قبل أن ندخل لموضوعنا الرَّئيسيِّ حول الحركات الإسلاميَّة في المغرب، لابدَّ أن نعطيَ لمحةً قصيرةً عن المغرب الأقصى كمدخل مهمٍّ للموضوع.
يقع المغرب في الغرب الأقصى للوطن العربيِّ، وهو بعيد عن أوروبَّا وعن إسبانيا بالتَّحديد بـ 14 كيلو متر انطلاقاً من المغرب.
أهميَّة موقعه الاستراتيجيِّ كبوَّابة إفريقيا والبحر الأبيض المتوسِّط وقربه من أوروبَّا، جعله دائماً عرضة للأطماع الغربيَّة، لهذا استعمرته كلٌّ من فرنسا - وسط المغرب - وإسبانيا - أقصى شمال وجنوب المغرب - ومجموعة من الدُّول - منطقة طنجة - كإنجلترا بالإضافة إلى فرنسا وإسبانيا، يتميَّز المغرب بكونه دولة قائمة منذ 12 قرن، وتتبع له مجموعة من الدُّول الحاليَّة، خصوصاً في غرب إفريقيا.
أيضا لم يكن المغرب - المعروف عند الأتراك بفاس - تحت سلطة الخلافة العثمانيَّة؛ بسبب أنَّ المغرب كانت له دولة مستقرَّة وقائمة منذ القرن الثَّامن الميلادي، وبسبب تواجد دولة السَّعديِّين القويَّة.
أمَّا حديثاً فتواجه المغرب عدَّة مشكلات، منها: مشكلة الوحدة الترابيَّة للمغرب، فمازال مشكل الصَّحراء المغربيَّة قائم منذ خروج المحتل الإسباني منها عام 1975م، وكذلك مازالت مدينتي (سبته) و(مليلية) و(الجزر الجعفريَّة) تحت الاحتلال من طرف إسبانيا، بسبب مجموعة من الأسباب أهمُّها التَّاريخيُّ.
الحركات الإسلاميَّة في المغرب:
الحركات الإسلاميَّة في المغرب هي كباقي الحركات الإسلاميَّة في العالم العربيِّ، ظهرت نتيجة القضاء على الخلافة العثمانيَّة الإسلاميَّة، مما خلَّف فراغ مهول في العالم الإسلاميِّ، أدَّى إلى ظهور جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، و يرجع هذا الظُّهور أيضا إلى التَّواجد القويِّ للمؤسَّسات والجمعيَّات التَّابعة للعلمانيِّين، ممَّا جعل الحركة الإسلاميَّة تظهر كبديل لمواجهة هذا التَّيَّار.
وقد ساهم قرب المغرب من أوربَّا وتأثير الحضارة الأوربيَّة على المغرب، وتأثُّر العلمانيِّين بالنَّموذج الغربيِّ، ساهم ذلك - في خضمِّ هذه المعطيات - في إبراز خصوصيَّة الحركة الإسلاميَّة في المغرب.
وتنقسم الحركات الإسلاميَّة في المغرب لمجموعة من الأقسام:
1-حركة التَّوحيد والإصلاح:
أوَّل هذه الحركات، حركة "التَّوحيد والإصلاح"، وهي جماعة إسلاميَّة تأسَّست سنة 1996م نتيجة اندماج حركة "التَّجديد والإصلاح" و"رابطة المستقبل الإسلاميِّ"، رئيسها الحاليُّ عبد الرَّحيم الشَّيخيُّ، ولها عدَّة هيئات موازية، كمنظَّمة التَّجديد الطُّلَّابيِّ، ومنتدى الزَّهراء ... وتشتغل مع حزب العدالة والتَّنمية الحاكم في المغرب بمنطق تميز الدَّعويِّ عن السِّياسيِّ.
حركة "التَّجديد والإصلاح" تكوَّنت نتيجة تفكُّك "الشَّبيبة الإسلاميَّة" سنة 1975م، وذلك إثر مقتل عمر ابن جَلُّون الصَّحافي اليساري، وكان اسمها الأوَّل هو "الجماعة الإسلاميَّة"، وقد أطلق عليها عام 1981م، ثمَّ سُمَّيت بـ "التَّجديد والإصلاح" سنة 1992م.
تأسَّست "رابطة المستقبل الإسلاميِّ" سنة 1994م؛ وذلك نتيجة اندماج "الجماعة الإسلاميَّة" بفاس و"الجمعيَّة الإسلاميَّة" بمدينة القصر الكبير، مع ومجموعة "التَّبيُّن" المنفصلة عن "الشَّبيبة الإسلاميَّة".
في سنة 1996م تأسَّست "حركة التَّوحيد والإصلاح"؛ نتيجة توحيد "حركة التَّجديد والإصلاح" و"رابطة المستقبل الإسلاميِّ"، بعد ذلك بسنة، - أي: في عام 1997م - تأسَّس حزب "العدالة والتَّنمية" الذي تربطه علاقة تمايز مع "حركة التَّوحيد والإصلاح"، وهو منفصل تنظيميَّاً عن الحركة، لكن رغم ذلك يوجد عدد من أعضاء الحركة لهم عضويَّة في الحزب.
بلغ عدد برلمانيِّ "العدالة والتَّنمية" في الانتخابات الأخيرة سنة 2011م – 107 - أعضاء، وقد حقَّق بهذا الرَّقم المرتبة الأولى، وهي أعلى نسبة يصلها حزب مغربيٌّ بعد الاستقلال.
أهمُّ ما يميِّز الحركة والحزب: أنَّ الحركة تهتم بالمجال الدَّعويِّ، والحزب بالمجال السِّياسيِّ، حيث تشتغل الحركة بمنطق التَّخصُّصات.
كما تتميَّز الحركة بما يعرف بالعمل المشترك بين الإخوان والأخوات، أي: مشاركة الإخوان والأخوات ضمن الجمعيَّات والمؤسَّسات واللجان، وفي التَّنظيمات التَّابعة للحركة، وهي ميزة وخصوصيَّة تتميَّز بها الحركة في المغرب عن باقي المكوِّنات الإسلاميَّة في الدُّول الإسلامية الأخرى، حتَّى في تركيا، مثال على ذلك: أنَّ المكتب التَّنفيذيَّ لحركة "التَّوحيد والإصلاح" يشتغل الاخوان مع الاخوات ضمن مكتب واحد وجد.
2- جماعة العدال والإحسان:
تأسَّست سنة 1981م، مرشدها هو الشَّيخ عبدالسَّلام ياسين - رحمه الله -، وهي جماعة صوفيَّة تتبنى مواقف سياسيَّة مثل حركة "فتح الله كولن"، لكنَّها تتبنى المواقف السِّياسيَّة صراحة، وهي ذات تنظيم عموديٍّ، تضمُّ عدداً من الهيئات تُسيَّر من طرف الجماعة كـ "الدَّائرة السِّياسيَّة"، وفصيل "العدل والإحسان الطُّلَّابي"، وجمعيَّات أخرى.
3- حركة "البديل الحضاريُّ" وحركة "من أجل الأمَّة" تأسَّست في أواسط الثمانينيَّات؛ وذلك نتيجة الانشقاق عن حركة "الاختيار الإسلاميُّ"، هذه الأخيرة خرجت من رحم "الشَّبيبة الإسلاميَّة" وتوجُّهاتهم تشبه "حركة النَّهضة" في تونس.
4-التَّيَّارات السَّلفيَّة:
وهي متنوِّعة وكثيرة، على سبيل المثال: "الهجرة والتَّكفير"، "المغراويِّين"، "الرَّبيعيِّن" الخ في الغالب هذه التَّيَّارات السَّلفيَّة تابعة تنظيميَّا أو فكريَّا للفكر الوهابيِّ المتواجد في السُّعوديَّة، و كثير منها مموَّل من طرفها.
الجماعات الصُّوفيَّة:
وهي كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: "الزَّاوية البودشيشيَّة"،"القادريَّة"، "الحرَّاقيَّة"، "الشَّاذليَّة"، و"التِّجانيَّة" الخ، وهي تعتمد في برامجها على التَّربية الرُّوحيَّة وذكر الله، ولاتتدخل في السِّياسة مطلقاً، مثل: "الطَّريقة النَّقشبنديَّة" في تركيا.
أمَّا من حيث عددها: فهي قويَّة، بل وتنتشر في كثير من دول إفريقيا الغربيَّة، مثل: السِّنغال، ومالي.
جماعة الدَّعوة والتَّبليغ:
وهي جماعة عالميَّة مقرُّها في "باكستان"، توجد أيضا في تركيا ومقرُّها في "إسطنبول" بـ "مسجد السَّلام"، وتشتغل منذ زمن بعيد في المغرب، مركزها الرَّئيسيُّ في "الدَّار البيضاء" بـ "مسجد النُّور" بمنطقة المعاريف، وهذا المسجد يشكِّل مقرَّ الجماعة في إفريقيا، وهي منتشرة في جميع أنحاء المغرب، وهي لاتتدخَّل في السِّياسة، فقط تهتم بالدَّعوة والتَّبليغ، وقد أسَّسها الشَّيخ "إلياس" من "باكستان" في القرن الثَّامن عشر.
يوجد في المغرب أربع أحزاب إسلاميَّة وهي:
1-حزب "العدالة والتَّنمية" الحاكم.
2-حزب "الفضيلة" الذي انفصل عن حزب "العدالة والتَّنمية" سنة 2004م.
3-حزب "الأمَّة".
4- حزب "البديل الحضاريُّ" محظورين من العمل.
العلاقة بالإخوان المسلمين:
علاقة الحركة الإسلاميَّة في المغرب بالتَّنظيم العالميِّ للإخوان المسلمين، هي علاقة فكريَّة لا تنظيميَّة، خصوصاً التَّنظيمات الحركيَّة، كـ "حركة التَّوحيد والإصلاح"، و"جماعة العدل" ... فلا ترتبط بأيِّ تنظيم خارجيٍّ، وذلك ضمن ما يعرف بالخصوصيَّة المغربيَّة.
الحركات الإسلاميَّة بالمغرب أثناء الرَّبيع العربيِّ:
الحركة الإسلاميَّة بالمغرب كانت فاعلاً أساسيَّا في التَّغيير الذي عرفه المغرب نتيجة الثَّورات العربيَّة، وذلك على إثر ما يسمَّى بـ "الرَّبيع العربيِّ"، بل أقول: إنَّها العنصر الأوَّل في تعبئة وتنظيم الجماهير من أجل التَّغيير والإصلاح، وقد انقسمت الحركة الإسلاميَّة إلى شطرين في إطار الحراك المغربيِّ والمشاركة فيه، خصوصاً مع حركة 20 فبراير.
فقد شاركت كلٌّ من العدل والإحسان وبعض التَّيَّارات السَّلفية التي حكم على قياداتها بأحكام نتيجة أحداث 16 ماي2003م الإرهابيَّة في مدينة "الدَّار البيضاء"، في الحراك المغربي.
أمَّا حركة "التَّوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتَّنمية"، فتنظيميَّاً لم يشاركا في هذا الحراك، وأيضاً لم تشارك مجموعة من التَّنظيمات التَّابعة لهذين التَّنظيمين، لكنَّ مجموعة من قيادات هذه التَّنظيمات شاركت في مظاهرات 20 فبراير2011م؛ للمطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد، وقد حقَّقت هذه المظاهرات مجموعة من المطالب، على رأسها تغيير الدُّستور.
ويرجع عدم مشاركة "التَّوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتَّنمية" إلى طبيعة الحركة، التي تؤمن بالإصلاح من داخل مؤسَّسات الدَّولة بتدرُّج، في حين كانت مجموعة من مطالب حركة 20 فبراير تميل إلى الرَّاديكاليَّة بسبب قيادتها من طرف اليسار الجذري و جماعة "العدل والإحسان".
بعد الرَّبيع المغربيِّ:
أكبر مستفيد من الحراك المغربيِّ هو حزب "العدالة والتَّنمية" بزعامة رئيسه "عبد الإله بنكيران"، الذي عرف كيفيَّة تدبير هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ المغرب، حيث حصل على عدد 107 نائب برلماني في الانتخابات التي جرت عام 2011م مباشرة بعد تعديل الدُّستور، أي ربع البرلمان المغربيِّ، وهذه سابقة في تاريخ المغرب السِّياسي، لم تتحقَّق من قبل مع أيِّ حزب آخر منذ الاستقلال، حيث تشكَّلت أوَّل حكومة مغربيَّة يقودها حزب ذو مرجعيَّة إسلاميَّة.
نجد من بين المستفيدين من الحراك أيضاً، التَّيَّار السَّلفي، الذي تمَّ إطلاق سراح مجموعة من قياداته بسبب إعتقالهم في أحداث 16 ماي الإرهابيَّة في "الدَّار البيضاء" سنة 2003م، مثل: "الشَّيخ الفِيزَازي" و"أبو حفص".
وأيضاً انخراط مجموعة من قيادات السَّلفية في الأحزاب السِّياسيَّة، ومنهم من قام بمراجعات فكريَّة بعد خروجه.