Fast treatment from inside the train
حارث حسن - باحث عراقي مقيم في الولايات المتحدة
من الخطأ النظر الى القرار السعودي بإعدام الشيخ نمر على انه مدفوع بدوافع طائفية، بل هو يتعلق بقراءة من اتخذ القرار لتوازنات القوى ولنوع الاهداف التي أراد تحقيقها. هنالك فرق بين وصف نظام معين بانه طائفي، وبين القول انه يستخدم الطائفية، فالصيغة الثانية التي تنطبق كثيراً على الاسرة الحاكمة في السعودية، تشير الى انها تستثمر المشاعر والولاءات الطائفية حينما ترى انها تخدمها سياسياً، وليس لأنها تتصرف بوحي من ايديولوجية طائفية.
الطرف الحاكم الذي اتخذ قرار اعدام النمر الى جانب أعضاء في تنظيم القاعدة، أراد ان يرسل رسالة الى التيار السلفي في السعودية بأنه يحاسب كل من "يخرج على بيعة الملك" سواء كان سنياً او شيعياً، وبذلك يخفف من غلواء هذا التيار الذي تسبب ظهور داعش بأزمة في داخله تتعلق بنظريته السياسية، بحيث يتسنى للأسرة الحاكمة بضربة واحدة، ان توقع العقاب بالسلفيين الذين يتمردون عليها دون ان يبدو الأمر وكأنه محاباة للشيعة، بل وبطريقة يبدو فيها الأمر وكأنه موقف موجه ضد الشيعة. وهنا لا تخسر الاسرة الحاكمة الكثير، فهي أصلاً ليست في معرض التصالح مع الشيعة لا داخلياً ولا اقليمياً. لذا، فان الجناح الذي اتخذ قرار الاعدام يريد أيضاً الاستفادة من تصاعد التوتر الطائفي، ومن رد الفعل الايراني العاطفي، لتكريس قبضته على السلطة، لأن أجواء التصعيد والتوحد خلف الحكومة لمواجهة الخطر الايراني، وبعد ان أخذت الهوية الوطنية السعودية تتشكل على أساس التناقض مع آخر "ايراني"، تقوي قدرة هذا الجناح على مواجهة أي تحدي من منافسين داخليين عبر وصفهم بأنهم منشقون ويهددون وحدة الصف في المواجهة القائمة مع "العدو الايراني". أي ان الجناح الحاكم بحاجة لهذا العدو الايراني، وبحاجة لأن يستثمر أخطاء هذا العدو وانفعالاته، لكي يقوي من شرعيته وسلطته الداخلية، والهجوم على السفارة من قبل التيارات المتشددة في ايران، التي تريد بدورها استثمار التصعيد لإضعاف روحاني واضعاف فرص صعود مرشد أعلى اصلاحي، خدم هدف الجناح الحاكم في الاسرة السعودية (ونحن نتحدث عن أهداف قصيرة المدى). كان موقع ويكيليكس قد سرب تقريراً لموظف سياسي امريكي (يرجح أن يكون استخبارياً)، عن لقاءات جمعت الامريكيين بالشيخ نمر، وفيها كان الاخير يسعى لكسب ودهم ولوضع مسافة بينه وبين الايرانيين، عبر تأكيد ان ايران هي دولة تسعى لمصالحها الوطنية وليس مصالح الشيعة بالضرورة، وانه يتبع مرجعية محمد تقي المدرسي (وليس خامنئي). ربما تكون محاولة نمر كسب ود الأمريكيين – وليس عمالته المفترضة للإيرانيين- هي التي جعلته يشكل خطراً في نظر السعوديين، ولذلك فان أفضل ما قدمه رد الفعل على اعدامه، هو انه أكّد السردية التي تدعمها السعودية عن كون نمر، وأي شيعي معارض في منطقة الخليج، لابد وان يكون بالضرورة، عميلاً لإيران.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي