أصدر الرئيس محمود عباس قراراً رئاسياً بتشكيل أول محكمة دستورية عليا في الوطن، وقد انقسم الرأي العام الفلسطيني بين مؤيد ومعارض على هذا القرار، فمن يؤيد ذلك يعتبر أن تشكيل المحكمة جاء لأجل استكمال بناء المنظومة الدستورية، أما الرأي الثاني فيعتبر ذلك خطوة لاحقة، تتوج بعد إعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية)، وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني، ولم يقتصر الجدل الفلسطيني على قرار تشكيل المحكمة؛ بل أيضاً على آلية اختيار أعضاء المحكمة فجميعهم إما حزبيون فتحاويون أو سياسيون وقضاة موالون للرئيس عباس، وقد تم اتهام بعض أعضاء المحكمة من قِبل العديد من المطلعين بالفساد، حيث قال أحدهم بعد نشره مقالاً ونشرته العديد من الوكالات الإخبارية الفلسطينية "أيُعقل أن يصل الإيغال في الفساد، يا سيادة الرئيس، حد اختيار قضاة مارس بعضهم الفساد في أحط مستوياته وأبشع صوره وأرخص مشاهده؟! أيعقل أن يكون من قضاة المحكمة الدستورية في فلسطين الثائرة من خان الأمانة العلمية، وسطا على كتب غيره.....؟!... هل بلغ العقم في بلادنا الولادة إلى أن تختار للمحكمة الدستورية يا سيادة الرئيس، قضاة يصلح بعضهم عناوين فساد وإفساد؟!"
وكان محمود عباس قد أصدر (72) قراراً رئاسيا منذ عام 2006م، مستعيناً بالمادة 43 من القانون الاساسي التي تمنحه الصلاحيات بإصدار قرارات في ظل غياب المجلس التشريعي، لكن محمود عباس يعتبر فاقد للشرعية القانونية منذ العام 2009 م وقراراته فاقدة للمشروعية، وهناك مجموعة من الأهداف التي دفعته لأصدر قرار تشكيل المحكمة الدستورية، أولها إبطال ولاية المجلس التشريعي وانهاء شرعيته، واعلان شغور المؤسسة، وقطع الطريق على تولي رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك مهام الرئيس فترة الانتخابات في حال موت عباس، ثانيها إضفاء الشرعية على مراسيم عباس ونزع الشرعية عن القوانين التي أصدرها المجلس التشريعي، وتركيز السلطات في يد عباس بمساعدة المحكة الدستورية وتصفية خصومه سياسياً من داخل فتح وخارجها.
إن الشأن الفلسطيني الحالي وفي ظل حالة الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي وتقسيم الاراضي الفلسطينية إلى (أ) و(ب) و(ج) لا يسمح بوجود محكمة دستورية، حيث يصعب على المحكمة تنفيذ وتطبيق قراراتها على كافة أراضي الوطن، وقرار محمود عباس القاضي بتشكيل المحكمة يعمق الخلاف والانقسام الفلسطيني، وينسف طرق الوفاق ويضر بحوارات المصالحة الوطنية الجارية، ووفقاً لمصادر قانونية أكدت ان سلطة ونفوذ المحكمة الدستورية تطال ما تسنه السلطة التشريعية من قوانين سواء بالإلغاء مباشرة أو الطلب من السلطة التشريعية بتعديلها عند الحكم بعدم دستوريتها، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك؛ كأن تقضي ببطلان القانون الذي على أساسه انتخب البرلمان، وبالتبعية حل البرلمان المنتخب.
بعد استعراض معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية كافة الجوانب السياسية والقانونية المتعلقة بقرار تشكيل المحكمة الدستورية فإنه يرى ضرورة حل المحكمة الدستورية وإعادة تشكيلها بعد إتمام المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني، ووجود توافق وطني واسع يحدد توقيت تشكيها وصلاحياتها وشروط عضويتها وإجراءات التقاضي أمامها.
معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
غزة – فلسطين
27 ابريل 2016