أقر الاتحاد الأوروبي أخيراً بتاريخ 9 من آذار خطوة ملموسة فيما يخص اعتقال الصحفيين والاعتقالات العشوائية والتي تندرج تحت الإخلال بحقوق الإنسان، وقيم الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان ومحاربة التعذيب، وبناءً عليها تمت التوصية بإيقاف المساعدات المقدمة لمصر.
جاءت التوصية الأوروبية بخصوص مصر بعد ما حدث في الذكرى الخامسة لثورة مصر والتي خلالها تم اقتحام منزل الصحفي الإيطالي "جوليو ريجيني" والذي لم يتم الوصول لأية أخبار حوله حتى وجد جثته في منطقة خالية بين القاهرة والإسكندرية على أحد الطرقات. وتم استكشاف آثار للتعذيب بالضرب والركل، وحتى الحرق على جسده الميت.
وعلى إثر هذه الحادثة قامت المؤسسات والشخصيات الإيطالية على مختلف المستويات بمطالبة الإدارة المصرية بإعطاء توضيحات حول الحادثة، لكن بعد مرور بعض من الوقت تبين للإيطاليين مدى عدم جدوى هذه الدعوات والمطالبات للإدارة المصرية، لأن مصر تعيش منذ ثلاث سنوات انقلاباً عسكرياً وخلال هذه المدة حدثت حوادث يومية لأمثال ريجيني.
الانقلاب العسكري وعندما كان في أيامه الأولى قام بالهجوم على المتظاهرين والمعارضين السلميين في الساحات وقتل منهم ثلاثة آلاف شخص خلال يوم واحد دون أن يكونوا قد هجموا على الانقلابين حتى بحصوة.
ومنذ ذاك اليوم أصبح من المعتاد أن يلف المجهول الصحفيين والمواطنين العاديين في مصر، ويتم العثور على جثثهم في إحدى الزوايا لاحقاً أو لا يتم الحصول على أي خبر بحقهم مرة أخرى، ويتم احتجازهم في السجون دون أن يتم تقديمهم لأية محاكمة في طريقة للاعتقال أصبحت اعتيادية وطبيعية في مصر.
وقد أعلنت تنسيقية حقوق الإنسان والحريات المصرية في شهر كانون الأول من عام 2015 وبمناسبة يوم حقوق الإنسان العالمي تقريراً يحصر عدد " من فقدوا حياتهم من المتظاهرين السلميين، وتحت التعذيب وبسبب الإهمال والفوضى الطبية وصل تعدادهم إلى 3946 شخصاً " من هذا الرقم قتل 294 شخصاً في المعتقلات بسبب الإهمال الطبي و قتل 72 شخصاً على خلفية التعذيب الشديد".
وحسب ذات التقرير:
- عدد المفقودين وخلال فترات مختلفة وصل إلى: 1950 شخص ولم يتم فتح أي تحقيق بخصوص 322 شخص.
- بلغ عدد المعتقلين من الأطفال والعجائز: 690 شخص من بينهم لازال حوالي 300 طفل تحت الاعتقال بسبب اتهامهم بدور في الأحداث.
- بلغ عدد المعتقلين من النساء والفتيات: 200 امرأة منهن 66 فتاة مازالت في السجون، وتم الحكم على السيدة سامية شنان وسندس عاصم بالإعدام غيابياً.
- بلغ عدد الطلبة الذي تم نزع حقوقهم عنهم: 1956 طالب منهم 245 تم قتلهم بطرق غير قانونية وتم حرمان 1000 طالب من حقوقه التعليمية، 487 طالب وطالبة تمت محاكمتهم في محاكم عسكرية.
- بلغ عدد المدنيين الذين تمت محاكمتهم في محاكم عسكرية: 5203 شخص، 256 شخص من هؤلاء تم حكمهم بطرق غير قانونية في محاكم عسكرية، ولازالت قضايا 4947 شخص مدني يتم تسييرها في المحاكم العسكرية.
- بلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من أصناف التعذيب الشديدة 390 شخص.
- بلغ عدد الأشخاص الذين تمت محاكمتهم بالإعدام بناءً على 33 قضية مختلفة وتم إنهاء قضاياهم وإرسالها إلى المفتي ليتم الحكم فيها 1728 شخص.
وهكذا يطول هذا التقرير حول خروقات حقوق الإنسان.
والغريب في الأمر أنه لا توجد أية إحصاءات بخصوص المساجين في مصر أبداً، في حين تم إنهاء المحكومين السياسيين وتم إطلاق سراح أغلبهم تقريباً أيام الثورة، وصل تعداد المعتقلين السياسيين خلال ثلاث سنوات 60 ألفاً. ومع أن الاقتصاد في البلاد قد وصل لدرجة الإفلاس الكامل حتى لم يعد باستطاعة الحكومة القيام بتوفير الاحتياجات الأساسية تقوم من جهة أخرى ببناء 10 سجون جديدة.
ولأن المعارضين في مصر من الإخوان، العلمانيين وحتى السلفيين جميعهم اختاروا الطريق السلمي في المواجهة، تبدو الحجة التي يسوقها النظام في محاربته للإرهاب غير مقنعة أبداً.
عمل النظام المصري بشكل كبير على أن تكون المعارضة مسلحة وأن تقوم بأعمال يمكن تصنيفها إرهاباً، فلو اختارت طريق العنف لكان عمل النظام أسهل، ومع عدم حدوث العنف قام النظام بصرف جهود جبارة لوضع الاخوان المسلمين على لائحة الإرهاب.
كانت الصورة هكذا إلا أن تم قتل الشاب الإيطالي تحت التعذيب، كانت أوروبا مستمرةً في تعاميها عن الإخلال بحقوق الإنسان في مصر، كالأبكم والأصم، ماذا كان ليحصل لو لم يقتل الشاب الإيطالي، ألم يكن من الممكن أن يستفيق وجدان أوروبا أبكر قليلاً.
وقامت حركة "التضامن" الدولية التي تشكلت لدعم الشرعية وضد الانقلاب بالترحيب بالبيان الأوروبي بالرغم من تأخره لكن الحركة رأت فيه بارقة أمل، والمطلب بقطع العلاقات مع السيسي هو تجديد للقيم الإنسانية.
لا نعرف كيف سيؤثر هذا القرار المتأخر من البرلمان الأوروبي على مصر، لكن نعلم بأن الانقلاب في مصر استمد جزءاً كبيراً من جسارته حتى الآن من السكوت الأوروبي.
تعيش أوروبا هذه الأيام فشلاً كبيراً في امتحان اللاجئين السوريين. هذا الفشل لو تم وضعه إلى جانب الفشل والهزيمة أمام الملف المصري، مع الأسف لن نرى شيئاً سوى الانحدار الذي وصل إليه الاتحاد الأوروبي.