يبدو أن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية ( دي مستورا ) قد أخذ إجازته الصيفية مبكراً هذا العام ؛ وبات أقرب ما يعيش فترة نقاهة من الأزمة السورية التي ألمت به إلى أجل غير مسمى ، بعد أن أسهم بشكل جاد وفاعل في تشويه أسس مفاوضات جنيف وفينا بأجزائها المثيرة للجدل ، وأسهم في خلق وزرع الأ لغام ؛ بحيث لم يعد هناك أية قيمة فعلية بالنسبة لمسار العملية السياسية برمته .فمصائب مبعوث السلام غير النزيه دي مستورا باتت واضحة لأي متابع ، وبشكل أصبح معه دور هذا الوسيط الأممي مشكوك به .
المصيبة الأولى : أن مبادرة والسلوك التفاوضي ل" دي مستورا" يبدو غير واضح وتحوي مفاهيم مطاطة يمكن تحويرها بمعاني متعددة ، و هي بالتالي لا تقدم حلولاً سياسية لإنهاء معاناة الشعب السوري الأعزل ؛ وهذا يظهر من خلال تعاطيه بازدواجية بشان الوفد الممثل للنظام السوري والمعارضة ، إضافة إلى عدم الجدية في رفع الحصار والقتل عن المناطق التي تم تجويعها من جانب جيش النظام وإيران ومليشياتها و حزب الله ،وهذا يؤكد انحيازه الواضح –بما لا يدع مجالاً للشك – ضد الشعب السوري ومعارضته . واللافت أن تحرك دي ميتسورا يأتي بشكل بطيء ومتردد أثناء تصاعد عمليات النظام والإيرانيين والروس بهدف منحهم فرصة لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض لغرض دعم أوراقهم التفاوضية ، وهي من المفارقات الغريبة العجيبة .
المصيبة الثانية : أن أغلب مساعي وجهود دي مستورا كانت تهدف إلى إعادة تأهيل نظام بشار الأسد ومحاولة تسويق فكرة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكًا أساسيا و مهماً وفاعلاً في الحرب على داعش ، طبعاً إلى جانب إيران ، التي حاول مغازلتها والنفاق المتكرر لها ؛ وهي التي تمارس اليوم الإرهاب والعنف بأبشع صوره وأشكاله في سورية و العراق و اليمن و دول المنطقة .
المصيبة الثالثة : لم تراعي مساعي وجهود دي مستورا في حساباتها موقف المعارضة ولا الشعب السوري منها ، ونكاد نجزم أنهم لم يُستَشاروا لا من قريب ولا من بعيد حول هذه المبادرات والطروحات ، وكل ما كان على المعارضة هو تنفيذ ما يريده المبعوث الأممي فقط ، الذي كان ولا زال يتعامل مع المعارضة بشكل فوقي ، وما كان يريده فعلاً هو وقف القتال ضد النظام وإيران ومليشياتها و حزب الله دون أي مقابل، بحجة أن الضرورة تستلزم من المعارضة قتال داعش أولاً .
المصيبة الرابعة: أن جهود دي مستورا تلتقي مع محاولات روسيا وإيران وأمريكا الساعية في ضرورة إعادة تأهيله نظام الأسد، ، وهذا يفسر حالة النشوة والاسترخاء التي يعيشها شخص بشار الأسد ، لذلك بات هم دي مستورا ومن والاه إعادة تأهيل هذا النظام بأي شكل ؛ وبات يعلن في أكثر من مناسبة أن المسار السياسي لحل الأزمة السورية يجب أن يسير بالتوازي مع مسألة محاربة الإرهاب التي باتت تعزف عليها بعض الدول العظمى ، وهذا ما يفسر كلام "دي مستورا" للمعارضة وسلوكه الفعلي الذي كان يسعى من خلالها في إعادة تأهيل نظام الأسد و ذلك عبر إدخاله في مفاوضات ترمي إلى إعادة الاعتراف به، وتوحيد الجهود لمحاربة داعش الذي أوجدها النظام السوري وإيران .
المصيبة الخامسة: أسهم دي مستورا من خلال مساعيه ومبادراته في تلميع صورة ما تقوم به إيران و مليشياتها وحرسها الثوري الإرهابي ، بعد أن توفر لها شروط ومقومات البقاء و الاستمرار من خلال عدم السعي لاستصدار قرارات دولية توقف مذابحها، وهذا ما كان من المفروض أن يسعى باتجاهه دي مستورا ، وفي هذا السياق لم يوجه مجرد انتقاد لسياسات طهران العدوانية ضد الشعب السوري ؛ والذي تمثل في إرسال ميليشيات إيران من الحرس الثوري إلى كافة التراب السوري، وتجهيز و دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح كي تُعمل ذبحاً وقتلاً بالشعب السوري ؛ بهدف تعزيز أوراقها ومكاسبها التفاوضية . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل تحدث دي مستورا نفسه مرات عديدة عن موقف إيجابي من طرف طهران ، مع توجيه الانتقادات وكيل الاتهامات للمعارضة السورية .
المصيبة السادسة : لا شك أن دي مستورا انتهج سياسة شيطانية سعى من خلالها نحو ترتيب الأولويات التفاوضية ، وبشكل باتت تتزامن مع خلط الأوراق العسكرية الميدانية لصالح النظام وأعوانه .
المصيبة السابعة : لا شك أن دي ميتسورا قد تبنى منذ توليه لمنصبه إستراتيجية خطيرة تركزت على إدماج الأطراف التي تمارس الإرهاب كأطراف فاعلة في طاولة المفاوضات ؛ وعدم النظر إلى قضية محاربة الإرهاب التي أوجدها النظام السوري نفسه كسبب أساسي لأزمات المنطقة ؛ من هنا حاول دي مستورا لفت أنظار المجتمع الدولي للتركيز على حرب تنظيم الدولة الإسلامية ؛ كي يسهم في تحويل مسار الأنظار السياسية ، وكل الجهود نحو هذه الحرب؛ بمعنى أنه سعى للفت الأنظار عن جرائم نظام بشار الأسد وإيران وروسيا نحو خطر داعش بمعزل عن القضايا الأخرى ، وأما دي مستورا يدرك تماماً أن أي طرف من الأطراف السابقة لم يخض أي معركة حقيقية ضد داعش حتى الآن ، بل إنه حين كانت فصائل المعارضة السورية تخوض معارك ضد هذا التنظيم كانت جهود النظام السوري وإيران تقوم بمساعدة هذا التنظيم بشكل كبير ، وهذا اتضح من خلال إعطاء الضوء الأخضر لروسيا بتدمير البنى التحتية مستهدفة المعارضة و المدنين بالتعاون مع إيران و ميليشياتها و حزب الله مما سهل لتنظيم داعش سيطرته على العديد من المناطق ، ووفر لها الدعم والإسناد الجوي والأرضي ؛ وفي هذا السياق لماذا لا يقوم دي مستورا بتقديم تفسير واقعي لحقيقة ما يجري فعلاً ؟
وعلى أساس هذا الفهم يمكن قراءة مرتكزات وأهداف دي مستورا من مجريات الأزمة السورية ونظرته لحلها ، وهو يدرك في قرارة نفسه أن النظام السوري لم يرسل وفده للتفاوض ؛ بل لكي يراوغ ويماطل ويسوف ، ويحقق مزيداً من كسب الوقت لتحقيق انتصارات عسكرية على الأرض بدعم روسي.
النتيجة أنه لا يمكن لعاقل أن يتصور أن دي مستورا سيعالج الأزمة السورية بغير هذا التصور ، بعد أن حاول حثيثاً التسويق لفكرة الشراكة الدولية مع النظام السوري لمكافحة الإرهاب ، ووفق هذه الرؤية والتصور تحول التعامل مع الشعب السوري من كونهم بشر وضحايا لنظام إرهابي مجرم ودموي إلى معارضين إرهابيين يستحقون الإبادة ، ومطلوبين بتهمة الإرهاب .