• مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    English_Versionيسر مركز الزيتونة أن يقدم للقارئ الكريم التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015 الذي يصدر للمرة التاسعة على التوالي. ويعالج التقرير القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول استشراف المسارات المحتملة.

    ويُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية التي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطورات القضية الفلسطينية على مدار عامين كاملين، مع التزامه بدقة بالمعايير العلمية والمهنية، بالإضافة إلى غناه بالمعلومات والإحصاءات المحدّثة الدقيقة، وتدعيمه بعشرات الجداول والرسوم البيانية، فضلاً عن الرؤى الاستراتيجية والاستشراف المستقبلي للأحداث.

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 392 صفحة
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016
    – السعر: 20 $
    – ردمك: 9-49-572-9953-978
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

      PSR-14-15_Ar-Cover-3d

     

    وجاء تقرير هاتين السنتين في 392 صفحة من القطع المتوسط. وقد شارك في كتابته 12 باحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وأشرف على مراجعته أربعة مستشارين، وقام بتحريره د. محسن محمد صالح. ويتألف من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/6/2016


     >> للاطلاع على ”الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015“، اضغط هنا

     

  • مقال: المعوقات العشر للمصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    English_Version

    مرت في شهر مايو/أيار الأخير ذكرى مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وبمشاركة باقي الفصائل الفلسطينية، بعد ثلاث سنوات من النقاشات الممهدة له.

    ولكن السؤال الملح لماذا يستغرق مشروع المصالحة هذا الوقت الطويل دون أن يجد طريقه للتنفيذ رغم الحاجة الملحة إليه وتعثر المشروع الوطني الفلسطيني بسببه؟

    مرجعيات وأولويات متباينة
    من الناحية العملية، نحن أمام شريكين متشاكسين اضطرا للدخول في المصالحة في ظل اختلافات حادة بينهما.. هناك عدد من الأسباب والمعوقات التي تتسبّب في تعطيل المصالحة، وهي تتباين في درجات تأثيرها وأهميتها، غير أنها تتلخص فيما يلي:

    1- المرجعية الفكرية والأيديولوجية: لا توجد مرجعية فكرية وأيديولوجية واحدة مشتركة تحدد ما هو ثابت وما هو خطوط حمراء لا تقبل التنازل والمساومة، وما هو خاضع للتقدير السياسي والظروف الذاتية والموضوعية وموازين القوى. فمثلا، ترفض التيارات الإسلامية -أساسا لأسباب دينية- الاعتراف بـ”إسرائيل“ أو التنازل عن أي جزء من فلسطين، بينما تربط تيارات أخرى الأمر بالاعتبارات الواقعية وبالمصلحة والتكتيك والعمل المرحلي.

    وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى أمرا يمكن التعايش معه، غير أن التجربة العملية في الحالة الفلسطينية أثبت وجود عقبات حقيقية لا يستهان بها. فحماس -وعلى أسس إسلامية مبدئية- ترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“ وحقها في 77% من أرض فلسطين، بينما تتقبلها قيادة منظمة التحرير والسلطة وفتح، باعتبار ذلك استحقاقا سياسيا نتيجة اتفاق أوسلو الذي تشكلت على أساسه السلطة الفلسطينية، وانبنى عليه حلم تحويل السلطة إلى دولة فلسطينية.

    أما حماس فتريد أن تمارس حقها في خدمة شعبها وإدارة السلطة، دون أن تعترف بإسرائيل، ودون أن تتخلى عن المقاومة، ودون أن تعترف بالاتفاقيات التي وقعتها المنظمة؛ أي أن حماس تريد أن تفرض شروطا جديدة لإدارة اللعبة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركيون.

    ومن الناحية التطبيقية يطالب محمود عباس ومعه قيادة المنظمة وفتح بتشكيل حكومة ترفع الحصار؛ غير أن إسرائيل وأميركا ترفضان رفع الحصار دون الاستجابة لشروط الرباعية الدولية التي وُضعت بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006، والتي كان على رأسها شرط الاعتراف بإسرائيل، وهو ما لا يمكن لحماس القبول به.

    2- تحديد الأولويات والمسارات: وقد انعكست النقطة السابقة على البرنامج الوطني لكلا الطرفين، وكيفية تحديد الأولويات، وما يمكن تقديمه من تنازلات، ورؤية الطرفين الإستراتيجية والتكتيكية لمشروعي المقاومة والتسوية، وأيهما يأخذ الأولوية.

    وبرزت تساؤلات من قبيل ما إذا ما كانت الأولوية يجب أن تُعطى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات، أم لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، أم لإصلاح الأجهزة الأمنية، أم للبرامج الاقتصادية، أم لرفع الحصار وإعادة الإعمار، أم لتحقيق الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، أم لقضية اللاجئين، أم لمواجهة برامج التهويد، خصوصا في القدس. وكيف يمكن تحديد الوزن النوعي لكل قضية، وعلى أي أساس يتم تقديم أو تأخير أي من هذه القضايا، وما هي القضايا التي يمكن الانشغال بها في وقت واحد؟

    3. عدم وجود مرجعية مؤسسية يحتكم إليها الطرفان، وتُحدّد أولويات المشروع الوطني، وآليات اتخاذ القرار، وتمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وآليات التداول السلمي للسلطة.

    ومع أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة التي عليها القيام بهذا الدور، إلا أن حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي وشرائح فلسطينية واسعة ليست أعضاء في المنظمة، بينما تحتكر حركة فتح قيادة المنظمة منذ أكثر من47 عاما (فبراير/شباط 1969)؛ وبالتالي، لم تعد المنظمة تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني، وليس هناك الآن بيت سياسي فلسطيني واحد يجمع كل الفلسطينيين، يتدارسون فيه أوضاعهم، ويضعون فيه برنامجهم الوطني والسياسي، ويحددون من خلاله أولوياتهم وبرامجهم.

    تعطلت دوائر منظمة التحرير ومؤسساتها وفقدت فعاليتها، وتضاءلت أو اندثرت مع ”تغوّل“ السلطة الفلسطينية عليها. ولم يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة حقيقية منذ سنة 1991، إلا اجتماعا واحدا سنة 1996 -على ما فيه من ثغرات- تم فيه تعطيل أو إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني بما يتوافق مع استحقاقات اتفاقية أوسلو؛ أي أن هذا المجلس لم يقم طوال 25 عاما بمهامه الحقيقية، وكان فقط رهن ”الاستدعاء“ لتمرير رغبات قيادة المنظمة؛ بما في ذلك تغيير الهوية الأصلية لمنظمة التحرير والمهام الأساسية التي نشأت من أجلها.

    ورغم أن اتفاق المصالحة ينص على إصلاح منظمة التحرير ومشاركة كافة الفصائل الفلسطينية فيها، فإن السلوك السياسي والعملي لقيادة المنظمة كان عادة ما يُعطل الاستحقاقات المرتبطة بإصلاح المنظمة وإعادة بناء مؤسساتها. كما أن السلوك السياسي لحماس والجهاد الإسلامي وعدد من الفصائل، لا يسعى فقط للشراكة في قيادة المنظمة، وإنما في إعادة بناء أولويات المشروع الوطني الفلسطيني على أسس ترفض التنازل عن الأرض وتحمي خيار المقاومة، وهو ما يعني إعادة النظر في الاتفاقات التي وقعتها المنظمة وربما إلغاء أو تعديل عدد منها، وهو ما قد يكون محط اعتراض شديد من قيادة فتح التي قد تسعى لقطع الطريق على تغييرات كهذه.

    الأدوار الخارجية
    4- التأثير العربي: لا يخفى دور مصر وسوريا والأردن والسعودية على صانع القرار الفلسطيني، وتلعب مصر عادة دورا أساسيا في إعطاء الغطاء للقيادة الفلسطينية، وفي ترتيبات البيت الفلسطيني، وكانت سابقا وراء إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وتعيين الشقيري رئيسا لها، كما أعطت الغطاء لإزاحته وحلول فتح في قيادة المنظمة، واستمرار هيمنتها عليها، فضلا عن الغطاء الذي وفرته لمسار التسوية السلمية لقيادة المنظمة.
    كما كانت مسؤولة (قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011) إلى حد كبير عن شكل التعامل مع حماس، ومحاولة عزلها وإضعافها وإفشالها. وفي المقابل فإن سوريا (قبل الأحداث التي تشهدها حاليا)، شكلت حاضنة لحماس وقوى المقاومة، وكان لذلك تأثيره في مواجهة ما يسمى بمحور الاعتدال.

    وتتحمل الدول العربية، وخصوصا دول الطوق، مسؤولية تاريخية في تعميق أزمة المشروع الوطني الفلسطيني بسبب تضييقها أو منعها للعمل المقاوم، وللنشاط السياسي والشعبي الفلسطيني، وعدم قدرة الشعب الفلسطيني على تنظيم نفسه بحرية في تلك الدول، وتعطيل عقد الانتخابات أو المجالس الوطنية الفلسطينية، وعدم السماح بذلك أو بعضه إلا بأثمان سياسية باهظة.

    5- التأثير الإسرائيلي: من الناحية الإسرائيلية، فإن دخول منظمة التحرير (ومن ثمّ السلطة الفلسطينية) في ”عصر أوسلو“ وما نتج عنه من ترتيبات على الأرض منذ 1993، جعل الجانب الإسرائيلي هو ”الحاضر الغائب“ في كثير من الأحيان في صناعة القرار لدى قيادة المنظمة وقيادة السلطة؛ إذ إن اتفاقية أوسلو أدت إلى انتقال قيادات ”المقاومة“ للإقامة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقطاع، وألزمت المنظمة بعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، وبإقامة سلطة وطنية يتحكم الإسرائيليون بمدخلاتها ومخرجاتها، وبوارداتها وصادراتها، وتحويل أموالها وانتقال أفرادها وقياداتها.

    وتستطيع إسرائيل تدمير البنى التحتية، واحتلال مناطق الحكم الذاتي، واعتقال من تشاء، وخنق الاقتصاد، والاستمرار في التهويد، وفرض العقوبات التي تريد، كوسائل ضغط وابتزاز وتركيع سياسي واقتصادي وأمني. كما تستطيع تعطيل الانتخابات التشريعية، واعتقال مؤيدي تيار المقاومة مثل وزراء حماس ونوابها في المجلس التشريعي، مما يؤدي إلى تعطيل آليات عمل السلطة الفلسطينية.

    وقد منح ذلك الإسرائيليين فرصا واسعة لاستخدام أدوات ضغط هائلة على القيادة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني، بحيث أصبح السلوك الإسرائيلي المحتمل، محددا أساسيا في نقاشات ومفاوضات المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

    6- التأثير الدولي: وبالتأكيد، فإن الموقف الغربي وخصوصا الأميركي له تأثيره الذي لا يستهان به على المسار الفلسطيني، إذ إن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل وتوفير الغطاء الدائم لاحتلالها وانتهاكاتها وممارساتها ضدّ الشعب الفلسطيني، وكذلك التدخل لفرض شروط الرباعية على حماس وقوى المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل ووقف المقاومة المسلحة، والاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها المنظمة، بما فيها اتفاقيات أوسلو، شكل تدخلا سافرا في محاولة تحديد مسارات وخيارات الشعب الفلسطيني ومواقفه. كما سعت أميركا وحلفاؤها لإسقاط حماس وعزلها، واعتبارها حركة ”إرهابية“، ونزع الشرعية عنها، بالإضافة إلى معاقبة الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي الحر لحماس.

    من جهة أخرى، أسهم السلوك الأميركي المتحيّز في إفشال مسار التسوية السلمية، وفي انسداد أية آفاق لتحصيل الحقوق الفلسطينية أو بعضها من خلال مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، وأسهم في إدخال المشروع السلمي الذي تحمله القيادة الفلسطينية الحالية في أزمة حقيقية.

    وكان جزء أساسي من نقاشات المصالحة الفلسطينية منصبا على طريقة تكييف تشكيل الحكومة الفلسطينية مع شروط الرباعية ومع ”الفيتوات“ الأميركية والإسرائيلية المحتملة، وهو ما ينطبق أيضا على إجراء الانتخابات وعلى إصلاح الأجهزة الأمنية وغيرها.

    أبعاد نفسية وثقافية
    7- أزمة الثقة بين فتح وحماس، أو بين تيار المقاومة وتيار التسوية، التي تعمقت بين الطرفين في السنوات الماضية، زادت من تعقيد الأمور. فقد تكرست من خلال العلاقات الفصائلية وخصوصا بين فتح وحماس، وطوال ربع قرن، أزمة كبيرة في الثقة. فمن لغة الاتهام القاسية بين الطرفين بالفشل والعمالة، إلى حملات المطاردة الأمنية والاعتقالات والإقصاء التي قامت بها السلطة بقيادة فتح خلال الفترة 1994-2000، في مقابل عمليات المقاومة التي كانت تقوم بها حماس وفصائل المقاومة، والتي كانت ترى فيها فتح تعطيلا وإفشالا لمسار التسوية المؤدي لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية؛ إلى محاولات الإفشال والإسقاط والتعطيل ونزع الصلاحيات التي قامت بها قيادة السلطة (فتح) في مواجهة المجلس التشريعي الذي فازت حماس بأغلبيته الساحقة، وفي مواجهة الحكومة التي شكلتها حماس، إلى حالة الانقسام التي نتجت عن سيطرة حماس على قطاع غزة وسيطرة فتح على الضفة الغربية، إلى الإجراءات الأمنية المتبادلة التي قام بها الطرفان لضمان سيطرتهما، مع بلوغ التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وبين الطرف الإسرائيلي والأميركي حدودا قصوى في السعي لاجتثاث العمل المقاوم، وتفكيك البنية التنظيمية لتيار ”الإسلام السياسي“ في الضفة.

    كما كان للفلتان الأمني وسيل الدماء بين الطرفين أثره في تعزيز انعدام الثقة بين الطرفين.
    8- البعد الثقافي الحضاري: وهو مرتبط بحالة التخلف وبأمراض المجتمع الفلسطيني، خصوصا تلك المتعلقة بفن إدارة الاختلاف وبالتداول السلمي للسلطة، وبفن التعايش والالتقاء على القواسم المشتركة، والبعد عن الأنانية الفردية والحزبية، ونزعات السيطرة والاستئثار، وتغليب الشك وسوء الظن والمكايدة السياسية على برامج بناء الثقة والعمل المشترك.

    9- أزمة القيادة الفلسطينية: باعتبارها قيادة لم ترتقِ إلى مستوى تطلعات شعبها، والتي وقعت بدرجات متفاوتة في مسالك الإدارة الديكتاتورية الفردية، والحسابات الشخصية، وإضعاف العمل المؤسسي التنفيذي، وعدم احترام السلطات التشريعية، والسلوك الزبائني الأبوي، والمكايدات الحزبية الرخيصة، والانتهازية السياسية، والفساد المالي، وعدم القدرة على توظيف الطاقات الهائلة والأدمغة المذخورة في الشعب الفلسطيني، والفشل في إدارة الاختلاف السياسي.. وغيرها.

    10- التشتّت والتشرذم الجغرافي للشعب الفلسطيني: وهو تشتت أسهم في تعقيد القدرة على الاجتماع والتفاهم وصناعة القرار، إذ لا يجتمع الفلسطينيون في مكان واحد، ولا يحكمهم نظام سياسي واحد. وتختلف ظروفهم من وجود نحو مليونين و900 ألف في الضفة الغربية تحت الاحتلال وتحت قيادة فتح، ووجود نحو مليون و850 ألف في قطاع غزة تحت الحصار الإسرائيلي وتحت قيادة حماس، ووجود نحو ستة ملايين و 150 ألفا موزعين على دول العالم. ورغم تطلع الشعب الفلسطيني كله إلى تحرير فلسطين وتحقيق حلمه في العودة والاستقلال، فإن بيئات الحياة وظروف الحكم المختلفة أثرت في ثقافة الفلسطينيين وطريقة تناولهم وفهمهم للأمور.

    وهكذا، فربما تعين معرفة هذه المعوقات على إدراك أسباب حالة التأخير والتعطل في إنفاذ المصالحة، غير أنه عندما تتوفر الإرادة الحقيقية والجدية اللازمة سيتم إحداث اختراق حقيقي، شرط ألا يقتصر الأمر على ”الآليات“ ، وإنما يتم معالجة ”الأولويات“ والمسارات.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة 10/6/2016

  • مقال: حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يبدو أن حماس حريصة على ألا تكون طرفا معوقا لانعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح المقرر في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ويظهر ذلك من رسائل الطمأنة العديدة التي صدرت عن قيادات في حماس والتي تؤكد الحرص على وحدة فتح واستعادتها لعافيتها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، وعدم دعم طرف على حساب طرف آخر، وكذلك السماح لأعضاء فتح المقيمين في قطاع غزة بالسفر والمشاركة في مؤتمر فتح.

    ترتيب البيت الفلسطيني

    لعل إحدى المهمات الرئيسية لمؤتمر فتح السابع هي مناقشة الوضع الداخلي الفلسطيني، وسبل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبالتالي لا بد من التعرض لموضوع العلاقة مع حماس وإنفاذ اتفاق المصالحة الموقع عليه منذ مايو/أيار 2011، وكيفية إدماج حماس وقوى المقاومة في المؤسسات القيادية والتشريعية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، غير أن ذلك لن يكون مهمة سهلة ما لم تحدث مراجعات جذرية لأسس الاختلاف بين الطرفين.

    فبين فتح وحماس تاريخ طويل من التنافس والصراع وانعدام الثقة، ورغم أنهما يمثلان عمودي الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ويحصدان عادة أكثر من 80% من أصوات الناخبين الفلسطينيين، فإنهما لم ينجحا حتى الآن في إدارة خلافاتهما ضمن بنية مؤسسية واحدة، ولا من الاتفاق على أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، ولا من تنفيذ الاتفاقات التي يوقعانها. وأدت حالات الشد المتبادل بين الطرفين في أحيان عديدة إلى نتائج سلبية على العمل الفلسطيني، وإلى تعطيل كل طرف لمسار الآخر بحجة المصلحة الوطنية.

    وتعود محاولات الاتفاق بين فتح وحماس إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإلى بدايات صعود حركة حماس كحركة مقاومة وطرف رئيس في المعادلة الفلسطينية، فكانت لقاءات في اليمن وتونس والخرطوم والقاهرة في الفترة 1990-1995. وتكررت لقاءات القاهرة في الفترة 2002-2005 التي تُوِّجت باتفاق القاهرة في 17/3/2005 الذي هيأ لتوقف انتفاضة الأقصى وللانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولإطلاق مشروع إعادة بناء منظمة التحرير، ثم تكررت الاتفاقات في وثيقة الحوار الوطني (وثيقة الأسرى) 2006، واتفاق مكة 2007، وصولا إلى اتفاق القاهرة 2011.

    وليس من الصحيح تبسيط الخلاف بين فتح وحماس في مجرد الصراع على السلطة، فالمرجعية الإسلامية الأيديولوجية لحماس تمنعها من عقد اتفاقات تؤدي إلى التنازل عن أجزاء من فلسطين أو الاعتراف بـ”إسرائيل”، والمرجعية العلمانية الواقعية لفتح لا تمنعها من عقد اتفاقات كاتفاق أوسلو برنامجا مرحليا للعمل الوطني.

    ومن ناحية أخرى فإن أولوية العمل الوطني لدى فتح مرتبطة بمسار التسوية السلمية كمعبر لإنشاء الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بينما تكمن أولوية العمل الوطني لدى حماس في مسار المقاومة المسلحة باعتبارها الأداة العملية الصحيحة لدحر الاحتلال. ولذلك تجد محمود عباس يتحدث عن عبثية عمليات المقاومة وصواريخها، بينما تجد حماس تتحدث عن عبثية مسار التسوية السلمية.

    وفي الوقت الذي تتهم فيه فتح حماس بالتسبب في الانقسام والانقلاب والخروج على الشرعية، وفرض السيطرة على قطاع غزة، فإن حماس تتهم فتح بالديكتاتورية واحتكار القرار الفلسطيني، والهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطيل مؤسساتها وإغلاق الباب في وجه الشراكة الحقيقية لحماس والقوى الفاعلة في المنظمة، كما تتهمها بتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، فضلا عن اتهامها لفتح بالتسبب في الانقسام نتيجة الدخول في مسار أوسلو وفرضه على الشعب الفلسطيني، وعدم اكتراثها بوجود قوى معارضة واسعة (الفصائل الفلسطينية العشر) لهذا المسار.

    ولا يخلو الأمر من اتهامات متبادلة بين الطرفين بتعطيل مسار المصالحة، حيث تتهم فتح حركة حماس بعدم الجدية في إنفاذ المصالحة وتسليم المؤسسات في قطاع غزة، بينما تتهم حماس حركة فتح بعدم الجدية، لأن فتح هي التي تمسك بمفاتيح المصالحة من خلال سيطرتها على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والدعوة لاجتماعات الإطار القيادي المؤقت، ولأن فتح تستقوي على حماس من خلال التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، ومن خلال الاستقواء بالبيئة العربية والدولية المخاصمة أو المعادية لحماس ولتيارات “الإسلام السياسي”.

    مشاركة ممثلي فتح بغزة

    بالرغم من البرود الذي تتسم به علاقة حماس بفتح، وبالرغم من تصاعد درجات التوتر بين الطرفين في الأشهر الماضية، حيث تتهم حماس قيادة فتح بالتراجع (تحت عباءة محكمة العدل العليا) عن إجراء الانتخابات البلدية، وبالاستمرار في التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي، وبمطاردة عناصر المقاومة، وبعدم تفعيل ملف المصالحة، وبعدم حل مشكلة الموظفين الذين عينتهم حكومة هنية، إلا أن قيادة حماس صرحت بأنها لن تقف عائقا أمام مشاركة ممثلي حركة فتح في المؤتمر من أبناء قطاع غزة.

    وكانت حكومة هنية قد أعاقت مشاركة هؤلاء الممثلين في مؤتمر فتح السادس الذي انعقد في رام الله في صيف 2009، في خطوة اعتبرتها ردا على حملات الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية في الضفة ضد عناصر حماس وقوى المقاومة، بينما قوبل هذا الإجراء بالسخط من قبل فتح التي رأت في ذلك محاولة لإفشال مؤتمرها أو إضعاف مصداقيته التمثيلية.

    قضية دحلان

    في اللقاء الذي جمع أبو مازن مع خالد مشعل برعاية قطرية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2016، كان أبو مازن مسكونا بمشكلته مع محمد دحلان أكثر من أي شيء آخر، وحتى من ملف المصالحة نفسه، وعبَّر عن انزعاجه الشديد من الضغوط الكبيرة التي تعرض لها بشأن المصالحة مع دحلان وإعادته إلى حركة فتح. وفي هذا اللقاء، كما في غيره، تلقى تطمينات من قيادة حماس بعدم دعمها لدحلان، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لحركة فتح.

    وكانت ثمة مخاوف لدى قيادات من فتح من تدخل حماس في محاولة للتأثير على مؤتمر فتح ومخرجاته من خلال “اللعب” بورقة دحلان، خصوصا مع ملاحظتهم لنشاط عناصر مؤيدة لدحلان في قطاع غزة، وإدخالهم لأموال لدعم بعض المشاريع التي تحمل ظاهرا “خيريا” غير أن استخدام دحلان للمال السياسي ومحاولة استجلاب الدعم والتأييد لا تقتصر على القطاع، فهو ينشط في أوساط كوادر فتح نفسها، وفي مناطق الضفة الغربية حيث تسيطر فتح، وفي مخيمات اللاجئين في الخارج.

    وكان دحلان المعروف بطموحه للوصول إلى قيادة فتح والسلطة قد انتخب لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح سنة 2009، ودخل في خلافات كبيرة مع محمود عباس، انتهت بفصله من اللجنة المركزية ومن حركة فتح في يونيو/حزيران 2011، وبتوجيه اتهامات إليه بالفساد واستغلال سلطاته، وهو ما اضطره للجوء إلى الإمارات حيث عين مستشارا لمحمد بن زايد.

    وعلى ما يبدو، فإن مشكلة حماس مع دحلان لا تقل عن مشكلة عباس معه، إذ تُحمِّل قطاعات واسعة من حماس دحلان مسؤولية الانفلات الأمني في قطاع غزة ومحاولة الانقلاب على حكومة إسماعيل هنية وإيصال الأوضاع إلى الحسم العسكري الذي قامت به حماس في القطاع صيف 2007. وتنظر حماس بارتياب تجاه دور دحلان الكبير في السعي لإفشال وضرب تيارات “الإسلام السياسي” وقوى المعارضة في المنطقة، كما تضع كثيرا من علامات الاستفهام على علاقاته الإسرائيلية والغربية.

    وقد أكد عدد من قادة حماس طوال الشهور الماضية على النأي بالحركة عن خلافات فتح الداخلية، وربما لمّح بعضهم إلى أن عباس -رغم أدائه السيء تجاه حماس- فإنه يظلّ خيارا أهون بالنسبة لهم من دحلان.

    وعلى سبيل المثال، فقد ذكر صلاح البردويل أن حماس لا يسرها رؤية فتح “مفتتة ومدمرة، لأن تفتت فتح قنبلة نووية، ستشوِّه سمعة الشعب الفلسطيني، وتبدد طاقاته” (جريدة الرسالة، فلسطين، 16/5/2016). وقال البردويل في تصريح آخر إن حماس ليست جزءا من الخلاف بين عباس ودحلان، ولا مصلحة لها إطلاقا فيه، وإن الذين يتحدثون عن تقارب بين حماس ودحلان يريدون الهرب من مسؤولياتهم السياسية، ويحمّلون غيرهم المسؤولية عن فشلهم في إدارة خلافاتهم (قدس برس، 23/10/2016). كما نفى خليل الحية وجود صفقة بين حماس ودحلان، وأكد أن الخلافات الفتحاوية تؤثر سلبا في القضية الفلسطينية، وأن استعادة فتح لعافيتها وقوتها يشكل قوة للشعب الفلسطيني (الاستقلال، غزة، 6/10/2016).

    من جهة أخرى، فإن كشف السلطات في قطاع غزة عن خلية سرية ترتبط بالطيراوي ودحلان (الجزيرة نت 3/5/2016؛ وعرب 48، 4/5/2016) تسعى لشيطنة قطاع غزة وحماس في عيون الفلسطينيين والمصريين والعالم، قد أثار قلقا متزايدا لدى حماس من الدور الخطير الذي يلعبه دحلان. والخلية التي أعلن البردويل عنها كانت تخطط لاغتيال شخصيات فتحاوية (محسوبة على عباس) أمثال أحمد نصر، ومأمون سويدان، وجمال كايد، وعماد الآغا، وجميعهم محافظون عينهم عباس.

    والخلية متهمة بتسجيل مقاطع فيديو تتضمن تهديدات للنظام المصري ولعباس باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويظهر أن القبض على هذه الخلية، وتسليم حماس عددا من الوثائق المتعلقة بالخلية إلى عباس، عبر عن سعي حماس لإظهار مصداقيتها، ولعله أيضا كان مصدر طمأنة لعباس.

    ***

    وأخيرا، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه فتح لا يتعلق بحماس، وإنما يتعلق بثلاث أزمات أساسية: الأولى مرتبطة بالرؤية والمسار السياسي وإعادة عمل مراجعة جادة لمسار التسوية السلمية وتجربة المنظمة والسلطة لإعادة توجيه البوصلة باتجاه خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.

    والثانية مرتبطة بالبنى الداخلية والتنظيمية لفتح ومعالجة ما أصابها من ترهل وفساد.

    والثالثة مرتبطة بالقيادة وما تحتاجه من تجديد ودماء شابة وعلاج مرحلة ما بعد عباس.

     

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 21/11/2016

  • مقال: مبادرة حركة الجهاد بفلسطين.. قراءة في المضامين والإشكالات … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    المبادرة التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على لسان أمينها العام د. رمضان عبد الله شلح حاولت الارتقاء بالنقاش الدائر في الساحة الفلسطينية حول المصالحة وآلياتها إلى مراجعة المشروع الوطني وإعادة توجيه البوصلة لخدمة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوفير الأسس السليمة لتجديد الانطلاقة نحو مشروع التحرير.

    والملاحظ أنه بعد نحو شهر من إطلاقها لم تحظ حتى الآن بما تستحق من نقاش وحوار، وبقدر ما تحاول رفع سوية الوضع الفلسطيني، بقدر ما تواجه من مخاطر التغييب والتجاهل، والتحول إلى وثيقة تنضم إلى سابقاتها من وثائق طواها الماضي.

    ****

    تدعو المبادرة المكونة من عشر نقاط إلى إلغاء اتفاق أوسلو، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، باعتبار هذا الاعتراف أم الكبائر والمصائب في التاريخ الفلسطيني. وتدعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير لتصبح الإطار الوطني الجامع الذي يضم كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني. وتؤكد أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة تحرر وطني، وبالتالي فالأولوية هي لمقاومة الاحتلال ودحره. وتدعو المبادرة إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء وجود سلطتين في رام الله وغزة. كما تؤكد على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وأن الشعب الفلسطيني شعب واحد في الداخل والخارج.

    وتدعو المبادرة الأطراف العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين وقضيتها، بما في ذلك سحب المبادرة العربية، ووقف التطبيع، وقيام مصر بدورها في فك الحصار عن قطاع غزة وفي إعماره. وطالبت المبادرة قيادة المنظمة بملاحقة الكيان الصهيوني وقادته أمام المحكمة الجنائية الدولية، ودعت إلى تفعيل حركة المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني، كما طالبت في نقطتها العاشرة والأخيرة بإطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد.

    ****

    من الواضح أن حركة الجهاد الإسلامي سعت إلى تقديم مبادرتها في إطار وطني، وبما يتوافق مع قناعاتها، وبما يبحث عن المشترك لدى القوى الفلسطينية الأخرى؛ مع الحرص على تجنب الصيغ الأيديولوجية الإسلامية التي تعبر عن انتماء الحركة، والتي يكفي اسمها ليعبر عن طبيعتها وبرنامج عملها.

    ومع ذلك فإن المستهدف أساسا بدفع استحقاقات هذه المبادرة والقيام بخطوات تاريخية جذرية هو حركة فتح؛ أما حركة حماس فإنها قد وافقت على المبادرة، كما أيدتها بشكل عام باقي الفصائل الفلسطينية، بما فيها فصائل منظمة التحرير وتحديدا الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية.

    ****

    يدعو جوهر المبادرة إلى إنهاء مسار التسوية السلمية، وإلى العودة إلى مربع المقاومة المسلحة، وإلى برنامج وطني ودعم عربي وإسلامي مبني على هذا الأساس. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فما هو الجديد في الأمر؟! إذ إنه منذ اللحظة الأولى لدخول فتح وقيادة المنظمة والسلطة في نفق التسوية واتفاقيات أوسلو.. كانت هناك معارضة فلسطينية واسعة لهذا المسار وتشكل تحالف الفصائل العشر، والذي كانت الجهاد الإسلامي أحد أعضائه، والذي دعا إلى الأفكار نفسها التي دعت إليها المبادرة، قبل نحو 23 عاما، دون أن يجد ذلك صداه، طيلة السنوات الماضية، لدى قيادة فتح التي هي قيادة السلطة وقيادة المنظمة التي تابعت مسار التسوية وملاحقة قوى المقاومة، بينما وقفت عاجزة عن تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، وعن وقف برامج الاستيطان والتهويد وتغيير هوية الأرض والبشر والحجر في فلسطين المحتلة.

    غير أن المبادرة تكتسب أهميتها في أنها حاولت أن تعيد وضع القضية الفلسطينية في مسارها الصحيح، وأن تعيد الحوار الفلسطيني إلى القضية الأساس وهي المقاومة والتحرير. إذ إن القوى الفلسطينية استغرقت في السنوات الماضية في متابعة المصالحة وآليات تنفيذها، ودخلت في تفاصيل تشكيل الحكومة في الضفة الغربية والقطاع وإجراء الانتخابات وإصلاح أجهزة السلطة ودفع رواتب الموظفين، بينما كانت الإشكالية الكبرى في جوهر السلطة الفلسطينية وبنيتها وسقفها الوطني.. وليس في مجرد آليات عملها.

    ويدرك المتابعون أن ثلاثة من بنود المصالحة الخمس يستطيع الطرف الإسرائيلي أن يعطل تنفيذها دونما صعوبة، وهي قيام الحكومة بعملها وإجراء الانتخابات التشريعية وإصلاح الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.. وبالتالي أصبح “الحاضر الغائب” في الأمر. وكان لا بد من آلية تخرج الفلسطينيين من مأزق عدم القدرة على إنفاذ برنامج المصالحة، ليكون المنطلق من إعادة بناء منظمة التحرير على أساس برنامج وطني جامع.

    ومن جهة أخرى، يدرك المتابعون أن مأزق التسوية السلمية قد وصل إلى مداه وأن ثمة حالة إحباط شاملة تجاهه، وأن الجانب الصهيوني قد قضى عمليا على خيار الدولتين، وأن جماهير الشعب الفلسطيني تلتف بشكل أكبر حول خيار المقاومة. ولذلك يأتي طرح هذه المبادرة كمخرج من المأزق الراهن.

    ***

    بالرغم من اللغة الحاسمة التي لا تحتمل اللبس تجاه اتفاق أوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني وإعادة بناء المنظمة، فإنها استخدمت لغة “فضفاضة” تجاه مستقبل السلطة وتجاه الأرض التي يتم دحر الاحتلال منها، وتجاه تفعيل البعد العربي والإسلامي تجاه فلسطين. كما استخدمت لغة دبلوماسية مع “الأخ الرئيس أبو مازن” ومع “الشقيقة مصر” ونظامها السياسي.. وذلك سعيا لأن تقدم المبادرة خطابا واقعيا مع الأطراف التي تستهدفها.

    اللغة الفضفاضة تحدثت عن “تعزيز وتطوير انتفاضة القدس لتصبح انتفاضة شاملة وقادرة على هزيمة الاحتلال ودحره من أرضنا بلا قيد أو شرط”. والفعل الانتفاضي لدحر الاحتلال.. يُفهم منه في اللغة السياسية المتداولة منطقة الضفة الغربية.. وهو هدف يمكن الالتقاء فيه مع فتح. غير أن الفعل الانتفاضي لن يكون فاعلا ولا كافيا لدحر الاحتلال من “أرضنا” المحتلة سنة 1948، وهو الهدف الإستراتيجي الذي تسعى إليه الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما.

    وتحدثت المبادرة في بندها الخامس عن إنهاء الانقسام وعن إعداد إستراتيجية شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق أوسلو، وإنهاء وجود سلطتين في غزة ورام الله. غير أن المبادرة لم تُشر ما إذا كان إنهاء وجود السلطتين سيعيد الوضع إلى سلطة فلسطينية واحدة، أو سينهي السلطة ويحلها أو سيعيد تعريف السلطة بما يجعلها سلطة مقاومة. ربما أرادت حركة الجهاد أن يكون ثمة “غموض بناء” غير أن اشتراطها التحلل من اتفاق أوسلو وتبني إستراتيجية المقاومة، لا يعني في نهاية المطاف إلا إنهاء السلطة بشكلها الحالي.. إن لم يكن على يد الفلسطينيين، فمبادرة من الاحتلال الإسرائيلي الذي لن يسمح بإنشاء سلطة مقاومة تحت احتلاله.

    ما يعنينا هو أن نشير هنا إلى أن “أوسلو” ليست مجرد اتفاق ولكنها “منظومة”؛ فإذا ما أردنا التخلي عن “أوسلو”، فيجب أن تَحل “منظومة” جديدة مكان المنظومة القديمة. فاتفاق أوسلو واستحقاقاته قزمت تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله، وهمشت دور فلسطينيي الخارج، وقزمت منظمة التحرير وحولتها إلى دائرة من دوائر السلطة، وضخمت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.. كما أن اشتراطات أوسلو والسلوك الإسرائيلي تجاه السلطة والأداء البائس لقيادة المنظمة والسلطة.. قد حول هذه السلطة إلى جسم مترهل ينخره الفساد، ويعتمد في نحو 80% من دخله على الدعم الخارجي وعلى عائدات الضرائب التي يجمعها الإسرائيليون.. وارتبط “ثوار الأمس” بمنظومة حياة جديدة وبشبكة مصالح مرتبطة ببقاء السلطة.. كما ربطوا معهم أسباب المعيشة لنحو 175 ألف موظف يُعيلون أكثر من مليون فلسطيني.. وهي منظومة تستوعب معظم كوادر فتح ومن يدور في فلكها.

    وهنا يأتي سؤال “واقعية” المبادرة بالنسبة لحركة فتح، فمن ناحية أولى فإن “براغماتية” فتح لن تجعلها تقفز من سفينة التسوية السلمية، ما لم تجد خيارات “واقعية” أفضل، تجيب على أسئلة انهيار السلطة المحتمل، وفقدان مصادر الدخل لعشرات الآلاف من الكوادر، وسحب الاعتراف الدولي من منظمة التحرير، وعودتها إلى دائرة “الإرهاب” وفق التصنيف الأميركي الغربي، واستياء منظومة “الاعتدال” العربي المتبنية لمسار التسوية وعلى رأسها النظام المصري.. مع عدم وجود آفاق واضحة لخط المقاومة في بيئة عربية ودولية لا مبالية أو مخاصمة أو معادية، وبالتالي فإن فتح ستتعامل مع المبادرة عمليا باعتبارها “مغامرة” غير مضمونة العواقب.

    من ناحية ثانية، فإن فتح نفسها تعاني من حالة من الترهل القيادي والتنظيمي، وحالة من تشابك المصلحة مع السلطة وبناها ومؤسساتها.. بما يجعل القرار الفتحاوي باتجاه إستراتيجية المقاومة المسلحة أمرا مستبعدا لدى القيادة الحالية.. حتى وإن كانت هناك قواعد وكوادر فتحاوية تدفع باتجاه مشروع المقاومة.

    من ناحية ثالثة، فإن السلوك العام لقيادة المنظمة والسلطة وفتح بعد نحو عشر سنوات من الانقسام الفلسطيني لم يتمكن من استيعاب مخرجات فوز حماس في الانتخابات التشريعية.. ولم يستخدم مفاتيح المصالحة التي يملكها (قيادة المنظمة والسلطة والدعوة للإطار القيادي المؤقت) في تفعيل برنامج المصالحة.. بل وقام بتعطيل الانتخابات المحلية.. وهو يقوم بإدارة المصالحة أكثر مما هو منشغل بإنفاذها.

    وبالتالي فإذا كانت المصالحة لم تجد طريقها للتنفيذ بعد أكثر من خمس سنوات على توقيع اتفاقها، بالرغم من أن متطلباتها أقل بكثير من متطلبات مبادرة الجهاد الإسلامي.. فمن باب أولى أن تجد مبادرة الجهاد مصاعب أكبر.

    أما الأصوات الفتحاوية الإيجابية التي أشادت بالمبادرة فهي لا تعكس حقيقة القرار الفتحاوي، ودورها يقتصر على التعبير عن أشخاصها، أو عن امتصاص الضغوط المحتملة والتساؤلات التي أثارتها المبادرة. كما أن محمود عباس لم يكلف نفسه حتى مجرد التعليق على المبادرة طيلة الشهر الماضي بحسب كل متابعاتنا وبحثنا. ولذلك يبقى تصريح أمين سر المجلس الثوري لفتح أمين مقبول بأن المبادرة “مبالغ فيها وغير واقعية” هو التصريح الأقرب لصانع القرار الفتحاوي.

    ***

    من ناحية أخرى، فإن المبادرة دعت في نقطتها الثامنة إلى الاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية لتحمل مسؤولياتها التاريخية، وركزت على دور مصر في إنهاء الحصار.. وهذا بالتأكيد أمر مطلوب، غير أن حقائق الواقع لا تبشر بسلوك عربي إسلامي يرتقي للمستوى المأمول. والنظام المصري الذي يعلم تماما أن قطاع غزة لا يمثل إطلاقا خطرا على أمنه القومي، وأن الخطر الحقيقي على مصر يكمن في المشروع الصهيوني ودولة الاحتلال.. ما زال مُصرا على متابعة الحصار، لأسباب يرى أنها مرتبطة باستقراره كنظام سياسي، سواء بسبب عدائه لتيارات “الإسلام السياسي”، أم بسبب حاجته للدعم الأميركي الغربي والرضا الإسرائيلي لضمان استقراره الداخلي.

    وكنا نتمنى لو أن المبادرة ركزت بشكل أكبر على دور الشعوب العربية والإسلامية كحاضنة أساسية لمشروع المقاومة وكسد أساسي في وجه التطبيع.. في مقابل الأنظمة العربية والإسلامية الفاسدة المستبدة التي لم يعد بالإمكان المراهنة عليها.

    ***

    وأخيرا، فإن مبادرة الجهاد الإسلامي تستحق التقدير، وتستحق أن تأخذ حقها من النقاش والتفاعل البناء، وتستحق أن يتم البحث عن خطوات وإجراءات فعلية، وتوفير الآليات المناسبة لإنزالها على أرض الواقع.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 3/12/2016