ملخص
- تؤكد معركة حلب على التغييب الدولي التام لأبعاد الصراع المجتمعية لصالح مفاهيم الإدارة الأمنية، منهيةً العمل بمبدأ التوازن في مفهوم إدارة الأزمة، ومؤجلة لمعركة "مكافحة الإرهاب" الذي وظف لتشويه تعريف الثورة السورية.
- يشكل إعلان موسكو وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق "العملية السياسية"، تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية يتطلب منها اتباع تكتيك “التعاطي الإيجابي" وفق مبدأ النقاط المشتركة.
- تعلي نتائج البحث المعمق لامتلاك المعارضة لأسباب التمكين من أهمية خيار "استيعاب الصدمة واحتوائها"، الذي أنه من شأنه تقليل الاندفاع باتجاه خيارات الاندماج المتسرعة، ويقوض الخيارات الفردانية ولا يفرط بأوراق القوة.
- تتطلب ضرورات مواجهة المرحلة عدم تأخير الامتحانات الوطنية لاسيما فيما يتعلق بإعادة تعريف دور العسكر ضمن إطار جديد يضبط المشهد العسكري ويحسم العلاقة مع جبهة فتحة الشام، إضافة لتدعيم منظومة المجالس المحلية وتعزيز استقلاليتها.
- تتطلب سياسة "حماية أوراق القوة" حسن إدارة ملف الغوطة، وتحصين وتمتين البنية المحلية في إدلب، إضافة لعدم التفريط بمعركة الرقة واعتباره خياراً استراتيجياً، ناهيك عن انجاز البرامج الوطنية المتعلقة بملفات اللاجئين وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب.
- تفرض ضرورات الصمود امتلاك مقوماته وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة الأبعاد وهذا من شانه أن يضع المعارضة أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة.
مدخل
كان واضحاً منذ بيان فيينا في 30/10/2015 الذي أتى بُعيد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، أن موسكو تعمل وفق مقاربة سياسية عسكرية، قائمة على "تطويع الميدان" وضرب المعارضة السورية، وتحويل ذلك لمكتسبات سياسية توظفها لتعزيز سرديتها وتعريفها للملف السوري. كما غيبت روسيا أساس الصراع القائم على صراع سلطة ضد شعب لصالح نتائجه، وهو ليس الشكل الأفضل لتعزيز فرص استعادة شرعية حليفه (النظام الحاكم) فحسب، إنما هو المدخل الرئيس لتثبيت قواعد النفوذ الروسي في المنطقة ولتصدير قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي في "ضبط تفاعلات وتحولات هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة" مقابل "تعثر أمريكي يمتد لسنين"، وهو أمرٌ يُعزز تمركزها في النظام السياسي الدولي.
وبهذا السياق كان لا بد لموسكو من اتباع استراتيجية "الحل الصفري" على المستوى العسكري في سورية مستغلةً توظيف معادلة الإرهاب التي أرادتها الدبلوماسية الروسية سائلة. فضربت ابتداءً مناطق سيطرة قوى الثورة في الساحل وأخرجت كافة جيوبها من مساحات "سورية المفيدة" مُتبعة منهجية التهجير وصولاً لعودة السيطرة على حلب مؤخرا، وقابل كل ذلك هندسة سياسية روسية على مستوى الفاعلين الدوليين والإقليمين تكرس من خلالها فلسفة القيادة الروسية في التعاطي مع ملفات الربيع العربي بعد أن ضمن تدخلها العسكري المباشر اصطفافات إقليمية تغزل سياساتها الأمنية والسياسية بما لا يتعارض مع المنوال الروسي فكان "إعلان موسكو" الأخير بين طهران وأنقرة وموسكو حلقة رئيسية في تلك الهندسة. كما رافقها أيضاً إجهاضٌ دائمٌ لأية فاعلية تُرتجى من مجلس الأمن باستثناء قرار نشر المراقبين الدوليين رقم (2328) للإشراف على عملية الإخلاء كونه يعزز السيطرة الدائمة على مدينة حلب.
وأمام هذا التدحرج المتسارع للعناصر المكونة "لحل سياسي" والذي تتقصده موسكو للدفع بقواعد جديدة أمام القيادة الأمريكية القادمة، تتضاءل لدرجة كبيرة -وفق مستويات الصراع القائمة-فرص تحسين تموضع قوى المعارضة السورية وتعزز من شروط النظام. وبناءً عليه تقدم ورقة السياسات هذه استعراضاً عاماً لتداعيات معركة حلب والسياسات الأكثر نجاعة للمعارضة، إضافة لقراءة تحليلية في خلفيات إعلان موسكو وخارطة الطريق التي يؤسس لها، وحدود التباعد والتلاقي مع توجهات وأهداف المعارضة، وما هو الخيار التكتيكي الأمثل في التعاطي مع الإعلان. كما تفرد هذه الورقة في قسمها الأخير مجموعة من التوصيات الاستراتيجية تعالج تحديات قوى المعارضة –التي لطالما أجلتها ودفعت بها إلى الأمام-بحيث توفر لها مرونة سياسية ومستويات عمل نوعية تحسن من فرص هدفها النهائي والقائم على تعزيز مناخات التغيير والانتقال السياسي في سورية.
تداعيات معركة حلب: واقع جديد وتحديات حادة
توضح معطيات معركة حلب الأخيرة جملة من الحقائق التي تعزز من تثبيت "قواعد نوعية" تساهم في نقل الصراع إلى مراحله الأخيرة وفق المخيال الروسي، وتسهم في إنجاز حل شكلي يرتجي منح النظام الحاكم مزيداً من الشرعية على الرغم من التشكيك الموضوعي لقدرته على مواجهة استحقاقات سورية القادمة، سواء على مستوى ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار المحلي والإقليمي أو على مستوى إدارة الفرقاء داخل بُنيته الهشة بعد أن اضطر لمنحها شراكة في وظائف أمنية وعسكرية واجتماعية سيادية. ولعل أهم هذه الحقائق ما هو مبين أدناه:
- التغييب الدولي والإقليمي لأبعاد الصراع المجتمعية لصالح مفاهيم الإدارة الأمنية، الأمر الذي ساهم في "التعاطي السلس" مع سياسات التدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي لصالح تفاهمات أمنية مؤقتة كمعايير ثقة بينية أولية، يتم توظيفها لدفع العجلة السياسية باتجاهات تنهي الصراع وفق مؤشرات بوصلة موسكو المتسيدة للمشهد السياسي والعسكري في سورية. وتحاول الإدارة الروسية الاستعاضة عن المعارضة السورية كعنصر رئيس ثبتته المستندات القانونية الدولية في عملية الانتقال السياسي بفعاليات سياسية معارضة سائلة/ غير تمثيلية لشرعنة "الحل السياسي".
- تأجيل معركة "مكافحة الإرهاب" التي كانت "مدخلاً رئيسياً" لتشويه تعريف الثورة السورية، وأداة وظيفية تستهدف بنى قوى الثورة والمعارضة التي لم تحسن التعامل مع هذا الملف، لصالح إتمام عناصر الحل السياسي المتخيل كوقف إطلاق النار والإجلاء المتبادل بعدما تمت السيطرة الكاملة على مدينة حلب ومن ثم تثبيت الجبهات وإنجاز تفاهم سياسي يدفع به الفاعلون الإقليميون، قائم على التصدي المشترك لهذا "الإرهاب" الذي يراد له روسياً وإيرانياً أن يشمل أكبر قدر ممكن من قطاعات قوى الثورة. وبهذا السياق تعتقد موسكو وحلفائها إن أية اختلالات قد تحدثها قوى الإرهاب في معادلات السيطرة والنفوذ ستبدو هامشية أمام الأولويات المفروضة وهذا ما يفسر تقليل أهمية عودة سيطرة تنظيم الدولة على مدينة تدمر والتي أتاحت له خيارات متعددة تهبه المرونة والسيولة، وبالتالي تعاظم قدرته على مواجهة أية استراتيجية صادة.
- انتهاء صلاحية العمل بمبدأ التوازن في مفهوم إدارة الأزمة بحكم "تطورات المشهد" وتبني "مبدأ تصدع المعارضة" لأسباب يتفق معظم الفاعلين الدوليين والإقليميين على أنها لم تنجح في مراعاة تقليص المهددات الأمنية وإجبارها على قبول التسوية كمدخل لمرحلة جديدة سواء باتباع أدوات ضغط سياسي أو عسكري.
إلا أن هذا من شأنه تعظيم حالات ثلاث، الأولى الانزياح المتسارع نحو منظومة القوى العابرة للوطنية التي تستغل المظلومية السنية في تمتين بناها الداخلية وتعظيم قدرته على البقاء والصمود، والحالة الثانية هي تفتيت مناطق سيطرة المعارضة وتنامي حالات الانفلات والسيولة، والحالة الأخيرة استمرار الاستعصاء في أي إنجاز يرتجى في ملفات وتحديات المرحلة الانتقالية كعودة اللاجئين والمهجرين والإدارة المحلية واستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية وغيرها.
وأمام هذا تتقلص بشدة خيارات المعارضة لمواجهة هذه الوقائع المركبة بحكم أنها لم تنجح في امتلاك أدوات عسكرية ناجعة تعمل بتناغم واضح وأهداف مشتركة ولم تستطع امتلاك سياسة ذاتية تُبقي لها قدرة على امتلاك قرارها الوطني، إلا أن المرحلة القادمة تستوجب منها بحثاً معمقاً لامتلاك أسباب التمكين. وفي هذا السياق يبرز تكتيك استيعاب الصدمة واحتوائها خياراً مهماً من شأنه أن يعطل فرص الوقوع أي من الحالات الثلاثة، وهي:
- تحكم "خيارات الاندماج " على سياسات المراجعة، إذ أن هذه الخيارات تُنبئُ بالانحلال أكثر من البقاء.
- عدم تنسيق المواقف والخيارات ما بين العسكري والسياسي، فالخيارات الفردانية من شأنها تسريع التفكك.
- التسليم السريع لكافة أوراق القوة غير العسكرية بحكم تعاظم واقعية مبدأ إدارة الهزيمة.
إعلان موسكو: انطلاق سكة "حل سياسي"
يحظى إعلان موسكو الأخير بجملة معطيات تدلل على اقتراب "إنجاز مستند سياسي" يدفع بحكم النتائج الأخيرة للصراع العسكري باتجاه بلورة "خارطة طريق" تطلق العملية السياسية من جديد بقواعد جديدة تعزز السردية الروسية للملف السوري. من جملة هذه المعطيات يمكن تصدير ما يلي:
- امتلاك الأطراف المتبنية للإعلان (موسكو – طهران – أنقرة) القدرة الحقيقة على تنفيذ ودعم خارطة الطريق بحكم تواجدها المباشر في الجغرافية السورية وامتلاكها لقنوات ضغط رئيسية على حلفائها المحليين.
- توافق بنود هذا الإعلان مع ما كرسته سياسة أوباما من محددات وغايات، واتساقها مع تطلعات الرئيس القادم ترامب.
- تنامي احتمالات توسيع الفواعل الإقليمية والدولية لشرعنة هذا الإعلان وتبنيه دولياً، لا سيما المملكة العربية السعودية وقطر التي هي بالأساس تنسق سياسياً مع تركيا.
- اتساق "الإنجاز السياسي" مع المعطيات العسكرية الناشئة لا سيما في الاتجاهات المتعلقة بتذليل المهددات الأمنية للأطراف الموقعة على هذا البيان.
- تسارع استكمال العناصر الشكلية المساعدة لعملية "الهندسة السياسية" تلك، فواقع عسكري جديد يدعم بإجراءات تثبته فرق المراقبة الدولية التي تشرف على إتمام عمليات الإخلاء (قرار 2328)، تلاه اتفاق سياسي للفواعل الرئيسية، وملامح جدية لمؤتمر في كازخستان يدعى إليه الأطراف المحلية -بعد تغيير تموضعها-للتوافق على إعلان موسكو ثم يتوقع بدء عجلة تنفيذ القرار 2254.
يشكل هذا الإعلان وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق العملية السياسية تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية التي لا تزال تشهد تداعيات خسارة حلب ومآلات التصدع المحتملة. ورغم ما يتضمنه الإعلان من إشكالات قد لا تتطابق مع غايات وأهداف قوى المعارضة، إلا أن سياسة التعاطي معه وفق مبدأ النقاط المشتركة تشكل منطلقاً أساسياً للتعامل مع هذا الواقع الجديد والتفاوض حول ملفات التغيير الوظيفي والبُنيوي. إذ تفرض هذه السياسة نفسها أمام المعارضة بحكم مبدأَي الواقعية السياسية وضرورات التماسك بعد سلسلة الخسارات المتلاحقة. ولعل أهم النقاط التي تُشكل قاعدة أولية تجعل المشاركة في هذه الأجندة تكتيكاً مقبولاً، موضحة في (وحدة الأراضي، سيادة الدولة السورية، دولة ديمقراطية، لا يوجد حل عسكري في سورية، توسيع وقف إطلاق النار، وعدم إعاقة المساعدات الإنسانية، وتوفير الزخم اللازم لاستئناف العملية السياسية في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254).
ولتحقيق النجاعة لهذا التكتيك، ينبغي على المعارضة توفير منصة أولية تجمع الفرقاء وشركائها المحليين تتبنى مبادئ الثورة الخمسة، وتكون بمثابة مرجعية عابرة لمجموعة الرياض والائتلاف، والتوصل لملامح استراتيجية تفاوض متماسكة، ومد الوفد المفاوض بكافة متطلبات العملية التفاوضية والاحتفاظ بحق الانسحاب والعودة إلى المرجعية في حال تعثر الاستمرار، وهذا يتزامن مع جملة من السياسات التي ينبغي أن تبدأ المعارضة بالعمل عليها.
مواجهة الامتحانات ضرورة لم تعد تقبل التأجيل
ثبتت معطيات معركة حلب أمام المعارضة ضرورة تبني مبدأ المراجعة وتقييم كافة أدواتها السياسية والعسكرية. وتطرح في هذا السياق ضمن فعاليات قوى الثورة والمعارضة مجموعة من ردود الفعل لا ترتقي لمستوى الحدث الذي يؤسس لمرحلة جديدة تتطلب سياسات أكثر اتساقاً مع أهداف الحراك الثوري، إذ أن ضرورات مواجهة المرحلة تتطلب عدم تأخير الامتحانات الوطنية والامتناع عن سياسة "دفع الكرة إلى الأمام" والإعداد لسياسات واستراتيجيات تساهم في استيعاب الأولويات ومواجهة الاستحقاقات بأدوات أكثر فعالية. وفي هذا المضمار وبالتزامن مع مبدأ "استيعاب الأزمة" يمكن تصدير مجموعة من السياسات الآتية:
- المراجعات الجدية/المتأنية/المنظمة للعمل السياسي والعسكري، كتقييم الأداء والسلوك العام لكافة الأجساد السياسية وعلى رأسها الممثل الشرعي للشعب السوري " الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"ومدى نفعية بقائها في المرحلة القادمة بحلتها الراهنة، والتدارس الموضوعي لصلاحية البُنية الحالية لهذه المرحلة بعد أن اتخذت شكلاً ثابتاً ومصمتاً خلال الأعوام الستة الفائتة؛ الشكل الذي حال دون أي فعل سياسي حقيقي يُحدث أثراً ملموساً سواء على المستوى المحلي كتنظيم الصف الثوري الداخلي أو على المستوى الخارجي وتمثيل بديل مقنع للمجتمع الدولي، ما ولد فراغاً سياسياً في الثورة السورية، وغُربة عن الشارع الثوري والذي عزز من عدم لحظها في معادلة الصراع السوري، وأعلى من شأن الخيارات العسكرية التي اتسم حراكها بالفصائلية المغرقة وغيبت أثر وفعالية الحراك المدني والسياسي وأقصته وتدخلت في كافة مفاصل المحلياتية. بالمقابل لا يمكن في هذا الصدد تبني سياسة "جلد الذات" دون مراعاة السياق العام للملف السوري الذي تحكمت به الرؤية الأمنية الدولية ومقاربات الضبط والتوجيه.
- تقوية المكونات المحلية المدنية وخاصة منظومة المجالس المحلية كجسم تمثيلي شرعي رغم التفاوت في مستوى الأداء بما يهدف إلى ملء الفراغ الإداري وتمثيل رأي المواطنين في الحقل السياسي في مقابل طُغيان غير متوازن للفصائل العسكرية والأجسام السياسية التقليدية في المشهد التفاوضي.
- تدعيم منظومة "الجيش السوري الحر" وتصحيح سياساتها العامة بدءاً من علاقاتها مع غرف الدعم العسكري والمالي الدولية وتوسيع هوامش امتلاك القرار وعناصر التحكم العسكري العملياتي، ومروراً بإكمال بناء العقيدة العسكرية الثورية وما تتطلبه من مأسسة وهيكلية واضحة ولحظ لعناصر عسكرياتية تتعدى مفهوم السيطرة والنفوذ، لتشمل مفهوم التصدي العام لكافة خطط النظام الأمنية والعسكرية كالاختراق وتمتين بُنيته ومنحه فرص الانتعاش والتنسيق العام والمهام الخاصة، وليس انتهاءً بتحديد أهدافه العامة واتساقها العضوي مع متطلبات التغيير السياسي وضرورات التنسيق التام مع السياسي، وعدم التدخل في الفعاليات المحلية إلا بما تمليه الضرورة الأمنية القصوى وبتفويض واضح من القوى المدنية المحلية.
- الحفاظ على أوراق القوة وتدعيمها بخطط استراتيجية، إذ تدلل المعطيات أن اتجاهات حراك النظام وحلفائه ستركز على أربعة ملفات الغوطة وادلب وبرامج الاستقرار وإعادة البناء ناهيك عن الاستعداد لمعركة الرقة، وبناء عليه ينبغي على المعارضة العمل على ما يلي:
- حسن إدارة ملف الغوطة والذي يتطلب التدارس الحثيث لكافة الخيارات المتاحة لاسيما الهدنة والعمل على الدفع بها وفق منطق "توازن الردع" وضرورات التكامل مع مناطق برزة والقابون وأحياء دمشق الجنوبية، ومبدأ وقف إطلاق النار وليس التسليم والتهجير، وحتمية إنهاء الاقتتال البيني.
- توفير أسباب الصمود والقوة في إدلب وما يحتاجه من تحصين عسكري وحسن إدارة ملف المهجرين وتقوية موارد التنمية والالتفاف حول المجلس المحلي باعتباره الحالة الأكثر شرعية من الناحية التمثيلية.
- ضرورة اتخاذ معركة الرقة كخيار استراتيجي وهذا يُعلي من شأن تدعيم عمليات درع الفرات والاستعداد التام لملء الشواغر الإدارية والأمنية بعد التحرير.
- تبني مقاربة وطنية متكاملة لبرامج عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، ناهيك عن استراتيجيات مكافحة الإرهاب وما تتطلبه من سياسات وطنية تتقاطع مع الضرورات الأمنية الإقليمية والدولية.
- تبني سياسات الحسم ضمن محددات العلاقات البينية لا سيما اتجاه المشاريع السياسية العسكرية والعقدية العابرة للثورة وعدم تركها سائلة وخاضعة للظروف العسكرية والسياسية، وأن تكون هذه المحددات مرتبطة بالمشروع السياسي والأيديولوجي للثورة الذي يحتاج تظافر كافة الجهود والفعاليات لإتمامه وإخراجه بصيغة فكرية تأصيلية. وفي هذا المضمار لا بد من حسم العلاقة مع جبهة فتح الشام وجند الأقصى وأخواتها واتخاذ موقف حاسم تجاهها رافضاً لأطروحاتها وسياساتها، ويعتمد مقاربة عسكرية خاصة قائمة على فك كامل لأي ارتباطات معها وعدم مشاركتها بالقتال في أية معارك أو غرف عمليات مشتركة، إضافة إلى انتهاج سياسة مجتمعية تدفع المجالس المحلية والمنظمات الأهلية للضغط على الجبهة للابتعاد عن المدن والتجمعات السكنية بالطرق المتاحة، مع عدم استعجال الاقتتال معها رغم ضرورة الاستعداد لذلك.
وفي سياق آخر لا بد لكافة الفعاليات المعارضة أن تعمل بالاتساق التام مع مفاهيم المراقبة والمحاسبة لكافة الهيئات والأجساد السياسية والمدنية والعسكرية وتعزيز هذه المفاهيم ضمن منظومات العمل التي ينبغي لها أن تراعي أولويات المواطن وصيانة أمنه وتوفير السبل المثلى لتوصيل الخدمات له بالدرجة الأولى.
عموماً بقدر ما شهدته جغرافية مناطق سيطرة المعارضة من ارتكاسات بُنيوية حادة جراء خسارة حلب وخروج أهم الجيوب الاستراتيجية في دمشق ومحيطها من معادلات الصراع العسكري، وبقدر ما ترسمه الفواعل الإقليمية والدولية أيضاً لملامح "حل سياسي" يراعي السردية الروسية المتوافقة بدرجة عالية مع النظام وإيران، فإن ضرورات الصمود وامتلاك مقوماته وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة الأبعاد تفرض نفسها بقوة على المعارضة وتجعلها أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة، ويفرض عليها بذات السياق اتخاذ سياسات المراجعة والحسم تجاه كافة التحديات.