• أنقرة تنهشها الذئاب المسعورة...... د. بسام ضويحي

    في الوقت الذي يقرب فيه انطلاق جنيف 4 ، وبمناسبة مرور خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية ، وفي الوقت الذي نشهد فيه طروحات استعمارية جديدة لتفتيت المنطقة وإعادة تركيبها من جديد وفق رؤية جهنمية مخيفة، من خلال طرح شعار الفيدرالية وأنها هي الحل الأمثل للأزمة السورية ، يحدث الانفجار الذي هز العاصمة أنقرة، وأودى بحياة أربعة وثلاثين من المواطنين الأتراك الأبرياء ، وما يزيد عن سبعين جريحاً.

    تأتي محاولة تفسير دوافع انفجار أنقرة الارهابي  وتوقيته ، ومن يقف ورائه ؟ ومغزى ذلك ؟ .

    ثمة من يربط الانفجار بمواقف النظام السوري ، المستفيد الأكبر طبعاً ،  والحسابات الداخلية التركية المرتبطة ، بتصفية الحسابات بين الفرقاء السياسيين ، لا سيما فيما يتعلق  بملابسات النزاع  الدائر بين الحكومة التركية، وحزب العمال الكردستاني.  و سعي بعض الأحزاب المنافسة لأهداف يُراد تحقيقها، بغية إحراج الرئيس أردوغان وحكومته التي استطاعت نقل تركيا إلى عهد سياسي واقتصادي وإستراتيجي جديد، استطاعت من خلاله قيادة المنطقة والاقليم عن جدارة.

    مكان الانفجار بالقرب من المنشآت الحكومية الحساسة ، وقد جاءت هذه الانفجارات رغم الإجراءات الأمنية الكبيرة والدقيقة لكن المنفذين- للأسف الشديد – تمكنوا من الوصول لأهدافهم ، وهذا يدل أن مثل هذه العمليات لا تتم من دون تنسيق أجهزة استخباراتية مرتبطة بدول لها مصلحة في تفجير الوضع الأمني في تركيا ، وتسعى لإثارة الفوضى غير الخلاقة فيها .

    يأتي انفجار أنقرة أيضاً، تزامنا مع الفترة التي تشن فيها الحكومة التركية حملة لمواجهة أعضاء منظمة “حزب العمال الكردستاني”، التي تصفها بـ “الإرهابية”، وفي سياق حرب تركيا ضد تنظيم داعش ، ومحاولات النظام السوري ومن يرعاه لنقل الإرهاب إلى الداخل التركي لإجبارها على مراجعة سياساتها ضد بشار الأسد ومليشياته .

    المثير في الموضوع أن تركيا تشهد أعمال إرهابية ممنهجة  وبشكل مرتب ضمن برنامج مُعد سابقاً في أنحاء مختلفة من الجغرافيا التركية، مستهدفة قطاعات السياحة والاقتصاد  ومنشآت الدولة الحساسة . وإن حدوث هذا الانفجار في قلب العاصمة التركية أنقرة، له دلائل وإشارات سياسية للحكومة التركية التي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استهدافها بهذه الصورة  الإرهابية الدموية الدنيئة .

    في حين يُعتبر هذا  الانفجار الذي هز بعض مؤسسات الدولة السيادية في العاصمة “أنقرة” هو الأعنف من نوعه، ولا سيما في فترة حرجة تمر بها تركيا، وهي فترة توتر علاقات تركيا مع روسيا وإيران ونظام بشار الأسد وإسرائيل معاً ،ويأتي هذا الانفجار الإرهابي بعيد إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي التركي – السعودي ، وتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب بمشاركة تركية فاعلة . هذه التطورات الخاصة بمواقف تركيا المشرفة ، تؤشر إلى بوصلة المستفيدين من  خلخلة الوضع الأمني في تركيا ، واستهداف استقرارها ومحاولة إجبارها على تغيير مواقفها السياسية، وهذا  لن يتم ؛ نتيجة مواقف الحكومة التركية الداعمة  لقضايا الأمة في الحرية والديمقراطية ، والوقوف إلى جانب شعوبها المقهورة ؛ لا سيما في سوريا  . .

    ولابد من الإشارة إلى أن النظام السوري والقوى الخارجية الداعمة له ، فهي دول تسعى لزعزعة الاستقرار والأمن التركي منذ زمن ، حيث كان الرد التركي عقب التفجيرات واضحاً جلياً على لسان الرئيس أردوغان ” أن تركيا ستقف ضد الإرهاب والداعمين له بقوة  وإصرار وعزم  لا يلين”.

    من المؤكد أن تركيا والمنطقة  تمر بمرحلة هي الأصعب، نتيجة وجود المخططات التي تستهدف أمنها واستقرارها ووجودها ،  وأن الغربان السوداء التي تحلق في سمائها، وتبث نعيقها  ورسائلها الدموية ،لن تثني تركيا أو ترعبها ،  وأن تركيا الحرية والديقراطية والنمو الإقتصادي ماضية ومستمرة في رسالتها  وواجبها الأخلاقي والإنساني بدون تقهقر أو تردد. .

  • ابرز نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2018-2019

    مقدمة:

    يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني بشكل دوري منذ سنة 2005 عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي الشأن الفلسطيني تركيزاً خاصاً. وهذا الإصدار هو المجلد الحادي عشر من مجلدات التقرير الاستراتيجي؛ والذي يغطي بشكل شامل قضية فلسطين خلال سنتي 2018-2019، ويستشرف المسارات المستقبلية.

    ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره أ. أ. د. محسن محمد صالح (الأستاذ في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، بالرصد والاستقراء والتحليل للأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق ومدقق وفق مناهج البحث العلمي، ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية.

    وقد شارك في كتابة التقرير وإعداده 14 من الأساتذة والباحثين المتخصصين، هم: أ. أشرف بدر، وأ. إقبال عميش، وأ. باسم القاسم، ود. جوني منصور، وأ. ربيع الدنان، وأ. زياد ابحيص، وأ. ساري عرابي، ود. سعيد الحاج، وأ. د. طلال عتريسي، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. هاني المصري، وأ. وئام حمودة، وأ. وائل سعد، وأ. د. وليد عبد الحي. كما يقوم بمراجعة التقرير هيئة استشارية متخصصة.

    وفيما يلي أبرز نتائج التقرير، الذي يصل حجمه الأصلي إلى 400 صفحة.

     
  • الإخوان المسلون و الإرهاب.....أ.د.ستيج جارل هانسن

    ساد خلال السنوات القليلة الماضية جدل في الغرب حول موضوع (الإخوان المسلمين)، كونهم مجموعة إسلامية تتميز بتأثيرها العريض في الشرق الأوسط، و فيما إذا كانت تعتبر جماعة إرهابية أم لا ؟ ففي المملكة المتحدة كانت توجد مجموعات تابعة للإخوان تقيم تحالفا مع الحكومة البريطانية من أجل محاربة الإرهاب. ولكن في 2014 غيَر رئيس الوزراء البريطاني  دافيد كاميرون هذا الاتجاه وكلف لجنة برلمانية بفتح تحقيق فيما إذا كانت المجموعات التابعة او المنضوية تحت عباءة  الاخوان المسلمين تمثل تهديدا للامن القومي البريطاني أم لا ؟ وقد خلص التقرير إلى أن بعض الأعضاء والمتعاونين أوالمتأثرين بالإخوان يجب أن يعتبروا مؤشرا على الإرهاب والتقرير لم يوص بحظرها مطلقا.

    ولقد جاء تحرك كاميرون تحت تأثير حلفاء المملكة المتحدة وذلك لكي يتعاملوا بقسوة مع المنظمة الإرهابية. وفي عام 2013 حظرت الجماعة بعد عزل الرئيس محمد مرسي بانقلاب قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي. وفي 2014  أعلنت السعودية وعدة دول أخرى كالإمارات عن تصنيفها للاخوان كمنظمة إرهابية ،أما الأردن فقد بدأت بالقمع ضد المنظمة.

    اما أمريكا فقد بدأت  تناقش وضع الإخوان على قائمة الإرهاب .ففي 2015 حاول كلا من السناتور تد  كروز من تكساس و السناتور ماريو دياز بلارت ممثل فلوريدا أن يقدما قانونا  عبر الكونغرس لجعل الإخوان  المسلمين وكل المنظمات التابعة لها ممنوعة من الدخول الى أمريكا.

    وعلى كل فقد أوقف هذا القانون فجأة وحفظته لجنة مجلس الشيوخ للشؤون الأجنبية في الدرج  لبعض الوقت. وبعدئذ في يناير وقبل أسبوع من تتويج دونالد ترامب ،قام كروزبإعادة تقديم مشروع القانون امام الكونجرس ذي الهيمنة الجمهورية ومع قدوم رئيس يحمل نوايا معلنة لمحاربة الإسلام المتطرف الإرهابي كأولوية له. وبالفعل قام الرئيس بحظر الجماعة الشهر الماضي.

    وعلى أية حال فان هذا الحظر يعتبر باطلا من عدة مستويات . فمقترح كروز يبدأ بذكر الدول الاخرى التي حظرت الإخوان مثل البحرين ، مصر ، السعودية ، الإمارات ، .و معظم هذه الدول توصف بأنها ديكتاتورية شمولية والقليل منها يوصف بأنه في أحسن الأحوال ذو ديموقراطية ضعيفة مع ميول لشمولية الاستبداد. ومن ناحية أخرى فإن حركة الإخوان المسلمون قد عبرت مرارا وتكرارا عن دعمها والتزامها بالديموقراطية. فمجلس شوراها الذي هو مسؤول عن تحديد سياسات الحركة  قد صادق على الديموقراطية. وقد شارك العديد من شعب أو فروع حركة الإخوان كالمغرب والأردن في الانتحابات الديموقراطية وكانوا قوة للدفع باتجاه الديموقراطية.ومن الواضح أنه في بعض الحالات الإسلاميون المرتبطون بالإخوان كانوا مبطئين في البحث عن التوافق مع خصومهم في الحكومة.  ففي مصر على سبيل المثال انتُقد الإخوان لعدم البحث عن التوافق عندما جاءوا إلى السلطة بعد الربيع العربي. في الوقت الذي بالفعل أصدر مرسي قانونا أعطى  لنفسه سلطات واسعة،  مع أنهم لا مرسي ولا الإخوان انتهكوا الدستور المصري على عكس الرئيس الحالي السيسي الذي قيد جزءا كبيرا من المعارضة وأودع خصومه السياسيين السجن.

         وشبيه بالتقرير البريطاني ، يعاني تحليل قانون كروز ضد الإخوان المسلمين الكثير من العيوب. في محاولة لشرح أيديولوجية الإخوان المسلمين فالتقرير يركز على وجه الحصر في معظم الأحيان على قياديين اثنين : حسن البنا المؤسس والعضو القيادي سيد قطب. ولكن البنا كان غامضا في كتاباته حيث أقر العنف في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى استنكره. ولكشف هذا الغموض ولكي نحصل على تفسير حديث للإخوان المسلمين لكلمات البنا ، نحتاج الى مقابلة أحد القيادين الحاليين للاخوان. لقد كانت آراؤهم مغيبة كليا في مشروع قانون كروز. فقطب ،مفكر وقيادي مصري سابق في الإخوان المسلمين، وهو شخصية مثيرة للجدل في الوقت الراهن. فأفكاره المتطرفة قد شقت القيادة العليا للإخوان في مصر. فحسن الهضيبي ، الذي قاد الإخوان المصريين من 1951 إلى وفاته في 1973 ، نأى بنفسه مبكرا عن تعاليم قطب.

           والأهم أنه منذ اغتيال البنا في 1949 وإعدام قطب في 1966 قد تغير الإخوان المسلمون. وهذا يدل على أن فكرهم الأيديولوجي ما زال يتطور. إن مشروع القرار، والذي استحوذ عليه ذكر البنا و قطب ، فشل في الاعتراف بذلك واسقط من اعتباره أربعة عقود من تطور الإخوان المسلمين من  الستينات الى يومنا هذا. ومن خلال مقابلاتي مع قيادة الإخوان في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا )للتقرير القادم لمركز هارفرد بلفار سنتر الممول من قبل وزراة الخارجية النرويجية) فالكثير منهم قد أبدى إعجابه بقياديين مثل راشد الغنوشي شريك مؤسس في حزب النهضة التونسي. فقد طور الديموقراطية وحقوق الإنسان ولا يهتم بكون أعضاء البرلمان في حزبه نساء متحجبات. النهضة كان  يوما ما حزبا إسلاميا أما الآن فلا وقد أوجد أرضية متوافقة مع معارضيه السياسيين العلمانيين. وكذلك عبر قياديو الإخوان عن دعمهم لسليمان العودة رجل الدين السعودي الذي شجب إعدام المثلين.

    ومن خلال مقابلاتي مع قياديين مثل هؤلاء فقد تفاجأت كم هي حركية حركة الاخوان المسلمين فان الدماء والنبض الجديدين يشكلان آراء مجموعة القيادة الأقدم. ومن ناحية أخرى فما زال الإخوان المسلمون يدعمون بعض الآراء الرجعية الأخرى   مثل آراء البطريركية (الفرد الذكر) في دور المرأة في المجتمع. وما تزال حركة الإخوان فيها درجات من الاختلاف وفهمها يحتاج الى معرفة المحركين الحاليين وأين يقفون أيدولوجيا.

    ومن خلال هذا الأسلوب ، فان مشروع القرار المقترح سيفشل في التفريق بين القياديين بالتيار الرئيسي للإخوان و بين أولئك النفر الذين انشقوا وأصبحوا ينتمون للمجموعات الإرهابية. وكذلك مشروع القرار يلقي الضوء على شخصية حسن الترابي القيادي الإسلامي في السودان وكيف كان يرعى الإرهاب وفشل التقرير في ملاحظة كيف انشق الترابي عن الإخوان في الثمانينيات قبل ان يبدأ علنيا في دعم الإرهاب . وكذلك بالمثل أيمن الظواهري القيادي في القاعدة الذي ارتبط بالإخوان المسلمين سابقا وبدون أي ذكر انه تركها. وكذلك نقد القاعدة للإخوان المسلمين وأيضا للمجموعات التي تنتمي اليها مثل حركة الشباب ، كان غالبا وبوضوح تعاون الإخوان مع الغرب وإقرارهم للاديموقراطية الغربية. وأيضا هذه الحقيقة أسقطت من المشروع.

    إن مشروع الحظر المقترح من كروز على الإخوان المسلمين ليس فقط يتغاضى عن الطبيعة الحقيقة للمنظمة بل ويتجاهل دور الجماعة في مساعدة الغرب في مكافحة الإرهاب.

    ففي 2003 ساهمت المملكة المتحدة والمنظمات المتعددة المحسوبة على الإخوان لإزالة االمتطرف أبو حمزة واستئصال المتعاطفين البريطانيين من القاعدة من جامع بارك فنزبري في لندن . واليوم فإن الحكومة البريطانية قد تخلت عن موقفها المتشدد من الإخوان كما كان في تقرير  2015 وعادت الى موقفها السابق في اعتبار الإخوان حائطا منيعا ضد الإرهاب.

          إن المناصرين للإخوان والجمعيات التابعة أصلا للإخوان كانت وما زالت في تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي في أماكن مثل العراق ، وسوريا والصومال واليمن

    والذين يحاربون ضد سيطرة الايرانين وكذلك المجموعات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية والشباب. وحتى إسرائيل التي لم يعرف عنها أنها متساهلة مع الإسلاميين حيث سمحت للحركة الإسلامية الجنوبية والتي لها ارتباط مباشر بالإخوان أن تشارك في الانتخابات البرلمانية. وبالرغم من حظر السعودية للإخوان إلا أنها تعاونت مع حزب الإصلاح اليمني وهو حزب إسلامي وله جذور تعود للإخوان المسلمين فكلا الحزبين لها عدو مشترك واحد وهو الحوثي الذي سيطر على صنعاء في 2014 . وكذلك كان للسعودية  علاقة قريبة مع جماعة الإخوان المسلمين اللبنانيين حيث ترى الجماعة سدا منيعا ضد التاثيرالشيعي.

             وبالطبع هناك نقد مستمر للإخوان. وجزء من الجماعة حيث يدعون لتطبيق حكم الإعدام على المرتد على سبيل المثال. وهناك نقد آخر مهم للإخوان المصريين بسبب إخفاقهم في إيجاد توافق خلال فترة الانتقال السياسي للدولة. ولكن الأسلوب الأنسب المطروح هو دعم مجموعات  التيار الرئيسي بينما تنكرعلى  مجموعاتها الفرعية المتشددة مواقفها. فالحظر سيضر بمصالح أمريكا وخصوصا عند محاربتها للإرهاب ومواجهة تاثير إيران مع روسيا في الشرق الأوسط. أن ما تحتاجه أمريكا فعلا هو الارتباط الفعلي الحاسم مع جماعة الإخوان المسلمين من خلال نقاشات ونقد بناء وليس من خلال الحظر الشامل.

    _______________

    تقرير أعده و أرسله إلى الإدارة الأمريكية البرفسور: ستيج جارل هانسن.

    ستيج جارل هانسن: متخصص في الأمن الدولي و الحركات الإسلامية و محاضر الآن في جامعة هارفارد

  • الإدارة الذاتية وأزمة كورونا: قطاع صحي معتل وتحديات متزايدة

    تواجه منطقة شمال شرق سورية، التي تعاني أساساً من نقص طبي حاد وقطاع صحي معتل، تهديداً جديداً يفرضه فيروس كورونا المستجد الذي تتوقع العديد من المنظمات احتياجه لكافة مناطق سورية، أمرٌ تجاوبت معه "الإدارة الذاتية" بسلسلة من المناشدات والمطالبات بالدعم والمساندة، بالإضافة إلى اعلانها عن سلسلة من الإجراءات الاحترازية على عدة صعد؛

    يتناول هذا التقرير إطلالة عامة على واقع القطاع الصحي ومدى نجاعة السياسات التي اتبعتها "الإدارة الذاتية"؛ ويقف على أهم الاجراءات التي اتخذتها وأهم التحديات التي تواجهها.

    قطاع صحي هش

    تعاني مناطق شمال شرق سورية خلال حكم النظام من نقص في المستلزمات والمباني والكوادر الطبية؛ فعلى سبيل المثال وقبل الثورة في عام 2010 ووفقاً لمكتب الاحصاء المركزي فإنه لم يتجاوز عدد الأطباء في محافظة الحسكة أكثر من (1252) طبيباً، بمعدل (1166) شخص لكل طبيب، ولم يتجاوز عدد الصيادلة لم يتجاوز (690) صيدلانياً، أي بمعدل (2116) شخص لكل صيدلي، وضمت محافظة الحسكة آنذاك (32) مشفى بين حكومي وخاص يتوفر فيها (1348) سرير فقط، أي بمعدل سرير لكل (1083) شخص، إضافة إلى افتقارها لوجود مركز خدمة الأورام السرطانية، وبعض الأجهزة مثل المرنان المغناطيسي.

    والآن؛ وباستثناء المستشفى الوطني بالقامشلي؛ تسيطر "الإدارة الذاتية" على كافة المقرات والمباني الصحية في مناطق سيطرتها وتتولى "هيئة الصحة"  إدارة المستشفيات والمراكز الطبية معتمدة على كوادر بشرية قليلة (قسم منهم  موظفين لدى حكومة النظام، وقسم تم تدريبهم للتعامل مع الحالات الإسعافية والطارئة فقط)، خاصة بعد هجرة اكثر هذه الكوادر خارج البلاد لأسباب شتى؛ ولا تقدم "الإدارة" أي خدمات سوى دفع رواتب العاملين في القطاع الصحي واللقاحات الممنوحة لها من منظمة الصحة العالمية. ويشكل الدعم الخيري المقدم من المنظمات الدولية وغير الحكومية رافداً لحاجات القطاع الطبي والصحي إضافة إلى هبات يقدمها مغتربون أكراد في البلدان الأوروبية. وبتقريرها السنوي، أوضحت "الإدارة الذاتية" أنها في مجال الصحة قد أهلت وجهزت 58 مستوصف و8 مشافي بالإضافة إلى فتح مركزين للزنين المغناطيسي وتجهيز ثلاث غرف للعمليات وتجهيز بنك دم بأجهزة فحص مخبرية وتفعيل قسم الكلية بمشفى الفرات.

    وبدراسة أعدها مركز توثيق الانتهاكات في الشمال السوري بين أنه في مناطق الإدارة الذاتية يمكن أن يصاب بفيروس كورونا قرابة مليون شخص، من أصل 5 ملايين يسكنونها، وسيحتاج 13 ألف شخص مصاب على الأقل إلى وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي. وقدر البحث أنّ هنالك بحدود 27 – 30 جهاز تنفس صناعي في مختلف المراكز الصحية، حيث أوضح الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا جوان مصطفى: “نملك الآن 27 منفس هوائي، ونسعى إلى تأمين منافس أخرى ليصل العدد إلى 100” وأنّ عدد الغرف المتوفرة بالكاد يمكن أن يصل إلى 200 غرفة، قادرة على استيعاب حتى 1500 شخص فقط، فيما ولا يتوفر في مناطق الإدارة الذاتية سوى /28/ سريراً فقط في وحدات العناية المركزة في جميع مشافي المنطقة مجتمعةً، كما ليس هناك سوى طبيبين اثنين مدربين على كيفية التعامل مع أجهزة التنفّس، ما “سيؤدي إلى كارثة إنسانية مع انتشار الفايروس في ظل الإمكانيات المتوفرة” أي إنّ قدرة الاستيعاب قد تشمل فقط 5 %، كما أن الخطوة الكبيرة تأتي من أن الفيروس سيكون سريعاً في التفشي خاصة في المخيمات وعددها 15 مخيم وحوالي 35 مركز إيواء مؤقت يقطن بها ما يصل إلى 110 ألف.

    وحذّرت هيئة الصحة في بيان لها من نقص حاد في التجهيزات الأساسية والأدوية لعلاج المصابين، بينها الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس وعليه فإن  جميع العينات ترسل إلى مختبرات لتحليلها، وهو ما يجعل الإدارة الذاتية تعتمد على الحكومة السورية،  الأمر الذي يؤكد أن قطاع الصحة في الإدارة الذاتية لا يزال يفتقر لمقومات التأهيل والفاعلية سواء على المستوى الفني او البشري.

    مناشدات وإجراءات احترازية

    ناشدت "الإدارة الذاتية" المنظمات الإنسانية وجميع الجهات المعنية وحكومة إقليم كردستان العراق بضرورة تقديمها المساعدة لمنع انتشار فيروس "كورونا المستجد"؛  كما ناشد مدير مشفى السلام في القامشلي، منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، لتقديم المساعدة للمشافي الخاصة في المنطقة لمواجهة احتمالات تفشي فيروس "كورونا، وبناء على ذلك قدم التحالف الدولي ضد داعش – وفقاً للمركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية- كميات من الأدوية والمعدات الطبية  لمشافي الحسكة والشدادي ، كما أنه تم الاعلان عن مساعدة طبية من  التحالف لشرق الفرات بقيمة 1.2 مليون دولار.

    مؤخراً؛ أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية إيقاف حملات التجنيد الإجباري "واجب الدفاع الذاتي"، في المناطق التي تقع تحت إدارتها، مدة ثلاثة أشهر. وقالت الإدارة الذاتية في بيان، أنه "بدأ إيقاف الحملات فعلياً، منذ 5 نيسان 2020، ليستمر حتى 5 تموز2020، وذلك حرصاً على سلامة المواطنين من انتشار وباء كورونا.

  • التقدير الاستراتيجي (116): العلاقات الصينية الإسرائيلية وآفاقها

    تقدير استراتيجي (116) – تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

    ملخص:

    تنامت العلاقات الصينية الإسرائيلية بشكل كبير في السنوات الماضية؛ حيث سعت "إسرائيل" على الاستفادة من تنويع وتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إحدى الدول الكبرى، ومع أسرع اقتصادات العالم نمواً؛ بينما تسعى الصين للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية. غير أن الطرف الإسرائيلي لا يريد لهذه العلاقات أن تتسبب بأضرار على علاقته الاستراتيجية الحيوية مع الولايات المتحدة، والتي تبرز خطوطها الحمراء كمحدد رئيسي لهذه العلاقة. أما الصين فترغب بعلاقات نشطة ولكن في "الظلّ"، وبما لا ينعكس سلباً على علاقاتها العربية والإسلامية، حيث السوق الهائل لتجارتها الخارجية، كما تحافظ على موقفها التقليدي في دعم قضية فلسطين.

    على المدى القريب، من المرجح استمرار وتيرة العلاقات الاقتصادية والسياسية نفسها؛ أما على المدى المتوسط والبعيد فإن سيناريو التراجع والبرود التدريجي في العلاقة ستزداد حظوظه نتيجة تصاعد التنافس المحتمل بين الصين والولايات المتحدة، وبالتالي سعي الأمريكان لكبح العلاقات الإسرائيلية مع الصين. كما ستزداد حظوظه مع تصاعد احتمالات التغيير في المنطقة العربية باتجاه بيئات أكثر دعماً لقضية فلسطين، ومراعاة الصين لحجم مصالحها الأكبر في المنطقة العربية والإسلامية.

    مقدمة:

    أصدرت مؤسسة راند، وهي من أبرز مراكز التفكير الأمريكية والعالمية، في آذار/ مارس 2019 دراسة مفصلة حول "العلاقات المتطورة بين إسرائيل والصين". وهي دراسة مهمة تلفت الأنظار إلى تنامي هذه العلاقات في جوانبها المختلفة؛ وقد قام مركز الزيتونة بعمل ترجمة مكثفة للنص باللغة العربية.

    ومع ذلك، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما كُتب حتى اليوم عن هذه العلاقة باللغة العربية، يُعد قليلاً مقارنة بأهميتها وخصوصاً مع تصاعد الدور الصيني وتأثيراته المتنامية على المنطقة العربية، وهو ما يستدعي اهتماماً من الباحثين والدارسين في المنطقة العربية.

    وعند دراسة العلاقة بين الصين و"إسرائيل" فلا يمكن إغفال التفاوت في حجم الطرفين، فالصين التي تقع على أقصى الطرف الشرقي من قارة آسيا يبلغ تعداد سكانها حوالي 1.4 مليار، بينما يبلغ عدد السكان في الكيان الإسرائيلي حوالي 8.4 مليون نسمة أي نحو 170 ضعفاً، أما على صعيد المساحة فتبلغ مساحة الصين 434 ضعف المساحة التي تسيطر عليها "إسرائيل". ومع ذلك، فإنّ الطرفين وجدا جملة من المصالح والاهتمامات المشتركة التي دفعتهما إلى إقامة علاقة نشطة. ويمكن القول بإيجاز أنّ هدف الصين الرئيس من هذه العلاقة، كما صرح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل"، هو التكنولوجيا، بينما هدف "إسرائيل" الرئيس هو تنويع أسواق تصدير بضائعها واستثماراتها الخارجية.

    أولاً: تاريخ العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    يعود تاريخ العلاقة بين الطرفين إلى البدايات، حيث كانت "إسرائيل" هي أول من اعترف بجمهورية الصين الشعبية في المنطقة، عند إعلانها سنة 1949 وأيّدت سياسة "الصين الواحدة"، ولكن العلاقة توتّرت خلال فترة الخمسينيات والستينيات ثم عاد التواصل بينهما فعلياً سنة 1979، وكان ذلك متأثراً بعاملين رئيسين يومئذ، هما احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وبدء مسيرة "السلام" المصرية الإسرائيلية. وبدأ الدفء يدبّ في هذه العلاقة تدريجياً، مع لقاءات دبلوماسيين من الطرفين في الأمم المتحدة، ثم في اجتماع بين وزير خارجية الاحتلال شمعون بيريز ونظيره وو جوجيان سنة 1987، وتدفق الوفود السياحية الإسرائيلية على الصين سنة 1988، وهي السنة نفسها التي اعترفت فيها الصين بدولة فلسطين. غير أنه لم يتم الإعلان عن العلاقات الرسمية بين الطرفين إلا سنة 1992.

    يمكن القول إنّ نقل التكنولوجيا العسكرية من "إسرائيل" إلى الصين، كان أساس هذه العلاقات منذ سنة 1979 وحتى سنة 2005، إذ حصلت في تلك الفترة أكثر من 60 صفقة لنقل التكنولوجيا من "إسرائيل" إلى الصين، بقيمة تقدر بمليارَي دولار. ولكنّ العلاقة تلقت ضربتين موجعتين بسبب الضغط الأمريكي على "إسرائيل"، مما أدى إلى تراجعها، حيث أفشل الأمريكان صفقتين بين الطرفين هما صفقة نظام الرادار المتقدم المحمول جواً المعروف باسم فالكون سنة 2000، وصفقة طائرات بدون طيار هاربي التي تمت سنة 2005. وقد أدى هذا الضغط إلى وضع خطوط حمراء أمريكية في علاقة "إسرائيل" بالصين، أنتجت مجموعة من الضوابط، التي تتصل بنظام مراقبة التصدير في "إسرائيل" إلى الصين.

    من جهة أخرى، فإن التعاون الاقتصادي نما بشكل غير مسبوق، وخصوصاً بعد زيارة نتنياهو إلى الصين سنة 2013، إذ أصدر أمراً حكومياً بتوسيع العلاقات في جميع الجوانب غير الحساسة، فقامت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية بفتح مكاتب في الصين، وقدَّمت تنازلات للصين بخصوص بنك الصين، المتهم بغسيل الأموال لصالح إيران وحزب الله وحماس، ما جعل الصين، حسب الاعتقاد الأمريكي، قادرة على الضغط على "إسرائيل"، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه هذه العلاقة.

    ثانياً: المصالح الصينية في "إسرائيل":

    يمكن القول أن الصين ترى "إسرائيل" شريكاً مهماً لأربعة أسباب:

    1. تعد الصين "إسرائيل" جهة تساعدها على تحفيز الابتكار المحلي والبحث والتطوير، ومجالات التعاون في هذا السياق، تتضمن التكنولوجيا، والطاقة، والبيئة، وتكنولوجيا الزراعة، والتمويل وخصوصاً للشركات الناشئةstart-ups.

    2. تنظر الصين إلى "إسرائيل" كمصدر لسد حاجاتها الأمنية والعسكرية.

    3. ترى الصين في "إسرائيل" لاعباً سياسياً مهماً في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه.

    4. ترى الصين في "إسرائيل" مكوناً مهماً في مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة اقتصادية صينية عالمية طموحة، وتريد لـ"إسرائيل" أن تكون صلة الوصل بين خليج العقبة وقناة السويس. مع ملاحظة أن الصين تطرح "مبادرة الحزام والطريق"، وسيلة لتعزيز التقارب بين دول المنطقة ومكوناتها، وأداة لجلب "الاستقرار والرخاء للجميع" وهو تصور مرتبط بمنظور المصالح الاقتصادية الصينية، أكثر من ارتباطه بتحقيق العدالة، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

    ومع ذلك، فإن الصين التي تدرك حساسيات المنطقة تجاه الكيان الإسرائيلي، و"تعقيدات" القضية الفلسطينية، ترغب أن تبقى شريكاً "هادئاً" مع "إسرائيل". وهي لا ترغب أن تثير علاقاتها بـ"إسرائيل" حالة غضب عربية وإسلامية تجاهها، تؤثر رسمياً أو شعبياً على علاقاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية في المنطقة. ولذلك أبقت الصين على خطوط السياسة العامة في الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحرصت الصين على أن تقيم علاقات حسنة مع الجميع، وأن تظهر بمظهر الشريك المحايد مع دول الشرق الأوسط والذي لا يتدخل في الخلافات البينية. وهي تحظى بعلاقات مميزة مع إيران ولا تعد حماس وحزب الله ضمن المنظمات الإرهابية. ولقد كان لعلاقة الصين بإيران تأثيرها السلبي على علاقتها مع "إسرائيل"، وذلك بسبب صفقات السلاح التي عقدتها مع إيران والتي تضمنت التعاون مع طهران في برامجها الصاروخية والنووية، وتزويدها بمئات من صواريخ كروز المضادة للسفن والمضادة للطائرات، حتى صارت المورد الثاني بعد موسكو للسلاح إلى إيران.

    ثالثاً: قياس العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    يمكن القول أنّه بالرغم من ازدياد مستوى النظرة الإيجابية لـ"إسرائيل" بين النخبة الصينية إلا أن عامة الصينيين، كما تكشف استطلاعات الرأي، لا تشاركها هذه النظرة إذ بلغت النظرة السلبية 57% سنة 2017. ولقياس مستوى عمق العلاقة بين الطرفين يمكن فحص عدة مؤشرات أهمها، تطور العلاقات الديبلوماسية بين الطرفين، ومتانة العلاقة العسكرية، والعلاقات الاقتصادية، والسياحة، والتأثير الثقافي.

    على صعيد العلاقات الدبلوماسية، بقي مستوى الزيارات المتبادلة ثابتاً في الفترة 1992-2018، ولكنّها في المقابل زادت قوة مع كل من السعودية وإيران. أمّا في مجلس الأمن فقد سجل تصويت الصين فيه استمرار سلوكها السياسي المعتاد، إذ أنّ الصين في القرارات التسع المتعلقة بقضية فلسطين، والتي تُطرح سنوياً على المجلس قد صوتت في الفترة 1992-2016، باستمرار مع الصياغات المعتادة الداعمة لفلسطين، والتي تدين "إسرائيل".

    أما على صعيد العلاقات العسكرية، فخلافاً لعلاقات الصين بإيران والسعودية، فليس لها علاقات عسكرية قوية مع "إسرائيل"، ويمكن قياس ذلك من خلال الطرق التالية:

    • الزيارات العسكرية رفيعة المستوى؛ ونلاحظ أنّ عدد الزيارات الخاصة ذات الطبيعة العسكرية رفيعة المستوى بين الطرفين هي أقل من الزيارات المدنية رفيعة المستوى، فعدد 4 زيارات من أصل 13، بالمقابل كانت هناك 3 زيارات لكبار القادة الإسرائيليين من أصل 19، وينطبق الوضع نفسه تقريباً على كل من السعودية وإيران.

    • صفقات الأسلحة؛ وفي هذا المجال من المستبعد أن تكون "إسرائيل" استوردت أيّاً من الأسلحة الصينية، فهي تحصل على كل ما تريده من الولايات المتحدة الأمريكية، أمّا بخصوص حصول الصين على أسلحة إسرائيلية فلا يوجد أي معلومات عن حصول أي صفقة سلاح بعد سنة 2001، على الرغم من أنّ المعلومات المتوافرة تفيد أنّ أيّاً من البلدين لا يربطا ذلك بعدم بيع الأسلحة إلى طرف مخالف، مثل بيع الصين السلاح لإيران، أو بيع "إسرائيل" السلاح للهند.

    • التمارين المشتركة ونقل التكنولوجيا؛ ومن الملاحظ أنّ هناك حضوراً عسكرياً متصاعداً للصين في الشرق الأوسط، فقد قامت الصين بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع كل من إيران والسعودية، أمّا "إسرائيل" فلا يبدو أن الصين قامت بأي مناورات معها. أما الاختلاف الأبرز فكان على صعيد نقل التكنولوجيا، فقد قامت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بإقامة مشروع مشترك مع مجموعة لينجيون لتأسيس أول مؤسسة صينية مدنية للصيانة والإصلاح والترميم في إقليم هوباي.

    العلاقات الاقتصادية:

    يمكن القول أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين مزدهرة، خلافاً للعلاقات العسكرية والسياسية، وفي طليعتها منتجات الملكية الفكرية والابتكار.

    يلاحظ أنّ النشاط في مجال التبادل التجاري بين الطرفين، قد نما بشكل كبير إذ بلغت الصادرات الصينية سنة 2017 حوالي 9 مليارات دولار، والصادرات الإسرائيلية حوالي 3.3 دولار، وأصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل" بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وقد أصبحت "إسرائيل" عضواً في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتيةAIIB، وهو البنك الذي يعد واحد من العمادات الأساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية سنة 2013 على الرغم من عدم رضا الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بلغت الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية 40% من الحجم الكلي من رأس المال الاستثماري الخارجي. ولعل من أبرز محطات هذه العلاقة زيارة نتنياهو إلى الصين في آذار/ مارس 2017 والتي قام خلالها بتوقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار.

    ويعتبر محتوى الملكية الفكرية المتمثل ببراءات الاختراع في البضائع الإسرائيلية، الجزء الأكبر من التبادل التجاري بين الطرفين، ويميل ذلك بشدة تجاه "إسرائيل"، فقد بلغ ما سجلّته "إسرائيل" في الصين من براءات اختراع في الفترة 1994-2015 ما مجموعه 283 براءة؛ بينما كان ما سجلته الصين في "إسرائيل" 21 براءة فقط، ممّا يشير إلى أن "إسرائيل" تعد الصين سوقاً مهماً لبيع المنتجات والخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية.

    على صعيد العلاقات التعليمية والثقافية، فإنّ لهذا النوع من العلاقة تأثيرات عميقة وبعيدة المدى، على الأرجح، وتكمن أهميتها في أنّ نشأة الابتكار عادة ما تكون في الجامعات والمؤسسات العلمية، كما أنّ التبادل العلمي والثقافي يتيح المجال واسعاً للتعرف عن قرب على البلد، ويمكن أن يساعد المؤسسات العلمية والثقافية الموجودة في البلد المضيف على نشر قيم البلد المصدر.

    ويمكن قياس هذا النوع من العلاقة من خلال، عدد معاهد كونفوشيوس في "إسرائيل"، حيث يوجد معهدان في كل من جامعة تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس، وهو بالمناسبة العدد نفسه في إيران. وعن طريق عدد طلاب التبادل العلمي في البلدين، تعكس الأرقام التي يصدرها الطرفان أنّ عدد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في "إسرائيل" هو أضعاف عدد الإسرائيليين الذين يدرسون في الصين، وهو يقترب من ألف طالب، بينما يصل عدد الإسرائيليين إلى نحو مئة طالب. وكذلك عدد البرامج الأكاديمية والجامعات المتبادلة، ويمكن ملاحظة أنّ عدد الجامعات الإسرائيلية في الصين أكبر من تلك الصينية الموجودة في "إسرائيل"، فبينما هناك أربع جامعات إسرائيلية تعمل في الصين هي؛ جامعة تل أبيب، ومعهد تخنيون، وجامعة بن جوريون، وجامعة حيفا، فإنّ هناك جامعة صينية واحدة في "إسرائيل"، بينما يعد عدد التبادلات الأكاديمية العليا والزيارات بين الطرفين، مؤشراً مهماً في هذا المجال، ويمكن رصد زيارة لوزيرة التعليم الصيني سنة 2000، وزيارة لوزير التعليم الإسرائيلي إلى الصين سنة 2015 نتج عنها العديد من الاتفاقيات بين الطرفين.

    وتعدّ السياحة باباً مهماً للتبادل الثقافي بين الشعوب، وتشير الأرقام في هذا المجال، إلى أنّ عدد السياح الصينيين إلى "إسرائيل" تضاعف أربع مرات في الفترة 2014-2017، ليرتفع من 32,400 سائح إلى 123,900 سائح سنوياً، وهو ما يُعدّ نمواً كبيراً.

    وأخيراً هنالك أنواع أخرى من العلاقات الثقافية والتي يمكن أن تساعد على التقييم في هذا المجال، مثل:

    التقارب الإعلامي؛ حيث أصدرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، نسخاً باللغة الصينية، وقامت بالمقابل الإذاعة الصينية شانيا بلسChina Plus، بإطلاق قناة باللغة العبرية. وتمت إقامة الفعاليات الثقافية كالمهرجانات، حيث أقام مهرجان شنغهاي "أسبوع إسرائيل الثقافي" سنة 2017 للاحتفال بالذكرى 25 لـتأسيس العلاقة بين الطرفين.

    رابعاً: الآثار المترتبة على تنامي العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    بالرغم من أن العلاقات الإسرائيلية المتنامية مع الصين تقدم فوائد اقتصادية وسياسية وأمنية للطرفين، إلا أنه قد ينشأ عنها عدد من التحديات أبرزها:

    1. يشكّل هذا التعاون مساحة قد تفترق فيها المصالح الإسرائيلية عن مصالح الولايات المتحدة، خصوصاً انشغال الصين بقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وبناء وتشغيل مشاريع البنية التحتية الرئيسة.

    2. بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، فإنه بحكم أن الصين تعتمد على الطاقة من خصوم "إسرائيل" كإيران، فإنّ مواقف الصين السياسية وأهدافها يمكن أن تتعارض مع المصالح الإسرائيلية، وقد يجد الطرفان نفسيهما على طرفي نقيض في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.

    3. هناك تهديد حقيقي للأمن التكنولوجي الإسرائيلي والآفاق المستقبلية لاقتصادها، مثل تعامل الصين مع الحقوق الفكرية، والاستحواذ على الشركات الإسرائيلية الكبرى، وقدرة الصين على اختراق السوق الإسرائيلية.

    4. إن قيام الشركات الصينية ببناء وتشغيل المرافق الإسرائيلية قد يمكّن الصين من التجسس على الأرض، وفي العالم الرقمي.

    وتثير مشاركة الصين في المشاريع الكبرى أسئلة حول قدرة السوق الإسرائيلي على منافسة الشركات الصينية المدعومة حكومياً. وعلى الرغم من أن الهدف هو تحسين المنافسة إلا أن خطر الاستيلاء الصيني يبقى قائماً.

    في المقابل، تدرك "إسرائيل" حساسية الموقف الأمريكي تجاه تنامي علاقاتها مع الصين؛ ولذلك تبقى الخطوط الحمراء الأمريكية محدداً رئيساً لهذه العلاقات، حيث تظل الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي الأول لـ"إسرائيل".

    فالولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الأول للدعم العسكري، وهناك المساعدات الاقتصادية الضخمة التي تتلقاها "إسرائيل" كل سنة والتي تصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً. أما الدعم السياسي الأمريكي الذي تحظى به "إسرائيل" فهو لا يقل أهمية عن السببين السابقين.

    خامساً: السيناريوهات المحتملة:

    السيناريو الأول: تنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية نتيجة استمرار الصعود الاقتصادي الصيني العالمي، وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، واستمرار حالة الضعف والأزمات لدى الأنظمة العربية التي تسعى لعلاج مشاكلها من خلال تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".

    السيناريو الثاني: استقرار العلاقات على مستواها الحالي، بسبب وضع الأمريكان لمزيد من الضوابط والخطوط الحمراء التي تمنع تنامي العلاقات، مع تزايد الرغبات الداخلية لدى قطاعات إسرائيلية فاعلة بضبط مستوى العلاقات بما يمنع "التغوّل" الصيني، وبما لا يغضب الجانب الأمريكي. مع بقاء البيئة العربية في الوقت نفسه عنصراً غير فاعل في التأثير على هذه العلاقات.

    السيناريو الثالث: التراجع والبرود التدريجي لهذه العلاقات، نتيجة تصاعد التنافس والخصومة الأمريكية الصينية، وازدياد الضغوط الأمريكية على "إسرائيل" لتخفيض مستوى العلاقات وإيجاد بدائل أخرى. كما قد يصب في هذا الاتجاه وقوع تغييرات في المنطقة العربية والإسلامية المعادية للكيان الإسرائيلي، بحيث تدفع الصين لإعادة حساباتها وترتيب مصالحها حتى لا تقع بخسائر أكبر بكثير مما تجنيه من علاقاتها بـ"إسرائيل".

    وفي المدى القريب يبدو السيناريو الثاني المتعلق باستقرار العلاقات هو الأرجح، وقد تتزايد حظوظ السيناريو الثالث على المدى الوسيط والبعيد باتجاه التراجع والبرود التدريجي لهذه العلاقات.

    سادساً: التوصيات:

    1. تشجيع الدراسات والتخصصات في الشأن الصيني، باعتبارها قوة عالمية صاعدة، لفهم أفضل لطريقة التعامل معها.

    2. تعزيز التواصل مع الصين سياسياً وثقافياً وإعلامياً بما يؤثر إيجاباً على موقفها من قضية فلسطين، ويُصلِّب موقفها تجاه "إسرائيل".

    3. مطالبة الدول العربية والإسلامية (وخصوصاً تركيا وإيران والباكستان وإندونيسيا) بممارسة كافة أشكال التواصل والضغط مع الصين لإدراك أن مصالحها مرتبطة بشكل أكبر مع الأمة العربية والإسلامية من مصالحها مع "إسرائيل".

  • التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس

    ملخص:

    يظهر أن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة سيعطي مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس زخماً جديداً، بالنظر إلى وعوده الانتخابية ووجود ميول قوية لدى قيادات في إدارته لتنفيذ هذه الوعود.

    غير أن السياسة الرسمية الأمريكية طوال السنوات الماضية، وحتى تلك التي مارسها رؤساء سابقون وعدوا بنقل السفارة، كان يميل إلى مراعاة الجوانب القانونية والدستورية والقرارات الدولية التي لا تُقر الضمَّ الإسرائيلي لشرقي القدس، وتعدها من قضايا الحل النهائي؛ وتحاول تجنب إغضاب الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية، وبالتالي احتمال إفشال مسار التسوية.

    وتتضمن السيناريوهات أن يقوم ترامب بنقل السفارة في بداية ولايته أو في وقت لاحق خلالها، أو أن يُحوّل أحد مكاتب خدمات السفارة في غربي القدس (وليس شرقي القدس) إلى سفارة، أو تبقى السفارة في تل أبيب وينتقل السفير إلى القدس، أو يقوم بخطوة مزدوجة بنقل السفارة للقدس مع الإعلان في المقابل عن الاعتراف بدولة فلسطين لامتصاص ردات الفعل. وفي كل الأحوال فإن هذا التقدير يميل إلى أن ترامب سيأخذ خطوة متقدمة في هذا المجال، مما يستدعي تحركاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً استباقياً ومكثفاً، لإفشال أو تعويق هذه الخطوة.

    مقدمة:

    يُجمعُ المتابعون للشأن الشرق أوسطي بشكل عام، والشأن الفلسطيني بشكل خاص، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هو صاحب الموقف الأكثر وضوحاً وقوة بخصوص موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. فقد سبقه رؤساء أمريكيون -جمهوريون وديموقراطيون-أعلنوا عن عزمهم على نقل السفارة، لكنهم لم ينفذوا هذه الوعود، فهل تعكس التزامات ترامب استناداً لتصريحاته -خلال الحملة الانتخابية وبعد الفوز-وتصريحات مساعديه، وعلى رأسهم سفيره الجديد في ”إسرائيل“ ديفيد فريدمان تغيّراً في الموقف الأمريكي، واحتمالاً بتنفيذ الوعد، خلافاً لسابقيه من الرؤساء خصوصاً بيل كلينتون وجورج بوش؟

    لتحديد السيناريوهات المختلفة لهذا الموضوع لا بدّ من رسم ملامح بيئة القرار المحتمل على النحو التالي:

    أولاً: البعد الدستوري والقانوني في القرار الأمريكي في موضوع القدس:

    تُقرُّ الولايات المتحدة من الناحية القانونية، وعبر مواقفها المعلنة في المنظمات الدولية، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، وفي بيانات اللجنة الرباعية المختلفة، وفي تأييدها لما ورد في المعاهدات العربية الإسرائيلية (مع الأردن ومع مصر)، وفي اتفاق أوسلو على:

    1. عدم الاعتراف بقرار الضمّ الإسرائيلي لمدينة القدس، وهو ما تجلى في امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بموافقة 144 دولة، وهو القرار الذي يُعدُّ الضم الإسرائيلي مخالفاً للقانون الدولي.

    2. أن التصريحات الأمريكية المختلفة تؤكد أن موضوع القدس هو من ضمن مواضيع الحل النهائي، مما يعني أنه ليس لأحد الأطراف أن يقرر فيه  منفرداً.

    لكن المشهد القانوني ينطوي على بعد آخر، وهو ما صدر في 23/10/1995 عن الكونجرس الأمريكي من قانون عُرف باسم ”قانون سفارة القدس لسنة 1995“ ”Jerusalem Embassy Act“ والذي نصّ وبأغلبية كبيرة (93 مقابل 5 في الشيوخ، 374 مقابل 37 في النواب) على الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على أن يتم ذلك في حدّ أقصى هو 31/5/1999، والتأكيد على بقاء القدس مدينة موحدة كعاصمة لـ”إسرائيل“، مع الإشارة أن الأمر متروك للرئيس لتقدير ما إذا كان ذلك يضر المصالح العليا للولايات المتحدة أم لا، إذ إن الأمر يقع ضمن صلاحيات الرئيس كأعلى سلطة تنفيذية.

    لكن هذا القانون لم ينتقل إلى حيّز التنفيذ لسببين، هما أن المستشار القانوني لوزارة العدل الأمريكية رأى أن هذا القانون غير دستوري، وينتهك صلاحيات الرئيس في مجال السياسة الخارجية من ناحية، وأن الرؤساء الأمريكيين منذ تلك الفترة وحتى الآن رفضوا ”التخلي“ (waiver) عن مسؤوليتهم الدستورية في هذا الجانب من ناحية ثانية، وامتنع كل من الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش عن تنفيذه، وعمل باراك أوباما على تناسيه، على الرغم من أن الأول والثاني وعدا بذلك خلال الحملات الانتخابية.

    ثانياً: البعد الدولي والإقليمي في موضوع القدس:

    بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 المشار له سابقاً، قامت 13 دولة أغلبها من أمريكيا اللاتينية، بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، وعلى الرغم من أن هناك الآن 86 سفارة في ”إسرائيل“، لا يوجد أي منها في القدس، وهو ما يشكل ”نوعاً من الحرج“ للديبلوماسية الأمريكية، خصوصاً أن كافة دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، واللجنة الرباعية، لا تميل لقرار النقل دون تسوية الموضوع الفلسطيني.

    ويحذر العديد من الخبراء والديبلوماسيين الأمريكيين من أن نقل السفارة سيقود لردات فعل عربية وإسلامية نظراً للقيمة الدينية للقدس، ناهيك عن أن البعض يرى أن القرار سيعزز ”أدبيات“ التيارات السياسية العربية والإسلامية المشككة في النوايا الأمريكية وجديتها في مساعي التسوية السلمية. وهو أمر قد يضر بالمصالح الأمريكية من زاوية إضعاف مواقف حلفائها في المنطقة، وإضعاف موقفها كوسيط في محاولات التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، ويعزز ما يصفه هؤلاء الخبراء بالتيارات المتطرفة، وستجد فيه قوى مثل حماس والجهاد الإسلامي وإيران تأكيداً لمواقفها في الشارع العربي والإسلامي. ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من أن نقل السفارة سيقود إلى ”انفجار على مستوى الإقليم“ مؤشر على مثل هذه التوجهات المحذرة من النتائج.

    ويستدل هؤلاء على هذه الهواجس بما أعلنته الحكومة الأردنية عن طريق الناطق بلسانها في كانون الثاني/ يناير 2017 من التحذير من نتائج ”كارثية“ في حال الإقدام على نقل السفارة، وبأن الأردن ستستخدم كل إمكانياتها السياسية والديبلوماسية لمنع تنفيذ القرار، لا سيّما تأكيد الأردن على ما ورد في الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية من دور للأردن في رعاية المقدسات في القدس.

    مقابل هذه الصورة، هناك من يرى أن مجموعة من العوامل المقابلة تسير في اتجاه دعم احتمالات نقل السفارة وأهمها:

    1. أن الفريق السياسي الذي اختاره ترامب لإدارته القادمة يتبنى في معظمه قرار النقل، فوزير خارجيته ريكس تيليرسون يَعدُّ ”إسرائيل“ ”الحليف  الأكثر أهمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط“، على الرغم من إشارات حول علاقاته بجماعات المصالح البترولية. أما السفير المقترح للإدارة الجديدة في ”إسرائيل“ وهو ديفيد فريدمان فهو الأكثر انحيازاً لـ”إسرائيل“، وهو من أكثر الشخصيات الأمريكية المساندة لنقل السفارة، بل وله صلات طويلة بالمستوطنين. وهو من الداعين لضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل“ ناهيك عن عدم اقتناعه بحل الدولتين. وقد قال في أحد تصريحاته بعد ترشيحه للسفارة، إن ترامب ”سينفذ النقل“، وإنه يأمل أن يقوم بمهمته ”من سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل الأبدية“.

    لكن يمكن تلمس بعض البون بين مواقف السفير المرشح (فريدمان) وبين مواقف تيليرسون ووزير الدفاع المرشح جيمس ماتيس؛ وخصوصاً حذرهما من الإدلاء بمواقف واضحة في هذا السياق، لا سيّما أن لهما خبرة واسعة في الشرق الأوسط ويدركان التعقيدات أكثر من السفير المرشح.

    2. أن الظروف العربية بشكل خاص، وظروف الدول الإسلامية لا تشير إلى أن لديها القدرة على التأثير على القرار خارج نطاق الاحتجاجات اللفظية  أو اللجوء للمنظمات الدولية للحصول على قرارات جديدة، خصوصاً أن أغلب هذه الدول منغمسة في مشكلات دولية أو داخلية تضعف من استدارتها نحو الشأن الفلسطيني، وبالذات في ظلّ ظروف الاضطرابات الداخلية، أو الاختناق الاقتصادي المتزايد بعد انهيار أسعار النفط الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاديات الكثير من الدول العربية أو الإسلامية الأهم.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة:

    1. السيناريو الإسرائيلي:

    وهو أن يقوم ترامب بتنفيذ وعده باعتبار نقل السفارة أولوية قصوى كما ردد بعض مستشاريه، لكن هذا السيناريو قد يأخذ مسارين: أحدهما تنفيذ الوعد خلال فترة قصيرة بعد توليه المسؤولية، والآخر أن يؤكد على قرار النقل تاركاً موضوع الموعد ”إلى حين الوقت المناسب“، وقد قال جاسون ميللر الناطق بلسان الرئيس المنتخب في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2016 إن تحديد موعد تنفيذ النقل هو ”أمر سابق لأوانه“.

    2. السيناريو المراوغ: ويتمثل هذا السيناريو في أشكال مراوغة عديدة منها:

    ‌أ. لما كان للولايات المتحدة الآن ثلاثة مكاتب تؤدي خدمات ديبلوماسية في مدينة القدس، أحدها في غربي القدس، والآخر في شرقي القدس، وثالث في  منطقة وسطى بين شرقيها وغربيها، فإن ترامب يمكنه نقل السفارة لغربي القدس أو تحويل المكتب الموجود فعلاً لسفارة، مدعياً أن العرب والعالم يعترفون بأن غربي القدس جزء غير متنازع عليه، وأن من حقّ الولايات المتحدة أن تضع سفارتها هناك، متجاهلاً موضوع الضمّ الإسرائيلي للقدس واعتبارها عاصمة موحدة.

    ‌ب. أن تبقى السفارة الأمريكية في تل أبيب، بينما يقيم السفير في القنصلية الأمريكية في القدس ويبدأ بممارسة أعماله تدريجياً في القدس، وهو حلّ قد  يقبله الإسرائيليون في المرحلة الأولى، على أمل تطويره لاحقاً لنقل كامل.

    ‌ج. قد يقوم ترامب بخطوة مزدوجة، فيعلن عن نقل السفارة الأمريكية للقدس من ناحية، ويعلن عن اعتراف أمريكي بدولة فلسطين في الوقت نفسه  كترضية للطرف الفلسطيني وامتصاص لردات الفعل العربية والفلسطينية.

    رابعاً: الخلاصة:

    إن الظروف العربية والإسلامية، وطبيعة القوى الدافعة في المؤسسات السياسية الأمريكية تجاه نقل السفارة، وفريق العمل الذي اختاره ترامب لإدارته، ستدفعه نحو خطوة متقدمة عن الرؤساء الأمريكيين السابقين في اتجاه النقل بكيفية أو أخرى، وقد تكون أحد جوانب السيناريو المرواغ ضمن مكونات القرار.

    خامساً: التوصيات والمقترحات:

    من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع القرار قبل صدوره، وفي حالة صدوره العمل على عرقلة تنفيذه، ومع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية هي الأدوات المتاحة، بقدرٍ ما، في الظروف الحالية لمنع صدور القرار أو وقف تنفيذه، هو ما يستدعي:

    1. العمل على انعقاد الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز لإصدار بيانات تحذر من خطورة الإقدام على قرار نقل السفارة  الأمريكية للقدس، وذلك بهدف التأثير على صانع القرار الأمريكي.

    2. العمل على التواصل مع الاتحاد الأوروبي، لا سيّما البرلمان الأوروبي، لإصدار بيان يدعو فيه للامتناع عن نقل السفارة، لما في ذلك من مخاطر  على أمن منطقة البحر المتوسط، بشكل خاص والعالم بشكل عام، وأن تتعهد الدول الأوروبية بالامتناع عن الإقدام على الخطوة الأمريكية.

    3. العمل مع الأمم المتحدة بوكالاتها المختلفة للتحذير من خطورة الخطوة.

    4. مطالبة اللجنة الرباعية بعقد اجتماع طارئ لاتخاذ موقف ينذر بأن نقل السفارة سيقود إلى نتائج خطيرة على جهود اللجنة في نطاق مساعي التسوية  السلمية.

    وعلى الجانب الفلسطيني، من الضروري أن تصدر المنظمات الفلسطينية، خصوصاً منظمة التحرير، بياناً واضحاً بأن نقل السفارة سيقود لسحب السلطة الفلسطينية كافة تعهداتها السابقة باعتبار نقل السفارة خروجاً على الالتزامات المتفق عليها في اتفاقات السلام.

    كما أن الفعاليات الشعبية لا سيّما في الدول العربية وفلسطين يمكن أن توجد جواً ضاغطاً لإعادة النظر في احتمالات أخذ قرار النقل للسفارة.

    ذلك يعني أن على الطرف الفلسطيني أن يستخدم الديبلوماسية الوقائية؛ بأن يعمل على منع صدور القرار، فإذا صدر عمل على منع تنفيذه، فإن جرى تنفيذه يتم على أن لا تحذو الدول الأخرى حذو الولايات المتحدة.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ الدكتور وليد عبد الحي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس Word (16 صفحة، 112 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس  (16 صفحة، 612 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/1/2017

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر آذار/مارس 2019

    التقرير الإستراتيجي لشهر آذار/مارس2019

    المقدمة

    شهد شهر آذار على من العام الحالي، مجموعةً من التطورات الإستراتيجية على مستوى القضية الفلسطينية، داخلياً وخارجياً، تباينت في تنوع موضوعاتها، وتعدد تشعباتها، ولكنّها بالمجمل كان لها أثراً على القضية الفلسطينية بشكلٍ أو آخر.

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر أبريل/نيسان 2019

    حمل شهر أبريل/نيسان 2019، مجموعةً من التطورات على الصعيد الداخلي الفلسطيني، حيث تنوعت تلك التطورات من حيث أهميتها وسخونتها، بين ما تعلق منها بالوضع الداخلي الفلسطيني، وتشكيل الحكومة وملف المصالحة، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والشعب.

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018

    التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018

    يتناول التقرير أبرز القضايا الإستراتيجية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية على الصعيد الداخلي والخارج والعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.

    الوضع الفلسطيني الداخلي

    حمل شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام الحالي، مجموعةً من التطورات على الصعيد الداخلي الفلسطيني، التي في معظمها تعمقت أو راوحت المكان دون تقدمٍ جوهري، وتنوعت تلك التطورات بين ما تعلق بالمشروع الوطني الفلسطيني، وملف المصالحة، وكذلك الشأن الاقتصادي الفلسطيني. وما زالت أبرز العقبات على الصعيد الداخلي تلك المرتبطة بتعارض مساري التسوية والمقاومة، وتحديد أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، وطرق إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وبصياغة برنامج سياسي متناسب مع طبيعة المرحلة، وبالقدرة على استيعاب وتفعيل طاقات وإمكانات الشعب الفلسطيني في الخارج والداخل.

    أولاً:جلسات الحوار وملف المصالحة

    استأنفت جلسات الحوار بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة، والتي لم تتوقف تقريباً منذ العام 2017م، إلى جانب التباحث في ملف التهدئة مع إسرائيل، وتحقيق المصالحة بين حركي فتح وحماس بوجود الفصائل الفلسطينية الأخرى.

    ولا يظهر أنَّ الحوارات التي جرت ما بين الفترة (22-26/11/2018) قد نتج عنها إحداث اختراق حقيقي في ملف المصالحة، فالعقبة الأساسية التي دارت الحوارات حولها، تمثلت في مطالبة حركة فتح والسلطة الفلسطينية بضرورة استلام حكومة التوافق الفلسطيني لكامل الملفات في غزة، في الوقت الذي ترى فيه حماس أن ذلك ممكناً دون التطرق إلى سلاح المقاومة أبداً. 

    حوارات القاهرة، ما زالت تراوح المكان استراتيجياً، بسبب الاختلاف بين برنامجي المقاومة والتسوية، وبسبب إصرار السلطة الفلسطينية على ضرورة تسليم كل الملفات بغزةِ لها في إطار ما أطلقت عليه "التمكين"، حيث تريد معالجة القضايا بمعزلٍ عن حركة حماس إلاّ بالملفات الإدارية والإنسانية، وما زالت تُطالب بأن تكون منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وضرورة انضواء حماس تحت لواء المنظمة حيث يمنحها ذلك قدرة المناورة مع الجهات الدولية بحجة توحد الفلسطينيين، الأمر الذي ما زالت ترى فيه حماس أمراً صعب الحدوث دون، إجراء إصلاحاتٍ حقيقية على المنظمة. لذا يتوقع مع قرب نهاية العام الحالي، أن يبقى ملف المصالحة عالقاً، خاصة في ظل تراجع قدرة منظمة التحرير عن احتواء الكل الفلسطيني، ففي العام 2018 عقدت ثلاثة اجتماعات للمجلس المركزي، قاطعتها الجبهة الشعبية وقاطعت اثنين منها الجبهة الديمقراطية، مما يعني أنّ أمر حسم ملف المصالحة يزداد صعوبةً، إذا لم يتم إدخال إصلاحات هيكلية حقيقية على منظمة التحرير الفلسطينية، تُمكنها الإمساك بزمام الأمور، وتجعل منها المظلة الجامعة للكل الفلسطيني.

    ثانياً: قانون الضمان الاجتماعي

    جاء قرار الحكومة الفلسطينية في رام الله بتفعيل تطبيق الضمان الاجتماعي، ليفرض نفسه على الشأن الفلسطيني الداخلي، فمنذ الإعلان من قبل الحكومة عن بدء تنفيذه خلال شهر نوفمبر، تحركت الاحتجاجات الشعبية والمواقف النقابية[2]

    القانون أُقر في وقت يرى فيه الشارع الفلسطيني أنّه بحاجة لضامن، في ظل عدم الاستقرار في الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، وفي غياب آلية واضحة لتعريف المواطن به قبل إقراره، وقد زاد حجم الاحتجاجات الأخيرة بعد أن انضمَّ العمال إلى موظفي القطاع الخاص الذين قادوا الاحتجاجات في بدايتها.

    قانون الضمان الاجتماعي، رغم أن معمولٌ به في دول العالم، إلا أنَّ الحالة الفلسطينية، مختلفة بأبعادها وحيثياتها، من حيث عدم الاستقلال، ووجود الاحتلال، وغياب قناعة المواطن الفلسطيني بإمكانية حماية المؤسسات الفلسطينية لحقوقه، وهو ما أفرز بشكل أساسي تلك الاحتجاجات، بالإضافة إلى بعض البنود المجحفة التي اعتمدها القانون، والتي منها، عدم شموله للفئات المهمشة التي تتقاضى أجراً أقل من الحد الأدنى للأجور، أو الفئات التي تعمل أقل من 16 يوماً بالشهر، والعمال اللذين لا يتقاضون رواتبهم عبر البنوك وغيرها.

    قانون الضمان الاجتماعي يُشكل بصيغته الحالية تعميقاً للشرخ في الشارع الفلسطيني، خاصة أنَّه يأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ويعمل على صرف نظر الفلسطيني عن واقع الاحتلال الإسرائيلي، لأنَّه يصعب عليه الحصول على ما يؤمن اقتصاده، هنالك أولويات أخرى يفترض أن تعمل الحكومة الفلسطينية على حلها، وقضايا أكثر أهميةً من قانون الضمان الاجتماعي، وفي ظل عدم توصل الحكومة والقطاعات المناهضة للضمان إلى حل وسط، يتوقع في الأسابيع القادمة أن تتوالى الاحتجاجات على القانون.

    الوضع الفلسطيني على الساحة الإقليمية والدولية

    أولاً: تنامي التطبيع العربي مع إسرائيل

    العلاقة العربية مع إسرائيل ليست حديثة، فقد كانت علنية مع بعض الدول منذ زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، وتوقيع كامب ديفيد، وبعدها تتابع تطوير العلاقة مع تلك الدولة، وأعلنت إسرائيل أكثر من مرة أنَّ لها علاقات جيدة مع أطراف عربية عدة دون ذكر أسمائها، منذ تسعينات القرن الماضي اختارت إسرائيل مصطلح التطبيع لوصف تلك العلاقات، وأصبح المتعارف عليه لتوصيف العلاقة معها.

    فلسطينياً يُمكن القول أن هناك ارتباطاً فلسطينياً بإسرائيل أبشع صوره تتضح من خلال التنسيق الأمني، وأقلها تظهر في التنسيق المدني الذي يأتي بحكم كونها سلطة احتلال مقيت، لكنَّ الأشهر الأخيرة من العام 2018 تجلت صور التطبيع مع الجانب العربي بشكل كبير وبقوة، وبرز ذلك من خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي لبعض الدول العربية، ومشاركة الوفود الرياضية والثقافية الإسرائيلية في العديد من الأنشطة التي تم إقامتها عربياً.

    يشكل تنامي العلاقة العربية مع إسرائيل خطراً حقيقياً على القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل وجود حكومةٍ متطرفة في إسرائيل، تدعمها حكومة أمريكية متطرفة كذلك في سياستها، ويظهر مقدار تلك الخطورة في صفقة القرن التي وافقت عليها دول عربية عدة ودعمتها كالعربية السعودية، وكنتيجة لهذا التطبيع أعلنت إسرائيل الشهر الماضي عن نيتها العزم بالبدء في تنفيذ مشروع سكة قطار يربط السعودية وبعض الدول الخليجية بإسرائيل، أطلقت عليه الأخيرة "قطار السلام"، ورصدت له ميزانية أولية للبدء بتنفيذ مخططاته من ميزانية العام 2019م.[2]

    إن تنامي التطبيع العربي بهذا الشكل يعني بالدرجة الأساس كسراً لكل آليات مقاطعة التطبيع معها، ويعني مزيداً من المشاريع العملاقة بين الأطراف المعنية، وهو ما يضمن لإسرائيل عدم قدرة الأطراف العربي على مواجهتها في أي تطور سلبي لعلاقتها مع الفلسطينيين نظراً لتلاقي المصالح، هذا التطبيع يعني تنفيذاً لإسرائيل الكبرى اقتصادياً والذي أشار له ووضح صورته شمعون بيرس في كتابه شرق أوسط جديد عام 1993م، وتبناه نتنياهو وحكومته.

    ثانياً: إدخال الأموال القطرية لغزة

    مع تزايد الحصار والخناق على قطاع غزة، وتعمق الانقسام الفلسطيني، وفي إطار البحث عن آليات لإدخال الأموال لغزة، بدأت قطر في نوفمبر بإدخال الأموال لغزة عبر معبر رفح، من خلال رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة السفير محمد العمادي، وتابعت ذلك الشهر الجاري، وتعتبر قطر نفسها ملتزمةً بتحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة.[2]

    تدحرجت الأزمة فقامت إسرائيل بتكثيف قصفها جواً وبحراً، لترد فصائل المقاومة بإطلاق صورايخها، تبعات ما جرى أجبر نتنياهو على العودة قاطعاً زيارته لفرنسا لمتابعة الوضع عن كثب، وبعد العودة تم منح الجيش الإسرائيلي ضوءاً أخضر لمواصلة عملياته، مما أجبر فصائل المقاومة في غزة على الرد، حيث أظهرت أنَها قادرة على المواجهة في المرحلة الحالية من خلال صواريخها التي طالت مناطق متعددة، واستهدافها لحافلة جنود إسرائيليين، وأوضحت أنَّ ردها لا يأتي في إطار فردي، وإنّما منظم من خلال جهدٍ جماعي على رأسه غرفة عملياتٍ مشتركة تتبنى التوجيه والتخطيط.

    تسارع الأحداث أدخل جهات أخرى على الخط، لتدارك انفلات الأمور، ليتمكن الجانب المصري بعد أيام من المواجهات، التوصل إلى تهدئة ما بين فصائل المقاومة وإسرائيل، حيث أكدت الفصائل أنّها ملتزمةٌ بالتهدئة ما دام الاحتلال ملتزماً بها.تطور الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، والتوصل إلى إنهاء لها، ومنع انجرارها لحرب كما في العام 2008 و2014، له أسبابه إسرائيلياً، وأهم ذلك ما تكشف مؤخراً عن أنفاق لحزب الله على الجبهة الشمالية، وعدم يقين إسرائيل من أنَّها قادرة على حسم المعركة في قطاع غزة إلا من خلال مجازر جماعية قد تكلفها غضباً دولياً، أو خسائر في صفوفها قد تدخلها في أزمةٍ حقيقية داخلية تتضرر بسببها جبهتها الداخلي، لذا من المتوقع إستراتيجياً أن تُواصل إسرائيل إدارة الصراع مع المقاومة في الفترة المقبلة، حتى تستطيع التوصل لطريقة تضمن لها إنهاء الصراع مع المقاومة. 

    ثانياً: السيطرة المدنية على الضفة إعلامياً

    منذ سنوات قليلة أقدم الاحتلال الإسرائيليعلى تعيين حاكم مدني للضفة الغربية، ومكتب نشط إعلامياً، يتولى الترويج لإسرائيل في مناطق الضفة الغربية والتواصل من خلال صفحات معتمدة له على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يدير تلك الصفحات مجموعة من ضباط وخبراء التجنيد وعلماء النفس الإسرائيليين.

    أظهرت دراسة أجراها مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيتعنوان "تأثير صفحات فيسبوك الإسرائيلية الناطقة بالعربية على الجمهور الفلسطيني– صفحة "المنسق" كحالة دراسية"، عدة نتائج كان أبرزها حصول صفحة المنسق الإسرائيلية على 76% تعليقات ايجابية و24% سلبية.وأوضحت الدراسة نجاح الخطاب السياسي الإسرائيلي بالتغلغل إلى الجمهور الفلسطيني، حيث قدم المستخدمون الفلسطينيون أعلى نسبة تفاعل في صفحة منسق ما تسمى "الإدارة المدنية" الاحتلالية، بنسبة 76%. ومن جانب آخر، حصدت الصفحة على أعلى معدل إعجاب من فلسطينيين بنسبة 69%، بينما حصلت باقي الدول العربية على أقل النسب.

    وأكدت الدراسة عدم صدق "المنسق الإسرائيلي" بالتركيز على الجانب الإنساني كما ذكر في هدف إنشاء الصفحة بل ركز بالدرجة الأولى على الجانب السياسي فكانت نسبة المنشورات السياسية 207 والمنشورات الإنسانية 173.

    وقال أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت ومشرف الدراسة محمد أبو الرب أن المنشورات التي حصلت على أعلى نسبة تفاعل هي المنشورات التي تحدثت عن بيع التصاريح وآليات جديدة لاستصدار التصاريح، مؤكدا أن تفاعل الجمهور على صفحة المنسق حقيقي بالرغم من وجود نسبة قليلة من الحسابات الوهمية. 

    في الشهر الماضي واصلت تلك الصفحات العمل بقوة خاصة في الجانب الإنساني الذي ترغب من خلاله في التسويق للحكم الاحتلالي في الضفة الغربية، عن طريق بث فيديوهات لمساعدة مرضى فلسطينيين في إسرائيل ومعالجتهم، أو منحهم فرصة العلاج في الخارج، علماً أن السلطة الفلسطينية هنا هي من تقوم بدفع التكاليف، وتقوم إسرائيل بأخذها من فاتورة المقاصة الضريبية.

    هذه الصفحات لم تأتي عبثاً أو دون تخطيط، وإنما لها أهداف إستراتيجية متعددة، يتجلى أهمها في محاولة إسرائيل ترويج نفسها في الضفة، والتعامل المباشر مع الفلسطينيين، والتحكم بالجوانب الاقتصادية والحياتية لهم، بالإضافة إلى تجنيد المزيد من العملاء لصالحها، والتحضير لإعادة السيطرة على الضفة في حال حصل أي طارئ كحل السلطة أو ما شابه.

    خاتمة

    يتضح من استعراض القضايا الهامة التي مرت على القضية الفلسطينية خلال شهر نوفمبر2018، أننا مقبلون ربما على حالة تحول في العديد من المفاهيم السياسية والبنية الإقليمية والدولية التي قد تتغير معها بعض المواقف تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة في ظل الجهود المبذولة إسرائيليا لتعزيز حالة التطبيع العربي، إلى جانب الغطاء الأمريكي الواضح لسياسات الاحتلال على الأرض.

    وعلى الرغم من ذلك، فما تزال القضية الفلسطينية بكل مكوناتها تفرض معادلتها على الأرض، وهو ما تمثل في التصعيد الأخير الذي حدث في قطاع غزة وانكشاف الوحدة الإسرائيلية الخاصة، وهذا ربما يدفع بالسؤال إن كانت نهاية العام 2018 ستطوي أوراقها دون أن نشهد تغيرات دراماتيكية على القضايا المحورية فلسطينياً؟



    [1] مركز تطوير الإعلام، جامعة بيرزيت، أنظر: https://www.hal.birzeit.edu/single-post/2017/01/28/

    [1] هدوء حذر في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فرانس 24، أنظر: https://www.france24.com/ar/2018

    [2] الحرب الرابعة على الأبواب..توازن قوى جديد بين صواريخ المقاومة وتجارب تل أبيب، عربي سبوتينك، 13/11/2018م، أنظر الرابط:https://arabic.sputniknews.com/arab_world/20181

    [2] الجزيرة، أنظر الرابط: http://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2017/7/13/%D9%82%

    [2] اقتصاد فلسطين، 10 مآخذ على قانون الضمان، أنظر: https://www.palestineeconomy.ps/ar/Article


    [1] محسن صالح، "ما الذي أدى بالمصالحة الفلسطينية إلى أن تراوح مكانها"، الزيتونة للدراسات بيروت 5/12/2018، أنظر: https://www.alzaytouna.net/2018/12/06

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر كانون الثاني/يناير 2019

    حمل شهر كانون الثاني/يناير 2019، مجموعةً من التطورات على الصعيد الداخلي الفلسطيني، حيث تنوعت تلك التطورات من حيث أهميتها وسخونتها، بين ما تعلق منها بالوضع الداخلي الفلسطيني، ومشاورات تشكيل الحكومة وملف المصالحة، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والشعب.

    وعلى صعيد الكيان الإسرائيلي فهناك مجموعة من المتغيرات الإسرائيلية ذات التأثير على الوضع الفلسطيني يأتي في مقدمتها، ارتفاع حمى إجراء الانتخابات الإسرائيلية المبكرة، والابتزاز الإسرائيلي لغزة من خلال الأموال القطرية، وتعاظم الدعوة الدينية المرتبطة بالحاخامات الإسرائيليين لبناء الهيكل المزعوم وهدم أسوار القدس.

    كذلك وعلى الصعيد الدولي يتوالي الدعم الأمريكي لإسرائيل، سياسياً واقتصادياً وبشكل كبير هذه المرة، وتتعاطى بعض المنظمات الأمريكية العالمية مع الدعوات الإسرائيلية لممارسة مزيد من الضغوط على الفلسطينيين، وقطع المساعدات عنهم.

    وسيتم من خلال هذا التقرير تناول أبرز الملفات الإستراتيجية سابقة الذكر، والتي أخذت صداً وحصل عليها تطورات عدة في شهر كانون الثاني من العام الحالي:

  • التقرير الإستراتيجي لشهر اكتوبر/تشرين الأول 2019

    شهد شهر تشرين الأول/اكتوبر من العام الحالي، مجموعةً من التطورات الاستراتيجية على مستوى القضية الفلسطينية، داخلياً وخارجياً، تباينت في تنوع موضوعاتها، وتعدد تشعباتها، ولكنّها بالمجمل كان لها أثراً على القضية الفلسطينية بشكلٍ أو آخر.

    فتنوعت تلك التطورات ما بين استمرارٍ لسرقة أموال الفلسطينيين من إسرائيل ومحاربة للاقتصاد الفلسطيني، وتوالٍ للتسريبات عن صفقة القرن التي تنوي التهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وتزايدٍ للاستيطان، ودعم أمريكي لإسرائيل.