• التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية

    تقدير استراتيجي (103) – أيلول/ سبتمبر 2017.

    ملخص:

    سمحت الوضعية القانونية للفلسطينيين في سورية بممارسة وطنية شكلت الشخصية السياسية لهم من خلال تطور دورهم الريادي في مراحل النضال الفلسطيني المختلفة.

    لقد انقسم فلسطينيو سورية بوتيرة مشابهة لحال المجتمع السوري في اصطفافهم السياسي خلال الحرب الدائرة هناك، ووثقت التقارير الحقوقية حالة قتل واعتقال وتهجير مشابهة تقريباً للحالة السورية بالعموم.

    بعد ستة أعوام فإن سؤال المستقبل ما يزال يلقي بظلال ثقيلة وغامضة على وضع فلسطينيي سورية، خصوصاً مع تركز أكثر من ثلاثة أرباعهم في العاصمة دمشق التي تضاعف عدد سكانها من 4.4 ملايين في 2010 إلى 8 ملايين في 2016، وشهدت تحولات ديموجرافية نوعية. وهو ما يضعنا أمام ثلاث سيناريوهات محتملة، وهي:  السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. السيناريو الثاني هو عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011. وأما السيناريو الثالث فهو تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد. وعلى ما يبدو وفق المعطيات المتوفرة فإن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً.

    أولاً: الفلسطينيون في سورية قبل الأزمة:

    يعتقد كثير من المراقبين لأحوال اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة أن أوضاع فلسطينيي سورية كانت الأوضاع الأفضل نسبياً من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية. فالمقارنة مع أوضاع اللاجئين في الدول المجاورة وخصوصاً لبنان، تُظهر فارقاً واضحاً لصالح الوضع القانوني الذي يتمتع به اللاجئ الفلسطيني في سورية. ففي سنة 1956 صدر القانون 260 الذي عدَّ اللاجئ الفلسطيني في سورية مساوياً للمواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات ما عدا حقَي الترشح والانتخاب. وعُدَّ هذا القانون معياراً في السنوات اللاحقة لكثير من القوانين الصادرة عن الحكومات السورية المتعاقبة. وبالرغم من التفريق بين شرائح متنوعة من اللاجئين الفلسطينيين داخل سورية على قاعدة تاريخ اللجوء إلى البلاد، فقد بقي أكثر من 85% من فلسطينيي سورية مشمولين بوضع قانوني معادل للمواطن السوري في أغلب الحقوق والواجبات على أساس القانون 260.

    بقي المكون الفلسطيني في سورية يحمل طبيعة سياسية داخل البلاد بحكم الموقع الجيو-سياسي لسورية من جهة. وبحكم طبيعة النظام السياسي الذي حكم البلاد غالبية العقود الماضية منذ سنة 1963 حتى اليوم؛ فقد قامت الأسس المعيارية لنظام البعث في سورية على تبني موقف سياسي يجعل من القضية الفلسطينية في قلب خطابه وتحركاته كأحد أهم مكتسبات الشرعية السياسية داخلياً وعلى مستوى الإقليم. وهو ما جعل البيئة الوطنية بالنسبة للفلسطينيين في مخيماتهم تحظى بما هو أكثر من المسموح به على مستوى البلاد، فأسهم ذلك في بناء الشخصية الوطنية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين طوروا دورهم في مختلف مراحل النضال الفلسطيني كطليعة استقطبت مستوى عالٍ للعمل الفلسطيني الفصائلي والشعبي والسياسي العام.

    ثانياً: الفلسطينيون في بدايات الأزمة السورية:

    ألقت حالة الاندماج المجتمعي بين الفلسطينيين والسوريين ظلالها على كل مفاصل الحياة العامة. ويبدو أنها كانت استحقاقاً لا مفر منه مع اندلاع الأحداث في الشارع السوري سنة 2011. فقد عاش الفلسطينيون في سورية في ترقبٍ قلقٍ من تطور أحداث الشارع السوري خلال الأشهر الأولى للأزمة في 2011، خصوصاً مع تعمد بعض الأطراف الرسمية الزجّ بالفلسطينيين في الأحداث في درعا واللاذقية، كمحاولة بدت لتطويق الاحتجاجات في الأحياء السورية، والإيحاء إعلامياً أنها ذات هوية غير محلية، كما حدث في التقارير الإعلامية للصحافة الرسمية وشبه الرسمية حول أحداث درعا في 21 آذار/ مارس 2011، وفي المؤتمر الصحفي لمستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان حول أحداث اللاذقية في 26 من الشهر نفسه. ومع امتداد الاحتجاجات السورية على مستوى البلاد ووصولها إلى مناطق بعيدة عن مركز الوجود الفلسطيني في العاصمة والمدن الرئيسية، بات رهان البعض على تصدير الأزمة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين غير ذي جدوى، فتعاملت السلطات مع الواقع كما هو، وقامت بمحاولة تحييد المخيمات خلال المرحلة التالية. فقد اجتاحت قوات النظام السورية مدينة درعا في شهر نيسان/ أبريل 2011 ودخلت كافة أحياء المدينة، باستثناء مخيم درعا، الذي اضطلع بدور إغاثي مشهود في الأشهر التي تلت احتلال المدينة وعسكرتها. تكرر الأمر في مخيم اللاذقية الذي تمّ تهجير سكانه في آب/ أغسطس 2011 خلال قصف حي السكنتوري السوري المتاخم للمخيم، والذي قاد أول احتجاجات شعبية في المدينة، ولم يتم استهداف المخيم لذاته حينها، وإنما دفع المخيم فاتورة الجغرافيا.

    ثالثاً: دخول الفلسطينيين إلى قلب الأزمة والآثار الحالية:

    على الرغم من دخول عدد من النشطاء الفلسطينيين مبكراً على خطّ الثورة السورية، خصوصاً في مخيمي درعا واليرموك، إلا أن الانخراط الفعلي للمخيمات الفلسطينية في الأحداث لم يبدأ قبل شهر تموز/ يوليو 2012، بعد حادثة إعدام 14 جندياً من مجندي جيش التحرير الفلسطيني في منطقة إدلب، الحادثة التي خضعت لجدل كبير حول هوية الفاعل بين اتهام النظام بافتعالها أو المعارضة بارتكابها. ومع دخول دمشق، حيث يسكن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في سورية، قلب الاضطرابات بعد تفجير مبنى الأمن القومي في حي الروضة في 18 تموز/ يوليو 2012، كانت المخيمات الفلسطينية في العاصمة تدخل مرحلة دموية قاسية.

    بدأ دخول المخيمات الفلسطينية إلى الأحداث بطابع إغاثي إنساني، حين هَجَر سكان الأحياء الدمشقية، خصوصاً الميدان والزاهرة، مساكنهم نتيجة الحملة العسكرية المكثفة هناك. ونزح إلى مخيم اليرموك وحده خلال تلك الفترة قرابة 250 ألف نازح سوري. وهي الفترة التي بدأ فيها الجدل حول تشكل قوة فلسطينية موالية للنظام بالظهور إلى السطح، حيث نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة مشروع اللجان الشعبية المسلحة، بالتنسيق مع السلطات وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى داخل مخيم اليرموك في مرحلة شديدة التوتر، أدت إلى انهيار الأوضاع الأمنية كلياً مع نهاية سنة 2012، حين دخلت كتائب المعارضة المسلحة مخيم اليرموك، وترافق ذلك مع نزوح أهلي كبير لسكان المخيم خوفاً من القصف والأعمال الحربية المتوقعة.

    خلال هذه المرحلة، كانت الأوضاع الميدانية في العاصمة تتدهور بشكل دراماتيكي، فقد دخلت المعارضة المسلحة أكبر مخيمين بعد اليرموك في دمشق وهما الحسينية والسبينة الذي يبلغ تعداد الفلسطينيين فيهما مجتمعين قرابة 90 ألفاً. وأدى هذا إلى تهجير كبير للسكان. وبفعل الأعمال العسكرية اللاحقة فقد استعاد النظام في أواخر سنة 2013 المخيمَين، لكنه منع الأهالي من العودة إلا بشكل محدود، اعتباراً من النصف الثاني من سنة 2016.

    رابعاً: فلسطينيو العاصمة:

    وقع مخيم اليرموك الذي كان يبلغ تعداد سكانه من الفلسطينيين نحو 220 ألفاً تحت ظروف مأساوية، شهد فيها حصاراً أودى بحياة 196 جوعاً ومرضاً. وعبر المراحل المختلفة لم يتبقَ في مخيم اليرموك إلا قرابة ثلاثة آلاف نسمة فقط.

    إن القراءة العامة لأوضاع الفلسطينيين في سورية يمكن التقاطها من خلال الوجود الفلسطيني في العاصمة دمشق التي كانت حتى قبيل الأزمة موطناً لنحو ثلاثة أرباع فلسطينيي سورية أو يزيد. وعلى الرغم من حضور مخيمات درعا والرمل وحندرات بقوة في مشهد الأزمة، إلا أن التعداد العام لسكان هذه المخيمات يجعل القراءة من خلالها مسألة جزئية بالرغم من أهميتها.

    فبالنظر إلى المخيمات الكبرى في دمشق يمكن ملاحظة التراجع الحاد في التعداد السكاني الفلسطيني كما يلي:

    مخيم اليرموك من 220 ألفاً بقي داخله نحو 3 آلاف فقط.

    مخيم الحسينية من 65 ألفاً، سُمح لنحو 30 ألفاً بالعودة حتى اليوم.

    مخيم السبينة من نحو 33 ألفاً، سُمح لـ 3 آلاف فقط بالعودة حتى اليوم، ويتوقع أن يسمح لألفين آخرين. كما أن السماح بالعودة تتم فقط للقسم الجنوبي من المخيم الذي يقترب من الريف الحوراني، وما يزال سكان القسم الشمالي المتصل بأحياء القدم والعسالي القريبة من مركز العاصمة محظرواً عليهم العودة.

    لا بدّ من ملاحظة أن أكثر من نصف الفلسطينيين في سورية يسكنون هذه المخيمات الثلاث (بحدود 310 آلاف)، والباقي يتوزع على عشرة مخيمات أخرى، والأحياء والمدن السورية خارج المخيمات.

    لقد وصل الوضع الميداني في مخيم اليرموك حيث باتت كل الفصائل المسلحة داخل المخيم بما فيها تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه تنظيم الدولة الإسلامية، على استعداد لتوقيع أيّ تسوية للخروج الآمن من المخيم، ولكن كل هذه الاتفاقيات فشلت في التوصل إلى صيغة نهائية، حتى اليوم، دون وجود أسباب جوهرية لذلك. وهذا يضع مستقبل مخيم اليرموك تحديداً (الأقرب لقلب العاصمة؛ ستة كيلومترات) أمام سؤال كبير. وبالرغم من أن مخيم خان الشيح شهد تطورات مأساوية، إلا أن سيطرة سلطات النظام عليه في أواخر سنة 2016 بعد التسوية التي أبرمت مع الجماعات المسلحة والإغاثية داخل المخيم لم تدفع بالمخيم إلى مصير مشابه لمخيمات اليرموك والحسينية أو السبينة، حيث عاد حتى اليوم قرابة نصف سكان المخيم، ورُفعت القيود تقريباً عن النازحين من سكانه في المناطق المجاورة. إن الفارق الجوهري الوحيد بين وضع مخيم خان الشيح ومخيمات جنوب العاصمة (اليرموك، والسبينة، والحسينية) هو موقعه الجغرافي الطرفي، حيث يقع على بعد 25 كم جنوب غرب العاصمة.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل لفلسطينيي سورية:

    الأمر الأهم في تصوراتنا للاحتمالات المستقبلية هو التغيرات الجوهرية التي طرأت على البنية الديموجرافية في مدينة دمشق، حيث يسكن نحو ثلاث أرباع اللاجئين الفلسطينيين، ثلثاهم في المخيمات الثلاث (اليرموك، والحسينية، والسبينة) التي يفرض النظام قيوداً صارمة على عودة أهاليها.
    بناءً على ما سبق فإن الاحتمالات قد تنحصر في ثلاثة سيناريوهات:

    السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“:

    وهذا يلبي التطلعات الأمنية للسلطات التي تبدو في دمشق قائمة على أساس وقائع التحولات الديموجرافية التي خلفتها الحرب.

    لقد شهدت العاصمة دمشق هجرات واسعة بالاتجاهين، إلى خارج وإلى داخل المدينة، إلا أن عدد سكانها تضاعف تقريباً منذ بداية الأزمة حتى اليوم. ففي سنة 2010 قدر الإحصاء الرسمي للمدينة عدد سكانها بـ 4.4 مليون نسمة، وفي سنة 2016 تضاعف هذا العدد ليصبح 8 ملايين نسمة وفق تأكيدات عضو مجلس محافظة دمشق حسام البيش، وهذا بالرغم من حالة التهجير التي حدثت لسكان المدينة خلال سنوات الحرب (بلغت تقديرات اللاجئين السوريين كافة خارج البلاد 6 ملايين، أي ربع السكان). هذه الزيادة الهائلة في تعداد سكان العاصمة تعني بالضرورة أزمة سكن خانقة (كانت العاصمة تعاني منها قبل الأزمة). وهي أزمة تتناقض بشكل مباشر مع سلوك النظام تجاه مخيمات فلسطينية كبرى في العاصمة ما تزال مساكنها خالية في أجزاء كبيرة منها، على الرغم من الهدوء التام فيها منذ سنة 2013.

    إن المخيمات ذات الكثافة السكانية العالية والقريبة من مركز العاصمة والتي تعرضت لتطورات ميدانية خلال فترة الأزمة، قد لا يكون بالإمكان إعادتها كما كانت عليه قبل سنة 2011. وعليه فإن السلوك الحالي للسلطات تجاه هذه المخيمات ومنع أيّ تسويات فيها تسمح بعودة طبيعية للسكان خصوصاً في مخيم اليرموك، قد يعني مشروع إعادة توزيع الفلسطينيين داخل العاصمة بما يخدم الاحتياجات الأمنية للنظام. يقترب هذا الاحتمال مع تسريبات ما تزال تحتاج إلى تأكيد حول مشروع ناقشته محافظة دمشق حول إعادة تخطيط منطقة جنوب العاصمة (جنوب المتحلق الجنوبي) من المنطقة الممتدة من داريا حتى طريق المطار الدولي، وهي منطقة تقع فيها كبرى مخيمات العاصمة التي تعاني من عدم السماح للأهالي بالعودة الطبيعية (اليرموك، والحسينية، والسبينة). إذ تقول التسريبات أن المشروع يهدف لتأمين جنوب العاصمة، الذي كان البوابة الأوسع للاضطرابات العسكرية خلال الأزمة، من خلال إعادتها عمرانياً.

    السيناريو الثاني: عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011:

    وهو سيناريو يرى أن قدرة النظام على الصمود ارتكزت أساساً على قدرته على اجتراح جدلية قائمة على تفسير أو تبرير، أحياناً، سلوكه القمعي ارتكازاً على موقفه السياسي الذي يطرح القضية الفلسطينية في صلب خطابه العام.

    على الرغم مما يحمله هذا الطرح من موضوعية في تفسير المآلات التي وصل إليها الوضع السوري، إلا أنه يفسر جزءاً يسيراً من النتيجة التي ربما نجحت في صناعة حكاية متداولة في مستوى القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام السوري لا أكثر. ويبقى شكل التحالفات والتحولات الإقليمية وتداعيات الثورة المضادة بعد الربيع العربي وحجم إمكاناتها إطاراً تفسيرياً أوسع مما يمكن اختزاله في الحالة الفلسطينية. خصوصاً بالنظر لما تعرض له الفلسطينيون في سورية حيث وثّقت المؤسسات الحقوقية 3,580 قتيلاً فلسطينياً، تتحمل السلطات مسؤولية وفاة ثلاثة أرباعهم تقريباً، فيما ما يزال ملف أكثر من 1,600 معتقل فلسطيني مجهولاً لديها. ولو نظرنا في بعض التحولات القانونية التي شهدتها المرحلة الماضية، مثل استثناء الفلسطينيين من إعلان توظيف قدمته وزارة التربية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، واستثناء الفلسطينيين من الاستفادة من مرسوم الابتعاث العلمي لسنة 2013 كما كان معمولاً به في السابق، فإن كل هذا قد يعني استعداداً حكومياً كبيراً لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الفلسطينيين لإعادة إنتاج وضعيتهم القانونية، كأقلية تحتاج حماية السلطة في أي منعطف.

    السيناريو الثالث: تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد:

    على الرغم من التداول المستمر لهذا السيناريو بشكل شعبوي، وبروز مؤشرات ما في اتجاهه، إلا أن الوقائع بعد ستة أعوام من الحرب لا تكفي للركون لهذا الاحتمال. فبالرغم من الحقيقة التي تقول إن الصراع السوري بات ملفاً إقليمياً ودولياً، ومن الصعب الوصول إلى حلّ كامل بدون نقاش كافة المسائل المرتبطة بوجود الكيان السياسي لنظام سورية المرتبط بفكرة ”القضية الفلسطينية“ وبالتالي قضية اللاجئين الفلسطينيين كجوهر للصراع، فالواقع ما يزال يشير إلى وجود أكثر من 400 ألف فلسطيني داخل سورية. والعدد المهجّر خارج البلاد من فلسطينيي سورية البالغ تقديراً 175 ألفاً يقترب من نسبة المهجرين السوريين التي تبلغ ربع التعداد العام للسكان، وهو مؤشر إلى أن عملية التهجير نتجت عن إجراءات واحدة تخص كل السكان في البلاد. أضف لكل ذلك أن فكرة ”القضية الفلسطينية“ في خطاب النظام شكلت مستنداً لا بدّ من الإقرار بثبوته لدى شريحة ليست قليلة، ولن يتم التخلي عنه إذا أثبت نجاعته.

    وعليه، فإن السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة المقبلة قد ترجح السيناريو الأول على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. وهو سيناريو قد يعطي تفسيراً لتباين التعامل العام للسلطات في إعادة المهجّرين الفلسطينيين إلى مخيماتهم المختلفة بعد استقرار وضعها، إذ يُظهر الرصد تساهلاً في السماح بالعودة إلى المخيمات الطرفية مثل خان الشيح في العاصمة، ومخيمات حمص، وحماة، واللاذقية خارج العاصمة. فيما يبدو التشدد واضحاً في مخيمات الخط الجنوبي من العاصمة والتي تقترب من مركز دمشق أكثر من غيرها مثل اليرموك، والحسينية، والسبينة. وبالنظر إلى ما يتردد حول مشروع ”سورية المفيدة“، فإن ”الفلسطيني المفيد“ هو جزء من هذه الرؤية إن صدقت، وستضع الاعتبار الأمني لوجوده من عدمه معياراً للسلوك العام للسلطات في هذا الملف.

    سادساً: توصيات ومقترحات:

    1. التأكيد دوماً على ضرورة الالتزام بالقانون 260 لسنة 1956 وعدم المساس به في أي تطور لوضع الفلسطينيين في سورية.

    2. مع تآكل السيادة الوطنية للدولة السورية، فإن أي تطور على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية ينبغي ألا يكون مسألة سوريّة داخلية، بل لا بدّ من إشراك الفلسطينيين (كافة مستوياتهم) في بلورة مستقبل مخيماتهم في سورية.

    3. في ظلّ الانسجام الطارئ بين موقف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع النظام السوري، فإن التوافق الفلسطيني – السوري الرسمي قد يبدو متاحاً تجاه أي رؤية مستقبلية. وهذا يطرح مخاطر الاتفاق على شكل يخدم التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي كانت وما زالت تصطدم بعقبة اللاجئين، خصوصاً كتلة الفلسطينيين في سورية، بحكم الدور والموقف ضدّ التسوية خلال الفترة الماضية. هذا لا بدّ أن يستدعي دوراً للمستويات غير الحكومية فلسطينياً في تقرير أي تطور محتمل.

    4. ضرورة أن تولي الجهات الفلسطينية الفاعلة (فصائل ومؤسسات) أولوية لوضع ومستقبل فلسطينيي سورية، والتأكيد على نقطة الحياد التام كمحطة انطلاق في أي نقاش حول المسألة مع الجهات ذات الصلة.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ طارق حمود بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.


     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية Word (10 صفحات، 94 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية  (10 صفحات، 559 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/9/2017

  • التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟

    تقدير استراتيجي (97) – آذار/ مارس 2017. 

    ملخص:

    اندلعت جولة جديدة من الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان أواخر شهر شباط/ فبراير 2017، أسفرت عن مقتل شخصين وجرح ما يزيد عن عشرة وتخريب في الممتلكات.

    وجاءت هذه الجولة من العنف إثر انسحاب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من اللجنة الأمنية العليا والقوة الأمنية المشتركة. ووقع الاشتباك بين مجموعات من حركة فتح ومجموعات إسلامية لكنها لم تؤد إلى نتائج حاسمة لأي من الطرفين.

    ترتبط الأزمة في مخيم عين الحلوة بالأوضاع السياسية المحلية والإقليمية، وخصوصية قضية حقّ العودة وموقع المخيم في جنوب لبنان. كما ترتبط بالصراعات القديمة الدائمة بين حركة فتح ومجموعات إسلامية، ووجود مطلوبين فلسطينيين ولبنانيين داخل المخيم، والأوضاع الإنسانية الصعبة، والاهتمام الدولي بمكافحة الإرهاب. وبذلت جهود كثيرة لوقف العنف كانت تنجح أحياناً وتفشل أحياناً. وهناك عدة سيناريوهات للأزمة أهمها سيطرة الجيش اللبناني بالكامل على المخيم، أو سيطرة قوة فلسطينية مشتركة. لكن أمام التعقيدات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية، من المرجح بقاء الأزمة وأن يراوح الوضع بين التوتر والهدوء، مع رغبة أهم الأطراف الفاعلة في محاصرة النيران، تحت سقف “المبادرة” التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية سنة 2014 لحماية المخيمات.

    مقدمة:

    تجددت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة أواخر شهر شباط/ فبراير 2017، وشهد المخيم جولة جديدة من الصراع المسلح هي الأعنف ربما منذ فترة طويلة، وسقط فيها قتيلان، هما الفتى ماهر دهشة (16 عاماً) وأحمد خليل (أبو عائشة)، وأصيب عدد بجروح، ووقعت خسائر مادية كبيرة في المباني السكنية، والمحلات التجارية، والسيارات، وأنابيب المياه، والكهرباء وأدت إلى توقف المدارس والمراكز الصحية، خصوصاً أعمال وكالة الأونروا الدولية. لكن الخسارة الأكبر كانت على المستويات السياسية والأمنية بين الفلسطينيين أنفسهم، أو بين الفلسطينيين واللبنانيين، إذ أضربت مدينة صيدا احتجاجاً على الاقتتال بين الفلسطينيين، الذي وصلت شظاياه من الرصاص والقذائف الصاروخية إلى المدينة.

    الموقع والمحطات:

    يقع مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة صيدا، في محور بين مناطق لبنانية سنية وشيعية ومسيحية، على الأوتوستراد المؤدي إلى جنوب لبنان، ترتاده القوات الدولية المنتشرة في لبنان منذ سنة 1978، وعلى مقربة من الاكتشافات البترولية في البحر المتوسط.

    يضم المخيم مع الأحياء المجاورة قرابة 70 ألف نسمة، وشهد في الماضي أحداثاً كثيرة أهمها الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 والمعارك بين الفلسطينيين وأحزاب لبنانية، ثم شهد صراعاً مسلحاً بين جماعة فتح عرفات والمجلس الثوري (أبو نضال). وفي أعقاب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان سنة 1989 تمّ تسليم الأسلحة الثقيلة من داخل المخيم إلى الجيش اللبناني.

    ويُتَّهم أفراد من المخيم بأعمال تفجير داخل مناطق لبنانية، وبقتل أربعة من القضاة في صيدا سنة 1999، وبإيواء عناصر “إرهابية” من خارج لبنان (تابعة للقاعدة)، وشاركت عناصر فلسطينية من المخيم في المعارك في العراق وسورية. وحين توقفت الحرب الداخلية في لبنان سنة 1990، هدأت الأحداث في مخيم عين الحلوة، وعاش المخيم مثل باقي المناطق اللبنانية فترة من الهدوء إلى سنة 1997، حين عادت أعمال الاشتباكات والتفجير، وضرب الجيش اللبناني طوقاً على المخيم وظلت الأمور متوترة إلى وقتنا هذا.

    عوامل أساسية:

    هناك مجموعة من العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في أزمة مخيم عين الحلوة أهمها:

    1. البعد السياسي:

    مخيم عين الحلوة هو من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ودول اللجوء، وهذا له علاقة مباشرة بقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم الأصلية، ومرتبط بمفاوضات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية ومصير اللاجئين الفلسطينيين. فالأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة انطلقت سنة 1997، بعد هدوء دام سنوات، وذلك بعد مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991، واتفاق أوسلو سنة 1993، وتأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994، وبروز توجه دولي وإقليمي لتصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حقّ العودة وفرض التوطين في لبنان.

    2. البعد الأمني:

    من الملاحظ أن هناك جهات دولية وإقليمية ومحلية أرادت أن يبقى مخيم عين الحلوة مساحة لتصفية الحسابات، وصندوقاً لتبادل الرسائل، ومكاناً تأوي إليه العناصر المطلوبة. إذ ليس من المنطق أن تشهد جميع الأراضي اللبنانية هدوءاً أمنياً لا مثيل له من سنة 1990 إلى سنة 2005 عندما تمَّ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، ويبقى مخيم عين الحلوة وحده يعيش توترات أمنية من عمليات تفجير واغتيال في بقعة لا تزيد عن 2 كم2.

    3. البعد اللبناني:

    رفض الدولة اللبنانية بسط سلطتها الأمنية على مخيم عين الحلوة وباقي المخيمات الأخرى، فالدولة اللبنانية ترفض إدخال الجيش اللبناني إلى داخل المخيمات مع العلم أنها تحتفظ بوجود قوي في محيطها خصوصاً عين الحلوة. وهذا يترك المخيم في فوضى أمنية ويعزز الخلاف مع الجهات الرسمية في لبنان، ويظهر مخيم عين الحلوة أنه منطقة تعيش خارج القانون.

    4. البعد الإنساني والاجتماعي:

    يعاني مخيم عين الحلوة —مثل باقي الوجود الفلسطيني في لبنان— من أزمات اقتصادية وإنسانية واجتماعية، فالسلطة اللبنانية تمنع اللاجئين من العمل والتملك، والتعليم ضعيف، والرعاية الصحية سيئة، والبنية التحتية (ماء، وكهرباء، وصرف صحي) سيئة للغاية، ولا تتوفر في السكن أي مواصفات صحية أو بيئية، حيث يقل عدد الشوارع، ولا توجد ساحات عامة أو أماكن ترفيه أو ممارسة هوايات، وتنتشر الأزقة، وتتراجع فرص التعليم والانضمام للجامعات، وترتفع معدلات الفقر والبطالة والأمية.

    ويوجد في المخيم أكثر من خمسة آلاف مطلوب للدولة اللبنانية بتهم معظمها باطلة أو مضى عليها الزمن، ويفرض الجيش اللبناني طوقاً أمنياً قاسياً حول المخيمات، ويفتش الداخلين والخارجين ويحصر الدخول والخروج بمناطق محددة، ويقيم سواتر ودشم وحواجز في محيط المخيم، ويمنع الإعمار، وهناك قيود على عمل وتحرك وكالة الأونروا الدولية.

    عناصر مؤثرة:

    هناك مجموعة من العناصر تؤثر في الصراع في مخيم عين الحلوة:

    1. غياب المرجعية السياسية والعسكرية والأمنية الفلسطينية الواحدة القادرة على فرض الأمن، فهناك حالة من الصراع بين الفصائل الفلسطينية، وبين  حركة فتح والمجموعات الإسلامية بسبب محاولات فتح ضرب هذه الجماعات.

    2. عدم وجود اهتمام رسمي لبناني بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين عموماً وأوضاع المخيم، مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ووقف  الإجراءات الأمنية، وإنهاء هذه الأزمة من خلال قرارات سياسية وأمنية وتنموية فاعلة.

    3. وجود فكر متشدد داخل مخيم عين الحلوة، له ارتباطات خارج المخيم، ويتأثر بأحداث المنطقة وصراعاتها وانقساماتها، ويدخل أحياناً عنصراً  للمشاركة فيها، ويقبل منطق إيواء مطلوبين.

    4. وجود ارتباط وثيق بين مجموعات عاملة في المخيم مع أجهزة أمنية محلية وإقليمية، تتأثر بقراراتها وتنفذ توجهاتها.

    5. دخول عدد من المطلوبين إلى مخيم عين الحلوة، مثل بديع حمادة الذي قتل ثلاثة جنود من الجيش اللبناني سنة 2002، وتمّ تسليمه للسلطات اللبنانية وأعدم؛ وفضل شاكر الذي دخل إلى المخيم بعد أحداث منطقة عبرا سنة 2013، وشادي المولوي الذي دخل إلى المخيم سنة 20144، وتصر الدولة اللبنانية على تسلم هؤلاء في المخيم، في حين لا يوجد أي سبب لبقاء هؤلاء في المخيم، وتعجز الفصائل الفلسطينية عن اعتقالهم، ويحظون بدعم مجموعات داخل المخيم.

    6. اكتشاف النفط في البحر المتوسط قبالة السواحل اللبنانية، ووجود القوات الدولية في جنوب لبنان وخشية القوات الدولية من استخدام مخيم عين الحلوة  ضدها في أعمال عنف، وخشية شركات النفط من السبب نفسه.

    7. إن وجود عدد من المطلوبين الإسلاميين في المخيم يجعل المخيم مرتبطاً بالملف الدولي المسمى “مكافحة الإرهاب”. وهناك محاولات كثيرة  خصوصاً من جهات مرتبطة بالأمن الفلسطيني في رام الله بملاحقة هؤلاء وقتلهم أو اعتقالهم.

    8. رغبة حركة فتح في استعادة نفوذها في المخيم واستعادة السيطرة على جميع أحيائه، بصفته أهم المخيمات وأهم مناطق نفوذها سابقاً. وهنا تدخل في  صراع مع جميع المجموعات التي تتناقض فكرياً وسياسياً واجتماعياً مع حركة فتح، وترفض سياسات وبرامج منظمة التحرير الفلسطينية.

    السيناريوهات المتوقعة:

    أولاً: بسط سيطرة الجيش اللبناني على المخيم:

    وهذا يعني أن يقوم الجيش اللبناني بالحصول على موافقة فلسطينية وإقليمية ودولية بدخول المخيم وبسط سلطته داخله، سواء بالتفاهم أم بالقوة.
    إن هذا السيناريو مستبعد، على الأقل في المستقبل القريب، بسبب غياب الإرادة الداخلية اللبنانية، وصعوبة الحصول على تأييد إقليمي ودولي نظراً لحساسية القضية الفلسطينية ومستقبل ملف اللاجئين وحقّ العودة. فالدولة اللبنانية تخشى مشاريع التوطين، ولا تريد تحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لجميع اللاجئين.

    ثم إن هناك خشية من صدام عسكري لبناني فلسطيني يعيد الحرب بين الطرفين، وهي فكرة مرفوضة، وتكاليفها البشرية عالية وغير مضمونة، وآثارها ليست بسيطة. لذلك سيبقي الجيش اللبناني على إجراءاته الأمنية حول المخيم، ويعمل على معالجة ملف المطلوبين، ويحارب “الإرهاب” وقائياً، ويمنع تمدد الأحداث والاشتباكات، دون أن تتحمل الدولة اللبنانية العبء السياسي والاقتصادي لملف اللاجئين.

    ثانياً: موقف فلسطيني قوي ينهي الأزمة:

    وهذا يعني بروز موقف سياسي فلسطيني قوي يؤدي إلى توافق على إنهاء الصراع بالقوة أو بالتفاهم.

    حاولت جهات فلسطينية وضع حدّ للصراع داخل عين الحلوة، وأطلقت الفصائل الفلسطينية مبادرة موحدة في آذار/ مارس 2014 لمنع العنف، وشكلت لجنة أمنية خاصة من 250 عنصراً في عين الحلوة. لكن ذلك لم يَحلْ دون استمرار العنف، فشهد المخيم أعمال تفجير واغتيال وإطلاق نار، كان أشدها في صيف سنة 2014، كما شهد المخيم عمليات تصفية طالت عناصر محسوبة على “سرايا المقاومة” المتهمة باستهداف إسلاميين.
    وحصلت عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال بين عناصر من فتح وعناصر إسلامية.

    وبالرغم من محاولات فلسطينية كثيرة لمنع العنف إلا أنها لم تصل للنجاح المطلوب، وذلك بسبب تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية في عين الحلوة، وتعدد اللاعبين، واتساع نفوذ القوى المؤثرة، واستمرار الخلافات الفلسطينية، وتردد المسؤولين القائمين على اللجنة الأمنية، واتساع الخلاف داخل حركة فتح، ما أدى لانسحابها من اللجنة الأمنية المشتركة في شباط/ فبراير الماضي. ولا يبدو أن هناك قدرة فلسطينية على حسم الأوضاع داخلياً في عين الحلوة، على الرغم من محاولة جهات فلسطينية كثيرة معالجة الصراع المسلح وإنهاء ظاهرة المطلوبين.

    ثالثاً: استمرار الأزمة:

    وهذا يعني بقاء الوضع في مخيم عين الحلوة على ما هو عليه، من انقسامات وصراعات وعنف مسلح. هذا السيناريو هو المرجح في المستقبل القريب، بسبب ارتباط قضية مخيم عين الحلوة بعدد من الملفات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، ومستقبل القضية الفلسطينية وحقّ العودة، والصراعات في المنطقة، وملف مكافحة الإرهاب. وبسبب عدم قدرة الفصائل الفلسطينية على حسم الواقع العسكري داخل المخيم وتسليم المطلوبين، وعدم وجود إرادة لبنانية قوية لمعالجة أسباب الأزمة، وتحمل المسؤوليات السياسية والقانونية والاجتماعية، مع بقاء رغبة حركة فتح في السيطرة الكاملة على المخيم ومحاربة الإسلاميين ضمن ملف مكافحة الإرهاب، وخشية الإسلاميين من دور حركة فتح الأمني في ملاحقتهم.

    إن بقاء الأزمة يعني استمرار المعاناة الإنسانية في المخيم والإساءة للقضية الفلسطينية وللوجود الفلسطيني، وهذا يعني وجود برميل من البارود يهدد بالانفجار، وربما يهدد بالإطاحة بالمخيم بالكامل. ويرى الفلسطينيون أنه وبغض النظر عن الإشكالات الأمنية في مخيم عين الحلوة، ومدى خطرها، أن الفلسطينيين نجحوا في تحييد المخيم عن الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، منذ اندلاع أزمات المنطقة والأزمة في سورية، ولم تخرج من مخيم عين الحلوة أي عملية اعتداء خارجه.

    التوصيات:

    1. السعي لتعاون فلسطيني لبناني جاد ومشترك للوصول إلى حلّ جذري للأزمة وإطلاق حوار لبناني فلسطيني مشترك حول جميع نقاط العلاقة  الفلسطينية اللبنانية والتوصل لحلول فاعلة.

    2. فصل ملف مخيم عين الحلوة عن جميع الملفات السياسية وتعقيدات المنطقة.

    3. التعامل مع موضوع المطلوبين بالحكمة والحزم اللازمين، وإيجاد تسويات سياسية وقانونية لمعالجة قضاياهم كلما أمكن ذلك. وتطبيق سياسات تؤكد  على احترام القانون، وعدم تحميل المخيم مسؤوليات خارجة عن طاقته وإمكاناته.

    4. وضع خطة تنموية لعين الحلوة.

    5. تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة ضاربة، تضع حداً للعنف وتحفظ النظام في المخيم.

    6. تخفيف الإجراءات الأمنية في محيط عين الحلوة.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ رأفت مرة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟ Word (10 صفحات، 87 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟  (10 صفحات، 545 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 6/3/2017

  • التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟

    تقدير استراتيجي (98) – آذار/ مارس 2017. 

    ملخص:

    ظهرت تسريبات إسرائيلية حول انعقاد مؤتمر قمة سرِّي، مصري إسرائيلي أردني، في مدينة العقبة الأردنية، وبمشاركة وزير الخارجية جون كيري، قبل نحو عام في شباط/ فبراير 2016. كما رافقتها تسريبات وشائعات حول عرض قدمه الرئيس المصري السيسي لتوطين الفلسطينيين في أجزاء يتم اقتطاعها من سيناء بين رفح والعريش (نحو 1,600 كم2). وبالرغم من نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لوجود هذا الاقتراح المصري، إلا أنه أقر بانعقاد مؤتمر العقبة. أما الطرف المصري الذي تجنب الحديث عن المؤتمر، فقد نفى أيضاً وجود هذا الاقتراح.

    غير أن هناك ثمة ما يثير القلق من وجود مخططات إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ ومن احتمال تعرض النظام المصري لضغوط متزايدة للقبول بها، خصوصاً وأنه يعاني من ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة.

    تتلخص السيناريوهات في احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بحرب مدمرة على قطاع غزة تؤدي إلى تهجير أعداد منهم إلى سيناء، وثانياً في احتمال أن يحدث قبول مصري عربي بفكرة التوطين بما يوفر التسهيلات والمغريات اللازمة لذلك، وثالثاً في احتمال أن يتمكن الشعب الفلسطيني، وبدعم بيئته العربية والإسلامية، من إفشال مخطط التوطين؛ وهذا هو الاحتمال الأقوى والمرجح.

    أولاً: توطين الفلسطينيين في سيناء بين التأكيد والنفي:

    تناقلت الأنباء في 14/2/2017 أن الوزير الإسرائيلي، بلا حقيبة، وعضو حزب الليكود الحاكم نشر تغريدة على تويتر قال فيها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اتفقا على تبني ما وصفها بخطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية، وأنه بذلك يتم تعبيد طريق “السلام الشامل” مع ما وصفه بـ”الائتلاف السنّي”. وجاءت هذه التغريدة قبيل لقاء يجمع نتنياهو بترامب في واشنطن.

    وأعادت هذه التغريدة إلى الأذهان خبراً عن إذاعة الجيش الإسرائيلي جالي تساهال، في 8/9/2014، أن الرئيس المصري السيسي اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على قطاع غزة ونحو 1,600 كم2 من سيناء يتم ضمّها للقطاع. وعلى أبي مازن إذا ما وافق على المقترح أن يتنازل عن المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران/ يونيو 1967؛ غير أن عباس رفض هذا الاقتراح.

    وصرح أيوب القرا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه ناقش هذا المقترح يوم الأحد 12/2/2017 مع نتنياهو، وأن نتنياهو أبلغه بنفسه أنه سيثير المقترح مع ترامب.

    وبعد بضعة أيام، وتحديداً في 19/2/2017، كشفت صحيفة هآرتس عند انعقاد مؤتمر سرّي في 21/2/2016 في مدينة العقبة في الأردن بمشاركة نتنياهو، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، والملك عبد الله ملك الأردن، والرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أي قبل نحو عام من تاريخ الخبر. حيث امتنع نتنياهو عن الموافقة على مشروع تسوية قدمه جون كيري يتضمن، حسب هآرتس، اعترافاً بـ”إسرائيل دولة يهودية”، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم الدول العربية. غير أن الصحيفة لم تشر إلى مقترح للرئيس السيسي بشأن توطين الفلسطينيين في أجزاء من سيناء وضمها للدولة الفلسطينية المقترحة.

    وبالرغم من أن مصر والأردن لم تؤكدا حدوث مؤتمر العقبة، إلا أن نتنياهو نفسه أكد انعقاده، وأكد المشاركة في قمة مصرية إسرائيلية أردنية، مبرراً حالة الاستهجان من كتمان لقاء رفيع المستوى كهذا مع الرئيس المصري والملك الأردني، بقوله “أفعل الكثير من أجل عملية السلام، لكنني لا أستطيع أن أكشف كل شيء”.

    غير أن نتنياهو نفى تصريحات أيوب قرا بأنه كان ينوي بحث إقامة جزء من الدولة الفلسطينية في سيناء في لقائه مع ترامب.

    وقد كان لافتاً غياب أو تغييب المشاركة الفلسطينية الرسمية عن المؤتمر بالرغم من التزامها بمسار التسوية السلمية؛ وبالرغم من كونها الجهة المعنية أساساً بأي اتفاق متعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني.

    وبعد نفي نتنياهو لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، قام النائب السابق الجنرال أريه إلداد بالتصريح لموقع صحيفة معاريف أن الرئيس المصري السيسي اقترح فعلاً منح الفلسطينيين مساحة في شمال سيناء لإقامة دولتهم.

    أما في مصر فقد أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف أن “ما تردد مؤخراً عبر وسائل الإعلام بشأن وجود مقترحات لتوطين الأخوة الفلسطينيين في سيناء، هو أمر لم يسبق مناقشته أو طرحه على أي مستوى من جانب أي مسئول عربي أو أجنبي مع الجانب المصري”. وأضاف: “من غير المتصور الخوض في مثل هذه الأطروحات غير الواقعية وغير المقبولة، خاصة وأن أرض سيناء جزء عزيز من الوطن”. كما نفت وزارة الخارجية المصرية ما ذكرته القناة الصهيونية السابعة عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء واصفة إياه “بجملة من الأكاذيب”، وفي يوم المعلم نفى الرئيس السيسي هذه التصريحات بقوله “إن أحداً لا يملك أن يفعل ذلك”.

    ومما سبق لا تعكس التقارير والأخبار المتداولة معلومات دقيقة يمكن البناء عليها فيما يتعلق بمشروع لتوطين الفلسطينيين في سيناء ضمن عملية اقتطاع أجزاء منها لقطاع غزة. غير أن الطريقة التي ظهرت فيها هذه الأخبار تثير مجموعة من التساؤلات المشروعة… .

    فهل يمكن لوزير في الحكومة الإسرائيلية وعضو في حزب الليكود الحاكم ومقرب من رئيس وزرائه أن يكون مجرد “كذّاب”؛ ومجرد “مشاغب” يُحبُّ لفت الأنظار إلى نفسه حتى ولو بإفساد العلاقة مع دولة كمصر ذات قيمة كبرى في الاستراتيجية الإسرائيلية؟! ولماذا لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلا بعملية نفي للخبر… دون أن يقوم بتوبيخ أو معاقبة الوزير الإسرائيلي أيوب قرا؟!

    ولماذا سكتت مصر والأردن وأمريكا عن عقد مؤتمر العقبة واحتفظت بسره تماماً؛ ولم ينكشف إلا إسرائيلياً، ومن أعلى مستوى، بعد عام على انعقاده؟!
    وهل بالتالي هناك نقاط وأجندات أخرى سرية لم تنكشف حتى الآن؟! وهل كان موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء من بينها؟! وهل ما فعله القرا لم يكن سوى “بالون اختبار” بإذن من القيادة الإسرائيلية لجس نبض الرأي العام والتعرف على ردود الفعل المحتملة؟! ثم التقدم بخطوات عملية إلى الأمام إذا لم يكن هناك ثمة ما يثير القلق.

    ثانياً: دور الولايات المتحدة الأمريكية:

    بعيداً عن النظرة الأمريكية لـ”إسرائيل” بأنها أحد الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فقد أصبح واضحاً للعيان أن السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، ربما ستكون من أكثر الحكومات الأمريكية دعماً للأطماع الإسرائيلية في المنطقة، وسنداً لها في تحقيق ذلك؛ والمؤشرات هنا كثيرة أهمها:

    1. وعود ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

    2. تقرب دونالد ترامب ومعظم أعضاء إدارته العاملون في المناصب العليا إلى اليمين الصهيوني المتطرف.

    3. في سابقة خطيرة ولها دلالات مهمة وجّه ترامب دعوة لزعماء مجالس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية للمشاركة في حفل تنصيبه رئيساً  للولايات المتحدة.

    4. تحميل ترامب الفلسطينيين فشل العملية السلمية، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية “نشر الكراهية” وتبني بيان جاء فيه “أن الولايات المتحدة  الأمريكية لن تدعم إقامة دولة إرهابية في الأراضي المحتلة”، “وأن حلّ الدولتين أصبح على ما يبدو مستحيلاً الآن”.

    5. لا يمكن إغفال أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أوائل الدول التي دعت إلى فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين؛ عبر خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط مالك غي، سنة 19499.

    ثالثاً: المخططات الصهيونية وفكرة توطين الفلسطينيين في سيناء:

    فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء، لم تغب عن أذهان القادة الصهاينة ولا من خططهم الاستراتيجية، فهي فكرة تعدّ تطبيقاً للحكم الصهيوني بالتخلص من الشعب الفلسطيني وتوطينه وذوبانه في بيئات خارجية. وقد ظهر في ذلك عدة مشروعات، منها:

    1. مشروع إيجال آلون والذي ظهر سنة 1967، والذي دعى إلى فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء استغلالاً لظروف “عجز السلطات المصرية في  فرض سيطرتها الأمنية في سيناء” وهي الحالة التي تشبه الأوضاع الحالية.

    2. مشروع مستشار الأمن القومي الصهيوني جيورا أيلاند سنة 2004، والذي دعى إلى تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين اللاجئين. مقابل أن يتنازل الكيان الصهيوني عن 200 كم22 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية.

    3. خطة يوشع بن آريه سنة 2013، والتي تنص على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة،  ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.

    وهو ما يعني أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء حاضر حتى الآن في العقل الإسرائيلي.

    رابعاً: دور مصر:

    بالرغم من النفي المصري الرسمي لوجود مقترحات لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ إلا أنه يجب متابعة السلوك الرسمي للتأكد أنه ليست هناك ثمة أجندات غير معلنة، وأن النظام لن يخضع لأي ضغوط خارجية في سبيل الوصول إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في العودة وإنهاء الاحتلال.

    فقد سبق للنظام المصري تحت قيادة عبد الناصر أن تعامل بإيجابية مع فكرة توطين نحو 50–60 ألف فلسطيني في سيناء، وأخذ الأمر شكلاً جاداً عندما تعاون مع الأونروا في الفترة 1953–1955 لتجهيز هذا المشروع. غير أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نجح في إسقاط المشروع وإلغائه.

    كما أن هناك عوامل مهمة يجب أخذها بعين الاهتمام أبرزها العلاقة المتميزة والتعاون غير المسبوق بين نظام السيسي وبين الجانب الإسرائيلي، وقيامه بدور أساسي في حصار قطاع غزة، وهشاشة الوضع السياسي في مصر، وانفراد السلطة الحاكمة بالقرار مع تغييب وضرب قوى المعارضة الفاعلة، والأزمة الاقتصادية المتصاعدة في مصر، وحاجة النظام المصري الماسة للدعم الأمريكي والغربي لمواجهة مشاكله السياسية والاقتصادية والأمنية…؛ وبالتالي سهولة وضع النظام تحت الضغط في سبيل البقاء؛ على الأقل وفق الحسابات الإسرائيلية الأمريكية.

    خامساً: فلسطينياً:

    من يتابع التصريحات الصادرة عن القيادات الفلسطينية من كافة الاتجاهات حول فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء يجد بأن هناك إجماعاً على رفض الفكرة. وفي الحقيقة فمن الصعب الجزم بإمكانية تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء من الناحية المنطقية والعقلانية. وحتى الآن، فقد تمكن الفلسطينيون رسمياً وشعبياً من إفشال كافة مشاريع التوطين التي استهدفتهم.

    سادساً: السيناريوهات المحتملة:

    1. محاولة تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء من خلال حرب مدمرة:

    ترتفع مؤشرات شنّ عدوان شرس على غزة وبوتيرة متسارعة. عدوان قد تكون أحد نتائجه تهجير عدد كبير من سكان قطاع غزة إلى سيناء، سواء من خلال اتفاق إسرائيلي مصري أم دون ذلك. فقد تقوم “إسرائيل” بهذه الخطوة استناداً على ما يلي:

    أ. وجود قيادة صهيونية يمينية عنصرية متطرفة تتولى زمام الحكم.

    ب. القوة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في ظلّ الحديث عن توقعات بتوفير غطاء ودعم أمريكي غير مسبوق.

    ج. عجز المؤسسات العربية والدولية في حلّ الأزمات الإقليمية.

    ‌د.  يجب الأخذ في الاعتبار حمامات الدم في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سورية واليمن وليبيا، والتي قد تشكل دافعاً للكيان الصهيوني لارتكاب مذابح مشابهه في حقّ سكان غزة لتشكل ضغطاً عليهم تجبرهم للفرار إلى سيناء.

    ‌ه. الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، والتي قد تضطر أعداداً منهم للسكن في سيناء إذا ما أتيح لهم ذلك في وجود بدائل وحوافز  حياتية أفضل.

    ‌و. تنامي أفكار الهجرة والبحث عن حياة في مكان آخر لدى أوساط الشباب من سكان القطاع. فقد أشارت إحدى الدراسات أن 24% من الشباب لديهم  الرغبة في الهجرة للخارج.

    في حال أراد الكيان الصهيوني تهجير فلسطيني غزة، ليس المقصود كل سكان غزة وإنما جزء منهم بهدف إيجاد بذرة التوطين، خصوصاً وأن الفارين لسيناء من سكان القطاع من المتوقع بأنهم سيحصلون في البداية على خدمات ومساعدات من قبل منظمات دولية تعزز وجودهم، ليتسلل إليهم بأن الأوضاع في سيناء أفضل من غزة، وليتحول الاستقرار المؤقت إلى استقرار دائم.

    غير أن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، وقد يأخذ شكل مغامرة إسرائيلية غير معروفة العواقب؛ إذ قد ترتد هذه المحاولة بآثار عكسية واسعة على المشروع الصهيوني، فينهار مسار التسوية السلمية، وتكتسب قوى المقاومة مزيداً من الشرعية، كما أن صمود الشعب الفلسطيني ووعيه بمخططات التوطين سيسهم في إفشالها، كما أنه قد تتشكل بيئة عربية وإسلامية قوية تدفع النظام المصري لعدم التعاون على تنفيذ هذا المخطط، بالإضافة إلى الوجه البشع لـ”إسرائيل” الذي سينكشف بشكل أكبر، مما يتسبب لها بمزيد من العزلة والفشل.

    2. إمكانية القبول العربي بالتوطين:

    وهذا السيناريو يعتمد على أن تقبل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية في نهاية المطاف بحلول قد تذهب إلى تصفية القضية الفلسطينية وذلك للعوامل التالية:

    أ. انشغال العديد من الدول العربية في إشكالياتها التي لا حصر لها، والتي كانت تعدُّ سابقاً دول مناصرة للقضية الفلسطينية.

    ب. تعاني عدد من الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية حالة يمكن وصفها بـ”الرعب” من المجهول، جعلها تخشى على مستقبلها ومستقبل بلدانها، مما  يجعلها تتفهم أي حلول يضمن استقرار أنظمتهم ووحدة أراضيهم، معتقدين بأن العلاقات العربية الجيدة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تضمن لهم ذلك.

    ج. انشغال الأحزاب والقوى الشعبية العربية والإسلامية بإشكالياتهم الخاصة بشكل يبعدهم عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية.

    د. من المتوقع أن تكون مرحلة ما بعد محمود عباس في غاية الصعوبة؛ وذلك لاستمرار الانقسام، وغياب دور المؤسساتية. مما يغيّب أي دور فلسطيني  فعال ومؤثر مستقبلاً ويدخل السلطة الفلسطينية في مربع النزاعات الداخلية، لتعود القضية الفلسطينية إلى أحضان الدول العربية وبالتحديد مصر مرة أخرى. والتي يعاني نظامها السياسي من مجموعة من المشاكل الكبيرة التي قد تجعله قابلاً للضغط والابتزاز.

    إلا أن احتمال حدوث هذا السيناريو ضعيفة، وذلك لأنه من المتوقع أن يرفض الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين، مما يجعل الأنظمة العربية الحاكمة تخشى من ردّ فعل الشارع العربي؛ حيث ما زال موضوع التوطين “محرقة” لشعبية الأنظمة وحتى لشرعيتها في البيئة العربية.

    3. فشل مشروع التوطين:

    من المتوقع أن يفشل سيناريو توطين الفلسطينيين في سيناء، فعلى مدى سبعين عاماً تمكّن الفلسطينيون من إفشال عشرات مشاريع التوطين؛ وما زال ثمة إجماع فلسطيني على رفض التوطين وعلى حقّ العودة. وهو السيناريو الأرجح، فكلاً من الشعبين المصري والفلسطيني، يمثلان عقبة حقيقية أمام تنفيذ خطة الوطن البديل. وإن الروح الوطنية والقومية والإسلامية، مع تكريس حدود الدولة القُطرية تشكل موانع ودوافع حقيقية ضدّ التوطين.

    إضافة الى حرص السلطة الفلسطينية على عدم التطرق للمسائل الحساسة وعلى رأسها قضية اللاجئين، كما أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي لن تسمح بمرور مخططات كهذه بكافة الطرق.

    ثم إن السياسات الرسمية العربية ما تزال ملتزمة حتى الآن برفض التوطين وبحق العودة للاجئين.

    سابعاً: الخلاصة:

    على الرغم من عقود التهجير الطويلة ما زالت ثقافة العودة ورفض التوطين تشكل قلقاً كبيراً للدولة الإسرائيلية؛ إلا أنها تسعى دائماً لإيجاد ثغرات تحقق لها أهدافها في التخلص من ملف اللاجئين الفلسطينيين. ونظراً للظروف الفلسطينية والعربية والإسلامية الصعبة، جراء ما تعينه المنطقة من إشكاليات ما بعد ثورات ما يُعرف بـ”الربيع العربي” فإنها ستسعى إلى تسليم فلسطيني وعربي بقبول فكرة التوطين في سيناء. إلا أن الشواهد التاريخية تقول إن المخططات الصهيونية تجاه القضايا الفلسطينية المصيرية تمّ مواجهتها من قبل الشعب الفلسطيني بقوة من خلال الانتفاضات الفلسطينية المتكررة؛ والتي دائماً ما كانت تقف أمام أيّ تهديد صهيوني حقيقي؛ وما تزال جذوة المقاومة قوية في نفوس الشعب الفلسطيني، والتي كان من أبرز نماذجها الانتفاضة المباركة 1987–1993 وانتفاضة الأقصى 2000–2005، وصمود غزة في حروب ثلاث 2008/2009 و2012، و2014؛ بالإضافة إلى انتفاضة القدس. كما أن ثقافة الصمود على أرض الوطن، وثقافة العودة ما تزال تجد أرضاً صلبة في الوسط الفلسطيني.

    ثامناً: التوصيات والمقترحات:

    من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء والعمل على عرقلته؛ مع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى الإقليمية لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية والإعلامية هي الأدوات المتاحة، وهذا يستدعي ما يلي:

    1. تكثيف النشاط الإعلامي والتوعوي في الوسط الفلسطيني حول مؤامرات التوطين ومخاطرها.

    2. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني بشكل يستوعب كافة القوى والشرائح، وبما يعمق البناء المؤسسي الذي لا يتأثر  بوفاة الأشخاص وتغير القادة.

    3. مطالبة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز باتخاذ مواقف حاسمة، وإصدار بيانات تحذر من تصفية قضية  اللاجئين الفلسطينيين من خلال مشاريع التوطين.

    4. دعم أي توجه قضائي للناشطين الحقوقيين في مصر يرفض فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء.

    5. التوجه للمنظمات الفاعلة في المجال الإنساني والحقوقي واستصدار بيانات تحذر من توطين الفلسطينيين خارج ديارهم.

    6. التأكيد على الوحدة الجغرافية لفلسطين وأن الضفة الغربية وقطاع غزة هما جزءان لا يتجزآن منها.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ محمد أبو سعدة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟ Word (11 صفحة، 94 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟  (11 صفحة، 564 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/3/2017

  • تقدير موقف حول فرص إجراء الانتخابات الفلسطينية

    مقدمة

    في ظل الانقسام السياسي الحاد، الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وفشل سبل المصالحة الداخلية، وفي ظل مرور القضية الفلسطينية بأخطر مراحلها، ومحاولة تصفيتها من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر2019، عن عزمه عقد انتخابات فلسطينية عامة، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، حال عودته. ومع أن استخدام تعبير”الانتخابات العامة”، يوحي أنه يشمل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، إلا أن ما تم توضيحه لاحقا، هو أن الرئيس كان يقصد الانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد قوبل هذا الخطاب بموافقة حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، على المشاركة في الانتخابات، مع تأكيدهم على أهمية إجراء الانتخابات الوطنية بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ومنذ إعلان الرئيس عباس، وحتى إعداد هذا التقدير، يسود المشهد السياسي نقاشٌ حول مدى جدية الدعوة، وملاءمة الظروف الموضوعية والذاتية، وإمكانية وجود فرصة حقيقية لإجراء الانتخابات.

    خلفيات الدعوة للانتخابات

    بعد إقدام السلطة الفلسطينية على سلسلة إجراءات عقابية ضد غزة، أعلن المجلس التشريعي في غزة، وعلى لسان نائب رئيس المجلس د. أحمد بحر، عدم شرعية الرئيس عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، وفقدان تمثيله للشعب الفلسطيني. هذا الموقف الصادر عن المجلس التشريعي في غزة، جاء قبل يوم واحد من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد ذكر د. أحمد بحر، أن “عباس” يعتلي منبر الأمم المتحدة دون أي شرعية قانونية، أو دستورية، أو وطنية، ولا يمثل شعبنا، وإنما يمثل نفسه فقط، مؤكدا “أن من يجوّع شعبنا، وينسق مع الاحتلال، ويصر على نزع سلاح المقاومة، ويفرط بدماء الشهداء وعذابات الأسرى، ويعترف بدولة الاحتلال، ويتنازل عن حق العودة، لا يمكن أن يمثل شعبنا”. بعد ثلاثة شهور تقريبا من هذا الإعلان، أقرت المحكمة الدستورية والتي شكلها الرئيس عباس، قرار بحل المجلس التشريعي وذلك في نهاية شهر كانون أول/ ديسبمر 2018.

    خلَقَ حل المجلس التشريعي حالة من الفراغ القانوني، وعزز مركزية السلطة بشكل أكبر بيد الرئيس عباس. وقد تجسد ذلك مرة أخرى عند تكليفه الدكتور محمد اشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بعد إقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله، ورفْض حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، هذه الخطوات، واعتبارها تجاوزا للقانون الفلسطيني.

    ينص القانون الأساسي الفلسطيني على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية كل 4 سنوات. ومع ذلك، فإن آخر انتخابات رئاسية كانت قد أُجريت عام 2005، وآخر انتخابات تشريعية عام 2006. وبالتالي، فإن كلا من الرئيس محمود عباس والمجلس التشريعي، يواجهون أزمة حقيقية أمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، حول عدم تجديد شرعيتهم الانتخابية.

    فتحاويا، يواجه الرئيس عباس تحديًا حقيقيًا في كيفية إدارة القوى المنافسة له داخليا. ففي قطاع غزة، تزداد قوة محمد دحلان بشكل مستمر، خاصة بعد اصطفاف عدد من القيادات الفتحاوية المعروفة، وأعضاء من المجلس التشريعي عن حركة فتح في غزة، مثل سمير المشهراوي، وسفيان أبو زايدة، وهشام عبد الرازق معه. وتشير تقديرات بعض المحللين، إلى أن تيار دحلان، يمكنه أن يستحوذ على نسبة معتبرة من كتلة فتح الانتخابية، في حال إجراء أي انتخابات قادمة، ومشاركة التيار فيها.

    وفي الضفة الغربية، يواجه الرئيس عباس تحدي الخلاف مع القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتياره الذي برز بشكل واضح أثناء الإضراب عن الطعام “إضراب الكرامة”، الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال عام 2017، والذي قاده البرغوثي خلافا لرغبة السلطة.

    تأتي هذه التحديات الداخلية الفتحاوية، في ظل تزايد احتمال غياب عباس عن المشهد، سواء لأسباب صحية، أو لتقدمه في العمر. الأمر الذي قد يوحي بقناعة الأطراف الفتحاوية المختلفة، بأهمية تشكيل تكتلات جديدة، لسد الفراغ في حال غياب عباس عن المشهد السياسي الفلسطيني، والأمر ذاته يدفع الرئيس عباس لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي، لتعزيز استقرار الحركة من بعده.

    كذلك تأتي دعوة محمود عباس بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثانية، وعدم قدرة أي من الأطراف على تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يعزز إمكانية الذهاب لانتخابات إسرائيلية ثالثة. في هذا السياق، يمكن القول إن عدم الاستقرار الإسرائيلي الداخلي، يربك المشهد الفلسطيني باستمرار، خاصة بعد عزم نتنياهو، كما أعلن في دعايته الانتخابية، على ضم أراضي الأغوار الشمالية والمرتفعات الاستيطانية، لسيادة الاحتلال الإسرائيلي. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على موت مسار أوسلو، ووضع قيادة منظمة التحرير أمام انسداد سياسي كبير. وقد ظهر نتنياهو أكثر جدية في موضوع ضم الأغوار الشمالية، حينما أعلن عن ذلك بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد يوم واحد من إعلان وزير الخارجية الأمريكية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. 

    في قطاع غزة، تتدهور الحالة الإنسانية بسبب استمرار الحصار المفروض منذ أكثر من 12 عاما، وتستمر حركة حماس في حكم غزة في ظل ظروف اقتصادية خانقة. فطبقاً للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وصلت نسبة البطالة إلى ما يقارب 55%، ونسبة من يقبعون تحت خط الفقر ما يقارب الـ 34%. مسيرات العودة ما زالت مستمرة، وعدد الشهداء في تزايد مستمر أيضا، إذ ارتقى حتى الآن 350 شهيدا منذ بدء مسيرات العودة، في حين أصيب ما يقارب 19 ألف فلسطيني وفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان. ظرف غزة المعقد يدفع حركة حماس للبحث عن أي مخرج سياسي لتخفيف عبئ الحصار، الأمر الذي قد يجعل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بداية لذلك بالنسبة لحماس.

    الأطراف الفاعلة: الدوافع والمصالح

    هناك ثلاثة أطراف فاعلة بشكل مباشر في موضوع الانتخابات الفلسطينية، هي حركة فتح، وحركة حماس، و”إسرائيل”. أما الأطراف ذات التأثير غير المباشر، فهي المجتمع الدولي، والإدارة الأمريكية.

    يمكن التنبؤ بالأهداف التي تسعى حركة فتح إلى تحقيقها من خلال الانتخابات في هذه المرحلة الحرجة، وبناء على السياقات المذكورة أعلاه وهي:

    1. إعادة ترتيب شكل التواجد الفتحاوي في الجسم التشريعي الفلسطيني ، بما يضمن إضعاف التيارات المنافسة لمحمود عباس، أي دحلان في غزة والبرغوثي في الضفة، وبالتالي الحفاظ على استقرار حركة فتح.
    2. تجديد الشرعية الانتخابية، الرئاسية والتشريعية، محليا وإقليميا ودوليا.
    3. تحقيق عدة مصالح حزبية في ظل وجود أبو مازن، والتي قد يصعب الحفاظ عليها بعده، مثل الاستمرار في السيطرة على السلطة ومكتسباتها.
    4. البحث عن مخرج للمسار السياسي المأزوم مع الاحتلال الإسرائيلي.
    5. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني، أي حركة حماس، أو جرها لبرنامج أبو مازن السياسي.

    أما الأهداف التي تسعى حركة حماس إلى تحقيقها من إجراء الانتخابات في هذه المرحلة، فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

    1. تخفيف الحصار عن قطاع غزة، من خلال الحكومة المنبثقة عن التشريعي الجديد، حتى لو كان ثمن ذلك تخلي حماس عن الحكم في القطاع.
    2. الرغبة في تجديد شرعيتها محليا وإقليميا ودوليا، لدفع جميع الأطراف لقبول حماس كفاعل مهم، والتفكير بالتعامل معه.
    3. حلحلة الواقع المعقد لها في الضفة الغربية، وإيجاد منصات عمل سياسي وجماهيري، تعيد لها الاعتبار والحضور. والتغلب على بعض العقبات بالذات المرتبطة بالسلطة.
    4. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني “حركة فتح”، وإضعاف مسار التسوية.
    5. التمهيد للدخول في منظمة التحرير كلاعب مؤثر.

    أما الاحتلال، فإن مصلحته تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وهو بذلك يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:

    1. استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية كبيرة للاحتلال.
    2. الاستمرار في التمدد الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية.
    3. إنهاء الحالة السياسية الوطنية في القدس.
    4. ضمان الاستقرار الأمني، سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل.

    أما المجتمع الدولي، ومع أن الشرعية الانتخابية الفلسطينية تبدو مهمة له؛ لتعزيز مسار حل الدولتين ودعمه، إلا أنه كان قد رفض التعامل مع ما أفرزته انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، التي حصلت فيها حركة حماس على الأغلبية، وفي المقابل استمر في التعامل مع محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، حتى بعد انتهاء فترة ولايته عام 2009. الأمر الذي يعزز فكرة أن المجتمع الدولي معني بالدرجة الأولى بتعزيز مسار حل الدولتين، لكنه لن يهتم كثيرا بالشرعية التي تفرزها الانتخابات.

    وبخصوص الموقف الأمريكي، يبدو أن مصالح الإدارة الأمريكية الحالية، تنسجم مع تحقيق مصالح دولة الاحتلال المذكورة آنفًا. فالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، اتخذت العديد من القرارات التي تدمر حل الدولتين، والتي تمثلت فيما يطلق عليه صفقة القرن. وبذلك، فإن الإدارة الأمريكية تعمل على إيجاد محدداتٍ وأطرٍ جديدة للحل، لا تراعي فيها حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبالتالي، فالإدارة الأمريكية الحالية غير مهتمة بموضوع الانتخابات، بقدر ما يهمها المضي قدما في تحقيق تفاصيل صفقة القرن.

    السيناريوهات الممكنة

    عمليا، اللاعب الأكثر تأثيرا في إجراء الانتخابات أو عدمه، هو حركة فتح، متمثلة بشكل أساسي برئيسها، ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس، الذي تتمركز السلطة بيده. فقرار عباس الذهاب للانتخابات، خاصة بعد موافقة الفصائل الفلسطينية على المشاركة، يعني أن الانتخابات ستتم إذا تم تجاوز تحدي إجراء الانتخابات في القدس. وبالتالي، من الضروري مقاربة أهداف حركة فتح والرئيس عباس في الوقت الحالي، مع المصالح المتحققة من إجراء الانتخابات. وبالتالي فالسيناروهات المتوقعة لمسار الانتخابات هي:

     السيناريو الأول: عدم إجراء الانتخابات

    يرتبط هذا السيناريو بحركة فتح، وهو يُطرح لأن تقديرات حركة فتح تشير إلى أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، لا يحقق مصلحتها في ترتيب بيتها الداخلي، بل ربما تضرها ضررا واضحا. فالدخول في الانتخابات فيه مخاطر كثيرة، خاصة إذا استطاع تيارا دحلان والبرغوثي تقوية الاصطفاف الداخلي لصالحهما. ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، حسب بعض قيادات الحركة، يمكن أن يتم بطرق أخرى أكثر فعالية، وأقل مخاطرة، وأقل خسارة على المدى الاستراتيجي، لأن الانتخابات لا تعني بالضرورة قدرة حركة فتح على الفوز في المجلس التشريعي، أو حتى إبقاء محمود عباس، أو غيره، في رئاسة السلطة. يتعزز هذا الاحتمال في ظل وجود مؤشرات على افتقاد حركة فتح لقاعدة شعبية واسعة، خاصة في الضفة الغربية، نتيجة لانسداد المسار السياسي، واستمرار التنسيق الأمني، والتضييق على الحريات العامة، وتدهور الحالة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تأتي الانتخابات لصالح الخصم السياسي لحركة فتح، أي حركة حماس، في حال حصولها على أغلبية، أو حتى على نسبة جيدة تمكنها من إعادة ترتيب صفوفها الداخلية، واستعادة شرعيتها في الضفة الغربية، وبالتالي عودة فعاليتها ونشاطها فيها، بعد أن تم تقويضها لأكثر من 12 سنة، وهو الأمر غير المرغوب فتحاويًا، لذلك ليس من مصلحة فتح إجراء الانتخابات.

    أما مصلحتها في البحث عن مخرج لمسار التسوية المأزوم، فإن ذلك يشكل دافعًا آخر لحركة فتح في عدم إجراء الانتخابات، إذ أن المشهد السياسي في “إسرائيل”، يشير بنسبة كبيرة إلى خروج نتنياهو من هذا المشهد، سواء بسبب توجيه الاتهام له بالفساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي، أو بسبب المشهد المعقد الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة. وبالتالي، فإن المؤشرات تسير باتجاه بيني غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن غانتس يُحسب على اليمين الوسط، إلا أنه من ناحية أولية لا يعارض العودة إلى المفاوضات مع أبو مازن. من هنا، فإن إجراء الانتخابات الفلسطينية، وحصول حماس على شرعية جديدة، وربما شرعية تعزز قوتها في المشهد الفلسطيني، يدفع أبو مازن إلى عدم إجراء الانتخابات، وذلك من أجل أن يذهب إلى المفاضات دون وجود مجلس تشريعي، ولا معارضة، ولا “وجع راس” كما يُقال.

    على المستوى الإقليمي والدولي، من المرجح عدم وجود رغبة دولية لإعطاء حماس فرصة لتجديد شرعيتها في المشهد الفلسطيني، وتعزيز حضورها من جديد، وخاصة في الضفة الغربية. كما أن الجدية تجاه إجراء الانتخابات لاعتبارات الديمقراطية وشرعية المؤسسات، تبقى محل تساؤل، حيث تعامل المجتمع الدولي مع غياب هذه الحالة لأكثر من عقد من الزمن، ورضي بالوضع القائم، الذي هو بعيد كل البعد عن المعايير الديمقراطية، التي يتغنى بها المجتمع الدولي.

    إضافة إلى ذلك، فإن مصالح دولة الاحتلال، المتمثلة في إبقاء الانقسام، واستمرار الاستيطان، والحفاظ على الأمن، وإنهاء الحالة الوطنية في القدس، تتحقق بشكل أكبر من خلال عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية. كما أن الوضع الداخلي الإسرائيلي الحالي، يختلف عما كان عليه عام 1996، وعام 2006، حينما أُجريت الانتخابات الفلسطينية الأولى والثانية، وسمحت “إسرائيل” وقتها بمشاركة فلسطينيي القدس في الانتخابات. اليوم الوضع مختلف كثيرًا، حيث يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، واليمين المتشدد، الذي ينظر إلى القدس بحساسية شديدة. كما أن “إسرائيل” اليوم لا تبالي بالمجتمع الدولي ، ولا بالعالم العربي المتناحر، ولا بالأمم المتحدة ، ولذا فليس من المستبعد أن تمنع “إسرائيل” فلسطينيي القدس من المشاركة في الانتخابات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي سوف يتسبب في رفض الفلسطينيين لإجراء الانتخابات دون القدس، سواء كان ذلك لأسباب وطنية جوهرية، أو فرصة للتنصل من الانتخابات لدى من لا يرغبون فيها. هنا يُذكر أن “إسرائيل” اعتقلت نواب القدس عن حركة حماس، ووزير القدس في حكومة حماس، وأبعدتهم عن القدس إبعادًا دائمًا، وسحبت هوياتهم، دون أن يحرك أحد ساكنًا، وأصبح الأمر واقعًا قائمًا.

    باختصار، فإن مصلحة عباس، والإقليم، والمجتمع الدولي، وحتى “إسرائيل”، تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وتتطلب العمل على تحجيم حماس وشرعيتها، إلا إذا كان لديها الاستعداد للانخراط في عملية التسوية السياسية، وهو ما لا تدعمه أي مؤشرات.

    وفي هذا السياق، قد يظهر تخوف حماس غير المعلن في حال مشاركتها في الانتخابات، فإذا فازت في الانتخابات التشريعية مرة أخرى، فستواجه تحديًا في استحقاقات هذا الفوز، وخاصة تكرار تجربة عام 2006، والحصار الذي فرضه العالم على حكومتها، وعلى أعضائها في المجلس التشريعي. وإذا خسرت الانتخابات، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضعافها، وزيادة الضغط عليها، وعلى برنامجها.

    السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات

    تمر القضية الفلسطينية بواحدة من أسوأ مراحلها، نتيجة الدعم اللامتناهي من الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو، لتصفية العديد من ملفات الحل النهائي، كالقدس، واللاجئين، والاستيطان. يأتي ذلك كله في ظل استمرار حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني الداخلي. المؤكد هو أن هذه الحالة أضعفت جميع الأطراف الفلسطينية سياسيا، وأن الرئيس عباس تحديدا، بات يواجه تحديات على عدة مستويات: فلسطينيا وفتحاويا، ويحتاج إلى أكبر حشد شعبي للوقوف خلفه لمواجهة هذه التحديات، وخاصة صفقة القرن، وموت مسار أوسلو. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يسعى الرئيس عباس إلى إقناع الأطراف المختلفة، بأن الكل الفلسطيني ما زال مقتنعا بحل الدولتين، وهذا ما ذكره بشكل واضح في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، حينما أشار إلى أنه ما زال مؤمنا بأن الحل الوحيد، هو حل الدولتين. إن صح هذا التوقع، فهذا يعني أن عباس يريد العمل على احتواء حركة حماس، وكسب حشدها الشعبي، لتقوية موقفه في مواجهة صفقة القرن، وتوظيف ذلك في الدعوة للعودة إلى مسار التسوية. ما يرجح هذا السيناريو كذلك، حديث بعض القيادات من حركة فتح عن إمكانية الترشح للانتخابات، بقائمة واحدة مشتركة بين حماس وفتح. قبول حماس بذلك، قد يعزز موقف الرئيس عباس في تحقيق ما يراه مصالح وطنية، وربما مصالح حزبية فتحاوية، مثل ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وجر حماس، ولو بشكل غير مباشر، إلى مسار التسوية، أو استخدامها في تحقيق ذلك. لكن من الجدير ذكره، أن هذا السيناريو يتطلب من حماس قبولها الترشح في الانتخابات بقائمة مشتركة مع فتح.

    أما على صعيد حركة حماس، فإن إجراء الانتخابات عموما، يحقق جملة من المصالح، أهمها التحلل، أو التخفيف من عبء إدارة قطاع غزة في ظل الحصار الخانق عليه، سواء بتحمل حركة فتح هذا العبء، إذا أفضت نتائج الانتخابات إلى حصولها على الأغلبية، أو بمشاركة الأطراف الفلسطينية الأخرى في إدارة القطاع. وفي حال تحقق سيناريو إجراء الانتخابات، وفوز حركة حماس بالأغلبية، أو حتى حصولها على مقاعد معتبرة في المجلس التشريعي، فستعتبر حماس ذلك فرصة ومدخلًا لتعزيز وجودها في الضفة الغربية، وزيادة احتمال دخولها في منظمة التحرير، وبالتالي تعزيز شرعيتها مرة أخرى في الساحة الفلسطينية والدولية. 

    السيناريو المرجح

    بإجراء مقاربة موضوعية للسيناروهات المحتملة، فإنه السيناريو الأول، وهو عدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في المرحلة الحالية، هو الأكثر احتمالًا، وذلك للاعتبارات التالية:

    • رغبة حركة فتح في عدم تعميق أزمتها الداخلية من خلال المشاركة في الانتخابات.
    • ضعف فرصة حركة فتح في الفوز بأغلبية في الانتخابات التشريعية.
    • رغبة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وربما الإقليم والمجتمع الدولي، بعدم تجديد الشرعية لحركة حماس.
    • معارضة دولة الاحتلال وعدم سماحها بإجراء الانتخابات في القدس.
    • رغبة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الحالية في استمرار الانقسام الفلسطيني.
    • عدم جدية المجتمع الدولي في ضغطه باتجاه إجراء الانتخابات.

    بالرغم مما يُقال عن وجود ضغوط دولية على الرئيس عباس لانتخاب مجلس تشريعي جديد بعد حل المجلس الأخير، فإن الرئيس عباس سيعمل على إقناع العالم بمخاطر الانتخابات، لأنها قد تسفر عن عودة حماس مرة أخرى إلى النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي سيخلق انعكاسات لا يريدها المجتمع الدولي. ورغم ما يُقال أيضا عن استحقاق مهم يسعى إليه الرئيس عباس في أيلول/ سبتمبر القادم، وهو التقدم إلى الأمم المتحدة بمشروع حصول فلسطين على العضوية الدائمة، وما يتطلبه ذلك من وجود برلمان منتخب، فإن الرئيس عباس يفضل تأجيل الموضوع إذا كانت الانتخابات ستُظهره ضعيفًا، أو لا يمثل الكل الفلسطيني.  

    الاعتبارات المذكورة ترجح أن دعوة الرئيس عباس للانتخابات، جاءت كمناورة سياسية لإحراج حركة حماس، وكرسالة دعائية لتطمين المجتمع الدولي. لكن إعلان حركة حماس والفصائل الفلسطينية، الاستعداد للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فاجأت الرئيس وحركة فتح. ولكن رغم التصريحات الإيجابية تجاه استحقاق الانتخابات، إلا أن الرئيس عباس وحركة فتح، سيخلقون المبررات لعدم إجراء الانتخابات في هذه المرحلة.

  • مركز الزيتونة يصدر كتاب ”النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو: المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً“

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً بعنوان النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو، المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً، من تأليف الأستاذ فرحان موسى حسين علقم.

    والكتاب، الواقع في 214 صفحة من القطع المتوسط، هو رسالة نال بها المؤلف درجة الماجستير في برنامج الدراسات الإسرائيلية من معهد الدراسات الإقليمية بكلية الدراسات العليا، جامعة القدس سنة 2012.

    تسعى هذه الدراسة لتوسيع فهمنا حول تأثير النزاع على السيادة في فلسطين في ظلّ اتفاقيات أوسلو، على المخزون المائي وعلى سياسة ”إسرائيل“ المائية في الضفة الغربية، والتعرف على إمكانية التصدي لهذه السياسة من خلال هذه الاتفاقيات.

    معلومات النشر:

    – العنوان: النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو: المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً
    – تأليف: فرحان موسى حسين علقم
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات -بيروت
    – عدد الصفحات: 214 صفحة
    – الطبعة الأولى: 2016
    – السعر: 10$

    Book_Conflict_Sovereignty_Palestine_Oslo_Water-Reserve_WB-200

    ويتضمن الكتاب خمسة فصول، تناولت الخصائص الجغرافية للضفة الغربية ومصادر المياه فيها، والمياه الفلسطينية في القوانين والمعاهدات الدولية، والهيمنة الإسرائيلية عليها بعد سنة 1967. واختتم الكتاب بجملة من النتائج والتوصيات التي تركزت حول مبدأ امتلاك الشعب الفلسطيني الحق الدائم في السيادة على أرضه، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي في حرمانه منها، بالإضافة إلى بعض الوثائق.

    وقد اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي لتتبع تطور سياسية ”إسرائيل“ المائية في منطقة الدراسة. إضافة إلى المنهج الوصفي والتحليلي لوصف وتحليل آثار اتفاقيات أوسلو على سياسية ” إٍسرائيل” المائية، وذلك من خلال بحث في الكتب المنشورة، باللغتين العربية والإنجليزية، وإجراء مقابلات مع مسؤولين وخبراء ومستشارين في موضوع المياه.

    لقد توصل الباحث إلى ان ”إسرائيل“ حرصت على إفراغ هذه الاتفاقيات من مضامينها وهذا ما توضحه الأرقام التي تشير إلى تراجع كميات المياه التي حصل عليها الفلسطينيون في سنة 2008 بقرابة 50 مليون م3 عما هو مقدر لهم في اتفاقيات أوسلو، حيث بلغ مجموع ما حصل عليه الفلسطينيون في سنة 2008 هو فقط 88 مليون م3 من المياه، في الوقت الذي ازداد فيه عدد السكان الفلسطينيين بنسبة 42.8% لم يرتفع المجموع العام لم حصل عليه الفلسطينيون إلا بمقدار 5.3%، وتراجعت صحة الفرد السنوية بنسبة 26.3%. وشهدت هذه الفترة تراجعاً في الإنتاج المحلي بنسبة 16.7% وزيادة في الاستيراد من ”إسرائيل“ بنسبة 98.6%.

    يرى الباحث أن الأولوية الأولى تكمن في وضع حدّ لمعاناة الفلسطينيين في موضوع المياه، وذلك من ناحيتين، الأولى تمكين الفلسطينيين من ممارسة سيادتهم على أرضهم وعلى مواردهم الطبيعية، والموارد المائية تحديداً وفق قانون المياه الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تعنى بتنظيم الإدارة المشتركة للمياه المشتركة، أما الثانية فهي إيجاد حلً سريع لازمة المياه الفلسطينية من خلال زيادة الإنتاج من المياه الجوفية للسكان في الضفة الغربية، وإمداد قطاع غزة بما يلبي احتياجاتهم من المياه.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 7/3/2016

  • مستقبل التطبيع بين مصر وإسرائيل بعد انقلاب الثالث من يوليو

    ياسر عبد العزيز
    كاتب وباحث سياسي

    عرفت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل التطبيع على أنه المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين أو عرب وإسرائيليين، أفرادا كانوا أم مؤسسات ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني([2]).

    وللتطبيع أشكال عدة من أهمها تلك الأنشطة التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو الرياضي أو النسوي أو الشبابي، والتي تهدف في النهاية إلى إزالة الحواجز النفسية بين العرب والإسرائيليين

    • ·تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وبداية مرحلة التطبيع

    منذ ظهور الحركة الصهيونية واتخاذها قرار الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية بدأ الصراع الذي بدأ يتصاعد شيئا فشيئا مع اتخاذ العصابات الصهيونية العنف سبيلا لإرهاب الفلسطينيين لطردهم من أراضيهم، ومع تزايد الهجرة الصهيونية التي تزايدت معها عمليات الترهيب، كان من الطبيعي أن يكون رد الفعل الفلسطيني ثم العربي المتضامن مع القضية الإسلامية في الغالب والعربية في عقيدة بعض الجماعات التي انضمت إلى المقاومة العربية للدفاع عن أرض فلسطين، متصاعدا ومتوازي مع هذا الإرهاب الصهيوني


  • مقال: المخيمات الفلسطينية.. شواهد النكبة ونكبة الشواهد … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. English_Version

    حتى أيامنا هذه يقف 64 مخيما فلسطينيا شاهدا على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني سنة 1948، عندما اقتلعت العصابات الصهيونية أكثر من 57% من شعب فلسطين من أرضه.

    ومن هذه المخيمات هناك 58 مخيما مسجلة رسميا لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تتوزع على 19 مخيما في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة في الأردن وتسعة في سوريا 12 في لبنان. وهناك ثلاثة مخيمات في الأردن وثلاثة أخرى في سوريا غير معترف بها لدى الأونروا. كما أن هناك أربعة مخيمات كانت قائمة في لبنان تمّ تدمير ثلاثة منها، بينما تم نقل سكان الرابع وإغلاقه.

    ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حاليا نحو خمسة ملايين 400 ألف لاجئ، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.

    أما عدد اللاجئين الحقيقي فهو يصل في مطلع سنة 2017 إلى نحو ثمانية ملايين و490 ألفا يمثلون نحو 66.8% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 12 مليونا و700 ألف نسمة؛ إذ أضيفت إلى لاجئي 1948 أعداد كبيرة من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة “النازحين” المقيمين خارج فلسطين التاريخية وغير القادرين على العودة إلى بيوتهم. كما أن هناك نحو 150 ألفا ممن هُجِّروا من أرضهم ولكنهم ظلوا مقيمين في مناطق فلسطين المحتلة 1948.

    ***

    منذ البداية ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على نكبة الشعب الفلسطيني، وشواهد حية على الجرائم الصهيونية بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، برزت كأحد أكبر معالم الصبر والصمود والعطاء الفلسطيني، والإصرار على أن اللجوء مؤقت بانتظار العودة إلى فلسطين. غير أن هذه المخيمات، خصوصا في الشتات، أصبحت عرضة للنكبات، بينما كان هناك من تَتسبَّبُ ممارساتُه بتشويهها، ومحاولة حرفها عن رسالتها ومهمتها النضالية.

    لا يسكن كل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في هذه الأيام، فمنذ بداية اللجوء تدبر الكثير منهم أمورهم خارجها، كما انتقل الكثير من سكان المخيمات، مع مرور الزمن، إلى أماكن معيشة أخرى مع تحسّن ظروف حياتهم أو انتقالهم إلى أماكن عمل مختلفة داخل هذه البلدان أو خارجها، أو بسبب تعرض مخيماتهم لهجمات عسكرية وظروف أمنية أجبرتهم على الرحيل. ولذلك فنسبة المقيمين في المخيمات إلى عدد اللاجئين المسجلين هي نحو 51% في لبنان، و42% في قطاع غزة، و30% في سوريا، و24% في الضفة الغربية، و17% في الأردن؛ وبمعدل عام 28.7% وفق بيانات الأونروا.

    في بدايات اللجوء، رفض الكثير من الفلسطينيين تحويل الخيام التي يسكنونها إلى أبنية، غير أن طول المعاناة فرضت نفسها على واقعهم، فاضطروا للتكيّف التدريجي مع أوضاعهم.. فاتخذت المخيمات شكل أبنية بسيطة مكتظة، تفتقر للتنظيم المدني والبنى التحتية والخدمات، لتصبح نسخة محدَّثة من المعاناة اليومية المستمرة.

    في لبنان مثلا تضاعفت أعداد الفلسطينيين في المخيمات دون أن تسمح السلطات بتوسيع حدودها، فاضطر الفلسطينيون لتكثيف البناء داخل المخيمات، فأصبحت ثُلث البيوت لا تدخلها الشمس، وأصبحت الكثير من الأزقة لا تتسع لمرور السيارات، ولا حتى لنقل الأثاث الذي لجأوا لنقله من فوق أسطح المنازل، بينما هي تسمح بالكاد لمشي شخصٍ أو شخصين يسيران بشكل معتاد من تحت لفائف من أسلاك الكهرباء، التي تنقطع لساعات طويلة لا يقل معدلها عن 12 ساعة يوميا. وفي الوقت نفسه، يعيش نحو ثلاثة أرباع اللاجئين تحت خط الفقر، بينما تمنع السلطات اللبنانية الفلسطينيين من معظم مجالات العمل، كما تمنعهم من حقوق التملُّك.

    وبالرغم من أن المخيمات شكلت بؤر “فقر وقهر”، فإنها شكلت في الوقت نفسه بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه للعودة. ولذلك كانت المخيمات الفلسطينية حاضنة أساسية للثورة الفلسطينية وللعمل المقاوم، وكان أبناء المخيمات من أكثر المبادرين وأسرعهم في المشاركة في مجالات العمل الوطني، وخصوصا المقاومة المسلحة.

    ***

    في سنة 1974 دمر الطيران الحربي الصهيوني مخيم النبطية بالكامل، وتسبب في تشريد نحو ثلاثة آلاف من سكانه. وفي صيف 1976 حاصرت القوات الانعزالية الكتائبية وحلفاؤها مخيم تل الزعتر حتى انتهى الأمر بتدميره بعد صمود دام 52 يوما، واستشهاد ثلاثة آلاف من أبنائه معظمهم مدنيون، وتم تهجير نحو عشرين ألفا ليدخلوا في لجوء جديد. وفي أيلول/ سبتمبر 1982 وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا على يد المليشيات الانعزالية نفسها، وبإشراف وغطاء إسرائيلي، مما أدى لاستشهاد نحو ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني؛ لتصبح هذه المذبحة أحد الشواهد البارزة على مأساة الإنسان الفلسطيني في مواطن اللجوء.

    انعكست الأوضاع الداخلية العربية والأجندات السياسية للأنظمة على الجاليات الفلسطينية المقيمة التي وجدت نفسها بعد عشرات السنوات من الإقامة في مخيمات لجوء وترحيل مؤقتة. كما حدث مع النظام الليبي الذي تعامل مع الفلسطينيين بعد اتفاقات أوسلو كـ”مادة بشرية” تُستخدم في الضغط السياسي والمناكفة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. فوضع الآلاف من الفلسطينيين في السفن والشاحنات لطردهم.. ونشأ مخيم السلوم القريب من الحدود المصرية، والذي سماه النظام الليبي “مخيم العودة”؛ بينما سماه الفلسطينيون “مخيم العار”.

    وفي العراق دفع الفلسطينيون أثمانا هائلة إثر الاحتلال الأمريكي سنة 2003، وإثر تصاعد الاضطراب السياسي والأمني والصراع الطائفي؛ ليجدوا أنفسهم بسبب دعايات وتحريض إعلامي أَسود يُشردون ويُقتلون على الهوية، بينما نشأت مخيمات لجوء لهم، معظمها على الحدود مع الأردن وسوريا، مثل مخيمات العودة، والرويشد، والكرامة، وطريبيل، والهول، والتنف، والوليد. وتضاءلت أعداد الفلسطينيين من نحو 44 ألفا قبيل الاحتلال الأمريكي، إلى نحو ستة آلاف بعد ذلك بثلاث سنوات.

    أما مخيم نهر البارد الذي كان ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كان يقطنه نحو أربعين ألفا سنة 2007، فقد تعرض للتدمير نتيجة مشكلة لم يكن هو نفسه سببها. ففي ظروف تحمل علامات استفهام كثيرة دخلت جماعة “فتح الإسلام” التي انفصلت عن “فتح الانتفاضة” إلى المخيم.. وكان من بين أفرادهم أعضاء من جنسيات لبنانية وسورية وعربية أخرى.. وقد أدى سلوكهم إلى اعتصام شعبي لأهالي المخيم طالبوا فيه برحيل هذه العناصر.

    وعندما قام عناصر “فتح الإسلام” بمهاجمة عناصر الجيش اللبناني، لم تحدث عملية معالجة سياسية أمنية قضائية للتعامل مع مرتكبي الجرائم فقط، ولكن تطور الأمر إلى معالجة عسكرية تحمّل فيها المخيم وزر دخول هذه المجموعة، مما أدى إلى تدمير المخيم حيث خسر نصف سكانه، بينما تعرض نحو 3200 منزل لتدمير كلي أو جزئي، بعد معارك استمرت 106 أيام، ولم يكن أهل المخيم جزءا منها.

    وحتى الآن لم تحدث مساءلة حقيقية عن المسؤول الفعلي عن هذه المأساة، ومن هي الجهات التي سهَّلت أو سكتت عن دخول هذه العناصر إلى لبنان وعن تموضعها في المخيم، ولماذا لم يتم حتى الآن -بعد نحو عشر سنوات- إعمار المخيم إلا جزئيا بالرغم من توفر التمويل اللازم لذلك؟!

    ***

    وفي سوريا، يبرز مخيم اليرموك في ضواحي دمشق كأحد أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها. فهذا المخيم الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يقيم فيه نحو 144 ألفا وفق تقديرات الأونروا، لم يعد يقيم فيه سوى بضعة آلاف (ثلاثة آلاف فقط وفق متخصصين). لقد عانى أبناء هذا المخيم بشكل هائل نتيجة الصراع الداخلي في سوريا، ووُضعوا أمام استحقاقات صعبة بسبب حالة الاستقطاب بين النظام السوري وحلفائه وبين فصائل المعارضة بكافة أشكالها، وكذلك بين القوى الفلسطينية المختلفة.. وحتى منتصف أبريل/ نيسان 2015 كان المخيم قد عانى من 628 يوما من الحصار المستمر، ومن 728 يوما من انقطاع الكهرباء، ومن 218 يوما من انقطاع الماء.

    وفي أجواء الصراع في سوريا، نُكِبت المخيمات الأخرى في سوريا أيضا بدرجات متفاوتة، فمثلا تعرض مخيم درعا لتدمير 70% من مبانيه، كما تعرضت مخيمات الرمل وعين التل (حندرات) والسبينة.. لعمليات تهجير ومنع عودة.

    ونتيجة للأوضاع في سوريا فمن بين نحو 600 ألف فلسطيني اضطر 175 ألف فلسطيني للهجرة خارج سوريا، كما اضطر نحو 225 ألفا للجوء إلى مناطق أكثر أمنا داخل سوريا نفسها. وحتى منتصف شباط/ فبراير 2017 كان قد استشهد نحو 3440 فلسطينيا في سوريا، وفق إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.

    ***

    ومنذ بضع سنوات، يتزايد احتمال انفجار كبير للأوضاع في مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأحد أكبر رموزها في الشتات الفلسطيني. وكانت الاشتباكات التي حدثت في أواخر فبراير/ شباط 2017 أحد المظاهر لتوترات وأحداث عنف يشهدها المخيم بين فترة وأخرى.

    والمخيم الذي يسكنه نحو سبعين ألف فلسطيني لا تزيد مساحته عن كيلومترين مربعين، ويعاني من بنى تحتية مهترئة، ورعاية صحية وتعليمية سيئة، ومعدلات فقر وبطالة عالية. ولأن السلطات اللبنانية لا تمارس صلاحياتها الأمنية والإدارية عليه، ولأن من يتحكم فيه من داخله فصائل وقوى فلسطينية مختلفة ومتنازعة، فقد أصبح مكانا للاستقطاب والتجاذب، وحاولت أن تستخدمه جهات إقليمية ومحلية ساحة لتصفية الحسابات و”تبادل الرسائل”، كما أصبح مكانا تأوي إليه عناصر كثيرة مطلوبة للسلطات اللبنانية وغيرها، وفي الوقت نفسه فرض الجيش طوقا أمنيا حوله يتحكم في الدخول والخروج إليه.

    وحتى هذه اللحظة، نجح الفلسطينيون في تجنيب المخيم الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، والتي تنعكس عليه بدرجات متفاوتة بحسب القوى والفصائل المتنافسة داخله، وبحسب الجهات التي تدعمها وتمولها. غير أن المخيم يعيش على “برميل بارود” يهدد بالانفجار، في ظل استمرار وضع أمني هش، نتيجة عدم قدرة القوى داخل المخيم على إنهاء أزمة إدارته وضبط أمنه، ونتيجة عدم رغبة السلطات اللبنانية حاليا في بسط سيطرتها عليه لأنها لا تريد تحمل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة باللاجئين، وبسبب الأثمان الكبيرة وغير المضمونة النتائج لمحاولة اقتحام المخيم والسيطرة عليه. (لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى التقدير الاستراتيجي الذي نشره مركز الزيتونة في آذار/ مارس 2017 حول مخيم عين الحلوة).

    من جهة أخرى، فإن نكبة “شواهد النكبة” في لبنان تزداد مع وجود من يسعى إلى تشويه صورة المخيمات النضالية، ليس فقط من خلال تقديمها كـ”بؤر أمنية” ومعاقل للمطلوبين و”الفارين من القانون”، ولكن كبؤر لانتشار المخدرات.. حيث أخذت بعض مظاهره تزداد في السنوات الأخيرة في بعض المخيمات، وهو ما يستدعي علاجا سريعا وحكيما وحاسما.

    ***

    وأخيرا، فإن كل ما سبق يفرض مسؤولية كبرى على القوى والمؤسسات والفصائل الفلسطينية للقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني ومخيماته، وتجنيبه الدخول في المشاكل الداخلية للدول المضيفة، والإبقاء على الصورة النضالية المشرقة والصامدة للمخيمات. والسعي الحثيث لدى الجهات الرسمية لتوفير ما تحتاجه من دعم ورعاية وبنى تحتية وفرص عمل، وخدمات صحية وتعليمية؛ وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم في العمل والتملك لتجنيبهم الوقوع فريسة البطالة والإحباط وتيارات التطرف، ومنع استغلال حاجتهم المادية من القوى المختلفة التي تسعى لخدمة أجنداتها الخاصة.

    ولعل القائمين على المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي تشكَّل مؤخرا، يولون اهتماما خاصا بمخيمات الشتات وأوضاعها، والسعي للارتقاء بها ودعم صمودها.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 8/4/2017

  • مقال: حول مبادرة الفصائل الفلسطينية الثمانية لإنهاء الانقسام

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    أعلنت ثمانية فصائل فلسطينية في 19 أيلول/ سبتمبر 2019، عن مبادرة جديدة لإنهاء الانقسام، وتحديداً بين فتح وحماس. وتمثل هذه الفصائل مجمل الفصائل الفلسطينية الأساسية العاملة في الساحة الفلسطينية، من غير الفصيلين الرئيسيين. وهي فصائل منتمية إلى اتجاهات مختلفة، يسارية وقومية ووطنية وإسلامية، بما يؤكد أن ما يجمعها هو الهمُّ الفلسطيني، وتجاوز العوائق التي تمنع تقدم المشروع الوطني الفلسطيني.

    وهذه الفصائل هي: الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، وحركة المبادرة الوطنية، والاتحاد الديمقراطي (فدا)، والجبهة الشعبية- القيادة العامة، والصاعقة. وجاءت مبادرتها تحت عنوان “رؤية وطنية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام”؛ وتتضمن جدولاً زمنياً لإنجاز الاتفاق، وهي ترى أن الوثيقة مؤكدة ومكملة للجهد المصري في هذا الإطار.

    وتتلخص المبادرة في أربعة بنود:

    الأول اعتبار كلّ الاتفاقات الموقعة منذ سنة 2005 حتى اليوم مرجعية لتنفيذ المصالحة، ويشير البند الثاني إلى عقد اجتماع لـ”لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير” المسمّاة “الأمناء العامون” خلال تشرين الأول/ أكتوبر في القاهرة، بحضور عباس، على أن تشرف على تطبيق معظم إجراءات المصالحة. أما البند الثالث، فينص على اعتبار المدة من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى تموز/ يوليو 2020 “مرحلة انتقالية لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، يتخلّلها وقفا لتصريحات الإعلامية التصعيدية، والتراجع عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية، ومسّت حياة المواطنين في غزة”. ويتعلق البند الرابع والأخير بالجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، بما يشمل الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية قبيل نهاية سنة 2019، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الشاملة (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني) في منتصف 2020.

    وخلال بضعة أيام، أعلنت حماس موافقة غير مشروطة على مبادرة الفصائل الثمانية، ودونما إضافة أو تعديل، بعد أن قامت بدراستها في أطرها القيادية. وأكد رئيس الحركة إسماعيل هنية أن حماس وافقت على المبادرة “انطلاقاً من مسؤوليتها، وحرصها على تحقيق الوحدة الوطنية.. واستشعاراً للمخاطر والتحديات التي تحيط بالقضية وتهدّد ثوابتها”.

    أما حركة فتح، فقد تجاهل الرئيس عباس في خطابه في الأمم المتحدة المبادرة، ودعا إلى انتخابات عامة، وركز على إنفاذ اتفاق 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 بين فتح وحماس، دون غيره من اتفاقات المصالحة. أما عزام الأحمد، مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، فاتهم الفصائل الفلسطينية بـ”تخريب” التحرك المصري، واتهمها بأنها تتلقى أوامرها من حماس، ووصف المبادرة بأنها غير مجدية. وقال محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، إنه لا جدوى لأي مبادرات جديدة لإنهاء الانقسام. وأضاف أن موقف اللجنة المركزية لفتح ثابت بأنه لا مجال لبحث مبادرة الفصائل الثمانية، لسببين؛ أولهما عدم إعطاء مزيد من الأمل للشعب الفلسطيني دون جدوى، والثاني إصرار فتح على تطبيق ما تم الاتفاق عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. من جهة أخرى، اعتبر حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لفتح، مبادرة الفصائل “مضيعة للوقت”. أما فايز أبو عيطة، أمين سر المجلس الثوري لفتح، فقال إنها “ورقة مجاملات فضفاضة وليست حاسمة”، وأنها لا تصلح مدخلاً لتحقيق المصالحة، ولم تطرح جديداً، ولم تحمّل أحد الأطراف (حماس) المسؤولية.

    * * *

    من خلال القراءة المتأنية للمبادرة ولموقف الفصائل الثمانية، وردود فعل فتح وحماس، يمكن أن نضع الملاحظات التالية:

    الملاحظة الأولى: المبادرة حظيت بشبه إجماع فلسطيني، بينما وجدت فتح نفسها منعزلة عن المجموع الوطني، بالرغم من أنها تتولى قيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة الفلسطينية، أو ما يعرف بـ”الشرعية” الفلسطينية. وللأسف، فليس هذا غريباً على سلوك قيادة فتح في الآونة الأخيرة. فقد عقدت المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله، في نيسان/ أبريل 2018، بعيداً عن التوافق الفلسطيني وبخلاف اتفاق بيروت الذي تبنته فتح نفسها مع باقي الفصائل في كانون الثاني/ يناير 2017، وعقدت اجتماعات المجلس المركزي للمنظمة حتى بمقاطعة الفصائل الأعضاء في منظمة التحرير، وتبنت حل المجلس التشريعي في كانون الأول/ ديسمبر 2018 بخلاف اتفاق المصالحة وبخلاف الإجماع الفلسطيني، وشكلت حكومة للسلطة بقيادتها، بالرغم من مقاطعة معظم الفصائل الفلسطينية الفاعلة وبخلاف اتفاق المصالحة. ويبدو أن السير عكس التيار العام أصبح ظاهرة من ظواهر سلوك فتح في الفترة الأخيرة.

    والسؤال: إذا كانت فتح تتجاهل حالة شبه الإجماع الفلسطيني، ولا تعير لها بالاً، فما هي “الشرعية” التي تستند إليها في قيادة المنظمة والسلطة، واحتكار القرار السياسي الفلسطيني، وفي التحدث باسم الشعب الفلسطيني؟!

    الملاحظة الثانية: ركزت قيادات فتح على إنفاذ الاتفاق المتعلق بإدارة غزة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، كما ركزت على تفسيره بالشكل الذي يروق لها (سلطة واحدة، سلاح واحد، السيطرة على ما فوق الأرض وما تحت الأرض، وتطبيق معايير أوسلو واشتراطات الاحتلال المطبقة في الضفة على القطاع)، وكأنها تريد أن تكون الأداة التي تُكسر بها شوكة المقاومة بعد أن فشلت “إسرائيل” في ذلك طوال 12 عاماً وفي ثلاثة حروب مدمرة.

    وتعرف فتح أن مبادرة الفصائل الثمانية لم تتجاهل اتفاق تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ولكنها وضعته في إطار فهم وإنفاذ الاتفاقات السابقة، وخصوصاً اتفاق المصالحة الأساسي المتفق عليه من الجميع في أيار/ مايو 2011، والذي غطى جميع القضايا ووضع آليات واضحة وخريطة طريق لتجاوز الانقسام. أما الاتفاقات التالية (الدوحة، الشاطئ، بيروت، القاهرة 2017..) فهي اتفاقات فرعية إجرائية وتحل بعض القضايا الجزئية، بينما يبقى اتفاق 2011 الاتفاق الشامل الوحيد الذي تصرّ فتح على تجاهله وتجاوزه.

    الملاحظة الثالثة: تحدث عباس، كما تحدثت قيادات فتح، عن إجراء انتخابات؛ غير أنه من خلال متابعة التصريحات يتضح أن المقصود هو انتخابات المجلس التشريعي للسلطة فقط. ومبادرة الفصائل الثمانية تتحدث عن الانتخابات أيضاً، ولكن وفق ما تمّ التوافق عليه في اتفاق المصالحة، بأنها انتخابات متزامنة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني. بمعنى آخر، تريد فتح أن تفرض أجندة جديدة في إنفاذ اتفاق المصالحة قائمة على رعاية حساباتها، مع إيجاد البيئات المناسبة لكسب الجولة لصالحها. وبالتالي، سعت فتح لتأجيل الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني (حبث مجال هيمنتها)؛ بينما تريد انتخابات للمجلس التشريعي التي تسيطر عليه حماس، والذي قامت فتح “الرئاسة الفلسطينية” بتعطيله منذ 2007. وهي انتخابات تريدها بعيداً عن اتفاق المصالحة 2011، وبعيداً عن خريطة الطريق التي اقترحتها الفصائل الثمانية، وبعد أن كانت قيادة فتح وراء قرار “المحكمة الدستورية” بإبطال المجلس التشريعي وتشكيل حكومة للسلطة بقيادة فتح (بخلاف مسار المصالحة وبخلاف التوافق الوطني)، وفي أجواء العقوبات على قطاع غزة، ومطاردة كوادر حماس والمقاومة في الضفة؛ مما أوجد بيئة غير صحية وغير شفافة لأي ممارسة “ديمقراطية” حقيقية.

    الملاحظة الرابعة: إذا كانت خريطة الطريق التي قدمتها الفصائل الثمانية، لتُنفذ على مدى تسعة أشهر فقط “مضيعة للوقت”، وعملية “تخريب”، و”غير مجدية”، و”بلا جدوى” حسب تصريحات قيادات فتح!! فهل كان أسلوب قيادة فتح طوال السنوات الثماني الماضية في إدارة ملف المصالحة أحسن استغلالاً للوقت، وذا جدوى؟! أم أنه أعادنا سنوات إلى الوراء؟! وهل وجدت فتح في أسلوب فرض الأمر الواقع، والاستقواء بوجودها على رأس السلطة والمنظمة، والاستقواء ببيئة عربية ودولية معادية لـ”الإسلام السياسي” ولخط المقاومة.. هل وجدت فيه أسلوباً أكثر فعالية، وأكثر حفاظاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ أم أنها لم تفعل شيئاً سوى تكريس الانقسام، وتكريس هيمنة فصيل فلسطيني في مواجهة التيار الفلسطيني العام؟

    الملاحظة الخامسة: لماذا لا تراجع فتح موقفها من المصالحة، خصوصاً وأنها ترى الساحة الفلسطينية تموج بالرفض للإجراءات والمواقف التي تتخذها؟

    هددت قيادة فتح بوقف العمل باتفاقات أوسلو ولكنها لم تفعل، وهددت بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال ولكنها لم تفعل، وأوقفت المفاوضات مع الاحتلال ولكنها الآن مستعدة للعودة لطاولة التفاوض حسب التصريحات المتداولة مؤخراً، ورفضت استلام أموال الضرائب التي يجبيها الاحتلال ولكنها تراجعت أيضاً..

    لماذا كل هذا التساهل مع الاحتلال؟ ولماذا في المقابل كل هذا الاصرار والتعنت في الملف الداخلي الفلسطيني،

    ألم يأن وقت المراجعة؟!

  • مقال: ”لعبة“ المصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لست متفائلاً بنجاح المصالحة الفلسطينية بالشكل الذي هي عليه، وإن كنت من أشد الراغبين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية؛ وفي جمع طاقات الشعب الفلسطيني ضمن برنامج عمل جاد موجّه ضدّ العدو الصهيوني، ويوقف استنزاف طاقاتهم في نزاعاتهم الداخلية.

    محمود عباس وقيادة حركة فتح يديرون المصالحة ”كلعبة“، تهدف في النهاية إلى تطويع حماس تحت قيادتهم للشعب الفلسطيني، وتحت سقف التزاماتهم السياسية والأمنية وفق اتفاق أوسلو.

    وفكرة ”الإدارة“ وليس ”الحل“ مشابهة إلى حدٍّ كبير لعملية إدارة ”إسرائيل“ للعبة التسوية السلمية مع عباس وفتح، لتطويعهم في النهاية لإرادة الاحتلال وتصوراته للحكم الذاتي الفلسطيني.

    ويبدو ”هجوم المصالحة“ الحمساوي في الآونة الأخيرة ”حباً من طرف واحد“، سيحرج قليلاً قيادة فتح (التي هي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لكنها ستقوم باستيعابه.

    ثم يتم تحقيق ما يمكن من مكاسب على الأرض بناء عليه، مع إفراغ المصالحة القائمة على الشراكة الوطنية من محتواها؛ ثم إعادة تصعيد الأزمة بحشر حماس في زاوية عدم الاستجابة لمتطلبات جديدة للمصالحة حسبما ترتئيها قيادة فتح.

    والذين هللّوا لنجاح المصالحة هذه المرة… ربما استعجلوا كثيراً، لأن الأمر بدا من ناحية وكأن حماس كانت هي العقبة وأن إجراءاتها ستحل المشكلة، ولأنهم من ناحية ثانية لم يعطوا التقدير الحقيقي لجوهر الخلاف الفلسطيني.

    ***

    يبدو موضوع المصالحة وكأن شخصين اتفقا مضطرين على ركوب سيارة واحدة، واضطر أحدهما للتسليم للآخر بأن يجلس خلف مقود السيارة، غير أن السيارة لم تستطع التحرك لأن كلاً منهما اختار اتجاهاً لمسار السيارة معاكساً لمسار زميله؛ ورأى كل منهما أن الموافقة على تحرك أي منهما بالاتجاه الذي يريده تعني دمار السيارة وضياع الوقت والفرص.

    واختلفا في الدليل ”المانيول“ الذي يمكن الرجوع إليه، كما اختلفا في قوانين السير التي سيلتزمان بها في تحرك السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية على الطريق، واختلفا إن كانا سيعبئانها بالبنزين أو بالديزل؛ كما اختلفا في من يمكنه أن يركب معهما.

    وعندما حانت لحظة الركوب، اختلفا على نوع السيارة إن كانت صناعة وطنية أم إقليمية أم أجنبية. كما اختلفا على كيفية تغطية تكاليفها، ومن الجهة التي ”سترعاها“ وستقوم ”بصيانتها“، ومن أين سيحصلون على قطع غيارها!!

    إن أخطر ما في الأمر أن اختلاف الاتجاه يفقد أي شخصين ابتداء مبرر ركوب سيارة واحدة؛ وكذلك فإن اختلاف الاتجاه في المصالحة، يفقد الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مشروع وطني جاد.

    هذا النوع من شراكات ”الضرورة والاضطرار“ يسهل نسفه وإفشاله، في أي فرصة يشعر فيها أي طرف بعدم حاجته للطرف الآخر، أو عندما تحين له الفرصة للاستقواء بقوى خارجية لتركيع وتطويع وتهميش شريكه.

    وهذا النوع من الشراكة يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس القضايا الجوهرية والكبرى. فإذا كانت ثمة رغبة في إدارة من هذا النوع، فلتتم مصارحة الفلسطينيين والعالم بذلك، حتى نخفض سقف التوقعات، ولنتعامل مع الأمر ”كإدارة أزمة“ وليس ”كإدارة شراكة“.

    ***

    يُبَسِّط عدد من المحللين الخلاف الفلسطيني في كونه ”صراعاً على السلطة“؛ ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني؛ مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.

    إذ لو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكنت تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة ”المتصالحة“ بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والشورية… والتداول السلمي للسلطة.

    جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني)، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي إدارة الأطر الوطنية الكبرى.

    ومما يعقد المشكلةَ التدخلُ الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يُعقِّدها عدم وجود الجميع تحت بنية مؤسسية جامعة يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.

    هناك اختلاف على الثوابت نفسها وأولها تعريف فلسطين نفسها؛ فقيادة فتح تنازلت عن نحو أربعة أخماس فلسطين التاريخية واعترفت بـ”إسرائيل“ وشرعيتها، وبنت برنامجها على أساس حل الدولتين؛ بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“.

    وبناء على ذلك، دخلت فتح في اتفاقيات أوسلو التي فرضت عليها التزامات حقيقية مرتبطة بالتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ومحكوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالشروط الإسرائيلية الأميركية الغربية.

    فقد أملت حركة فتح من ذلك تحويل هذا الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في بضع سنين، لكنها تجد نفسها بعد 24 عاماً تدير سلطة تخدم أغراض الاحتلال أكثر مما تخدم تطلعات الشعب الفلسطيني.

    وفي الوقت نفسه، فإن قيادة فتح وأنصارها أعادوا إدارة حياتهم ”النضالية“ ضمن سقف السلطة في رام الله، وتكونت طوال سنوات شبكة من المصالح وطريقة حياة اجتماعية اقتصادية تحت هذا السقف.

    أما حماس ومعها باقي الفصائل العشر فقد رفضت اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها، وتابعت المقاومة المسلحة؛ وعندما اضطرت للتعامل أو التعايش مع السلطة الفلسطينية حاولت السعي ”لتثويرها“ أو تطوير دورها في خدمة الشعب الفلسطيني دون دفع استحقاقات أوسلو.

    وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركان وحلفاؤهم… الذين يضعون الالتزام بشروط الرباعية الدولية الأربعة (وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ووقف المقاومة، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير بشأن مسار التسوية السلمية).

    وهو ما يضع حماس أمام طريق مغلق في قيادة السلطة أو في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم، حيث ستُتخذ إجراءات الحصار والإسقاط والإفشال ضدها.

    وهو ما يعني أن برنامج المصالحة أو الشراكة الذي سينزل على الأرض يجب أن يتضمن قبولاً -ولو ضمنياً- من حماس بأن الأمور المرتبطة بالقيادة والعمل التنفيذي والأجهزة الأمنية والعلاقات السياسية، هي أمور من تخصص فتح أو مَن يَقبل بما قبلت به فتح. أي أن المطلوب في النهاية أن تبقى حماس على الهامش مهما كان حجمها وشعبيتها، إذا أرادت لمسار المصالحة الحالي أن يسير.

    إن إدارة حماس لملف المقاومة ومتابعته سيعني بالنسبة لفتح خرقاً لالتزاماتها كقيادة للسلطة، وستَعدُّ المقاومة معوقاً لمسارها السياسي الوطني في الوصول إلى اتفاقيات تؤدي إلى تطبيق حل الدولتين، وبالتالي ستسعى إلى تفكيك المقاومة وضربها تحت ستار ”سلطة واحدة… قرار واحد… أمن واحد“؛ فالسلطة في جوهرها هي عملية احتكار للقوة.

    أما استمرار فتح في مسار التسوية السلمية فسيعني بالنسبة لحماس استمراراً في ”المسيرة العبثية“ لاتفاق أوسلو، وتضييعاً للحقوق والثوابت الفلسطينية، وتمكيناً للاحتلال من فلسطين؛ وبالتالي فإن حماس لن تتخلى عن مقاومتها وسلاحها.

    وعلى ذلك، لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه فتح -بعد استلام إدارة قطاع غزة- إلى محاولة السيطرة على الجوانب الأمنية والعسكرية وتفكيك العمل المقاوم؛ كما لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه حماس لتوسيع وتقوية وتنشيط العمل المقاوم في الضفة الغربية، وهو ما سيؤدي -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهات وأزمات تقود إلى إفشال المصالحة.

    ***

    منذ نحو خمسين عاماً (صيف 1968) وحركة فتح تحتكر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسلوك قيادتها على الأرض لا يقدم نموذجاً مشجعاً لديمقراطية شفافة أو شراكة أكفاء.

    وعندما وقعت قيادة فتح اتفاق أوسلو لم تعبأ بالمعارضة الفلسطينية الشعبية والفصائلية الواسعة لها (الفصائل العشر)، وقامت باحتكار قيادة السلطة الفلسطينية وإدارتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية منذ إنشائها. وعندما فازت حماس في انتخابات 2006 لجأت قيادة فتح إلى نزع صلاحيات أساسية من المجلس التشريعي ومن الحكومة، فضلاً عن تعطيل وإفشال حكومة حماس.

    ومنذ حصول الانقسام وسيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على القطاع سنة 2007؛ وقيادة فتح تعطي الشرعية لرئاسة السلطة وللحكومة التي يشكلها رئيس السلطة. أما المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية للحكومة ويحاسبها ويسقطها، فإنها تمنع انعقاده منذ عشر سنين.

    وذلك لمعرفتها مسبقاً أيّ حكومة ستأخذ الشرعية وأي حكومة ستسقط، وأي حكومة سيُقرر أنها حكومة ”انقلاب أسود“، وأي أجهزة أمنية سيحاسب ويضبط معاييرها ومسارها، وأي مدراء ومسؤولين وموظفين سيضع معايير تعيينهم أو إنهاء خدماتهم. وبالطبع فإن قيادة فتح تستفيد من بيئة عربية ودولية داعمة لها، بسبب التزامها بأوسلو واستحقاقاته.

    بالنسبة لقيادة فتح وللدول العربية والأجنبية الممسكة بالملف الفلسطيني، فإن فوز حماس في الانتخابات القادمة لا يعني سوى إعادة إنتاج للأزمة من جديد بالحصار والإفشال والتعطيل.

    وبالتالي فمن المرجح ألا تُجرى انتخابات لا تضمن فتح الفوزَ فيها، بعد أن تعلمت الدرس من الانتخابات السابقة؛ لأن المطلوب من الانتخابات هو نزع شرعية التمثيل الشعبي من حماس وخط المقاومة، وليس ”إعادة إنتاج الأزمة“ مرة أخرى. وهذه هي خلفية تأجيل الانتخابات البلدية السنة الماضية.

    وحكومة عباس/ رامي حمد الله تريد تسلُّم قطاع غزة بصلاحيات كاملة، وهو ما وافقت عليه حماس مؤخراً؛ ولكن حكومة عباس لم تقدم شيئاً في إطار الشراكة الحقيقية. والعقلية نفسها تحكم إدارة منظمة التحرير، وعلى حماس ألا تتوقع شراكة حقيقية فيها حتى لو فازت في الانتخابات القادمة.

    لقد تعاملت قيادة فتح ببرودة مع تنازلات حماس في قطاع غزة، وهي ترى أن هذه التنازلات إنما جاءت بسبب نجاح إجراءاتها (هي وحلفائها) في خنق قطاع غزة ووضعه في حالة انهيار اقتصادي، وبعد أن تستقر لها الأمور وتشعر بأنها في وضع أقوى ستقوم لاحقاً بالسعي للسيطرة على الأجهزة الأمنية وتفكيك العمل المقاوم.

    ***

    لن تكون هناك مصالحة حقيقية ما دامت عقليات كهذه تدير القيادة الفلسطينية، وما دامت تستفيد من بيئة عربية ودولية وإسرائيلية تتوافق أو تتقاطع معها في التعامل مع حماس وقوى المقاومة.

    وبالتالي، لن تكون هناك مصالحة حقيقية إذا لم يحدث تقدُّم حقيقي في الاتفاق على:

    – مرجعية ومبادئ وأسس تحكم الأطراف (ميثاق وطني مثلاً).

    – برنامج سياسي تُبنى عليه أولويات المرحلة، ويتم التعامل فيه بمعايير واضحة تجاه مسار التسوية ومسار المقاومة.

    – آلية حقيقية لاستيعاب جاد لكافة القوى الفلسطينية بالداخل والخارج في منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتهم في تفعيلها وإعادة بنائها، وعلى أسس تعكس أوزان القوى الحقيقية، وتستفيد من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني.

    – استعداد جاد من كافة الأطراف لإدارة الاختلاف بشكل حضاري تحت سقف واحد، وبما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويمنع التدخل الخارجي وخصوصاً الإسرائيلي الغربي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

    وهذا من الناحية العملية يستحيل أن يكون تحت سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته، ودون مراجعة تجربة السلطة الفلسطينية وإعادة توجيهها وتوظيفها بشكل يخدم إرادة الشعب الفلسطيني، وليس إرادة الاحتلال الإسرائيلي.

    ***

    في مقابلة قائد حماس في غزة مع شباب القطاع؛ قال -حسبما نقلته وكالة ”سما“- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جداً من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون ”صاعقاً ومفاجئاً أكبر من الذي قبله“؛ وقال إنه ”سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس أو غيرها“.

    لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبّر بدقة عن قرار حماس المؤسسي، إلاّ أنها تصريحات تبرز مدى جدية حماس في تحقيق المصالحة. غير أن ما نخشاه وما نرجو ألا يحدث هو أن يجد السنوار -في نهاية المطاف- أن الطرف الذي يحتاج إلى كسر عنقه (لأنه يعوق المصالحة كما يفهمها) هو الطرف نفسه الذي سيقدم له تنازلات كبيرة جداً!! وأننا قد نعود إلى المربع الأول من جديد.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 2/10/2017

  • ندوة حوارية مشتركة بعنوان: ”صفقة القرن وانعكاساتها على لبنان“

    عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية مشتركة بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر تحت عنوان: “صفقة القرن وانعكاساتها على لبنان”، وذلك في فندق رمادا بلازا – بيروت، الروشة، بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2019.

    وشارك في الندوة: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، و د. عبد الحليم فضل الله، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت، و أ. جابر سليمان، الخبير في قضايا اللاجئين، و أ. صلاح سلام، رئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية، و أ. وديع عقل، عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر، وبمشاركة باحثين ومفكرين متخصصين ومهتمين بالقضية الفلسطينية.

    وركز المشاركون في الندوة على السياق السياسي والتاريخي الذي تندرج ضمنه “صفقة القرن”، مع تسليط الضوء على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه لبنان والمنطقة عموماً. كما استعرضوا أبرز مضامين “صفقة القرن” وآخر التطورات والمستجدات المتعلقة بها، وحللوا مواقف الأطراف المعنية بالصفقة وتحولاتها المحتملة، سواء على الصعيد الداخلي اللبناني، أو على الصعيدين العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً.

    وناقشت الندوة كذلك الانعكاسات المحتملة للصفقة على الساحة اللبنانية، والمخاطر التي تستهدف لبنان من جرَّائها. واختتمت الندوة أعمالها باستشراف مآل هذه الصفقة خاصة على لبنان من جهة وعلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من جهة أخرى.

    وتناول د. محسن صالح مجموعة من الملاحظات حول “صفقة القرن”؛ فقال إن مصطلح “صفقة القرن” مخادع غير موجود لم تتحدث عنه الإدارة الأمريكية بشكل رسمي، كما أن الصفقة تلتزم بوجود طرفين ولكن لا يوجد غير طرف واحد، وبالتالي هو مصطلح تسويقي فارغ المضمون. بالمقابل هناك برنامج واقعي تقوم به الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع الصهاينة لتطبيقه على الأرض.

    وأضاف صالح أننا أمام عملية تسوية سياسية سلمية فشلت على الأرض ويجري الآن العمل على تصفية القضية الفلسطينية التي بدأت من خلال الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

    وتابع صالح أن هناك محاولة لاستغلال البيئة الفلسطينية والعربية لصالح الطرف الإسرائيلي؛ فالبنية العربية مشتتة ومنهكة، مقابل حالة إسرائيلية في وضع قوي وإدارة أمريكية متماهية مع برنامج حزب الليكود الإسرائيلي. وأضاف أن ما تسرب حول “صفقة القرن” ليس من أفكار جديدة، بل يعود إلى سنة 2006 وبعضها ذكرها إيجورا أيلاند.

    وأكد صالح أنه تم تأجيل الإعلان عن الصفقة ثماني مرات خلال السنتين الماضيتين. وقد وصفها صالح بـ”سرقة العصر”، وقال إن الجانب الأمريكي يريد تسويق الصفقة من خلال ما يُسمى بـ”السلام الاقتصادي”، لكن لُب المشكلة للقضية الفلسطينية هو سياسي ويأتي بعد ذلك الجانب الاقتصادي، لكن ما يطلبه الأمريكي والإسرائيلي من الفلسطينيين أن تُحل كل قضايا الحل النهائي على الطريقة الإسرائيلية كحق العودة، والحدود، والسيادة على الأرض، والأمن وغير ذلك. كما مطلوب أن يُبدأ بتطبيق التطبيع العربي الإسرائيلي أولاً قبل تنفيذ ما يُسمى بالتسوية السلمية. كما مطلوب أيضاً تغيير بوصلة الصراع ومحاولة اشغال المنطقة بصراع آخر.

    وأضاف صالح فيما يتعلق بالحالة اللبنانية، خصوصاً في ما يرتبط مسألتي التوطين والتطبيع، فالمطلوب من خلال الصفقة أن يتم ترتيب بيئة سياسية عربية متوافقة مع الصفقة، وأن يدفع لبنان ثمن موضوع عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم أي عملية توطينهم على أراضيه، لكن المطمئن هنا أن هناك رفض لبناني شامل لهذ الموضوع وكذلك رفض فلسطيني.

    ونبه صالح أن المطلوب لبنانياً أن يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه، فيما يتعلق بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية، خصوصاً فيما يتعلق بحق العمل، من خلال ما توصلت إليه لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني من تفاهمات وتصورات، وأن لا يبقى ما اتُفق عليه حبراً على ورق، بل يجب أن يُترجم من خلال مراسيم وتشريعات تُسن في هذا الخصوص. خصوصاً أن ما تشكله قوة العمل الفعلية للاجئين المقيمين في لبنان لا تتعدى الخمسين ألف فرد، وبالتالي لن يكون هناك، كما يُروج لبنانياً، خطراً على فرص العمل للبنانيين في لبنان، بل سوف يكون لليد العاملة الفلسطينية إسهاماً جيداً في الدورة الاقتصادية في لبنان.

    بدوره أكد أ. وديع عقل أن لبنان محصن ويعمل منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحتى أيامنا هذه على مواجهة مشاريع التوطين كما يتحضر لمواجهة “صفقة القرن” من خلال آليات سياسية وقانونية وتاريخية. ف”صفقة القرن” بالنسبة لنا وُلدت ميتة، ولن نتحاور مع أحد بخصوص “صفقة القرن”. هناك مبادرة عربية قابلة للتطبيق التي تم طرحها في قمة بيروت سنة 2002، ويمكن الاتفاق مع أطراف دولية لتطبيق هذه المبادرة. وفي موضوع الديون والضغوط الاقتصادية، يعيش لبنان مرحلة صعبة جداً، لكن لدينا إرادة لتخطى هذه الضغوطات، كما هناك التفاف شعبي على مواجهة هذه الضغوطات. أما فيما تعلق بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقال إن الحملة الأخيرة ضد العمالة الأجنبية في لبنان لم يكن العامل الفلسطيني المقصود المباشر من هذه الحملة بل ما تعرض لها هو نتيجة لتطبيق قوانين العمل في لبنان، ولكن مطلوب تفعيل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني للوصول إلى حلول فاعلة وعادلة تأخذ بالاعتبار وضع اللاجئ الفلسطيني، على أساس دعم حق عودة اللاجئ الفلسطيني ورفض التوطين.

    أما الأستاذ صلاح سلام، فقد أكد على أن لبنان ليس جزيرة معزولة فهو يتأثر بما يجري حوله، لبنان ليس قادراً وحده على إفشال “صفقة القرن” ولكن يملك القرار لرفضها، كما حصل في مؤتمر البحرين مؤخراً؛ حيث قاطع المؤتمر، وهذا مؤشر لرفض الصفقة؛ لكن لبنان بحاجة لمزيد من التنسيق مع الأشقاء العرب لتقوية الموقف الرافض. وأضاف أن الجديد في “صفقة القرن” أنها ألغت كل مفاعيل القرارات الدولية السابقة من القرار 242 إلى اتفاقية كامب ديفيد إلى اتفاق واشنطن واتفاقيات أوسلو. وفي ما يتعلق حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد أشار إلى أن إجراءات إغلاق المؤسسات التي يديرها الفلسطينيون في لبنان، كان يجب أن لا تتم مباشرة بل كان من الأفضل إعطاء أصحاب هذه المؤسسات الوقت الكافي لتنظيم وضع مؤسساتهم القانوني وإبقائها مفتوحة إلى حين تسوية أوضاعها القانونية.

    وفي مداخلة د. عبد الحليم فضل الله، فقد أكد على أن لبنان يمر بصعوبات اقتصادية وسياسية معروفة، ولكن لبنان لديه القدرة أكثر من غيره على مواجهة ورفض “صفقة القرن”، وبالتالي تخطي هذه الصفقة. ويرجع قوة الموقف اللبناني من خلال ما راكمته المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وضد المشروع الصهيوني في المنطقة، كذلك من خلال الموقف الشعبي والرسمي الرافض لهذه الصفقة. وأضاف أن الخطر في “صفقة القرن” ليس إمكانية تصفية القضية الفلسطينية، لكن الخطر هو في التحالف العربي الذي يدعم هذه الصفقة. وتابع أن لبنان كي يستطيع مواجهة “صفقة القرن” والمشروع الصهيوني عليه أن يندرج في التحالفات والاصطفافات الإقليمية الصحيحة.

    وفي مداخلة للأستاذ جابر سليمان، فقد أكد أن الشعب الفلسطيني لطالما قاوم مخططات التوطين بغض النظر عن موازين القوى، فقضية اللاجئين هي لب القضية الفلسطينية، والحل الذي يُراد للاجئين هو السلام الاقتصادي الذي طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سنة 2008، وقبله رئيس الحكومة الأسبق شمعون بيريز. وأضاف أن كل المخططات الأمريكية الحالية تقوم على دراسات إسرائيلية، كالتي صدرت عن معهد الدراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) على سبيل المثال. وحول قدرة الطرف الفلسطيني على الرفض، تابع أنه بالأصل الطرف الفلسطيني الرسمي لم يُدع إلى ورشة البحرين؛ لذلك هناك مبالغة من قبل الجانب الرسمي الفلسطيني في إظهار الرفض؛ ما لم يُقرن بجهد حقيقي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جامعة.

    وتناول جابر الوضع الفلسطيني في لبنان، فقال إذا كان هناك إجماع لبناني فلسطيني على رفض التوطين، علينا أن تنفق على موقف عملي كيف نحصن الساحة اللبنانية والفلسطينية على رفض التوطين في ظل الأزمة الاقتصادية. وتحدث عن الوثيقة التي صدرت عن المبادرة المشتركة، والوثيقة التي صدرت أيضاً عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني فيما يتعلق بالحقوق المدنية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وموضوع حق العمل. وقال إن هاتين الوثيقتين لم يم تطبيقها على الأرض من خلال مراسيم وتشريعات يُصّدق عليها في مجلس النواب اللبناني. وبالتالي إذا لم نعد إلى هاتين الوثيقتين فإن الموقف اللبناني الرافض للتوطين يؤدي بطبيعة الحال إلى التهجير. وأشار إلى أن حملة وزارة العمل لا تصب في مصلحة تمكين الفلسطيني في مواجهة “صفقة القرن”.

    وفي مداخلة للأستاذ منير شفيق، الأمين العام للمؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج، قال إن هناك سياسيات صهيونية تُمارس على الأرض صارت كفيلة بأن يُسمى كل جزء منها “صفقة القرن”. والكثير ممن تكلموا عن “صفقة القرن” حاولوا تقديم استراتيجية أمريكية لهذه الصفقة وبعضهم توسع بها حتى ربما بات يعتمد عليهم مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر. من هنا يجب أن نواجه السياسة الأمريكية الإسرائيلية من خلال التركيز على قضايا واضحة كقضية الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وقضية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. فهذه القضايا واضحة وهي لاقت رفضاً من قبل جميع الدول العربية ولم تستطع الإدارة الأمريكية أن تُحدث اختراقاً في هذه القضايا، وبالتالي ليس من المفيد أن نركز على قضية ما زالت مجهولة كـ”صفقة القرن”.

    بدورها قالت منى سكرية الصحفية اللبنانية، سواء اختلفنا أو اتفقنا حول “صفقة القرن” ومضمونه، هو بسياق تصفية الحق الفلسطيني وإنهاء حقوقه. وأشارت سكرية إلى أن المخيف هو هذا التراخي عند عدد من الدول العربية، الموقف العربي لم يرق إلى مستوى خطورة هذه الصفقة. أما بخصوص انعكاس هذه الصفقة على الساحة اللبنانية، فقالت إن المقاومة هي القوة الحقيقية للبنان؛ فقد أُجبرت “إسرائيل” على الانسحاب من لبنان بفعل المقاومة.