• أزمة النخبة السياسية الفلسطينية

    قلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    عادة ما يتم تعريف النخبة السياسية بأولئك الذين يمتلكون السلطة الحقيقية في الدولة. ويمكن توسيع دائرتهم لتشمل أصحاب النفوذ، والمؤثرين في صناعة القرار، وأولئك الذين يملكون أدوات السلطة والسيطرة الدينية أو الاقتصادية أو العسكرية أو العرقية والقبلية… وغيرها.

    غير أن ما يميز النخبة السياسية الفلسطينية أنها نخبة لحركة تحرر وليس لدولة، وأنها مشتتة جغرافياً، وأن نسبة كبيرة منها تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت حصاره، وأن البيئات السياسية خارج فلسطين تؤثر بدرجات متفاوتة في أفراد النخبة الذين يعيشون فيها، ويُضطرُّون إلى مراعاة سقوفها ومعاييرها.

    وتكمن أزمة النخبة السياسية الفلسطينية الحالية في أن قطاعاً كبيراً ومهيمناً فيها يمارس سلوك الدولة ولكن من دون دولة، وينسق مع الاحتلال، ويدير حالته النخبوية وفق شروط الاحتلال وتحت بيئته، ويعاني من أزمات في الرؤية والمسارات وفي القيادة والرموز والتداول القيادي والبناء المؤسسي.

    ***

    وقد تعددت الدراسات حول النخبة السياسية الفلسطينية، غير أن من أبرزها كتاب “سمات النخبة السياسية الفلسطينية: قبل وبعد قيام السلطة الفلسطينية” للدكتورة سمر جودت البرغوثي، وكتاب “توجهات النخبة السياسية الفلسطينية نحو الصراع العربي الإسرائيلي”، وكلاهما رسالة دكتوراه، وكلاهما أيضاً من إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وكلاهما درس نخبتي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من زوايا مختلفة. وكلتا الدراستين جديرة بالاطّلاع والاستفادة منها. وهذا المقال ليس استعراضاً لأي من الدراستين، ولكنه يستفيد من بعض معطياتهما.

    ***

    تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 بقيادة أحمد الشقيري. وفي سنة 1968 تمكنت الفصائل الفلسطينية من السيطرة على منظمة التحرير، وقامت بإعادة تشكيل جذرية لنخبتها القيادية في مجلسها الوطني وفي لجنتها التنفيذية، حيث هيمنت حركة فتح ولا تزال على النخبة السياسية للمنظمة. وعندما تشكّلت السلطة الفلسطينية سنة 1994، قادت حركة فتح عملية تأسيسها وإدارتها، لتطبع حالتها النخبوية بطابعها. غير أن انتخابات المجلس التشريعي للسلطة سنة 2006 أدخلت حماس ورموزها بقوة في النخبة السياسية للسلطة بعد فوزها بأغلبية ساحقة، وتشكيلها للوزارة العاشرة والحادية عشرة، ثم سيطرتها على قطاع غزة إثر الانقسام الفلسطيني، في مقابل سيطرة فتح على السلطة في الضفة الغربية.

    ***

    عكست أزمات منظمة التحرير آثارها على النخبة السياسية الفلسطينية، إذ دفعت أثماناً قاسية نتيجة محاولتها للعمل بِحرية في البيئة العربية المحيطة بفلسطين، في الوقت الذي لم تتحمل فيه البلاد العربية هذا “الضيف الثقيل” ولا الاستحقاقات التي يستوجبها وجود حركة تحرر في مواجهة العدو الصهيوني المدعوم بالقوى الكبرى، وحاولت تقديم نخب محسوبة عليها، وإلغاء نخبٍ تخاصمها.

    وترافق ذلك، مع عدم وجود بيئات حرة للعمل السياسي الفلسطيني، ولا بيئات صحية للتداول القيادي الفلسطيني، ولا آليات “ديمقراطية” حقيقية لتشكيل المجالس التشريعية والقيادية. وبالتالي فإن الفرز القيادي للنخبة الفلسطينية، ظلّ محكوماً بهيمنة فتح على المنظمة، وبالحسابات الفصائلية.

    ومنذ ثمانينيات القرن العشرين أخذت تظهر قوى فاعلة ووازنة في الساحة الفلسطينية دون أن يكون لها تمثيل في منظمة التحرير (حماس، والجهاد الإسلامي على سبيل المثال) ودون أن يُحتسب قادتها ورموزها ضمن النخبة السياسية “الرسمية” الفلسطينية. وهي ظاهرة اتسعت وزادت مع تنامي هذه القوى وفوزها (حماس تحديداً) في الانتخابات التشريعية للسلطة سنة 2006.

    ثمّ إن النخبة السياسية لمنظمة التحرير نفسها ظهرت عليها مظاهر الضعف والترهل وانعدام الفاعلية، مع حالة التردي والتدهور التي شهدتها مؤسسات المنظمة. ومع تعطُّل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لنحو 27عاماً إذ لم يعقد المجلس الوطني في الفترة 1991-2018، إلا للقاءات شكلية محدودة لتمرير بعض القرارات المسبقة أو “لشرعنة” عمل قيادة السلطة ( 1996،2009،2018).

    وقد أدى ذلك إلى “تكلُّس” البنية النخبوية للمجلس الوطني، التي فاق متوسط السنّ فيها سبعين عاماً، وتجاوزت سنّ ممثل الطلاب فيها ستين عاماً، بينما لحق عشرات بجوار ربهم. وصرنا في المنظمة أمام نخبة “مزمنة” تعيد إنتاج نفسها وإنتاج مشكلاتها، وتعاني من فشل ذريع في القدرة على إنتاج أجيال جديدة.

    ***

    من جهة أخرى، فإن إنشاء السلطة الفلسطينية أنهى حالة وجود النظام السياسي خارج أرضه، لكنه أوجد مشكلة جديدة بوجوده تحت الاحتلال الإسرائيلي وهيمنته. وقد ترافق ذلك مع تعقيدات انتقال النخب السياسية المقيمة في الخارج إلى الداخل الفلسطيني، وتحكُّم الاحتلال الإسرائيلي بالحدود والمعابر وحركة الأفراد والبضائع، وفرضه لشروط سياسية وأمنية واقتصادية على كيان السلطة.

    بينما تَحوَّل الاحتلال إلى الجهة المانحة لبطاقات الفي آي بي VIP لرجالات النخبة في السلطة، مع إمكانية اعتقال أي من شخصيات “النخبة” ممن يتجاوز خطوط الاحتلال الحمراء. ومع تعطُّل مسار التسوية، وتراجع فرص تحول السلطة إلى دولة كاملة السيادة على أرضها، نشأ نظام سياسي مُشوَّه، متموضع في بيئة الاحتلال ومرتهن لشروطه، بينما أخذت النخبة السياسية “تكيّف” نفسها وفق متطلبات “التسوية” ومتطلبات “السلطة”… لتتحول من نخبة “حركة تحرُّر” إلى نخبة سلطة تمارس سلوك الدولة ولكن تحت الاحتلال، وتُضطرّ إلى التجاوب مع أجندة الاحتلال في مطاردة المقاومة وملاحقتها ضمن “التنسيق الأمني”، بينما تتسع في أوساطها أجواء الترهل والفساد المالي والإداري، والركون إلى حالات الرفاهية… في الوقت الذي يذوي فيه الجانب “الثوري” إلا من شعارات أو مفاخرات تاريخية أو توظيف تكتيكي.

    في المقابل، تمكنت المنظومة السياسية للسلطة مع مرور الوقت من إفراز نخب سياسية أكثر تعليماً وأكثر شباباً وأكثر اندماجاً في البيئة الاجتماعية المحلية، وذلك مع انتخابات المجلس التشريعي 1996و2006، ومع تشكيل عديد من الوزارات، وتشكُّل طبقة من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني في أطر السلطة.

    غير أن عقلية الهيمنة واحتكار صناعة القرار التي صاحبت قيادة المنظمة والسلطة لم تمكِّنها من استيعاب نتائج العملية الديمقراطية لانتخابات 2006، ولم يكُن ثمة ترحيب أو قبول بالنخبة السياسية الجديدة (حماس) التي فرضت نفسها من خلال برنامج المقاومة أو من خلال الشرعية الشعبية. وأصبح لدينا أزمة في محاولات جهات معيَّنة “احتكار النخبة”، أو في محاولة إخراج نخب فاعلة ومؤثرة من الإطار “الشرعي” أو “الرسمي”.

    وتولدت أزمة ثانية مرتبطة بهيمنة فصيل معين على السلطة والمنظمة، مُصِرّ على مسارات سياسية معيَّنة (التسوية)، وغير راغب في عمل أي شراكات تؤثّر سلباً على هيمنته السياسية، ولا على المسارات التي اختطّها للعمل الوطني، وهو ما أدَّى إلى تعطيل الفرز الطبيعي للنخبة، وتعطيل بيئة التداول السلمي للسلطة، وغياب البيئة الصحية للتغيير والإحلال القيادي. وهذا أدى بدوره إلى إغلاق المجال أمام ظهور القيادات الشابة، ووجود فجوة كبيرة بين النخبة الحالية التي طال عليها الأمد، وبين الأجيال الصاعدة.

    من ناحية أخرى، فإن انتقال القيادة الفلسطينية إلى الداخل، وضمور دورها ودور المنظمة في الخارج، أدى إلى إهمال الشتات الفلسطيني، (أكثر من نصف الشعب الفلسطيني) المليء بالكفاءات والخبرات والطاقات، بينما تركّز أداء النخبة السياسية الحالية في رام الله، المحاطة بالاحتلال وأدواته. هذا مع إقرارنا بأن النخبة الفلسطينية في الأرض المحتلة 1948  لم تأخذ مكانها ولا دورها الذي تستحقه في المشروع الوطني الفلسطيني.

    وتعكس الدراسة التي قام بها عزام شعث لخمسين شخصية من النخبة الفلسطينية، حالة الإرباك وفقدان الرؤية المتماسكة لدى النخبة السياسية الفلسطينية.

    ففي الوقت الذي يؤيد 7ِ2% منهم إنهاء اتفاق أوسلو، ويُقِرّ 80% بأن المفاوضات هي غير ذات جدوى بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويوافق أكثر من نصفهم على أن ميزان القوى لا يسمح ببلورة مبادرة سياسية جديدة لحل الصراع، ويؤكد 72% أنهم مع هدف تحرير كل فلسطين وأشكال النضال كافة؛ فإنه من جهة أخرى يؤيد 76% منهم عقد مؤتمر كامل الصلاحية على أساس الشرعية الدولية. وعندما يتحدثون عن الوسائل الأكثر جدوى في مواجهة العدو يؤيد 28.2% المقاومة الشعبية، و17% المقاومة المسلحة، بينما يتشتت آخرون على نسبٍ أقل، كما أن ثمة انقساماً وغياب رؤية حول ما يمكن عمله في حال سقوط السلطة نفسها.

    هذا التداخل أو التفكير غير المتسق يعبِّر عن أزمة الرؤية والمسارات لدى النخبة السياسية الحالية، ولعلّ ذلك يتوافق مع حالة انسداد الأفق والإحباطات والانقسامات التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

    وبشكل عامّ، فإن أزمة النخبة الفلسطينية هي أزمة عميقة تمسّ جوهر المنظومة السياسية وتشكيلاتها القيادية، وأدوات فرزها النخبوي، وتؤثر عليها حالة التشتت، وبيئات الاحتلال وأدوات النفوذ الخارجي العربية والدولية.

  • الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي.. ارتداداته والمطلوب فلسطينيا

    في 13 آب/ أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وجود اتفاق بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة لتطبيع العلاقات بينهما، لتكون بذلك ثالث دولة عربية، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994، توقع اتفاقية سلام مع “إسرائيل”، وأول دولة خليجية عربية تقوم بذلك.

    الاتفاق الذي لم يوقع بشكل رسمي بعد، بانتظار الترتيبات النهائية وفقا لما تم الإعلان عنه من قبل واشنطن، التي ستكون حاضنة لاحتفال التوقيع، قالت الإمارات إنه يأتي ضمن شرط تجميد “إسرائيل” لخطة الضم، وهو ما نفاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

    يقدم مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، ومن خلال استقراء آراء عدد من الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية والفصائلية، قراءة لنتائج هذه الخطوة وتأثيرها على القضية الفلسطينية، فهل هي مقدمة لخطوات مشابهة من دول عربية أخرى؟ وهل بإمكان الفلسطينيين التحرك في نضالهم دون إسناد عربي؟ وما الخطوات المطلوبة فلسطينيا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، لإضعاف أي تأثيرات لهذا الاتفاق على القضية الفلسطينية؟ وهل يمكن أن يشكل التقارب العربي الإسرائيلي فرصة جيدة في التقدم في ملف المصالحة الفلسطينية؟

    • وكان أبرز ما رأته هذه الشخصيات ما يلي:
    • الاتفاق خطير، وسيكون له ارتدادات سلبية على القضية الفلسطينية، قد تزيد خطورتها عن اتفاق كامب ديفيد، خاصة أن توقيته جاء في ظل رفض فلسطيني موحد لخطة الضم وصفقة القرن
    •  هناك تخوف من أن يشكل هذا الاتفاق تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي الفلسطيني، ومقدمة لتغيير القيادة الفلسطينية، وفرضَ قيادات جديدة من الخارج
    • يمثل الاتفاق بالنسبة لـ “إسرائيل” إعادة اصطفاف وتموضع في موقعها الدولي، خاصة إذا حذت دول عربية أخرى، كالسعودية والسودان، حذو الإمارات
    • المطلوب فلسطينيا لتقليل تأثيرات الاتفاق، العمل بشكل عاجل على توحيد الصف الداخلي، بغض النظر عن أي مصالح أخرى، وتبني استراتيجية واضحة لترجمة ذلك بخطوات عملية، لذا فالتقدم في المصالحة بات أمرًا ضروريًا لمواجهة الكثير من التحديات
    • الشعب الفلسطيني قادر، وهو موحد، على التصدي للمشاريع التصفوية، وعلى المضي قدما في مواجهة الاحتلال
    • الأصل أن يتم الإعلان بشكل واضح وصريح عن انتهاء اتفاق أوسلو، والإعلان الفوري عن سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني لقطع الطريق على المطبعين العرب، وهذا يعيد الأمور إلى نصابها
    • كان الإسناد العربي الرسمي دائمًا في حده الأدنى غير الفاعل، بل ربما كان سلبيًا ومضرًا بالمصالح الفلسطينية، وبالتالي ينبغي أن يكون التعويل على الدعم العربي الشعبي
    • يمكن العمل على الصعيد الدولي من خلال ميدان المؤسسات الأممية، وميدان الرأي العام الدولي، الذي تتفاعل فيه جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)
    • يجب أن تنشط الدبلوماسية الفلسطينية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، إذ إن دورها الآن ليس بالمستوى المطلوب، وهذا يتطلب خطة متكاملة بأبعادها على المستوى الدولي

    وفيما يلي رأي هذه الشخصيات:

    د. مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

    الاتفاق حتمًا سيؤثر سلبًا، وهو يُشكل طعنة في الظهر للفلسطينيين. فبعد أن كانت الجهود الفلسطينية منصبة لتوضيح خطورة الضم للعالم، ونجحت في عزل الحكومة الإسرائيلية، يُناقش الاتفاق مسألة تأجيل الضم من جديد، وهي خطوة متأخرة عن الخطوة الفلسطينية، وبهذا الشكل فإن الاتفاق يعني تشجيعًا للعنصرية الإسرائيلية، وهو أمر خطير على الفلسطينيين.

    المطلوب وبشكل عاجل، توحيد الصف الفلسطيني بغض النظر عن أي مصالح أخرى، وتبني استراتيجية واضحة لذلك، ومواصلة فضح السياسات الإسرائيلية عالميًا، فالوحدة الآن هي أمر مصيري، وأعتقد أن الانتخابات يمكن ترتيبها بعد الاتفاق على خطوط واضحة حول وحدة الموقف الفلسطيني.

    هنالك الكثير من التحديات التي فرضت علينا ضرورة التوجه نحو الوحدة، فالتقارب العربي الإسرائيلي قد يزيد من ذلك، ويُضاعف من الفرص.

    الشيخ حسن يوسف، عضو القيادة السياسية لحركة حماس

    إن أي اتفاق إسرائيلي مع أي دولة عربية، هو بمثابة خسارة للقضية الفلسطينية، وبالتالي ما من شك في أن كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات، أثرت تأثيرًا سلبيًا على القضية الفلسطينية، لأن هذه الاتفاقيات تجعل من هذه الدول بمثابة وسيط، مع أنها يجب أن تكون ضمن المواجهة إلى جانب الشعب الفلسطيني. البعض يرى أن بعض الدول العربية مثل مصر والأردن، ما تزال تقوم بدور مهم في القضية الفلسطينية، لكن باعتقادي أن هذا الدور لن يكون كما لو أنها لم توقع اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي.

    الاتفاق بين الإمارات والاحتلال يختلف عما سبقه من اتفاقات عربية مع الاحتلال، إذ إن هذه الخطوة تأتي في ظل صفقة القرن الأمريكية وخطة الضم الإسرائيلية، وبالتالي يمكن أن يشكل أي تطبيع في هذه المرحلة جزءًا من صفقة القرن، بمعنى أنه سيشكل عبئًا على الشعب الفلسطيني، وعاملَ ضغط على القضية الفلسطينية.

    وأي تطبيع مع الاحتلال في هذا التوقيت، هو بمثابة مكافأة له، في الوقت الذي يشدّد فيه الحصار على قطاع غزة، وتُمنع حتى الاحتياجات الإنسانية والطبية من الوصول إليه، وكذلك في ظل عمليات تهويد إسرائيلية متتابعة في المسجد الإبراهيمي، والمسجد الأقصى ومدينة القدس، إضافة إلى الجرائم اليومية المستمرة.

    للقضية الفلسطينية موقعها الاستراتيجي والمركزي ضمن الخارطة العربية، وقد سخّر الاحتلال الإسرائيلي فعليًا مكونات كثيرة في العالم؛ بهدف تعزيز وجوده، مستعينا بتشكيلات دولية وتكتلات عالمية ساهمت في ذلك، وهذا بالتالي يجب أن يكون دافعًا للفلسطينيين للعمل ضمن أربع دوائر، العربية والإسلامية والإقليمية والدولية، ولكل دائرة دور هام، ويجب الحفاظ عليها كعمق للقضية وداعم لها، ورديف لنا. وبالتالي فإن المطلوب أولا أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد، ومن ثم تعزيز هذا الموقف بدعم وإسناد من باقي الدوائر.

    ويجب أن تنشط الدبلوماسية الفلسطينية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، إذ إن دورها الآن ليس بالمستوى المطلوب، وبالتالي فإن الجهد الفلسطيني شعبيًا ورسميًا، مطلوب منه أن ينطلق أكثر باتجاه المحافل والساحات الدولية، وهذا يتطلب خطة متكاملة يمكن من خلالها تحريك القضية بأبعادها المختلفة على المستوى الدولي.

    مطلوب كذلك أن يكون هناك تحرك في الساحات الأخرى، بمعنى عدم الارتهان للساحة الأمريكية والأوروبية فقط، بل التواصل مع الصين وروسيا وإفريقيا وأستراليا أيضا.

    كما يجب أن يمتد هذا التحرك على عدة مستويات، كالقنصليات والسفارات والبعثات الدبلوماسية، والنخب الفكرية والسياسية والأكاديمية؛ لتعزيز دورها في الحضور بالفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ومناهضة سياسات الاحتلال، إضافة إلى حشد الأحزاب والقوى السياسية، وإعادة دورها في تعزيز القضية الفلسطينية ودعمها.

    أما المطلوب فلسطينيًا، فهو البناء على الخطوات التي بدأت سابقا، من أجل بناء استراتيجية ورؤية للواقع الفلسطيني من جوانبه كافة، وتحقيق حالة اصطفاف فلسطيني تتوج بمصالحة داخلية، لأن ما يواجه القضية الفلسطينية الآن أمر خطير جدا. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات حتى اللحظة، هي خطوات صغيرة، إلا أنها أيضا كبيرة، ويمكن أن تشكل دلالات مستقبلية مهمة.

    عبد الإله الأتيرة، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح

    أعتقد أننا نمر الآن بمرحلة تحالفات وتقسيمات نفوذ جديدة، والإمارات وضعت نفسها في تحالف أمريكي إسرائيلي استراتيجي، وهذا يقود إلى تأثيرات كبيرة على المنطقة بعموميتها، والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

    قد تكون الأيام المقبلة حبلى بالكثير من الأحداث كنتاج لهذه الخطوة، ونحن كفلسطينيين نؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ونراهن على حالة الصمود الفلسطيني.

    أما طبيعة التأثيرات المباشرة على القضية الفلسطينية بسبب هذه الخطوة، فنحن نتعرض لحصار مالي فعلي، والإمارات استخدمت في سياساتها بالمنطقة، أدواتٍ خشنة، ولم تستخدم الوسائل الدبلوماسية، سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا، ويبدو أنه بحكم هذه التجارب، قد يكون خيار الوسائل الخشنة متاحًا للتعامل مع الحالة الفلسطينية، من خلال بعض المتعاونين معهم.

    ولتقليل الأثر السلبي لهذا الاتفاق من خلال الساحات الدولية، فإن القيادة الفلسطينية، كما مارست دورًا سياسيًا ودبلوماسيًا قويًا في تأجيل خطة الضم، وعدم تنفيذ خطة ترمب، يمكنها الآن أن تمارس دورًا من خلال علاقاتها، والإمكانيات المتاحة عبر العالم كله، لإبراز حجم الضرر من هذه الخطوة على القضية الفلسطينية، والمطالبة بأن يكون هناك موقف دولي تجاه ذلك. لقد استطعنا أن نرسل رسالة إلى العالم العربي، رغم حالة التمزق والإشكالات الداخلية، بهدف عودة صحوة جديدة، فهذه قضيتنا، وسندافع عنها بكل الإمكانيات.

    في الشأن الفلسطيني الداخلي، قد يكون من الصعب الحديث عن وحدة وطنية، لأنها غير متاحة الآن بسبب الخلافات السياسية، والخلافات في البرامج، ولكن قد يكون هناك مسعى للتفاهم على الحد الأدنى، وبعض النقاط الأساسية، لمواجهة مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي، وصفقة القرن، وبالتالي باعتقادي نحن ذاهبون باتجاه تنظيم الخلاف الفلسطيني الداخلي.

    حلمي الأعرج، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

    هذا الاتفاق خطير، وتزيد خطورته عن اتفاق كامب ديفيد، ذلك أن توقيته جاء في لحظة فيها الفلسطينيون موحدون ضد مخطط الضم وصفقة القرن، واستطاعوا تحشيد جبهة ضد الأمرين، وقد شكّل التوقيت خشبة النجاة لنتنياهو وترمب في تنفيذ صفقة القرن.

    كما يأتي الاتفاق لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي، وهو انحياز كامل لـ “إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، وفيه تدخل سافر بالشأن الداخلي الفلسطيني، وهو مقدمة لتغيير القيادة الفلسطينية، وفرض قيادات جديدة من الخارج.

    إن تعزيز قوة العامل الذاتي الفلسطيني، هو الأساس في التصدي للضم والاحتلال. والتجربة التاريخية تثبت أن الشعب الفلسطيني قادر، وهو موحد، على التصدي للمشاريع التصفوية الإسرائيلية، وقد بدا هذا واضحًا في الانتفاضتين الأولى والثانية. كما أن ترتيب البيت الداخلي هو المهم لتعزيز عناصر القوة، ومهم أيضا إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها رائدًا في الكفاح الفلسطيني اليومي، وبناءً عليه يُمكن الانطلاق للشعوب العربية ومؤسساتها وأحزابها، وكذلك لأحرار العالم، من أجل المساعدة في سحب الاعتراف بـ “إسرائيل” ومقاطعتها، مع مواصلة المعركة القانونية والدبلوماسية، ومن ثم الدعوة لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات ضمن سقف زمني، ووضع مبادرة فلسطينية للسلام، وهذا كله يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية.

    وكلما زادت التحديات، زاد الاقتناع بضرورة الوحدة الفلسطينية، وهناك تقارب ينشأ بفعل تبلور هذه القناعة، ولكن نحن بحاجة إلى مشاركة كل الأطراف في الوصول لصيغة نهائية في الوضع الداخلي الفلسطيني، وليس مشاركة ثنائية بين فتح وحماس فقط، فالأمر ليس تقاسمًا للسلطة والأدوار، وإنما باتت الحقوق الفلسطينية تتعرض لمرحلة تصفوية خطيرة، تستوجب فعلًا القفز عن المصالح الحزبية.

    عمر شحادة، مدير مركز الهدف للدراسات، وعضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية

    تنم هذه الخطوة عن انحراف وطني وقومي وديني، فالإمارات ليست في حالة حرب مع “إسرائيل”، ولم تكن كذلك، وهذا الاتفاق هو عبارة عن أوامر من تل أبيب ومن وراء البحار، لتعزيز الخطاب الأمريكي الإسرائيلي، بهدف مواصلة تنفيذ صفقة القرن، وتفعيل مفهوم السلام الإقليمي على حساب القضية الفلسطينية.

    إن الإقدام الفلسطيني، لا سيما من الرئيس وحركتي فتح وحماس، على إنهاء الانقسام، يجب أن يكون فوريًا للتصدي الجاد لحالة الانحراف العربي، ودون ذلك سيصب في مواصلة التطبيع العربي الإسرائيلي. والأصل أيضا أن يتم الإعلان بشكل واضح وصريح، عن انتهاء اتفاق أوسلو، والإعلان الفوري عن سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني لقطع الطريق على المطبعين العرب، وهذا يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تعيش مكونات الشعب الفلسطيني في مرحلة تحرر وطني حقيقي، يحكمها قانون الوحدة والمقاومة.

    التطبيع العربي الإسرائيلي أصبح واضحًا بعد أن كان يجري بالخفاء، وهو يقوض الاستراتيجية التي قامت عليها منظمة التحرير، والمبادرة العربية للسلام، وهذا يعزز حالة الأزمة الوطنية الفلسطينية، ويضع السلطة أمام خيارات مرة تجعلها تتحول إلى أداة بيد “إسرائيل”، أو إلى سلطة تتبنى برنامج وطني للتحرر، وهذا كله يتطلب إنهاءً فعليًا وجادًا للانقسام.

    خالد أبو عرفة، وزير شؤون القدس الأسبق

    يمثل الاتفاق بالنسبة لـ “إسرائيل” إعادة اصطفاف وتموضع  في موقعها الدولي، خاصة إذا حذت دول عربية أخرى، كالسعودية والسودان، حذو الإمارات، حيث إنه جاء في وقت كسبت فيه القضية الفلسطينية بعض المكاسب المهمة على الصعيد الدبلوماسي في المؤسسات الأممية، وكذلك على صعيد الرأي العام الدولي نتيجة جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)، وجهود السلطة الفلسطينية. كما أنه جاء في وقت تآكل فيه الدور الإسرائيلي الضاغط على المجتمع الدولي، نتيجة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة للمقررات الدولية، وذلك فيما يتعلق بفرض الرؤى الصهيونية المتمثلة بـ “صفقة القرن” و “خطة الضم”، وكذلك تآكل الدور الإسرائيلي نتيجة المعارك الداخلية الحزبية في الكيان الصهيوني.كان الإسناد العربي الرسمي دائمًا في حده الأدنى غير الفاعل، بل ربما كان سلبيًا ومضرًا بالمصالح الفلسطينية. وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية استنهاض العمق العربي الشعبي لصالح القضية الفلسطينية، وبذل مزيد من الجهود في هذا الاتجاه، حيث إنه يمثل العمق الصادق والأصيل في بعديه القومي والإسلامي.على المستوى الدولي، هناك ميدانان يمكن العمل عليهما، ميدان المؤسسات الأممية، وهذا يقع على عاتق السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الرسمية، وميدان الرأي العام الدولي، الذي تتفاعل فيه جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)، التي بدورها تستدرج السلطة الفلسطينية لاستثمار هذه الجهود في الميدان الأممي.تعاني الحالة الفلسطينية الداخلية من أوضاع بالغة الخطورة، تسبق في أولوياتها خطر الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وتوجب على الفلسطينيين العمل الوحدوي الفوري في سبيل مقاومة هذه الأخطار، والتغلب عليها. والاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قد يشكل أحد الفرص، التي يجب استغلالها للشروع في إعادة اللُّحمة الفلسطينية، والشروع بالبرنامج الوطني المقاوِم.

  • الانتخابات الإسرائيلية: قراءة في الدلالات والانعكاسات

    بقلم:د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يظهر أن نتنياهو سيظفر بولاية خامسة لرئاسة الوزراء، بحسب النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية، وسيقف إلى جانب بن غوريون الزعيم المؤسس للكيان الصهيوني، في طول المدة التي قضاها رئيساً للوزراء؛ حيث أتم نتنياهو 13 عاماً (الفترة 1996-1999، والفترة 2009-2019). وهو إنجاز كبير في البيئة السياسية الإسرائيلية، التي تتميز بكثرة الأحزاب، وبكثرة الانشقاقات والاندماجات، وبكثرة المناورات والمناكفات السياسية، مع قدرة كبيرة على التعايش في إطار المشروع الصهيوني.

    نقف هنا عدداً من الوقفات كقراءة أولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت مؤخراً في 9/4/2019:

    الوقفة الأولى: أن نتنياهو تمكن بما لديه من خبرة، وبما عُرف عنه من حنكة ودهاء، من تجاوز تحدي الانتخابات بنجاح كبير. فبالرغم من أنه جاءها وملفات اتهامه بالفساد جاهزة لرفعها لمحاكمته؛ إلا أنه تجاوز كل بيئة الاتهامات، وظلت أغلبية كبيرة ترى أنه المؤهل لرئاسة الوزراء، حتى من غير مؤيدي حزبه (الليكود). بل وتمكَّن من إضافة ستة مقاعد إلى مقاعد الليكود لتصبح 36 مقعداً. ونجح في تجاوز أو تحجيم القوى الأكثر يمينية، التي كانت تتهمه بالضعف؛ فسقط نفتالي بينيت وحزبه "اليمين الجديد"؛ كما سقط حزب "هوية" الذي يرأسه موشيه فاغلين النائب الليكودي السابق. وتراجع حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون وزير المالية في الحكومة السابقة من عشرة مقاعد إلى أربعة فقط. وبالتالي ظلَّ نتنياهو متربعاً كـ"مَلِك"ٍ على اليمين الصهيوني؛ الذي لا يملك مرشحاً سواه لرئاسة الوزراء. أما الأحزاب الدينية التي حصلت على 16 مقعداً؛ فهي بالتأكيد ستميل إلى نتنياهو في أي تشكيل حكومي، لتقاربها السياسي العام معه.

    الوقفة الثانية: أن المسار العام للانتخابات في العشرين عاماً الماضية، يؤكد ازدياد يمينية وتطرف المجتمع الصهيوني في الكيان الإسرائيلي؛ وتفتُّت وانزواء ما يُعرف بمعسكر "اليسار"، الذي أخذ هو نفسه يأخذ صبغة يمينية، ويتبنى رؤى وجدليات "يمينية". وجاء السقوط المدوي لحزب العمل في هذه الانتخابات بحصوله على ستة مقاعد فقط، بعد أن كان يقود "المعسكر الصهيوني" بالتحالف مع تسيبي ليفني، الذي يملك 24 مقعداً. مع العلم أن حزب العمل (بأشكاله المختلفة) هو الذي قاد الحياة السياسية الإسرائيلية، منذ إنشاء الكيان الصهيوني 1948 وحتى 1977. وفي الوقت نفسه، يجب أن لا تفوتنا ملاحظة أن تسميات اليمين واليسار والوسط في "إسرائيل" هي تسميات لا تُعبر بالضرورة عن المصطلحات والمدلولات العلمية المتداولة، ولكنها تستخدم لتقريب الصورة. إذ إن "الصهيونية التوفيقية" التي تُعلي الشأن اليهودي الصهيوني هي التي تحكم الجميع.

    الوقفة الثالثة: أن تنياهو استفاد من رصيد "منجزاته" على الصعيد الإسرائيلي؛ فالاقتصاد الإسرائيلي في أحسن أحواله، ويزيد معدل الدخل السنوي للفرد عن أربعين ألف دولار، وبرامج التهويد والاستيطان تجري على قدم وساق، بينما تقوم السلطة الفلسطينية في رام الله بـ "واجباتها" المطلوبة منها إسرائيلياً، وعلى رأسها التنسيق الأمني. وفي الوقت نفسه، تزداد معالم "يهودية" الكيان الصهيوني وعنصريته وتطرفه، ويتم تثبيت ذلك في قوانين ونصوص "فوق دستورية"، وعلى رأسها قانون "يهودية الدولة" الذي أجيز السنة الماضية. كما أن السياسة الأمريكية بقيادة ترامب هي أكثر تماهياُ مع الليكودية اليمينية المتطرفة؛ فقامت بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقلت سفارتها إليه؛ وهي تسير في خطى حثيثة لتطبيق ما يُعرف بـ"صفقة القرن" باتجاه تصفية القضية الفلسطينية.

    غر أنه كان لافتاً للنظر التدخل الأمريكي لدعم نتنياهو من خلال تقديم منجز تاريخي له بين يدي الانتخابات، وهو الاعتراف الأمريكي بضم الكيان الإسرائيلي للجولان السوري المحتل منذ سنة 1967. كما كان لافتاً أن يقوم الروس بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي، الذي ظلت جثته مدفونة في سورية طوال الـ 37 سنة الماضية قبل الانتخابات أيضاً. وهو ما يشير إلى أن قوى كبرى كانت تدعم فوز نتنياهو، وقامت ببعض الخطوات المهمة، عندما أظهرت استطلاعات الرأي تقدّم بني غانتس (حزب أزرق أبيض) عليه.

    وفي الوقت نفسه، تمّ إظهار خطوات تطبيعية مع عدد من الأنظمة العربية. كما زاره قُبيل الانتخابات رؤساء البرازيل وقبرص واليونان وهنغاريا وتشيكيا وتشاد.

    الوقفة الرابعة: أنه مع تكرُّس يهودية الدولة، وازدياد القوانين العنصرية، أصبح فلسطينيو 1948 أكثر يأساً من إمكانية تحصيل أي مكاسب من خلال المشاركة في الانتخابات والمنظومة السياسية الإسرائيلية. وانضم الكثيرون إلى الحركة الإسلامية (الشمال)، وحركة أبناء البلد في مقاطعة الانتخابات؛ وهبطت نسبة المشاركة في التصويت من 63% إلى نحو 50%. كما أن انقسام القائمة العربية، التي نزلت بشكل موحد في الانتخابات الماضية إلى قائمتين، أسهم في إضعاف قوة الدفع في الوسط الفلسطيني، فانخفض عدد المقاعد التي تم تحصيلها من 13 مقعداً إلى عشرة مقاعد.

    الوقفة الخامسة: أن مسار التسوية السلمية، وفق اتفاقيات أوسلو، يلفظ أنفاسه الأخيرة (هذا مع ميلنا مع عدد من المحللين، إلى أنه مات منذ أمد بعيد؛ وما ينتظره فقط هو الإعلان الرسمي للوفاة). فقد نجح الكيان الإسرائيلي في "إدارة" التسوية، وفي استخدامها كغطاء لتوسيع التهويد والاستيطان، وفي توظيف قوى فلسطينية "تؤمن بالتسوية" في قمع قوى المقاومة؛ والقيام بالمهام "القذرة" التي يحتاجها الاحتلال. ومع ظهور نتائج هذه الانتخابات، يلاحِظ "كبير المفاوضين الفلسطينيين" صائب عريقات أن المجتمع الصهيوني صوَّت ضدّ "السلام" وضدّ مسار التسوية السلمية؛ فلم يفز سوى 18 عضواً من أصل 120 عضواً ممن يؤيدون حلَّ الدولتين. وهكذا وجدت قيادة السلطة الفلسطينية نفسها بعد أن غامرت بأوسلو وتنازلت عن معظم فلسطين، أنها كانت كالنعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!

    أما الحل الذي يقدمه نتنياهو ومجتمعه الصهيوني فلن يتجاوز حكماً ذاتياً (تحت مسمى الدولة) فاقداً للسيادة، فاقداً للقدس، فاقداً لحق عودة اللاجئين، فاقداً لأجزاء واسعة من الضفة الغربية... يتم تسويقه بالتنسيق مع إدارة ترامب، التي تضغط لتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والبلاد العربية، وتجاوز الملف الفلسطيني، ومحاولة فرض ما يُعرف بـ"صفقة القرن".

    من ناحية سادسة، فعلى المقاومة الفلسطينية وخصوصاً في قطاع غزة، أن تتوقع بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، مزيداً من الضغوط، ومزيداً من محاولات تطويع القطاع ونزع سلاحه. ومع أن الطرف الإسرائيلي لا يرغب بأن تتحقّق وحدة سياسية بين الضفة والقطاع فإن ما هو أهم بالنسبة له إنهاكُ وإنهاءُ وإسقاطُ تجربة المقاومة في القطاع. ولعله سيتابع ضغطه بتصعيد بعض أشكال الحصار، لتشجيع إيجاد بيئات ساخطة بين الناس في القطاع، تستغلها القوى المعادية لحماس والمقاومة لمحاولة إسقاطها. وقد يصل الأمر بالإسرائيليين إلى تنفيذ اغتيالات للقادة والرموز وتوجيه "ضربات نوعية"؛ لكن الإسرائيليين سيظلون مترددين في الدخول في حرب شاملة نظراً لكلفتها الباهظة، ولاحتمالات فشلها. ولا تملك المقاومة إلا أن تتعامل بمزيد من الحكمة في استيعاب الناس وهمومهم، وبمزيد من الجهود لتوسيع دائرة التحالفات الوطنية لحماية المقاومة، وبمزيد من حسن التدبير والقوة والحزم في مواجهة العدو الصهيوني.
     

    المصدر: موقع "عربي 21"، 13/4/2019

  • التقدير الاستراتيجي (116): العلاقات الصينية الإسرائيلية وآفاقها

    تقدير استراتيجي (116) – تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

    ملخص:

    تنامت العلاقات الصينية الإسرائيلية بشكل كبير في السنوات الماضية؛ حيث سعت "إسرائيل" على الاستفادة من تنويع وتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إحدى الدول الكبرى، ومع أسرع اقتصادات العالم نمواً؛ بينما تسعى الصين للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية. غير أن الطرف الإسرائيلي لا يريد لهذه العلاقات أن تتسبب بأضرار على علاقته الاستراتيجية الحيوية مع الولايات المتحدة، والتي تبرز خطوطها الحمراء كمحدد رئيسي لهذه العلاقة. أما الصين فترغب بعلاقات نشطة ولكن في "الظلّ"، وبما لا ينعكس سلباً على علاقاتها العربية والإسلامية، حيث السوق الهائل لتجارتها الخارجية، كما تحافظ على موقفها التقليدي في دعم قضية فلسطين.

    على المدى القريب، من المرجح استمرار وتيرة العلاقات الاقتصادية والسياسية نفسها؛ أما على المدى المتوسط والبعيد فإن سيناريو التراجع والبرود التدريجي في العلاقة ستزداد حظوظه نتيجة تصاعد التنافس المحتمل بين الصين والولايات المتحدة، وبالتالي سعي الأمريكان لكبح العلاقات الإسرائيلية مع الصين. كما ستزداد حظوظه مع تصاعد احتمالات التغيير في المنطقة العربية باتجاه بيئات أكثر دعماً لقضية فلسطين، ومراعاة الصين لحجم مصالحها الأكبر في المنطقة العربية والإسلامية.

    مقدمة:

    أصدرت مؤسسة راند، وهي من أبرز مراكز التفكير الأمريكية والعالمية، في آذار/ مارس 2019 دراسة مفصلة حول "العلاقات المتطورة بين إسرائيل والصين". وهي دراسة مهمة تلفت الأنظار إلى تنامي هذه العلاقات في جوانبها المختلفة؛ وقد قام مركز الزيتونة بعمل ترجمة مكثفة للنص باللغة العربية.

    ومع ذلك، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما كُتب حتى اليوم عن هذه العلاقة باللغة العربية، يُعد قليلاً مقارنة بأهميتها وخصوصاً مع تصاعد الدور الصيني وتأثيراته المتنامية على المنطقة العربية، وهو ما يستدعي اهتماماً من الباحثين والدارسين في المنطقة العربية.

    وعند دراسة العلاقة بين الصين و"إسرائيل" فلا يمكن إغفال التفاوت في حجم الطرفين، فالصين التي تقع على أقصى الطرف الشرقي من قارة آسيا يبلغ تعداد سكانها حوالي 1.4 مليار، بينما يبلغ عدد السكان في الكيان الإسرائيلي حوالي 8.4 مليون نسمة أي نحو 170 ضعفاً، أما على صعيد المساحة فتبلغ مساحة الصين 434 ضعف المساحة التي تسيطر عليها "إسرائيل". ومع ذلك، فإنّ الطرفين وجدا جملة من المصالح والاهتمامات المشتركة التي دفعتهما إلى إقامة علاقة نشطة. ويمكن القول بإيجاز أنّ هدف الصين الرئيس من هذه العلاقة، كما صرح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل"، هو التكنولوجيا، بينما هدف "إسرائيل" الرئيس هو تنويع أسواق تصدير بضائعها واستثماراتها الخارجية.

    أولاً: تاريخ العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    يعود تاريخ العلاقة بين الطرفين إلى البدايات، حيث كانت "إسرائيل" هي أول من اعترف بجمهورية الصين الشعبية في المنطقة، عند إعلانها سنة 1949 وأيّدت سياسة "الصين الواحدة"، ولكن العلاقة توتّرت خلال فترة الخمسينيات والستينيات ثم عاد التواصل بينهما فعلياً سنة 1979، وكان ذلك متأثراً بعاملين رئيسين يومئذ، هما احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وبدء مسيرة "السلام" المصرية الإسرائيلية. وبدأ الدفء يدبّ في هذه العلاقة تدريجياً، مع لقاءات دبلوماسيين من الطرفين في الأمم المتحدة، ثم في اجتماع بين وزير خارجية الاحتلال شمعون بيريز ونظيره وو جوجيان سنة 1987، وتدفق الوفود السياحية الإسرائيلية على الصين سنة 1988، وهي السنة نفسها التي اعترفت فيها الصين بدولة فلسطين. غير أنه لم يتم الإعلان عن العلاقات الرسمية بين الطرفين إلا سنة 1992.

    يمكن القول إنّ نقل التكنولوجيا العسكرية من "إسرائيل" إلى الصين، كان أساس هذه العلاقات منذ سنة 1979 وحتى سنة 2005، إذ حصلت في تلك الفترة أكثر من 60 صفقة لنقل التكنولوجيا من "إسرائيل" إلى الصين، بقيمة تقدر بمليارَي دولار. ولكنّ العلاقة تلقت ضربتين موجعتين بسبب الضغط الأمريكي على "إسرائيل"، مما أدى إلى تراجعها، حيث أفشل الأمريكان صفقتين بين الطرفين هما صفقة نظام الرادار المتقدم المحمول جواً المعروف باسم فالكون سنة 2000، وصفقة طائرات بدون طيار هاربي التي تمت سنة 2005. وقد أدى هذا الضغط إلى وضع خطوط حمراء أمريكية في علاقة "إسرائيل" بالصين، أنتجت مجموعة من الضوابط، التي تتصل بنظام مراقبة التصدير في "إسرائيل" إلى الصين.

    من جهة أخرى، فإن التعاون الاقتصادي نما بشكل غير مسبوق، وخصوصاً بعد زيارة نتنياهو إلى الصين سنة 2013، إذ أصدر أمراً حكومياً بتوسيع العلاقات في جميع الجوانب غير الحساسة، فقامت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية بفتح مكاتب في الصين، وقدَّمت تنازلات للصين بخصوص بنك الصين، المتهم بغسيل الأموال لصالح إيران وحزب الله وحماس، ما جعل الصين، حسب الاعتقاد الأمريكي، قادرة على الضغط على "إسرائيل"، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه هذه العلاقة.

    ثانياً: المصالح الصينية في "إسرائيل":

    يمكن القول أن الصين ترى "إسرائيل" شريكاً مهماً لأربعة أسباب:

    1. تعد الصين "إسرائيل" جهة تساعدها على تحفيز الابتكار المحلي والبحث والتطوير، ومجالات التعاون في هذا السياق، تتضمن التكنولوجيا، والطاقة، والبيئة، وتكنولوجيا الزراعة، والتمويل وخصوصاً للشركات الناشئةstart-ups.

    2. تنظر الصين إلى "إسرائيل" كمصدر لسد حاجاتها الأمنية والعسكرية.

    3. ترى الصين في "إسرائيل" لاعباً سياسياً مهماً في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه.

    4. ترى الصين في "إسرائيل" مكوناً مهماً في مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة اقتصادية صينية عالمية طموحة، وتريد لـ"إسرائيل" أن تكون صلة الوصل بين خليج العقبة وقناة السويس. مع ملاحظة أن الصين تطرح "مبادرة الحزام والطريق"، وسيلة لتعزيز التقارب بين دول المنطقة ومكوناتها، وأداة لجلب "الاستقرار والرخاء للجميع" وهو تصور مرتبط بمنظور المصالح الاقتصادية الصينية، أكثر من ارتباطه بتحقيق العدالة، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

    ومع ذلك، فإن الصين التي تدرك حساسيات المنطقة تجاه الكيان الإسرائيلي، و"تعقيدات" القضية الفلسطينية، ترغب أن تبقى شريكاً "هادئاً" مع "إسرائيل". وهي لا ترغب أن تثير علاقاتها بـ"إسرائيل" حالة غضب عربية وإسلامية تجاهها، تؤثر رسمياً أو شعبياً على علاقاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية في المنطقة. ولذلك أبقت الصين على خطوط السياسة العامة في الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحرصت الصين على أن تقيم علاقات حسنة مع الجميع، وأن تظهر بمظهر الشريك المحايد مع دول الشرق الأوسط والذي لا يتدخل في الخلافات البينية. وهي تحظى بعلاقات مميزة مع إيران ولا تعد حماس وحزب الله ضمن المنظمات الإرهابية. ولقد كان لعلاقة الصين بإيران تأثيرها السلبي على علاقتها مع "إسرائيل"، وذلك بسبب صفقات السلاح التي عقدتها مع إيران والتي تضمنت التعاون مع طهران في برامجها الصاروخية والنووية، وتزويدها بمئات من صواريخ كروز المضادة للسفن والمضادة للطائرات، حتى صارت المورد الثاني بعد موسكو للسلاح إلى إيران.

    ثالثاً: قياس العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    يمكن القول أنّه بالرغم من ازدياد مستوى النظرة الإيجابية لـ"إسرائيل" بين النخبة الصينية إلا أن عامة الصينيين، كما تكشف استطلاعات الرأي، لا تشاركها هذه النظرة إذ بلغت النظرة السلبية 57% سنة 2017. ولقياس مستوى عمق العلاقة بين الطرفين يمكن فحص عدة مؤشرات أهمها، تطور العلاقات الديبلوماسية بين الطرفين، ومتانة العلاقة العسكرية، والعلاقات الاقتصادية، والسياحة، والتأثير الثقافي.

    على صعيد العلاقات الدبلوماسية، بقي مستوى الزيارات المتبادلة ثابتاً في الفترة 1992-2018، ولكنّها في المقابل زادت قوة مع كل من السعودية وإيران. أمّا في مجلس الأمن فقد سجل تصويت الصين فيه استمرار سلوكها السياسي المعتاد، إذ أنّ الصين في القرارات التسع المتعلقة بقضية فلسطين، والتي تُطرح سنوياً على المجلس قد صوتت في الفترة 1992-2016، باستمرار مع الصياغات المعتادة الداعمة لفلسطين، والتي تدين "إسرائيل".

    أما على صعيد العلاقات العسكرية، فخلافاً لعلاقات الصين بإيران والسعودية، فليس لها علاقات عسكرية قوية مع "إسرائيل"، ويمكن قياس ذلك من خلال الطرق التالية:

    • الزيارات العسكرية رفيعة المستوى؛ ونلاحظ أنّ عدد الزيارات الخاصة ذات الطبيعة العسكرية رفيعة المستوى بين الطرفين هي أقل من الزيارات المدنية رفيعة المستوى، فعدد 4 زيارات من أصل 13، بالمقابل كانت هناك 3 زيارات لكبار القادة الإسرائيليين من أصل 19، وينطبق الوضع نفسه تقريباً على كل من السعودية وإيران.

    • صفقات الأسلحة؛ وفي هذا المجال من المستبعد أن تكون "إسرائيل" استوردت أيّاً من الأسلحة الصينية، فهي تحصل على كل ما تريده من الولايات المتحدة الأمريكية، أمّا بخصوص حصول الصين على أسلحة إسرائيلية فلا يوجد أي معلومات عن حصول أي صفقة سلاح بعد سنة 2001، على الرغم من أنّ المعلومات المتوافرة تفيد أنّ أيّاً من البلدين لا يربطا ذلك بعدم بيع الأسلحة إلى طرف مخالف، مثل بيع الصين السلاح لإيران، أو بيع "إسرائيل" السلاح للهند.

    • التمارين المشتركة ونقل التكنولوجيا؛ ومن الملاحظ أنّ هناك حضوراً عسكرياً متصاعداً للصين في الشرق الأوسط، فقد قامت الصين بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع كل من إيران والسعودية، أمّا "إسرائيل" فلا يبدو أن الصين قامت بأي مناورات معها. أما الاختلاف الأبرز فكان على صعيد نقل التكنولوجيا، فقد قامت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بإقامة مشروع مشترك مع مجموعة لينجيون لتأسيس أول مؤسسة صينية مدنية للصيانة والإصلاح والترميم في إقليم هوباي.

    العلاقات الاقتصادية:

    يمكن القول أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين مزدهرة، خلافاً للعلاقات العسكرية والسياسية، وفي طليعتها منتجات الملكية الفكرية والابتكار.

    يلاحظ أنّ النشاط في مجال التبادل التجاري بين الطرفين، قد نما بشكل كبير إذ بلغت الصادرات الصينية سنة 2017 حوالي 9 مليارات دولار، والصادرات الإسرائيلية حوالي 3.3 دولار، وأصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل" بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وقد أصبحت "إسرائيل" عضواً في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتيةAIIB، وهو البنك الذي يعد واحد من العمادات الأساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية سنة 2013 على الرغم من عدم رضا الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بلغت الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية 40% من الحجم الكلي من رأس المال الاستثماري الخارجي. ولعل من أبرز محطات هذه العلاقة زيارة نتنياهو إلى الصين في آذار/ مارس 2017 والتي قام خلالها بتوقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار.

    ويعتبر محتوى الملكية الفكرية المتمثل ببراءات الاختراع في البضائع الإسرائيلية، الجزء الأكبر من التبادل التجاري بين الطرفين، ويميل ذلك بشدة تجاه "إسرائيل"، فقد بلغ ما سجلّته "إسرائيل" في الصين من براءات اختراع في الفترة 1994-2015 ما مجموعه 283 براءة؛ بينما كان ما سجلته الصين في "إسرائيل" 21 براءة فقط، ممّا يشير إلى أن "إسرائيل" تعد الصين سوقاً مهماً لبيع المنتجات والخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية.

    على صعيد العلاقات التعليمية والثقافية، فإنّ لهذا النوع من العلاقة تأثيرات عميقة وبعيدة المدى، على الأرجح، وتكمن أهميتها في أنّ نشأة الابتكار عادة ما تكون في الجامعات والمؤسسات العلمية، كما أنّ التبادل العلمي والثقافي يتيح المجال واسعاً للتعرف عن قرب على البلد، ويمكن أن يساعد المؤسسات العلمية والثقافية الموجودة في البلد المضيف على نشر قيم البلد المصدر.

    ويمكن قياس هذا النوع من العلاقة من خلال، عدد معاهد كونفوشيوس في "إسرائيل"، حيث يوجد معهدان في كل من جامعة تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس، وهو بالمناسبة العدد نفسه في إيران. وعن طريق عدد طلاب التبادل العلمي في البلدين، تعكس الأرقام التي يصدرها الطرفان أنّ عدد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في "إسرائيل" هو أضعاف عدد الإسرائيليين الذين يدرسون في الصين، وهو يقترب من ألف طالب، بينما يصل عدد الإسرائيليين إلى نحو مئة طالب. وكذلك عدد البرامج الأكاديمية والجامعات المتبادلة، ويمكن ملاحظة أنّ عدد الجامعات الإسرائيلية في الصين أكبر من تلك الصينية الموجودة في "إسرائيل"، فبينما هناك أربع جامعات إسرائيلية تعمل في الصين هي؛ جامعة تل أبيب، ومعهد تخنيون، وجامعة بن جوريون، وجامعة حيفا، فإنّ هناك جامعة صينية واحدة في "إسرائيل"، بينما يعد عدد التبادلات الأكاديمية العليا والزيارات بين الطرفين، مؤشراً مهماً في هذا المجال، ويمكن رصد زيارة لوزيرة التعليم الصيني سنة 2000، وزيارة لوزير التعليم الإسرائيلي إلى الصين سنة 2015 نتج عنها العديد من الاتفاقيات بين الطرفين.

    وتعدّ السياحة باباً مهماً للتبادل الثقافي بين الشعوب، وتشير الأرقام في هذا المجال، إلى أنّ عدد السياح الصينيين إلى "إسرائيل" تضاعف أربع مرات في الفترة 2014-2017، ليرتفع من 32,400 سائح إلى 123,900 سائح سنوياً، وهو ما يُعدّ نمواً كبيراً.

    وأخيراً هنالك أنواع أخرى من العلاقات الثقافية والتي يمكن أن تساعد على التقييم في هذا المجال، مثل:

    التقارب الإعلامي؛ حيث أصدرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، نسخاً باللغة الصينية، وقامت بالمقابل الإذاعة الصينية شانيا بلسChina Plus، بإطلاق قناة باللغة العبرية. وتمت إقامة الفعاليات الثقافية كالمهرجانات، حيث أقام مهرجان شنغهاي "أسبوع إسرائيل الثقافي" سنة 2017 للاحتفال بالذكرى 25 لـتأسيس العلاقة بين الطرفين.

    رابعاً: الآثار المترتبة على تنامي العلاقات الإسرائيلية – الصينية:

    بالرغم من أن العلاقات الإسرائيلية المتنامية مع الصين تقدم فوائد اقتصادية وسياسية وأمنية للطرفين، إلا أنه قد ينشأ عنها عدد من التحديات أبرزها:

    1. يشكّل هذا التعاون مساحة قد تفترق فيها المصالح الإسرائيلية عن مصالح الولايات المتحدة، خصوصاً انشغال الصين بقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وبناء وتشغيل مشاريع البنية التحتية الرئيسة.

    2. بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، فإنه بحكم أن الصين تعتمد على الطاقة من خصوم "إسرائيل" كإيران، فإنّ مواقف الصين السياسية وأهدافها يمكن أن تتعارض مع المصالح الإسرائيلية، وقد يجد الطرفان نفسيهما على طرفي نقيض في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.

    3. هناك تهديد حقيقي للأمن التكنولوجي الإسرائيلي والآفاق المستقبلية لاقتصادها، مثل تعامل الصين مع الحقوق الفكرية، والاستحواذ على الشركات الإسرائيلية الكبرى، وقدرة الصين على اختراق السوق الإسرائيلية.

    4. إن قيام الشركات الصينية ببناء وتشغيل المرافق الإسرائيلية قد يمكّن الصين من التجسس على الأرض، وفي العالم الرقمي.

    وتثير مشاركة الصين في المشاريع الكبرى أسئلة حول قدرة السوق الإسرائيلي على منافسة الشركات الصينية المدعومة حكومياً. وعلى الرغم من أن الهدف هو تحسين المنافسة إلا أن خطر الاستيلاء الصيني يبقى قائماً.

    في المقابل، تدرك "إسرائيل" حساسية الموقف الأمريكي تجاه تنامي علاقاتها مع الصين؛ ولذلك تبقى الخطوط الحمراء الأمريكية محدداً رئيساً لهذه العلاقات، حيث تظل الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي الأول لـ"إسرائيل".

    فالولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الأول للدعم العسكري، وهناك المساعدات الاقتصادية الضخمة التي تتلقاها "إسرائيل" كل سنة والتي تصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً. أما الدعم السياسي الأمريكي الذي تحظى به "إسرائيل" فهو لا يقل أهمية عن السببين السابقين.

    خامساً: السيناريوهات المحتملة:

    السيناريو الأول: تنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية نتيجة استمرار الصعود الاقتصادي الصيني العالمي، وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، واستمرار حالة الضعف والأزمات لدى الأنظمة العربية التي تسعى لعلاج مشاكلها من خلال تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".

    السيناريو الثاني: استقرار العلاقات على مستواها الحالي، بسبب وضع الأمريكان لمزيد من الضوابط والخطوط الحمراء التي تمنع تنامي العلاقات، مع تزايد الرغبات الداخلية لدى قطاعات إسرائيلية فاعلة بضبط مستوى العلاقات بما يمنع "التغوّل" الصيني، وبما لا يغضب الجانب الأمريكي. مع بقاء البيئة العربية في الوقت نفسه عنصراً غير فاعل في التأثير على هذه العلاقات.

    السيناريو الثالث: التراجع والبرود التدريجي لهذه العلاقات، نتيجة تصاعد التنافس والخصومة الأمريكية الصينية، وازدياد الضغوط الأمريكية على "إسرائيل" لتخفيض مستوى العلاقات وإيجاد بدائل أخرى. كما قد يصب في هذا الاتجاه وقوع تغييرات في المنطقة العربية والإسلامية المعادية للكيان الإسرائيلي، بحيث تدفع الصين لإعادة حساباتها وترتيب مصالحها حتى لا تقع بخسائر أكبر بكثير مما تجنيه من علاقاتها بـ"إسرائيل".

    وفي المدى القريب يبدو السيناريو الثاني المتعلق باستقرار العلاقات هو الأرجح، وقد تتزايد حظوظ السيناريو الثالث على المدى الوسيط والبعيد باتجاه التراجع والبرود التدريجي لهذه العلاقات.

    سادساً: التوصيات:

    1. تشجيع الدراسات والتخصصات في الشأن الصيني، باعتبارها قوة عالمية صاعدة، لفهم أفضل لطريقة التعامل معها.

    2. تعزيز التواصل مع الصين سياسياً وثقافياً وإعلامياً بما يؤثر إيجاباً على موقفها من قضية فلسطين، ويُصلِّب موقفها تجاه "إسرائيل".

    3. مطالبة الدول العربية والإسلامية (وخصوصاً تركيا وإيران والباكستان وإندونيسيا) بممارسة كافة أشكال التواصل والضغط مع الصين لإدراك أن مصالحها مرتبطة بشكل أكبر مع الأمة العربية والإسلامية من مصالحها مع "إسرائيل".

  • التقدير الاستراتيجي (120): السلطة الفلسطينية بين الحلّ وتغيير الوظيفة… السياقات والسيناريوهات

    تزايد الحديث في الأشهر الماضية عن مستقبل السلطة الفلسطينية، وإمكانات حلها أو انهيارها في ضوء توجه القيادة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، وتبني الإدارة الأمريكية للرواية الصهيونية وسعيها لإنفاذ صفقة ترامب التي تنهي عملياً مسار التسوية السلمية القائم على اتفاق أوسلو. واتخذ الحديث شكلاً جدياً مع قرار قيادة السلطة الانسحاب من جميع الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

    ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل السلطة أولاها حلُّ السلطة، غير أنه غير مطروح جدياً لدى قيادة السلطة مع وجود مخاوف من عدم قدرة الجانب الفلسطيني على تحمّل تداعياته. والسيناريو الثاني هو تغيير وظيفة السلطة وهو مطروح بقوة لدى العديد من المثقفين والسياسيين، بحيث تقتصر مهمة السلطة على الجانب الإداري، بينما يتم تحويل الجانب السياسي إلى منظمة التحرير. أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الانتظار والاستمرار في المسار نفسه، وهو ما يظهر أن قيادة السلطة تسير فيه، على الأقل بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية.

  • التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط

    تقدير استراتيجي (94) – كانون الأول/ ديسمبر 2016.

    ملخص:

    تسعى روسيا تحت قيادة بوتين إلى استعادة جانب من دورها ونفوذها الدولي، الذي فقدته إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. وتحاول الاستفادة من عدم الرغبة الأمريكية في التدخل المباشر في صراعات المنطقة، غير أنها تعلم أنه من الصعوبة بمكان تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، التي ترى في الشرق الأوسط منطقة لنفوذها. وما زال سقف تدخلها في سورية وغيرها مراعياً لهذه الخطوط، ومتجنباً لأي صراع مباشر مع الأمريكان. وفي هذا الإطار تنسج روسيا علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع إيران، وتركيا، وسورية، والعراق، ومصر، وغيرها. ومن المحتمل أن يتطور الدور الروسي ضمن أفضل ما يستطيع الروس تحقيقه. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    مقدمة:

    انتهت الحرب الباردة التي استمرت عقوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بهزيمة الأخير بل وتفككه، وورثت روسيا الاتحادية تركة الاتحاد السوفياتي بجميع استحقاقاته ومكتسباته. وعلى خلاف الاتفاق الذي كان بين الرئيسين السوفياتي غورباتشوف والأمريكي بوش والذي كان يبدو في ظاهره أنه اتفاق بين ندّين، شعر الروس بأن الغرب يعاملهم بغطرسة شديدة وأن تسوية ما بعد الحرب الباردة ليست عادلة، بل واصل الغرب الضغط على روسيا لإنهاكها داخلياً واقتصادياً وضمّ ساحات النفوذ التاريخية التابعة لها لنفوذه، خصوصاً تدخل الناتو في حرب كوسوفا ثم جمهوريات آسيا الوسطى وجورجيا فيما بعد، مما عُدَّ مساساً بالأمن القومي الروسي، وأوجد شعوراً عاماً عند النخبة الروسية بأن روسيا لا يمكن أن تكون مجرد دولة أوروبية ذات وزن إقليمي؛ فهي إما أن تكون دولة عظمى —بالرغم من قلة إمكاناتها— وفي موقع الشريك مع الغرب، أو أنها ستنهار.

    كان مجيء بوتين للسلطة في روسيا نقطة تحول رئيسية في التوجهات السياسية، وقد عبر عن ذلك في خطابه السنوي في المجلس التشريعي الروسي (الدوما) في سنة 2005، حيث قال بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان ”كارثة جيوسياسية كبيرة“، وبأن الغرب لم يحسن التصرف بعد نهاية الحرب الباردة، وأنه أخطأ عندما ظنّ بأن روسيا ستستمر في الانحدار.

    إن هذا المدخل مهم جداً لشرح معظم الدوافع والتوجهات الروسية في منطقة الشرق الأوسط، واستشراف المدى الذي من الممكن أن يتطور إليه الدور الروسي، والذي لا يمكن حصره في التدخل العسكري في سورية وإن كان هذا التدخل يمثل العنوان الرئيسي.

    أولاً: دوافع روسيا في الشرق الأوسط:

    من حيث الأهمية في التسلسل الهرمي التقليدي للسياسة الروسية الخارجية يأتي ترتيب الشرق الأوسط تالياً لأمريكا وأوروبا والصين ودول آسيا الصاعدة، لكن بما أن موسكو قد حددت توجهاتها بأنها يجب أن تعود كقوة عالمية، عظمى، وأن تنهي النظام العالمي أحادي القطبية، فلا يمكن لها أن تتجاهل هذه المنطقة بما تمثله من موقع جغرافي فريد وثروات طبيعية هائلة. ورأت في حالة الاضطراب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط فرصة لاستعادة مناطق نفوذها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالتالي اكتسبت تلك المنطقة صفة ”منطقة اختبار“، تختبر فيها روسيا قدرتها في العودة للساحة العالمية كشريك أساسي ومؤثر.

    وفق هذا التصور، يصبح الدافع الجيو-سياسي هو الدافع الرئيسي —وليس الوحيد— لاهتمام روسيا في المنطقة العربية، وهو المنطلق الأساسي الذي على أساسه تَنسج شبكة علاقاتها بدءاً من التدخل العسكري في سورية، والتحالف مع إيران، وعقد اتفاقات مع تركيا، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع ”إسرائيل“، وليس انتهاءً بالسعي لإقامة علاقات مع العراق ومصر ودول الخليج، وهو دافع مرتبط بالأمن القومي الروسي.

    وبطبيعة الحال ليس هذا هو الدافع الوحيد، فبالإضافة لذلك يوجد الدافع الاقتصادي وهو حاضر بقوة خصوصاً عند الحديث عن العلاقات الروسية التركية، أو العراقية، أو الإيرانية، فالتبادل التجاري بين روسيا وهذه الدول في مستوى عالٍ، وتسعى روسيا لمزيد من الاستثمار، خصوصاً في مجال الطاقة البديلة، والنفط، والغاز، وصفقات السلاح.

    كما يبرز هدف أساسي ثالث وهو محاربة ما يُسمى التطرف والإرهاب، وما يمثله من تهديد أمني على الداخل الروسي، حيث تشير تقارير متفاوتة بوجود ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ”جهادي“ يحملون الجنسية الروسية وينتمون لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو التنظيمات الجهادية الأخرى. وحسب المفهوم الروسي، لا تقتصر التنظيمات الإرهابية على تنظيم الدولة، بل هو مفهوم واسع يشمل جميع الفصائل الإسلامية المسلحة التي تقاتل النظام السوري.

    ولتنظيم الدولة حضور إعلامي قوي في مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالروسية، وهناك قناعة روسية بأن انتشار التطرف الإسلامي يعزز النزعات الانفصالية في داخل روسيا، ويشكل ثغرة يمكن أن يستغلها الغرب لتهديد الأمن القومي الروسي، حيث تزيد نسبة المسلمين في روسيا عن 17% من السكان.

    ثانياً: كيف تتحرك روسيا؟

    تاريخياً كانت روسيا تنظر لنفسها من موقع ”الدولة ذات الرسالة“ فهي القيصرية الروسية حامية الكنيسة الأرثوذكسية، أو هي الاتحاد السوفياتي صاحب الرسالة العالمية الشيوعية؛ بينما تطرح نفسها حالياً من موقع براجماتي تسعى لتحقيق مصالح مشتركة مع دول المنطقة، وتعمل على الحفاظ على استقرارها، وتحرص على تكوين شبكة علاقات متوازنة مع الجميع.

    ومن خلال خبرتها مع الثورات التي حدثت في المجال الحيوي لروسيا؛ في أكرانيا وجورجيا…، في العقد الماضي، ترى موسكو أن ثورات الربيع العربي لم تكن عفوية وإن كانت في البداية عفوية، لكن استطاع الغرب أن يتحكم بها ويوظفها لخدمة مصالحه، وأن الموقف الأمريكي كان مهادناً لها لدرجة أنه تخلى عن أقرب حلفائه وهو الرئيس المصري المخلوع مبارك. وكانت الضربة الكبرى هي تدخل الناتو في ليبيا. وفي خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2015، انتقد الرئيس الروسي السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وحمَّلها نتيجة الفوضى الحادثة فيها، وأن تلك الحالة ناتجة عن تجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن في إجراءاتها، وفي تدخلها في الصراعات بشكل مباشر، مما نتج عنه ظهور تنظيم الدولة وأزمة اللاجئين في أوروبا. ووجه سؤاله للأمريكان قائلاً: ”هل تدركون ما فعلتم الآن؟“

    ثالثاً: الفرص الروسية في المنطقة:

    1. التدخل في سورية:

    بطبيعة الحال، يُعدُّ النفوذ الروسي في سورية هو العنوان الرئيسي لنفوذها في المنطقة ومنذ البداية حرصت روسيا على أن يكون تدخلها شرعياً بالاتفاق مع النظام الحاكم في سورية والمعترف به دولياً. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة تتخذ موسكو موقفاً استباقياً وتتدخل بهذا الشكل المباشر في الأزمات الدولية، واستطاعت روسيا بتدخلها العسكري أن توقف تدهور قوات النظام السوري وأعادت له زمام المبادرة، وقامت بمناورات عسكرية حقيقية، وأعادت تقييم جاهزية قواتها المسلحة، واحتفظت بقاعدتها البحرية العريقة في طرطوس، وأنشأت قاعدة جوية في حميميم في اللاذقية، ونشرت منظومة الدفاع الجوي أس 400 المتطورة، وحمت نفسها في الوقت ذاته من تورط قواتها البرية في المستنقع السوري. وبالتالي نستطيع أن نقول بأن روسيا حققت الجزء الأكبر من أهدافها في سورية، وفرضت نفسها كلاعب دولي أساسي لا يمكن تجاوزه.

    وتتلخص الرؤية الروسية للأزمة السورية في:

    • ليس من حقّ أي دولة أن تتدخل لقلب النظام الحاكم في أي دولة أخرى، ولا تغيير حدودها الجغرافية، لذلك فروسيا مع وحدة الأراضي السورية، وأن مصير الشعب السوري يحدده الشعب دون إملاءات خارجية.

    • الأولوية لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة وفق التصنيف الروسي الذي لا يقصرها في تنظيم الدولة والنصرة.

    • حلّ الأزمة السورية هو حلّ سياسي ولا يمكن حسم المعركة عسكرياً، لذلك كان هدف الحملة العسكرية الروسية هو فرض واقع جديد ثم الدعوة للحوار السياسي.

    • وغاية ما تطمح له الديبلوماسية الروسية هو الجلوس من موقع الشريك مع الولايات المتحدة للتوصل إلى حلّ سلمي، الأمر الذي تقابله الإدارة الأمريكية بعدم اعتبار روسيا لاعباً دولياً بل هي لاعب فوق إقليمي، حسب تصريح الرئيس أوباما.

    2. التحالف مع إيران:

    لروسيا علاقات وثيقة جداً مع إيران على مختلف المستويات بالرغم من وجود ثغرات في الثقة المتبادلة بينهما، فالتدخل الروسي في سورية ما كان ليتم لولا الغطاء البري من إيران والقوات المتحالفة معها. وبالرغم من تشابك المصالح بين الدولتين، إلا أن هناك جواً من الحذر في التعامل فيما بينهما، فإيران من مصلحتها المزيد من الانخراط الروسي في المعارك في سورية، بينما تحرص روسيا على الاكتفاء بالضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة. لكن مستوى مقبولاً من التناغم قائم بينهما فيما يتعلق بالأزمة السورية وفيما يتعلق بمواجهة السياسة الأمريكية. وأظهرت روسيا قدراً كبيراً من القدرة على التفاهم مع إيران على الرغم من تصويتها في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي، لأنها تتعامل مع هذه المسألة وفق محددين، أولهما: تأييد حقّ إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، وثانيهما: رفض امتلاك إيران أسلحة نووية.

    3. اتفاقيات مع تركيا:

    استطاعت الدولتان تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية والمضي في التعاون الاقتصادي بالرغم من الخلافات السياسية الجوهرية بين البلدين فيما يتعلق بسورية، لكن تعامل الطرفين ببراجماتية عالية أدى إلى تطور على الأرض أيضاً، فعلى مدى سنوات كانت أنقرة تُسوِّق لمشروعها القاضي بإيجاد منطقة آمنة على حدودها السورية، الأمر الذي كانت ترفضه واشنطن. لكن بعد التفاهم مع الروس تمكن الأتراك من التوغل في الأراضي السورية، وفرض أمر واقع جديد في مواجهة القوات الكردية. غير أن العنوان الأبرز للعلاقات الروسية التركية هو الاقتصاد، خصوصاً في مجالات الطاقة، والغاز، والزراعة، والبناء.

    4. العلاقة مع العراق:

    نتيجة لعلاقاتها الجيدة مع إيران، تحظى روسيا بعلاقات جيدة مع العراق وتسعى للحصول على صفقات في مجال التسليح والطاقة، كما أنها في الوقت نفسه على علاقات تاريخية مع الأحزاب الكردية.

    5. السعودية وغياب الثقة:

    لم تكن العلاقات بين السعودية وروسيا مميزَّة في يوم من الأيام. ويوجد تضارب في وجهات النظر فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات المنطقة بما في ذلك العلاقة مع إيران، ومستقبل سورية ونظام الحكم فيها. كما تنظر روسيا إلى ما تُسمِّيه ”الفكر الوهابي“ الذي تتبناه السعودية نظرة ريبة، وبأن انتشاره بين مسلمي روسيا يهدد الأمن القومي الروسي. لكن شهدت الآونة الأخيرة اتصالات مكثفة بين الجانبين، وتريد روسيا من السعودية التفاهم حول أسعار النفط، ومن مصلحة السعودية انتهاج سياسة التنويع في العلاقات الخارجية، لذلك من المتوقع استمرار الاتصالات بين الجانبين.

    6. تحسن العلاقات مع مصر:

    تاريخياً، كانت مصر تمثل عماد المصلحة الجيو-سياسية السوفياتية في المنطقة، قبل أن تتحول باتجاه الولايات المتحدة. تحسنت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير بعد وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، والرئيس بوتين ينظر إليه باعتباره الشخص القادر على استعادة الاستقرار في أكبر بلد عربي. ومن خلال التمويل السعودي حصلت مصر على صفقة أسلحة روسية كبيرة، الأمر الذي نُظر إليه على أنه شراء موقف، لأن الجيش المصري يعتمد بشكل أساسي على الأمريكان في التسليح والتدريب.

    7. روسيا و”إسرائيل“:

    يشكل الناطقون بالروسية في دولة الاحتلال خمس السكان، كما أنه يوجد حضور معتبر لليهود في روسيا، والعلاقات بين البلدين جيدة، على الرغم من أن روسيا ليست على اتفاق مطلق مع ”إسرائيل“ وتتبنى حلّ الدولتين، وتختلف مع وجهات النظر الإسرائيلية في الموقف من إيران وحزب الله وحماس، وهي بالتالي تنتهج نهجاً مرناً يخالف النهج الأمريكي، الذي يُعدّ حليفاً تقليدياً لدولة الاحتلال.

    رابعاً: عقبات تحد من القدرة الروسية:

    1. المُحدِّد الأمريكي: تُعد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام منطقة نفوذ أمريكي ضمن التقسيمات التقليدية في فترة الحرب الباردة (ثنائية القطبية الأمريكية الروسية). وبالرغم من محاولات الروس الدائمة لإيجاد موطئ قدم ودوائر نفوذ وتحالفات، إلا أن الأمريكان ظلوا اللاعب الأكبر في المنطقة. وبغض النظر عن الأسلوب الذي أدار به أوباما السياسة الأمريكية في المنطقة، وما بدا وكأنه تراجعٌ في الدور الأمريكي، إلا أنه لم يحصل تغير على جوهر السياسة الأمريكية، بالرغم من سعي الأمريكان لتخفيض التكاليف والنأي عن التدخل المباشر. ولا يظهر أن التحرّك الروسي مسَّ حتى اللحظة المصالح الحيوية الأمريكية وخطوطها الحمراء، بغض النظر عن انزعاج عدد من الأنظمة الصديقة لأمريكا من طريقتها في إدارة النزاعات.

    ويبدو أن التدخل الروسي في سورية لم يتعارض مع السياسة الأمريكية في استمرار استنزاف الحكومة والمعارضة السورية، وتغذية الصراع بما يمزّق النسيج الاجتماعي السوري طائفياً وعرقياً، ويدمر الاقتصاد؛ وبما يؤدي لإضعاف الدولة المركزية في سورية لصالح الانقسامات الداخلية التي قد تنشأ في أي ترتيبات مستقبلية؛ وهي ترتيبات ما تزال لأمريكا يدٌ دولية طُولى فيها مقارنة بالروس. كما أن النظم الحاكمة في المنطقة ما تزال أكثر ميلاً في علاقاتها مع الأمريكان مقابل الروس لأسباب مختلفة. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    2. ضعف الإمكانيات المادية الروسية، بسبب الأزمة المالية الكبيرة التي تتعرض لها موسكو، بسبب تراجع أسعار النفط، والعقوبات الاقتصادية الأوروبية.

    3. احتمال تمدّد الحرب في سورية واتساعها، وفي هذه الحالة ستتعرض روسيا لاستنزاف شديد تحاول تجنبه، لأن الثمن الذي سيدفع حينها سيكون باهظاً جداً إذا قورن بالمكتسبات، وسيعيد ذكريات حرب أفغانستان إلى الرأي العام الروسي. وحتى الآن فالعملية العسكرية الروسية في سورية ما تزال محدودة التكاليف، وهي تقارب تكلفة أي مناورة كبيرة.

    4. التعاون الوثيق مع إيران، كما أنه يمثل فرصة لروسيا، إلا أنه أيضاً يمثل عقبة تُقِّيد يدها في المنطقة. فعلى سبيل المثال تحتاج روسيا إلى إيران في مدَّ علاقات اقتصادية قوية مع العراق.

    5. تشابك مصالحها مع نقيضين في المنطقة، وهما ”إسرائيل“ وإيران، مما سيؤثر على مصالحها في حالة حدوث صراع بين الطرفين، لذلك تتعامل روسيا مع المسألة بحذر شديد.

    6. العامل الداخلي الروسي، وهو العامل الأهم لكنه عامل بعيد المدى، مرتبط بفشل روسيا في التحول لدولة مؤسسات، وبالتالي هناك خشية من مرحلة ما بعد بوتين.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل:

    من خلال استعراض الحراك الروسي في المنطقة، يظهر أن موسكو تحاول إيجاد صورة اللاعب الواقعي وغير العقائدي، الذي يمتلك الخبرة والقوة بما فيه الكفاية، ويمثل الشريك الذي يمكن الوثوق به، والقادر على التأثير في الوضع من خلال ثنائية الديبلوماسية والقوة. روسيا تطرح نفسها كقوة عالمية كبرى مستعدة لتقديم شراكة لجميع الذين يشتركون معها في الرؤية لعالم متعدد الأقطاب. وفي هذا الإطار يبرز أمامنا سيناريوهان:

    السيناريو الأول: سيناريو استمرار تمدد الدور الروسي:

    وهو سيناريو يدعمه ما شهدناه من القدرة على نسج شبكة علاقات متنوعة ومتشابكة تتفاوت من التحالف الاستراتيجي إلى العلاقات الاقتصادية، مستفيدة في ذلك من التحولات الدولية والإقليمية، والمهارة في التعامل مع الأحداث مثل المبادرة بالتدخل الاستباقي في سورية ومنع سقوط النظام، واحتواء حادثة إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء، واستخدام سياسة التصعيد المدروس في احتواء الأزمة مع تركيا إثر إسقاط الطائرة.

    السيناريو الثاني: سيناريو انحسار الدور الروسي:

    وهو مرتبط بسير المعارك في سورية، وقدرة ورغبة الدول الداعمة لقوات المعارضة السورية على إحداث تغير استراتيجي في الميدان، وهو أمر لم تتضح بوادره حتى هذه اللحظة، كما أنه مرتبط بتفكك التحالف الإيراني – الروسي، ولا يوجد أي مؤشر على خلافات جوهرية بين الطرفين.

    سادساً: توصيات:

    من خلال الاستعراض السابق، يظهر لنا أن هناك دوراً متنامياً للروس في تفاعلات المنطقة، وتبدو القوى الشعبية الإسلامية منها والوطنية في موقف المناهض للدور الروسي، الأمر الذي يستدعي:

    1. مزيداً من الفهم للعقلية الروسية وللمصالح الروسية في المنطقة، وأنها مصالح جوهرية تمس الأمن القومي الروسي وتتجاوز أمر التطلعات الشعبية فيها.

    2. فلسطينياً تتميز السياسة الروسية بأنها تحتفظ بعلاقة جيدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لا تتبنى جميع مواقفها، ولا تصنف الحركات المقاومة تصنيفاً إرهابياً، الأمر الذي يوفر هامشاً للمناورة.

    3. تنشيط الديبلوماسية الشعبية، من خلال الانفتاح أكثر على الرأي العام الروسي لا سيّما وأن 17% من المواطنين الروس هم مسلمون، ولهم دورهم ومكانتهم في الحياة الروسية، وكان لموقف مفتي روسيا دور إيجابي في تحسين العلاقات الروسية التركية إثر إسقاط الطائرة الروسية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ علي البغدادي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط Word (12 صفحة، 95 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط  (12 صفحة، 546 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/12/2016

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر آذار/مارس 2019

    التقرير الإستراتيجي لشهر آذار/مارس2019

    المقدمة

    شهد شهر آذار على من العام الحالي، مجموعةً من التطورات الإستراتيجية على مستوى القضية الفلسطينية، داخلياً وخارجياً، تباينت في تنوع موضوعاتها، وتعدد تشعباتها، ولكنّها بالمجمل كان لها أثراً على القضية الفلسطينية بشكلٍ أو آخر.

  • التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لشهر أبريل/نيسان 2019

    حمل شهر أبريل/نيسان 2019، مجموعةً من التطورات على الصعيد الداخلي الفلسطيني، حيث تنوعت تلك التطورات من حيث أهميتها وسخونتها، بين ما تعلق منها بالوضع الداخلي الفلسطيني، وتشكيل الحكومة وملف المصالحة، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والشعب.

  • التقرير الإستراتيجي لشهر تموز/يوليو 2019

    حمل شهر تموز من العام الحالي تطوراتٍ كبرى كان أبرزها متعلقاً بالقدس والمسجد الأقصى، حيث استهدف الاحتلال الإسرائيلي المقدسات والمباني الفلسطينية بالهدم والإغلاق والمصادرة، وكان الفلسطيني كإنسانٍ مستهدفاً أيضاً بالإبعاد والتهجير، وشنت إسرائيل حملة غير على الأقصى من حيث شدة الاقتحامات التي تعرَّض لها، في مؤشرٍ على تزايد الخطر حول المسجد الأقصى ومحيطه، وفي دلالاتٍ لسعي إسرائيل الدائم تغيير الحالة التاريخية للمسجد الأقصى، وربما العمل بأسرع وقت على هدم المسجد الأقصى أو تقسيمه في ظل وجودٍ دلائل واضحة على سعي الجماعات الدينية المتسارع جداً لإقامة الهيكل مكان قبة الصخرة داخل الأقصى. ونظراً لشدة الأحداث والمجريات وتسارعها حول القدس والمقدسات، فقد تقرر تخصيص هذا التقرير الإستراتيجي لما يتعلق بالقدس والمقدسات، وما يُحيط بها من إجراءات احتلالية، ما يتعلق بها من الناحية الفلسطينية، ويتناول أبرز الأحداث التي جرت خلال الشهر الفائت، وتعلَّق أبرزها بالقدس والأقصى، ويأتي هذا التقرير تحت عنوان:

    "الأقصــــــى في خــــــــطر"

    1). افتتاح نفق تهويدي أسفل الأقصى بمشاركة أمريكية

    في إطار سعيها المستمر لتهويد القدس، افتتحت سلطات الاحتلال الإسرائيلية نفقاً تهويدياً أسفل الأقصى، بمشاركة سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل "دافيد فريدمان"، ومبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط "جيسون غرينبلات"، و"شيلدون أديلسون" أحد أبرز رجال الأعمال الإسرائيليين الممولين للبرامج الاستيطانية.

    ويأتي النفق في إطار الادعاءات الدينية المتكررة حول حق اليهود في الأقصى، حيث تزعم جمعية إلعاد الإسرائيلية أنَّ النفق هو جزء من مسار الحجاج إلى الهيكل الثاني من القرن الأول الميلادي، والذي مرَّ فيه حجاج المعبد حسب ادعائهم.

    وحسب ما أكده مركز معلومات وادي حلوة فإنَّ سلطات الاحتلال تواصل الحفر في شبكة أنفاق متشعبة أسفل وادي حلوة، تبدأ من منطقة العين مروراً بشارع حي وادي حلوة الرئيسي وصولاً إلى ساحة البراق والسور الغربي للمسجد الأقصى. وأضاف المركز أن "حفر وشق الأنفاق متواصل أسفل حي وادي حلوة منذ 13 عاماً وأدى لحدوث انهيارات أرضية واسعة وتشققات وتصدعات في عدة مناطق بالحي وخاصة الشارع ا الرئيسي ومسجد وروضة الحي إضافة إلى تضرر أكثر من 80 بصورة متفاوتة بصورة متفاوتة، ولفت المركز إلى أنَّ الانهيارت الخطيرة التي وقعت شهر آذار الماضي وبشكل خاص في أرضية ملعب حي وادي حلوة وسوره، وفي أرض تابعة "لكنيسة للروم الأرثوزكس، تقع فوق مسار النفق المفتتح.

    ومن الجدير ذكره أنّه تم نشر مقطع فيديو لافتتاح النفق، وقد ظهر فيه السفير الأمريكي وهو يحمل معولاً ويهدم بيديه، في إشارة واضحة إلى الدعم الأمريكي لإسرائيل في استيطانها، وتربع نخبة من أدعياء المسيحية الصهيونية الداعمة لإسرائيل على سُدة الحكم في الولايات الأمريكية.[2]

    3). تضاعف الاقتحامات للأقصى

    أفادت معطيات فلسطينية، بأن 2800 إسرائيلي، منهم شرطة بزيهم العسكري ومستوطنون وطالب يهود، اقتحموا باحات المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة، خلال شهر حزيران الماضي وقال مركز "القدس" لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، إن أعداد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى تضاعف بأعداد كبيرة وغير مسبوقة. وأشارت الإحصائية إلى أن عدد المستوطنين المقتحمين الأقصى بلغ 550,2 ،بالإضافة لـ250من طالب الهيكل المزعوم.ونوهت إلى أنه كان من بين المقتحمين المتطرف وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق "يهودا غليك" احتفالاً بما يُسمى يوم "توحيد القدس.[4]

    4). الاستيلاء على عقارات تُحيط بالأقصى

    زحفت البؤر الاستيطانية إلى قلب القدس المحتلة، عبر عمليات الاستيلاء على المباني وممتلكات الفلسطينيين، حتى أضحى الاحتلال يطوق الأقصى والبلدة القديمة من الجهات الأربع.واستولى مستوطنون إسرائيليون، على عقار ضخم مكون من أربع شقق سكنية يقع في حي الصوانة إلى الشرق من البلدة القديمة من القديمة من القدس يعود لعائلة المحضر المقدسية، تم تسريبه بواسطة أحد أفرادها، وفور الاستيلاء على هذا العقار، شرع المستوطنون بإخراج محتوياته، فيما أغلقت قوات الاحتلال المنطقة ومنعت المواطنين من الاقتراب من موقع العقار، والذي استولى عليه المستوطنون بحراسةٍ أمنية خاصة.وبالسيطرة على هذا العقار، تكون جمعيات الاستيطان اليهودية، قد عززت من سيطرتها على شريط من المواقع شمال البلدة القديمة من القدس، وفي غربها وجنوبها، تنفيذاً لمخطط قديم يقضي ببناء سبعة عشر حياً إستيطانياً حول البلدة القديمة كان طرح مطلع التسعينيات.

    كذلك شيَّد المستوطنون حياً استيطانياً تحت اسم "معاليه هزيتيم"، مُقام على جبل الزيتون في رأس حي العامود، قبالة المسجد الأقصى من الجهة الشرقية، كما نجحت الجمعيات الاستيطانية في بناء حي استيطاني على حساب البيوت المقدسية في حي وادي الجوز وحي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة بالقدس تحت اسم "نحالات شمعون" بالإضافة إلى محاولة الاستيلاء على عقارات وبيوت في حي المصرارة، قبالة باب العمود أحد الأبواب الرئيسية للبلدة القديمة بالقدس من جهة الشمال، ويُضاف إلى ذلك الحي الاستيطاني والمركز التجاري في الجهة الغربية من البلدة القديمة في القدس بالقرب من باب الخليل، تحت اسم حي ماميلا، بمعنى أنَّ الاحتلال بات يُطوق الأقصى والبلدة القديمة بالقدس من الأربع جهات.[6]

    7). الاحتلال يسعى بقوة إلى إبعاد وتهجير السُّكان المقدسيين

    ندد مركز الإنسان للديمقراطية وحقوق الإنسان بممارسات الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة في القدس المحتلة، والتي أكدَّ أنَّ إسرائيل تسعى من ورائها إلى تهجير وإبعاد السكان المقدسيين وفرض واقع جديد لنزع المدينة من هويتها العربية والإسلامية والمسيحية، وأكد المركز أن قوات الاحتلال لا تزال تُمارس سياسة العقاب الجماعي والاعتقال للعشرات من الشبان والفتيات من قرية العيسوية وتفرض عليهم حصاراً للأسبوع الرابع على التوالي إضافةً إلى ممارسة الضغط على سُكان صور باهر لهدم مبانيهم البالغ عددها 16 بناية بواقع 100 شقة سكنية تحت ذرائع أمنيةٍ واهية.

    وأشار المركز إلى أنَّ ممارسات الاحتلال العنصرية باتباع سياسة إبعاد المقدسيين عن القدس ما زالت مستمرة، بالمقابل تسمح قوات الاحتلال للعشرات من المستوطنين باقتحام ساحات الأقصى يومياً، وأكدّ المركز أنَّ ما تقوم به قوات الاحتلال مخالف للقانون الدولي، ويعتبر إبعاداً قسرياً من خلال نقل الشخص رغماً عنه إلى أماكن أُخرى، وأنَّ ذلك يُمثل انتهاكاً خطيراً وخرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.[8]

    9). مخطط إسرائيلي لطرد 6600 فلسطيني من حي صور باهر

    طالبت منظمة الأمم المتحدة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوقف عمليات هدم المنشآت السكنية في القدس المحتلة وتشريد سكانها، ضمن مخطط تهويدي يستهدف طرد زهاء 600,6 فلسطيني، بينما تتواصل الفعاليات الشعبية المناهضة لقرار الاحتلال. ويشمل التهديد الإسرائيلي حي صور باهر، الذي يضم 24 ألف فلسطيني، طرد ربعهم في تبرير للاحتلال بأن أراضيهم ومساكنهم تدخل ضمن حدود ما يسمى ”منطقة البلدية“ في القدس، التي ضمها بقرار أحادي، وبسبب قربها من جدار الفصل العنصري. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ”أوتشا“ إن ”عمليات الهدم والإخلاء القسري تشكل جانبا من الضغوط المتعددة التي تولد خطر الترحيل القسري الذي يطال عددا كبيراً من الفلسطينيين في الضفة الغربية.[10]

    11). الولايات المتحدة الأمريكية تمنع صدور بيان من مجلس الأمن يدين عمليات الهدم في القدس المحتلة

    منعت الولايات المتحدة محاولة من الكويت وإندونيسيا وجنوب أفريقيا استصدار بيان من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يندد بهدم إسرائيل منازل فلسطينيين في "واد الحمص" ببلدة صور باهر بالقدس المحتلة.وتعبر مسودة البيان التي طرحت على الدول الأعضاء في مجلس الأمن وعددها 15 ،عن القلق البالغ، وتحذر من أن عملية الهدم "تقوض بقاء حل الدولتين وآفاق التوصل إلى سلام عادل ودائم.ونقلت "رويترز" عن دبلوماسيين قولهم، إن الولايات المتحدة أبلغت شركاءها في المجلس بأنها لا يمكنها تأييد نص البيان، وأنه تم طرح مسودة بيان معدل من ثلاث فقرات لكن الولايات المتحدة قالت مجددا إنها لا توافق على النص.

    وكانت القدس العربي، لندن، 24/7/2019 ،نقلت من نيويورك، أنه في لقاء لخمسة سفراء عرب مع الصحافة المعتمدة أمام قاعة مجلس الأمن، قال السفير الكويتي لدى الأمم المتحدة، منصور العتيبي، ردا على سؤال لـ"القدس العربي" حول إمكانية اعتماد البيان الصحافي الذي وزعته الكويت على الدول الاعضاء بالمجلس لمناقشته والمتعلق بهدم البيوت في بلدة صور باهر يوم الإثنين 22 يوليو/تموز ”إن فرصة اعتماده ضئيلة بسبب اعتراض أحد الأعضاء. لكننا نقوم باتصالات مع جميع الأعضاء وعندنا استعداد لإدخال تعديلات في جسم البيان كي يصدر بالإجماع. وقال العتيبي إن بلاده، بصفتها العضو العربي الوحيد بالمجلس، قد وزعت بيانا صحافيا على أعضاء مجلس الأمن لاعتماده يتكون من مجموعة نقاط. أولها إدانة هدم البيوت في وادي الحمص ببلدة صور باهر. كما يطالب البيان سلطات الاحتلال بوقف هدم البيوت ووقف الأنشطة الاستيطانية التزاما بقرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016 وفك الحصار عن غزة.

    وقال السفير الفلسطيني إن الموقف داخل مجلس تميز بنوع من الإجماع لرفض بيان المندوب الأمريكي جاستن غرينبلا الذي أساء لكل الحاضرين بازدرائه القانون الدولي وتحقيره قرارات مجلس، وأثنى منصور على الردود الأوروبية وخاصة رد السفير الألماني، كريستوف هوسيغن، الذي أكد أن ”القانون الدولي ليس طبقا من المقبلات نأخذ منه ما نريد ونترك ما تريد.وكان وفد مكون من خمسة سفراء أوروبيين وقفوا متحدين خارج قاعة مجلس الأمن، وقرأت باسمهم السفيرة البريطانية، كارن بيرس، بيانا يدين هم المنازل الفلسطينية ويعلن تمسك الاتحاد الأوروبي بالقانون الدولي. ”إن هدم البيوت انتهاك للقانون الدولي الإنساني وانتهاك لقرارات مجلس الأمن ويؤثر سلبيا على عملية السالم. كما أن هذه الأعمال تعتبر انتهاكا للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين وخاصة اتفاقية أوسلو وبالتالي يقوض فرصة حل الدولتين.[12]

    13).تنامٍ واضح للاستيطان في الضفة

    صادقت محكمة الاحتلال خلال الشهر الفائت على شرعنة وتأهيل ما يقرب من 2000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة بُنيت بدون تراخيص وتخضع لنزاع قانوني، ونقلاً عن صحيفة هآرتس تسعى النيابة العامة للاحتلال إلى تطبيق منظومة وآلية جديدة تُتيح الاستيلاء على العديد من الوحدات السكنية غير القانونية في شمال الضفة، ومن خلال قراراها فقد قبلت المحكمة دعوى بناءً على آلية تنظيم السوق والتي بموجبها يُمكن ترتيب البناء غير القانوني على الأراضي الفلسطينية بأثر رجعي، إذا تم تخصيصه للبناء والاستيطان بعد اعتباره أرضاً للدولة بشكل خاطئ، ووفقاً للصحيفة تم البدء قبل عدة أشهر باستخدام هذه الآلية الجديدة لتسوية المستوطنات، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد هذه الآلية من قبل المحكمة فيما يتعلق بالمبان المحددة بأنّها غير قانونية، وسيتم استخدام هذه الوسيلة لشرعنة الاستيطان العشوائي.[14]

    15). السلطة تقرر وضع آليات لإلغاء كافة الاتفاقيات مع إسرائيل

    أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، أن السلطة الفلسطينية قررت وضع آليات لإلغاء كافة الاتفاقيات مع إسرائيل، وأن الرئيس محمود عباس قرر جبر الضرر الكامل عن كل العائلات المتضررة من هدم منازلها في واد الحمص بصور باهر جنوب القدس المحتلة.وأكد، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع طارئ عقد في ارم هللا بعد قيام قوات الاحتلال بهدم منازل المواطنين في واد الحمص، أنه تم إقرار طلب عقد جلسة لمجلس الأمن ووقف التعامل الكامل مع محاكم الاحتلال،وأضاف عريقات في المؤتمر الصحفي: "قرر الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وضع آليات لإلغاء كافة الاتفاقيات بيننا وبين الجانب الإسرائيلي، ويقول الرئيس محمود عباس نحن أمام خطوات غير مسبوقة وخاصة أن سلطة الاحتلال تنكرت لكل الاتفاقيات الموقعة.

    وأضاف: "مبعوث عملية السالم الأمريكي يقول أنّ إسرائيل ضحية وليست احتلال والقدس عاصمة إسرائيل بقانون أميركي، فإذا كانت عاصمة لإسرائيل إذن ما يجري اليوم من تطهير عرقي جزء من قرار القومية العنصري حيث تقرير المصير لليهود فقط..".وتابع عريقات: "الرئيس محمود عباس قرر جبر الضرر الكامل عن كل العائلات التي تضررت اليوم وأصدر رئيس الوزراء قرارا من الحكومة وبتعليمات من الرئيس محمود عباس أن الحكومة التاريخ ستضع كل ما يلزم من آليات لتنفيذ جبر الضرر بما يشمل الإسكان الفوري للعائلات المشردة والتعويض وجبر الضرر بكل ما للكلمة من معنى. وقال عريقات: "اليوم ايضا قامت وزارة الخارجية بتقديم ملحق جديد للمحكمة الجنائية الدولية حول هذه الجريمة التي ارتكبت بحق أبنائنا في صور باهر في القدس المحتلة.

    وأضاف أنَّ الخطوة القادمة للإدارة الأمريكية إذا ما تابعنا منطقهم هي توطين اللاجئين وإسقاط أي تفكير في حق العودة، وهذا يتطلب إسقاط وكالة الغوث، ولذلك نحن نحث الدول المضيفة على التفكير الجدي بأي خطوة تجاه اللاجئ الفلسطيني، هذا ليس عاملا ولا وافداً بل هو موجود قسراً وله وطن اسمه فلسطين ولن يكون هناك أي توطين لأولئك الذين يصدرون الخوف او يحاولون تطبيق صفقة القرن في التوطين، وقال: "ايضا تعلن اللجنة التنفيذية برئاسة الرئيس محمود عباس عن وقف التعامل مع جهاز محاكم الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها أداة رئيسة في تنفيذ سياسات الاحتلال وترسيخه وكلفت أمانة سر اللجنة التنفيذية بالمتابعة القانونية في المحاكم الفلسطينية للمتضررين من سياسات وممارسات العنصرية غير القانونية ووضعها أمام القضاء الفلسطيني، ونحن سنتابع هذا الملف".


  • التقرير الإستراتيجي لشهر كانون الثاني/يناير 2020

    حمل الشهر الأول من العام الحالي، مجموعةً من التطورات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وبالقضية الفلسطينية برمتها، حيث طغى الإعلان عن صفقة القرن على الأحداث الأخرى، ومن هنا سيكون هذا التقرير برمته، متعرضاً لهذه الصفقة بكل أبعادها، وشارحاً لتداعياتها، نظراً لخطورتها، واستحواذها على صدارة الأحداث في هذا الشهر.

    الإعلان عن الصفقة

    في تاريخ السابع والعشرين من الشهر الأول من العام 2020م، أعلن الرئيس الأمريكي، ورئيس دولة الاحتلال عما أسموه "رؤية من أجل السلام"، أو ما عُرف بصفقة القرن، وهو مسمىً ليس جديداًبل تردد سنة 2006م، عندما تمّ الحديث عن عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أولمرت، أو ما عُرف بـتفاهمات أولمرت/عباس”؛ وما تسرب حينها من أنها اتفاقات تنتظر الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها، وهي الانتخابات التي لم تأت بما يشتهي أولمرت. وفي 20 سبتمبر/أيلول 2017م

  • السلطة الفلسطينية وصفقة القرن.. الخيارات المتاحة

    في الثامن والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعدد من سفراء الدول، منهم سفراء ثلاث دول عربية، صفقته التي طالما روج لها بأنها صفقة القرن. تباينت ردود الفعل العالمية حيال هذه الصفقة، بين مواقف مؤيدة، ومواقف معارضة، وأخرى متأرجحة. إلا أن ما برز في هذا السياق، هو الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة، وارتفاع الأصوات المنادية بضرورة الوحدة الفلسطينية لمواجهتها.

    لا يوجد في الصفقة أي سبب يدعو الفلسطينيين لقبولها، أو حتى للتعامل معها بأي شكل، فهي تؤكد على أنّ القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وتتنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، وتؤسس لبقاء المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة، ولا تعارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال، وتحصر الأمن بيد الاحتلال، وتدعو إلى نزع سلاح المقاومة، وتضع المعابر والحدود تحت سيطرة الاحتلال، وكذلك المقدسات الدينية، وغير ذلك من البنود التي لا تمنح الفلسطينيين، إلا حكما محدودا على 11% من أرض فلسطين التاريخية.

    ومن أجل قراءة هذه الصفقة، وانعكاساتها، والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية، رأي عدد من النخب السياسية والأكاديمية الفلسطينية، ورؤيتهم لمجمل ما يتعلق بالصفقة، وذلك من خلال إجاباتهم على الأسئلة التالية: ما هي الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ما المقصود من خطاب الرئيس أبو مازن حول تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية؟ ما مدى قدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن؟ وهل ستقود السلطة احتجاجاتٍ سلمية؟ هل يمكن أن يؤسس توجه وفد إلى قطاع غزة، خطوة أساسية لإنهاء الانقسام وتوحد الفلسطينيين؟ وما هو موقف الفصائل الأخرى، وماذا تستطيع أن تفعل، وهل هناك دور منوط بقطاع غزة؟

    تلخصت آراء الخبراء في هذا الموضوع، فيما يلي:

    • الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن بشكل مطلق، والدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية تدعم هذا الرفض، وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة النظر في الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، بحيث ينسجم مع المشروع الوطني، وليس مع الاتفاقيات السابقة.
    • الدعوة إلى ترتيب البيت الفلسطيني كآلية ضرورية لمواجهة الصفقة، على أن يتضمن ذلك عقد الإطار القيادي المتفق عليه بين الأمناء العامين للفصائل، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية.
    • وضع رؤية شاملة، واستراتيجيات فعالة لمواجهة الصفقة، على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، تشمل تعزيز الصمود على الأرض، وتفعيل المقاومة الشعبية والاحتجاجات السلمية، واستنهاض العالم العربي حكوماتٍ وشعوبًا، وتفعيل مواقف المنظمات الإقليمية والدولية، والدول والشعوب الصديقة، بما في ذلك دعم المقاطعة الدولية للاحتلال.

    د. أيمن دراغمة، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني

    بتقديري أن خطاب الرئيس أبو مازن عقب الإعلان عن صفقة القرن، يعتبر بادرة جيدة للتأسيس لموقف فلسطيني وطني. الخطاب في مضمونه هو بمثابة إعلان عن البدء بإصلاح البيت الفلسطيني، خاصة وأنه جرى اتصال هاتفي قبل الخطاب، بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والرئيس عباس. كما أن اجتماع الأطياف السياسية كافة برام الله، والمناقشات التي جرت في مقر المقاطعة، كانت بمثابة رسالة من طرف الرئيس لجميع الأطياف، بأنه سوف يبدأ صفحة جديدة.

    عقب الخطاب، شاركنا باجتماعات مع أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان هناك شبه إجماع على كيف نتوحد جميعا في رفض صفقة القرن. الآن، وإذا ما ذهب الوفد إلى قطاع غزة فعلًا، فسيكون ذلك بمثابة محطة ثانية، تؤكد على وحدة الموقف الفلسطيني، ووحدة البيت الفلسطيني.

    وأمام ذلك كله، لا بد من خطوات عملية من قبل الرئيس، بحيث يتم وضع خطة ولجنة لمتابعة هذه الملفات، حيث يمكن الانتظار بعض الوقت لمواجهة صفقة القرن، ثم نبدأ بالخطوة التالية، وهي البدء بتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة ما بين الفصائل الفلسطينية؛ بهدف إنهاء الانقسام. طبيعة الخطوات التي يمكن الذهاب إليها، تتمثل أولا في وضع برنامج ورؤية وطنية، يمكن الانطلاق فيها من وثيقة الوفاق الوطني، ووثيقة الأسرى، وهي تتضمن الحدود الدنيا المتوافق عليها بين الكل الفلسطيني. ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم عقد اجتماع الإطار القيادي الموحد للقوى الفلسطينية؛ للبدء فعلا بتنفيذ ما تم التوافق عليه في بيروت عام 2017، بهدف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد، وما يتبع ذلك من انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإعادة تفعيل المؤسسات الوطنية، وفي مقدمة ذلك كله، الإعلان عن موعد محدد للانتخابات التشريعية والرئاسية.

    على الصعيد الخارجي، يجب أن تكون هناك حالة استنهاض للمواقف العربية، لأن بعض الدول العربية والدول الصديقة، لم تكن مواقفها متقدمة في رفض صفقة القرن. كما يجب الضغط على الدول التي حضرت الإعلان، لإصدار موقف رافض لصفقة القرن، لأن هناك قرارات عربية سابقة تؤكد ذلك. ومن ناحية ثانية، يمكن العمل على تفعيل العديد من المحاور، مثل دول عدم الانحياز، والبرلمان الإفريقي. وبالتالي، من المفترض أن يكون هناك جهد دبلوماسي فلسطيني كبير، لمناهضة هذه الصفقة.

    على صعيد الدور الوظيفي للسلطة، فإن هذا يتحقق من خلال وقف التنسيق الأمني، لذا فالمطلوب أن يكون هناك بيان واضح، وتعليمات واضحة من قبل الرئيس للأجهزة الأمنية، لوقف التنسيق الأمني، وهذا هو الذي يفهمه الشارع من تحويل الدور الوظيفي. ومن ناحية أخرى، يجب إعادة السلطة الفلسطينية كمؤسسة تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب أيضا إعادة بناء المنظمة.

    وعلى صعيد خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، فإن أهم أداة هي عدم المشاركة في أي لقاء له علاقة بمفاوضات مع الاحتلال، لأن أي مفاوضات في هذه المرحلة، معناها القبول بتطبيق صفقة القرن. والأداة الثانية هي مواصلة جهود الإصلاح الداخلي، وردم الهوة ما بين السلطة والشارع، بحيث يتم جسر المسافة التي وُجدت على الأرض خلال السنوات السابقة، وأن تترك السلطة الشعب لاختيار أدوات المقاومة ضد الاحتلال، وأن لا تكون عائقا أمام ذلك.

    ليس مطلوبًا من السلطة أن تقوم باحتجاجات، فهذا هو دور شعبي، ودور مؤسسات المجتمع المدني، لكن المهم أن لا تقوم السلطة بمنع الحراك الشعبي ضد الصفقة، وأن تسمح للتيارات والأحزاب بالعمل، وإطلاق الحريات للعمل التنظيمي.

    وبخصوص توجه وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، فهي خطوة هامة جدا على جميع المستويات، لأن الفترة التي سبقت إعلان صفقة القرن، تخللها تصعيد إعلامي، ومناكفات، وعدم ثقة، وبالتالي فإن زيارة الوفد إلى غزة، هي بمثابة إعلان عن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني.

    إن من يتحمل المسؤولية الأساسية الآن، هما الفصيلان الكبيران على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، والفصائل الأخرى مواقفها منسجمة مع مواقف الفصيلين الكبيرين، وبالتالي يمكن أن تُفرض الرؤية الوطنية على الجميع، إذا كانت هناك حالة توافقية، من منطلق الحرص على الوطن.

    د. بكر أبو بكر، رئيس أكاديمية فتح الفكرية (أكاديمية الشهيد عثمان أبو غربية)

    هناك ثلاثة أمور رئيسة، يجب التركيز عليها كخيارات متاحة أمام السلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وهي:

    1. تعزيز مقومات الصمود على الأرض بأشكاله كافة، حيث أصبح الصمود ركنًا أساسيًا في المواجهة مع الاحتلال، والمحافظة عليه يعني بقاء الوجود الفلسطيني.
    2. تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال استراتيجية عمل مشتركة، تقضي على كل مبررات التشتت، حيث بات الحديث عن عدم الوحدة أمرًا خطيرًا على القضية الفلسطينية.
    3. التركيز على إعادة بناء منظمة التحرير، باعتبارها العنصر الأساس الجامع للفلسطينيين، بغض النظر عن حالة التشرذم الموجودة فيها، لأن العالم ينظر لها كجامع للكيانية الفلسطينية.

    وبالنسبة للخيارات الخارجية، لا بد من إعادة صياغة رواية جديدة، تقوم على أسس الإسلام والعروبة والنضال، لكن ضمن منطلقات تستطيع الأجيال الحالية من العرب والمسلمين وغيرهم، استيعابها، وبما يضمن مراعاة التغيرات الحضارية الحاصلة، خاصة في الوقت الذي باتت فيه القضية الفلسطينية، تفقد ألقها الإسلامي والعربي، نتيجة انشغال المجتمعات العربية والإسلامية بصراعات داخلية. وفضلًا عن الخيارات القانونية، من المفروض أن يكون هناك عنصر ربط مع العالم، من خلال إيجاد زخم عربي، وعقد مؤتمرات دولية ، وإعادة بناء أحلاف جديدة، وخلق اهتمام عالمي جديد بالقضية الفلسطينية.

    لا شك أن السلطة قادرة على إيجاد استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، وبشكل جيد، لكن الأمر يتطلب تغييرًا في الرؤى والأشخاص القادرين على الفعل. نعم هنالك قيادات لها ماضيها النضالي والسياسي، ولكن هناك اليوم قيادات شابة، قادرة على الفعل والتأثير في الناس، يجب استغلالها وإشراكها في خلق هذه الاستراتيجيات، لأن لها تصورات وأدوات تفكير مؤثرة، ولا يمكن الاستهانة بها.

    من المفترض أن تقود السلطة احتجاجات سلمية، وقد أشار الرئيس إلى ذلك، ولكن الأمر يتعلق بالأشخاص القادرين على قيادة تلك الاحتجاجات. من الواجب أن يكون هناك امتداد جغرافي وديمغرافي للاحتجاجات، ويجب أن تتوسع رقعتها، ومداها الزمني، ولا تكون مجرد ردات فعل.

    وعلى صعيد إنهاء الانقسام، هناك توجه حقيقي لإنهائه، ولكن الملف ليس مرهونًا فقط بالفلسطينيين، فهنالك محاور إقليمية لا يروق لها أن تكون هناك وحدة فلسطينية، وهذا ما يهدد الوحدة الوطنية فعليًا.

    باختصار، المطلوب هو العودة إلى منظمة التحرير فورًا، وعدم ادعاء التوازن بين الأطراف الفلسطينية، وإمساك العصا من المنتصف، فالأصل أن نعيد الروح والزخم للمنظمة.

    د. علاء أبو عامر، باحث مختص في العلاقات الدولية والقانون الدولي

    بشكلٍ عام، يجب وضع استراتيجية فلسطينية بديلة لمواجهة صفقة القرن. فما قبل الإعلان عنها شيء، وما بعدها شيء آخر، فقد أثبت الإعلان عن الصفقة، أن الإسرائيليين لا يريدون سلامًا، وأزال الإعلان عنها الغباش عن العيون، التي حمّلت الفلسطينيين مسؤولية فشل عملية السلام سابقا، وهذا أمرٌ لا بدّ من الاستثمار فيه، كأحد الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية.

    استراتيجية حل الدولتين، في ضوء ما تمارسه “إسرائيل” على أرض الواقع، وبعد الإعلان عن صفقة القرن، أثبتت فشلها، لذا لا بد من الحديث عن خيارات أخرى، كحل الدولة الواحدة، التي يتمتع فيها الفلسطينيون بتساوي الحقوق السياسية والمدنية، الأمر الذي قد يمكنهم من السيطرة مستقبلًا، في ضوء الديمغرافيا الفلسطينية الحالية. إضافة إلى ذلك، من الممكن الاستثمار في تعزيز حملات المقاطعة عمليًا، ودعم حركات مختصة في هذا المجال، مثل حركة BDS.

    على صعيد المحافل الدولية، يُفترض أن يتحرك الفلسطينيون نحوها بقوة، حيث كشف أحد بنود صفقة القرن، خوف “إسرائيل” من التوجه للمحافل الدولية، واشترط على الفلسطينيين في حال التوقيع على الصفقة، التعهد بعدم التوجه لأي محفل دولي، يمكن من خلاله محاكمة “إسرائيل”. أعتقد أنّ الوقت قد حان لتنفيذ التوجه نحو أي شيء دولي، بإمكانه أن يُلحق الضرر بـ “إسرائيل”، ويزيد من الضغط عليها.

    وبخصوص تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، كما أشار الرئيس أبو مازن في خطابه، أنَّ بإمكان السلطة الفلسطينية التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل”، نتيجة تغير دورها من الاتفاقيات الموقعة معها، كالانفكاك الاقتصادي، والتنسيق الأمني، والذي أعلن الرئيس صراحة أنَّه بصدد وقفه. وفي هذه الحالة، قد تواجه السلطة الفلسطينية المزيد من الضغوط إسرائيليًا وأمريكيًا، ولكنها حتما ستكون أكثر مساندة من الشارع الفلسطيني، الذي سيعزز صمودها. وهذا مرتبط بالسؤال التالي، والذي يتعلق بقدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة في مواجهة الصفقة، حيث سيُتيح لها تحويل الدور الوظيفي، مزيدًا من القدرة على الفعل، والتأثير على الأرض، وعندها سيكون الشارع أكثر صمودًا في تحمل أي أعباء مالية، قد تترتب على ذلك، بالشراكة مع نظامه السياسي.

    لم يعد بإمكان الفلسطيني أن يقبل باستمرار الرهان على أوسلو، فالناس غير مقتنعة، وأي شيء جديد يجب أن يتم من خلال إصلاح المنظمة، وإعادة ترتيب مؤسسات السلطة، بما يتناسب مع تحول دورها.

    أعلنت السلطة الفلسطينية دائمًا، أنّها مع الاحتجاجات السلمية، والفلسطيني هو من يقرر. فهو قَدَر هذه المنطقة، ورأس الحربة فيها، ولن يتوانى عن أي احتجاج للدفاع عن أرضه. ولكن ما قد يخفف حدة هذه الاحتجاجات، هو ردة الفعل العربية، فإذا ما تم تبني الموقف الرسمي الفلسطيني عربيًا، فإن ذلك قد يمنح السلطة الفلسطينية، مجالًا أوسع للحركة.

    بإمكان الفصائل الفلسطينية أن تصنع المستقبل، وحسن النوايا واضح هذه المرة، وهذه فرصة حقيقية لكل الأطراف لإنهاء الانقسام كخطوة أولى للانتصار، وفرصة لحماس أن تحمل الهم الوطني الداخلي، بعيدًا عن أي بعد تنظيمي خارجي ودولي. وبالنسبة لغزة، لا يمكن أن تنفصل عن المشروع الوطني الفلسطيني، وستكون رديف القدس في كل الأزمنة، وهذا ما على حماس أن تدركه، وأعتقد أن إنهاء الانقسام، سيكون فرصة للخروج من المأزق الحقيقي للفصائل الفلسطينية.

    د. يوسف ارشيد، أستاذ العلاقات الدولة في الجامعة العربية الأمريكية

    باعتقادي أن تطبيق ما يسمى بصفقة القرن، يجري على قدم وساق منذ فترة من الزمن. فالإدارة الأمريكية نقلت سفارتها إلى القدس، وتتعامل معها رسميًا كعاصمة دولة “إسرائيل”، وتشجع الاستيطان، وتدعم القوانين الإسرائيلية المتعلقة بضم الأراضي المحتلة. لكن الجديد، أنهم يريدون منا كفلسطينيين، أن نوقع على قرار ذبحنا، وشطب قضيتنا، والتنازل عن القدس بأيدينا. ومن المؤكد أن هذه الصفقة لن تمر دون موافقة القيادة الفلسطينية. ومن الواضح أن هناك معارضة شعبية ورسمية واسعة ضد هذه الصفقة، ولكن في المقابل، سيدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا لهذا الموقف، من تضييق وحصار، وغيره.

    على الصعيد الداخلي، يجب العمل على إعادة لحمة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد كل الجهود والطاقات، من أجل مواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد القضية الفلسطينية برمتها، وتغليب المصالح الوطنية العليا، على المصلحة الحزبية الضيقة، وتشكيل طاقم من جميع الفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية، لبناء استراتيجية فاعلة، تستطيع الصمود في وجه هذه المؤامرة.

    وعلى الصعيد الخارجي، كان يُفترض من السلطة منذ زمن، إعادة ترتيب معسكر الأصدقاء والأعداء، لذا يجب التوجه إلى كل الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية، وكفى متاجرة بأنظمة تساوقت مع المشاريع الصهيونية. يجب التحرك بشكل فوري وفاعل على الصعيد الدولي، والذي طالما رفضته “إسرائيل” جملةً وتفصيلًا، وذلك لأن جميع القرارات الدولية، تؤكد أن القدس والأغوار والضفة الغربية وقطاع غزة، هي مناطق محتلة يجب الانسحاب منها. وقد يعتقد البعض أن مثل تلك التحركات، لا تؤتي أكلها، لكن يجب إحراج “إسرائيل” والولايات المتحدة، وعزلهما دوليًا.

    من ضمن الخيارات المطروحة، تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، دون أي توضيح لماهية هذا المفهوم، علمًا أن الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، هو دور خدماتي من ناحية، ولا أعتقد أن الرئيس كان يقصد ذلك، ودور آخر يتمثل في العلاقة مع الاحتلال، كالتنسيق الأمني وغيره. والدور الوظيفي للسطلة الفلسطينية، حسب اتفاق أوسلو، هو قيام حكم ذاتي مؤقت لمدة زمنية محددة، وبعد ذلك قيام دولة فلسطينية، وبالتالي، فإن تحويل، أو إلغاء الدور الوظيفي للسلطة، يعني إلغاء اتفاق أوسلو، وكل ما نتج عنه. وإذا كان هذا هو المقصود، فهو بحاجة إلى ثبات وتضحيات وصبر، لأن كثيرًا من أمورنا الحياتية، مرتبطة بالاحتلال، حيث جميع المعابر والمنافذ بيده.

    قد تكون الخيارات الاستراتيجية لدى السلطة الفلسطينية صعبة. لكن باعتقادي، يجب أن تكون كل الخيارات في هذه المرحلة، مفتوحة وممكنة، من اعتصامات واحتجاجات، وتحريك الرأي العام، إضافة إلى خيار المقاومة. لذلك، يجب العودة إلى الشارع الفلسطيني، الذي غُيب منذ سنوات تحت واقع اتفاق أوسلو. يجب عدم الحديث عن إمكانيات السلطة في المواجهة، بل إمكانيات الشعب الفلسطيني. مع أنني لست متفائلًا فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، وذلك لأن الأجندات الفصائلية والحزبية والشخصية، ما زالت مسيطرة، والإرث الثقيل من الحقد والعداوة، ليس من السهل أن يتم تجاوزه بهذه السرعة.

    موقف الفصائل السياسية الأخرى، معارض بشكل حازم لصفقة القرن، وقد يكون لها دور مهم في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في حالة تصعيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فهذه الفصائل، تمتلك الكثير من الخبرات النضالية، لذلك يجب العمل على توحيد كل الجهود في ساحة الفعل النضالي.

    تضمنت صفقة القرن، نزع سلاح المقاومة، وطرح مشاريع اقتصادية عملاقة، تمول من دول الخليج النفطية، مع مساهمة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. تحاول “إسرائيل”، مدعومة من الولايات المتحدة، أن تستغل حال الفقر والجوع والحصار على قطاع غزة، لتحول القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية إنسانية، وإعطاء حلول وامتيازات اقتصادية، على حساب سلب الحقوق السياسية. لكني أعتقد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، رغم كل محاولات التركيع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

    سامر عنبتاوي، كاتب ومحلل سياسي، وعضو الهيئة القيادية للمبادرة الوطنية الفلسطينية

    رغم كبر الهجمة، وحالة الانقسام الداخلي، وفقدان بعض عناصر القوة، كفقدان جزء هام من العمق العربي، والتغيرات الحاصلة في الإقليم، إلا أن عناصر القوة الكامنة، موجودة، وتتمحور في إعادة بلورة الاستراتيجية الوطنية الشاملة، المعتمدة على إنهاء الانقسام، وبناء برنامج وطني شامل وموحد، وبناء الاقتصاد الوطني المقاوم، وإعادة الانسجام الوطني لمواجهة الاحتلال، وإعادة تعريف وظائف السلطة، بالتخلص من جميع الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال.

    كان تغيير الدور الوظيفي للسلطة، مطلبًا للقوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك عبر تحويل السلطة من العلاقة المباشرة مع الاحتلال، على المستويات الأمنية والاقتصادية، إلى قيادة وطنية موحدة، تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية. بهذا التغيير، فإن السلطة ترتبط بإجماع وطني، لتتحول لقيادة شعب تحت الاحتلال، وترتبط بالتوجه الوطني العام، وتتخلى تماما عن العلاقة مع الاحتلال، وارتباطاتها به.

    وبخصوص الاستراتيجيات الفعّالة للمواجهة، فإن الأمر يرتبط بالتوجه لبحث تشكيل شبكة أمان على المستوى الإقليمي، وتحقيق نوع من الترشيد الإداري، وصيانة الاقتصاد المقاوم، وتحقيق الانفكاك الاقتصادي، واستجلاب الدعم من المغتربين الفلسطينيين الأغنياء، وذلك كله ضمن برنامج اقتصادي مدروس، ومتنوع الخيارات.

    وبخصوص الاحتجاجات السلمية، فإن السلطة لا تتوجه لقيادة الفعاليات المطلوبة ضمن الوضع القائم، ولكن سوف تتغير الأمور عندما تتغير وظائف السلطة، وتوجهاتها، لتعبر عن الكل الوطني، فيحدث انسجام بين الشعب وسلطته، وقواه السياسية.

    أما توجه وفد من الضفة إلى قطاع غزة، فإنه يجب أن لا يكون من أجل الحوار المستنفذ سابقا، وإنما لإرساء قواعد إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة، والبدء بالإجراءات الفورية لتحقيق ذلك، كسلاح قوي لمواجهة الصفقة. وموقف الفصائل يجب أن يقوم على الشراكة الكاملة بين مكونات الشعب وقواه الوطنية، وفعالياته، من أجل صياغة البرنامج الوطني، وإعاد بناء منظمة التحرير على أسس نضالية وديموقراطية، ودعم صمود الناس، والتوعية بمخاطر المرحلة القادمة، والتعاون لبناء مجتمع متماسك وقوي.

  • الشرعنة الأمريكية للمستوطنات الإسرائيلية.. الدوافع والجذور وردود الفعل

    تبنّت الإدارة الأمريكية مؤخرًا، وعلى لسان وزير خارجيتها مايكل بومبيو، موقفًا مفاده أنّ إنشاء مستوطنات إسرائيلية في الضفّة الغربية، لا يتعارض في حدّ ذاته مع القانون الدولي[1]. وهو ما يعني أنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية هي قانونية من وجهة نظر هذه الإدارة. ولم يكن ما أعلنه بومبيو مرتجلًا، أو في سياق الردّ على سؤال، بل كان مُعدًّا سلفًا على جدول الإيجاز الصحفي، الذي تضمّن جملة من البيانات، تعلّقت بإيران والعراق والمستوطنات الإسرائيلية، وغيرها من البلدان والقضايا.

    طغت قضية المستوطنات الإسرائيلية على مجمل الأسئلة التي وجّهها الصحفيون للوزير الأمريكي عقب إيجازه الصحفي، الأمر الذي يعني أنّ هذه القضية كانت الأهم من بين جملة القضايا والموضوعات الأخرى. وفي حين لم يكن الإعلان الأمريكي مفاجِئًا، بالنظر إلى سلسلة مواقف وقرارات أخرى شبيهة سابقة تتعلق بالقضية الفلسطينية، أو بالصراع العربي الإسرائيلي عمومًا، فإنّ الإعلان الأمريكي استدعى ردود فعل واسعة، جميعها مخالفة للقرار الأمريكي، باستثناء الترحيب الإسرائيلي بطبيعة الحال.

    تقرأ هذه الورقة طبيعة الإعلان الأمريكي، وموقعه بين سلسلة المواقف السابقة المشابهة، وأهداف هذه الإدارة من هذا الإعلان، وغيره من الإعلانات الأخرى ذات الصّلة، وردود الفعل عليه.

    الإعلان شكلاً ومضمونًا

    تجدر الإشارة إلى الصيغة التي قُدِّم فيها الإعلان، بصفته مُعبِّرًا عن موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحاولًا القول إنّ إعلان إدارة ترامب لم يكن تحوّلًا كاملًا في مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على اعتبار أنّ مواقف هذه الإدارات من قضية الاستيطان الإسرائيلي، ومخالفته للقانون الدولي، لم تكن منسجمة. فبينما رأت إدارة الرئيس كارتر في عام 1978، وبشكل قاطع، أنّ إنشاء “إسرائيل” للمستوطنات المدنية يتعارض مع القانون الدولي، فإنّ إدارة الرئيس ريغان، وفي عام 1981، لم توافق على ذلك الموقف، وأعلنت أنّها لا ترى عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية. وقد كانت هذه المقدّمة من بومبيو، لتبرير الموقف، والادعاء بأنّ التحوّل الحقيقي خلقته إدارة أوباما، حينما أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، في كانون أول/ ديسمبر 2016، وفي نهاية ولاية الإدارة السابقة، عدم مشروعية المستوطنات الإسرائيلية، مخالفًا، حسب بومبيو، تقاليد الإدارات التي سبقته، التي، وإن رأت في الاستيطان عقبة أمام السلام، إلا أنّها رأت في الوقت نفسه أن النقاش القانوني حولها لا يُفيد عملية السلام.[2]

    أرادت إدارة ترامب القول إنّها لم تخترع موقفًا جديدًا، بقدر ما أنّها عادت لتبنّي موقف إدارة ريغان، وأنّ معاكستها لقرار إدارة أوباما إنّما هو تصحيح للسياسة الأمريكية، واستعادة لنهج الإدارات السابقة على إدارة أوباما، والتي لم تكن ترى فائدة في مناقشة الوضع القانوني للمستوطنات الإسرائيلية.

    تبرز الأبعاد الانتخابية في هذه المبرّرات، وذلك بمغازلة التيّارات التقليدية في الحزب الجمهوري عبر محاولة استعادة إرث ريغان المركزي في تاريخ السياسة الأمريكية عمومًا. لا تبدو هذه المغازلة في تبنّي موقفه من المستوطنات الإسرائيلية فقط، وإنّما أيضًا باستدعاء فكرة التشابه في الانقلاب على الإدارة السابقة، بما يُعبّر عنه ذلك من تصوّرات البناء والقوّة والعظمة الأمريكية. فكما استعادت إدارة ريغان مكانة الولايات المتحدة وقوّتها بعد إدارة كارتر، فإنّ إدارة ترامب تفعل الشيء نفسه بعد إدارة أوباما، علما أن مخالفة إدارة أوباما، هي لازمة ثابتة في خطاب الإدارة الحالية.

    بيد أنّه، وإضافة إلى أجواء الانتخابات الأمريكية، والإجراءات المتّخذة من قبل الديمقراطيين لمحاكمة ترامب وعزله، وبالتالي احتياج الأخير إلى دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الأجواء السياسية الإسرائيلية ليست بعيدة عن هذا الإعلان، الذي يمنح بنيامين نتنياهو دعمًا لتشكيل الحكومة في مواجهة منافسه بني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، أو يمنحه أفضلية دعائية في حال ذهبت “إسرائيل” إلى انتخابات ثالثة مبكّرة[3]، لا سيما وأن نتنياهو سبق له في السياق الانتخابي الإسرائيلي أن وعد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت حال فوزه في الانتخابات[4]، وذلك في الوقت الذي كان ينوي فيه إعلان ضمّ الضفّة الغربية، لولا معارضة رئيس الشاباك ورئيس أركان الجيش، اللذين ألمحا إلى أنّ قرارًا كهذا ينطوي على عدم مسؤولية، ومن شأنه أن يقود إلى مخاطر كبيرة[5]. إضافة إلى أن نتنياهو كان قد تعهّد، وفي السياق نفسه، بضمّ مستوطنات مدينة الخليل.[6]

    وفي الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو اتهامات بالفساد وملاحقات قضائية[7]، ويستعصي عليه تشكيل حكومة إسرائيلية، يأتيه الدعم من حليفه الأمريكي، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، الذي يواجه خطر العزل. وبينما لا يُستبعد أن ينطوي الإعلان الأمريكي على خطوة استراتيجية، فإنّ هذه الإدارة، وعلى مستوى نصّ الإعلان ومضمونه، قد تبنّت الدعاية الإسرائيلية بشكل كامل.

    لقد أحال الإعلان الأمريكي الأمر القانونيّ برمّته إلى المحاكم الإسرائيلية، باعتبار أنّ النظام القضائي الإسرائيلي يتيح فرصة للطعن بالنشاط الاستيطاني، وتقييم الاعتبارات الإنسانية المرتبطة به. وعليه، فإنّ الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يحكم على قانونية أيّ منشأة استيطانية، من وجهة النظر الأمريكية، هو القضاء الإسرائيلي، أي قضاء الدولة الاستعمارية التي أنشأت هذه المستوطنات، فهي مسألة إسرائيلية صرفة، تتعلق بالوقائع والظروف على الأرض. وهذا الخطاب هو عينه خطاب بنيامين نتنياهو، الذي رحب بالخطوة الأمريكية، وتطابق خطابه مع خطاب الإدارة الأمريكية، أولًا من جهة اعتبار الوقائع القائمة هي الحاكمة على الأمر برمّته. وثانيا من جهة حديث نتنياهو عن “الحق التاريخي في يهودا والسامرة”، وحديث الإدارة الأمريكية عن مركّب “التاريخ والوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”. وثالثا من جهة التوافق على أن المحاكم الإسرائيلية هي الوحيدة التي يمكنها تحديد شرعية الاستيطان الإسرائيلي. وأخيرًا تطابق الخطابان في أن الحلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن إنجازه عبر أحكام قانونية دولية، وإنما من خلال عملية تفاوضية.[8]

    وفي حين أظهر إعلان بومبيو وتعقيب مكتب نتنياهو تطابقًا تامًّا في المبررات والصياغات، وكشف عن تنسيق كامل، وربما صياغة إسرائيلية للإعلان الأمريكي، فقد ذهبت كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلى مستويات أبعد في الدعاية لـ “إسرائيل”، ومن منطلقات غير ذات صلة، وذلك حينما قَرَنَتْ جدّية الولايات المتحدة في اعترافها بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، بكون “إسرائيل”، حسب قولها، منارة للديمقراطية في منطقة لا يُقرّ فيها قادة آخرون، من حماس إلى إيران، بحقها في الوجود. وبينما أشارت كيلي كرافت إلى سعي جيران “إسرائيل” لتدميرها، فقد هاجمت جرأة المجتمع الدولي في جعلها، أي “إسرائيل”، موضوعًا لانتقاداته “القاسية”، مؤكّدة على دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، الآن وفي المستقبل.[9]

    الإعلان الأمريكي.. الجذور والدوافع

    ما سبق يوضح الأسباب الآنية للبيان الأمريكي الجديد بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وتعمّده دعم بنيامين نتنياهو في أزماته السياسية والقضائية، ومعركته الانتخابية، وتطابق مضمونه وصياغته مع تعقيب نتنياهو عليه، ومع وعود نتنياهو الانتخابية. هذا فضلًا عن الأسباب الخاصّة بترامب، من حيث اقتراب الانتخابات الأمريكية، وجهود عزله برلمانيا. بيد أنّ مسار الخطوة الأمريكية أوسع من هذا الدافع الآني، فهي تهدف أولًا إلى فرض صفقة على الفلسطينيين، تستند إلى الوقائع لا إلى الحقوق والتسويات العادلة، وهو ما كان واضحًا في المبررات التي ساقها بومبيو لشرعنة المستوطنات. ثم إن الخطوة الأمريكية تهدف إلى تعزيز مكانة اليمين الإسرائيلي، حليف إدارة ترامب.

    ففي قرار هو الأخطر من بين سلسلة تلك القرارات، وفي كانون أول/ ديسمبر 2017، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ووقّع الرئيس الأمريكي ترامب قرارًا بنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس، وهو ما شرعت به بالفعل في العام التالي في ذكرى النكبة الفلسطينية، الأمر الذي ترك دلالة معنويّة واضحة. ودون أي مواربة، أعلنت أن قرارها يهدف إلى إخراج القدس من المفاوضات[10]، أيْ أنّها تمنح الوقائع الاستيطانية والسياسية الإسرائيلية قوّة سياسية دولية، وتفرض موقفًا دوليًّا جديدًا يتطابق مع السياسات الإسرائيلية.

    ثمّ في آب/ أغسطس 2018، أوقفت الولايات المتحدة تمويلها الكامل لـ “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى/ الأونروا”[11]. وأغلقت في أيلول/ سبتمبر 2018 مكتب منظمة التحرير في واشنطن نهائيًّا، بحجة سعي السلطة الفلسطينية إلى فتح تحقيق جنائيّ ضد “إسرائيل” أمام المحكمة الجنائية الدولية.[12]

    وفي آذار/ مارس 2019، وفي بيان رسمي من البيت الأبيض موقّعٍ باسم ترامب، اعترفت الولايات المتحدة بمرتفعات الجولان جزءًا من “إسرائيل”، معلّلة ذلك بحاجة “إسرائيل” لحماية أمنها من سوريا، ومن التهديدات الإقليمية الأخرى[13]. وهو الأمر الذي دفع نتنياهو لإعلان توقعاته بصدور قرار أميركي قريبًا، يعترف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية[14]، ممّا أثار مخاوف فلسطينية وعربية ودولية[15]، وهو ما يمكن القول إنّه قد حصل بالفعل الآن، على اعتبار أن المستوطنات تشكّل حيّزًا واسعًا من جغرافيا الضفّة الغربية.

    وبالنظر إلى حديث بومبيو عن “الوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”، فإنّه يمكن القول إنّ القرار الأمريكي يشمل كلّ الوقائع ذات الصلة بالمستوطنات، كمجالها الأمني، والطرق المؤدّية إليها. وتأسيسًا على هذه العبارة اللافتة، وما دامت هذه الإدارة موجودة بتحالفاتها الراهنة في المنطقة، فإنه من المتوقع أن تتسع قراراتها لتشمل الضفّة كلّها، أو أجزاء واسعة منها، وهو ما يمكن فهمه من تصريح سابق لبومبيو، قال فيه إنّ الإعلان عن الخطّة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط قد يستغرق عشرين عامًا[16]، وهو ما يعني أنّ السياسات الأمريكية المنتهجة من هذه الإدارة، هي مواكبة السياسات الإسرائيلية في الواقع، أي الاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية، والدفاع عنها في المحافل الدولية، وتغطيتها بقوّة الولايات المتحدة، وجعلها أساسًا لأيّ تسوية مع الفلسطينيين، في حال كان ثمّة إرادة بالفعل لفرض تسوية من هذا النوع.

    وعلى أيّ حال، فإنّ القرارات الأمريكية التي أشير إليها فيما سبق، والتي تخصّ القدس، واللاجئين الفلسطينيين، ومكتب منظمة التحرير، والجولان السوري المحتلّ، وأخيرًا المستوطنات في الضفّة الغربية، لم تكن القرارات الوحيدة من الإدارة الأمريكية الحالية. فقد حرصت الولايات المتحدة على حماية “إسرائيل” داخل المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، سواء عبر استصدار قرارات لصالح “إسرائيل”، كتقديم مشروع قرار لإدانة حركة حماس[17]، أو في الهجوم على المؤسسة الدولية التي لم تزل تُصدر قرارات منحازة للفلسطينيين من وجهة نظر “إسرائيل” والإدارة الأمريكية. كما سعت الولايات المتحدة لفرض وقائع فيما يتجاوز جغرافيا الصراع إلى قضية اللاجئين، كسعيها لإعادة تعريف مفهوم اللاجئ الفلسطيني، وبالتالي تقليص أعداد اللاجئين[18]، وغير ذلك من إجراءات وقرارات داعمة لـ “إسرائيل”، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تكريس وقائع جديدة، تكون أساسًا لأي معالجة للقضية الفلسطينية.

    استندت الإدارة الأمريكية في كلّ ذلك إلى الوقائع على الأرض، وكان بومبيو صريحًا في إعلانه أنّ الوقائع هي أساس الرؤية الأمريكية، بمعنى أنّه يمكن لـ “إسرائيل” فرض الوقائع التي تُريد، ثم تصير هذه الوقائع أمرًا نهائيًّا، وهو الأمر الذي ينهي مشروع حلّ الدولتين تمامًا، ويفضي إلى تكريس الإرادة اليمينية الإسرائيلية، الرامية إلى استكمال أرض “إسرائيل” الواحدة على كامل حدود فلسطين التاريخية.

    ومما يُعزّز من صحّة هذا الاستنتاج، أنّ الإدارة الأمريكية، وبالرغم من وقفها دعم السلطة الفلسطينية، استمرت في تقديم مساعدات مالية للأجهزة الأمنية الفلسطينية[19]. وبالرغم مما قيل عن وقف الولايات المتحدة تمويلها للأجهزة الأمنية الفلسطينية، فإنّ “إسرائيل” سعت إلى استمرار هذا الدعم[20]، وأدخلت، وبتمويل أمريكي، عربات مصفّحة لصالح الأجهزة الأمنية الفلسطينية[21]، مما يعني أنّ دور السلطة، بالنسبة للرؤية الإسرائيلية الأمريكية، أو على الأقل بالنسبة لليمين الإسرائيلي وإدارة ترامب، لا يتجاوز الوظيفة الأمنية، مع إنهاء دورها السياسي الطامح في الارتقاء إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967. وقد استخدمت إدارة ترامب في ذلك كلّه، الابتزاز المالي، وإرهاب الدبلوماسية الدولية، والحصار السياسي، وتجاوُز القانون الدولي، وتجنيد عدد من الدول العربية لدمج “إسرائيل” في علاقات طبيعية معها، ومحاولة أخذ مواقف جديدة من القيادة الفلسطينية تنقلب بها على مواقفها التقليدية.

    المواقف المختلفة إزاء الإعلان الأمريكي

    • الموقف القانوني والإدانات الدولية

    دأبت الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي، على إدانة سياسات “إسرائيل” الاستيطانية، لمخالفتها القانون الدولي، وإعاقتها إحراز سلام عادل وشامل، حيث تنطبق معاهدة جنيف الرابعة، والقانون الإنساني الدولي على الضفّة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. فقد نصّت المادة (49) من معاهدة جنيف الرابعة، على أنه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل، أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”[22]. كما أنّ “إسرائيل” والولايات المتحدة كانتا قد وقعتا على هذه الاتفاقية، علما أن الضفّة الغربية ومدينة القدس، تُعدان أراضي محتلة وفق قرارات مجلس الأمن، كالقرار 242.[23]

    وكان مجلس الأمن قد أصدر عدة قرارات نصت على أنّ المستوطنات الإسرائيلية، ليس لها شرعية قانونية، وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل. منها قرار رقم (446) لعام 1979، الذي دعا “إسرائيل”، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، وإلغاء إجراءاتها السابقة، والامتناع عن القيام بأيّ عمل يؤدّي إلى تغيير الوضع القانوني، والطبيعة الجغرافية، ويؤثّر ماديًّا على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967[24]. وكذلك قرار رقم (452) لعام 1979، الذي أكّد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية[25]. وقرار مجلس الأمن رقم (465) لعام 1980، الذي نفى الشرعية القانونية عن الإجراءات الإسرائيلية، التي تهدف إلى تغيير أوضاع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس[26]. وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (471) لعام 1980، الذي يُعرّف “إسرائيل” بأنها قوّة محتلّة، ويؤكد فشلها في تقديم الحماية الكافية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وفقًا لبنود معاهدة جنيف الرابعة[27]. وكذلك قرار رقم (904) لعام 1994، الذي عاد وأكّد على انطباق معاهدة جنيف الرابعة على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حزيران 1967، بما فيها القدس، واصفًا “إسرائيل” بأنّها السلطة القائمة بالاحتلال.[28]

    وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت فتوى في عام 2004،  أكّدت فيها أن المستوطنات التي أقامتها “إسرائيل” في الأراضي المحتلة تُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي[29]. وعاد مجلس الأمن في عام 2016، وأصدر قرارًا أكّد فيه على مجمل قراراته السابقة، فأكد أنّ من واجب “إسرائيل” القوّة القائمة بالاحتلال، أن تتقيـد تقيـدًا صارمًا بالالتزامات والمسـؤوليات القانونيـة الملقـاة علـى عاتقهـا بموجـب اتفاقيـة جنيـف الرابعـة، وأدان جميـع التـدابير الراميـة إلى تغـيير التكـوين الـديمغرافي، وطـابع الأرض الفلسـطينية المحتلـة منـذ عـام 1967، بمـا فيهـا القـدس الشـرقية، والـتي تشـمل، إلى جانـب تـدابير أخرى، بناء المسـتوطنات وتوسـيعها، ونقـل المسـتوطنين الإسـرائيليين، ومصـادرة الأراضـي، وهـدم المنـــازل، وتشـــريد المـــدنيين الفلســـطينيين، مؤكّدًا أنّ ذلك كلّه يمثّل انتهاكًا للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة.[30]

    وعلى ضوء ذلك، عادت الأمم المتحدة والصليب الأحمر للتأكيد على كون المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما زالت تمثل انتهاكا للقانون الدولي[31]. وكان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل قد أكد أنّ “تغير الموقف السياسي لدولة ما، لا يُعدّل القانون الدولي القائم، ولا تفسير محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن له”[32]. في حين قال إيوان واتسون، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “إن سياسة المستوطنات التي تنتهجها “إسرائيل”، تناقض البنود الرئيسية للقانون الدولي الإنساني، أو قانون الاحتلال، وتخالف نصه وروحه”. وأكد أنّ “الإعلان الأمريكي الأخير، لا يغير موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الأمر”.[33]

    بالرغم من ذلك، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار، أو بيان صحفي، يدين فيه الإعلان الأمريكي، بعد جلسة عقدها لهذا الغرض[34]. إلا أنّ الدول الـ 14 الأعضاء في مجلس الأمن، من أصل 15 دولة، أجمعت على معارضة القرار الأميركي. وعقب انتهاء جلسة مجلس الأمن، تلا نائب المندوب الألماني يوجن شولز بيانًا باسم الدول العشر المنتخبة في المجلس، وهي ألمانيا، وبلجيكيا، وكوت ديفوار، وجمهورية الدومينكان، وغينيا الاستوائية، وإندونيسيا، وبيرو، وبولندا، وجنوب إفريقيا، والكويت، شدّد فيه على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال رياض منصور، المراقب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إن موقف كلّ من روسيا والصين خلال الجلسة جاء مؤيدًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية.[35]

    أما الاتحاد الأوروبي، فقد أكد أنّه لا يزال يؤمن بأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني بموجب القانون الدولي، ويقلل فرص التوصل إلى سلام دائم، ودعا “إسرائيل”، وعلى لسان فيدريكا موجيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، لإنهاء كل النشاط الاستيطاني في ضوء التزاماتها كقوة محتلة. ومع أن موقف الاتحاد الأوروبي يمثّل الدول الأوروبية، إلا أن بعض تلك الدول أصدرت بصورة منفردة بيانات تتبنّى الموقف نفسه، كألمانيا[36]، وإسبانيا[37]، وغيرهما.

    كما أصدرت الدول الأوروبية التي تملك عضوية حالية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة وبلجيكا وبولندا، بيانًا مشتركًا، قبل جلسة مجلس الأمن المشار إليها، قالت فيه إنّ كلّ نشاط استيطاني هو غير قانونيّ بموجب القانون الدولي، ويُقوّض قابليّة حلّ الدولتين وأفق السلام الدائم، وأكّدت فيه أنّ موقفها من سياسة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، واضح ولم يتغيّر[38].

    وكانت محكمة العدل الأوروبية، وقبل البيان الأمريكي، قد ألزمت “إسرائيل” بتمييز مصدر منتجاتها المُصدّرة إلى الاتحاد؛ لبيان إن كان مصدرها المستوطنات أم لا، وذلك لأسباب أخلاقية، كما قالت المحكمة، ولاعتبارات تتعلق بالالتزام بالقانون الدولي.[39]

    وفي إطار الإدانات الدولية لموقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، أصدر الفاتيكان بيانا هاجم فيه موقف واشنطن الأخير. وإذا كان من غير المعتاد أن ينشر الفاتيكان ردًّا مباشرًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنّ إعلان إدارة ترامب أثار ردود فعل من عدة مجتمعات دينية، أصدرت بيانات تنتقد إعلان إدارة ترامب، من بينها الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية، والمجلس الوطني للكنائس[40]، ورابطة الكنائس السويدية.[41]

    أما الدول الإسلامية، فقد أصدر بعضها بيانات رفضت فيه إعلان الولايات المتحدة، كتركيا التي قالت إنّه لا توجد أيّ دولة فوق القانون الدولي، وإنّ التصريحات التي تتضمن فرض الأمر الواقع، لن تكون لها أيّ صلاحية، واصفة الإعلان الأمريكي بأنّه مثال جديد ومتهور لشرعنة الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية[42]. وكذلك ماليزيا التي قالت إنّ الموقف الأمريكي يتناقض مع جميع القرارات الدولية القائمة[43]. وأندونيسيا التي قالت إنّ المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وإنّ البناء الاستيطاني هو عملية ضمّ للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، وعقبة أمام جهود السلام.[44]

    • ردود الفعل الفلسطينية والعربية

    رفضت جامعة الدول العربية الإعلان الأمريكي، وقالت إنّه باطل ولاغٍ، وليس له أي أثر قانوني، وإنه أظهر استهتارًا غير مسبوق بالمنظومة الدولية[45]. وكان ذلك عقب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، عقد في القاهرة[46]. وعلى نحو منفصل، أدانت الدول العربية الإعلان الأمريكي. فقد أكدت مصر على دعمها للفلسطينيين، وعلى موقفها من عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، ومخالفتها للقانون الدولي[47]. وأعلنت المملكة العربية السعودية رفضها التامّ لتصريحات واشنطن بشأن المستوطنات الإسرائيلية[48]. وأكدت المملكة الأردنية الهاشمية على عدم شرعية المستوطنات، وحذّرت من تداعياتها الخطيرة.[49]

    فلسطينيًّا، أعلنت الرئاسة الفلسطينية أنّ الإعلان الأمريكي باطل ومرفوض ومدان، ويتعارض كليًّا مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان، وقرارات مجلس الأمن، قائلة إنّ الإدارة الأمريكية فقدت تمامًا كلّ مصداقية، ولم يعد لها أيّ دور في عملية السلام، ومحمّلة هذه الإدارة، المسؤولية الكاملة عن أيّ تداعيات لهذا الموقف، الذي وصفته بالخطير[50]. وفي سياق الخطوات العملية، قالت الرئاسة الفلسطينية إنّها بدأت بعقد سلسلة اجتماعات طارئة، لاتخاذ الإجراءات والآليات لمواجهة القرارات الأمريكية، معلنة أنّها ستتحرك على المستوى الداخلي، بعقد اجتماعات للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وفصائل العمل الوطني، والتنظيمات الشعبية والمجتمع المدني. وعلى المستويين العربي والدولي، ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وسوف تتواصل مع الأحزاب العربية والعالمية، والمنظمات الدولية، بما في ذلك تحريك الملفات لدى المحكمة الجنائية الدولية.[51]

    وعلى صعيد منظمة التحرير الفلسطينية، دعا المجلس الوطني الفلسطيني لتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضدّ إدارة ترامب[52]، ودعا برلمانات العالم واتحاداته، لمواجهة التمرد الأمريكي على القانون الدولي[53]. بينما قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إنّ الخطوة الأمريكية تهدف إلى تكريس تحالف أمريكي صهيوني، يستهدف القضية الفلسطينية برمتها.[54]

    أما حركة فتح، فقد وصفت الإدارة الأمريكية بالصهيونية، وقراراتها بالإرهاب السياسي[55]، ودعت إلى سلسلة فعاليات سمّتها “أيام الغضب”، بدأت في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر[56]، حيث تم تعليق دوام المدارس الفلسطينية، وإخراجها في مظاهرات رافضة للقرار الأمريكي[57]. وقد أصيب عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال للمسيرة التي توجّهت من مدينة رام الله إلى محيط حاجز “بيت إيل” العسكري، المقام على المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة. وشارك رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بهذه المسيرة، ووصف أثناءها الإعلان الأمريكي بوعد بلفور جديد[58]، وأعلن عن التوجه للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ القرار الأمريكي بشأن شرعنة الاستيطان.[59]

    كما أعلنت حركة حماس موقفها الرافض للإعلان الأمريكي، الذي وصفه رئيس المكتب السياسي للحركة بالمجزرة السياسية الخطيرة، داعيًا الموقف الفلسطيني الرسمي إلى مغادرة مربع الاستنكار إلى مربع المواجهة الفعلية، عبر استراتيجية وطنية جامعة، تغادر مربع “أوسلو”، وترتكز إلى الموروث النضالي للشعب الفلسطيني. وداعيًا في الوقت نفسه الدول العربية، إلى وقفة جادّة، تنهي حقبة التردد في اتخاذ القرارات الضرورية.[60]

    أمّا حركة الجهاد الإسلامي، فقد وصفت الإعلان الأمريكي بالاستعماري والعدائي، والفاقد لأي شرعية، واعتبرته دليلًا على دعم الولايات المتحدة للاحتلال والإرهاب، وأكدت أنّ الردّ يكون بتصعيد المقاومة ضدّ الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وإنهاء الانقسام، وتوجيه كل الطاقات الشعبية والوطنية لمواجهة الاحتلال.[61]

    واعتبرت الجبهة الشعبية الإعلان الأمريكي دليلًا إضافيًّا على عداء الإدارة الأمريكية للشعب الفلسطيني وحقوقه، وتشريعًا صريحًا لنهب الأرض الفلسطينية، وتشجيعًا على استمرار الاحتلال لها، وتعدّيًّا على القانون الدولي. ودعت الجبهة إلى وقف ما سمتها بالأوهام، التي لا زالت تراود الذين يراهنون على دور أمريكي فيما يُسمّى بعملية سياسية لحل الصراع.[62]

    وكانت الجبهة الديمقراطية قد انتقدت اجتماع اللجنة التنفيذية الذي سبقت الإشارة إليه، على اعتبار أنّه تشاوريّ غير مخوّل باتخاذ أيّ قرارات، وطالبت السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع المخابرات الأمريكية، والشروع بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما في ذلك سحب الاعتراف بـ “إسرائيل”، ووقف التنسيق مع قوات الاحتلال، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، ورسم خطط عملية للانفكاك الاقتصادي عن “إسرائيل”، وطيّ صفحة أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي.[63]

    في حين قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إنّه لم تعد قيمة للاتفاقيات القائمة، ولا لاتفاقية أوسلو، التي مزّقتها “إسرائيل”.[64]

    خلاصة

    بعد هذا العرض، يمكن القول إن القرار الأمريكي الأخير بالاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وعدم مخالفتها للقانون الدولي، لا يخلو من أسباب خاصّة موضعيّة، تتمثل في رغبة الإدارة الأمريكية في دعم حليفها بنيامين نتنياهو، لمواجهة أزماته السياسية والانتخابية والقضائية، وكذلك في رغبتها في الحصول على دعم اللوبي الصهيوني في أزمة إجراءات عزل ترامب، واقتراب الانتخابات الأمريكية. بيد أنّها في جوهرها هي حلقة من سلسلة طويلة، كان أخطرها اعتراف ترامب قبل عامين بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ثم اعترافه بشرعية السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، في خطوة فسرها كثير من المراقبين، بأنها تمهيد للاعتراف بشرعية المستوطنات، أو ضمّ الضفّة الغربية.

    من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية، تستند في قراراتها، على الوقائع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فهي تعتبر أيّ إجراء إسرائيلي بأنه إجراء شرعي، ما دام قد صار أمرًا واقعًا، الأمر الذي يجرّد العملية السلمية من أيّ معنى لها، ويجعل المفاوضات بلا أيّ قيمة، ما دام المنطلق هو موقف الاحتلال، لا موقف الطرفين، بالرغم من اعتقاد هذه الإدارة، أنّ عزل الجانب القانوني يجعل العملية السلمية تسير بشكل أفضل. لذا، فإن اتجاهات هذه الإدارة واضحة، وهي فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين. وبالتالي، فما هو متوقع لاحقًا من الإدارة الأمريكية، والإجراءات الإسرائيلية، هو فرض مزيد من الوقائع، وصولًا إلى تطبيق كامل للرؤية الإسرائيلية، وبما ينهي أيّ حقوق سياسية للفلسطينيين، وهو ما يمكن فهمه من تصريحات سابقة لبومبيو، قال فيها إنّ طرح الخطة الأمريكية قد يستغرق عشرين عامًا.

    وفي مقابل الرفض الدولي الكاسح للقرار الأمريكي، فإنّ الموقف الفلسطيني الرسمي لم يرْق إلى خطورة الحدث، وكان أضعف من ردّ الفعل الذي أعقب القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”. واقتصر موقف القيادة الفلسطينية على الإعلان عن سلسلة الاجتماعات التي سبقت الإشارة إليها، ولم تتخذ أيّ قرار جديد بخصوص العلاقة مع الاحتلال، علمًا بأنّ الرئيس محمود عبّاس، سبق له وأن أعلن وقف العمل بالاتفاقات مع “إسرائيل”، دون أن ينعكس ذلك على أرض الواقع. وهنا تجدر الإشارة إلى سلسلة قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، والتي نصّت على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ولكن دون أن تُطبّق.

    وعلى مستوى الفعل الميداني، لم تستطع منظمة التحرير وحركة فتح، تنظيم فعاليات جادّة ردًّا على القرار، باستثناء اللجوء إلى وزارة التربية والتعليم، التي علّقت الدوام جزئيًّا، لحشد الطلاب والتلاميذ فيما دعته “يوم الغضب”. وإذا كان هذا يكشف عن عدم الجدّية في الحديث المستمر عن تفعيل المقاومة الشعبية، فإنّه يرجع بالدرجة الأولى إلى السياسات التي أضعفت الحركة الوطنية، وعزلت الجماهير عن القيام بدورها التاريخي في مواجهة الاحتلال. وبالتالي، والحال هذه، فإنّ السلطة الفلسطينية لم تتخذ أيّ تحوّلات في مسارها، أو علاقاتها الوطنية، لمواجهة هذه التحديات الخطيرة المتتابعة، التي تهدف إلى تصفية الحقّ الفلسطيني تمامًا.

    [1] موقع وزارة الخارجية الأمريكية، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.state.gov/secretary-michael-r-pompeo-remarks-to-the-press/

    [2] المصدر السابق.

    [3] By Lara Jakes and David M. Halbfinger, “In Shift, U.S. Says Israeli Settlements in West Bank Do Not Violate International Law”, The New York Times, Nov. 18, 2019, https://www.nytimes.com/2019/11/18/world/middleeast/trump-israel-west-bank-settlements.html

    [4] نتنياهو يتعهد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت إذا أعيد انتخابه، موقع الجزيرة نت، 10 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/9/10/

    [5] نتنياهو أراد الإعلان عن ضم الضفة.. ثم تراجع، موقع عرب48، 13 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/13

    [6] يوم قبل الانتخابات: نتنياهو يتعهد بضم مستوطنات الخليل، موقع عرب48، 16 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/16

    [7] ما مصير نتنياهو؟، موقع عرب 48، 21 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/الفساد-والجريمة/2019/11/21

    [8] تعقيب مكتب نتنياهو على بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات، موقع الخدمات والمعلومات الحكومية – ديوان رئيس الوزراء، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.gov.il/ar/departments/news/spoke_statement181119

    [9] موقع بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بيان السفيرة كيلي كرافات، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://usun.usmission.gov/statement-by-ambassador-kelly-craft/

    [10] ترامب: سحبنا القدس من طاولة البحث، موقع قناة الميادين الفضائية، 22 آب/ أغسطس 2018، http://www.almayadeen.net/news/politics/898845/

    [11] أمريكا توقف تمويل الأونروا، موقع وكالة رويترز للأنباء، 31 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN1LG2JL

    [12] الولايات المتحدة تعلن رسميا إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، موقع وكالة الأناضول التركية للأنباء، 10 أيلول/ سبتمبر 2018، https://www.aa.com.tr/ar//1251407

    [13] Proclamation on Recognizing the Golan Heights as Part of the State of Israel, whitehouse, March 25, 2019, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/proclamation-recognizing-golan-heights-part-state-israel/

    [14] نتنياهو عن اعتراف ترامب بسيادة الاحتلال على الضفة: انتظروا، موقع عرب 48، 6 نيسان/ إبريل 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/04/06

    [15] صحف ألمانية: لو نجح ترامب في الجولان سيأتي الدور على الضفة، موقع DW، 26 آذار/ مارس 2019، https://www.dw.com/ar/ 48067304

    [16] تراجع احتمال الإعلان عن “صفقة القرن” المتوقع الشهر المقبل، موقع صحيفة القدس، 29 آذار/ مارس 2019، http://www.alquds.com/articles/1553790304431899900/

    [17] Statement by the U.S. Mission on Palestinian Delay Tactics Designed to Defend Hamas Terrorism, united states mission to the united nation, November 30, 2018, https://usun.usmission.gov/statement-by-the-u-s-mission-on-palestinian-delay-tactics-designed-to-defend-hamas-terrorism/

    [18] هيلي تشكك في عدد اللاجئين الفلسطينيين، موقع وكالة رويترز للأنباء، 28 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN1LD2HQ

    [19] هارتس: 61 مليون $ لأجهزة أمن السلطة لمواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، موقع وكالة سما، 2 آب/ أغسطس 2018، https://samanews.ps/ar/post/344472/

    [20] مساعٍ إسرائيلية لإعادة الدعم الأمريكي لأجهزة أمن السلطة، موقع عربي21، 6 شباط/ فبراير 2019، https://arabi21.com/story/1157802

    [21] تخوّفات إسرائيل من انهيار السلطة الفلسطينيّة تدفعها إلى الموافقة على إدخال مركبات مصفّحة لها، موقع المونيتور، 31 أيار/ مايو 2019، https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2019/05/armored-vehicles-israel-palestinian-authority-security-us.html

    [22] اتفاقية جنيف الرابعة، 1949 – اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949، موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5nsla8.htm?utm_term=&utm_campaign=Monthly+search+promo+-+ICRC.ORG+-+FR+-+Global+-+AF+-+2018+-+Lac+Tchad&utm_source=adwords&utm_medium=ppc&hsa_net=adwords&hsa_tgt=dsa-691372891347&hsa_ad=343891917753&hsa_acc=5672805410&hsa_grp=74707146932&hsa_mt=b&hsa_cam=1055939988&hsa_kw=&hsa_ver=3&hsa_src=g&gclid=EAIaIQobChMIl_Hy66CL5gIVSed3Ch0ZbguFEAAYASAAEgIUHfD_BwE

    [23] قرار مجلس الأمن 242(1967)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/242(1967)

    [24] قرار مجلس الأمن 446(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/446(1979)

    [25] قرار مجلس الأمن 452(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/452(1979)

    [26] قرار مجلس الأمن 465(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/465(1980)

    [27] قرار مجلس الأمن 471(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/471(1980)

    [28] قرار مجلس الأمن 904(1994)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/904(1994)

    [29] فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، موقع محكمة العدل الدولية، 13 تموز/ يوليو 2004، https://www.icj-cij.org/files/advisory-opinions/advisory-opinions-2004-ar.pdf

    [30] قرار مجلس الأمن (2334)2016، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/2334(2016)

    [31] الأمم المتحدة والصليب الأحمر: المستوطنات الإسرائيلية لا تزال غير قانونية، موقع وكالة رويترز، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XT1FF

    [32] المصدر السابق.

    [33] المصدر السابق.

    [34] فشل في إصدار بيان يدين الموقف الأمريكي.. مجلس الأمن يرفض شرعنة الاستيطان، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.palinfo.com/263167

    [35] مجلس الأمن يصفع واشنطن.. رفض شرعنة الاستيطان، موقع عربي21، 2 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224283/

    [36] ألمانيا ترد: المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، موقع DW، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar/أ/a-51319077

    [37] إسبانيا: المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس لها أي شرعية قانونية، موقع وكالة سما، 20 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396124/

    [38] خمس دول أوروبية تنتقد موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع DW، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar//a-51343454

    [39] “لاعتبارات أخلاقية”.. محكمة أوروبية تفرض على إسرائيل وسم منتجات المستوطنات، موقع الجزيرة نت، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/11/12/

    [40] “الفاتيكان” يهاجم موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع عربي21، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224310

    [41] “الكنائس السويدية” تنتقد اعتراف واشنطن بالمستوطنات، موقع وكالة الأناضول، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar/ 1650817

    [42] تركيا تتصدر إدانات عربية ودولية لـ”شرعنة” واشنطن مستوطنات الضفة، موقع وكالة الأناضول، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1650044

    [43] ماليزيا ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة الأناضول، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1652164

    [44] موقع وكالة سما، 22 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396305/

    [45] الجامعة العربية ترفض رسميا تحول الموقف الأمريكي من المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XZ2BH

    [46] الوزراء العرب يرفضون القرار الأمريكي حول المستوطنات الإسرائيلية، موقع euronews، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabic.euronews.com/2019/11/25/arab-league-condemns-us-reversal-on-israeli-settlements

    [47] مصر مجددا: مستوطنات إسرائيل مخالفة وغير قانونية، موقع العربية نت، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2019/11/25/

    [48] السعودية ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XU21F

    [49] الأردن يحذر من تداعيات خطيرة لتغير الموقف الأمريكي تجاه المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XS2FY

    [50] أبو ردينة: إعلان وزير الخارجية الأميركي اعتبار المستوطنات لا تخالف القانون الدولي باطل ومرفوض ومدان ويتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، موقع وكالة وفا، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865424244135aV75Zkn

    [51] بحضور الرئيس: القيادة تعقد اجتماعات طارئة لاتخاذ إجراءات لمواجهة القرارات الأميركية، موقع وكالة وفا، 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865477542303aV75Zkn

    [52] المجلس الوطني يدعو إلى تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد إدارة ترمب، موقع وكالة وفا، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865458507243acqSDX7

    [53] المجلس الوطني يدعو برلمانات العالم واتحاداته لمواجهة التمرد الأميركي على القانون الدولي، موقع وكالة وفا، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865635533301acqSDX7

    [54] التنفيذية تبحث آخر المستجدات السياسية وقضايا الوضع الداخلي، موقع وكالة وفا، 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865785910275acqSDX7

    [55] فتح: لن نرضخ لإرهاب واشنطن السياسي وسنفشل تصريحات بومبيو كما “صفقة القرن”، موقع إعلام فتح، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-80881.html

    [56] فتح تدعو شعبنا لأوسع مشاركه في يوم الغضب، موقع إعلام فتح، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-81484.html

    [57] تعليق دوام مدارس الضفة غدًا للمشاركة في “يوم الغضب”، موقع ألترا فلسطين، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ultrapal.ultrasawt.com/

    [58] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/11/26/

    [59] إشتية: توجهنا للجنائية الدولية ضد القرار الأميركي بشأن شرعنة الاستيطان، موقع وكالة وفا، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=ornbGda865941046014aornbGd

    [60] تصريح صادر عن رئيس المكتب السياسي بشأن إعلان واشنطن شرعنة المستوطنات، موقع حركة حماس، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://hamas.ps/ar/post/11291

    [61] بيان: تصريحات وزير الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات “استعمارية وعدائية”، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://jehad.ps//post/845

    [62] الشعبية: الإعلان الأمريكي دليل إضافي على عداء الإدارة الأمريكية لشعبنا وحقوقه الوطنية، موقع الجبهة الشعبية، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://pflp.ps/post/18879/

    [63] الجبهة الديمقراطية تدعو إلى اجتماع لمواجهة شرعنة الاستيطان، موقع تلفزيون الغد، 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alghad.tv/

    [64] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، مصدر سابق.

     
  • الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    Cover_PSR-14-15_Summaryيسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن يصدر الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2014-2015، كما يتضمن المسارات المتوقعة لسنتي 2016-2017. والتقرير قام بتحريره د. محسن محمد صالح، الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز.

    يعالج التقرير، الذي سيصدر قريباً للسنة العاشرة على التوالي، القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول التقرير استشراف المسارات المحتملة للقضية الفلسطينية.  ويتألف التقرير من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية؛ حيث عالج استمرار حالة التأزم والانقسام الفلسطيني، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. وكان من أبرز ما يتضمنه التقرير تغطيته لمسار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال صيف 2014.

    وقد شارك في إعداد التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: أ. د. إبراهيم حسن أبو جابر، ود. جوني منصور، وأ. حسن ابحيص، وأ. زياد ابحيص، ود. سعيد الحاج، وأ. د. طلال عتريسي، وأ. عبد الله عبد العزيز نجّار، وأ. مؤمن محمد بسيسو، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. هاني المصري، وأ. وائل سعد، وأ. د. وليد عبد الحي.

    ومن الجدير بالذكر أن التقرير الاستراتيجي الذي يصدر كل سنتين يحرص على تقديم مادة علمية في إطار موضوعي تحليلي بمعايير ومناهج البحث العلمي، كما يتضمن عشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية، والتي توفر معطيات إحصائية تهم الباحثين والمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. وفي هذا الإطار يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يوفر نسخة للتحميل المجاني من الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2014-2015.

    للاطلاع على الملخص التنفيذي، اضغط على الرابط التالي:

     

    >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015  (41 صفحة، 15.2 MB)

    >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015  (41 صفحة، 2 MB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 5/4/2016

  • اليوميات الفلسطينية: آذار/ مارس 2016

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريراً بعنوان ”اليوميات الفلسطينية: آذار/ مارس 2016“. وهو تقريرٌ شهريٌ يتناول أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعدّ مادةً توثيقيةً للأحداث الفلسطينية التاريخية، والسياسية، والقرارات المهمّة.

    ويتميز التقرير في أنه يتناول الأحداث المهمّة، والقرارات والمواقف، التي تعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ويتم انتقاء الأحداث التي يتناولها التقرير؛ حيث يقوم فريق التحرير بالاطلاع على عشرات المصادر اليومية والدورية.

    ويعرض التقرير للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي عربياً وإسلامياً ودولياً. وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والقدس وأداء المقاومة والوضع الداخلي… وغيرها. كما يغطي التقرير ما يتعلق بـ”إسرائيل“ اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على المقدسات ومسار التسوية السلمية.

    ويُعدُّ تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ أحد أهم الملفات الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار وفق أهميتها، ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    وتبرز أهمية التقرير في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    وتجدر الإشارة إلى أن تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ هو من إعداد قسم الأرشيف والمعلومات في مركز الزيتونة، وإشراف وتحرير د. محسن محمد صالح، مدير عام المركز.

    ويُنشر التقرير بشكل شهري على الموقع الإلكتروني لمركز الزيتونة، وسيتم إصداره ككتاب مطبوع بشكل سنوي، ويوفر للتحميل المجاني عبر الموقع. 

      للاطلاع على التقرير، اضغط على الرابط التالي: 

    >> اليوميات الفلسطينية: آذار/ مارس 2016  (46 صفحة، 1.2 MB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 25/4/2016

  • اليوميات الفلسطينية: أيار/ مايو 2020

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريراً بعنوان ”اليوميات الفلسطينية: أيار/ مايو 2020“. وهو تقريرٌ شهريٌ يتناول أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعدّ مادةً توثيقيةً للأحداث الفلسطينية التاريخية، والسياسية، والقرارات المهمّة.

    ويتميز التقرير في أنه يتناول الأحداث المهمّة، والقرارات والمواقف، التي تعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ويتم انتقاء الأحداث التي يتناولها التقرير؛ حيث يقوم فريق التحرير بالاطلاع على عشرات المصادر اليومية والدورية.

    ويعرض التقرير للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي عربياً وإسلامياً ودولياً. وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والقدس وأداء المقاومة والوضع الداخلي... وغيرها. كما يغطي التقرير ما يتعلق بـ”إسرائيل“ اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على المقدسات ومسار التسوية السلمية.

    ويُعدُّ تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ أحد أهم الملفات الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار وفق أهميتها، ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    وتبرز أهمية التقرير في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    وتجدر الإشارة إلى أن تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ هو من إعداد وتحرير أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام المركز، وربيع الدنان ووائل وهبة.

  • اليوميات الفلسطينية: كانون الثاني/ يناير 2020

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريراً بعنوان اليوميات الفلسطينية: كانون الثاني/ يناير 2020“. وهو تقريرٌ شهريٌ يتناول أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعدّ مادةً توثيقيةً للأحداث الفلسطينية التاريخية، والسياسية، والقرارات المهمّة.

    ويتميز التقرير في أنه يتناول الأحداث المهمّة، والقرارات والمواقف، التي تعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ويتم انتقاء الأحداث التي يتناولها التقرير؛ حيث يقوم فريق التحرير بالاطلاع على عشرات المصادر اليومية والدورية.

    ويعرض التقرير للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي عربياً وإسلامياً ودولياً. وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والقدس وأداء المقاومة والوضع الداخلي... وغيرها. كما يغطي التقرير ما يتعلق بـ”إسرائيل“ اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على المقدسات ومسار التسوية السلمية.

    ويُعدُّ تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ أحد أهم الملفات الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار وفق أهميتها، ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    وتبرز أهمية التقرير في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    وتجدر الإشارة إلى أن تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ هو من إعداد وتحرير أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام المركز، وربيع الدنان ووائل وهبة.

    ويُنشر التقرير بشكل شهري على الموقع الإلكتروني لمركز الزيتونة، وسيتم إصداره ككتاب مطبوع بشكل سنوي، ويوفر للتحميل المجاني عبر الموقع.