• الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي.. ارتداداته والمطلوب فلسطينيا

    في 13 آب/ أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وجود اتفاق بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة لتطبيع العلاقات بينهما، لتكون بذلك ثالث دولة عربية، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994، توقع اتفاقية سلام مع “إسرائيل”، وأول دولة خليجية عربية تقوم بذلك.

    الاتفاق الذي لم يوقع بشكل رسمي بعد، بانتظار الترتيبات النهائية وفقا لما تم الإعلان عنه من قبل واشنطن، التي ستكون حاضنة لاحتفال التوقيع، قالت الإمارات إنه يأتي ضمن شرط تجميد “إسرائيل” لخطة الضم، وهو ما نفاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

    يقدم مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، ومن خلال استقراء آراء عدد من الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية والفصائلية، قراءة لنتائج هذه الخطوة وتأثيرها على القضية الفلسطينية، فهل هي مقدمة لخطوات مشابهة من دول عربية أخرى؟ وهل بإمكان الفلسطينيين التحرك في نضالهم دون إسناد عربي؟ وما الخطوات المطلوبة فلسطينيا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، لإضعاف أي تأثيرات لهذا الاتفاق على القضية الفلسطينية؟ وهل يمكن أن يشكل التقارب العربي الإسرائيلي فرصة جيدة في التقدم في ملف المصالحة الفلسطينية؟

    • وكان أبرز ما رأته هذه الشخصيات ما يلي:
    • الاتفاق خطير، وسيكون له ارتدادات سلبية على القضية الفلسطينية، قد تزيد خطورتها عن اتفاق كامب ديفيد، خاصة أن توقيته جاء في ظل رفض فلسطيني موحد لخطة الضم وصفقة القرن
    •  هناك تخوف من أن يشكل هذا الاتفاق تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي الفلسطيني، ومقدمة لتغيير القيادة الفلسطينية، وفرضَ قيادات جديدة من الخارج
    • يمثل الاتفاق بالنسبة لـ “إسرائيل” إعادة اصطفاف وتموضع في موقعها الدولي، خاصة إذا حذت دول عربية أخرى، كالسعودية والسودان، حذو الإمارات
    • المطلوب فلسطينيا لتقليل تأثيرات الاتفاق، العمل بشكل عاجل على توحيد الصف الداخلي، بغض النظر عن أي مصالح أخرى، وتبني استراتيجية واضحة لترجمة ذلك بخطوات عملية، لذا فالتقدم في المصالحة بات أمرًا ضروريًا لمواجهة الكثير من التحديات
    • الشعب الفلسطيني قادر، وهو موحد، على التصدي للمشاريع التصفوية، وعلى المضي قدما في مواجهة الاحتلال
    • الأصل أن يتم الإعلان بشكل واضح وصريح عن انتهاء اتفاق أوسلو، والإعلان الفوري عن سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني لقطع الطريق على المطبعين العرب، وهذا يعيد الأمور إلى نصابها
    • كان الإسناد العربي الرسمي دائمًا في حده الأدنى غير الفاعل، بل ربما كان سلبيًا ومضرًا بالمصالح الفلسطينية، وبالتالي ينبغي أن يكون التعويل على الدعم العربي الشعبي
    • يمكن العمل على الصعيد الدولي من خلال ميدان المؤسسات الأممية، وميدان الرأي العام الدولي، الذي تتفاعل فيه جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)
    • يجب أن تنشط الدبلوماسية الفلسطينية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، إذ إن دورها الآن ليس بالمستوى المطلوب، وهذا يتطلب خطة متكاملة بأبعادها على المستوى الدولي

    وفيما يلي رأي هذه الشخصيات:

    د. مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

    الاتفاق حتمًا سيؤثر سلبًا، وهو يُشكل طعنة في الظهر للفلسطينيين. فبعد أن كانت الجهود الفلسطينية منصبة لتوضيح خطورة الضم للعالم، ونجحت في عزل الحكومة الإسرائيلية، يُناقش الاتفاق مسألة تأجيل الضم من جديد، وهي خطوة متأخرة عن الخطوة الفلسطينية، وبهذا الشكل فإن الاتفاق يعني تشجيعًا للعنصرية الإسرائيلية، وهو أمر خطير على الفلسطينيين.

    المطلوب وبشكل عاجل، توحيد الصف الفلسطيني بغض النظر عن أي مصالح أخرى، وتبني استراتيجية واضحة لذلك، ومواصلة فضح السياسات الإسرائيلية عالميًا، فالوحدة الآن هي أمر مصيري، وأعتقد أن الانتخابات يمكن ترتيبها بعد الاتفاق على خطوط واضحة حول وحدة الموقف الفلسطيني.

    هنالك الكثير من التحديات التي فرضت علينا ضرورة التوجه نحو الوحدة، فالتقارب العربي الإسرائيلي قد يزيد من ذلك، ويُضاعف من الفرص.

    الشيخ حسن يوسف، عضو القيادة السياسية لحركة حماس

    إن أي اتفاق إسرائيلي مع أي دولة عربية، هو بمثابة خسارة للقضية الفلسطينية، وبالتالي ما من شك في أن كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات، أثرت تأثيرًا سلبيًا على القضية الفلسطينية، لأن هذه الاتفاقيات تجعل من هذه الدول بمثابة وسيط، مع أنها يجب أن تكون ضمن المواجهة إلى جانب الشعب الفلسطيني. البعض يرى أن بعض الدول العربية مثل مصر والأردن، ما تزال تقوم بدور مهم في القضية الفلسطينية، لكن باعتقادي أن هذا الدور لن يكون كما لو أنها لم توقع اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي.

    الاتفاق بين الإمارات والاحتلال يختلف عما سبقه من اتفاقات عربية مع الاحتلال، إذ إن هذه الخطوة تأتي في ظل صفقة القرن الأمريكية وخطة الضم الإسرائيلية، وبالتالي يمكن أن يشكل أي تطبيع في هذه المرحلة جزءًا من صفقة القرن، بمعنى أنه سيشكل عبئًا على الشعب الفلسطيني، وعاملَ ضغط على القضية الفلسطينية.

    وأي تطبيع مع الاحتلال في هذا التوقيت، هو بمثابة مكافأة له، في الوقت الذي يشدّد فيه الحصار على قطاع غزة، وتُمنع حتى الاحتياجات الإنسانية والطبية من الوصول إليه، وكذلك في ظل عمليات تهويد إسرائيلية متتابعة في المسجد الإبراهيمي، والمسجد الأقصى ومدينة القدس، إضافة إلى الجرائم اليومية المستمرة.

    للقضية الفلسطينية موقعها الاستراتيجي والمركزي ضمن الخارطة العربية، وقد سخّر الاحتلال الإسرائيلي فعليًا مكونات كثيرة في العالم؛ بهدف تعزيز وجوده، مستعينا بتشكيلات دولية وتكتلات عالمية ساهمت في ذلك، وهذا بالتالي يجب أن يكون دافعًا للفلسطينيين للعمل ضمن أربع دوائر، العربية والإسلامية والإقليمية والدولية، ولكل دائرة دور هام، ويجب الحفاظ عليها كعمق للقضية وداعم لها، ورديف لنا. وبالتالي فإن المطلوب أولا أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد، ومن ثم تعزيز هذا الموقف بدعم وإسناد من باقي الدوائر.

    ويجب أن تنشط الدبلوماسية الفلسطينية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، إذ إن دورها الآن ليس بالمستوى المطلوب، وبالتالي فإن الجهد الفلسطيني شعبيًا ورسميًا، مطلوب منه أن ينطلق أكثر باتجاه المحافل والساحات الدولية، وهذا يتطلب خطة متكاملة يمكن من خلالها تحريك القضية بأبعادها المختلفة على المستوى الدولي.

    مطلوب كذلك أن يكون هناك تحرك في الساحات الأخرى، بمعنى عدم الارتهان للساحة الأمريكية والأوروبية فقط، بل التواصل مع الصين وروسيا وإفريقيا وأستراليا أيضا.

    كما يجب أن يمتد هذا التحرك على عدة مستويات، كالقنصليات والسفارات والبعثات الدبلوماسية، والنخب الفكرية والسياسية والأكاديمية؛ لتعزيز دورها في الحضور بالفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ومناهضة سياسات الاحتلال، إضافة إلى حشد الأحزاب والقوى السياسية، وإعادة دورها في تعزيز القضية الفلسطينية ودعمها.

    أما المطلوب فلسطينيًا، فهو البناء على الخطوات التي بدأت سابقا، من أجل بناء استراتيجية ورؤية للواقع الفلسطيني من جوانبه كافة، وتحقيق حالة اصطفاف فلسطيني تتوج بمصالحة داخلية، لأن ما يواجه القضية الفلسطينية الآن أمر خطير جدا. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات حتى اللحظة، هي خطوات صغيرة، إلا أنها أيضا كبيرة، ويمكن أن تشكل دلالات مستقبلية مهمة.

    عبد الإله الأتيرة، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح

    أعتقد أننا نمر الآن بمرحلة تحالفات وتقسيمات نفوذ جديدة، والإمارات وضعت نفسها في تحالف أمريكي إسرائيلي استراتيجي، وهذا يقود إلى تأثيرات كبيرة على المنطقة بعموميتها، والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

    قد تكون الأيام المقبلة حبلى بالكثير من الأحداث كنتاج لهذه الخطوة، ونحن كفلسطينيين نؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ونراهن على حالة الصمود الفلسطيني.

    أما طبيعة التأثيرات المباشرة على القضية الفلسطينية بسبب هذه الخطوة، فنحن نتعرض لحصار مالي فعلي، والإمارات استخدمت في سياساتها بالمنطقة، أدواتٍ خشنة، ولم تستخدم الوسائل الدبلوماسية، سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا، ويبدو أنه بحكم هذه التجارب، قد يكون خيار الوسائل الخشنة متاحًا للتعامل مع الحالة الفلسطينية، من خلال بعض المتعاونين معهم.

    ولتقليل الأثر السلبي لهذا الاتفاق من خلال الساحات الدولية، فإن القيادة الفلسطينية، كما مارست دورًا سياسيًا ودبلوماسيًا قويًا في تأجيل خطة الضم، وعدم تنفيذ خطة ترمب، يمكنها الآن أن تمارس دورًا من خلال علاقاتها، والإمكانيات المتاحة عبر العالم كله، لإبراز حجم الضرر من هذه الخطوة على القضية الفلسطينية، والمطالبة بأن يكون هناك موقف دولي تجاه ذلك. لقد استطعنا أن نرسل رسالة إلى العالم العربي، رغم حالة التمزق والإشكالات الداخلية، بهدف عودة صحوة جديدة، فهذه قضيتنا، وسندافع عنها بكل الإمكانيات.

    في الشأن الفلسطيني الداخلي، قد يكون من الصعب الحديث عن وحدة وطنية، لأنها غير متاحة الآن بسبب الخلافات السياسية، والخلافات في البرامج، ولكن قد يكون هناك مسعى للتفاهم على الحد الأدنى، وبعض النقاط الأساسية، لمواجهة مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي، وصفقة القرن، وبالتالي باعتقادي نحن ذاهبون باتجاه تنظيم الخلاف الفلسطيني الداخلي.

    حلمي الأعرج، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

    هذا الاتفاق خطير، وتزيد خطورته عن اتفاق كامب ديفيد، ذلك أن توقيته جاء في لحظة فيها الفلسطينيون موحدون ضد مخطط الضم وصفقة القرن، واستطاعوا تحشيد جبهة ضد الأمرين، وقد شكّل التوقيت خشبة النجاة لنتنياهو وترمب في تنفيذ صفقة القرن.

    كما يأتي الاتفاق لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي، وهو انحياز كامل لـ “إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، وفيه تدخل سافر بالشأن الداخلي الفلسطيني، وهو مقدمة لتغيير القيادة الفلسطينية، وفرض قيادات جديدة من الخارج.

    إن تعزيز قوة العامل الذاتي الفلسطيني، هو الأساس في التصدي للضم والاحتلال. والتجربة التاريخية تثبت أن الشعب الفلسطيني قادر، وهو موحد، على التصدي للمشاريع التصفوية الإسرائيلية، وقد بدا هذا واضحًا في الانتفاضتين الأولى والثانية. كما أن ترتيب البيت الداخلي هو المهم لتعزيز عناصر القوة، ومهم أيضا إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها رائدًا في الكفاح الفلسطيني اليومي، وبناءً عليه يُمكن الانطلاق للشعوب العربية ومؤسساتها وأحزابها، وكذلك لأحرار العالم، من أجل المساعدة في سحب الاعتراف بـ “إسرائيل” ومقاطعتها، مع مواصلة المعركة القانونية والدبلوماسية، ومن ثم الدعوة لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات ضمن سقف زمني، ووضع مبادرة فلسطينية للسلام، وهذا كله يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية.

    وكلما زادت التحديات، زاد الاقتناع بضرورة الوحدة الفلسطينية، وهناك تقارب ينشأ بفعل تبلور هذه القناعة، ولكن نحن بحاجة إلى مشاركة كل الأطراف في الوصول لصيغة نهائية في الوضع الداخلي الفلسطيني، وليس مشاركة ثنائية بين فتح وحماس فقط، فالأمر ليس تقاسمًا للسلطة والأدوار، وإنما باتت الحقوق الفلسطينية تتعرض لمرحلة تصفوية خطيرة، تستوجب فعلًا القفز عن المصالح الحزبية.

    عمر شحادة، مدير مركز الهدف للدراسات، وعضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية

    تنم هذه الخطوة عن انحراف وطني وقومي وديني، فالإمارات ليست في حالة حرب مع “إسرائيل”، ولم تكن كذلك، وهذا الاتفاق هو عبارة عن أوامر من تل أبيب ومن وراء البحار، لتعزيز الخطاب الأمريكي الإسرائيلي، بهدف مواصلة تنفيذ صفقة القرن، وتفعيل مفهوم السلام الإقليمي على حساب القضية الفلسطينية.

    إن الإقدام الفلسطيني، لا سيما من الرئيس وحركتي فتح وحماس، على إنهاء الانقسام، يجب أن يكون فوريًا للتصدي الجاد لحالة الانحراف العربي، ودون ذلك سيصب في مواصلة التطبيع العربي الإسرائيلي. والأصل أيضا أن يتم الإعلان بشكل واضح وصريح، عن انتهاء اتفاق أوسلو، والإعلان الفوري عن سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني لقطع الطريق على المطبعين العرب، وهذا يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تعيش مكونات الشعب الفلسطيني في مرحلة تحرر وطني حقيقي، يحكمها قانون الوحدة والمقاومة.

    التطبيع العربي الإسرائيلي أصبح واضحًا بعد أن كان يجري بالخفاء، وهو يقوض الاستراتيجية التي قامت عليها منظمة التحرير، والمبادرة العربية للسلام، وهذا يعزز حالة الأزمة الوطنية الفلسطينية، ويضع السلطة أمام خيارات مرة تجعلها تتحول إلى أداة بيد “إسرائيل”، أو إلى سلطة تتبنى برنامج وطني للتحرر، وهذا كله يتطلب إنهاءً فعليًا وجادًا للانقسام.

    خالد أبو عرفة، وزير شؤون القدس الأسبق

    يمثل الاتفاق بالنسبة لـ “إسرائيل” إعادة اصطفاف وتموضع  في موقعها الدولي، خاصة إذا حذت دول عربية أخرى، كالسعودية والسودان، حذو الإمارات، حيث إنه جاء في وقت كسبت فيه القضية الفلسطينية بعض المكاسب المهمة على الصعيد الدبلوماسي في المؤسسات الأممية، وكذلك على صعيد الرأي العام الدولي نتيجة جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)، وجهود السلطة الفلسطينية. كما أنه جاء في وقت تآكل فيه الدور الإسرائيلي الضاغط على المجتمع الدولي، نتيجة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة للمقررات الدولية، وذلك فيما يتعلق بفرض الرؤى الصهيونية المتمثلة بـ “صفقة القرن” و “خطة الضم”، وكذلك تآكل الدور الإسرائيلي نتيجة المعارك الداخلية الحزبية في الكيان الصهيوني.كان الإسناد العربي الرسمي دائمًا في حده الأدنى غير الفاعل، بل ربما كان سلبيًا ومضرًا بالمصالح الفلسطينية. وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية استنهاض العمق العربي الشعبي لصالح القضية الفلسطينية، وبذل مزيد من الجهود في هذا الاتجاه، حيث إنه يمثل العمق الصادق والأصيل في بعديه القومي والإسلامي.على المستوى الدولي، هناك ميدانان يمكن العمل عليهما، ميدان المؤسسات الأممية، وهذا يقع على عاتق السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الرسمية، وميدان الرأي العام الدولي، الذي تتفاعل فيه جهود حركة المقاطعة الدولية (BDS)، التي بدورها تستدرج السلطة الفلسطينية لاستثمار هذه الجهود في الميدان الأممي.تعاني الحالة الفلسطينية الداخلية من أوضاع بالغة الخطورة، تسبق في أولوياتها خطر الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وتوجب على الفلسطينيين العمل الوحدوي الفوري في سبيل مقاومة هذه الأخطار، والتغلب عليها. والاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قد يشكل أحد الفرص، التي يجب استغلالها للشروع في إعادة اللُّحمة الفلسطينية، والشروع بالبرنامج الوطني المقاوِم.

  • السلطة الفلسطينية وصفقة القرن.. الخيارات المتاحة

    في الثامن والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعدد من سفراء الدول، منهم سفراء ثلاث دول عربية، صفقته التي طالما روج لها بأنها صفقة القرن. تباينت ردود الفعل العالمية حيال هذه الصفقة، بين مواقف مؤيدة، ومواقف معارضة، وأخرى متأرجحة. إلا أن ما برز في هذا السياق، هو الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة، وارتفاع الأصوات المنادية بضرورة الوحدة الفلسطينية لمواجهتها.

    لا يوجد في الصفقة أي سبب يدعو الفلسطينيين لقبولها، أو حتى للتعامل معها بأي شكل، فهي تؤكد على أنّ القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وتتنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، وتؤسس لبقاء المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة، ولا تعارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال، وتحصر الأمن بيد الاحتلال، وتدعو إلى نزع سلاح المقاومة، وتضع المعابر والحدود تحت سيطرة الاحتلال، وكذلك المقدسات الدينية، وغير ذلك من البنود التي لا تمنح الفلسطينيين، إلا حكما محدودا على 11% من أرض فلسطين التاريخية.

    ومن أجل قراءة هذه الصفقة، وانعكاساتها، والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية، رأي عدد من النخب السياسية والأكاديمية الفلسطينية، ورؤيتهم لمجمل ما يتعلق بالصفقة، وذلك من خلال إجاباتهم على الأسئلة التالية: ما هي الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ما المقصود من خطاب الرئيس أبو مازن حول تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية؟ ما مدى قدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن؟ وهل ستقود السلطة احتجاجاتٍ سلمية؟ هل يمكن أن يؤسس توجه وفد إلى قطاع غزة، خطوة أساسية لإنهاء الانقسام وتوحد الفلسطينيين؟ وما هو موقف الفصائل الأخرى، وماذا تستطيع أن تفعل، وهل هناك دور منوط بقطاع غزة؟

    تلخصت آراء الخبراء في هذا الموضوع، فيما يلي:

    • الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن بشكل مطلق، والدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية تدعم هذا الرفض، وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة النظر في الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، بحيث ينسجم مع المشروع الوطني، وليس مع الاتفاقيات السابقة.
    • الدعوة إلى ترتيب البيت الفلسطيني كآلية ضرورية لمواجهة الصفقة، على أن يتضمن ذلك عقد الإطار القيادي المتفق عليه بين الأمناء العامين للفصائل، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية.
    • وضع رؤية شاملة، واستراتيجيات فعالة لمواجهة الصفقة، على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، تشمل تعزيز الصمود على الأرض، وتفعيل المقاومة الشعبية والاحتجاجات السلمية، واستنهاض العالم العربي حكوماتٍ وشعوبًا، وتفعيل مواقف المنظمات الإقليمية والدولية، والدول والشعوب الصديقة، بما في ذلك دعم المقاطعة الدولية للاحتلال.

    د. أيمن دراغمة، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني

    بتقديري أن خطاب الرئيس أبو مازن عقب الإعلان عن صفقة القرن، يعتبر بادرة جيدة للتأسيس لموقف فلسطيني وطني. الخطاب في مضمونه هو بمثابة إعلان عن البدء بإصلاح البيت الفلسطيني، خاصة وأنه جرى اتصال هاتفي قبل الخطاب، بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والرئيس عباس. كما أن اجتماع الأطياف السياسية كافة برام الله، والمناقشات التي جرت في مقر المقاطعة، كانت بمثابة رسالة من طرف الرئيس لجميع الأطياف، بأنه سوف يبدأ صفحة جديدة.

    عقب الخطاب، شاركنا باجتماعات مع أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان هناك شبه إجماع على كيف نتوحد جميعا في رفض صفقة القرن. الآن، وإذا ما ذهب الوفد إلى قطاع غزة فعلًا، فسيكون ذلك بمثابة محطة ثانية، تؤكد على وحدة الموقف الفلسطيني، ووحدة البيت الفلسطيني.

    وأمام ذلك كله، لا بد من خطوات عملية من قبل الرئيس، بحيث يتم وضع خطة ولجنة لمتابعة هذه الملفات، حيث يمكن الانتظار بعض الوقت لمواجهة صفقة القرن، ثم نبدأ بالخطوة التالية، وهي البدء بتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة ما بين الفصائل الفلسطينية؛ بهدف إنهاء الانقسام. طبيعة الخطوات التي يمكن الذهاب إليها، تتمثل أولا في وضع برنامج ورؤية وطنية، يمكن الانطلاق فيها من وثيقة الوفاق الوطني، ووثيقة الأسرى، وهي تتضمن الحدود الدنيا المتوافق عليها بين الكل الفلسطيني. ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم عقد اجتماع الإطار القيادي الموحد للقوى الفلسطينية؛ للبدء فعلا بتنفيذ ما تم التوافق عليه في بيروت عام 2017، بهدف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد، وما يتبع ذلك من انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإعادة تفعيل المؤسسات الوطنية، وفي مقدمة ذلك كله، الإعلان عن موعد محدد للانتخابات التشريعية والرئاسية.

    على الصعيد الخارجي، يجب أن تكون هناك حالة استنهاض للمواقف العربية، لأن بعض الدول العربية والدول الصديقة، لم تكن مواقفها متقدمة في رفض صفقة القرن. كما يجب الضغط على الدول التي حضرت الإعلان، لإصدار موقف رافض لصفقة القرن، لأن هناك قرارات عربية سابقة تؤكد ذلك. ومن ناحية ثانية، يمكن العمل على تفعيل العديد من المحاور، مثل دول عدم الانحياز، والبرلمان الإفريقي. وبالتالي، من المفترض أن يكون هناك جهد دبلوماسي فلسطيني كبير، لمناهضة هذه الصفقة.

    على صعيد الدور الوظيفي للسلطة، فإن هذا يتحقق من خلال وقف التنسيق الأمني، لذا فالمطلوب أن يكون هناك بيان واضح، وتعليمات واضحة من قبل الرئيس للأجهزة الأمنية، لوقف التنسيق الأمني، وهذا هو الذي يفهمه الشارع من تحويل الدور الوظيفي. ومن ناحية أخرى، يجب إعادة السلطة الفلسطينية كمؤسسة تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب أيضا إعادة بناء المنظمة.

    وعلى صعيد خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، فإن أهم أداة هي عدم المشاركة في أي لقاء له علاقة بمفاوضات مع الاحتلال، لأن أي مفاوضات في هذه المرحلة، معناها القبول بتطبيق صفقة القرن. والأداة الثانية هي مواصلة جهود الإصلاح الداخلي، وردم الهوة ما بين السلطة والشارع، بحيث يتم جسر المسافة التي وُجدت على الأرض خلال السنوات السابقة، وأن تترك السلطة الشعب لاختيار أدوات المقاومة ضد الاحتلال، وأن لا تكون عائقا أمام ذلك.

    ليس مطلوبًا من السلطة أن تقوم باحتجاجات، فهذا هو دور شعبي، ودور مؤسسات المجتمع المدني، لكن المهم أن لا تقوم السلطة بمنع الحراك الشعبي ضد الصفقة، وأن تسمح للتيارات والأحزاب بالعمل، وإطلاق الحريات للعمل التنظيمي.

    وبخصوص توجه وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، فهي خطوة هامة جدا على جميع المستويات، لأن الفترة التي سبقت إعلان صفقة القرن، تخللها تصعيد إعلامي، ومناكفات، وعدم ثقة، وبالتالي فإن زيارة الوفد إلى غزة، هي بمثابة إعلان عن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني.

    إن من يتحمل المسؤولية الأساسية الآن، هما الفصيلان الكبيران على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، والفصائل الأخرى مواقفها منسجمة مع مواقف الفصيلين الكبيرين، وبالتالي يمكن أن تُفرض الرؤية الوطنية على الجميع، إذا كانت هناك حالة توافقية، من منطلق الحرص على الوطن.

    د. بكر أبو بكر، رئيس أكاديمية فتح الفكرية (أكاديمية الشهيد عثمان أبو غربية)

    هناك ثلاثة أمور رئيسة، يجب التركيز عليها كخيارات متاحة أمام السلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وهي:

    1. تعزيز مقومات الصمود على الأرض بأشكاله كافة، حيث أصبح الصمود ركنًا أساسيًا في المواجهة مع الاحتلال، والمحافظة عليه يعني بقاء الوجود الفلسطيني.
    2. تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال استراتيجية عمل مشتركة، تقضي على كل مبررات التشتت، حيث بات الحديث عن عدم الوحدة أمرًا خطيرًا على القضية الفلسطينية.
    3. التركيز على إعادة بناء منظمة التحرير، باعتبارها العنصر الأساس الجامع للفلسطينيين، بغض النظر عن حالة التشرذم الموجودة فيها، لأن العالم ينظر لها كجامع للكيانية الفلسطينية.

    وبالنسبة للخيارات الخارجية، لا بد من إعادة صياغة رواية جديدة، تقوم على أسس الإسلام والعروبة والنضال، لكن ضمن منطلقات تستطيع الأجيال الحالية من العرب والمسلمين وغيرهم، استيعابها، وبما يضمن مراعاة التغيرات الحضارية الحاصلة، خاصة في الوقت الذي باتت فيه القضية الفلسطينية، تفقد ألقها الإسلامي والعربي، نتيجة انشغال المجتمعات العربية والإسلامية بصراعات داخلية. وفضلًا عن الخيارات القانونية، من المفروض أن يكون هناك عنصر ربط مع العالم، من خلال إيجاد زخم عربي، وعقد مؤتمرات دولية ، وإعادة بناء أحلاف جديدة، وخلق اهتمام عالمي جديد بالقضية الفلسطينية.

    لا شك أن السلطة قادرة على إيجاد استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، وبشكل جيد، لكن الأمر يتطلب تغييرًا في الرؤى والأشخاص القادرين على الفعل. نعم هنالك قيادات لها ماضيها النضالي والسياسي، ولكن هناك اليوم قيادات شابة، قادرة على الفعل والتأثير في الناس، يجب استغلالها وإشراكها في خلق هذه الاستراتيجيات، لأن لها تصورات وأدوات تفكير مؤثرة، ولا يمكن الاستهانة بها.

    من المفترض أن تقود السلطة احتجاجات سلمية، وقد أشار الرئيس إلى ذلك، ولكن الأمر يتعلق بالأشخاص القادرين على قيادة تلك الاحتجاجات. من الواجب أن يكون هناك امتداد جغرافي وديمغرافي للاحتجاجات، ويجب أن تتوسع رقعتها، ومداها الزمني، ولا تكون مجرد ردات فعل.

    وعلى صعيد إنهاء الانقسام، هناك توجه حقيقي لإنهائه، ولكن الملف ليس مرهونًا فقط بالفلسطينيين، فهنالك محاور إقليمية لا يروق لها أن تكون هناك وحدة فلسطينية، وهذا ما يهدد الوحدة الوطنية فعليًا.

    باختصار، المطلوب هو العودة إلى منظمة التحرير فورًا، وعدم ادعاء التوازن بين الأطراف الفلسطينية، وإمساك العصا من المنتصف، فالأصل أن نعيد الروح والزخم للمنظمة.

    د. علاء أبو عامر، باحث مختص في العلاقات الدولية والقانون الدولي

    بشكلٍ عام، يجب وضع استراتيجية فلسطينية بديلة لمواجهة صفقة القرن. فما قبل الإعلان عنها شيء، وما بعدها شيء آخر، فقد أثبت الإعلان عن الصفقة، أن الإسرائيليين لا يريدون سلامًا، وأزال الإعلان عنها الغباش عن العيون، التي حمّلت الفلسطينيين مسؤولية فشل عملية السلام سابقا، وهذا أمرٌ لا بدّ من الاستثمار فيه، كأحد الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية.

    استراتيجية حل الدولتين، في ضوء ما تمارسه “إسرائيل” على أرض الواقع، وبعد الإعلان عن صفقة القرن، أثبتت فشلها، لذا لا بد من الحديث عن خيارات أخرى، كحل الدولة الواحدة، التي يتمتع فيها الفلسطينيون بتساوي الحقوق السياسية والمدنية، الأمر الذي قد يمكنهم من السيطرة مستقبلًا، في ضوء الديمغرافيا الفلسطينية الحالية. إضافة إلى ذلك، من الممكن الاستثمار في تعزيز حملات المقاطعة عمليًا، ودعم حركات مختصة في هذا المجال، مثل حركة BDS.

    على صعيد المحافل الدولية، يُفترض أن يتحرك الفلسطينيون نحوها بقوة، حيث كشف أحد بنود صفقة القرن، خوف “إسرائيل” من التوجه للمحافل الدولية، واشترط على الفلسطينيين في حال التوقيع على الصفقة، التعهد بعدم التوجه لأي محفل دولي، يمكن من خلاله محاكمة “إسرائيل”. أعتقد أنّ الوقت قد حان لتنفيذ التوجه نحو أي شيء دولي، بإمكانه أن يُلحق الضرر بـ “إسرائيل”، ويزيد من الضغط عليها.

    وبخصوص تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، كما أشار الرئيس أبو مازن في خطابه، أنَّ بإمكان السلطة الفلسطينية التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل”، نتيجة تغير دورها من الاتفاقيات الموقعة معها، كالانفكاك الاقتصادي، والتنسيق الأمني، والذي أعلن الرئيس صراحة أنَّه بصدد وقفه. وفي هذه الحالة، قد تواجه السلطة الفلسطينية المزيد من الضغوط إسرائيليًا وأمريكيًا، ولكنها حتما ستكون أكثر مساندة من الشارع الفلسطيني، الذي سيعزز صمودها. وهذا مرتبط بالسؤال التالي، والذي يتعلق بقدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة في مواجهة الصفقة، حيث سيُتيح لها تحويل الدور الوظيفي، مزيدًا من القدرة على الفعل، والتأثير على الأرض، وعندها سيكون الشارع أكثر صمودًا في تحمل أي أعباء مالية، قد تترتب على ذلك، بالشراكة مع نظامه السياسي.

    لم يعد بإمكان الفلسطيني أن يقبل باستمرار الرهان على أوسلو، فالناس غير مقتنعة، وأي شيء جديد يجب أن يتم من خلال إصلاح المنظمة، وإعادة ترتيب مؤسسات السلطة، بما يتناسب مع تحول دورها.

    أعلنت السلطة الفلسطينية دائمًا، أنّها مع الاحتجاجات السلمية، والفلسطيني هو من يقرر. فهو قَدَر هذه المنطقة، ورأس الحربة فيها، ولن يتوانى عن أي احتجاج للدفاع عن أرضه. ولكن ما قد يخفف حدة هذه الاحتجاجات، هو ردة الفعل العربية، فإذا ما تم تبني الموقف الرسمي الفلسطيني عربيًا، فإن ذلك قد يمنح السلطة الفلسطينية، مجالًا أوسع للحركة.

    بإمكان الفصائل الفلسطينية أن تصنع المستقبل، وحسن النوايا واضح هذه المرة، وهذه فرصة حقيقية لكل الأطراف لإنهاء الانقسام كخطوة أولى للانتصار، وفرصة لحماس أن تحمل الهم الوطني الداخلي، بعيدًا عن أي بعد تنظيمي خارجي ودولي. وبالنسبة لغزة، لا يمكن أن تنفصل عن المشروع الوطني الفلسطيني، وستكون رديف القدس في كل الأزمنة، وهذا ما على حماس أن تدركه، وأعتقد أن إنهاء الانقسام، سيكون فرصة للخروج من المأزق الحقيقي للفصائل الفلسطينية.

    د. يوسف ارشيد، أستاذ العلاقات الدولة في الجامعة العربية الأمريكية

    باعتقادي أن تطبيق ما يسمى بصفقة القرن، يجري على قدم وساق منذ فترة من الزمن. فالإدارة الأمريكية نقلت سفارتها إلى القدس، وتتعامل معها رسميًا كعاصمة دولة “إسرائيل”، وتشجع الاستيطان، وتدعم القوانين الإسرائيلية المتعلقة بضم الأراضي المحتلة. لكن الجديد، أنهم يريدون منا كفلسطينيين، أن نوقع على قرار ذبحنا، وشطب قضيتنا، والتنازل عن القدس بأيدينا. ومن المؤكد أن هذه الصفقة لن تمر دون موافقة القيادة الفلسطينية. ومن الواضح أن هناك معارضة شعبية ورسمية واسعة ضد هذه الصفقة، ولكن في المقابل، سيدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا لهذا الموقف، من تضييق وحصار، وغيره.

    على الصعيد الداخلي، يجب العمل على إعادة لحمة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد كل الجهود والطاقات، من أجل مواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد القضية الفلسطينية برمتها، وتغليب المصالح الوطنية العليا، على المصلحة الحزبية الضيقة، وتشكيل طاقم من جميع الفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية، لبناء استراتيجية فاعلة، تستطيع الصمود في وجه هذه المؤامرة.

    وعلى الصعيد الخارجي، كان يُفترض من السلطة منذ زمن، إعادة ترتيب معسكر الأصدقاء والأعداء، لذا يجب التوجه إلى كل الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية، وكفى متاجرة بأنظمة تساوقت مع المشاريع الصهيونية. يجب التحرك بشكل فوري وفاعل على الصعيد الدولي، والذي طالما رفضته “إسرائيل” جملةً وتفصيلًا، وذلك لأن جميع القرارات الدولية، تؤكد أن القدس والأغوار والضفة الغربية وقطاع غزة، هي مناطق محتلة يجب الانسحاب منها. وقد يعتقد البعض أن مثل تلك التحركات، لا تؤتي أكلها، لكن يجب إحراج “إسرائيل” والولايات المتحدة، وعزلهما دوليًا.

    من ضمن الخيارات المطروحة، تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، دون أي توضيح لماهية هذا المفهوم، علمًا أن الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، هو دور خدماتي من ناحية، ولا أعتقد أن الرئيس كان يقصد ذلك، ودور آخر يتمثل في العلاقة مع الاحتلال، كالتنسيق الأمني وغيره. والدور الوظيفي للسطلة الفلسطينية، حسب اتفاق أوسلو، هو قيام حكم ذاتي مؤقت لمدة زمنية محددة، وبعد ذلك قيام دولة فلسطينية، وبالتالي، فإن تحويل، أو إلغاء الدور الوظيفي للسلطة، يعني إلغاء اتفاق أوسلو، وكل ما نتج عنه. وإذا كان هذا هو المقصود، فهو بحاجة إلى ثبات وتضحيات وصبر، لأن كثيرًا من أمورنا الحياتية، مرتبطة بالاحتلال، حيث جميع المعابر والمنافذ بيده.

    قد تكون الخيارات الاستراتيجية لدى السلطة الفلسطينية صعبة. لكن باعتقادي، يجب أن تكون كل الخيارات في هذه المرحلة، مفتوحة وممكنة، من اعتصامات واحتجاجات، وتحريك الرأي العام، إضافة إلى خيار المقاومة. لذلك، يجب العودة إلى الشارع الفلسطيني، الذي غُيب منذ سنوات تحت واقع اتفاق أوسلو. يجب عدم الحديث عن إمكانيات السلطة في المواجهة، بل إمكانيات الشعب الفلسطيني. مع أنني لست متفائلًا فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، وذلك لأن الأجندات الفصائلية والحزبية والشخصية، ما زالت مسيطرة، والإرث الثقيل من الحقد والعداوة، ليس من السهل أن يتم تجاوزه بهذه السرعة.

    موقف الفصائل السياسية الأخرى، معارض بشكل حازم لصفقة القرن، وقد يكون لها دور مهم في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في حالة تصعيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فهذه الفصائل، تمتلك الكثير من الخبرات النضالية، لذلك يجب العمل على توحيد كل الجهود في ساحة الفعل النضالي.

    تضمنت صفقة القرن، نزع سلاح المقاومة، وطرح مشاريع اقتصادية عملاقة، تمول من دول الخليج النفطية، مع مساهمة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. تحاول “إسرائيل”، مدعومة من الولايات المتحدة، أن تستغل حال الفقر والجوع والحصار على قطاع غزة، لتحول القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية إنسانية، وإعطاء حلول وامتيازات اقتصادية، على حساب سلب الحقوق السياسية. لكني أعتقد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، رغم كل محاولات التركيع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

    سامر عنبتاوي، كاتب ومحلل سياسي، وعضو الهيئة القيادية للمبادرة الوطنية الفلسطينية

    رغم كبر الهجمة، وحالة الانقسام الداخلي، وفقدان بعض عناصر القوة، كفقدان جزء هام من العمق العربي، والتغيرات الحاصلة في الإقليم، إلا أن عناصر القوة الكامنة، موجودة، وتتمحور في إعادة بلورة الاستراتيجية الوطنية الشاملة، المعتمدة على إنهاء الانقسام، وبناء برنامج وطني شامل وموحد، وبناء الاقتصاد الوطني المقاوم، وإعادة الانسجام الوطني لمواجهة الاحتلال، وإعادة تعريف وظائف السلطة، بالتخلص من جميع الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال.

    كان تغيير الدور الوظيفي للسلطة، مطلبًا للقوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك عبر تحويل السلطة من العلاقة المباشرة مع الاحتلال، على المستويات الأمنية والاقتصادية، إلى قيادة وطنية موحدة، تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية. بهذا التغيير، فإن السلطة ترتبط بإجماع وطني، لتتحول لقيادة شعب تحت الاحتلال، وترتبط بالتوجه الوطني العام، وتتخلى تماما عن العلاقة مع الاحتلال، وارتباطاتها به.

    وبخصوص الاستراتيجيات الفعّالة للمواجهة، فإن الأمر يرتبط بالتوجه لبحث تشكيل شبكة أمان على المستوى الإقليمي، وتحقيق نوع من الترشيد الإداري، وصيانة الاقتصاد المقاوم، وتحقيق الانفكاك الاقتصادي، واستجلاب الدعم من المغتربين الفلسطينيين الأغنياء، وذلك كله ضمن برنامج اقتصادي مدروس، ومتنوع الخيارات.

    وبخصوص الاحتجاجات السلمية، فإن السلطة لا تتوجه لقيادة الفعاليات المطلوبة ضمن الوضع القائم، ولكن سوف تتغير الأمور عندما تتغير وظائف السلطة، وتوجهاتها، لتعبر عن الكل الوطني، فيحدث انسجام بين الشعب وسلطته، وقواه السياسية.

    أما توجه وفد من الضفة إلى قطاع غزة، فإنه يجب أن لا يكون من أجل الحوار المستنفذ سابقا، وإنما لإرساء قواعد إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة، والبدء بالإجراءات الفورية لتحقيق ذلك، كسلاح قوي لمواجهة الصفقة. وموقف الفصائل يجب أن يقوم على الشراكة الكاملة بين مكونات الشعب وقواه الوطنية، وفعالياته، من أجل صياغة البرنامج الوطني، وإعاد بناء منظمة التحرير على أسس نضالية وديموقراطية، ودعم صمود الناس، والتوعية بمخاطر المرحلة القادمة، والتعاون لبناء مجتمع متماسك وقوي.

  • المشهد الإسرائيلي نيسان/ إبريل 2020: الحكومة الجديدة وانعكاساتها على الفلسطينيين

    الكاتب : صلاح الدين عواودة 

    مقدمة

    رغم أزمة الكورونا وحالة الطوارئ، إلا أن الحدث الأبرز خلال شهر نيسان/ إبريل، كان اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حكومة الطوارئ، بين نتنياهو ومعه معسكر اليمين من جهة، وبين غانتس وحزبه “أزرق أبيض” من جهة ثانية، إضافة إلى حزب العمل بقيادة عمير بيرتس. علما أن حزب “أزرق أبيض” تفكك مؤخرًا بسبب هذا الاتفاق، وبقي غانتس يتزعم حزب “حوسن إسرائيل”، الذي شكله منتصف عام 2018. وقد شكلت قضية ضم المستوطنات، أهم بند من بنود اتفاق تشكيل الحكومة، وهو ما يستدعي دراسة بنود الاتفاق، وانعكاساته على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع في المنطقة. فمن الواضح أن التيار الذي انتصر، هو تيار نتنياهو، وهو في طريقه إلى انتصار أكبر لو حصلت انتخابات رابعة. لذلك، من الطبيعي أن يفرض هذا التيار برنامجه السياسي عند تشكيل أي حكومة من قبله، حتى لو أغرى الآخرين بكثير من الغنائم السياسية، كما فعل مع غانتس وحزبه، ومع عمير بيرتس وحزبه، فقد حصلوا على حصة الأسد من الغنائم السياسية، لكنهم شاركوا في حكومة كتب برنامجها نتنياهو واليمين المتحالف معه، وأهم ما في هذا البرنامج، هو الموقف من القضية الفلسطينية، وسلوك الاحتلال في الضفة الغربية، ومع قطاع غزة.

    تحاول هذه الورقة، ومن خلال قراءة المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل، معرفة انعكاسات هذا الاتفاق على القضية الفلسطينية، إضافة إلى الوقوف على التطورات المتعلقة بأزمة الكورونا، لا سيما تأثيرها على الاقتصاد، وعلى العلاقات مع المحيط والعالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وآلية خروج الاقتصاد الإسرائيلي من أزمة الكورونا، في ظل الركود والعجز وارتفاع البطالة.

    كما يتناول هذا المشهد قضية ضم الغور والمستوطنات، والموقف الأمريكي منها، وملف التهدئة مع قطاع غزة، وتطورات موضوع صفقة التبادل، وهي الملفات التي تصدرت المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل.

    نتنياهو ينجح أخيرًا

    قال الصحفي والمحلل السياسي أمنون أبروموفيتش، في مقال نشره على موقع القناة إن 12 بتاريخ 26/4/2020، إنه ما كان لأحد أن يتفاجأ من الاتفاق بين غانتس ونتنياهو، ونفى أن يكون السبب هو جائحة الكورونا، وذكر أن غانتس وإشكنازي، كانا قد عزما على المشاركة في حكومة نتنياهو بعد الانتخابات الماضية في أيلول/ سبتمبر 2019، وذلك قبل ظهور أزمة الكورونا، وكان أبروموفيتش قد سمى حزب “أزرق أبيض” في حينه، بـ (ليكود ب)، ولكن دون لائحة اتهام. وفي نفس الوقت، يعبر أبروموفيتش عن دهشته من تحول غانتس وإشكنازي، إلى آلة لتحصين نتنياهو. فرغم إبداء حزب “أزرق أبيض” قلقًا على المحكمة العليا، إلا أنهم، ومن خلال الاتفاق مع نتنياهو، حاصروا المحكمة، التي قيدوا قدرتها على رفض الاتفاق، ووضعوها في محل الاتهام بأنها تدفع الدولة إلى انتخابات رابعة إن رفضت الاتفاق. وفي المقابل، فإن قبول الاتفاق، يشكل ضربة للقضاء وسلطة القانون (ابرموفيتش 2020).

    ولكن، سواء تحت ضغط جائحة كورونا، أو ضغط الاستطلاعات التي تتنبأ بتقدم اليمين إذا حصلت انتخابات رابعة، استطاع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في النهاية، جر رئيس حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، مساء الإثنين 20/4/2020، إلى الاتفاق على حكومة طوارئ وطنية لستة أشهر، وحكومة وحدة تضم 36 حقيبة وزارية، لثلاث سنوات قابلة للتمديد سنة أخرى، وخلال الشهور الست الأولى كحكومة طوارئ، لا يتم تشريع أي قانون، ولا حتى اقتراح أي قانون للنقاش، ليس مرتبطًا بشكل مباشر بأزمة الكورونا، ويكون نتنياهو رئيس الحكومة أولا لمدة 18 شهرا. كما نص الاتفاق بينهما، والذي تم بضمان أحزاب الحريديم، وهي شاس ويهدوت هتوارة، على إقامة مجلس وزاري مصغر (كابينيت)، لمواجهة تحديات كورونا، برئاسة مشتركة بين نتنياهو وغانتس، وبمشاركة الوزراء ذوي الصلة بالموضوع. كما نص على أن يسكن غانتس في مقر خاص برئيس الحكومة البديل، إلى جانب مقر رئيس الحكومة الفعلي (سيجال و ليال 2020).

    ووفقًا للاتفاق، ستتوزع المهام والعضوية بالتساوي بين حزبي الليكود و “أزرق أبيض”، في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت الأمني)، وفي المجلس الوزاري المصغر للقضايا الاجتماعية والاقتصادية. ويضمن الاتفاق تنفيذ التناوب بموجب بند ينص على أن تصويت الكنيست على حكومة الوحدة الوطنية، يمنح الثقة لنتنياهو ليكون رئيسا للحكومة أولا، وسيتبعه تصويت على غانتس لمنصب “رئيس الحكومة البديل”، حيث سيتولى منصبه، بموجب اتفاق التناوب، في تشرين أول/ أكتوبر2021، دون الحاجة لأخذ ثقة الكنيست مرة أخرى، وذلك لضمان عدم غدر نتنياهو وحلفائه من اليمين. ورغم توفير الاتفاق شبكة أمان واستقرار لحكومة نتنياهو لمدة ستة أشهر على الأقل، حتى دون أن ينضم تحالف أحزاب اليمين (6 مقاعد) له، ورغم أن الحكومة ستحظى بدعم 68 عضو كنيست على الأقل، إلا أنه لم يضمن تولي غانتس منصب رئيس الحكومة، إذا أقصت المحكمة العليا نتنياهو من منصبه، فحينها لن ينفذ اتفاق التناوب، وستكون هناك انتخابات رابعة، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة فقط إذا تم حل الكنيست (عرب 48 2020).

    إنجازات نتنياهو مقابل إنجازات غانتس

    من ناحيته ضَمِن نتنياهو، إلى جانب بقائه في رئاسة الحكومة سنة ونصف أخرى، أغلبية في لجنة تعيين القضاة، وهو ما يسمح لنتنياهو بتعيين من يرغب من القضاة  في المحكمة العليا. كما ضَمِن أن لا يكون هناك أي تشريع دون موافقته، رغم أن رئيس لجنة التشريعات في الكنيست، سيكون من حزب “أزرق أبيض”. كما يضمن الاتفاق لنتنياهو، أن لا يشرع أي قانون ضده في الكنيست خلال الشهور الست الأولى، وهي فترة الطوارئ، كما يستطيع نتنياهو تسجيل موضوع فرض السيادة في الضفة الغربية، الذي سيبدأ نقاشه في تموز/ يوليو المقبل، كإنجاز له. كما سيضمن نتنياهو بقاءه في مقر رئاسة الحكومة، حتى بعد انتهاء فترته، ويبقى كرئيس حكومة بديل، وسيحتفظ بكل امتيازاته. كما يضمن نتنياهو بقاء معسكر اليمين من خلفه، رغم احتمال بقاء حزب “يمينا” خارج الائتلاف. كما شمل الاتفاق بنودًا تسمح بحل الحكومة، دون أن يصل غانتس إلى رئاستها (سيجال و ليال 2020).

    أما غانتس، فسوف يحصل على منصب رئيس حكومة بديل من لحظة أداء الحكومة للقسم، وهو ما لم يحصل عليه أحد سابقًا، إضافة إلى حصوله على نصف الحقائب الوزارية، رغم قلة عدد كتلته النيابية مقارنة بمعسكر اليمين، وكذلك توليه منصب وزير الدفاع. كما حصلت كتلته على الوزارات الهامة، مثل وزارتي الدفاع والخارجية، وذلك فقط خلال فترة رئاسة نتنياهو للحكومة، على أن تحول هذه الوزارات إلى حزب الليكود عند تولي غانتس رئاسة الحكومة، وكذلك وزارة القضاء، ويمكن له الحصول على أغلبية في لجان اختيار القضاة لغير المحكمة العليا. كما سيصبح غانتس رئيسًا للحكومة لمدة 6 شهور تلقائيًا، في حال قرر نتنياهو حل الكنيست، ودون حاجة ليقدم نتنياهو استقالته. كما ضمن غانتس إدخال أعضاء للكنيست من حزبه كبدلاء للوزراء. أما في حال التصويت على حل الكنيست أثناء ولايته، فسيبقى غانتس في رئاسة الحكومة، كرئيس حكومة انتقالية. وفي حال قررت المحكمة العليا منع نتنياهو من الاستمرار في رئاسة الحكومة أثناء نوبته، فسيتم حل الكنيست، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة الانتقالية. لكن في حال قرر نتنياهو الاستقالة، أو مرض، أو عجز عن القيام بوظيفته لسبب قاهر، فإن نائبه يحل مكانه مدة الـ 18 شهرا المقررة له، إلى أن يعود فيستلم رئاسة الحكومة وفقا للاتفاق. كما ينص الاتفاق على أن لا يملأ أي شخص مكان أي من نتنياهو وغانتس من حزبيهما، في حال التغيب القسري لأحدهما، ويذهب الجميع لانتخابات جديدة في حالة حدوث ذلك (سيجال و ليال 2020).

    الفلسطينيون في حكومة الطوارئ

    كما شمل اتفاق حكومة الطوارئ، تفاهمات بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض”، على أن يقوم نتنياهو، وبعد الاتفاق مع الأمريكان على فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بمناقشة الاتفاق مع رئيس الحكومة البديل غانتس، ثم مناقشته في المجلس الوزاري، وفي الكنيست، وضم جميع المستوطنات، حيث يبدأ النقاش بداية تموز/ يوليو 2020.

    وشمل الاتفاق أيضا، عدم إجراء أي تعديل على “قانون القومية”، الذي يعرف “إسرائيل” على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي حول العالم، لكنه لم يتطرق لمسألة ضم الأغوار والبحر الميت، التي طالب بها تحالف أحزاب اليمين. ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مصادر مطلعة على مفاوضات الائتلاف الحكومي، أنه “بموجب حكومة الطوارئ، سيجري فرض السيادة الإسرائيلية وضم المستوطنات”، مشيرا إلى أن رئاسة نتنياهو لحكومة مستقرة وواسعة، ستخلق الظروف لبدء إجراءات الضّم، لكنه ربط ذلك ببقاء دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية (وتد 2020).

    ويضم الائتلاف الحكومي رئيس حزب العمل عمير بيرتس، الذي سيكون وزيرا للاقتصاد، وإيتسك شمولي وزيرا للرفاه الاجتماعي، وذلك على حساب الموقف التاريخي لحزب العمل من حل الدولتين، رغم أن رئيس الحزب عمير بيرتس، نفى الادعاءات ضد الاتفاق، وأكد أنه غير ملتزم بقرارات الائتلاف كافة، وأن الحزب لن يصوت لصالح أي قرار ضم من جانب واحد (i24NEWS 2020).

    أما اتفاق حزب العمل بقيادة عمير بيرتس، مع نتنياهو، الذي نشرته صحيفة هآرتس في 25 نيسان/ إبريل، فلم يتطرق لعملية التسوية مع الفلسطينيين، رغم نصه على المحافظة على اتفاقيات السلام، والمصالح الأمنية والسياسية لدولة “إسرائيل”، والعمل على إعادة الجنود المفقودين من غزة، كشرط مسبق لأي اتفاق أو تسهيلات اقتصادية لقطاع غزة. كما شمل الاتفاق تحديد أجندة جديدة تجاه حركة حماس في قطاع غزة، وإعادة الردع الإسرائيلي أمام الفصائل الفلسطينية في القطاع. (ناصر 2020)

    الضم بغطاء الكورونا

    كتب الجنرال أودي ديكل، مدير مركز دراسات الأمن القومي، ومعه الباحثتان ليا موراد جلعاد، وعنات كورتس، ورقة نشرها المركز بتاريخ 26/4/2020، اعتبروا فيها أن فترة الكورونا، وفترة وجود ترامب في الرئاسة الأمريكية، ورغبته بترك بصماته على التاريخ، مع احتمال عدم فوزه بفترة إضافية في البيت الأبيض، وحاجته الملحة لأصوات الصهيونية المسيحية في الانتخابات، تشكل فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية على كل المستوطنات، وذلك على الأقل من وجهة نظر مجموعة المصالح التي يقودها بنيامين نتنياهو. فنتنياهو يرى وجود فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية دون عملية تسوية، وهي فرصة لم تكن سابقًا، وقد لا تتكرر مستقبلًا، في ظل انشغال زعماء العالم بأزمة الكورونا. ومن وجهة نظر هؤلاء الباحثين، فإن هذا التوجه خطير على مستقبل دولة “إسرائيل”، حيث سيخلخل الأسس التي تقوم عليها، وهي، على حد زعمهم، اليهودية والديموقراطية والأمن والأخلاقية، الساعية للسلام مع جيرانها. لذلك يدعون الحكومة الجديدة، لدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، التي تشكل خطة ترامب إحدى مرجعياتها. وإذا استمرت السلطة بالرفض، فعلى الحكومة أن تطلب دعم الجمهور لتنفيذ انفصال من طرف واحد عن الفلسطينيين، يشمل أيضا ضمًا متدرجًا للأراضي، ويضمن، على حد تعبيرهم، مصالح “إسرائيل” السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    نص الاتفاق بين نتنياهو وغانتس، على العمل بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة، لا سيما في مسألة رسم الخرائط، والحديث مع المجتمع الدولي، مع الحفاظ على مصالح “إسرائيل” الاستراتيجية، والاستقرار في الإقليم. وكان نتنياهو قد وعد ناخبيه بضم غور الأردن، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، والتي تعني ضم أراضي المستوطنات لـ “إسرائيل”. ومن الملاحظ أن “إسرائيل” تتلاعب بالألفاظ، لتتلاءم مع الوضع القانوني دوليًا ومحليًا. ففي موضوع الجولان، لم يتم استخدام عبارة “فرض السيادة”، لأن الأرض سورية في القانون الدولي، وإنما تم استخدام عبارة “تطبيق القانون الإسرائيلي”. أما في الضفة الغربية، فيتم الحديث عن “سيادة إسرائيلية”، وتجنب كلمة “الضم”، لما لها من دلالات سلبية، لأن من يقوم بالضم، يفعل ذلك على أرضٍ ليست له أصلًا. لذلك يتفق الجميع في “إسرائيل”، على استخدام تعبير “فرض القانون الإسرائيلي”، أو “السيادة الإسرائيلية”، وليس “الضم”. وبهذا المصطلح، تنتقل الأرض من أرض محتلة، إلى أرض تتبع لـ “إسرائيل”، ويتحول سكانها تلقائيا إلى مواطني دولة “إسرائيل”، كغيرهم في أي مكان آخر في الدولة (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    وهنا، يشير باحثو مركز دراسات الأمن القومي، إلى عدة سيناريوهات للضم، أو فرض السيادة:

    1. ضم الأراضي التي تحتلها المستوطنات، والتي تبلغ 4% من مساحة الضفة المحتلة، إضافة إلى الأراضي التي تتبع قانونيًا للمستوطنات، ومجموعها حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
    2. ضم الكتل الاستيطانية، والتي تقع أغلبيتها غرب الجدار الفاصل، وتبلغ نسبتها أيضا 10% من الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية، وهذ السيناريو يحظى بإجماع إسرائيلي.
    3. ضم غور الأردن الذي تبلغ مساحته حوالي 17% من مساحة الضفة الغربية.
    4. ضم مناطق (ج) التي تبلغ مساحتها 60% من مساحة الضفة.
    5. ضم الأراضي التي أشارت إليها خطة ترامب، والتي تبلغ نصف منطقة (ج)، أي 30% من الضفة الغربية، وتشمل: الغور 17%، والمستوطنات 3%، والأراضي التابعة لها 10%، مقابل ما سيعطى للدولة الفلسطينية، والأراضي التي ستلحق بقطاع غزة، من النقب الغربي(ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويضيف هؤلاء الباحثون، أن كل خطوة في هذا الإطار، مهما كانت تسميتها، ضم، أو فرض قانون، أو غيرها، كلها مرتبط بمخاطرة، كمواجهة الكورونا بالضبط، فلا شيء مضمون ولا مؤكد. وبينما يضحون بالاقتصاد من أجل حماية الأرواح في أزمة الكورونا، يغامر السياسيون المشاركون في الائتلاف الحكومي، بأثمان سياسية وأمنية لخطوة مثل الضم، حتى لو تم بالتوافق والتأييد من قبل ترامب. لذلك يرى هؤلاء الباحثون، أن الإغراء يكمن في استغلال فرصة الكورونا، واستغلال آخر أيام ترامب، لضم المستوطنات التي تبلغ نسبتها 4% فقط من الأرض، وذلك كبالون اختبار. فهذه الخطوة قد تمر في ظل الفرصة السانحة كما يقولون، ولكنها لن تحسن الوضع الاستراتيجي لـ “إسرائيل”، حتى لو أمكنها احتواء ردود الفعل السلبية، فلن يعترف أحد بهذه الخطوة غير الولايات المتحدة، بالضبط مثل سابقة الجولان. وعلى صعيد المستوطنين أنفسهم، فلن يأتي عليهم وضع جديد، فهم مواطنو دولة “إسرائيل” أصلًا، بل ربما تزداد التعقيدات البيروقراطية بشأن الأرض، إضافة إلى أن هذه الخطوة، ستعيق أي عودة للمفاوضات، وإذا ما تم التوصل لاتفاق يومًا ما مع الفلسطينيين، فسيكون من الصعب تطبيقه قانونيًا، وسيتطلب مثلًا استفتاءً عامًا، أو أغلبية ثلثي أعضاء الكنيست. وفي نفس الوقت، فإن هذا الضم لن يصادر حق الفلسطينيين بتقرير المصير، ولن يلغي التأييد الدولي لهم. وعليه، سيكون الضم مجرد خطوة سياسية معنوية، ضررها أكبر من نفعها. وإذا كان الهدف هو منع إخلاء مستوطنين، فإن هذا الأمر على المدى المنظور، ليس مطروحًا على جدول أعمال أحد. وهذه الآثار السلبية، ليست حصرًا على هذه المرحلة تحديدًا، وإنما في كل ظرف، وفي أي وقت. لذا، يجب أن لا يتم ربطها بالكورونا، أو استغلالها لتقليل المخاطر (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    أما ضم نصف مناطق (ج) وفقًا لخطة ترامب، فمعناه، وفقًا لباحثي المركز، إغلاق أي نافذة لتسوية مستقبلية مع الفلسطينيين، لأنه لن يتبقى أرض لإقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى أن مثل هذه الخطوة، من شأنها أن تضرب الثقة بـ “إسرائيل”، وفكرة حل الدولتين، من قبل الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، مما قد يدفع السلطة لإعادة المفاتيح، وهو ما يعني عودة المسؤولية عن الفلسطينيين إلى “إسرائيل”، وهذا مكلف أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا لها، إضافة إلى الضرر الأكبر، على أساس أنها دولة يهودية وديموقراطية. فالضم مع السكان، يعني الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة. لذا ينصح الباحثون الحكومة الجديدة، بدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، وإذا استمرت السلطة بالرفض، تلجأ “إسرائيل” لخطوات أحادية، مع تجنيد دولي، وضم تدريجي لا يتناقض مع الانفصال، ومع إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ديموغرافيًا وجغرافيًا (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويمكن تلخيص تداعيات تشكيل حكومة غانتس نتنياهو على المشهد الفلسطيني كما يلي:

    • المضي في خطة الضم في الضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني على حساب مسار التسوية السلمية، والسلطة الفلسطينية، نتيجة لزيادة قوة اليمين الإسرائيلي، الذي يتزعمه نتنياهو، وكسره لمعسكر يمين الوسط بزعامة غانتس. كما أن انضمام غانتس وعمير بيرتس لحكومة اليمين، لن يشكل أي نوع من المعادلة لحدة هذا اليمين، لأن غانتس وبيرتس، حتى لو أرادا، سيكونان ضعيفين في هذا التحالف. علما أن غانتس وافق بالفعل على الضم كبرنامج للائتلاف، وتخلى عن مطالبه بالتفاوض مع الفلسطينيين عند توقيع الاتفاق، والتي كان قد أعلنها سابقًا.
    • على الجبهة الجنوبية، يمكن توقع احتمالات تهدئة أقوى مع قطاع غزة، في ظل حكومة قوية بكامل الصلاحيات والتفويض، وفي ظل التحرر النسبي من مزايدات نفتالي بينيت، وحزبه اليميني المتشدد، الذي كان يعترض على أي تهدئة طويلة، وعلى تسهيلات حقيقية لقطاع غزة. ومن المتوقع أن تساعد هذه الحكومة على تحريك ملف الجنود المفقودين، باتجاه صفقة تبادل مع حركة حماس(العيس 2020).

    ملف الجنود المفقودين

    في أعقاب تصريح يحيى السنوار في الثاني من نيسان/ إبريل، بأن حماس جاهزة لتنازلات في ملف الجنود المفقودين، بدأت مسألة الجنود تتفاعل. وصرح نتنياهو بأن حكومته جاهزة للعمل على إعادة جثث القتلى المفقودين، وقال إن منسق الحكومة لهذا الغرض يرون بلوم، وطاقمه، بالتعاون مع مجلس الأمن القومي، والمؤسسة الأمنية، جاهزون بشكل بنّاء للمهمة. ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن صحيفة إيلاف السعودية، الصادرة في لندن، استعداد حماس للتنازل. ونقلت الصحيفة أيضا عن مصادر في حماس، أن السنوار مستعد لتقديم معلومات، مقابل تحرير كبار السن والمرضى والنساء والأطفال من الأسرى. كما كان السنوار قد قال في مقابلة مع قناة الأقصى، إنهم جاهزون لتقديم ثمن جزئي، دون أن يعطي تفاصيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر من غزة، صرحت لصحيفة العربي الجديد الصادرة بلندن، أن الإسرائيليين طلبوا من المصريين، بحث جدية تصريح السنوار، وأن الإسرائيليين يتشاورون مع المصريين بشأن قناة تفاوُض، وتقديم مبادرات تتعلق بإدخال غذاء ودواء لغزة، إضافة إلى إفراج عن أسرى، ولكن بعيدًا عن مطالب حماس، حسب قول الصحيفة. كما أكدت المصادر، أن مصر تبذل جهودًا لمنع التصعيد، ومنع وقوع جولة قتال جديدة في ظل أزمة الكورونا (برسكي 2020).

    وكانت صحيفة معاريف نشرت قبل ذلك بأسبوع، أن مصادر أمنية وسياسية، تحدثت عن آثار جائحة الكورونا على قطاع غزة، والتي من شأنها خلق فرصة لتحريك ملف الأسرى والمفقودين. ويؤكد ذلك تصريح وزير الجيش نفتالي بينيت، بأن لـ “إسرائيل”، كما لغزة، حاجات إنسانية، وربطه بين المساعدات لغزة، وبين التقدم في المفاوضات بشأن الأسرى والمفقودين. وقالت الصحيفة إنه بموازاة هذا التصريح، كانت هناك نقاشات حول المسألة داخل المؤسسة الأمنية (رم 2020).

    في 23 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها، أن أنباءً تحدثت عن مبادرة مصرية لتشجيع حماس على التفاوض، تمثلت بالإفراج عن أربعة أطباء فلسطينيين كانوا معتقلين لديها. ونقلت عن صحيفة الأخبار اللبنانية، أن احتمالات إجراء صفقة، هي احتمالات تتزايد، وأن مصر هي من تقوم بالوساطة، وأنها أفرجت عن الأطباء الأربع المعتقلين لديها منذ سنة ونصف، في هذا الإطار. وأضافت الصحيفة أن المخابرات المصرية، تقوم بدور مركزي في السنوات الأخيرة؛ للحفاظ على التهدئة بين قطاع غزة و “إسرائيل”، وأن مصر وحماس سعداء باتفاق الوحدة بين نتنياهو وغانتس؛ لأنه سيمكن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من اتخاذ خطوات مهمة، مثل صفقة تبادل. ونقلت الصحيفة عن مصادر دولية، أن حماس تريد تحرير أحد الأسرى الجنود الأحياء لديها، مقابل الأسرى الفلسطينيين كبار السن والمرضى والنساء، وأن أزمة الكورونا شكلت سُلّمًا لحماس، لتنزل عن الشجرة بشأن الشرط الذي تمسكت به لسنوات، والذي منع التقدم بأي مفاوضات، وهو شرط الإفراج المسبق عن معتقلي صفقة وفاء الأحرار، ممن أعاد الاحتلال اعتقالهم. وأكدت الصحيفة أن إعلان حماس عن استعدادها، هو مؤشر على الجدية، وأن “إسرائيل” تدرس الأمر بجدية من أجل تحقيق صفقة، وأنها أوصلت لحماس رسالة مشابهة (ليفي 2020).

    وفي 24 نيسان/ إبريل، تحدثت صحيفة معاريف، عن أن العقبة التي تقف أمام المفاوضات الآن، هي أن حماس تريد صفقة جزئية، بينما تريد “إسرائيل” صفقة شاملة. ورغم تأكيد مصادر إسرائيلية حدوث تقدم في المفوضات، إلا أن الفجوات ما زالت كبيرة (ليف رم 2020).

    وفي 30 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” على لسان قيادي في حماس، أن هناك مفاوضات جدية على صفقة تبادل أسرى، وأن مصر تقوم بالوساطة، وأن الخلاف يكمن حول إتمام الصفقة على دفعة واحدة أو دفعتين. فحماس كما يزعم، تريد إطلاق سراح دفعة من الأسرى الفلسطينيين، مقابل أحد الجنود الإسرائيليين الأحياء، ومقابل معلومات عن بقية الجنود، بينما تريد “إسرائيل” صفقة واحدة للجميع، تشمل تسليم الجميع أحياءً وأمواتًا، وتعرض تقديم مساعدات لغزة لمواجهة الكورونا، ومشاريع اقتصادية بتمويل من قطر والأمم المتحدة، مقابل دفع المفاوضات إلى الأمام. ولكن حسب قول الصحيفة، فإن القيادي أخبرهم أن المكتب السياسي لحماس، ومسؤول ملف الأسرى فيها موسى دودين، يرفضون المفاوضات طالما ترفض “إسرائيل” إطلاق سراح القائمة التي طلبتها حماس (سيريوتي 2020).

    على “إسرائيل” أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن

    تحدثت ورقة صدرت عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ونُشرت في مجلة “مبات عال” بتاريخ 22 نيسان/ إبريل، عن احتمال فوز المرشح الرئاسي الأمريكي الديموقراطي جو بايدن، الذي، ورغم حبه لـ “إسرائيل”، ودعمه لها، واعتباره لنفسه صهيونيًا، وحبه لنتنياهو الذي تربطه به علاقات شخصية منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن علاقته بـ “إسرائيل” قد تشهد توترًا حول مسألتين: الأولى هي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لذلك دعت الورقة إلى مبادرة إسرائيلية استباقية، بفتح قنوات سرية مع المقربين منه، لبناء الثقة وتنسيق المواقف. والثانية هي الاتفاق النووي الإيراني. فالمرشح بايدن يدعو للضغط على “إسرائيل” باتجاه حل الدولتين، ومن الطبيعي أن خطوات الضم التي تعتزم “إسرائيل” تنفيذها في ظل خطة ترامب، لن تكون محل ترحيب لديه، مع العلم أن الناطق باسم حملته الانتخابية، تحدث عن أن بايدن لن يعيد نقل السفارة الأمريكية من القدس، لكنه سيعيد فتح القنصلية في شرقي القدس، لتقوم بنشاطها تجاه الفلسطينيين، وسيُبقي على موقفه من اعتبار القدس الغربية عاصمة لـ “إسرائيل”، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وبالنسبة للاتفاق مع إيران، فقد أعلن بايدين نيته العودة للاتفاق، إن قبلت إيران بذلك. لذا، ترى الورقة أنه يتحتم على “إسرائيل” أن تنشط بشكل سري، لبناء علاقات ثقة مع فريق بايدين، وتحديد خطوط عريضة متفق عليها بين البلدين في القضايا الهامة، إضافة إلى ضرورة تجنب “إسرائيل” الظهور كمؤيد لخصم بايدن في المعركة الانتخابية الأمريكية (هايستاين و شابيت 2020).

    الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة الكورونا

    نشر موقع كلكاليست في 28 نيسان/ إبريل، تقريرًا تحت عنوان “إسرائيل في طريق عقد إضافي ضائع، ولكن ما زال هناك ما يمكن عمله”. جاء في التقرير أن “إسرائيل” دخلت أزمة اقتصادية بعد حرب عام 1973 استمرت عشر سنوات، وأن كبار خبراء الاقتصاد في “إسرائيل”، يحذرون من أثر مثيل للكورونا، ويطرحون مجموعة من الحلول، مثل إصلاحات عميقة لا تتم عادةً، وسيطرة على الركود، والامتناع عن عمليات إنقاذ غير ضرورية. فتداعيات أزمة الكورونا، مستمرة في جر “إسرائيل” نحو المجهول. ولكن عددًا من خبراء الاقتصاد الكلي “الماكرو” في “إسرائيل”، يحذرون من أن “إسرائيل” ذاهبة إلى أزمة كتلك التي أعقبت حرب عام 1973، والتي ستقود إلى ركود ثقيل ومستمر. فرغم اختلاف المقدمات، إلا أن الخطر مشابه، رغم أنهم يقترحون مخرجًا يمنع ذلك، مثل: إصلاحات هيكلية عميقة، والامتناع عن أخطاء اقتصادية، والتوقف عن الشعبوية التي شهدتها السنة الأخيرة (بيلوت 2020).

    ووفقًا لهؤلاء الخبراء، على حكومة نتنياهو وغانتس، أن تجري تغييرات عميقة في الجهاز الضريبي، والأجور والحوافز، مع المحافظة الحازمة على العجز الهيكلي، المتعلق بالتغيرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد في فترة محددة، وأثرت على المدخولات من الضرائب، وعليها أن تغير الخط الذي سارت عليه الحكومة السابقة، التي وزع فيها نتنياهو ووزير المالية موشيه كحلون، الأموال دون الحفاظ على إطار الميزانية، وأقروا قرارات مدمرة، مثل توزيع الأموال ورفع مخصصات خلال هذه المرحلة. ويقول هؤلاء الخبراء، إن الإصلاحات التي ستجري قريبًا، سيكون لها تأثيرات حاسمة على مستقبل “إسرائيل” الاقتصادي، لخمس أو عشر سنوات قادمة.

    يقول هؤلاء الخبراء: إذا استمر الإغلاق، فستتحول المشاكل قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد، لأن قلة الدخل تعني قلة الاستهلاك، وكثير من سلع التسلية لن تجد لها زبائن، كالسياحة والسينما والمسرح والألعاب الرياضية، وبالتدريج سيتحول المُجازون الآن إلى بطالة دائمة. يقول البروفسور آبي بن بسات، مدير عام وزارة الاقتصاد سابقًا، إنه يتوجب على الحكومة، تقديم محفزات اقتصادية تؤدي لارتفاع مصروفات الحكومة، وهذه مشكلة كبيرة، حيث إن العجز كبير جدا بسبب الكورونا، مما تسبب بتقلص المدخولات الضرائبية. وفي ظروف كهذه، يصعب تقديم محفزات مع زيادة العجز، لذا يتطلب الوضع إصلاحات تسهل تنفيذ هذه السياسة، أي محفزات للأعمال، وهي إصلاحات مطلوبة حتى قبل الكورونا، لكنها أصبحت حيوية الآن لإنقاذ الاقتصاد (بيلوت 2020).

    ويؤيد هذا الموقف يورم جباي، مدير واردات الدولة في وزارة المالية، والمحاضر لأكثر من 20 سنة في التاريخ الاقتصادي لـ “إسرائيل”، حيث يرى أنه يجب التعايش مع الكورونا، ولكن يجب فتح السوق لـ 90% من النشاطات التجارية، مع الحفاظ على وسائل الوقاية. وحتى المقاهي والمطاعم يجب أن تعمل، حتى لو كان الثمن زيادة في الإصابات، ولو أدى إلى منحنى غير مسيطَر عليه أحيانًا. فهو، أي جباي، يدعو لتقليص العجز عبر إلغاء الإعفاءات الضريبية، وتقليص الرواتب في القطاع العام، وإذا لم تفعل “إسرائيل” ذلك، فسيحدث لها كما حدث لإيطاليا واليونان، حيث مرت إيطايا بأزمة عام 2008، أدخلتها في عشر سنوات من الضياع لنفس الأسباب، حيث تضخم العجز، وزادت البطالة (بيلوت 2020).

    البروفسور مومي دهان، من كبار خبراء الاقتصاد الكلي في “إسرائيل”، يرى أن هناك تشابهًا مع فترة حرب عام 1973، يتعلق بالضغط على متخذي القرار، وقدرتهم على تحمل هذا الضغط، حيث أخطأت القيادة آنذاك، وتجاهلت الفجوة المتزايدة بين المدخولات والمصروفات، وتضخم البطالة، الذي لولا المساعدات الأمريكية عام 1985، لأدى إلى إفلاس اقتصادي. واليوم، هناك من يظن أنه قادر على تخفيف الضرر، من خلال توزيعه، وهذا ما سيمنع انتعاشًا سريعًا. ومثال ذلك، رفع مخصصات الأطفال، وهو ما فعله نتنياهو مؤخرًا، أو تقديم مساعدات سخية للقطاع الخاص. ويحذر دهان من تمويل العجز عبر طباعة أوراق نقدية، وهي خطوة أدت إلى انهيار في السبعينيات. كما يحذر دهان، وبن بسات أيضا، من تقديم مساعدة للقطاع الخاص، إلا في حالات نادرة، كشراء أسهم في هذا القطاع، فهما يحذران من تقديم مساعدة لمشاريع لم يعد لبقائها أصلًا أي مبرر، مع العلم أنه لا يمكن تحديد هذه المشاريع، لذا فالمطلوب عدم تقديم أي شيء لأي مشروع (بيلوت 2020).

    أما البروفسور عومر مؤاب، مستشار وزير المالية السابق يوفال شتاينتس، فهو متفائل، لكنه يحذر من أخطاء ترتكبها الحكومة، مثل زيادة العجز الذي يمنع الانتعاش بسرعة بعد انتهاء الأزمة، لذلك فهو يحذر من تعويضات القطاع الخاص، التي ستزيد العجز، ويدعو في المقابل، إلى إعادة فتح القطاع الخاص، وعودته للعمل بأسرع ما يمكن. ويؤكد التحذيرات البروفسور ريكاردو هاوسمان، مدير مركز التطوير الاقتصادي الدولي في جامعة هارفارد، والذي يستذكر آثار حرب عام 1973، حيث ذهب كل الرجال من القطاع الخاص إلى الجبهة، فانهار الانتاج، ثم تضاعفت نفقات الحكومة على التسليح فجأة، لتعويض النقص في المستودعات. واليوم، ما زال الوضع قبل الذروة، لكن الخطر من الركود ما زال قائمًا، والبطالة تجاوزت 25%، ومن المتوقع حدوث أعلى ركود في تاريخ الدولة، مع تراجع الناتج المحلي الخام بـ 5 – 6.3%، وعجز بين 10% و 13%، ومع زيادة الديْن إلى 70% للناتج المحلي، مقابل 61% الموجود اليوم. ويضيف دهان أن التهديد الأمني في السبعينيات، الذي زاد النفقات العسكرية، موجود اليوم أيضا، وحينها عانى العالم من أزمة طاقة. ولكن منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم، لا يعاني العالم، بل لديه فائض لـ 50 سنة قادمة. ويؤكد غباي أن هناك فروقًا كبيرة عن عقد السبعينيات، فاليوم لا توجد مواجهة مع عدد كبير من الدول العربية، ولا يوجد عجز حكومي في الإنتاج بـ 15%، ولا عجز في ميزان المدفوعات، ولا تضخم كبير، ولا مستوى عالٍ من الدين العام. فمن كل هذه النواحي، الوضع اليوم أفضل بكثير. ويضيف ارياب، أن لدى “إسرائيل” اليوم، احتياطي عملات أجنبية يبلغ 126 مليار دولار، وهي تشكل 32% من الناتج المحلي الخام، وهو ما لم يكن في عقد السبعينيات، الذي شهد فجوة هائلة بين مصروفات الدولة ومدخولاتها، بسبب الإنفاق العسكري المتصاعد، ورفض الحكومة تقليص نفقاتها المدنية، ولجوئها لطباعة عملة ساهمت بزيادة التضخم كثيرًا (بيلوت 2020).

    توصيات مركز دراسات الأمن القومي

    نظم مركز دراسات الأمن القومي، ورشتي عمل تحت عنوان “محاكاة كابينيت الكورونا”، الأولى في 23 نيسان/ إبريل، والثانية في 27 منه، حاول فيهما التعرف على استراتيجيات مواجهة الكورونا، التي من شأنها إعادة الاقتصاد والمجتمع إلى الوضع الروتيني السابق. تناولت ورشتا العمل كيفية مواجهة المخاطر بشكل منظم وتشاركي، بين الصحة والاقتصاد والمجتمع، وآلية اتخاذ القرار. وتحدثت عن سيناريوهات بداية شهر أيار/ مايو، وفي مركزها ارتفاع عدد الإصابات الصعبة، وعدد الوفيات، نتيجة التسهيلات التي أعلنت عنها الحكومة، وضعف التزام الجمهور، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول عدد فاقدي العمل المسجلين إلى 900 ألف، مع عودة 200 ألف إلى أعمالهم، و200 ألف مستقلون ليسوا عاملين، وانخفاض الانتاج بـ 70 مليار شيكل، مع زيادة عدد المحتاجين للمساعدة النفسية، إضافة إلى إطلاق صواريخ الجهاد الإسلامي، التي سبقت ورشة المحاكاة (بارون و ييدلين 2020).

    شارك في المحاكاة مجموعة من الخبراء بأدوار وزراء وقادة أجهزة مختلفة، ولعب دور رئيس الحكومة، اللواء المتقاعد عاموس ييدلين، الذي لخص توصيات (قرارات) كابينيت المحاكاة، فأوصى بإدارة عقلانية للأزمة، مثل عودة تدريجية للعمل، وبشكل مدروس وانتقائي، بحيث يميز بين المناطق حسب حجم انتشار المرض، وبين الناس حسب درجة الخطورة، ككبار السن مثلًا. وهذا يتطلب حجمًا كبيرًا للفحوصات، وشفافية مع الجمهور، ومتحدثين جيدين لمخاطبته. وكما قال ييدلين، لا حاجة لإخفاء معلومات عن الجمهور، فالكورونا لن تسمع، ولن تعرف، ولن تتخذ تدابير بناءً على المعلومات المنشورة. ومن أهم التحديات التي ناقشها كابينيت المحاكاة، إلى جانب الاقتصاد والصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، التهديدات الأمنية، مثل الصواريخ من غزة، وغيرها، حيث يمكن لأعداء “إسرائيل”، على حد وصفهم، استغلال أزمة الكورونا، لبناء قوتهم التقليدية، وغير التقليدية، وتطويرها (بارون و ييدلين 2020).

    الخاتمة

    فاز اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، في الانتخابات التي جرت مطلع آذار/ مارس 2020، لكنه لم يحسم المعركة الانتخابية لصالحه، كما كانت تتوقع عناوين الصحف في حينه، إلا أنه في شهر نيسان/ إبريل، حسم المعركة باستسلام الخصم، وتفكك تحالفه، وانضمامه لحكومته وفق برنامجها السياسي، مقابل مغريات من المناصب والكراسي. وكان الموضوع الفلسطيني هو الأهم في برنامج الحكومة الجديدة، حيث اتفق المتعاقدون على خطوات في هذا الاتجاه، بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، ومن ثم يتم عرضها على الحكومة، وربما على الكنيست، الأمر الذي استدعى النخب والخبراء، من أمثال مركز دراسات الأمن القومي، لمناقشة الخيارات المتاحة أمام الحكومة، وتداعيات كل خيار، مع ضرورة التنسيق التام مع الأمريكان، والتفاوض مع السلطة الفلسطينية.

    كما شكل الاتفاق على تشكيل الحكومة، نقطة تحول بشأن العلاقة مع غزة، لا سيما التهدئة الطويلة، وملف التبادل. فقد كان غياب حكومة منتخبة وكاملة الصلاحيات، عائقا أمام تطور الموقف مع غزة، إيجابًا أو سلبًا، وساهم بشكل كبير في استمرار حالة اللا هدوء واللا حرب، وجولات التصعيد المتقطعة، والجمود الكامل في ملف التبادل. أما بعد تشكيل حكومة قوية، تستند إلى أغلبية برلمانية مريحة، فيمكن الحديث عن قرارات حاسمة ومصيرية، يمكن اتخاذها، لا سيما بشأن عملية التبادل.

    وفي ظل الكورونا، يتطلب الأمر الاستعداد لسيناريوهات ذهاب ترامب ومجيء بايدن للحكم، إضافة إلى مناقشة الوضع الاقتصادي الآن وبعد الأزمة، حيث حذر الخبراء من ركود وعجز عميقيْن، ودعوا إلى خروج عاقل من الأزمة، بإعادة نشاط الاقتصاد تدريجيا، مع الأخذ بكثير من الأسباب، لتقليص الأضرار بسبب العمل في ظل الكورونا.

    المراجع

    1. i24NEWS. لجنة حزب العمل توافق على انضمام الحزب لحكومة الوحدة برئاسة نتنياهو. 26 4, 2020. https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east/1587917867-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%.
    2. ادريان بيلوت. إسرائيل في طريقها إلى إضافي ضائع، لكن ما زال هناك ما يمكن عمله (يسرئيل بدرخ لعسور أبود نوساف،ابال عداين يش ما لعسوت). 28 4, 2020. https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3812550,00.html.
    3. آري هايستاين، و الداد شابيت. على إسرائيل أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن (يسرئيل حييفت لهيعرخ لافشروت شبايدي اكهين كنسي). 22 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/joe-biden-israel-relationship/.
    4. الجزيرة. تقديرات.. كورونا يكبد إسرائيل خسائر بـ13 مليار دولار. 17 3, 2020. https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2020/3/17/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%83.
    5. اليئور ليفي. أنباء:بادرة مصرية لتشجيع صفقة تبادل مع حماس (ديفوح: محفاه متسريت لكيدوم عسكات شبوييم عم حماس ). 23 4, 2020. https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5719528,00.html.
    6. امنون ابرموفيتش. هكذا فخخ نتنياهو غانتس واشكنازي (كاخ ميلكيد نتنياهو ات غانتس واشكنازي. 26 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-columns/2020_q2/Article-09ecb3d94b5b171026.htm.
    7. انارايبا برسكي. נתניהו: “ערוכים לפעול במטרה להשיב את החללים והנעדרים“. 7 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-758852.
    8. اودي ديكل، ليا موران جلعاد، و عنات كورتس. ضم برعاية الكورونا (سيفوح سوت هكورونا). 26 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/the-coronavirus-and-the-annexation/.
    9. ايتان بارون، و عاموس ييدلين. محاكاة “كبينيت الكورونا”2#-مفاهيم أساسية (سيمولاتسيت “كبينيت هكورونا”2#-توبنوت عكريوت). 27 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/corona-cabinet-2/.
    10. ايسر العيس. عريقات: ائتلاف “نتنياهو-غانتس” يهدد أمن وسلام الشرق الأوسط. 21 4, 2020. https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%A6%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D9%8A%D.
    11. تال ليف رم. مسؤولون بإسرائيل:تقدم بالمفاوضات على صفقة أسرى ومفقودين (بخيريم بيسرئيل: هتكدموت بمجعيم لعسكات شبوييم ونعدريم ). 24 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-761739.
    12. —. مصادر تزعم :”الكورونا خلقت فرصة للتقدم في جزئية الأسرى والمفقودين ” (جورميم طوعنيم:”هكورونا يتسرا هزدمنوت لهتكدم بسوغيات هشبوييم فهنعدريم “). 3 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-758027.
    13. دانييل سيريوتي. قيادي في حماس يؤكد :”مفاوضات جدية لصفقة تبادل أسرى ” (بخير بحماس مأشر:”مغعيم مشمعوتييم لعسكات حيلوفي شبوييم”). 30 4, 2020. https://www.israelhayom.co.il/article/756365?utm_source=General&utm_medium=share&utm_campaign=IHNewApp.
    14. عرب 48. نتنياهو وغانتس يوقّعان على اتفاق تشكيل الحكومة. 20 4, 2020. https://www.arab48.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%84%D8%A9/2020/04/20/%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%.
    15. عميت سيجال، و دفنا ليال. حكومة إسرائيل ال 35: الاتفاق الكامل بين نتنياهو وغانتس (ممشلات يسرئيل ه 35:ههسكيم هملي بين نتنياهو لغانتس). 20 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-politics/2020_q2/Article-71b065d6e889171026.htm.
    16. كلكاليست. 2020. https://www.calcalist.co.il/markets/articles/0,7340,L-3806531,00.html.
    17. محمد محسن وتد. بالتناوب بين نتنياهو وغانتس.. كورونا يعجل بتشكيل حكومة وحدة بإسرائيل. 20 4, 2020. https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/4/20/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%A8-%.
    18. ناصر ناصر. تقدير موقف..حكومة نتنياهو غانتس ماذا تعني؟ 28 3, 2020. https://www.palinfo.com/articles/2020/3/28/%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b3-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%86%d9%8a%d.
    19. —. غزة في حكومة الضم. 28 4, 2020. http://hadarat.net/public/post/1479#.XqlCWeE-PGs.whatsapp.
  • تقدير موقف حول الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (أيّار 2020)

    إعداد: بشار سلوت، إحسان عادل                                                      

    خلفية

    في يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت منظمة الصحة العالمية نداء إلى جميع دول العالم بأن تكون جميعها على أهبة الاستعداد للوقاية من خطر الانتشار الدولي لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وعلى ضوء ذلك وفي ظل ظهور بعض حالات الإصابة بالمرض في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية في أوائل مارس 2020؛ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا (رقم (1) لسنة 2020 بتاريخ 5/3/2020) بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما في جميع الأراضي الفلسطينية، في إطار المساعي لاحتواء خطر تفشي الفايروس في الأراضي الفلسطينية.

    بعد مضي مدة الشهر المعلنة بمرسوم اعلان حالة الطوارئ، وعلى ضوء توصيات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بضرورة تمديد إعلان حالة الطوارئ لاستمرار الجهود المبذولة في سبيل الوقاية والتعامل مع انتشار الفيروس، أصدر الرئيس عباس بتاريخ 5/4/2020 مرسومًا جديدًا يقضي بتمديد حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. والتي انتهى العمل بها يوم 5/5/2020.

    ومع انقضاء المدة السابقة لإعلان حالة الطوارئ والتمديد الأول لها، أصدر الرئيس صباح يوم الثلاثاء الموافق 5/5/2020، مرسومًا جديدًا يقضي بإعلان حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. وقد أثار هذا المرسوم الأخير عاصفة من التساؤلات حول مدى دستوريته والأساس القانوني له، وذلك في ظل أن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، والذي يمثل دستور فلسطين، قد نص على إمكانية إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما بمرسوم رئاسي، ويجوز تمديدها ثلاثين يوما أخرى بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (وهو ما لم يحصل في حينه لتعطل المجلس التشريعي)، وهي المدد التي تم استيفاؤها في كل الأحوال في المرسوم الأول ثم الثاني للرئيس.

    هناك تباين في الآراء حول إعلان حالة الطوارئ الأخير ما بين مؤيد ومعارض، ولا سيما أن نظرة أولية على القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 (الدستور)، تظهر عدم تنظيمه لأحكام إعلان حالة الطوارئ من جديد بعد مضي مدة ال30 يوما لمرتين، ما ترك المجال لما قد يبدو تعددا في الآراء، وهو ما سنناقشه في هذه الورقة، لتبين مدى دستورية أو عدم دستورية الإعلان المذكور.

    الإطار القانوني لحالة الطوارئ في فلسطين

    تعتبر حالة الطوارئ حالة استثنائية مقيدة دستوريًا وقانونيًا، يتم بموجبها منح السلطات التنفيذية أو المختصة- وفقا لأحكام القانون الداخلي لكل دولة- صلاحيات غير مختصة بها أصلاً؛ لمواجهة ظرف استثنائي[1]. وقد قيّد القانون الدولي، فضلا عن القوانين الداخلية للدول، الحالات والإجراءات التي يمكن فيها إعلان حالة الطوارئ، لحساسيتها ولأنها تنطوي غالباً على تقييد لعدد من حقوق الإنسان وحرياته، ولأنها تطلق يد السلطات التنفيذية -نسبيا- في ممارسة صلاحيات ليست من ضمن صلاحياتها في الظروف العادية.

    فلسطينيا، نظم القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003 الأحكام الخاصة بإعلان حالة الطوارئ في المواد (110 – 114) منه. حيث نصت المادة (110) على أنه:

    “1- عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً. 2- يجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه. 3- يجب أن ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوضوح على الهدف والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية.  4- يحق للمجلس التشريعي أن يراجع الإجراءات والتدابير كلها أو بعضها التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ وذلك لدى أول اجتماع عند المجلس عقب إعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد أيهما أسبق وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.”

    وكما نرى، حددت المادة السابقة الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ والشروط القانونية اللازمة لإعمالها، والتي لا يجوز الخروج عنها، أو مخالفتها. فيما فرضت المواد 111-113 نطاقا للقيود التي يمكن أن تحصل على الحقوق والحريات، بحيث أنه لا يمكن فرضها إلا بالقدر الضروري ولتحقيق الأهداف المعلنة في مرسوم حالة الطوارئ، كما حددت الضوابط التي يجب مراعتها عند إجراء أي اعتقال أثناء حالة الطوارئ، حيث اشترطت مراجعة ذلك من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة، بالإضافة لمنح الموقوف الحق بتوكيل محاميًا يختاره. إضافة إلى أنها حظرت حل المجلس التشريعي أو تعطيله طوال مدة الطوارئ.

    الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين  (5 أيار 2020): جدل وآراء قانونية متباينة

    أدى تزايد اعداد الإصابات بفيروس كورونا في فلسطين إلى رفع شتية، رئيس الحكومة الفلسطينية، توصية جديدة للرئيس عباس، تقضي بتجديد حالة الطوارئ لمدة شهر، لاستكمال مواجهة خطر تفشي الفيروس في فلسطين. وعلى ضوء ذلك، أصدر الرئيس عباس يوم 5/5/2020 مرسومًا جديدًا بإعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاثين يومًا أخرى، وذلك لمواجهة استمرار تفشي فيروس “كورونا”.

    وقد سبق هذا الإعلان ورافقه تباين في الآراء وجدل مدني وقانوني واسع حول مدى قانونية ودستورية الخطوة والحاجة الضرورية إليها. حيث رأى البعض أن مرسوم تمديد حالة الطوارئ للمرة الثانية قانوني ولا يتعارض مع أحكام الطوارئ في القانون الأساسي، وحجتهم في ذلك أن هناك ثغرة في القانون الأساسي، والذي لم ينص على أحكام تمديد حالة الطوارئ لمرة ثانية، ولم يمنع إعلان طوارئ جديد بعد انتهاء إعلان حالة الطوارئ والتمديد لها لمرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي لم يحدد مدة يُحظر فيها إعلان الطوارئ من جديد بعد انتهاء إعلان الطوارئ الأول والتمديد التابع له. وتستند هذه الحجة، إلى جانب السند القانوني سابق الذكر، إلى أن تغليب المصلحة العامة فوق أي اعتبار آخر.

    وكان هذا الرأي هو الذي تبناه الموقف الرسمي الفلسطيني، وذلك من خلال ما ورد عن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية “نبيل أبو ردينة”، حيث قال في تصريح مقتضب على إعلان المرسوم “إنه كان لا بد من هذا المرسوم لأن هذه الطريقة القانونية لهذا الإجراء”. بالإضافة إلى تصريح وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، إبان تعليقه على مرسوم تمديد حالة الطوارئ في المرة الأولى، حيث قال إنه يجوز تمديد حالة الطوارئ كلما اقتضت المصلحة الوطنية العليا ذلك.

    في المقابل، عارض كثيرون، ومنهم أساتذة أكاديميون في القانون الدستوري ومؤسسات حقوقية إعلان حالة الطوارئ الجديد، مستندين في ذلك على مخالفته للقانون الأساسي الفلسطيني، والذي يخلو من منح الصلاحية للرئيس بتمديد حالة الطوارئ أصلا، حيث أن نص المادة (110) من القانون الأساسي، سابقة الذكر، منح للمجلس التشريعي -حصرًا- تمديد إعلان حالة الطوارئ، وبموافقة أغلبية ثلثي أعضائه، ولم يمنح أي صلاحية للرئيس تمنحه الحق في تمديد حالة الطوارئ.

    وفي ذات السياق، بحسب ما يقوله الخبراء، ومنهم رشاد التوام، وعاصم خليل، أستاذا القانون العام بجامعة       بيرزيت-، فإنه لا يمكن أن يكون هناك بديل مشروع عن موافقة المجلس التشريعي لغايات اعتبار التمديد دستوريًا. ويرى الخبيران التوام وخليل، في دراسة نشرت لهما، أنه من المؤكد ضرورة إقدام السلطات الرسمية الفلسطينية على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة الأزمة الاستثنائية القائمة بما يحافظ على الصحة والمصلحة العامتين، ولكن دون التغول على الحقوق والحريات أو تقييدها إلا بالقدر الضيق الكافي لمواجهة الأزمة، وفقًا “لمبدأ التناسبية”، وعلى أن تكون تلك القيود معلنة ومحددة بموجب نص تشريعي، مع ضمان مراجعة برلمانية وقضائية لجميع الإجراءات التي تتخذ خلال الأزمة.[2]

    ويرى الخبير الحقوقي “عصام عابدين”، منسق المناصرة في مؤسسة الحق برام الله، والحاصلة على الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، أن إعلان الطوارئ بسبب انتشار فيروس كورونا غير دستوري، حيث أن ذلك -ودون التقليل من خطر انتشار الفيروس- لا يندرج ضمن الحالات الدستورية الحصرية الأربع التي تجيز إعلان الطوارئ، وهو ما يجعل هذا الإعلان يمثل انتهاكًا للقانون الأساسي.

    وفي سياق متصل، ينتقد عابدين القرار بقانون رقم (7) لسنة 2020 بشأن حالة الطوارئ، والذي كان أصدره الرئيس عباس يوم 22/3/2020، حيث يشير إلى أن نص المادة (1) منه تنص على أنه “عند إعلان حالة الطوارئ بمرسوم رئاسي وفقا للقانون الأساسي، يتولى رئيس الدولة أو من يخوله صلاحيات إنفاذ احكام ذلك المرسوم، والقرارات، والتعليمات المنبثقة عنه”، حيث أن ذلك يتجاوز -وعلى نحو مفتوح- الصلاحيات الدستورية الحصرية للرئيس الفلسطيني والمحددة في القانون الأساسي.

    قراءتنا لمدى دستورية الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (5 أيار 2020)

    إن مرد الأمور حين الاختلاف إلى النص متى وجِد، حيث لا اختلاف في مورد النص. وهكذا، نجد أن نص المادة 110/الفقرة الثانية كان واضحاً، كما تبين في آراء الخبراء أعلاه، في منح صلاحية التمديد لحالة الطوارئ للمجلس التشريعي، بل إن تشدد بأن جعل ذلك مقترنا بشرط آخر وهو موافقة ثلثي أعضاء المجلس.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن نص القانون الأساسي على التمديد لمرة واحدة، لا يعني وجود ثغرة بخصوص التمديد لمرة ثانية أو الإعلان من جديد كما يقول البعض، وإنما يعني أن إرادة المشرّع الدستوري قد انصرفت إلى عدم جواز التجديد أكثر من مرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي، ولحساسية حالة الطوارئ كما أسلفنا وتأثيرها على الحريات العامة وحقوق الإنسان، لم يسمح بأن تبقى الأراضي الفلسطينية تحت نطاق حالة الطوارئ أكثر من 60 يوما، وهي ال30 يوماً بإعلان الرئيس، ثم 30 يوما أخرى بتمديد من المجلس التشريعي، وبهما معاً تنتهي الفرصة الممنوحة لإعلان الطوارئ بموجب القانون الأساسي.

    وهكذا، يبدو إعلان حالة الطوارئ على أساس فكرة (قطع المدة)، أي انتهاء حالة الطوارئ والتمديد الخاص بها ثم الإعلان عن حالة طوارئ من جديد، تحايلاً على القانون الأساسي وعلى إرادة المشرع الدستوري، بل اعتبره البعض أكتر خطورة ومراوغة على القانون الأساسي؛ فمن جانب هو لا يخالف القانون الأساسي -شكليًا-؛ لكنه يخالف جوهر التقييد الوارد في القانون الأساسي، ويحتال بالالتفاف عليه، كما أنه خطير في الواقع إذا جرى استخدامه في غير أغراض المصلحة العامة وبشكل يمس بالحقوق والحريات[3].

    ومن جانب آخر، يفرض القانون الدولي على فلسطين -وعبر انضمامها لمجموعة واسعة من الاتفاقيات- تنفيذ العديد من الالتزامات حتى في وقت الطوارئ، حيث أوجبت المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن تكون حالة الطوارئ حالة استثنائية وفي أضيق نطاق، ويجب أن تكون تدابير عدم التقيد بأحكام حقوق الإنسان التي ينص عليها العهد ذات طابع استثنائي ومؤقت. وبموجب العهد، ينبغي لإعلان حالة الطوارئ توافر شرطين جوهريين، هما: أن يكون الوضع بمثابة حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة، وأن تكون الدولة الطرف قد أعلنت رسميًا حالة الطوارئ. ويجب على دولة فلسطين أن تعلم الدول الأطراف الأخرى في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بإعلانها حالة الطوارئ، وبشكل فوري، وذلك عن طريق إرسال إشعار إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وينبغي أن يتضمن هذا الإشعار الحقوق التي لم تتقيد بها في العهد والأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تنهي فيه حالة الطوارئ، إعلام الدول بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.

    وبموجب التعليق العام رقم 29 للجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 4 سابقة الذكر، فإنه

    “يتعين على الدول عند إعلانها حالة طوارئ تترتب عليها آثار يمكن أن تستتبع عدم التقيد باي حكم من أحكام العهد، أن تتصرف في حدود أحكام قانونها الدستوري…”

    وهكذا، يبدو واضحا أن اللجنة أخذت بعين الاعتبار أن السلطات تلجأ عادة في ظروف الطوارئ إلى تجاوز الدستور مبررة ذلك بمواجهة الكارثة وعدم التشدد في القوانين وذلك من أجل حماية المجتمع. لكن اللجنة شددت على أن لا تتجاوز الدولة دستورها، والذي يُفترض أنه ينظم حالة الطوارئ ويتعامل معها، فلا مبرر إذن لتجاوزه وانتهاكه. واستناداً إلى ذلك، لا يمكن القبول بحجة المحافظة على الصحة العامة من أجل تبرير انتهاك القانون الأساسي الفلسطيني، لا سيما أن القوانين الأخرى السائدة في فلسطين كافية للتعامل مع الأزمة، بما في ذلك فرض تدابير لتقييد التنقل وفرض التباعد الاجتماعي، وهو الأمر الذي رمت إليه اللجنة في تعليقها ذاته على المادة 4 بقولها إنه “لا يمكن وصف كل اضطراب أو كارثة بأنها حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة”.

    وفضلا عن ذلك، أضافت اللجنة بأن “استعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن في ظله مرة أخرى ضمان الاحترام الكامل للعهد يجب أن يكون هو الهدف الرئيسي للدولة الطرف“. وإذا كانت هذه توصية اللجنة المعنية بحقوق الإنسان حتى في حالة كان القانون الأساسي يسمح بتجديد حالة الطوارئ، يغدو من الأولى الأخذ بها في ظل أن التمديد أو الإعلان الجديد لحالة الطوارئ سوف يمثل انتهاكا للقانون الأساسي.

    البدائل المطروحة

    هناك العديد من البدائل التي كان بالإمكان اللجوء إليها بدل تجديد العمل بحالة الطوارئ، وعلى رأسها الاستناد إلى التشريعات الفلسطينية العادية (القوانين السارية). وفي هذا الإطار، يبرز قانونان هما:

    قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004[4]، والذي نصت المادة رقم (14) منه على أنه: “بقرار من الوزير، للوزارة فرض الحجر الصحي في فلسطين لمنع انتقال الأمراض الوبائية منها وإليها”. كما منحَ القانون الوزارة في المادة رقم (9) منه صلاحية مكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية والوراثية بالوسائل كافة، وبالتنسيق مع الجهات المختصة.

    قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998[5]، والذي نص في المواد (1، 26) منه “إمكانية اتخاد إجراءات موسعة للتعامل مع الأزمات، خاصة في حالات الطوارئ”.

    وبالتالي، تشكل هذه التشريعات العادية مسارا قانونيا يكفي لمواجهة الجائحة بما يجعل هذا البديل هو الأقوى دون المسً بالقانون الأساسي ومكانته.

    ويرى البعض أيضاً أن الرئيس كان بإمكانه -إن كان ولا بد من استمرار إعلان الطوارئ- إصدار “قرار بقانون” عوضاً عن المرسوم، فعلى الرغم من اشتراط المادة (110) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 أن يجري إعلان حالة الطوارئ عبر مرسوم، إلا أن المادة (43) من القانون الأساسي منحت رئيس السلطة الوطنية حق إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير وفي غير انعقاد أدوار المجلس التشريعي. وبما أن حالة الضرورة تنطبق على تفشي فيروس كورونا، وكذلك شرط غياب المجلس التشريعي متحقق في السياق السياسي الراهن، وبالرغم من أن المراسيم الرئاسية تقع في مرتبة التشريع الفرعي – الثانوي في هرمية التشريعات، بحيث لا يصل إلى قوة التشريع العادي الصادر عن المجلس التشريعي، إلا أن إصدار قرار بقانون يتضمن شروط حالة الطوارئ ستشكل فرص استخدامه ضررا أقل من إصدار مرسوم آخر بالتمديد.

    خاتمة

    يتضح مما سبق، أن الإعلان الجديد لحالة الطوارئ والصادر في 5 أيار 2020، وإن كان لضرورة المحافظة على المصلحة العامة، إلا أنه غير دستوري، ولا يوجد أساس قانوني له، حسب ما يظهر باستجلاء أحكام الطوارئ في القانون الأساسي الفلسطيني، سيما وأن القانون الأساسي منح الرئيس الأحقية بإعلان حالة الطوارئ وفق أحكام الباب السابع منه مرة واحدة فقط، وبذلك يخالف هذا الإعلان إرادة المشرع الدستوري، وكان الأجدر احترام تلك الإرادة التي تتغلب على أي اعتبار، وإعمالاً للقاعدة التي تقول بأن لا اجتهاد مع مورد نص.

    يستدعي مواجهة خطر تفشي الفايروس التعامل بموجب القوانين المحلية، كونها كافية لاتخاذ إجراءات طارئة لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وحث الرئيس لإنهاء حالة الطوارئ المعلنة احتراماً لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينبغي أن يبقى مصانا وألا يتم المساس به أو تمرير أو تبرير انتهاكه تحت أي ظرف من الظروف، سيما وأن البدائل القانونية متوفرة، وبما يكفي ويغني عن وضع الحق في الصحة في مفاضلة أمام سمو القانون الأساسي.

    ويجدر التنويه، ختاماً، إلى أن هذا الجدال كله ينبغي أن يدفعنا إلى التفكير بخطيئة تعطيل عمل المجلس التشريعي وعدم إجراء انتخابات لانتخاب أعضاء مجلس تشريعي جديد. وطالما بقي الانقسام الفلسطيني قائما، والاعتبارات السياسية تغلب الاعتبارات القانونية، سيبقى المشهد السياسي والقانوني الفلسطيني في دوامة منحدرة من التخبط وعدم الاستقرار، ما يبعدنا عن مشروع دولة القانون والسيادة واحترام حقوق الإنسان.

    [1] نورا بدير، عاصم خليل، حالة الطوارئ، سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية (5/2018)، وحدة القانون الدستوري، كلية الحقوق والإدارة العامة، جامعة بير زيت،2018.

    [2] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية، فئة أوراق سياساتية، (2/2020).

    [3] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها، مرجع سبق ذكره.

    [4] قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004، الوقائع الفلسطينية، العدد (54)، 2004.

    [5] قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998، الوقائع الفلسطينية، العدد (24)، 1998.

  • قراءة في تداعيات الأزمة الأمريكية الإيرانية على الوضع الفلسطيني

    تقديم

    شكًل اغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، حيزًا لتفاعلاتٍ واسعة في المنطقة، حيث بدت عملية الاغتيال كنقطة تحول، أو عتبة فارقة، فيما يتعلق بالعديد من مسارات الصراع، والأطراف المنخرطة فيه، بما فيها الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وذلك بشكل ربما فاق التأثيرات المباشرة للأزمة على طرفيها المباشرين، الولايات المتحدة وإيران.

    ومما يسهم في دعم قراءة التفاعلات الناجمة عن هذه العملية بهذا الاتجاه، إرهاصات عملية الاغتيال، والتداخل المباشر لدولة الاحتلال في هذه الأزمة، وتداخل مختلف المسارات والملفات في هذه المنطقة. فإعلان الجيش الأمريكي مسؤوليته عن تنفيذ الاغتيال في بيان رسمي[1]، وما قابله من مواقف صدرت عن الجهات المسؤولة في إيران، والقوى المتحالفة معها [2]، تؤكد التفاعلات المحتملة في المنطقة.

    وهذا أيضا ما عبرت عنه تصريحات المسؤولين الأمريكيين إثر عملية الاغتيال. ولعل أبرزها تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مايك إسبر، بحديثه عن قواعد جديدة للصراع، وقوله إن “قواعد اللعبة تغيرت. نحن على أتم الاستعداد لفعل ما هو ضروري للدفاع عن عناصرنا، ومصالحنا، وشركائنا في المنطقة”.

    الموقف الإيراني أيضا، أعطى الحدث بُعدًا استراتيجيًا، وذلك بتبني المسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم، لهدف إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كعنوان للمرحلة الجديدة[3]، إلى جانب تأكيدهم، وعلى لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، على ضرورة حدوث رد إيراني مباشر، وبأيدٍ إيرانية، الأمر الذي يعني بوضوح، تجاوز ضوابط الاشتباك غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران.

    محدودية الرد الإيراني المباشر[4]، الذي اقتصر على تنفيذ هجمات بالصواريخ البالستية متوسطة المدى، على المقرات الأمريكية في قاعدة عين الأسد العسكرية في العراق، وامتناع الولايات المتحدة عن التصعيد، سمح للطرفين بتفادي الدخول في مواجهة عسكرية واسعة النطاق حاليا، ويبقى الباب مفتوحا لزيادة التصعيد وزيادة التأزم بين إيران والولايات المتحدة، وانعكاس ذلك على المشهد الفلسطيني.

    عوامل تأثير الأزمة في الوضع الفلسطيني

    يعتبر سليماني، كقائد لقوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، عنوانًا مركزيًا لسياسة إيران تجاه الملف الفلسطيني. وكان للرجل دور أساس في خلق نقلة نوعية في تطوير العلاقة مع قوى المقاومة، التي تنسب له أدوارًا هامة في دعمها، وتطوير قدراتها.[5]

    هذه الأدوار وضعته في موضع اتهام من قبل “إسرائيل”، وجهات غربية عدة، أبرزها الولايات المتحدة، التي اعتبرته مصدر تهديدٍ لمصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة. وقد كان أبرزها الاتهام الإسرائيلي له بالمسؤولية المباشرة عن تدريب خلية خططت لهجوم على “إسرائيل” بالطائرات المسيرة، وتوجيهها وقيادتها انطلاقا من سوريا في آب/ أغسطس الماضي[6]، وهو ما يعني مزيدًا من التماس بين الرجل وحدود الأمن الإسرائيلي، ومزيدًا من التواصل مع الساحة الفلسطينية، ودعم فصائل المقاومة فيها، وإمدادها العسكري، الحيوي بالنسبة لوجودها، وقدرتها على الاستمرار.

    شكّل اغتيال سليماني نقلة نوعية في سياق الصراع بين القوى المعادية لإسرائيل في فلسطين والمنطقة، وبين “إسرائيل” وحلفائها. فقد تمت عملية اغتيال سليماني بذات التقنية والأسلوب المتبع من قبل “إسرائيل”، على مدار العقدين الأخيرين في فلسطين ولبنان. كما أن الاغتيال شكل ضربة مباشرة لجملة القوى المعادية لـ “إسرائيل” إقليميًا، إلا أن الأخيرة لم تكن ملزمة بدفع الثمن، وما كان عليها إلا أن تعبر عن سعادتها، والتأكيد على كون العملية أمريكية خالصة.

    لا يخفى أن المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، تبلور لديها تصور أمني استراتيجي، يرتكز على وجود درجة عالية من الصلة والتداخل بين ساحات المواجهة، بما يتجاوز حدود فلسطين المحتلة ودول الطوق. يبرز هذا التوجه من خلال توسع  الحيز العملياتي لنشاطها العسكري في المنطقة، بما يجعلها ترى في عملها ضد إيران، أو الحشد الشعبي العراقي، جزءًا من مساعيها لقطع خطوط الإمداد عن فصائل المقاومة الفلسطينية، وحزب الله اللبناني.

    وفي إطار سعيها لتسويق هذا التداخل في ميدان العمليات، وتأكيد المصالح بينها وبين الولايات المتحدة، وحلفائها العرب في المنطقة، لم تدَّخر “إسرائيل”جهدًا في الإعلان عن المواجهة مع إيران، والقوى المتحالفة معها، وذلك على غرار إعلانها عن إفشالها لعملية قادها سليماني بشكل مباشر، وإعلانها عن غاراتها على أهداف تابعة للحشد الشعبي العراقي في تشرين أول/ أكتوبر 2019، أو في منطقة البوكمال[7]. يأتي هذا الفعل الميداني إلى جانب رسائل واضحة، سعت “إسرائيل” من خلالها لتثبيت سردية جديدة، وذلك عبر تصريحات رئيس أركان جيشها، التي أعلن فيها عن توقع مواجهة قريبة مع إيران، وأكد على نية جيشه العمل ضد عمليات نقل السلاح الإيراني إلى العراق، معتبرًا ذلك تهديدًا للأمن الإسرائيلي.[8]

    ولأسباب قد يطول سردها، لا يمكن اعتبار القرار الأمريكي بتنفيذ الاغتيال، انصياعًا لرغبة ومصلحة إسرائيلية، لكنه يأتي مكملًا للهجمات الإسرائيلية، حيث استهدفت “إسرائيل” الحشد الشعبي العراقي أولًا، ثم تبعتها الغارات الأمريكية على مواقع الحشد الشعبي. ولكن بخلاف الغارات الإسرائيلية التي مرت دون رد،  فتحت الغارة الأمريكية الباب لرد عراقي، تمثل في محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد، وتهديد فصائل الحشد بإخراج القوات الأمريكية من العراق، حتى وصلت ذروة الأزمة إلى اغتيال سليماني.

    تمارس كل من الولايات المتحدة وإيران، سياساتٍ نشطة تجاه الملف الفلسطيني، لا تقتصر على دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، وسياساتها ضد الفلسطينيين، ولا على الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية، فكل من الطرفين ذو صلة بالاصطفافات الفلسطينية منذ انطلاق عملية التسوية في مؤتمر مدريد عام 1991، حيث إن الولايات المتحدة هي راعي عملية التسوية، فيما تمثل إيران واحدة من أشد دول الإقليم معارضة لهذا الخيار، لا سيما في الفترة اللاحقة لاتفاق أوسلو، وتوافقت، هي والعديد من حلفائها، مع القوى والفصائل الفلسطينية المعارضة لهذا الخيار.

    بعد قيام الولايات المتحدة، وبشكل وثيق، بعملية إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهندسة عقيدتها وفقا لمتطلبات التنسيق الأمني مع الاحتلال، خاصة بعد مؤتمر أنابوليس عام 2007 [9]، جعل منها طرفًا في كل حدث فلسطيني، ومنحها بشكل مباشر، ومن خلال جنرالاتها المنتدبين، مهمة الإشراف على التنسيق الأمني بين الطرفين. وفي المقابل، كانت إيران، حسب الفصائل الفلسطينية، حاضرة في تعزيز الخيار المضاد للسياسات الأمريكية بشأن الفلسطينيين.

    وهنا يمكن الإشارة أيضا، إلى اتهام إيران من قبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح، بمسؤوليتها عن عرقلة اتفاقيات التسوية، ودورها في استمرار الانقسام الفلسطيني، وهي اتهامات تزايدت منذ دعم إيران للحكومة التي شكلتها حركة حماس عام 2006، مقابل عمل الإدارة الأمريكية، والرباعية الدولية، على عزلها ومقاطعتها.[10]

    إقليميًا، شكلت الثورة الإيرانية منذ قيامها، هاجسًا كبيرًا للأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة، التي لم تألُ جهدًا في تضخيم هذا الهاجس. وبدا هذا واضحًا في اعتبار تعامل أي طرف، أو مجموعة عربية، مع إيران، كاختراق للمجال العربي والنفوذ الأمريكي، أو كطابور خامس. وبالطبع، تشمل هذه النظرة، علاقة فصائل المقاومة الفلسطينية مع إيران، وكثيرا ما ضغطت هذه الدول على فصائل المقاومة، بهدف دفعها لقطع هذه العلاقة.[11]

    اتسعت دائرة العداء لإيران، فما كان يقتصر غالبا على النظم العربية ونخبها، تحول ليشمل قطاعًا واسعًا من الجمهور العربي. فمنذ بدايات الربيع العربي، وتحديدًا بعد اندلاع الثورة السورية، وتدخّل إيران عسكريا في سوريا بشكل مباشر، ومن خلال حلفائها، وأبرزهم حزب الله اللبناني، تأثرت العلاقة بين حركة حماس من جهة، وإيران من جهة ثانية، وذلك بفعل الخلاف حول الأزمة السورية، وخروج حركة حماس من سوريا.

    من الطبيعي أن تكون هذه التعقيدات المرتبطة بالموقف العربي من إيران، حاضرة في الأزمة الحالية، وأن تزيد التعقيدات أمام فصائل المقاومة الفلسطينية، فيما يخص علاقتها مع إيران، وما يمليه التقاطع معها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

    الأزمة كمدخل لاستعادة الاصطفافات

    شكلت عملية الاغتيال والتفاعلات التالية لها، بيئة مناسبة لتظهير مجموعة من المواقف، والإزاحات في المواقف والتحالفات السياسية، أنضجتها عوامل وتراكمات سابقة على الأزمة. كما أفصحت عملية الاغتيال عن درجة كبيرة من التداخل بين ملفات المنطقة، ومواقف الأطراف المختلفة فيها، وفي مقدمتها الموقف من الوجود الأمريكي في المنطقة، الذي يسعى إلى أهداف عديدة، منها دعم دولة الاحتلال، والشراكة معها. لقد جاء موقف فصائل المقاومة الفلسطينية، المتضامن مع إيران ضد عملية الاغتيال، وكذلك إعلان إيران نيتها العمل على إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كتظهير للضرورات والدوافع الذاتية، المحفزة لكل من هذه الأطراف، على العمل المشترك في مواجهة التحالف الإسرائيلي الأمريكي. ورغم أن العلاقة لم تنقطع بين إيران وفصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، حتى في ذروة الأزمة السورية، والخلاف حول الموقف منها، فقد شهدت هذه العلاقة تطورًا مضطردًا خلال الأعوام الأخيرة، باتجاه استعادة هذه العلاقة لعافيتها. في هذا السياق، جاءت عملية الاغتيال، باعتبارها عدوانًا خارجيًا استهدف شخصية إيرانية رسمية، وذات صلة وثيقة بدعم المقاومة الفلسطينية، لتدفع الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، لإظهار درجة عالية من التضامن مع إيران، فاق في تعبيراته التضامن الذي بلغ ذروته في سنواتٍ سابقة بين الطرفين[12]، وعلى نحو يوحي بإمكانية المزيد من التكامل بين إيران وحلفائها من جهة، وبين قوى المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وما يعنيه ذلك من ضغط على المحور الإسرائيلي الأمريكي، ومخططاته في المنطقة.

    وإذا كانت الدول التي تربطها علاقات إيجابية مع حركة حماس، قد أظهرت مواقف تضامنية مع إيران، وهي تواجه أزماتٍ أخرى مع المحور الإماراتي السعودي المصري، المتقارب مع “إسرائيل”، فإن ذلك يُظهر اتجاه المواقف الإقليمية، لإعادة الاصطفاف على شكل محاور تتجانس مواقف أطرافها بشأن معظم قضايا المنطقة، بما فيها الموقف من القوى الفلسطينية، والقضية الفلسطينية، ومحاولات تصفيتها من خلال ما يسمى بـ “صفقة القرن”.

    تداعيات الأزمة على الوضع الفلسطيني

    1- انخراط “إسرائيل” في الحدث

    إثر عملية الاغتيال، شدد نتانياهو على المسؤولين الإسرائيليين، بعدم الإدلاء بأي تصريح يتعلق باغتيال سليماني. أما على الأرض، فقد وضعت “إسرائيل” قواتها في الجولان السوري المحتل، في حالة التأهب، خوفًا من أن تطالها ردود فعل، خاصة في ضوء ما أشار إليه الحرس الثوري الإيراني، من إمكانية استهداف “إسرائيل”، في حال قيام الولايات المتحدة بأي عمل عسكري، بعد القصف الإيراني لقاعدة عين الأسد. من الواضح أن الإجراء الإسرائيلي، يدل على إدراك “إسرائيل” لمدى تداخلها مع الحدث، لا كحليف للولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضا كجزء من المصالح الأمريكية المرشحة للاستهداف في ضوء التصعيد الأخير، وإمكانية عمل إيران ضد المصالح الأمريكية. هذا الإدراك الذي يعني إمكانية الانخراط في معركة شاملة ومتعددة الساحات، أظهره قيام “إسرائيل” بعدوان جديد، من خلال غارة نفذتها على منطقة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، بعد عملية الاغتيال.

     2- تصعيد عربي ضد فصائل المقاومة الفلسطينية

    رأت العديد من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، أن اغتيال سليماني يأتي في سياق صراعها مع إيران، وأنه يفعّل دورًا كانت الولايات المتحدة تطالب بالقيام به في مواجهة إيران. وفي المقابل، اعتبرت هذه الدول، موقف فصائل المقاومة الفلسطينية، انحيازًا لإيران، وقابلته بحملات تحريض شنتها وسائل إعلام وجهات مقربة منها[13]. فيما تحدثت مصادر إعلامية عن توجه مصري بضغوط سعودية، لإغلاق معبر رفح، ووقف أي تسهيلات كانت مصر قد قدمتها لحركة حماس وقطاع غزة مؤخرا، في إطار تفاهمات التهدئة مع “إسرائيل”[14]. يأتي ذلك في ظل توجه السياسة السعودية، نحو التضييق على حركة حماس ومقاطعتها، بما في ذلك من اعتقالات واسعة لفلسطينيين مقيمين على أراضيها، بتهمة العلاقة مع الحركة.

    3- جدل واسع حول العلاقة مع إيران

    أثار الموقف التضامني مع إيران، الذي اتخذته فصائل المقاومة الفلسطينية، ردود فعل متباينة، لدى الجمهور والنخب العربية المتعاطفة مع الربيع العربي. فبينما بدت نبرة احتجاجية حادة في خطاب المحسوبين على المعارضة السورية، والمؤيدين لها، وتجاوزت بعض أقلامها حدود الغضب من موقف الفصائل الفلسطينية، إلى نوع من الترويج المعلَن والمبطن، لمواقف تدعو للتطبيع مع “إسرائيل”، نكاية في موقف الفصائل، أو في إطار رؤية تعتبر ذلك مصلحة لقوى الثورة، والمعارضة السورية، وجمهورها، فإنه يُلحظ أن مركز النقاش كان في موضع آخر، حيث يمكن تسجيل جملة من التطورات الهامة في هذا الجانب، أبرزها تراجع مساحة المواقف المعارِضة لتقارب الفصائل الفلسطينية مع إيران، باستثناء مواقف الأوساط السورية. لقد أظهرت قطاعات واسعة من الجمهور العربي، تفهمًا لضرورات هذه العلاقة بالنسبة للفصائل الفلسطينية[15]، في ظل تراجع دور الخطاب الطائفي في هذا الجدل. أما داخليًا، فقد أظهرت قواعد حركة حماس، تفهمًا أكبر لموقف حركتهم، وانخراط العديد منهم في الدفاع عنه، وإدانة الهجوم على الحركة. لقد بدا هذا السلوك الجمعي على نقيض الجدل الحاد، والاستقطابات التي كانت تثيرها مثل هذه المواقف في أوساط الجمهور الفلسطيني، وجمهور حركة حماس، خاصة خلال الأعوام الماضية، حيث دار جزء أساسي من الجدل، حول حدود العلاقة مع إيران، وضوابطها، وليس حول وجود هذه العلاقة بحد ذاته، وذلك باستثناء المواقف التي تتبنى مواقف الأنظمة العربية، أو مواقف ذات بعد طائفي، صادرة عن جهات ذات توجهات عقائدية محددة، اعتادت بناء مواقفها وخطابها في إطار هذه التوجهات.

    الفرص والتحديات المرتبطة بالأزمة

    1- تزايد التهديدات على دولة الاحتلال

    يبدو أن تبلور موقف واضح لدى إيران وحلفائها الإقليميين، بشأن إخراج الأمريكيين من المنطقة، وإمكانيات انخراط حلفائها في مواجهات متعددة الساحات مع القوات الأمريكية، والدول الحليفة لها[16]، يرفع أكثر من أي وقت مضى، إمكانية توسع رقعة المواجهة المستقبلية مع الأمريكيين، لتصل إلى حدود فلسطين المحتلة، وتطال دولة الاحتلال، خاصة في ظل تزايد التدخل الإسرائيلي في الساحات الإقليمية، سواء عبر القصف المباشر، كما هو الحال في العراق وسوريا، أو عبر دعم الخصوم وإسنادهم، كما هو الحال في ملفات إقليمية أخرى.

    وإلى جانب إمكانية دخول قوى إقليمية جديدة في الصراع المباشر مع “إسرائيل”، فإن إضعاف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، أو اهتزاز مظاهر الهيمنة الأمريكية عليها، من شأنه إلحاق ضرر كبير بالغطاء الذي تمنحه الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، عسكريا وسياسيا، وزيادة قدرة الفلسطينيين على مواجهتها. كما أن التقارب بين قوى المقاومة في المنطقة وإيران، يشير إلى إمكانية تشكل جبهة موحدة، تحظى بتأييد جماهيري من عدة تيارات وشرائح، تستطيع تعطيل محاولات فرض صفقة القرن التصفوية على الفلسطينيين.

    لكن في المقابل، قد تتجه الأمور نحو سياقات سلبية، مثل احتمال تعرض الفصائل الفلسطينية للاستهداف من عدة أطراف، أو انشغال إيران عن الملف الفلسطيني، أو انشغال دول الإقليم والمجتمع الدولي بملفات أخرى، مما يمنح “إسرائيل” الفرصة لمزيد من التغول على الفلسطينيين.

    2- تزايد احتمالات التقارب العربي مع دولة الاحتلال

    تسعى العديد من الأنظمة العربية، إلى التقارب مع دولة الاحتلال. وإزاء تزايد احتمالات المواجهة مع إيران، فإن هذه الدول، ترى في “إسرائيل” حليفًا محتملًا يمكن التقاطع معه في مواجهة إيران، لا سيما أن ذلك يلبي رغبة أمريكية، ويتقاطع مع مساعيها لفرض تسوية بين الدول العربية و”إسرائيل”، تتجاوز الحقوق الفلسطينية، وتصفي القضية الفلسطينية، وتنهي المواقف المعادية لـ “إسرائيل”، والسياسات الأمريكية في المنطقة. وإذا كان العنوان السياسي الشائع لهذه التوجهات هو “صفقة القرن”، فإن الرؤية الأمريكية ترتكز في جوهرها، على تأسيس “ناتو” شرق أوسطي يضم “إسرائيل” والدول العربية[17]، حيث يبدو أن احتمالات المواجهة مع إيران، ورغبة هذه الدول في الحصول على الحماية الأمريكية، أو على الدعم السياسي الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يلعب دورًا في مضي عدة دول عربية، بهذا الاتجاه.

    3- انسجام الرؤية الأمنية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”

    أفصحت مجريات المواجهة الحالية، وما سبقها، عن أن انزياح الموقف الأمريكي المتطابق مع الرؤية الإسرائيلية من الناحية السياسية، بات يصاحبه انزياح مماثل في الرؤية الأمنية الأمريكية للمنطقة، بما في ذلك التناغم مع التقدير الإسرائيلي لمصادر التهديد، وآليات العمل ضدها. وقد عبّر اغتيال سليماني، كما الغارات الأمريكية على الحشد الشعبي العراقي، عن انتقال هذا التناغم في الرؤى والتقديرات، إلى حيز الإجراءات التنفيذية والعملياتية، بكل ما يعنيه ذلك من انفتاح للاحتمالات على انخراط أمريكي مباشر، في استهداف فصائل المقاومة الفلسطينية بأشكال متعددة، قد تشمل حتى الاستهداف العسكري أو الأمني، بما يتجاوز أي حدود سابقة لإجراءات أمريكية من هذا النوع.

    من جانب آخر، فإن محدودية الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني، وعلى الغارات الإسرائيلية المتكررة في سوريا والعراق، يفتح “شهية” الولايات المتحدة و”إسرائيل”، لمزيد من عمليات التصفية المحتملة، وعلى امتداد رقعة المنطقة، بما يطال شخصيات فلسطينية كانت تعتبر محصنة رمزيًا أو سياسيًا، أو محصنة بسبب إقامتها في بعض البلدان، وذلك في ضوء تعبير الولايات المتحدة، ومن قبلها “إسرائيل”، عن نيتها استئناف عمليات اغتيال، مماثلة لعملية اغتيال سليماني.

    4- إشكالية التحولات الإيرانية الداخلية

    لا شك أن تطوير فصائل المقاومة الفلسطينية لعلاقتها مع إيران، يوفر لها فرصًا للحصول على مزيد من الدعم والمساندة، من حليف قوي وحاضر في العديد من ساحات المنطقة. لكن ذلك يبقى مرهونًا بما تستطيع إيران تقديمه في هذه المرحلة، في ضوء الحصار الخانق الذي تعاني منه، والتغيرات في بناها الداخلية، وطبيعة الأولويات التي تتبناها القوى الصاعدة داخلها. فقد أظهرت المواجهة الأخيرة، استقطاباتٍ إيرانية داخلية حول الأولويات، وحدود المواجهة الممكنة مع الولايات المتحدة، وآليات هذه المواجهة، وهو أمر فاقمته مأساة إسقاط الطائرة الأوكرانية، وما خلقه ذلك من سخط شعبي داخلي، وحرج دولي لإيران.[18]

    5- الانقسام الفلسطيني بين التجاذبات والتحالفات

    أظهرت سنوات الانقسام الفلسطيني، تأثير الأحداث الإقليمية على العلاقة بين أطراف المشهد الفلسطيني. ففي ضوء التصعيد المحتمل للتجاذبات الإقليمية، حول الموقف من السياسات الأمريكية في المنطقة، فإن الحالة الفلسطينية تبدو مرشحة لمزيد من التجاذب، واستعادة الجدل حول الموقف من محاور الإقليم، وما يلحق ذلك من تبعات واستحقاقات.

    وفي ضوء احتمال عودة أطراف إقليمية ودولية، أبرزها الولايات المتحدة، للاستثمار في العلاقة مع السلطة الفلسطينية في مواجهة حركة حماس، وعلاقتها المتقدمة مع إيران، فإن ذلك قد يعني انفتاح الساحة الفلسطينية على ترتيبات جديدة ومختلفة.

    المسارات الأساسية المحتملة

    1- تجاوز الأزمة وتداعياتها

    في ظل وجود مصلحة لمختلف الأطراف في تفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة، وفي ظل وجود رغبة أمريكية وإيرانية بالتفاوض، وفقا لشروط معينة يرغبها كل من الطرفين، فإن هناك فرصة حقيقية لتجاوز الأزمة، والحد من تداعياتها على المنطقة، وهو ما يعني انحسار الكثير من تأثيرات الحدث، وتداعياته على المشهد الفلسطيني الداخلي، أو على مستوى الصراع مع الاحتلال، والعلاقات الناجزة مع بعض الدول العربية، مثل مصر، التي ترتبط سياساتها تجاه الملف الفلسطيني عامة، وقوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خاصة، برؤية خاصة بمصالحها، ورغبة في تعزيز دورها، من خلال إدارتها لعدد من الملفات المهمة، الخاصة بقطاع غزة.

    2- انعكاسات سلبية على الوضع الفلسطيني

    قد تسفر هذه الأزمة عن إلحاق مزيد من الضرر بالوضع الفلسطيني، وذلك بناء على انحيازات حادة محتملة من دول عربية مركزية ضدهم، أو بسبب حدوث اشتباك مباشر بين دول عربية وإيران، حيث إن هذا يعني أعباءً وضغوطًا إضافية، سيتحمل الفلسطينيون نصيبهم منها. يترافق مع هذا السيناريو، ازدياد التأهب الأمريكي لمزيد من العمل على تصفية الحقوق الفلسطينية، والاستعداد لضرب قدرات المقاومة الفلسطينية، من خلال إلحاق ضرر بخطوط إمداد المقاومة الفلسطينية، كما بحلفائها، ومنهم إيران. هذا إلى جانب مخاطر الانشغال الدولي والإقليمي، التي تتيح لـ “إسرائيل” مزيدًا من التغول ضد الفلسطينيين.

    3- انعكاسات إيجابية

    في الغالب، تخلق المواجهة مع القوى الغربية في المنطقة، أجواء من التوحد والتضامن بين شعوبها. وإذا ما تم تجاوز صعوبات المرحلة السابقة، المرتبطة بالاستقطاب الطائفي والصراعات الداخلية، فقد يشكل إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، هدفًا تلتقي عنده العديد من القوى والتيارات الجماهيرية، خاصة إذا ما ترافق مع ذلك تشكيل ضغط حقيقي على أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني تعطيلًا جزئيًا، أو كليًا، لقدرة الاحتلال على المبادرة، وزيادة قدرة الفلسطينيين على المواجهة.

    خلاصة

    من المؤكد أن دخول إيران وحلفائها في مفاوضات “مسلحة” مع الأمريكيين، دفاعًا عن نظامها السياسي ودورها الإقليمي، يشكل فرصة للفلسطينيين، قد تفوق ما تحمله من المخاطر التي وردت ضمن المسارات المحتملة أعلاه.

    ومع ذلك، يبدو أن سيناريو التداعيات السلبية للأزمة على الوضع الفلسطيني، هو السيناريو الأقوى، وذلك  لتوفر عناصره في المشهد الفلسطيني المأزوم، وفي المحيط العربي، وخاصة الانحيازات الحادة المحتملة من دول عربية مركزية لصالح التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، أو بسبب حدوث اشتباك مباشر بين دول عربية وإيران.

    هذه العناصر لا يمكن ربطها بالموقف الفلسطيني من الأزمة، بل بسياسات متجذرة حفرت مساراتها وفقا لتركيبة أنظمة الحكم القائمة، وتحالفاتها، وتطلعاتها، والتي تجعلها تمضي في خطوات متسارعة نحو تفكيك الموقف العربي من “إسرائيل”، بما يعزز فرص الأخيرة في الهيمنة على المنطقة.

    وهذه السياسات ترجمها العداء لفصائل المقاومة الفلسطينية، والضغط المستمر على القيادة الرسمية للفلسطينيين، تماشيًا مع الرغبة والرؤية الأمريكية.

    إن الاستفادة الفلسطينية العامة من هذا الوضع،  تبقى مرهونة باقتناع الجمهور الفلسطيني أولا، والعربي ثانيا، بجدية المواجهة وجدواها، ورفع استعدادهم لتحمل مخاطرها، وبناء مواقف واستراتيجية وطنية جامعة، تتعلق بهذه المواجهة.

    [1] أول بيان من الجيش الأمريكي يؤكد قتل سليماني، موقع سي إن إن، 3 كانون ثاني/يناير 2020  arabic.cnn.com/middl

    [2] خمنائي يشارك شخصيا في بلورة الرد الإيراني، موقع روسيا اليوم، 3 كانون ثاني/يناير 2020   https://arabic.rt.com/

    [3] إيران تستنفر حلفاءها من بغداد إلى بيروت، موقع بي بي سي، 15 كانون ثاني/يناير 2020  https://www.bbc.com/

    [4]خمنائي: الضربة الصاروخية صفعة لأمريكا لكنها غير كافية، موقع الجزيرة نت، 8 كانون ثاني/ يناير 2020   www.aljazeera.net/

    [5] فصائل فلسطينية تنعى سليماني والمهندس، موقع عربي 21، 3 كانون ثاني/ يناير 2020  https://arabi21.com/

    [6] الأركان الإسرائيلية: قاسم سليماني أشرف شخصيا على خطة أفشلناها في سوريا، موقع روسيا اليوم، 25 آب/ أغسطس 2019، www.arabic.rt.comا

    [7]إسرائيل وراء الغارات الجوية على البوكمال السورية، موقع روسيا اليوم، 10 كانون ثاني/ يناير 2020  https://arabic.rt.com/world/

    [8]رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: إيران تنقل أسلحة للعراق ولن نسمح بذلك، موقع قناة الحرة، 25 كانون أول/ ديسمبر 2019 https://www.alhurra..com

    [9] الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية: أمن مَن؟ شبكة السياسات الفلسطينية، 16 أيار/ مايو 2017  al-shabaka.org

    [10] فتح تتهم إيران بتدبير «انقلاب غزة»… وطهران وحماس تنفيان، موقع صحيفة الأخبار اللبنانية، 25 حزيران/ يونيو 2007  al-akhbar.com

    [11] حماس تشكر إيران علنا والسعودية تشن حربا ضد الحركة، المونيتور، 26 حزيران/ يونيو 2019  www.al-monitor.com

    [12]هنية زار منزل سليماني: شهيد القدس، موقع  قناة الميادين، 6 كانون ثاني/ يناير 2020:  shorturl.at/hEP56

    [13]على خطى الخراب .. حماس تعزي إيران في سليماني، موقع صحيفة عكاظ، 3 كانون ثاني/ يناير2020، www.okaz.com.

    [14]طبيعة علاقات حماس مع مصر بعد مقتل سليماني، موقع نورث برس عربي، 11 كانون ثاني/ يناير 2020  npasyria.com

    [15]اغتيال سليماني يزيد من تقارب حماس وإيران، موقع وكالة الأناضول، 9 كانون ثاني/ يناير 2020، www.aa.com.tr

    [16]هددت بتوسيع دائرة الانتقام لحيفا ودبي.. إيران تعلن مقتل 80 جنديا أمريكيا بالعراق وترصد 100 هدف بالمنطقة، موقع الجزيرة نت، 8 كانون ثاني/ يناير 2020 ،www.aljazeera.net

    [17]واشنطن تستعيد “ناتو” الشرق الأوسط وتقرير إسرائيلي يفصل، موقع عربي 21، 29 نيسان/ إبريل 2017   arabi21.com

    [18] بعد اعتراف إيران.. مساعٍ لبدء تحقيق دولي في حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، موقع الجزيرة نت، 11 كانون ثاني/ يناير 2020 www..aljazeera.net

  • مركز رؤية يطلق حملة للتعريف بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية

    اسطنبول/رؤية:

    أطلق مركز رؤية للتنمية السياسية اليوم الجمعة حملة إعلامية للتعريف بالمشروع الاستيطاني الصهيوني على أراض الضفة  الغربية المحتلة.

    وتأتي الحملة الإلكترونية في ذكرى النكبة الفلسطينية وتستمر مدة عشرين يوما، وتتضمن نشر مواد مرئية من انفوغرافيك وفيديوهات للتعريف بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية المتمثل في السيطرة على الأرض الفلسطينية والموارد الطبيعية وبناء المستوطنات، وبناء جدار الفصل العنصري، وشق الطرق الالتفافية، وتنفيذ مشروع القدس الكبرى، وكذلك انتهاكات المستوطنين المستمرة ضد الفلسطينيين والأرض الفلسطينية، وتتزامن مع الحديث المتزايد من حكومة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية عن ضم أراض من الضفة الغربية.

    وقال منسق الحملة فراس القواسمي أن مواد الحملة هي عبارة عن نتائج دراسات علمية أعدها باحثو قسم الاستيطان في المركز لذا فهي تستند إلى أرقام ومعلومات دقيقة من واقع البيئة التي يعيشها الفلسطينيون.

    وأضاف أن الحملة انطلقت بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والتركية وساهمت وسائل إعلام ووكالات أنباء محلية وأخرى دولية في نشر موادها لتعريف الرأي العام الفلسطيني والدولي بما يحدث على الأرض الفلسطينية.

    وبين أن الحملة تحمل شعار “بين ذكرى النكبة والنكسة” (#حملة_20_يوم)، وهي مستمرة بالنشر اليومي للمواد المرئية بين تاريخي النكبة والنكسة في الفترة بين 15/5-5/6، داعيا وسائل الإعلام للتفاعل معها والمساهمة في خلق الوعي الفلسطيني والدولي بالمشروع الاستيطاني التهويدي للأرض الفلسطينية والانتهاكات المستمرة لها.

     
  • ملخص انتهاكات الاستيطان وجيش الاحتلال خلال شهر كانون أول 2019

    يستعرض التقرير أبرز الاعتداءات التي نفذتها قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، إلى جانب الانتهاكات الاستيطانية ضد الأرض الفلسطينية خلال شهر كانون أول \ ديسمبر من العام 2019، والذي وصل فيه مجموع الاعتداءات لحوالي 1900 اعتداء ضد المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم، أي أن عدد الاعتداءات في شهر ديسمبر قد تراجع عن نوفمبر بنسبة 34%.  وقد اعتمد التقرير في معلوماته على أكثر من مصدر هي مجموعة الرقابة الفلسطينية التابعة لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية وهيئة رصد الانتهاكات الإسرائيلية (wewiv).

    جدول يوضح انتهاكات الاحتلال خلال شهر كانون أول \ ديسمبر من العام 2019:

    الشهداء شهيدٌ وحيد
    المصابون 131 مصابا
    المعتقلون 406 اعتقالات
    احتجاز 39 مواطنا
    الإبعاد عن المسجد الأقصى أو القدس مواطنان اثنان
    اقتحامات للمناطق السكنية الفلسطينية 489 حالة
    إطلاق نار من قبل الاحتلال 230 حالة
    هدم منازل 13 منزلا
    مصادرة ممتلكات فلسطينية 26 حالة
    حواجز عسكرية مفاجئة 296 حاجزا
    اعتداء على الأماكن المقدسة 26 حالة
    اعتداءات المستوطنين 39 حالة
    تجريف أراضٍ 4 حالات
    نشاطات استيطانية 7 حالات
    مصادرة أراضٍ حالة واحدة
    الأشجار المتلفة 300 شجرة زيتون
    جرف الأراضي 33 دونما
    الوحدات الاستيطانية الجديدة 167 وحدة
    شق طرق التفافية وتوسيعها 3 مشاريع

    الشهداء والجرحى:

    شهد شهر كانون أول\ ديسمبر الماضي استشهاد مواطنٍ من قطاع غزة بعد أن قصفته طائرات الاحتلال، وكان الاحتلال قد ادعى أنه قتل المواطن أثناء محاولته التسلل لأراضي الداخل المحتل.

    أما أعداد الجرحى، فقد تقلصت الأعداد إلى نحو الثلثين مقارنة بالشهر الذي سبقه، فقد بلغ عدد الجرحى في الضفة الغربية وقطاع غزة 131، منهم 38 جريحا في محافظات الضفة الغربية، فيما وصل العدد في محافظات قطاع غزة لـ92 مصابا، وقد شهدت أعداد المصابين تراجعا في محافظات قطاع غزة نظرا لتراجع حدة المسيرات والمواجهات في مسيرات العودة الكبرى على الحدود الشرقية لقطاع غزة.

    الاعتقال والاحتجاز والإبعاد عن القدس والمسجد الأقصى:

    وصل عدد حالات الاعتقال في شهر ديسمبر الماضي 406 حالات، معظمها في محافظات الضفة الغربية بواقع 398 حالة، فيما لم تتجاوز حالات الاعتقال للمواطنين من قطاع غزة 8 حالات. وكان من بين المعتقلين 33 طفلا إلى جانب 7 طلبة جامعيين و5 سيدات. وقد كان أكبر عدد للمعتقلين من محافظة القدس بـ125 معتقلا، تليها محافظة الخليل التي سجلت 91 حالة اعتقال، أما محافظة رام الله والبيرة فقد سجل فيها 46 حالة اعتقال.

    أما سياسة الابعاد عن القدس والمسجد الأقصى فقد نفذها الاحتلال بحق مواطنين اثنين، أبعد أحدهما عن المسجد الأقصى لمدة أسبوع، فيما أبعد المواطن الآخر عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر.

    إقامة حواجز عسكرية والاقتحامات وإطلاق النار:

    أقام الاحتلال خلال شهر كانون أول\ ديسمبر 296 حاجزا عسكريا مفاجئا في مختلف محافظات الضفة الغربية، وقد شهدت أراضي محافظة بيت لحم على أكثر الحواجز التي أقيمت على أرضها بواقع 74 حاجزا، تلتها محافظة الخليل بـ 68 حاجزا عسكريا، أما محافظة قلقيلية فقد جاءت كثالث المحافظات من حيث عدد الحواجز التي أقيمت على أرضها بـ35 حاجزا.

    أما عمليات المداهمة والاقتحام التي نفذها الاحتلال للمناطق الفلسطينية والأحياء السكنية، فقد وصلت 489 عملية، أغلبها في محافظات الضفة الغربية بـ484 عملية اقتحام، وقد كانت محافظتا الخليل ونابلس أكثر المحافظات التي تعرضت للاقتحام والمداهمة، بعد أن سجل في كل منهما 71 حالة مداهمة واقتحام، تلتهما محافظة رام الله والبيرة بـ66 عملية اقتحام، ثم محافظة جنين التي سجلت 52 عملية اقتحام للأحياء السكنية والمناطق الفلسطينية. أما بالنسبة لمحافظات قطاع غزة فقد وصلت حالات الاقتحام فيها لـخمس حالات، وهي عمليات اقتحام جزئية للمناطق الحدودية في شمال قطاع غزة ورفح وخانيونس.

    فيما نفذ الاحتلال 230 عملية إطلاق نار خلال ذات الشهر، وقد اقتربت أعداد عمليات إطلاق النار في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الأولى نفذ الاحتلال 125 عملية من مواقع عسكرية أو خلال حملات المداهمة والاقتحام، أو انطلاقا من الحواجز المفاجئة التي نشرها في محافظات الضفة الغربية. فيما بلغت حالات إطلاق النار في محافظات قطاع غزة 105 حالات، وقد نفذ الاحتلال هذه العمليات من خلال القصف الجوي والزوارق الحربية في بحر غزة، أو من خلال المواقع العسكرية على الحدود الشرقية لقطاع غزة.

    عمليات الهدم والتجريف والاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين:

    نفذ الاحتلال خلال شهر كانون أول \ ديسمبر 13 عملية هدم للمنازل والمنشآت الفلسطينية، وقد جاءت عمليات الهدم جميعها في محافظات الضفة الغربية، وقد كان جميع ما تم هدمه عبارة عن منازل أو غرف “بركسات” تستخدم للسكن، وقد استخدم الاحتلال في معظم عمليات الهدم ذريعة عدم الترخيص للمنازل، كما أن المقدسيين والبدو كانوا أبرز ضحايا عمليات الهدم، خاصة في مناطق جبل المكبر والعيساوية في القدس، والبدو في الأغوار الشمالية والعيزرية إلى جانب عائلات من يطا والسموع في محافظة الخليل.

    أما حالات المصادرة للممتلكات الفلسطينية فقد جاءت في 26 حالة، وقد صادر الاحتلال سيارات للمواطنين وتسجيلات لكاميرات المراقبة الفلسطينية إلى جانب معدات وممتلكات شخصية. وبطبيعة الحال فق شهد شهر ديسمبر 17 حالة اعتداء على الممتلكات الفلسطينية، عبر اقتلاع أشجار الزيتون وتخريب إطارات السيارات في القرى الفلسطينية، إلى جانب تخريب الأثاث أثناء عمليات الاقتحام للمنازل.

    الاعتداء على الأماكن المقدسة:

    لا يخلو شهر من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه على الأماكن المقدسة، فقد بلغ عدد الاعتداءات في شهر كانون أول\ ديسمبر على الأماكن المقدسة 26 حالة اعتداء، وأبرز هذه الاعتداءات تمثلت في عمليات الاقتحام التي ينفذها المستوطنون بحماية قوات الاحتلال لباحات المسجد الأقصى، إلى جانب عمليات الاقتحام للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، فقد اقتحم المسجد وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت. وبالعودة لمدينة القدس فقد اقتحم مستوطن مسلح بسكين كنيسة القيامة قبل أن تخرجه شرطة الاحتلال من الكنيسة.

    نشاطات استيطانية

    أبرز الأعمال والنشاطات الاستيطانية التي نفذها الاحتلال خلال شهر كانون أول\ ديسمبر الماضي:

    شهد الشهر 3 حالات عمل فيها الاحتلال على شق طرق استيطانية التفافية أو توسيع شوارع قائمة.

    • 2-12-2019: عمل الاحتلال على استكمال شق طريق استيطاني على أراضي قرية صفا غرب رام الله.
    • 15-12-2019: أعلن الاحتلال عن مخطط لتوسيع الطريق الاستيطاني التابع لمستوطن “ألفي منشيه” جنوب مدينة قلقيلية.
    • 23-12-2019: عمل الاحتلال على تجريف أراضٍ للمواطنين في قرية المزرعة الغربية شمال غرب مدينة رام الله لشق طريق استيطاني التفافي جديد.

    كما شهد الشهر على إقامة الاحتلال لبؤرة استيطانية جديدة إلى جانب توسيع مستوطنات قائمة.

    • 1-12-2019: قرر وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت إقامة بؤرة استيطانية جديدة في البلدة القديمة بمدينة الخليل.
    • 24-12-2019: جرف الاحتلال أراضي تابعة لقرية جالود لصالح توسيع مستوطنتي شيلو وشافوت راحيل في محافظة نابلس.
    • 28-12-2019: بدأ الاحتلال بناء 167 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنة “نوف تسيون” المقامة على أراضي قرية جبل المكبر في القدس.

    أبرز اعتداءات المستوطين:

    وصل عدد الاعتداءات التي نفذها المستوطنون خلال شهر تشرين ثاني \ نوفمبر الماضي إلى 39 اعتداء في مختلف محافظات الضفة الغربية، متراجعا عن الشهر الذي سبقه والذي كان قد سجل 63 حالة اعتداء، نستعرض فيما يلي أبرز هذه الاعتداءات:

    • 3-12-2019: أصاب مستوطن 3 فلسطينيين بعد دهسهم، وقد نقل المصابون للمستشفيات لتلقي العلاج.
    • 4-12-2019: رشق المستوطنون قرب قرية الطيبة سيارات المواطنين على الطريق الواصل بين مدينتي رام الله وأريحا.
    • 4-12-2019: بدأ المستوطنون أعمال تجريف تمهيدا لشق طريق استيطاني على أراضي قرية بورين جنوب نابلس.
    • 8-12-2019: جرف المستوطنون 27 دونما من أراضي المواطنين في قرية بيت لاقف على الطريق بين نابلس وقلقيلية.
    • 9-12-2019: أعطب المستوطنون إطارات 168 سيارة فلسطينية في شعفاط بمدينة القدس.
    • 9-12-2019: جرف الاحتلال أرضاً بمساحة 6 دونمات في بلدة بيت أمر شمال مدينة الخليل.
    • 14-12-2019: خرب المستوطنون عدداً من الآليات الثقيلة المستخدمة في تعبيد طرق للفلسطينيين في الأغوار الشمالية.
    • 15-12-2019: استولى المستوطنون على مغارة بين قريتي نحالين والجبعة في محافظة بيت لحم.
    • 19-12-2019: اقتحم المستوطنون قرية الجيب قضاء القدس وألحقوا أضرارا مادية بسيارات الفلسطينيين.
    • 19-12-2019: قطع المستوطنون أغصان 300 شجرة زيتون غرب قرية الخضر ببيت لحم.
    • 20-12-2019: أحرق المستوطنون سيارتين للمواطنين من قرية فرعتا بمحافظة قلقيلية.
    • 21-12-2019: دهس مستوطن مواطنين قرب مخيم العروب بمدينة الخليل ما استدعى نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج.
    • 24-12-2019: أتلف المستوطنون خطوط المياه في البلدة القديمة في الخليل أثناء مدهم للمياه لمنزل استولوا عليه في البلدة.
    • 25-12-2019: جرّف المستوطنون أرضا زراعية للمواطنين في قرية مادما قضاء نابلس في محاولة للاستيلاء على الأرض.
    • 31-12-2019: رشق المستوطنون سيارات الفلسطينيين بالحجارة قرب مستوطنة حومش المخلاة ما ألحق الأضرار بـ25 سيارة على طريق نابلس – جنين
  • ملخص انتهاكات الاستيطان وجيش الاحتلال خلال شهر كانون ثاني 2020

    وليد زايد

    يستعرض التقرير أبرز الاعتداءات التي نفذتها قوات الاحتلال والمستوطنون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، إلى جانب الانتهاكات الاستيطانية ضد الأرض الفلسطينية خلال شهر كانون ثاني \ يناير من العام 2020، والذي وصل فيه مجموع الاعتداءات لحوالي 2124 اعتداء ضد المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم.  وقد اعتمد التقرير في معلوماته على أكثر من مصدر هي مجموعة الرقابة الفلسطينية التابعة لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، وهيئة رصد الانتهاكات الإسرائيلية (wewiv).

    جدول يوضح انتهاكات الاحتلال خلال شهر كانون ثاني \ يناير من العام 2020:

    الشهداء 5 شهداء
    المصابون 123 مصابا
    المعتقلون 456 اعتقالا
    احتجاز 42 مواطنا
    الإبعاد عن المسجد الأقصى أو القدس 47 مبعدا
    اقتحامات للمناطق السكنية الفلسطينية 459 حالة
    إطلاق نار من قبل الاحتلال 329 حالة
    هدم منازل 23 منزلا
    مصادرة ممتلكات فلسطينية 43 حالة
    حواجز عسكرية مفاجئة 317 حاجزا
    اعتداء على الأماكن المقدسة 33 حالة
    اعتداءات المستوطنين 33 حالة
    تجريف أراضٍ حالة واحدة
    نشاطات استيطانية 3 حالات
    مصادرة أراضٍ 4 حالات
    الأشجار المتلفة 300 شجرة زيتون
    اعتداء على المؤسسات التعليمية 5 حالات
    الوحدات الاستيطانية الجديدة 1936 وحدة

    الشهداء والجرحى:

    شهد شهر كانون ثاني\ يناير الماضي استشهاد 5 مواطنين جميعهم من قطاع غزة، اثنان منهم كانوا قد استشهدوا متأثرين بإصاباتهما جراء مشاركتهما في مسيرات العودة، واستشهد 3 على الحدود الشرقية بدعوى محاولتهم التسلل للداخل المحتل.

    أما أعداد الجرحى، فقد قاربت أعداد الشهر الأخير من العام الماضي بعدد وصل لـ123 جريحا، معظم الجرحى كانوا في محافظات الضفة الغربية بواقع 107 إصابات، أما قطاع غزة وعلى خلاف الأشهر السابقة مع مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، فقد أصيب في القطاع 16 مواطنا.

    الاعتقال والاحتجاز والإبعاد عن القدس والمسجد الأقصى:

    وصل عدد حالات الاعتقال في شهر يناير 456 حالة اعتقال، بزيادة وصلت نحو 10% عن شهر ديسمبر الماضي، وبطبيعة الحال كانت معظم حالات الاعتقال في محافظات الضفة الغربية بواقع 447 حالة، فيما لم تتجاوز حالات الاعتقال للمواطنين من قطاع غزة 9 حالات. وكان من بين المعتقلين 41 طفلا إلى جانب 3 طلبة جامعيين و6 سيدات. وقد كان أكبر عدد للمعتقلين من محافظة القدس بـ149 معتقلا، تليها محافظة الخليل التي سجلت 77 حالة اعتقال، أما محافظة جنين فقد سجل فيها 46 حالة اعتقال.

    أما سياسة الابعاد عن القدس والمسجد الأقصى فقد تصاعدت بشكل كبير مع مطلع العام، ليكون الاحتلال قد نفذها بحق 47 مواطنا، 37 حالة إبعاد للمقدسيين عن المسجد الأقصى في فترات تراوحت بين 4 أيام و6 أشهر. وقد ترافقت حالات الإبعاد مع حملات صلاة الفجر والجمعة في المسجد الأقصى، كما كانت حالات الإبعاد العشرة المتبقية عن أحياء المدينة مثل العيساوية وبيت حنينا والبلدة القديمة.

    إقامة حواجز عسكرية والاقتحامات وإطلاق النار:

    أقام الاحتلال خلال شهر كانون ثاني\ يناير 317 حاجزا عسكريا مفاجئا في مختلف محافظات الضفة الغربية، وقد شهدت أراضي محافظة بيت لحم أكثر الحواجز التي أقيمت على أرضها بواقع 77 حاجزا، تلتها محافظة الخليل بـ 67 حاجزا عسكريا، أما محافظة قلقيلية فقد جاءت كثالث المحافظات من حيث عدد الحواجز التي أقيمت على أرضها بـ35 حاجزا.

    أما عمليات المداهمة والاقتحام التي نفذها الاحتلال للمناطق الفلسطينية والمناطق والأحياء السكنية، فقد وصلت 489 عملية، أغلبها في محافظات الضفة الغربية بـ484 عملية اقتحام، وقد كانت محافظتا الخليل ونابلس أكثر المحافظات التي تعرضت للاقتحام والمداهمة بعد أن سجل في كل منهما 71 حالة مداهمة واقتحام، تلتهما محافظة رام الله والبيرة بـ36 عملية اقتحام. فيما لم تسجل محافظات قطاع غزة أي عملية اقتحام للحدود الشرقية.

    فيما نفذ الاحتلال 329 عملية إطلاق نار خلال ذات الشهر، شملت 25 عملية قصف جوي في محافظات قطاع غزة، وقد بلغت أعداد عمليات إطلاق النار في محافظات الضفة الغربية 186 عملية إطلاق نار من مواقع عسكرية، أو خلال عمليات المداهمة والاقتحام، أو انطلاقا من الحواجز المفاجئة التي نشرها في محافظات الضفة الغربية. فيما بلغت حالات إطلاق النار في محافظات قطاع غزة 143 حالة، وقد نفذ الاحتلال هذه العمليات من خلال القصف الجوي والزوارق الحربية في بحر غزة أو من خلال المواقع العسكرية على الحدود الشرقية لقطاع غزة.

    عمليات الهدم والتجريف والاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين:

    نفذ الاحتلال خلال شهر كانون ثاني \ يناير 23 عملية هدم للمنازل والمنشآت الفلسطينية،  وقد جاءت عمليات الهدم جميعها في محافظات الضفة الغربية، وقد هدم الاحتلال 13 منزلا أو أجبر أصحابها على هدمها، وقد كانت معظم البيوت المهدومة في جبل المكبر بالقدس، إلى جانب هدم بيوت في العيساوية في القدس ويطا في الخليل، أما بقية عمليات الهدم فقد كانت لخيم وبيوت متنقلة في بيت جالا ومدينة أريحا.

    أما حالات المصادرة للممتلكات الفلسطينية فقد جاءت في 43 حالة، وقد صادر الاحتلال سيارات للمواطنين وتسجيلات لكاميرات المراقبة الفلسطينية إلى جانب معدات وممتلكات شخصية. وبطبيعة الحال فقد شهد شهر يناير 19 حالة اعتداء على الممتلكات الفلسطينية، عبر اقتلاع أشجار الزيتون وتخريب إطارات السيارات في القرى الفلسطينية إلى جانب تخريب الأثاث أثناء عمليات الاقتحام للمنازل. كما أقدم جيش الاحتلال على تجريف أرض مساحتها 50 دونما حول حول مستوطنة كريات أربع في مدينة الخليل.

    الاعتداء على الأماكن المقدسة:

    تركزت اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه على الأماكن المقدسة في شهر يناير؛ باقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فيه، فقد تم اعتقال ومضايقة المصلين في مصلى باب الرحمة في المسجد، إلى جانب عمليات الاقتحام وإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المصلين بعد صلاة الفجر. كما قام المستوطنون بإحراق مسجدٍ في قرية بيت صفافا جنوب القدس وخطوا شعارات معادية للإسلام والعرب على جدرانه.

    كما شهد الشهر اعتداءات بحق المؤسسات التعليمية الفلسطينية، فقد تم اقتحام أكثر من مدرسة مثل مدرسة دير نظام بمحافظة رام الله والبيرة، وعرقلة دوام الطلبة في مدينة القدس.

    نشاطات استيطانية

    أبرز الأعمال والنشاطات الاستيطانية التي نفذها الاحتلال خلال شهر كانون ثاني\ يناير الماضي:

    –        6-1-2020: صادق الاحتلال على خطةٍ لبناء 1150 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة الغربية، كما صادق بشكل نهائي على إقامة 786 وحدة استيطانية موزعة على مستوطنات في محافظات رام الله والبيرة وسلفيت ونابلس وأريحا.

    –        7-1-2020: جرف الاحتلال نحو 50 دونما من أراضي المواطنين في الخليل لصالح مستوطنة كريات أربع.

    –        14-1-2020: نفذ الاحتلال عمليات حفر في أراضي قرية كفر لاقف في محافظة نابلس؛ لمد خط مياه للمستوطنات.

    –        26-1-2020: جرف الاحتلال أراضي بلغت مساحتها 600 متر مربع على أراضي تتبع قرية بروقين في محافظة سلفيت؛ لتوسعة مستوطنة “بروخين” المجاورة للقرية.

    أبرز اعتداءات المستوطين:

    وصل عدد الاعتداءات التي نفذها المستوطنون خلال شهر كانون ثاني\ يناير الماضي إلى 33 اعتداء في مختلف محافظات الضفة الغربية، مقاربا عدد الشهر الذي سبقه، والذي كان قد سجل نحو 39 حالة اعتداء، نستعرض فيما يلي أبرز هذه الاعتداءات:

    –        2-1-2020: مستوطنون يجرفون أراضي للمواطنين في منطقة حراشة التابعة لقرية المزرعة الغربية بمحافظة رام الله والبيرة.

    –        2-1: دهس مستوطن قرب قرية تقوع بمحافظة بيت لحم مواطنا فلسطينيا؛ ما أدى لإصابته بكسور ونقله للعلاج بالمستشفى.

    –        4-1-2020: مستوطنة تدهس فتاة فلسطينية على مدخل قرية كيسان شرق بيت لحم؛ ما أدى لنقلها لمستشفى لتلقي العلاج.

    –        8-1-2020: قطع المستوطنون 50 شجرة زيتون في قرية الساوية بمحافظة نابلس.

    –        13-1-2020: اعتدى مستوطنو مستوطنة يتسهار على قرية مادما جنوب نابلس، ورافقهم بالاعتداء إطلاق قوات الاحتلال لقنابل الغاز باتجاه منازل المواطنين.

    –        14-1-2020: اعتدى المستوطنون على مواطنين من سكان يطا في مدينة الخليل بالضرب.

    –        15-1-2020: اعتدى المستوطنون على مواطنة من قرية مادما ما استدعى لنقلها للمستشفى في مدينة نابلس.

    –        18-1-2020: اعتدت مجموعات المستوطنين على منازل المواطنين في البلدة القديمة في الخليل من خلال رشقها بالحجارة.

    –        25-1-2020: اعتدى مستوطنو مستوطنة رحاليم بالضرب على مواطنين اثنين أثناء عملهم في أرضهم بقرية الساوية في محافظة نابلس.

    –        28-1-2020: أحرق المستوطنون في قرية عينابوس جنوب نابلس أجزاء من مدرسة القرية وخطوا شعارات معادية للعرب على جدران المدرسة.

    –        30-1-2020: رشق المستوطنون سيارات الفلسطينيين بالحجارة قرب مستوطنة كريات أربع ما أدى لإصابة طفلة.

  • منتدى غاز شرق المتوسط.. المشاركة الفلسطينية بين الحقوق والشكوك

    مدخل:

    في السادس عشر من كانون الثاني/ يناير 2020، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة الاجتماع الوزاري الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، وحضر الاجتماع ممثلون عن اليونان، وقبرص الجنوبية (اليونانية) وإيطاليا والأردن و”إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، بصفتهم، إلى جانب مصر، الأعضاء المؤسسين للمنتدى، والذي تولّى رئاسته وزير البترول والثروة المعدنية لمصر، بصفته الرئيس الحالي للاجتماع الوزاري لمنتدى غاز شرق المتوسط، وبالإضافة إلى الدول المؤسسة، حضر الاجتماع ممثلون عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وانضمّ إليه ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بصفتهم ضيوفًا[1].

    مثّل السلطة الفلسطينية في الاجتماعات محمد مصطفى رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، بتكليف من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس[2]، وبصفة فلسطين عضوًا مؤسسًا في المنتدى، منذ اجتماعه الوزاري الأول الذي عُقد في منتصف كانون الثاني/ يناير من العام 2019[3]،  ولكون السلطة الفلسطينية جزءًا من معادلة الطاقة في شرق المتوسط بحكم وجود حقول للغاز قبالة شواطئ قطاع غزّة.

    يأتي الاجتماع الأخير، في ظروف بالغة التعقيد في منطقة شرق المتوسط، ولاسيما بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين كل من تركيا والحكومة الليبية في طرابلس، ثم التدخل التركي المباشر في الأزمة الليبية الداخلية، وما تلا ذلك من ردود أفعال معارضة للسياسات التركية في البحر المتوسط، ولاسيما من “إسرائيل” ومصر واليونان وقبرص اليونانية، وهي الدول الأساسية في منتدى غاز شرق المتوسط[4].

    وفي حين يرى الأتراك أن أهدافًا سياسية تقف خلف تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، وتسعى إلى إخراج تركيا من معادلة الطاقة في المتوسط، ولاسيما بعد خطوات تحويل المنتدى إلى منظمة دولية[5]، فإنّ مشاركة السلطة الفلسطينية في النسخة الثالثة من المنتدى في هذه السياقات المعقّدة، وبالرغم من كونها أحد مؤسّسي المنتدى، من شأنها أن تثير حفيظة الأتراك، بالنظر إلى الدعم الذي تحظى به السلطة الفلسطينية من تركيا، وخاصّة في المحافل الدولية.

    تقرأ هذه الورقة في حيثيات تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط والطموحات الساعية إلى تحويله لمنظمة دولية، وبالتالي مشاركة السلطة الفلسطينية في المنتدى، وانعكاسات هذه المشاركة على مصالح الفلسطينيين في حقول الغاز في شرق المتوسط، وعلاقات السلطة الفلسطينية الإقليمية، ولاسيما مع الدولة التركية.

    حيثيات منتدى غاز شرق المتوسط

    في 14 كانون الثاني/ يناير من العام 2019، أعلن ممثلو سبع دول تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، كانت تلك الدول هي مصر واليونان وقبرص اليونانية و”إسرائيل” والأردن وفلسطين وإيطاليا، على أن يكون مقرّ المنتدى العاصمة المصرية القاهرة، وقد خلا المنتدى من دول أساسية في شرق المتوسط وهي سوريا ولبنان وتركيا، بالرغم من إعلان الاجتماع الأول للمنتدى، عن توفيره الإمكانية لانضمام أيّ من دول شرق البحر المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدى في المصالح والأهداف، وذلك بعد استيفاء إجراءات العضوية اللازمة التي تتفق عليها الدول المؤسسة[6].

    لم يكن لإعلان فتح مجال العضويّة لبقية الدول ليهدّئ من مخاوف دول شرق المتوسط الأخرى التي لا يضمّها المنتدى، وذلك لأنّ العضويّة بحسب مفهوم الإعلان لا تخضع لاعتبارات الجغرافيا الضرورية، وإنّما لموافقة الدول المؤسسة، والتي منها “إسرائيل” وهي دولة بالتعريف الرسمي عدوّ لبعض دول المتوسط كسوريا ولبنان، ومنافس إقليمي لدول أخرى كتركيا، كما جعل الإعلان من مصالح الدول المؤسسة معيارًا للاتفاق، فهو في جوهره، فرض أمر واقع مسبق، كما وسّع بالإعلان وبالواقع إمكانيات استخدام المنتدى للتوظيف السياسي، فالمنتدى لا يشترط الإطلالة على المتوسط، وبهذا الاعتبار ضمّ المملكة الأردنية الهاشمية بصفتها مستهلكة لغاز المتوسط.

    النوايا السياسية التي أظهرها إعلان المنتدى سبقت اجتماع المنتدى الأوّل، والذي لم يأت قفزة في الفراغ، فقد بدأت الترتيبات لفرض وقائع جديدة في شرق المتوسط، بعد شهور قليلة على انتخاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأوّل مرّة، ففي الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، اجتمع رؤساء دول اليونان وقبرص اليونانية ومصر في القاهرة، وصدر عنهم إعلان أكّد، من وجهة نظر الدول الثلاث، أهمّية احترام ولاية جمهورية قبرص وحقوقها السيادية على منطقتها الاقتصادية الخالصة، ودعا الإعلانُ تركيا إلى التوقف عن جميع أعمال المسح السيزمي[7] الجارية في المناطق البحرية لقبرص والامتناع عن أيّ نشاطات مشابهة في المستقبل[8]، وكان المغزى السياسي المباشر لهذا الإعلان تشكيل تحالف مناوئ لتركيا في شرق المتوسط.

    تلا القمّة الثلاثية، وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، اجتماع لوزراء الطاقة في الدول الثلاث، صدر عنه بيان أكّد على كون بيان القمّة السابق هو الأساس للتعاون بين الدول الثلاث[9]، وفي وقت لاحق في مطلع كانون الأول/ ديسمبر من العام 2017، وقعت قبرص واليونان و”إسرائيل” وإيطاليا بروتوكول اتفاق لبناء أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من “إسرائيل” وقبرص إلى اليونان وإيطاليا وأسواق أوروبية أخرى، وكان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز، قد صرّح في منتصف العام 2017 أن هذا الأنبوب تحت البحر سيكون الأطول والأعمق في العالم[10]، وبعد أن وقعت تركيا والحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية[11]،  وقّعت كلّ من قبرص اليونانية واليونان و”إسرائيل” في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2020،  اتفاق خط أنابيب شرق المتوسط “إيست ميد” لمد أوروبا بالغاز، ويهدف الاتفاق، كما يقول العديد من المراقبين، إلى أن تصبح الدول الثلاث حلقة وصل مهمة في سلسلة إمدادات الطاقة لأوروبا، ولمواجهة محاولات تركيا بسط سيطرتها على موارد الطاقة في شرق المتوسط[12]، وكانت مصر قد وقعت في أيلول/ سبتمبر2018 اتفاقًا مع قبرص لنقل غاز حقل أفروديت إلى مصانع الإسالة في مصر من أجل إعادة تصديره[13].

    مثّلت تركيا العقبة الرئيسة أمام مرور خط أنابيب عبر قبرص أو في قاع البحر من خلال منطقتها الاقتصادية الحصرية؛ بسبب عدم وجود حلّ لتقسيم الجزيرة القبرصيّة المتنازع عليها منذ عام 1974، وذلك في حين ترى الولايات المتحدة أنّ التعاون على صعيد الغاز الطبيعي من شأنه أن يحدّ من الهيمنة الروسية في سوق الغاز، وأن يفشل التعاون التركي الروسي في هذا المضمار، وأن يساهم في دمج “إسرائيل” في المنطقة بواسطة اتفاقات الغاز، وبما يتجاوز مشاريع السلام التقليدية، وهي رؤية تتفق عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونلاد ترامب وحكومة اليمين الإسرائيلي ممثلة في بنيامين نتنياهو[14].

    هذه الاعتبارات، بالإضافة إلى الرغبة في تنسيق المواقف بين كلّ هذه الاتفاقيات والمصالح، وبين خطوط الغاز المقترحة والمتداخلة، وبدعم أمريكي أوروبي، تأسّس منتدى غاز شرق المتوسط، واختيرت مصر مقرًّا له، لموقعها الجغرافي، ولكونها جسر التطبيع بين “إسرائيل” والعالم العربي، ولامتلاكها احتياطات غاز ستضع مصر في مستوى دول كبيرة الإنتاج، هذا بالإضافة إلى عنصر قوّة آخر وهو قناة السويس، ممّا يجعل مصر بدورها عنصر تفوّق في الصراع مع تركيا على معادلة الطاقة[15].

    ويُلاحظ في هذ المسار، سرعة عقد اجتماعات منتدى غاز شرق المتوسط، بواقع ثلاثة اجتماعات في سنة واحدة، وقد أعلن المنتدى منذ الاجتماع الأول طموح المؤسسين بتحويله إلى منظمة دولية[16]، ثمّ جاء الاجتماع الثاني للمنتدى في تموز/ يوليو 2019، وبحضور وزير الطاقة الأمريكي بصفته ضيف شرف مميز، ومدير عام الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وممثلي كلّ من فرنسا والبنك الدولي، وذلك فضلاً عن الأعضاء المؤسّسين، معلنين اعتزامهم تطوير المنتدى إلى منظمة دولية[17]،  ثمّ الاجتماع الأخير الذي شهد الخطوة الرئيسة في إطلاق الإطار التأسيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط، والذي يرتقي، بالمنتدى إلى مستوى منظمة دولية حكومية، مقرّها في القاهرة[18].

    وجاء في الإعلان أنّ الأعضاء المؤسسين لمنتدى غاز شرق المتوسط، والذين هم أيضًا أعضاء في الاتحاد الأوروبي، سيُقدّمون الإطار التأسيسي الموقّع بالأحرف الأولى إلى المفوضية الأوروبية لمراجعته، وسيُوقّع الإطار التأسيسي من الأعضاء المؤسسين بمجرّد ضمان التوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي[19]، وكان أعضاء المنتدى قد أسّسوا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز (GIAC)، لتكون منصّة لحوار دائم داخل المنتدى، بين ممثلي الحكومة والجهات الفاعلة في الصناعة[20]، وقد أشار الإعلان إلى الوقت القياسي الذي أُنجز فيه الإطار التأسيسي، وإلى حماسة الأعضاء في الإسراع بإنشاء أجهزته وتنفيذ فعالياته، وهو ما يؤكّد الطبيعة الصراعية المحمومة التي تقف خلف تأسيس المنتدى وتحويله إلى منظمة دوليّة للتحكم في معادلة الطاقة، ولخدمة مصالح “إسرائيل” الإستراتيجية وفي سوق الطاقة، كما يرى بعض المراقبين[21].

    السلطة الفلسطينية في قلب المعادلة الصعبة

    يتضح ممّا سبق الدور الاستراتيجي بالغ الأهميّة لمنتدى غاز شرق المتوسط في معادلة الطاقة في العالم، وخطورته في الوقت نفسه بترسيخ واقع قبليّ يُفرض على كل من يريد الانضمام إليه، بما في ذلك دول تعادي “إسرائيل” كسوريا ولبنان، ووظيفته من جهة خدمة مصالح “إسرائيل” الاقتصادية، ومكانتها الاستراتيجية في سوق الطاقة، والسياسية بدمجها في المنطقة والتجسير بينها وبين العالم العربي، إلا أنّ الخطورة المباشرة للمنتدى، في وظيفته الرامية إلى قطع الطريق على تركيا لتكون فاعلاً مهمّا في سوق الطاقة.

    من جهة مقابلة تأتي مشاركة السلطة الفلسطينية في المنتدى، مفهومة بالنظر إلى كونها أحد ملاك حقول الغاز في شرق المتوسط، والمقصود بذلك تحديدًا حقل (غزة مارين)، والذي ترجع قصّته إلى العام 1999، حيث وفي ظروف غامضة، ودون طرح مناقصة، ولا تصديق من المجلس التشريعي، منحت السلطة الفلسطينية شركة “بريتش غاز” البريطانية الحق المنفرد والحصري في الاستكشاف والتنقيب والتسويق لأيّ مصادر طبيعية في بحر غزة، مع منحها 60٪ من نسب العائدات، بينما يُوزّع ما تبقى من نسب العائدات على شركة اتحاد المقاولين “C.C.C.” المملوكة لفلسطينيين بنسبة 30٪، وعلى صندوق الاستثمار الفلسطيني بنسبة 10٪[22].

    تفيد المعلومات أن (غزّة مارين) يبتعد عن شواطئ غزّة فقط 36 كيلومتر، وبعمق 650 مترًا، ويقع ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية، ويحتوي كمّيات تجارية وفيرة، تتجاوز الـ 30 مليار متر مكعب[23]، هذا فضلاً عن حقل (ماري- بي)، والواقع على الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي، والذي استولى عليه الاحتلال واستنفد مخزونه، وقد كان يحتوي كمّية من الغاز تكفي الفلسطينيين وحدهم لمدّة 15 عامًا،[24]، هذا في حين تتوقع مصادر مختصّة أن يصل عدد آبار الغاز في المياه الإقليمية لغزّة ثمانية آبار[25].

    في تقرير استقصائي بثّته قناة الجزيرة الفضائية، ضمن برنامجها “ما خفي أعظم”، في نيسان/ أبريل 2019، كشفت عن جملة من الوثائق التي تشير إلى غموض أحاط بحكاية الغاز الفلسطيني برمّتها، سواء في آليات منح شركة “برتش غاز”، المرتبطة بعلاقة استراتيجية بـ “إسرائيل”، الحق الحصري في الاستكشاف والتنقيب والتسويق، دون طرح مناقصة، ولا مصادقة من المجلس التشريعي، أو في الحصّص الموزعة التي تُهدر الثروة الفلسطينية، أو في الموافقة من خلال الاتفاقية مع الشركة بإبلاغ “إسرائيل” بعمليات التنقيب وأيّ اكتشافات جديدة، وتخويل رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني السابق، والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، خالد سلام (محمد رشيد) بالمصادقة والتصرف نيابة عن السلطة بخصوص أي نشاط متعلق بعمل الشركة البريطانية في حقول الغاز الفلسطينية، علمًا بأن رشيد ملاحق اليوم من السلطة الفلسطينية بتهم الفساد، هذا بالإضافة لملاحقة أحد الموقّعين على الاتفاقية من الطرف الفلسطيني بالفساد، وهو حربي صرصور، رئيس الهيئة العامّة للبترول السابق[26].

    وبحسب التقرير، فإنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، فقد تفاوض عزّام الشوا وزير الطاقة الأسبق، ورئيس سلطة النقد الحالي، مع الإسرائيليين، في ذروة اشتعال انتفاضة الأقصى، على بيعهم الغاز الفلسطيني، مقابل تزويد الفلسطينيين بالكهرباء، أيّ دون مقابل ماليّ، وهو الاتفاق الذي أفشله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرائيل شارون، في سعي منه لحرمان الفلسطينيين من أيّ حقّ قانوني في مياه إقليمية، باعتبار أنّ السلطة ليست دولة، وبالتالي فالمياه الإقليمية حقّ لـ “إسرائيل”.

    وفي حين سبق الفلسطينيون غيرهم في اكتشاف حقول الغاز في شرق المتوسط، ممّا نبّه “إسرائيل” للثروات الكامنة فيه،[27] والتي اكتشفت بدورها حقول غاز أخرى بكميات تجارية، ولاسيما حقلي “تمار” المكتشف عام 2009، و”ليفياثان” المكتشف عام 2010[28]، فإنّ السلطة الفلسطينية، وفي قت لاحق من مطلع العام 2014، وقّعت اتفاقية مع “إسرائيل” تشتري بموجبها السلطة الفلسطينية، ولمدّة عشرين عامًا، الغاز الإسرائيلي لتزويد محطّة للكهرباء في جنين[29].

    وقد ألغت حكومة الاحتلال الإسرائيلي اتفاقية توريد الغاز للسلطة الفلسطينية وذلك بعد فك شراكة احتكار الغاز لدى شركات الغاز الإسرائيلية الثلاث الكبرى، مما ينجم عنه تلقائيًّا إلغاء توريد الغاز للسلطة الفلسطينية[30]، وقد أفادت مصادر أخرى أن الطرف الفلسطيني رغب بدوره في إلغاء الاتفاقية[31]، ورجّح مراقبون أن تكون الحملة التي أطلقتها حركة المقاطعة (BDS) على هذه الاتفاقية[32]، قد ساهمت في دفع السلطة لإلغائها[33].

    بقيت الثروات الغازيّة الفلسطينية تتفاعل، بعدما استحوذت، في العام 2015، شركة “رويال داتش شل”، وهي شركة بريطانية هولندية، على شركة “برتش غاز”، وبالتالي آلت إليها حقوق تطوير حقل الغاز المشاطئ لغزّة، ثمّ باعت شركة “شلّ” جزءًا من أصولها، تضمّن حقوق تطوير حقل غاز غزّة، وهو ما صدّق عليه مجلس الوزراء الفلسطيني في آذار/ مارس [34]2018، مما دفع السلطة الفلسطينية لتأسيس تحالف جديد يضمّ صندوق الاستثمار الفلسطيني، واتحاد المقاولين “C.C.C”، مع تفويض صندوق الاستثمار بالتفاوض مع شركة عالمية، لم تُحدّد بعد، لتكون طرفًا في هذا التحالف بدلاً من “شل”[35].

    وقد تغيّرت حصص المستفيدين من المشروع طوال تلك الفترة، فبعد سنوات، وفي العام [36]2015، تمكّن صندوق الاستثمار من رفع حصته في المشروع إلى 17.5% لتنخفض حصة “بريتيش غاز” إلى 55%، وانتقلت فيما بعد الحصة نفسها لشركة “شل”، فيما انخفضت حصة C.C.C”” إلى 27.5%، وبقيت الحصص كما هي إلى أن أحالت الحكومة حقوق التطوير إلى التحالف الجديد، بعد خروج “شل”، في العام 2018، مع رفع حصة صندوق الاستثمار على حساب الشريك الدولي المحتمل، لتصبح 27.5%، وهي حصة مماثلة لحصة C.C.C””، وبذلك تصبح ملكية الشريكين الفلسطينيين مجتمعة 55%، فيما خصصت الحكومة للشريك الدولي حصة تبلغ 45%، وذلك بحسب تصريحات لرئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى[37].

    أخيرًا عاد حقل (غزة مارين) للتداول الإعلامي بعد تصريحات لوزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، في 16 يناير 2020، أثناء مشاركته في أعمال منتدى شرق المتوسط، قال فيها: إن مباحثات تجري مع الفلسطينيين؛ لتطوير الحقل من جانب شركات إسرائيلية، وهو ما يعني إن صحّت تصريحاته، أن تذهب 45٪ على الأقل، من عائدات الحقل للشركات الإسرائيلية، كما تحدث الوزير الإسرائيلي في الوقت نفسه عن محادثات بين حكومته والسلطة الفلسطينية، لتزويد الفلسطينيين بحاجتهم من الغاز الطبيعي[38].

    بيد أن محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، ورئيس الوفد لفلسطيني إلى منتدى غاز شرق المتوسط، قد قال إنّ ما تردد حول موضوع استيراد الغاز الإسرائيلي غير دقيق، وهي عبارة لا تتضمن نفيًا قاطعًا، وقد أثار الشكوك حولها دعوته إلى عدم الخلط بين موضوع تطوير حقل غاز غزة والجهود التي تقودها السلطة الفلسطينية لحلّ أزمة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزّة[39]، مما يعني احتمالية شراء غاز إسرائيلي لصالح كهرباء غزّة، وهو أمر من شأنه أن يكرّس من التبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، وأن يعود بالمنافع الاقتصاديّة على الاحتلال دون السلطة الفلسطينية، والتي قد يشوب تعاملها في ملف شراء الغازّ، لو حصل، فساد سياسي أو اقتصادي، كما تنبّه إلى ذلك تجرب سابقة للسلطة، أو كما في الحالتين المصرية والأردنية.

    خلاصة: المشاركة الفلسطينية مخاطر وشكوك

    حقول الغاز “الإسرائيلية” والقبرصية والمصرية المكتشفة حتّى الآن من شأنها أن تغيّر من خريطة المنطقة، ومعادلة الطاقة التي فيها، وهي بدورها تتقاطع مع المنافسة العالمية في سوق الغاز، ولاسيما على السوق الأوروبي الذي تمدّه روسيا بالغاز، وقد دخلت على خطّه تركيا من خلال خط الأنابيب الجديد (ترك-ستريم) الممتد إلى تركيا[40]، فضلاً عن المساعي التركيّة لضمان حقوق قبرص الشمالية (التركية)، هذا فضلاً عن قيام تركيا بالفعل بعمليات بحث وتنقيب في المتوسط منذ آذار/ مارس 2019، وفي مناطق مُتعدِّدة حول جزيرة قبرص، علمًا بأنّ تركيا لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، وتقول إنّ لها حقوقًا في بعض قطاعات المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص اليونانية، بالإضافة لما تقول إنّها حقوق لقبرص التركية في بعض قطاعات المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص اليونانية[41].

    وهذا جانب واحد، من صورة الصراع المحتدم في شرق المتوسط، والذي أخذ بعدًا جديدًا مع التدخل العسكري التركي في ليبيا، والمتصل عضويًّا باتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية، والتي تمثّل بدورها مشهدًا من هذا الصراع، فضلاً عن احتماليات المواجهة التركية اليونانية، وما قد يدخل على خطّها من دول أوروبية، كفرنسا وإيطاليا[42].

    تتداخل أوروبا المطلّة بدورها على المتوسط، والمستورد الأساس للغاز الروسي، ثم كما يفترض “الغاز الإسرائيلي” والقبرصي، مع هذا المشهد، وكذا الولايات المتحدة، التي تُعنى بالأمر سياسيًّا واستراتيجيا فضلاً عن امتلاك الشركة الأمريكية “نوبل إنرجي” الحصة الأكبر (نحو 40%) في حقل “ليفياثان الإسرائيلي”[43]، كما أن منتدى غاز شرق المتوسط، من شأنه أن يتعارض مع منتدى الدول المصدرة للغاز، والذي يقع مقرّه في الدوحة ويضمّ كبريات الدول المصدّرة للغاز، كقطر وإيران وروسيا والجزائر وفنزويلا، كما أنّه يضمّ مصر أيضًا[44].

    بالضرورة ستنظر تركيا، والحال هذه، إلى منتدى غاز شرق المتوسط، باعتباره مؤامرة[45]، أو تحالفًا ضدّها، لإخراجها من معادلة الطاقة في شرق المتوسط، في حين تبدو تركيا ماضية في تنقيبها عن الغاز سواء في شمال قبرص، أو في منطقتها البحرية وفق اتفاقيتها مع ليبيا[46]، وفي قلب هذه المعادلة المعقدة، تدخل السلطة الفلسطينية من خلال موقعها في منتدى غاز شرق المتوسط.

    بطبيعة الحال، ومع وجود حقول غاز فلسطينية في المتوسط، ستجد السلطة الفلسطينية نفسها معنية بالمشاركة في منتدى غاز شرق المتوسط، على الأقل لضمان الحقوق الفلسطينية في غاز المتوسط[47]،  كما أنّه لا يمكنها إغضاب مصر، وإن كان من المتوقع أن دعوة السلطة لتكون عضوًا مؤسسًا في المنتدى، إنّما تأتي لأغراض سياسية[48] للتغطية على المكانة المميزة لـ “إسرائيل” في هذا المنتدى.

    تأتي إشكالية مشاركة السلطة من جانبين، الأول، الطابع السياسي الاستراتيجي للمنتدى من جهة خدمته للمصالح الإسرائيلية المتعدّدة، اقتصاديًّا وسياسيًّا، وتعزيز مكانة “إسرائيل” العالمية، هذا فضلاً عن دمج “إسرائيل” في المنطقة، لا من خلال دولتين عربيتين هما مصر والأردن فحسب، بل، وأيضًا، ومن خلال مشاركة السلطة الفلسطينية في المنتدى، هذا فضلاً عن شرعنة تصدير الغاز الإسرائيلي، لدول عربية، منها كما هو جاري الآن مصر والأردن، ومن المحتمل في المستقبل السلطة الفلسطينية ودول خليجية، وهذه هي المكاسب الأساسية التي يراها الإسرائيليون في هذا المنتدى[49]، وأمّا الجانب الآخر، فهو الطبيعة التحالفية للمنتدى، والذي قد يُدخل السلطة في صراعات تفوق حجمها وإمكاناتها، ويفقدها بعض داعميها الأساسيين كتركيا.

    وبينما يمكن للسلطة القول إن حضورها مهم بما يؤهّلها للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وبالتالي توفير إمكانيات الانفكاك الاقتصادي عن “إسرائيل” بامتلاك عائدات الثروات الغازيّة، كما يمكن أن تثور بعض المخاوف الإسرائيلية من استخدام المنتدى للضغط على “إسرائيل” للسماح بتطوير حقول الغاز الفلسطينية[50]، فإنّ الشكوك تحيط بقدرة السلطة أو رغبتها في ذلك، فضلاً عن كونها أضعف الأطراف في المنتدى، فلا يُتوقع أن تتعرض “إسرائيل” لضغوط من حلفائها الكبار فيه، ولاسيما اليونان، أو مصر التي قيل إنها كانت من الدول التي عطّلت من قبل مشروعًا لتصدير الغاز الفلسطيني عبر موانئها[51]، كما أن سياسات السلطة الخفيّة والغامضة، بخصوص حقول الغاز، وكما ظهر في أدائها منذ اكتشاف تلك الحقول، وما يُثار الآن عن اتفاقيات محتملة بينها وبين “إسرائيل” لا يبشّر بإمكانية استغلالها لحقول الغاز بما يحافظ على الحقّ الفلسطيني، أو بما ينفكّ بالفلسطينيين عن الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية.

    وبالرغم من الطابع التطبيعي للمنتدى، ودوره في خدمة المصالح الإسرائيلية، وحساسية قضية الغاز في شرق المتوسط بالنسبة للفلسطينيين وحقوقهم، فإنّ بقية القوى الفلسطينية لم تُصدر مواقف خاصّة فيما يتعلق بمنتدى غاز شرق المتوسط، ولعلّ ذلك يرجع في جانب منه إلى رغبتها في عدم إغضاب مصر الفاعل المهم في الملف الفلسطيني، ولاسيما في ملفات قطاع غزّة، بالإضافة إلى إدراكها عدم قدرتها على التأثير في هذه القضية.

    [1]. تفاصيل.. إعلان الاجتماع الوزاري الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، موقع صحيفة اليوم السابع المصرية، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/3arn5oG

    [2]. الوفد الفلسطيني المشارك بمنتدى شرق المتوسط للغاز: تطوير حقل غاز غزة أولوية وحق وطني، ما تردد حول موضوع استيراد الغاز الإسرائيلي غير دقيق، موقع وكالة قدس نت للأنباء، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2Ri0PWX

    [3]. القاهرة تستضيف منتدى غاز شرق المتوسط، موقع مباشر، 22 تموز/ يوليو 2019، https://bit.ly/2GdoZvl

    [4]. الاتفاق التركي-الليبي.. لماذا تناوش أنقرة القاهرة وحلفائها؟، موقع DW العربي، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، https://bit.ly/2ukBfrc

    [5]. تركيا: تحويل منتدى غاز شرق المتوسط لمنظمة دولية بعيد عن الواقع، مقع وكالة الأناضول التركية بالعربي، 17 كانون الثاني. يناير 2019، https://bit.ly/38xra8W

    [6]. إعلان القاهرة لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، 14 كانون الثاني/ يناير 2019، https://bit.ly/36k4rvA

    [7]. المسح السيزمي: عملية يجري من خلالها التعرّف إلى التكوين الجيولوجي تحت سطح الأرض، بواسطة جهاز يُصدر موجات صوتية لباطن الأرض للبحث عن التجاويف الصخرية وما فيها من ثروات نفطية أو غازيّة.

    [8]. ننشر نص إعلان القاهرة الصادر عن القمة الثلاثية “مصر واليونان وقبرص”، موقع صحيفة اليوم السابع، ه تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، https://bit.ly/2RI0rzQ

    [9]. إعلان مشترك من وزراء الطاقة لدول قبرص ومصر واليونان، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، https://bit.ly/2sMioEY

    [10]. قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا توقع اتفاقا لبناء أنبوب نفط تحت البحر، موقع قناة FRANC224، 5 كانون الأول/ ديسمبر 2017، https://bit.ly/2NO7s16

    [11]. أردوغان يكشف بنودا في الاتفاقية البحرية مع ليبيا، موقع الجزيرة نت، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://bit.ly/2NRhD4M

    [12]. أثينا: توقيع مشروع “إيست ميد” بين قبرص واليونان وإسرائيل لمد أوروبا بالغاز، موقع قناة FRANC224، 3 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/3az1LO1

    [13]. مصر تتفق مع قبرص لإنشاء خط لنقل الغاز بتكلفة مليار دولار، موقع البوابة، 19 أيلول/ سبتمبر 2018، https://bit.ly/2Rjenl6

    [14]. هل يكون منتدى غاز شرق المتوسط جسر إسرائيل للخليج؟، موقع الجزيرة نت، 19 كانون الثاني/ يناير 2019، https://bit.ly/2GhByWC

    [15]. المصدر السابق.

    [16]. إعلان القاهرة لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، مصدر سابق.

    [17]. البيان الختامي للاجتماع الثاني لمنتدى غاز شرق المتوسط EMGF، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، 25 تموز/ يوليو 2019، https://bit.ly/2NRpdN3

    [18]. إعلان الاجتماع الوزاري الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط EMGF))، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2Rihh9t

    [19]. المصدر السابق.

    [20]. المصدر السابق.

    [21]. ساري عرابي، الحقائق الصادمة خلف حقول الغاز في شرق المتوسط، موقع عربي21، 21 كانون الثاني/ يناير 2010، https://bit.ly/36kDHvc

    [22]. هكذا حوّل الغاز المنهوب “إسرائيل” إلى دولة مصدرة للطاقة، موقع نون بوست، 17 نيسان/ إبريل 2019، https://bit.ly/30LQJ3z

    [23]. مخزون حقل الغاز الفلسطيني في غزة يتجاوز 33 مليار متر مكعب، موقع شبكة قدس، 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، https://bit.ly/2TSX3Vx

    [24]. هكذا حوّل الغاز المنهوب “إسرائيل” إلى دولة مصدرة للطاقة، موقع نون بوست، مصدر سابق.

    [25]. برنامج ما خفي أعظم – غاز غزة، قناة الجزيرة على موقع يوتيوب، 14 نيسان/ إبريل 2019، https://bit.ly/37j2bpO

    [26]. برنامج ما خفي أعظم – غاز غزة، قناة الجزيرة على موقع يوتيوب، مصدر سابق.

    [27]. هكذا حوّل الغاز المنهوب “إسرائيل” إلى دولة مصدرة للطاقة، موقع نون بوست، مصدر سابق.

    [28]. 4 حقول غاز في شرق المتوسط تغير خريطة المنطقة، موقع مدى مصر، 23 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/3aBhcWg

    [29]. اتفاق ل20 عاماً …توقيع صفقة غاز بين إسرائيل والسلطة الفلسطيني، موقع وكالة فلسطين اليوم، 5 كانون الثاني/ يناير 2014، https://bit.ly/36nnTHY

    [30]. حكومة الاحتلال تلغي اتفاقية تصدير الغاز لـ “إسرائيل”، موقع شبكة قدس، 11 آذار/ مارس 2015، https://bit.ly/2NT4lF1

    [31]. شركة فلسطينية تلغي صفقة شراء غاز إسرائيلي، موقع الجزيرة نت، 11 آذار/ مارس 2015، https://bit.ly/3aExz47

    [32]. اللجنة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل تهاجم اتفاقيات الغاز المهينة معها وتطالب بإلغائها، موقع صحيفة القدس العربي، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2014، https://bit.ly/38z4dT6

    [33]. برنامج ما خفي أعظم – غاز غزة، قناة الجزيرة على موقع يوتيوب، مصدر سابق.

    [34]. مجلس الوزراء يُصادق على خروج شركة “شل” العالمية من حقل غاز غزة، موقع النجاح الإخباري، 5 آذار/ مارس 2019، https://bit.ly/2RN0ham

    [35]. مصطفى: مفاوضات جدية مع شركات عالمية لتطوير حقل غاز مارين غزة، موقع وكالة سما الإخبارية، 7 أيار/ مايو 2018، https://bit.ly/2GmxWCp

    [36]. صندوق الاستثمار يؤكد أولوية القطاع به، حقل غاز غزة.. الجميع مستفيد إلا هي، موقع وكالة صفا، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، https://bit.ly/2O7fFxu

    [37]. مصطفى: مفاوضات جدية مع شركات عالمية لتطوير حقل غاز مارين غزة، موقع وكالة سما الإخبارية، مصدر سابق.

    [38]. إسرائيل: محادثات مع السلطة لتزويد الفلسطينيين بالغاز الطبيعي، وكالة بال سوا، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2RnOGQp

    [39]. “منتدى غاز شرق المتوسط” يؤكّد على الحقوق الوطنية والسيادية الفلسطينية، موقع وكالة وفا، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2TWleTf

    [40]. الغاز الروسي يصل إلى أوروبا عبر تركيا، موقع سكاي عربية، 5 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/38wjoMB

    [41]. شرقي المتوسّط.. مواجهة عسكرية قريبة؟، موقع قناة الميادين، 19 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://bit.ly/2TOZ2KD

    [42]. المصدر السابق.

    [43]. هل يكون منتدى غاز شرق المتوسط جسر إسرائيل للخليج؟، موقع الجزيرة نت، مصدر سابق.

    [44]. منتدى الدول المصدرة للغاز – Gas Exporting Countries Forum (GECF)، موقع petroleum-today، 17 آب/ أغسطس 2015، https://bit.ly/36ntcHk

    [45]. منتدى غاز المتوسط تصفه بالمؤامرة – برنامج الحصاد الإخباري، قناة الجزيرة على موقع يوتيوب، 17 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2NVFPDk

    [46]. المصدر السابق.

    [47]. “منتدى غاز شرق المتوسط” يؤكّد على الحقوق الوطنية والسيادية الفلسطينية، موقع صحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية، 16 كانون الثاني/ يناير 2020، https://bit.ly/2NUkEBk

    [48]. الموقف الفلسطيني من منتدى غاز شرق المتوسط، مركز دراسات الشرق الأوسط، 21 شباط/ فبراير 2019، https://bit.ly/2NSkUAN

    [49]. إسرائيل تتخوف من ضغوط لتفعيل حقل غاز فلسطيني، موقع عرب 48، 16 كانون الثاني/ ينير 2019، https://bit.ly/2Ri3yzs

    [50]. المصدر السابق.

    [51]. برنامج ما خفي أعظم – غاز غزة، قناة الجزيرة على موقع يوتيوب، مصدر سابق.