 الف برميل يوميًا، هذا عدا عن فقدان طهران لخياراتها فلم تعد تملك شيئا للتفاوض عليه وبخاصة بعدما فقدت المبادرة في اليمن، وسوريا، ولم تعد بموقع القوة للقيام بأية خطوات في هذا الاتجاه .

        وفي ظل هذا الفشل الذريع، يعتبر التلويح بإغلاق مضيق هرمز بمثابة انتحار اقتصادي، لأن إيران نفسها تستورد من هذا المضيق، وقد تقودها هكذا خطوة حمقاء إلى مواجهة مع العالم كلّه عسكريًا فضلا عن المواجهة الاقتصادية.

         لأن إغلاق المضيق سيقود إلى تشكيل ائتلاف إقليمي بل وعالمي من كل الدول المتضررة لمواجهة إيران، بحيث تصبح في موقف لا تحسد عليه، ولهذا السبب لا يمكن أن يكون خيار إغلاق المضيق ضمن الخيارات القابلة للتنفيذ.

        وأما الخيار الثاني؛ الذي تلوّح به طهران فهو الخروج من معاهدة “عدم الانتشار النووي” التي تحظى بقبول الأوروبيين. ولكن بالنظر إلى أن إيران ليس لديها مخزون كافي من اليورانيوم فإن الإجراءات اللاحقة لخروجها من “إن بي تي” يمكن أن يشكل ردود فعل غير مسبوقة ضدّها، ولو قامت بطرد المفتشين الدوليين التابعين لوكالة الطاقة النووية الدولية، وشرعت برفع نسبة تخصيب اليورانيوم، فهذا معناه دخول إيران في مواجهة مع المجتمع الدولي، وتوقّع ما لا يحمد عقباه.

         إذاً تبقى خيارات طهران تندرج في إطار تحريك وكلائها ومرتزقتها المتواجدين عبر امتداد الحريق الإقليمي، لأنها أجبن من أن تطلق طلقة واحدة على الأساطيل الأميركية المتواجدة في المنطقة.

  • إيران تتخوف من الاتفاق الروسي الإسرائيلي

    فجرت التسريبات الروسية الإسرائيلية عقب قمة بوتين نتنياهو الداعية إلى انسحاب مختلف المليشيات الأجنبية غضب الإيرانيين الذين أصدروا بيانًا شديد اللهجة عنوانه: “إيران لا تطلب الأذن من أحد لتنفيذ سياستها الخارجية، رافضة وضع جدول زمني محدد لخروجها من سوريا، مؤكدة على بقائها في سوريا، حيث صرحت وسائل إعلامية إيرانية متحدية: بأنه لا يمكن لأي دولة في العالم الوقوف في وجه نفوذها هناك”.

     

    الإيرانيون يستغربون من تصاعد الدعوات الروسية لانسحاب القوات الأجنبية من سوريا، واعتبارها قضية خطيرة، فموسكو بدت تظهر حساسة جدًا لوجود القوات الإيرانية في سوريا، ولكن ما هو منشأ هذه الحساسية؟ ولماذا تصاعدت وتيرتها في هذا التوقيت بالذات؟ تقول إيران: إن نتنياهو قد اتفق مع السيد بوتين على مغادرة القوات الأجنبية من سوريا، لكن يبدو أن روسيا لا تعتبر قواتها أجنبية، ولا يشملها الاتفاق مع اسرائيل، تضيف طهران أن وجود القوات الإيرانية من عدمه لا يرتبط بروسيا فقط، بل هذا البلد “سوريا”، وبشار الأسد يحكم في هذا البلد وقرار بشار الأسد بمغادرة هذه القوات هو عامل مهم؛ لم نر أي مؤشرات على أن الحكومة السورية طالبت إيران أو الميليشيات غير السورية القريبة من إيران بالخروج من سوريا.

    أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني جدد مرة أخرى قوله، إلى أن إيران ستبقى تقدم “الدعم والاستشارات العسكرية” لدمشق حتى “إبادة كافة المجموعات الإرهابية”، بحسب توصيفه.

    ولن تلتفت إيران- بحسب تصريحات شمخاني- إلى الدعوات الإسرائيلية، ولا إلى مواقف الدول الأخرى بهذا الشأن، فالمحدد الوحيد لتحركات إيران هو مقتضيات الأمن القومي الإيراني، ومصالحها فضلا عن حفظ أمن المنطقة واستقرارها، هذا إلى جانب إلى أن إيران هي من أولى الدول المعنية بإعادة اعمار سوريا، محذرة بوتين من أية مغامرة غير محسوبة العواقب مع إيران.

    ولكن ما هي السيناريوهات التي تراهن عليها موسكو لإخراج طهران ومليشياتها من سوريا؟

    أولى هذه السيناريوهات: هي ممارسة الضغوط الدبلوماسية التي تعد إحدى الأدوات التي تمتلكها موسكو لإجبار إيران على الانسحاب من سوريا، وخاصة أن طهران بحاجة إلى روسيا للتخفيف من الضغوط التي تمارس عليها بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وضيق الخيارات أمام طهران لموازنة الضغوط الغربية عليها.

    السيناريو الثاني: هو مواصلة الضغط الروسي على إيران والذي قد يصل إلى مرحلة التلويح بفرض العقوبات على طهران وتقويض تحركاتها، وهو أشد ما تخشاه طهران، هذا في حال مضي إيران في ممارسة سياسة التحدي، وعدم الرضوخ للمطالب الروسية.

    السيناريو الثالث: وقد يكون من السيناريوهات التي تمت فعليًا وهو التوافق بين موسكو وتل أبيب، وهو  التساوق مع الخطة  العسكرية الإسرائيلية لدفع إيران على الانسحاب من سوريا، من خلال منح  إسرائيل المزيد من الحركة لتصعد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سوريا، من أهمها تصعيد الضربات الجوية للأهداف الإيرانية في العمق السوري نفسه، دون التحرك  الروسي، علاوة على تقديم الروس لمعلومات استخباري للجانب الإسرائيلي والتي من شأنها الإسهام في توجيه ضربات نوعية قاصمة قد تدفع إيران وميلشياتها إلى الانسحاب.

    من المؤكد بأن التوتر بات سيد الموقف بين إيران وروسيا، التي بدأت تفكر برؤية جديدة هدفها الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي، الأمر الذي قد يسهم في إعادة الاعمار في سوريا، ولكن هذا لن يتأتى في ظل ميل طهران إلى بناء مشروعها ومجالها الحيوي في سوريا، والذي بات يهدد المصالح الروسية.

  • إيران على أبواب الثورة .... د. سيف الدين هاشم

    ثمة قوانين تحكم حركة المجتمع الايراني بعضها واضح وجلي، والآخر متوار خفي؛ لكن هذه القوانين  تحمل  بين طياتها  زخما هائلا  يترقب اللحظة التاريخية للإمساك  بنقطة البداية ؛ لزعزعة أركان  السلطة ، وإحداث التغيير الشامل  في بنية النظام اللاهوتي  القائم ـ 

    أولا  ـ التحديات الداخلية

    في الوقت الذي تتمظهر فيه مقدمات هزيمة المشروع الايراني في بلاد الشام والعراق والبحرين واليمن ، فإن الجمهورية المعصومة تواجه تحديات جدية في الداخل :  

    1ــ قد تكون سنة 2016 بداية الحراك القومي الشامل  ؛ على نحو مايجري الآن من احتجاجات شبه متصلة  في مناطق  عربستان ، واذربيجان  وكرمنشاه  وتبريز، وفي مناطق عديدة من العاصمة

     2ــ موجات شعبية متلاحقة تعلن رفضها  لدكتاتورية الفقيه الاوحد ، مع استمرار المطالبات بحقوق القوميات المغيبة هوياتها ـ 

    3ـ قد يفضي مبدأ تراكم الظلم إلى إنفجار الاوضاع الداخلية  في أي وقت على نحو يصعب على حكومة روحاني السيطرة على مخرجاته.

    ثانيا  ـ الوضع المعيشي :

    1  ــ الخبز والحرية: هو صوت الغضب الشعبي العام الذي تشهده الجامعات في العاصمة وفي المدن الكبرى، حيال عجز النظام في إيجاد حل إشكاليات التضخم النقدي وسوء إدارة القطاعات الانتاجية والخدمية ـ

    2ـ الاحتجاج  المتزايد الذي  تقوده  جيوش العاطلين الذين قاطعوا خطاب رئيس الجمهورية ، في كرمنشاه  يوم الأحد 17 يوليو/تموز، وهم يرددون هتافات مناهضة له ولحكومته بسبب  ارتفاع معدل البطالة التي تعاني منها مدينتهم وباقي المدن الإيرانية، ووفقا لآخر إحصائية أعلنتها وزارة الشباب فإن عدد العاطلين عن العمل في إيران تخطى  الثلاثة  ملايين.

    وعلى إثر هتافات الجماهير الغاضبة ، تلفت روحاني يمينا وشمالا ، فلم يجد سوى حراسه وبعض موظفي المحافظة ، فقد انفضت الجموع من حوله فما كان منه إلا أن يرفع عقيرته بالصراخ  قائلا:" أنتم لا تسمعون دائما، تطلقون الشعارات، مع أنها لن تحل المشاكل".!!

    ثالثا  ـ الواقع السياسي  :

    1ــ  بروز واتساع قاعدة  التيار الشعبي في الشارع الايراني، المناوئ لحكم ولاية الفقيه والمعارض لهيمنة طبقة رجال الدين ،  بعيدا عن التكتلات السياسية الحكومية ـ

    2ــ ظاهرة الصراعات بين قطبي السياسة (المحافظ والاصلاحي) تفوقت لاول مرة النزاعات الخفية، تجاه إدارة  الملفات الخارجية والتدخل المكلف في شؤون البلدان الاخرى ، والتورط في اكثر من جبهة حرب ، مما أرهق الاقتصاد الايراني وضاعف من أزماته التي القت بثقلها وعلى رغيف  الخبز نفسه  وتفاقم معدلات خط الفقر إلى مستويات غير مسبوقة في الحياة الايرانية  .

    3ــ السلوك المنافق للمحافظين في مجلس الشورى  الذين يطالبون بحذف منصب رئاسة الجمهورية واستبداله بمنصب رئاسة الوزراء،  طبقا لوكالة (إسنا للأنباء الطلابية الإيرانية) ، فقد شدد النائب  جهان بخش  على إعطاء مجلس النواب دوراً أكبر في إدارة شؤون البلاد من خلال استبدال منصب الرئاسة الجمهورية برئاسة الوزراء .  فيما انتقدت صحيفتا «فرهيختكان» و«آرمان» الإيرانيتين هذه التصريحات وكتبت أن البعض في إيران يعتقد أنه في ظل وجود نعمة ولاية الفقيه لا توجد حاجة لمنصب رئاسة الجمهورية في إيران.

    رابعا ــ  مطالب الشعب :

    1ـ إعادة هيكلة الدولة : على قاعدة حرية الرأي والتعددية  والكرامة الإنسانية ، واتباع السياسة المدنية، وحقوق الإنسان ،

    2ــ إلغاء الدستور الحالي وكافة  القوانين المقيدة للحريات ، وحل المحاكم الثورية الخاصة ، واعادة الاعتبار للدولة المدنية ، بما يحقق  للشعب الحرية والعدالة والرفاهية ـ  

    3ــ الكف عن سياسة التدخل الحكومي  في النزاعات الاقليمية والدولية والذي لم يجن منه الشعب الايراني إلا قوافل من  مطالبه بالآتي :

    أ ــ سحب قواتنا المسلحة تمويل وانتشار لفيلق القدس  في العراق وسوريا ولبنان ب ــــــ إلغاء التخصيصات المالية للعمل المسلح الخارجي بكل أشكاله ، 

    ج  ـ إيقاف الدعم المالي للاحزاب والحركات الارهابية ، ( حزب الله اللبناني، حزب الله حجاز، حزب الله البحرين، أنصار الله اليمني.. والاحزاب الشيعية في العراق  الخ) .

    د  ـ حل كتائب المرتزقة الاجنبية ( فاطميون، زينبيون،) . 

    خامسا  ـ  تداعي المشروع الايراني : تصدير الثورة إلى الخارج :

    1ـــ اخفاقاتها المتتالية  في تطويق الثورة السورية ؛ تواصل طهران دفن مزيد من قتلى فيلق القدس الارهابي  الذين سقطوا بنيران الثورة على ثغور حلب  الشهباء ، وقد اصبحت مراسيم  الموت في مدينة قم  تقليدا شائعا وهي تستقبل بصفة دورية  جثث الايرانيين بعد مقتلهم في سوريا، وكان شهر تموز قد سجل رقما جديدا، ووجبة أخرى  إذ تم مواراة  10 عناصر من  مرتزقة لوائي ( فاطميون وزينبيون)، 

    والمعروف أن لواء فاطميون تشكيل يضم مرتزقة من الأفغان ولواء زينبيون مكون من العملاء الباكستانيين لقوة القدس الارهابية حيث يتم ارسالهم الى العراق وسوريا لقتل أبناء الشعبين السوري والعراقي .

    2ـ  اجتياز الثورة السورية كل التحديات (النظام، القوى الايرانية ومليشياتها، التحالفات الدولية المشبوهة) ، مما لم يعد بوسع طهران أن توقف السيل المنهمر للحراك الثوري، سوى لملمة أشلاء قتلاها ـ

    3ــــتنامي الحراك العراقي ضد الوجود قوات ولاية الفقيه والمطالبة بحل وملاحقة المليشيات الدموية ، والرفض الكلي للوصاية الايرانية ـ

    في ضوء ماتقدم فإن الحراك الشعبي السياسي الذي يسعى إلى طرق أبواب الحرية، يجد أن من حقه في ظل غياب الحرية  بعد مرور اكثر من 37 سنة على تجربة ولاية الفقيه المسلحة  أن يستعيد إرادته الحرة لاحداث التغيير المطلوب 

     

  • إيران وإستراتيجية ترامب الجديدة ....... د. نبيل العتوم

       أخيراً وكما كان متوقعاً، أعلنَ الرئيس الأميركي ( دونالد ترامب ) عن إستراتيجية أميركية جديدة تجاه إيران، ناقلاً ملف «الاتفاق النووي» برمته إلى  الكونغرس ليدرس كيفية تعديله، وإجراء تعديلات مقترحة عليه .

            لم يخرج الرئيس (ترامب) عن المتوقّع. فهو لم «يمزّق» الاتفاق النووي كما كان يهدّد في حملته الانتخابية، وفي حرب التويتر  التي شنّها، ولم ينفذ ما أطلقه  ” العاصفة “،  لكنه في الوقت عينه، فتح الباب أمام إلغائه، من خلال عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق في حال لم يقم  الكونغرس بالدور المطلوب منه .

            ما لم يقله (ترامب) في إستراتيجيته  أنّ الحرس الثوري كياناً إرهابياً، بل نقل مهمة ذلك إلى وزارة الخزانة، وهذا له دلالاته وأهدافه ودوافعه، مع أنَّ المفارقةَ الغريبة العجيبة  الأولى التي تتضح من خلال هذه الإستراتيجية  أنَّ (ترامب) يعتبر إيران أكبر راعية للإرهاب في العالم، وكرّر هذه العبارة أكثر من / 38/ مرّة منذُ تولية  دفةَ الأمور في واشنطن، أمّا المفارقة  الثانية لم  يشر (ترامب) في إستراتيجيته إلى حلفائه وشركائه الغربيين، وهم الذينَ طالما وقفوا إلى جانب أمريكا في سياستها، المفارقة الثالثة:  كانَ الردّ الأوروبيّ جاهزاً، ومعداً مسبقاً عقب خطاب ترامب مباشرة، وهذا يعكسُ ليس حجم  عدم التوافق مع الإستراتيجية الأميركية، بل يعكسُ درجةَ المصالح الاقتصادية التي باتتْ تحكمُ العلاقات الأوروبية الإيرانيّة، ولو على حساب مصالح وأمن شعوب  دول المنطقة، في الوقت الذي باتت معه إيران فعلياً أحد أكبر مصادر التهديد في الشرق الأوسط؛ ومن المفترض أنْ يدفعَ  هذا الموقف إلى أهمية مراجعة شاملة  للعالم العربي لعلاقاته مع  أوروبا، التي لا تعيرُ اهتماماً لدرجة ما باتتْ تعاني دول المنطقة وشعوبها من الإرهاب الإيراني  .

             ما قالته أوروبا وروسيا والصين يحملُ نبرةَ التّحدي لأميركا والعرب على حدّ سواء، من خلال  اعتبار الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست الكبرى، أقوي من أن يمزّقه ( ترامب) كما وعد مراراً، حيثُ كانَ رفضُ منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (فدريكا موغريني)، المس بالاتفاق ملفتاً عندما أكدت أنَّ الرئيسَ الأمريكيّ يملكُ صلاحيات واسعة؛ إلا أنّه لا يملكُ القدرةَ على إلغاء الاتفاق مع عدم وجود أيّ بديل للاتفاق النووي الدوليّ، حتى تجاهلتْ سؤالاً حولَ أهمية إجراء تعديلات حول الاتفاق للخروج من الأزمة الحالية، ولم يقف الأمر هنا، بل تجاوز البعض أن ما تفوه به ( ترامب) سيُحدثُ شرخاً كبيراً في علاقات أمريكا مع حلفائها الأوروبيين، وكانَ وزيرُ خارجية ألمانيا (زيغمار غابرييل) أكثرَ صراحةً من الجميع عندما أعلنَ أن عدم تصديق (ترامب) على التزام إيران بالاتفاق النوويّ سيقرّبُ الأوروبيين من روسيا والصين، وسيدفعهم إلى اتخاذ موقف مشترك معهم.

              هنا  نُذكر أنَّ الأوروبيين تحديداً قد نسوا، أوتناسوا  أنَّ  طهرانَ فعلياً قد استغلت الاتفاق النووي ووظفته كغطاء لتهديد الأمن الإقليمي والعربي، مما منحها  غطاءً وهامشاً واسعاً للعبث الأمني والتخريب من خلال تشكيل الخلايا النائمة، وإرسال مرتزقتها ومليشياتها حتى يعملوا ذبحاً وقتلاً في سوريا والعراق واليمن …. والقائمة تطول .

            أمّا ردُّ إيران على خطاب (ترامب)، فكانَ يعكس ردّ فعل دولة مأزومة، و لم يجدْ بينَ دول العالم سوى دول أوروبا إلى جانب (روسيا والصين ) من يدعمها في موقفها الشاذّ من الاتفاق النووي الذي يراعي مصالحها الخاصة الضيقة، بينما العالم مع ضرورة إدخال تعديلات صارمة على الاتفاق النووي، بحيثُ تُلجمُ الصَّلفَ والعدوان الإيراني .

    المؤكد  الأول : أنّ إيرانَ  ستعملُ على تفكيك التحالفات الأوربية مع أميركا  فيما يخصُّ الملف النووي الإيراني، والسعي لعدم إدخال أيّة تعديلاتٍ عليه .

    -المؤكد الثاني : أنَّ طهرانَ ماضيةٌ في سياساتها العدوانية، والسعي لبناء ترسانة صاروخية، وتوسيع قاعدة إنتاج أسلحة الدمار الشامل، مع الاستمرار بسياسة الخداع النووي، وتهديد الأمن الإقليمي برمته، مع الحرص على عدم الخروج من الاتفاق النووي مهما كانتِ الأسباب .

    المؤكد الثالث :  أنّ المرشدَ والحرس الثوريّ وخلفهم (روحاني) سيكونُ  لديهم أزمة داخلية متفاقمة مع التداعيات الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية بعد الاستدارة الأميركية الأخيرة، وسيكونُ التغطية على فشل الدولة الإيرانية الذريع  من خلال توسل النظام الإيراني نحو دبلوماسية تضخيم المخاطر الخارجية التي تبرع دولة الولي الفقيه في توظيفها دومًا، لامتصاص نقمة الشارع، هذا علاوة على أن هناك أطراف داخلية إيرانية  شعبية كبيرة وواسعة  رافضة لسياسات النظام التي أدت إلى تفاقم مشاكله، وأسهمت في  العودة للمربع “صفر” بعد إهدار مقدرات الدولة وثرواتها  والتفريط  بمصالح  الشعب المغلوب على أمره  بفعل مغامرات النظام  العبثية وغير المسؤولة .

    -المؤكد الرابع : أنَّ حلفاءَ واشنطن الأساسيين  سيتحملونَ عبئاً مهماً في إستراتيجية  المواجهة مع إيران؛ خاصّة أنَّ  مسودة الإستراتيجية  الأميركية من تؤكد أنّ على واشنطن  أنْ تتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة مع إيران لوحدها، وهذا لنْ يتأتى إلا من خلال شراكات مع حلفاءها في المنطقة .

           لاشكّ بأنَّ  الإستراتيجية  الأميركية  تتضمنُ خطوطاً عريضة، ولا تقدّمُ  في الوقت نفسه أيّة تفاصيل  أو آليات تُذكر عن كيفية ترجمة  الولايات المتحدة ذلك إلى خطوات إجرائية عملية، كذلك لم تتحدث  الإستراتيجية الجديدة بشكلٍ واضح ٍ عن الترويج لفكرة دعم أية عملية انتقال داخلي للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الإيراني، وعن كيفية توظيف  واشنطن  أدوات ”القوة الناعمة والصلبة “ الأخرى، لدعم مطالب الشعب الإيراني   .

  • إيران والغرب وصناعة التطرّف ....... د. نبيل العتوم

    دعونا نحلمُ، ونتخيّلُ  منطقتنا  العربية بدون داعش، والقاعدة، والتكفيريين، هل ستصبحُ دولنا وشعوبنا أكثرَ أمناً واستقراراً، و لنبدأ مع افتراض هزيمة داعش والقاعدة  في العراق وسوريا؛ هل سُيسمح لعالمنا العربي أنْ يعيشَ بهدوء بعيداً عن صناعة وإنتاج التطرف . 

              يعتقد الكثيرون أنَّ تدمير داعش  مثلاً  سينقلُ المنطقة إلى  مرحلةٍ جديدةٍ، وسيجعلُ المنطقة والعالم يتفرَّغ لحلّ الأزمة السورية، والتخفيف من  حدّة  التوترات الطائفية في العراق، والانتقال إلى مرحلة البناء والتنمية   .

     كثيراً ما يطلب منّي  الحديث عن مرحلة ما بعد داعش، وتقديم تفسير ورؤية  استشرافيّة  لما سيحدث،  وكأن مستقبل المنطقة ومصيرها وما يحاكُ ضدّها  تقرّرهُ القاعدة وداعش وأخواتها، أو أنّ مقاليدَ الحلّ والعقد  بيد شعوب العالم العربي   وحكوماته .

              الصحيحُ أنَّ العالم العربي مرَّ، وسيمرّ بسنواتٍ عِجافٍ، وإن أردنا  أنْ نكونَ أكثر دقّةً وتحديداً، فإنَّ المخطط لتفتيت المنطقة وإضعافها قد بدأ منذُ احتلال فلسطين، لكنه ازدادَ على مقياس متعدّد الدرجات بعدَ سقوط  “العراق” الذي كانَ يمثّل جدارَ برلين العربي…..

              اختلفت الآية  الآن نتيجة  التحول بعدَ أنْ صار العراقُ  أحد مهددات الأمن القومي العربي  بفعل التدخلات الإيرانية التي جعلتْ منه مجالاً حيوياً للانقضاض على العالم العربي، وجعلتْ منه مثالاً للدولة الطائفية  المتطرفة والفاشلة   بكلِّ المقاييس على خلاف تاريخه وتراثه  السياسي العريق  .

                  ما الذي حدثَ ويحدثُ  ؟  لا شكَّ بأنَّ  احتلالَ  العراق  قد مثّل نقطة ومفتاح  التحوّل والتغيير،  حيثُ  رُسم للعراق  أن يكون أحد أذرع وأدوات إيران والغرب لإغراق المنطقة بالفوضى والصراعات لعقودٍ قادمةٍ، ولم يكن  هناك أيّ هدف ومشروع ليكونَ  العراقُ واحةَ الديمقراطية التي بشَّر بها (بوش الابن) و(بلير)،  كما كانَ يزعمُ الغرب ، بل أريد له أن يكون  قاعدة إيرانية  متقدّمة  لتدمير المنطقة والعبثِ بأمنها ؛ عن طريق بثّ العقائد وإنتاج الأيديولوجيات  المتطرفة كفعل وردّ فعل، بعد أنْ وفّرت إيران ممرّاً أمناً  لانتقال القاعدة ودعمها بالمال والسلاح، وهو ما حدثَ بالفعل بعد أحداث / 11/ سبتمبر تحتَ سمع وعين أجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية .

                 وكمثلٍ واقعي؛  فمنذُ العام 2003م، وهي سنةُ احتلال العراق تصاعدت وتيرة الإرهاب الإيراني لتصلَ إلى أكثر من مئات  عمليات  التدخل  ما بين إنشاء خلايا نائمة، وعمليات إرهاب وعنف رسمي أتهمت به إيران، حيثُ  كانت موجهةً للعالم العربي على وجه التحديد، و للأسف الشديد لم يقابل السلوك العدوانيّ  الرسميّ الإيراني تجاه العالم العربي  إلا ما بين التنديد والاستنكار من جانب المجتمع الدولي، وإلى  سياسة  تقديم  الوعظ وتوجيه النصائح، تلك السياسات العدوانية الإيرانية، كانت  تهدفُ أولاً ليكونَ  السنة في العراق هم كبش الفداء بعد أن تحولت بلاد الرافدين  إلى محرقة  .

              بالمقابل هذا السلوك الإيراني  دفعَ شعوبَ العالم العربي  للاستنجاد بكلّ ما هو ممانع “سني”   غير رسمي للدفاع عنهم بعد الفشل الرسمي العربي في إيجاد مقاربة واضحة لوقف العدوان الإيراني الصريح، وكأنَّ الحكومات والأنظمة العربي قد وظّفت  البعبع الإيراني فقطْ  لخلق جبهة شعبوية  ملتفة معها   من “الغول الشيعي المتأهب”  دون أن يحركوا ساكناً إزاء ذلك، وباتت  الكثير من الحكومات العربية والغربية تسهمُ  في توظيف عملية  تأجيج هذه المشاعر التي تزايدت وتيرتها  كثيراً  ونقلته إلى الإعلام  لخلق رأي عام  أسهم في رفع مستوى الكراهية والتحريض لإيران وشيعة المنطقة .

                  ما عزّز ذلك ما قام به  حكام  العراق  وسوريا   من الدفع  باتجاه  هروب آلاف  من عتاة المجرمين  من  السجون ؛ كسجن (أبو غريب)،  والسجون السورية  ضمن عملية مدروسة وبمباركة إيرانية وأميركية عنوانها ” إنتاج فيلم تنظيم داعش المرعب ” ، ومن المؤكد أنهم  هم من غضّ الطرف عن احتلال  داعش لمدينة الموصل  والرقة ودير الزور….. معتقدين أنهم سيتمكنون من إبادة المعارضة وأهل السنة من خلفهم  تحت غطاء  الحرب على داعش، وبالمقابل إعادة  صناعة التطرف بنسخته الجديدة  .

              لا شكَّ بأنَّ صناعة التطرف الحديث  تمّت بصورة محترفة، و في تصوري أن هندسته تمت بتخطيط وتدبير غربي، وتعهّد وتنفيذ إيراني .

               ويكمنُ السببُ الأهم في الفكرة القائلة أنَّ نفسَ الدولة الإيرانية  قد وظفت  مصطلح “محاربة التطرف والتكفيريين ” بشكل منهجي ومنتظم، ككبش فداء وأداة لتبرير تدخلها في الخارج والداخل على حدٍّ سواء؛ فعلى الصعيد المحلي دأبت  إلى  شنّ  حملات  دموية على ما أصطلح على تسميته بالمتآمرين والخونة، وأدوات  أميركا وإسرائيل،  ما أعطى للدولة والثورة  أرضية ذرائعية  للقضاء على الأقلية السنية على وجه التحديد، وهو  ما لم توظفه الدولة العربية كوسيلة للعبور والتسلل إلى الداخل الإيراني، ومحاولة الاستفادة من هذه الورقة المهمة، كما تفعل هي مع الدول العربية؛ لأسباب غير معروفة لغاية الآن، وتعتبر هذه  الإستراتيجية  من  أنجح  الأفكار لمواجهة إيران وإضعافها.

              من  خلال هذا المنظور، فإنّ  فكرة خلق عدوٍّ  متطرّف دائم  أسهمَ في عسكرة المجتمع والدولة الإيرانية، و أدى إلى تعزيز  طموحات الهيمنة الإقليمية،  من خلال تعظيم  نفوذها وقدراتها الذي يعطي الحصانة لولي الفقيه  من أجل ارتكاب أي أعمال لـ”الدفاع عن النفس” أو ما أصطلح على تسميته بالدفاع الردعي “، وحصد أكبر عدد ممكن من أرواح البشر” السنة”  كما رأينا ما تقوم به إيران في سوريا والعراق .

                 كذلك  لا بدّ من الاهتمام  بالتغييرات التي ستتم على هيكلة الجيش الإيراني وإدخال ما اصطلح وزير الدفاع الإيراني الجديد العميد أمير حاتمي على تسميته بمعيار التدين، ليسلط الضوء على إعادة النظر في مجمل التجنيد العسكري،  هذه المرة لن يكون التركيز على مجرد اختيار العناصر ، بل لا بدّ من التركيز على  أسس  جديدة ، وهذا السبب يحتاج إلى تمحيص، لكن الاهتمام هنا سيركز على هذا الاختيار من زاوية  درجة المعتقدات  المذهبية ، والتي لها انعكاسات سياسية خاصة بالثورة  الإيرانية  . فطبيعة التيار الديني الشيعي  أساسه  التشدد السياسي والإيمان بالثورة وبولاية الفقيه .

               لا شك بأن صعود الشخصيات  الدينية إلى المواقع  العسكرية والأمنية  يجعل من الضرورة بمكان الاهتمام بهذا التعيين لمعرفة طبيعة التداعيات السياسية لهذا الاختيار، في ظل التزايد الملحوظ في الحضور الواسع من الرتب العسكرية العليا في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإيرانية، والذي لا يمكن التغافل عنه، والذين يتبنون أطروحات سياسية ومذهبية متطرفة هدفها تطبيق الأجندة السياسية الإيرانية، وهو ما سنبحثه بشكل مفصل بمقالات قادمة .

             هذهِ المعطياتُ تطرحُ تساؤلات خطيرة حول مستقبل المنطقة في ظلّ  صناعة ِ التطرف من هذا الطراز والذي باتت ترعاه دول  ومؤسسات رسمية بعينها، وما هو مستقبل المنطقة العربية على ضوء ما يجري  ؟