التقرير الاستراتيجي السنوي6
أوربا في عام2020
د.أنس تكريتي
الملخص التنفيذي
كان العام 2020 فريدا من نوعه للقارة الأوروبية كما كان لسائر قارات العالم، حيث مثل وباء كوفيد - 19 تحد غير مسبوق في العصر الحديث لكافة مستويات الحياة ولكل البشر على الإطلاق، ومنها المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، فضلا عن الصحية والبحثية العلمية كما طغى فيروس كورونا على أهم الأحداث التي كان يتوقع أن تتصدر العناوين لهذه السنة، لا سيما قضية بركزت والانتهاء من إبرام صفقة بين بريطانيا التي صوت شعبها على الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وبين الاتحاد الأوروبي تنظم مستقبل العلاقة بين الطرفين، وقضية شبه جزيرة القرم المتنازع عليها بين أوروبا وروسيا التي بسطت سيطرتها عليها عام 2018، وقضايا أخرى ذات أهمية بالغة لا سيما على الصعيد الاقتصادي والأمني، كلها اتخذت مواقع ثانوية قياسا لقصة كورونا وتبعاتها من سياسات الوقاية والأمان، وحتى التأثيرات الاقتصادية والنفسية والمجتمعية، وبعدها جدليات اللوم ومن يتحمل مسؤولية انتشار الفيروس، وحتى متابعة ورصد بحوث إنتاج لقاح ناجع، والتي احتلت موقع الصدارة في كافة نشرات الأخبار كما احتلته في اهتمام وعناية الجمهور الأوروبي بشكل ليس له نظير.
كما أن جدلية العنصرية والتي جاءت بعد حادثة مقتل جورج فلويد، الرجل الأسود، على يد رجل شرطة أبيض في ولاية مينيسوتا الأمريكية، وعمت تفاعلاتها مختلف أنحاء العالم ولا سيما القارة الأوروبية بدولها ذات التاريخ الفارق في الإمبريالية والاستعمار، فباتت بذلك عنوانا لمرحلة مهمة دفع الشارع الأوروبي دفعا لطرح تساؤلات كبرى حول تاريخه ومنظومة القيم والأخلاق التي يؤمن بها، مقابل ارتفاع أسهم اليمين المتطرف والعنصري في مختلف الدول الأوروبية، شكل قضية وصمت القارة الأوروبية في هذا العام. ولا شك أن الأزمة الاقتصادية الماحقة والتي تجتاح دول العالم جميعا، وبالأخص دول أوروبا الغربية، بسبب جائحة كورونا وغيرها من الأسباب، تشكل وستشكل عنوانا رئيسيا في الأخبار الأوروبية لعام 2020 ولعدد من الأعوام التالية وملف العلاقات الخارجية، وحلف الناتو والعلاقة بالصراعات في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا، وقضية شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل روسيا، وكذلك ملف المهاجرين بحرا وبرا من القارة الأفريقية وكذلك من الشرق الأدنى والمتوسط، تشكل بالتأكيد محطات ذات أهمية في واقع ومستقبل القارة العجوز
وينذر المستقبل بتحديات كبرى تواجه القارة الأوروبية، كمؤسسة الاتحاد الأوروبي وكذلك الدول الأوروبية متفرقة، فيقاء وفاعلية الاتحاد الأوروبي في ظل برگزت وكذلك الفروقات التي بدت جلية بين الدول الأعضاء إزاء جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العميقة التي قد تطول بالإضافة إلى الموقف إزاء مهمات حلف الناتو وسياسات جنوب وشرق المتوسط والعلاقة التجارية والاستراتيجية مع الصين وروسيا، كلها تهدد احتماليات البقاء واستمرار أوروبا في أداء دور موازن ضمن الساحة الدولية.