• إدارة سياسات التحجيم.. موسكو والاستثمار في التناقضات

    الباحث: ساشا العلو
    بعد تدخلها العسكري في العام 2015 ، أدركت موسكو
    جيدا المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل
    دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري،
    إضافة إلى المناخ السياس ي العام الذي حك م و
    يحكم الملف السوري
    دوليا، وخاصة الموقف الأمريكي " يسّر
    الم " خلال حقبيي
    أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، واليي تمثلت ب:
    1 . فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
    2 . ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط،
    والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّ ة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على
    الحدود.
    هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب )درعا، القنيطرة(، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على
    حدوده )داعش، معابر(، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد
    داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة
    العسكرية الروسية على المدن والبلدات.
    وهذا ما حدث
    أيضا مع الكيان ا لإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروس ي لنفسه
    كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل
    عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.
    هو ذاته
    أيضا ما واجهت ه تركيا في العامين الأولى من التدخل الروس ي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها ا لأمنية
    بداية
    عبر دعمها ل " PYD " وذراعه العسكري " YPG " في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف،
    واليي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في
    شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية،
    وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.
    2
    مركز عمران للدراسات الاستراتيجية © جميع الحقوق محفوظة
    عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. | www.OmranDirasat.org
    وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى ح د كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل
    طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياس ي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل
    المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع،
    وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من
    الأراض ي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياس ي، بل وإنجاز صفقات
    مع تلك الدول ، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري
    أساسا ) تعزيز التبادل تجاري، بيع ا لأسححة، وإنشاء معامل
    وقدرات عسكرية.. إلخ(.
    إذا فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة
    لتهدئتها؛
    تنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه
    غالبا في خدمة رؤية موسكو لححل السياس ي.
    واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوز ت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري،
    كالدور العربي- بالخليجي
    ممثلا -، والذي
    أيضا تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما
    طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له،
    مقابل التقدم الروس ي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروس ي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض
    فحسب، من محاولات
    بدءا
    وإنما سعت موسكو لترجمته سياسيا "أستنة" بتغيير أولويات السلال الأربعة مع
    جنيف مرورا
    "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال ، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق
    القرار 2254 إلى الحجنة الدستورية.
    وصولا
    بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم اليي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها
    ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في
    الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية اليي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل
    من الرأيين حجج ه؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك
    لم يعد خافيا
    من الرؤية لمستقبل
    بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءا
    عسكريا
    اليي فرضت تحالفا س ورية إلى
    وصولا
    إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور ا لإيراني في عدة
    مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات،
    أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاو لات حرمان
    إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سور ية ، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول
    السياس ي دوليا المنطقة على ظهر
    الوجود الإيراني في سورية )"معادل قوى "(، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود)الخليج، إسرائيل(.
    ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكا ء منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني ت
    راجعا
    للدور الأمريكي و
    سياسيا
    ارتباكا للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن

    صراعاتها المتعددة، واليي أمّ نت لم وسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة اليي ولدتها تلك الصراعات،
    بدءا
    من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، خ لا
    وأخيرا فات شركاء الناتو
    أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.
    كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّ م
    دور موسكو في سورية، وب من
    دلا ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّ ة
    وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك
    الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروس ي وما
    يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حيى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه )روسيا، إيران(.
    وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها
    الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروس ي
    لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّ ح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في
    الملف السوري.
    قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية رت ه
    ّ
    وما وف من هوامش للدور الروس ي، استمرار الفاعلين المحليين في
    التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية
    فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّ نت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون
    إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد
    ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.
    وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية- روسية
    بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث )إيران( بدعم قوى إقليمية
    ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّ ة على تناقضات القوى المختلفة واليي تؤمن ل
    ها تفردا
    في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طا ل أو يطا ل أو سيطا ل حلفائها
    )النظام، إيران(
    أيضا وشركائها )تركيا( في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي
    بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته
    قد لا يبدو تطبيقه عمليا وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر
    المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية اليي أوصلت الدور الروس ي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

  • التصعيد الروسي في الشمال السوري الدوافع والمآلات المحتملة

    ملخصٌ تنفيذيّ

    • تشهد خارطة التحالفات في سوريا تغييراً ملحوظاً، حيث بدأت خلافات "ثلاثي أستانة" بالظهور للعلن على عدة مستويات، الأمر الذي يشير إلى احتمالية انفراط عقد أستانة بعد أن أدى الأهداف المشتركة للأطراف الثلاثة.
    • تعتبر الحملة العسكرية التي تشنها روسيا والنظام آخر محطات مسار أستانة، والذي حقق أهدافه العسكرية بالنسبة لموسكو، وفشل في تحقيق نتائج سياسية على مستوى الحل نتيجة لخلافات الثلاثي الراعي للمسار (روسيا، تركيا، إيران) وعرقلة أممية تتمثل بإعادة تفعيل مسار جنيف.
    • تحاول موسكو طي صفحة منطقة "خفض التصعيد" الرابعة على غرار سابقاتها من المناطق، مدفوعة برغبتها في تأمين الطرق الدولية لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك للنظام، ومستغلةً رفع الفيتو التركي عن المعركة.
    • رفع الفيتو التركي عن المعركة والصمت إزاء التصعيد الروسي، ناتج على ما يبدو عن تغيّر أولويات أنقرة بعد التقارب مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة، باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا دون التوغل في العمق السوري.
    • لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة)، بقدر ما يشير إلى رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على عدة مستويات.
    • يبدو من خلال بيانات ومواقف الفصائل العاملة في المنطقة منزوعة السلاح والمعارك التي لاتزال تخوضها ضد قوات النظام وحلفائه؛ أنها ليست جزءاً من تفاهمات أنقرة مع موسكو، ليبقى موقف هيئة "تحرير الشام" ملتبساً، وهي صاحبة السيطرة الأكبر في المنطقة والموقف الأكثر مرونة بين الفصائل الأخرى حول دخول الدوريات الروسية للمنطقة العازلة.
    • الظروف المحيطة بالمعركة سياسياً وعسكرياً، تشير إلى أن العملية ليست لمجرد الضغط فقط لتسيير الدوريات الروسية وفتح الطرق الدولية، وإنما الهدف منها تصفية الفصائل الرافضة للدوريات الروسية عبر قضم مناطقها والتوغل إلى عمق معيّن يؤمن لموسكو عدة أهداف أُخرى.

    مدخل

    عقب انتهاء أعمال الجولة الثانية عشرة من اجتماع أستانة بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من بكين تصريحات منافية لما تم التوافق عليه في الاجتماع، حيث اعتبر أن "احتمال المعركة على إدلب لايزال قائماً غير أن التوقيت ليس مناسباً"([1])؛ لتبدأ بعد تلك التصريحات عملية تصعيد عسكري من قبل روسيا والنظام لم تشهدها منطقة "خفض التصعيد" الرابعة منذ اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018.

     تمثّل التصعيد العسكريّ بقصف جويّ عنيف على عشرات القرى والبلدات في المنطقة، شمل أرياف حماه الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي بالتزامن مع حشود عسكرية للنظام ومحاولات للتقدم في قرى ريفي حماه الشمالي والغربي، بالمقابل ردت فصائل المعارضة وهيئة "تحرير الشام" المتواجدة في المنطقة بتصعيد حسب إمكاناتها، وتمكّنت من صد بعض هجمات النظام المدعومة بالطيران الروسي المكثّف معلنة موقفاً حاسماً من التصدي لأي محاولة للتقدم. لتبقى المعارك إلى لحظة كتابة هذه الورقة بين كرّ وفرّ من قبل الطرفين، مقابل تقدم النظام في بعض قرى ريفي حماه الشمالي والشمالي الغربي.

    يأتي ذلك التصعيد وسط تنديد أمريكي أوروبي خجول، وصمت لافت من الضامن التركي، الطرف المعنيّ باتفاق سوتشي، حيث بدأت تركيا والفصائل المتحالفة معها بالتزامن مع التصعيد الروسي عملاً عسكرياً بدا محدوداً في ريف حلب الشمالي ضد وحدات الحماية الكردية، مما أوحى بوجود تفاهمات حول ما يجري، أو ما اعتبره البعض "صفقة مقايضة" بين موسكو وأنقرة.

    وعليه، تسعى هذه الورقة إلى فهم دوافع موسكو لخرق تفاهماتها مع أنقرة حول منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، في الوقت الذي يكاد يسير فيه الملف السوري باتجاه إطلاق العمليّة السياسيّة وطي صفحة العسكرة، مقابل فهم دلالات الموقف الصامت للضامن التركي إزاء هذا التصعيد العسكري على المنطقة. كما تسعى الورقة إلى استشراف حدود هذا التصعيد الروسي عسكرياً وما يمكن أن يفضي إليه من تغييرات في حدود منطقة "خفض التصعيد" الرابعة. إضافة إلى حدوده السياسية وآثاره المحتملة على مستقبل مسار أستانة،

    أولاً: الحملة العسكرية (الظروف المُشكّلة للدوافع)

    لا يمكن فصل التحرك العسكري لموسكو والنظام في هذا التوقيت عن جملة من المتغيرات على مستوى الملف السوري سياسياً، والتي يمكن أن تشكل دوافع هذا التصعيد الروسي، ولعل أبرزها:

    1. تحالفات جديدة: تشهد خارطة التحالفات في سوريا تغييراً ملحوظاً بعد انحسار الأعمال العسكرية، نتيجة تراجع مساحات سيطرة المعارضة وإعلان نهاية تنظيم الدولة، حيث بدأت خلافات "ثلاثي أستانة" بالظهور للعلن على عدة مستويات، وخصوصاً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، الأمر الذي يشير إلى احتمالية انفراط عقد أستانة بعد أن أدى الأهداف المشتركة للأطراف الثلاثة، والتي باتت تتنافس على تثبيت مكاسبها على الأرض عبر تحالفات جديدة.
    2. فشل سياسي: يبدو أن خلافات الرعاة الثلاثة لأستانة انعكست بشكل فشل الجولة الثانية عشرة في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية وإحالتها إلى جنيف، مما يعني فشلاً في تحويل هذا المسار إلى بديل عن المسار الأممي المتمثل في جنيف. وهذا ما يمكن اعتباره إخفاقاً لموسكو في تحويل النتائج التكتيكية التي أحرزتها من مسار "سوتشي" على المستوى العسكري إلى نتائج استراتيجية على مستوى الحل السياسي، بشكل يمكنّها من الانفراد بمسار هذا الحل وإقصاء (إيران وتركيا) عنه من جهة، إضافة لمجموعة العمل المصغرة (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مصر، السعودية، الأردن) من جهة أخرى، وهذا ما يؤكده فشل موسكو على مستوى تعويم نظام الأسد عربياً، أو على مستوى إطلاق عملية إعادة إعمار بأموال خليجية وتنشيط عودة اللاجئين، خاصة في دول الجوار السوري.
    3. عجزٌ تركيّ: لم تفلح أنقرة منذ اتفاق أستانة 6 في سبتمبر /أيلول 2017، أي قبل عام من اتفاق سوتشي بتنفيذ التزاماتها اتجاه موسكو، والمتمثلة بتشكيل منطقة عازلة بفصائل منضبطة وتفكيك التنظيمات الإرهابية؛ ليستمر هذا الفشل في تطبيق بنود اتفاق سوتشي المتمثلة بفتح الطرق الدولية (M4، M5)، والذي تجاوز بكثير المهل الزمنية التي نص عليها الاتفاق، مما جعل صبر موسكو ينفد وخلق لها ذريعة لفتح معركة لتحقيق ما لم تنجزه أنقرة على عدة مستويات، دون رد فعل من الشريك التركي في اتفاق سوتشي.

    من خلال استعراض العوامل السابقة، والتي يمكن اعتبارها بمجملها دوافع للتصعيد الروسي اتجاه منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، يمكن فهم التحرك الروسي على أنه إعلان بداية نهاية مسار أستانة كمسار عسكري تكتيكي بعد فشله بالتحول إلى مسار سياسي وتصاعد الخلافات بين أطرافه، فموسكو تحاول طي صفحة منطقة "خفض التصعيد" الرابعة على غرار سابقاتها من المناطق كخطوة أخيرة باتجاه طي صفحة مسار أستانة، مدفوعة برغبتها في تأمين الطرق الدولية لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك للنظام، وتأمين قواعدها العسكرية في المنطقة، مستغلةً رفع الفيتو التركي عن المعركة، والناتج على ما يبدو عن تغيّر أولويات أنقرة بعد التقارب مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا دون التوغل في العمق السوري.

    ثانياً: المعركة والفصائل (الموقف التركي)

    لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة)؛ بقدر ما يشير إلى  رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على مستوى ضمان أمن قاعدة حميميم الروسية من هجمات المعارضة، وتأمين ريفي حماه واللاذقية الخاضعين لسيطرة النظام، إضافة لفتح الطرق الدولية وتأمينها عبر دوريات روسية تركية، إذ يبدو أن أنقرة أصبحت معنية أكثر بتأمين شريطها الحدودي بعد ما يشاع عن تسوية خلافاتها مع واشنطن حول المنطقة الآمنة، وبذلك فهي تسعى اليوم لتصفية الجيب الخاضع لسيطرة وحدات الحماية "الكردية" في ريف حلب الشمالي بالتوافق مع موسكو، وهي في هذا الإطار تحاول التنازل عن ملف تفكيك "هيئة تحرير الشام" والمنطقة منزوعة السلاح لصالح موسكو وتوفير جهودها لمعارك ريف حلب الشمالي وترتيبات المنطقة الآمنة، خاصةً وأن جزءاً من فشل أنقرة في تنفيذ بنود سوتشي وأستانة 12 المتعلقة بالدوريات الروسية عائد لعدم قدرتها على ضبط فصائل المنطقة منزوعة السلاح بما فيها "هيئة تحرير الشام"، وهذا ما بدا واضحاً في مواقف تلك الفصائل المتحفظة على اتفاق سوتشي ذاته ([2])، ثم الرافضة لتسيير الدوريات الروسية، إضافة إلى المقاومة الشرسة التي أبدتها فصائل المنطقة المنزوعة السلاح في وجه الهجوم البري الذي شنّته قوات النظام وموسكو.

    وعليه يمكن القول بأن الفصائل العاملة في المنطقة التي تتعرض لهجوم موسكو والنظام ليست مُنخرطة في أي تفاهمات روسية-تركية حول المنطقة، وهذا ما سيزيد من صعوبة موقفها العسكري كونها تقاتل دون دعم تركي على المستويين العسكري والديبلوماسي، وفي ظل حملة جوية روسية واسعة وقصف مكثف. وبالمقابل فإن معركة موسكو لن تكون بالسهولة التي اعتادت عليها في معارك الصفقات والتسويات، بحكم أن تلك الفصائل تخوض معركتها الأخيرة. 

    ثالثاً: خلاصات

    لا يستطيع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، وما هو حجم التوغل الدقيق الذي تريده موسكو داخل حدود تلك المنطقة، ولكن من خلال ما تم استعراضه يمكن الوصول إلى الخلاصات التالية، والتي قد ترسم بشكل تقريبي صورة المآلات المحتملة:

    1. تعتبر الحملة العسكرية التي تشنها روسيا والنظام آخر محطات مسار أستانة، والذي حقق أهدافه العسكرية بالنسبة لموسكو، وفشل في تحقيق نتائج سياسية على مستوى الحل نتيجة لخلافات الثلاثي الراعي للمسار (روسيا، تركيا، إيران) وعرقلة أممية تتمثل بإعادة تفعيل مسار جنيف.
    2. التقدم في محادثات أنقرة مع واشنطن بخصوص المنطقة العازلة أحدث على ما يبدو تحولاً في أولويات أنقرة؛ يتمثل بالتنسيق مع موسكو حول تصفية جيب وحدات الحماية "الكردية" في ريف حلب الشمالي، وترك تنفيذ بنود اتفاق سوتشي العالقة لروسيا.
    3. انسحاب فصائل "الجيش الوطني" المدعومة من تركيا من القرى الثلاثة التي سيطرت عليها في ريف حلب الشمالي بالتزامن مع فشل قوات النظام بالتقدم خلال اليوم الأول للحملة في ريف حماه؛ يشير إلى أن استحواذ تركيا على أي أراضي جديدة في ريف حلب الشمالي رهن باستحواذ قوات النظام على مناطق داخل المنطقة منزوعة السلاح وبالعمق المحدد بين الطرفين.
    4. يبدو من خلال بيانات ومواقف الفصائل العاملة في المنطقة منزوعة السلاح والمعارك التي لاتزال تخوضها ضد قوات النظام وحلفائه؛ أنها ليست جزءاً من تفاهمات أنقرة مع موسكو، ليبقى موقف هيئة "تحرير الشام" ملتبساً، وهي صاحبة السيطرة الأكبر في المنطقة والموقف الأكثر مرونة بين الفصائل الأخرى حول دخول الدوريات الروسية للمنطقة العازلة، حيث لم ترفض تسيير الدوريات الروسية بالمطلق، ولكنها اشترطت أن ترافقها، إضافة لعدة شروط أخرى ([5]).
    5. الظروف المحيطة بالمعركة سياسياً (تفاهمات موسكو وأنقرة) وعسكرياً (إصرار قوات النظام على التوغل البري)، تشير إلى أن العملية ليست لمجرد الضغط فقط لتسيير الدوريات الروسية وفتح الطرق الدولية وتأمين قواعد روسيا العسكرية في المنطقة، وإنما الهدف منها تصفية الفصائل الرافضة للدوريات الروسية عبر قضم مناطقها والتوغل إلى عمق قد يصل، بحسب خبراء إلى 25 كم لتأمين الطرق الدولية ([6])، ثم التوقف عند هذا الحد الذي يؤمن لموسكو أهدافها بتأمين ريفي حماه واللاذقية من ناحية بما فيها من قواعد ومطارات عسكرية روسية، وفتح وتأمين طرق التجارة الدولية من ناحية أخرى. وبذلك تكون موسكو قد سيطرت على المناطق السهليّة من إدلب وحاصرت هيئة "تحرير الشام" وباقي التنظيمات في جيب جبلي ضيق وكثافة مدنية عالية.

    خريطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة، إدلب وما حولها، 10 أيار 2019

    خاتمة

    تدفع اليوم منطقة "خفض التصعيد" الرابعة ما دفعته سابقاتها من المناطق كثمن لتراكم الأخطاء السياسية والعسكرية، وعلى رأسها خطأ الانخراط في مسار أستانة، والذي أتاح للنظام الفرصة لالتقاط أنفاسه وتجميع قواه والاستفراد في مناطق "خفض التصعيد" الواحدة تلو الأخرى. واليوم وحتى في بوادر نهاية هذا المسار نتيجة لخلافات الثلاثي القائم عليه؛ فإن نظام الأسد لايزال يستفيد من تلك الخلافات والتي أمنّت ولازالت له العديد من الهوامش التي يتنقّل بينها، فالنظام إلى اليوم يعتاش على خلافات القوى الفاعلة المنخرطة في الملف السوري وذات المصالح المتضاربة.

  • التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة

    كثر الحديث مؤخراً عن عملية إعادة الإعمار في سورية، بحيث أصبحت إحدى أهم الملفات المتناولة من قبل المعنيين بالشأن السوري. لكن يبدو من الأهمية بمكان؛ في إطار الإحاطة بمدى توفر مقومات هذه العملية؛ ضرورة تلمس مدى نضوج المرحلة الأولى لها والمتمثلة بالتعافي الاقتصادي المبكر، حتى نتمكن من المحاكمة المنطقية لمدى القدرة على المضي قدماً في إعادة الإعمار. وفي هذا السياق يأتي هذا المخرج البحثي من مركز عمران للإضاءة على واقع التعافي الاقتصادي وتفكيك هذه المرحلة من جوانب عدة، والإحاطة بمدى التقدم المنجز فيها.
    وقدم تم تناول ذلك من خلال العناوين التالية:

    السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.

    1. التعافي الاقتصادي المبكر في سورية: التحديات والأولويات.
    2. الاقتصادالسياسي للتعافي المبكر في سورية.
    3. التعافي المبكر في سورية: دراسة تقييمية لدور وقدرة النظام السوري.

    المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات

  • الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر آب 2019

    • تسرع حكومة النظام من إجراءاتها لاستثمار مؤسسات القطاع العام الاقتصادية والطرقات المركزية بغرض تعزيز إيراداتها المالية، وتعتبر التشاركية الصيغة الحكومية المفضلة لاستثمار هذه المنشئات.
    • يمنح قانون الاستثمار الجديد المزمع إصداره تسهيلات ضريبية وجمركية واسعة للمستثمرين على حساب ميزانية الدولة، وما يمكن لذلك أن يحدثه من أزمات اقتصادية واجتماعية.

    تحد العقوبات الغربية وعدم الاستقرار السياسي واحتكار الفرص الاستثمارية من قبل الحلفاء، من فرص نجاح إجراءات حكومة النظام في جذب رؤوس الأموال وتنشيط الاستثمار.

  • الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر تشرين الأول 2019

    • لانخفاض سعر صرف الليرة السورية أسباب أبرزها، تداعيات الأزمة في لبنان، وتسديد ثمن النواقل النفطية، وخلافات حالت دون تفعيل صندوق مبادرة قطاع الأعمال لدعم الليرة.
    • تمر حكومة النظام بضائقة مالية حادة اضطرتها للاستدانة داخلياً، والعمل بنظام مقايضة السلع، وتسريع إجراءات التشاركية لاستثمار القطاع العام الاقتصادي.
    • تبنت حكومة النظام استراتيجية طموحة لإحلال الصناعات المحلية،إلا أن غياب استقرار وغلاء مدخلات الإنتاج، وارتفاع كلف الشحن وتعدد الجهات الوصائية، إلى جانب عدم رصد الحكومة التمويل الكافي، من شأنه أن يصعبوا تطبيق هذه الاستراتيجية.
    • بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وسورية 1.2 مليار دولار أمريكي في عام 2018، ونحو 640 مليون دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2019.

    يفسر تنامي العلاقات مع الصين بدور محوري لرئيس مجلس الأعمال السوري الصيني حمشو، فضلاً عن رغبة النظام في تقليل الاعتماد على حليفيه روسيا وإيران، وتقاطع ذلك مع رغبة صينية في تعزيز فرصها في السوق السورية.

  • الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر كانون الثاني 2019

    تظهر المؤشرات الدالة حجم الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها النظام، سيما مع تكثيف العقوبات عليه وعلى الحلقات الاقتصادية المرتبطة، وكان أن استغلت إيران الواقع الناشئ لتكثف من ضغوطها على النظام، مجبرة إياه على منحها امتيازات اقتصادية، هذا وأثرت العقوبات على حركة رأس المال لرجال الأعمال المستهدفين بها، ممن وجهوا أموالهم للاستثمار في القطاعات الريعية في مناطق سيطرة النظام كالعقار، ومما أظهره رصد كانون الثاني 2019 جمود حركة الأسواق يمكن رده إلى تدني مستوى التدخل والقيمة الشرائية لليرة السورية، كذلك تزايد أزمات النظام الخدمية وضعف متنامي لقدراته الحوكمية.

  • تنبيه استراتيجي حول طبيعة تغييرات النظام للقادة الأمنيين

     
    دون تأكيد من مصادر النظام؛ أشا رت عدة تقارير إعلامية صادرة في الأسبوع ا لأول من شهر آب لعام 2019 إلى إجراء

     

    النظام عدة تغييرات نوعية طالت أهم مراكز القوى الأمنية والتي كان من أبرزها لهذه التقارير

     

    ً

     

    وفقا تعيين رئيس مكتب

     

    الأمن الوطني علي مملوك نائب

     

    ً

     

    ا

     

    ً

     

    له للشؤون الأمنية، فيما حل بديلا عنه في هذا المنصب اللواء محمد ديب زيتون الذي كان

     

    يشغل مدير إدارة المخابرات العامة؛ و وشملت التغييرات

     

    ً

     

    أيضا، إحالة رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن

     

    إلى التقاعد وتعييّ ن اللواء غسان جودت إسماعيل خلفًا له؛ كما عيّن اللواء حسام لوقا )الذي كان يشغل منصب رئيس

     

    شعبة الأمن السياس ي( مدي ر

     

    ً

     

    ا لإدارة المخابرات العامة عنه

     

    ً

     

    ؛ وعيّن عوضا اللواء ناصر العلي، كما شملت التعيينات وضع

     

    اللواء ناصر ديب مدي ر

     

    ً

     

    ا لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيس ى.

     

    وفي الوقت الذي لا يعلن النظام عن هذه التغييرات عبر قنواته الرسمية؛ تصدرت هذه التغييرات العديد من مواقع

     

    التواصل الاجتماعي والصفحات الاعلامية السورية وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام والتداول بحكم الترابط الزمني

     

    ما بين هذه التغييرات وما يشهده المسرح السوري من عقم سياس ي وتأزمات معززة لتنامي الاستعصاء؛ وانحصرت تفاسير

     

    ود وافع النظام لتلك التغييرات بين اتجاهات ثلاثة مكملة لبعضها البعض:

     

    الاتجاه الأول: "إجراء روتني"؛ فأوامر النقل والترفيع والتسريح والندب والتمديد ) المعروفة باسم النشرة( تصدر مرتين

     

    ً

     

    سنويا )بأول السنة وبمنتصفها(؛ ويستطيع من خلالها النظام -إذا ما استثنينا عامل العمر والوضع الصحي والتقييم

     

    الأمني- لمعاييره

     

    ً

     

    إعادة توزيع مراكز القوة وفقا وشروطه؛ ففي التغييرات الأخيرة هناك بعض الضباط قد تجاوز السبعين

     

    ً

     

    عاما من العمر وقد تم تمديد خدمتهم لأسباب عديدة أولها منطق "إدارة الأزمة" )كجميل حسن ومحمد ديب زيتون تم

     

    تمديد خدمة كل منهما عشرة سنوات ولابد من احالتهما الى التقاعد( ؛ أما بالنس

     

    ً

     

    بة لتعيين غسان إسماعيل مديرا لإدارة

     

    المخابرات الجوية فيمكن اعتباره "تدرج

     

    ً

     

    ا وظيفي

     

    ً

     

    ا" حيث لجميل حسن

     

    ً

     

    كان نائبا ؛ وكذلك بخصوص تعيين حسام لوقا مدير

     

    إدارة المخابرات العامة حيث كان معاون مدير هذه ا لإ لشعبة ا لأ

     

    ً

     

    دارة قبل تعيينه رئيسا من السياس ي.

     

    الاتجاه الثاني: "رسائل شكلية": على الرغم من استمرار النظام بانتهاج ذات السياسة الناظمة لمعايير "النشرة" كمعيار

     

    الولاء والإطاعة؛ وسلوكه المهني؛ والخبرة في حماية أمن النظام؛ حرص النظام في هذه التغييرات على تصدير عدة رسائل

     

    أهمها الآتي:

     

    1 . الإيحاء "بإعادة التوازن الطائفي" بين مراكز القوة؛ فعين في إدارة المخابرات العامة حسام لوقا )شركس ي من السفيرة

     

    بحلب( وفي ا لأمن السياس ي ناصر العلي )سني من ريف حلب(؛ بينما أبقى المخابرات العسكرية والجوية بيد ضباط

     

    علويين.

     

    2 . التقاعد كوسيلة "مشرفة" لمن أوغل بالإجرام من قبل الثورة وبعدها؛ إذ تعد تلك الوسيلة طريقة بيروقراطية

     

    للالتفاف على مطالبات وإدانات المجتمع الدولي لهؤلاء "القادة" بحكم ما ارتكبوه من جرائم مثبتة بحق الشعب

     

    السوري.

     

    3 . تعزيز "مخيال قدرة النظام" على التحكم بقطاع الأمن والدفاع أمام العديد من الفواعل؛ إذ يط من وراء تل

     

    ً

     

    مح أيضا ك

     

    التغييرات إبراز مساحة تحكمه أمام "افتراضات الانقسام الافقي والعمودي" لهذا القطاع لصالح الشبكات الروسية

     

    وا لإيرانية.

     

    الاتجاه الثالث: "المرونة أمام متطلبات الحلفاء": إذ باتت واضحة رغبة موسكو بإعادة تنظيم قطاع الأمن والدفاع
    وتحسين أدائه، ولا تمتلك دوائر صنع القرار عند النظام إلا إبداء المرونة والتكيف مع هذا التوجه الروس ي؛ حيث قامت
    موسكو بإيفاد عدد من ضباط النظام إلى موسكو لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة،
    كما دفعت بإجراء سلسلة من التعيينات في وزارتي الدفاع والداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب حساسة منذ
    مطلع عام 2019 ، كما تمت تنحية عدد من الضباط بذريعة بلوغهم السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش المحسوبين
    حيط
    ُ
    كنات الم
    ُ
    على إيران تحت ذريعة انتهاء أدوارهم العسكرية، وخاصة في الث ة بدمشق.
    :
    ً
    عموما إن التوصيف الأكثر موضوعية لتلك التغييرات هي المحاولة لإعادة تشكيل حذرة لمراكز القوة في قطاع الأمن
    والدفاع بما يخدم فلسفة النظام الحاكم بإبقاء هذا القطاع كأداة تأثير وقوة يتحكم بها ويضمن ضبطها وتوجيهها من
    جهة؛ ويعطي إيحاء "بتعديل ما" لن
    ً
    يكون إلا شكليا من جهة ثانية، وهذا ا لأ لعقبات بالغة الععوةة
    ً
    مر لا يزال ااضعا .
    وينبغي على المعارضة السورية )سواء الرسمية وغير الرسمية( وكافة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير؛ أن تعتمد في
    تعاطيها مع ملف التغييرات استراتيجية "التمسك بضرورة التغيير الشامل والجذري"؛ وذلك من الال ثلاثة أدوات
    رئيسية:
    1 . الأداة التفاوضية: عبر إصرارها بأن عملية التغيير هي عملية مرتبطة بالبنية والوظيفة والفلسفة المتحكمة في عمل
    هذه ا لأ ويرافقها العديد من الإجراءات
    ً
    جهزة وينبغي أن تكون موجهات ومحددات هذا التغيير مضمونة دستوريا
    المتعلقة بالترابط ما بين هذا الملف والتغييرات القانونية من جهة؛ وما بينه وبين مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة
    ثانية؛ وهذا يتطلب بطبيعة الحال تبني رؤية تنفيذية للتغيير؛
    2 . الأداة الحقوقية: وهذا يتطلب تظافر العديد من الجهود الوطنية لمواجهة طموح النظام في الافلات من العقوبة؛
    واستمرار العمل في توثيق جرائم وانتهاكات تلك الأجهزة )كبينة وكقادة(؛ وهذا الأمر يتطلب وجود مؤتمر س للعدي
    ً
    نويا د
    من المنظمات الحقوقية الوطنية وأجندة سنوية متسقة مع هذا الهدف؛
    3 . الأداة البحثية والاعلامية: في الملف السوري محصورة في الدفع
    ً
    لا تزال المهمة البحثية والاعلامية الأكثر إلحاحا
    باتجاه إحداث القطيعة مع الإرث الماضوي لعمل وفلسفة عمل قطاع ا لأمن والدفاع، وبلورة سياسات تعيد تصميم
    لمعايير احترافية ووطنية بعيدة عن الأدلجة السياس
    ً
    الهندسة الاجتماعية فيه وفقا ية والمقاربات السلطوية؛ وانتاج
    خطط موضوعية بات وقوننة العلاقات المدنية الأمنية.
    ً
    جاه إعادة بناء هذا القطاع كلية
    يغيب النظام كل أسئلة التغيير الوطنية
    ً
    قسرا الدافعة باتجاه استقرار مستدام، ويكتفي بإجراءات بيروقراطية
    ورسائل لا وزن لها وغير مؤثرة في طبيعة الحركة المستقبلية لهذا القطاع والذي يمض ي بتسارع نح و مجمع ميليشياوي
    بز ي عسكري "رسمي"؛ وأمام هذا التغييب لا بد من التنويه
    ً
    مجددا -
    ً
    استراتيجيا-على الضرورة الملحة لتبني المعا رضة
    وقوى الثورة والتغيير لاستراتيجية صادة لمحاولات النظام الطامحة لإفلاته من العقاب وللإيهام بإجرائه تغييرات
    تضلل المجتمع المحلي والدولي عبر بوابة "تغيير سلوكه". فج ل التغييرات التي حعلت والتي ستحعل ستبقى أسيرة
    محددات تحكمه بالسلطة وإعادة ضبط قطاع ا لأمن والدفاع وفق ثنائية )المعلحة والمرونة( التي تهيئ له الشروط
    لإعادة انتا شبكاته بتغييرات شكلية ولا تتعارض مع ضغوطات حلفائه الرامية لتطبيق منهجيتها في إعادة التشكل

     

     
  • فلسطينيو سورية بين انتهاك الحقوق وتحديَّات الهوية

    لم يستثن اللاجئون الفلسطينيون من تداعيات الصراع في سورية، حيث طرأ تغيير كبير على وضعيتهم القانونية، لجهة حجم الانتهاكات الجسيمة التي يعرضوا لها على نطاقٍ واسع، والتي يعود في معظمها إلى سياسات عنف غير محدودة يتحمل النظام السوري المسؤولية الأكبر عن وقوعها، دون إغفال مسؤولية أطراف أخرى في الصراع من تلك تتحمل بدورها من تلك قسطا المسؤولية. نجم عن ذلك -كما تناوله البحث – تفكك مضطرب في منظومة الحقوق المكفولة لهم في القوانين السورية والدولية، وفاقم من تأثيراتها على مختلف جوانب حياتهم، غياب نظام قانوني دولي يكفل حمايتهم، في ظل تحلل سلطات الدولة المضيفة من التزاماتها بهذا الخصوص، بر وتغول أجهزتها العسكرية والأمنية في ارتكاب انتهاكات موثقة، طالت فئات واسعة من مجتمع اللجوء الفلسطيني في سورية.

  • مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق سيطرة المعارضة

    يرصد تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق سيطرة المعارضة، خلال فترتين زمنيتين (النصف الثاني من عام 2018 والنصف الاول من عام 2019 )، حركة المشاريع والاتفاقات المبرمة في قطاعات اقتصادية متنوعة، وقد أبرزت نتائج التقرير؛ هبوط المؤشر في الفترة الثانية من الدراسة مقارنة بالفترة الأولى جراء الحملة العسكرية على إدلب وتوقف معظم الأعمال فيها، في الوقت الذي برزت فيه المجالس كقوة إدارية فاعلة من ناحية إدارة مواردها والاستجابة لمتطلبات المرحلة. ودفع التقرير باتجاه استثمار حركة نشاطات التعافي وإبراز دور أكبر للجانب القانوني لضمان الحقوق، فضلا عن تعريف هوية المنطقة الزراعية والعمل على مأسسة القطاع العام والخاص.        

     

  • وزارة الداخليّة في سورية..الواقع وضرورات الإصلاح

    لطالما ارتبطت صورة الأجهزة الأمنية في سورية بالقمع والتوحش، الأمر الذي يجعل إعادة هيكلة تلك الأجهزة وعزلها عن التعامل مع المدنيين على رأس أولويات السوريين، وضرورة لبناء السلام والتحول الديمقراطي بعد سنوات الصراع.  وهنا تبرز أهمية دور وزارة الداخليّة السورية، والذي أضعفه نظام الأسد لصالح تقوية الأجهزة الأمنية التي يثق بها لحماية نظامه أكثر من جهاز الشرطة. وعليه تتناول هذه الدراسة وزارة الداخليّة السورية باعتبارها الإطار النظري الناظم للعمل الشُرَطي والأمني في سورية، منطلقة من أهمية الحديث عن إعادة هيكلتها، كجزء من إعادة الهيكلة الشاملة للأجهزة الأمنية، ومن الدور الكبير الذي سيترتب على تلك الوزارة أن تلعبه في مستقبل سورية، بعد كف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة المواطنين. إذ تسعى الدراسة إلى تحليل البنية الإدارية والتنظيمية والتشريعية لوزارة الداخلية السورية ومراحل تطورها، وذلك كمدخل لتفكيك المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الوزارة على المستويات التشريعية والإدارية ومستويي الكادر البشري والموارد المادية واللوجستية، وصولاً إلى إشكاليات العلاقة مع المؤسسات والأجهزة الأمنية الأخرى، سواء هيمنة شعبة الأمن السياسية أو باقي الأجهزة الأمنية المتغولة على عمل الوزارة.