• " الاستيطان والجدار في محافظة سلفيت"

    تعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية الأشد تضررًا من المشروع الاستيطاني لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي والمركزي على هضاب جبال الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية، وقد تعرضت هذه المحافظة كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى اجتياح كبير واستهدافٍ لأراضيها الخصبة والمرتفعة على مدى العقود الماضية منذ دخول الاحتلال إليها. وقد كانت سلفيت تاريخيًا تتبع إلى محافظة نابلس خلال الحكم الأردني قبل عام 1967، ومن ثم إلى محافظة طولكرم بعد الاحتلال الإسرائيلي، وبعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في التسعينيات تم إصدار قرار بتحويلها إلى محافظة مستقلة عن المدن المجاورة. وتبلغ مساحة محافظة سلفيت بحدودها الإدارية الحالية (204 كيلومتر مربع) ويسكنها حوالي 75 ألف فلسطيني (الإحصاء الفلسطيني، 2017)، وتخضع الغالبية العظمى من أراضيها (حوالي 75%) للسيطرة الإسرائيلية، وهي المناطق المصنفة (ج) بحسب اتفاقية أوسلو. وبسبب وجود هذه السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، فقد استبيحت أراضيها بالقوة وأصبحت امتدادًا للمشروع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية التي تشكل منطقة استهداف إستراتيجي للمشروع الصهيوني السياسي والاستيطاني ضمن ما يسمونها منطقة (السامرة). ومنذ عام 1967 تصاعد الوجود الاستيطاني في سلفيت حتى وصل ذروته في الوقت الحالي بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي ووجود سكاني إسرائيلي كبير نسبيًا.

    وتعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية المنكوبة بفعل المشروع الاستيطاني حتى أصبح البعض يسميها أسفًا "محافظة المستوطنات"؛ نتيجة للتغول الاستيطاني الكبير على حساب الوجود الفلسطيني، وقد عملت المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية والأهلية والشعبية ضمن إمكانياتها المحدودة والمتواضعة على دعم صمود هذه المحافظة وسكانها في وجه الاستيطان، لكن القوة العسكرية للاحتلال تفرض نفسها على الأرض، وقد وقف أهالي محافظة سلفيت وقراها مدافعين عن أرضهم وقدموا لذلك ما استطاعوا وظلوا صامدين على الأرض.

  • استهداف الأسرى الفلسطينيين.. سياقاته الجارية، وأهدافه العميقة

    ملخص:

    يواجه الأسرى الفلسطينيون، وعلى نحو متصاعد، هجمات مكثفة، تستهدفهم داخل معتقلاتهم، كما وتستهدف ملفهم في عمقه وجوهره وأبعاده النضالية، ولاسيما بعد الإجراء الفعلي الذي صادق عليه ما يُعرف بـ "المجلس الوزاري المصغر" في "إسرائيل"، والذي تضمّن مصادرة 502 مليون شيقل، من عائدات الضريبة الفلسطينية، وبما يعادل مجموع مخصصات أسر الأسرى والشهداء خلال العام 12018، في تنفيذ لما كان الكنيست قد صادق عليه من قبل في تموز/ يوليو 20182. وقد سبق الإجراء المشار إليه وتلاه؛ العديد من الحوادث التي تعرض فيها الأسرى الفلسطينيون لانتهاكات واعتداءات من إدارات السجون.

    تقرأ هذه الورقة في سلسلة الحوادث الأخيرة، وتحاول أن تضعها في سياقاتها السياسية الجارية، وعلاقتها برؤية الاحتلال الإسرائيلي لملف الأسرى من موضوع الصراع برمته.

    نظرة عامة على معركة الأسرى المفتوحة

    وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية العام 2018 أكثر من 5370 سجينًا فلسطينيًّا3، يواجهون استهدافًا مركّزًا يزداد حدّة في الآونة الأخيرة، وإن كان متصلاً باستمرار بنمط متصاعد من الاستهداف من بعد انتفاضة الأقصى، وزيادة عدد السجناء الفلسطينيين، وافتتاح سجون جديدة أثناءها، ولاسيما سجني "عوفر" و"النقب"، وبسط سيطرة مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية، على جميع السجون التي تضمّ المعتقلين الأمنيين الفلسطينيين، من بعد أن كانت بعض تلك المعتقلات تتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

    وكانت سلسلة من القرارات والقوانين قد صدرت بحقّ أسرى حركة حماس على وجه التحديد من بعد أسر الحركة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ومنذ الثلث الأول من العام 2009 بدأت تلك الإجراءات والقرارات بالتبلور، والتي تتضمن تقليص زيارات الأهالي، وتقليص حقوق الأسرى في التعليم و"الكانتينا" وممارسة الأنشطة الرياضية وتحديد القنوات التلفزيونية4، وقد ظلت القوانين والإجراءات التي تستهدف أسرى حماس خصوصًا، تتجدد طوال السنوات التالية5، وكان من تلك القوانين أخيرًا، قانون مخصّص لمنع زيارات أهالي أسرى التنظيمات الفلسطينية "التي تحتجز رهائن إسرائيليين"6.

    بيد أنّ هذه القوانين والإجراءات أخذت في الازدياد منذ الثلث الأخير من العام 2018، وبما يتجاوز قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة حماس في قطاع غزّة، وبما يشمل مضامين سياسية وأمنية خطيرة، لا تقتصر على أوضاع السجناء الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

    فمن سلسلة القوانين التي تستهدف ملف الأسرى عمومًا، استثناء الأسرى الفلسطينيين الأمنيين من قانون تقليص مدّة الاعتقال، وبما يقصر هذا القانون على السجناء الجنائيين فحسب7، والبدء في بلورة قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين8، والمصادقة في الكنيست بالقراءة التمهيدية على قانون طرد عائلات منفذي العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي من أماكن سكناهم إلى أماكن أخرى داخل الضفة الغربية9، والاستعداد لطرح قانون يقضي بتشديد "العقوبات" على الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك عقوبة المؤبد10، وإقرار قانون يقضي بتجميد أموال علاج الأسرى الفلسطينيين سواء الذين اعتقلوا بعد إصابتهم أثناء تنفيذ العمليات، أو غيرهم من الأسرى الأمنيين11، على أن تُخصم تكلفة علاج الأسرى من عائدات الضريبة الفلسطينية12.

    التصعيد في مطلع العام 2019

    وكان التصعيد الواضح في سلسلة هذه القوانين والإجراءات، فيما عُرف أخيرًا بلجنة "أردان"، نسبة لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "أردان"، التي أقرّت، مطلع العام الجاري 2019، سلسلة إجراءات واسعة بهدف التضييق على الأسرى الفلسطينيين، من ضمنها؛ تقليص عدد الزيارات العائلية للأسرى للحد الأدنى، وإلغاء الاعتراف بممثلي الأقسام والسجون، ووقف الفرز التنظيمي داخل الغرف وأقسام المعتقلات، ووقف "الكانتينا" التي تدفعها هيئة الأسرى، وتقليص "الكانتينا" التي يدفعها أهالي الأسرى، ومنع تحضير الطعام داخل الأقسام والغرف وسحب الأجهزة الكهربائية المستخدمة في ذلك13.

    ويأتي قانون خصم مخصصات الأسرى والشهداء من الضريبة الفلسطينية، الذي بدأت "إسرائيل" في تنفيذه في هذا السياق المكثف، والذي تتصاعد فيه الإجراءات والقوانين ضدّ الأسرى الفلسطينيين.

    وكانت إدارة سجن "عوفر"، المشيّد داخل الضفة الغربية بالقرب من مدينة رام الله، قد شنّت حملة قمع واسعة مطلع العام الجاري، طالت أقسام السجن، وأدّت إلى إصابة أكثر من 100 أسير فلسطيني، واحتراق عدد من غرف الأسرى، وذلك بعد سلسلة اقتحامات متتالية لأقسام الأسرى من وحدات مدججة14، وقد انتهت خطوات الأسرى الاحتجاجية في سجن "عوفر" وبقية السجون الإسرائيلية، والتي رافقها خطوات داعمة في الشارع الفلسطيني، إلى تراجع إدارة سجن "عوفر" عن إجراءاتها العقابية بحقّ أسرى السجن15.

    وفي مطلع شباط/ فبراير الماضي استشهد الأسير الفلسطيني فارس بارود (51 عامًا)، من قطاع غزّة، داخل سجون الاحتلال نتيجة الإهمال الطبي، بعدما كانت قد أجريت له من قبل عملية استئصال جزء من كبده، علمًا بأنّه يقضي حكمًا بالمؤبد منذ العام 1991، ليبلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة بذلك (218 شهيدًا)، وقد تبع استشهاده إجراءات احتجاجية16 من الأسرى الفلسطينيين ضدّ مصلحة إدارة السجون وسياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تنتهجها دائمًا، وعزّزتها الحكومة الإسرائيلية بقوانين سبقت الإشارة إليها.

    وعلى نحو متزامن مع استشهاد الأسير فارس بارود، قامت إدارة سجن "ريمون" بعزل الأسير الفلسطيني مالك حامد (23 عامًا) من بلدة سلواد شرقيّ رام الله، بعدما قام بسكب ماء ساخن على أحدّ السجانين الإسرائيليين عقب سماعه بخبر استشهاد فارس بارود والذي شاركه الغرفة الاعتقالية ذاتها لفترة من الزمن قبل نقل فارس بارود من السجن إلى مستشفى "سوروكا"17، وما يزال الأسير مالك حامد، منذ تلك الحادثة، معزولاً في زنازين السجن الانفرادي، في سجن "ريمون"18.

    وظلّ التوتر قائمًا داخل سجون الاحتلال، لا سيما مع سياسات التفتيش المكثفة، ونصب أجهزة التشويش على الهواتف النقالة التي "يهرّبها" المعتقلون الفلسطينيون الأمنيون، والذين تمنعهم مصلحة إدارة السجون، ومن دون بقية السجناء داخل السجون الإسرائيلية، من استخدام الهواتف العمومية المخصّصة للاتصال بالأهالي، فقد أعلن معتقلو سجون "نفحه" و"ريمون" و"إيشل" و"مجدو" و"جلبوع" و"النقب" عن قيامهم بخطوات نضالية احتجاجًا على نصب أجهزة تشويش في معتقل "النقب"19، وعلى إثر هذا التوتر زعم الاحتلال أن أسيرًا فلسطينيًّا في سجن النقب أضرم النار في نفسه20، ودفع الاحتلال بوحداته الخاصة لقمع احتجاجات الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال21.

    الحراك التضامني والإجراءات المقابلة

    دفعت أحداث سجن "عوفر" إلى وقفات تضامنية في مختلف مدن ومحافظات الضفة الغربية22، وكذلك في قطاع غزّة، حيث جمعت الفعاليات مختلف القوى الوطنية والإسلامية والمؤسسات الحقوقية23، وقد تفاعلت القوى الوطنية والإسلامية، وعدد من الهيئات والاتحادات الأهلية والنقابية، والشخصيات والوزراء مع سلسلة الأحداث المتصلة بالأسرى بعدد من البيانات والتصريحات، لاسيما وفيما يخصّ أخيرًا قرار الاحتلال خصم مخصصات الأسرى من عائدات الضريبة الفلسطينية24، ومع ذلك يمكن ملاحظة ضعف الحراك الجماهيري، قياسا بحالات الحراك الداعم لإضرابات الأسرى الكبرى، حتى في ذروة تراجع الفعل الوطني الفلسطيني.

    من جهتها حذرت القوى الوطنية والإسلامية من خطة ممنهجة تستهدف أبسط حقوق الأسرى الإنسانية25، ومن أنّ الإجراءات الإسرائيلية ضربة قاسية للقوانين الأممية26، وأكدت على استمرار الحراك الشعبي المساند للأسرى، وعلى أنّ جهود المقاومة لن تتوقف لإطلاق سراحهم27، ومن أنّ تركيب أجهزة التشويش سيكون له تداعيات خطيرة على مجمل أوضاع السجون وستؤدي إلى انفجار عارم للأسرى28، وكانت حركة حماس قد أعلنت أنّ رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية يجري اتصالات مع الأطراف ذات العلاقة لوقف الانتهاكات في حقّ الأسرى29.

    وفي حين أعلنت الرئاسة الفلسطينية، أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتابع بقلق التصعيد الإسرائيلي ضدّ الأسرى الفلسطينيين، وأنّه يجري اتصالاته لوقف هذه الاعتداءات30، فإنّه صرّح في وقت لاحق بأنّ السلطة الفلسطينية لن تستلم أموال الضرائب منقوصة، في إشارة منه إلى مصادرة "إسرائيل" لأموال الضريبة بما يكافئ ما تدفعه السلطة لأهالي الأسرى والشهداء، قائلاً إنّ الهدف من الإجراء الإسرائيلي تشديد الحصار على الفلسطينيين بهدف تمرير "صفقة القرن"، مؤكدًا على أنّ الأولوية في دفع المخصصات والرواتب ستظلّ لأسر الشهداء والأسرى والجرحى31.

    موقف الرئيس عباس ذاته؛ أكّدت عليه الحكومة الفلسطينية التي قالت إنها ستحافظ على رواتب الأسرى رغم الاقتطاع الإسرائيلي32، بينما حذّر، في الوقت نفسه، رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، من أن خطوة الاحتلال القاضية بمصادرة مخصصات الأسرى من عائدات الضريبة، تضع الاقتصاد الفلسطيني في دائرة الخطر، وتهدد قدرة السلطة الفلسطينية على دفع الرواتب، وتعطل دوران العجلة الاقتصادية33.

    بيد أنّه ورغم إصرار السلطة الفلسطينية على دفع مخصصات الأسرى والشهداء، فإنّه يشكل على موقفها هذا قطعها بالفعل مخصصات المئات منهم، ولاسيما في قطاع غزّة لأسباب متصلة بالخصومات السياسية الجارية، وهو الأمر الذي استغربته القوى الوطنية، خاصة مع الإجماع على إخراج قضية الأسرى من التجاذب السياسي34، وإن كان إجراء قطع رواتب أسرى من غزة، أو من حركة حماس، ظلّ يتدرج ويتصاعد من السلطة الفلسطينية، ولم يبدأ من الآونة الأخيرة فحسب35.

    في السياقات والأهداف

    ثمّة سياقات عامّة تاريخية تتمثل في استهداف الاحتلال الدائم للأسرى الفلسطينيين، والذي أخذ يتصاعد من بعد انتفاضة الأقصى بعدما اتسعت السجون الإسرائيلية، وتمددت سيطرة مصلحة إدارة السجون على المعتقلات التي كان يديرها الجيش الإسرائيلي، وتراجعت العافية النضالية للحركة الأسيرة نتيجة جملة من العوامل الذاتية والخارجية، التي يتصل بعضها بالظرف السياسي في الميدان في الخارج، وبظروف التراجع العام في القدرة الفلسطينية على الفعل.

    في مرحلة تالية ارتبطت الإجراءات بمجريات مباشرة، تخصّ العمل المقاوم ذي الصلة بقضية الأسرى، كما في الإجراءات التي تبعت أسر حركة حماس للجندي جلعاد شاليط36، وفي عملية أسر المستوطنين الثلاثة في مدينة الخليل ثم مقتلهم حزيران/ يونيو 2014، وفي أسر حركة حماس لجنود إسرائيليين37، في حرب العام 2014.

    بيد أنّه وحين ملاحظة الفترة الزمنية التي تكثّفت فيها سلسلة القوانين والإجراءات الإسرائيلية والتي تشمل عموم الأسرى الفلسطينيين، يُلاحظ أنّها جاءت في الربع الأخير من العام 2018، ثم استمرت بتصاعد واضح مع بداية العام 2019، وهنا يمكن تسجيل عدد من الملاحظات الأساسية تتعلق بمستويات ثلاثة، الظرف الميداني، والإسرائيلي الداخلي، والسياسي العام.

    فميدانيًّا، حافظت الحالة الكفاحية في الضفّة الغربية على وتيرة من حضور العمل المقاوم ، سواء في مطلع العام أم في آخره، وعادت إلى الواجهة حالات "المطاردين"، وُنفّذت عمليات مسلحة وقفت خلف بعضها حركة حماس38، وهو ما دفع الاحتلال لشنّ حملة اقتحامات واسعة لمدينة رام الله، غير منفكّة عن تصاعد الاعتقالات في الضفة الغربية، فقد بلغ عدد المعتقلين في العام 2018، أكثر من 6500 معتقل فلسطيني39.

    لا يمكن، والحال هذه، فصل تكثيف القوانين الإسرائيلية المستهدفة للأسرى عن الظرف النضالي الميداني في الضفة الغربية، وهو أمر يتصل في الوقت نفسه بالظرف الإسرائيلي الداخلي، فبينما لم تتمكن المؤسسة الإسرائيلية من كبح نزعة المقاومة في الضفة، فإنّها عانت في الثلث الأخير من العام الماضي من فشل في عملية أمنية في قطاع غزّة40، تبعها موجة تصعيد، استقال مع نهايتها وزير الجيش الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان، ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، تتحوّل قضايا الصراع مع الفلسطينيين إلى مواد انتخابية ومادة للمزايدة الداخلية وكسب الشارع الإسرائيلي41.

    في كل الأحوال سيكون نتنياهو، والأقطاب النافذة في حكومته، حريصين على إبراز البطش وعدم التسامح مع الفلسطينيين، وترميم أي صورة قوة تهشّمت بسبب سلسلة الأحداث الأمنية سواء في الضفة أو في غزة، وهنا تظلّ قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة حماس حاضرة، إذ يجري ترحيل الأزمة أمام الرأي العام الإسرائيلي بتشديد الإجراءات ضدّ الأسرى الفلسطينيين، في حين تبقى ورقة الأسرى الفلسطينيين ورقة ابتزاز في مفاوضات "إسرائيل" مع حركة حماس حول أيّ صفقة تبادل محتملة، لاسيما وأن الحديث عن ذلك لا ينقطع42.

    في المستوى السياسي الأعم، وبما لا ينفصل في الوقت نفسه عن الظرف الانتخابي الإسرائيلي43، وإذ يجدر التذكير بأن التهديد الإسرائيلي المستمر بهذا الخصوص قديم، وأخذ بالتبلور القانوني منذ العام 442017، فإنّه لا يمكن عزل هذا القانون عن التهديد السياسي العام الذي يستهدف القضية الفلسطينية، والذي كان من ضمن عناوينه الأخيرة قضايا القدس واللاجئين، والضغط على السلطة الفلسطينية وقيادتها بقطع المعونات الأمريكية عنها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتوسعة الإدارة المدنية على حساب صلاحيات السلطة الفلسطينية، فإذا كانت الاعتبارات الانتخابية الإسرائيلية قابعة في ذلك كلّه، فإنّ الأهداف السياسية الأكبر لا تقلّ حضورًا.

    وفي عمق الممارسة الإسرائيلية، يأتي هدف تحطيم صمود الأسرى، باعتبار أن صمودهم، وقدرتهم على ابتداع الأدوات النضالية، وفرض إنجازاتهم لتحسين ظروف اعتقالهم.. من أسباب تعزيز النضال الفلسطيني، وفي حين تهدف المؤسسة الإسرائيلية، إلى كسر صمود الأسرى، لإحباط النضال الفلسطيني عمومًا، ومع ذلك يبدو أن هناك مخاوف كبيرة لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية في "إسرائيل"، من أن يؤدّي قمع الأسرى وتصاعد نشاط الحركة الأسيرة، بالتزامن مع التوتر في القدس والمتعلق بالمسجد الأقصى، وعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها كاملة، وفي ظرف تشهد فيه أصلاً الضفة الغربية حالة من الفعل المقاوم بوتيرة معينة.. من أن يؤدّي ذلك إلى موجة أعمال مقاومة أوسع في الضفة الغربية والقدس45.

    خلاصة:

    تتزايد الإجراءات الصهيونية التصعيدية بحق الأسرى الفلسطينيين، كجزء من سياق أشمل يستهدف تقويض نماذج الصمود الفلسطيني، ويسعى لكسر إرادة الحركة الوطنية الأسيرة، التي طالما اعتبرت نموذجا ملهما للنضال الفلسطيني، ورغم الوفرة الكمية في ردود الفصائلية والرسمية وشبه الرسمية، إلا أنه يمكن ملاحظة غياب الحراكات الشبابية والشعبية التي ارتبط ظهور بعضها بالإضرابات السابقة للأسرى، والتي شكلت بدورها نموذجا لنمط جديد من النضال الفلسطيني العابر للفصائل وللتقسيمات الجغرافية، وهو ما يجب أن يثير قلقا حقيقيا تجاه مصير مثل هذه الحالات، وتجاه افتقاد قطاع واسع من الفاعلين السياسيين الفلسطينيين القدرة على مواصلة التحرك لفترات طويلة، وتنظيم الذات وابتداع أدوات متجددة للعمل، هذه المخاوف جميعها يتصل بصيغة موسمية باتت تصبغ الكثير من أنماط العمل الوطني الفلسطيني، بما يمنح الاحتلال فرصة لفترات من التفرد بالأسرى يمرر فيها إجراءاته ضدهم دون ردود فعل كبيرة من الفلسطينيين خارج السجون.

    مع ذلك تشكل إضرابات الاسرى واحتجاجاتهم، تاريخيا، فرصة لاستنهاض الحالة الوطنية، وضخ أنماط جديدة من التحركات الجماهيرية، خصوصا أن التصعيد الصهيوني المتزايد يشمل ملفات حساسة أخرى كملف المسجد الأقصى. إجمالا تبدو عوامل الضغط مواتية لتفجير ردة فعل جماهيرية واسعة النطاق، ولكن العوامل الذاتية الفلسطينية باتت بدورها تشكل معيقا حقيقا، في ضوء غياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم رسميا أو فصائليا، والرسائل المتضاربة التي يقدمها الموقف الرسمي الفلسطيني.


    1. الاحتلال يصادق على خصم مخصصات الأسرى (502 مليون شيقل) من عائدات الضرائب الفلسطينية، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 17 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/mHYdLi

    2. المصادقة على قانون لنهب مخصصات الشهداء والأسرى، موقع عرب48، 2 تموز/ يوليو 2018، https://goo.gl/pbaKHW

    3. معطيات حول الفلسطينيين المحتجزين لدى قوات الأمن الإسرائيلية، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة- بتسيلم، 21 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/aDMUhU

    4. اللجنة الوزارية لتشديد ظروف احتجاز أسرى حماس بحثت فرض عقوبات على أسرى حماس والجهاد الإسلامي، موقع عرب 48، 18 آذر/ مارس 2009، https://goo.gl/ZNgCiL

    5. "الكابينت" يقرر التضييق على أسرى حماس، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 29 حزيران/ يونيو 2016، https://goo.gl/ajGneV

    6. الكنيست يصادق تمهيديا على قانون منع الزيارات عن أسرى حماس، موقع عرب 48، 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/ufpFVU

    7. "الكنيست" تصادق على حرمان الأسرى من تقصير فترة اعتقالهم، موقع وكالة معا، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/DsRsnB

    8. قانون إعدام الأسرى.. بين العنصرية والدعاية الانتخابية الإسرائيلية، موقع الجزيرة نت، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/nxP6dz

    9. الكنيست يصادق بالتمهيدية على قانون طرد عائلات منفذي العمليات، موقع عرب 48، 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/Jhj4c6

    10. "مشروع قانون" إسرائيلي بتشديد أحكام المؤبد ضد الأسرى، موقع وكالة معا، 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/2tYpHU

    11. إقرار قانون لوقف تمويل علاج المصابين والأسرى، موقع وكالة معا، 4 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/q1SZwn

    12. مشروع قانون إسرائيلي لخصم تكاليف علاج الأسرى من أموال السلطة، موقع عربي21، 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/xxAtsg

    13. لجنة "أردان" تقر سلسلة عقوبات بحق الأسرى، موقع وكالة معا، 7 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/nuoDny

    14. إضراب في سجن "عوفر" ومنع المحامي من لقاء الأسرى، موقع وكالة سما الإخبارية، 22 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/onGrT5

    15. تقرير إخباري لقناة الميادين الفضائية، من حساب قناة الميادين على موقع يوتيوب، 27 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/HQDTn4

    16. استشهاد الأسير الفلسطيني فارس بارود.. واستنفار داخل سجون الاحتلال، موقع العربي الجديد، 6 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/9BXMNj

    17. عزل الأسير مالك حامد بعد سكبه الماء الساخن على سجان، موقع وكالة فلسطين اليوم، 7 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/FxLSGu

    18. الاحتلال يواصل عزل الأسير مالك حامد منذ استشهاد فارس بارود، مكتب إعلام الأسرى، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/uizpRZ

    19. من حساب موقع نادي الأسير على موقع الفيسبوك، 24 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/ojwJEf

    20. الاحتلال يدعي: أسير من النقب يضرم النار في نفسه، موقع وكالة فلسطين اليوم، 24 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/5JVb9o

    21. الوحدات الخاصة تتأهب لقمع حراك الحركة الأسيرة بسجون الاحتلال، موقع عرب 48، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/CeCAck

    22. وقفات تضامنية مع الأسرى في عدة محافظات رفضا لسياسات إدارة السجون بحقهم، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 22 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/AdjHRX

    23. الفصائل: ما حدث في عوفر إعلان حرب.. وقفة تضامنية بغزة مع الأسرى في سجون الاحتلال، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 22 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/n47VxD

    24. إدانة واسعة لقرار الاحتلال اقتطاع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، موقع صحيفة الأيام الفلسطينية، 19 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/FgExxw

    25. تصريح صحفي حول اعتداء الاحتلال على أسرى سجن عوفر، موقع حركة حماس، 21 كانون الثاني/ يناير 2019، http://hamas.ps/ar/post/10115

    26. “فتح”: الجرائم بحق الأسرى انعكاس لتمرد دولة الاحتلال على الشرعية الدولية وعجز العالم عن محاسبتها، موقع مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة فتح، 22 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/kChRki

    27. البريم انتصار ألم ومعاناة الأسرى على إرهاب العدو الصهيوني في ساحة السجون هو نجاح وإنجاز وطني مهم، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 24 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/NauJtW

    28. بيان صادر عن منظمة الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال.. منظمة الجبهة بالسجون: إزالة أجهزة التشويش أو الانفجار، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/5ux6iF

    29. هنية يجري اتصالات للضغط على الاحتلال لوقف الانتهاكات بالسجون، 25 شباط/ فبراير 2019، http://hamas.ps/ar/post/10237

    30. الرئيس يتابع بقلق بالغ ويدين الاعتداءات على الأسرى ويوجه المسؤولين لإجراء الاتصالات العاجلة مع كافة الجهات، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 23 كانون الثاني. يناير 2019، https://goo.gl/GAaPco

    31. كلمة الرئيس محمود عباس خلال اجتماع اللجنة الوطنية العليا المكلفة بتنفيذ قرارات المجلس المركزي 20 شباط 2019، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، https://goo.gl/Wy4BQA

    32. الحكومة الفلسطينية: سنحافظ على رواتب الأسرى رغم الاقتطاع الإسرائيلي، موقع العربي الجديد، 21 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/8JffSt

    33. من حساب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله على موقع الفيسبوك، 17 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/7aBMwc

    34. شهاب: قطع مخصصات الأسرى والشهداء جريمة كبيرة بحق الوطن والوطنية، موقع وكالة فلسطين اليوم، 7 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/i56Yda

    35. برهوم يستنكر قطع رئيس السلطة مخصصات الأسرى، موقع حركة حماس، 5 حزيران/ يونيو 2017، http://hamas.ps/ar/post/7461

    36. "الكنيست" يُقر مشروع قانون "شاليط"، موقع صحيفة فلسطين، 2 تموز/ يوليو 2010، https://goo.gl/YZvZhS

    37. المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر يقرر التضييق على أسرى حماس، موقع قناة الميادين الفضائية، 17 حزيران/ يونيو 2014، https://goo.gl/kRqc1e

    38. أحداث المقاومة في الضفة الغربية.. كثافتها واحتمالاتها، مركز رؤية للتنمية السياسية، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/K8Gd9U

    39. المؤسسات الحقوقية: الاحتلال اعتقل أكثر من 6500 مواطن خلال عام 2018، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/5WjQUW

    40. العملية الأمنية الإسرائيلية في خانيونس الدوافع والتداعيات والنتائج، مركز رؤية للتنمية السياسية، 10 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/Mmt7Jc

    41. قانون إعدام الأسرى.. بين العنصرية والدعاية الانتخابية الإسرائيلية، موقع الجزيرة نت، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، مصدر سابق.

    42. القناة العبرية السابعة: صفقة تبادل أسرى مع حماس قبل انتخابات الكنيست، موقع وكالة فلسطين اليوم، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/nWxSUj

    43. ديختر يبني حملته الانتخابية على التحريض ضد الرئيس عباس بشأن مخصصات الاسرى، موقع صحيفة القدس الفلسطينية، 25 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/iiWmsT

    44. الاحتلال يتذرع بـ"مخصصات الأسرى" لسرقة الأموال الفلسطينية، موقع العربي الجديد، 11 حزيران/ يونيو 2017، https://goo.gl/Jru8Gx

    45. مخاوف إسرائيلية من تصعيد جديد في الأراضي الفلسطينية، موقع صحيفة القدس العربي، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/vjszcU

  • الانتخابات الفلسطينية.... تحديات وفرص

    أحمد عطاونة

    يحتدم النقاش في الساحة الفلسطينية حول الانتخابات التشريعية والرئاسية، لا سيما بعد أن أعلنت كافة الفصائل الفلسطينية في غزة وفي مقدمتها حركة حماس الموافقة على عقد الانتخابات وفقا لرؤية الرئيس محمود عباس القائمة على إجرائها على أساس قانون التمثيل النسبي الكامل، الذي يعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة دائرة انتخابية واحدة، وكذلك عدم التزامن بين التشريعية والرئاسية بحيث يفصل بينهما ثلاثة أشهر أو أكثر. ومما يرفع من سقف التوقعات بإجراء هذه الانتخابات و يوحي بأن فرصة جدية تلوح في الأفق، كثرة الحديث عن ضغوط دولية، وبالذات أوروبية، تمارس على السلطة، في ظل فراغ دستوري نجم عن قرار السيد أبو مازن حل المجلس التشريعي، وعجز فصائلي عن الخروج من المأزق الوطني القائم، بالإضافة الى أن صحة الرئيس "الثمانيني"، الذي بات بيده كل السلطات والصلاحيات وهو رئيس كل المؤسسات السياسية، محل نقاش ما أن يخفت حتى يعود من جديد، واذا ما تزامن ذلك مع فشل رهانات مختلف الأطراف الفلسطينية على التغير في المنطقة العربية، سواء لصالح الربيع العربي أو الثورات المضادة، وبما يخدم صراعها البيني، فإن الأمل يزداد بجدية هذه الخطوة وبلوغها منتهاها.

    "فمن يشارك في الانتخابات يدرك أنه يجب أن يتخلى عن السلطة إذا ما قادت إرادة الناخبين الى ذلك، وإلا فلا مبرر للمشاركة فيها أو الدفع باتجاه عقدها"

    رغم ذلك، يثير كثيرون وهم محقون، الكثير من التساؤلات حول إمكانية إجراء الانتخابات، وكيف لها أن تتم في بيئة سياسية يسودها انعدام الثقة بين الأطراف والعجز عن تطبيق أي من التفاهمات التي وقعت بين الفصائل، وغياب سلطة القانون، وفقدان الحريات في ظل سيطرة وسطوة الأجهزة الأمنية، التي باتت الحاكم الفعلي للأراضي الفلسطينية والمتحكم في تفاصيل حياة الناس، وفي ظل الأزمات الداخلية التي تعاني منها الفصائل، لا سيما حركة فتح، التي يشكل تيار القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان أحد التحديات الرئيسة التي تواجهها، وقبل كل ذلك التحديات الناجمة عن الاحتلال وقدرته على التأثير بشكل فعال في الانتخابات وبالذات في الضفة الغربية وخاصة في مدينة القدس. وأخيرا مدى جدية الأطراف المختلفة في التنازل عما بين أيديها من سلطات إذا ما خسرت الانتخابات، أو عجزت عن تشكيل تحالفات تضمن بقاءها في السلطة، فمن يشارك في الانتخابات يدرك أنه يجب أن يتخلى عن السلطة إذا ما قادت إرادة الناخبين الى ذلك، وإلا فلا مبرر للمشاركة فيها أو الدفع باتجاه عقدها.

    النظر في هذه التخوفات والتساؤلات ينبغي أن يكون في سياق نظرة شاملة للمشهد الفلسطيني ومن كافة الزوايا، وبنظرة سريعة على الواقع السياسي الدولي والإقليمي، نجد أن موقع القضية الفلسطينية قد تراجع كثيرا، ولم تعد القضية الفلسطينية أولوية عند عدد كبير من القوى الدولية والإقليمية، وحتى العربية، فقد نتج عن موجة الربيع العربي، وموجة الردة عنها عبر الثورات المضادة، مجموعة من القضايا السياسية والوطنية والقومية، ولم تعد فلسطين قضية المنطقة الوحيدة، فلدينا القضية العراقية واليمينة والسورية والليبية، وهي قضايا شائكة ومعقدة تتداخل فيها الأدوار الدولية والإقليمية والدينية والسياسية والطائفية والقومية...الخ، مما يجعل التنبؤ بموعد انتهائها أمرا غاية في الصعوبة، خصوصا وأن هذه القضايا المتفجرة مركزها مجموعة من أهم الدول التي عرفت تاريخيا بدعمها للقضية الفلسطينية.

    يتزامن هذا التراجع في الموقع الدولي والإقليمي للقضية مع أزمة  غير مسبوقة في البرامج السياسية والوطنية وغياب للرؤية تعاني منها الفصائل والقوى الفلسطينية، ما جعل الفلسطينيين يعيشون متاهة لا يبدو لها مخرج في المدى المنظور، وقد قاد ذلك إلى حالة جمود سياسي ووطني لا تؤدي الا لمزيد من التدهور في الحالة الوطنية، وبدا الانقسام وكأنه قدر الفلسطينيين الذي لا يستطيعون الخلاص منه، وظهر الجميع عاجزا أمام التيارات المستفيدة منه، وباتت لقاءات المصالحة التي لا يترتب عليها أي تغيير إيجابي على الأرض محل نقد شديد، بل وتهكم في بعض الأحيان، من قبل غالبية الشعب الفلسطيني.

    "وفي ظل الانغلاق القائم وعجز آليات مختلفة عن التغيير في الوضع القائم والتخلص من الانقسام، قد تشكل الانتخابات التشريعية والرئاسية مدخلا ممكنا للتغير"

    هذا الفشل الوطني في الوصول إلى صيغ قابلة للتطبيق، وغياب الإرادة أو القدرة على تطبيق ما يتفق عليه من تفاهمات وطنية، أدى الى حالة ركود وطني قاتل، ففي مقابل العجز الفلسطيني عن الفعل، على أكثر من صعيد، يستمر الاحتلال في فرض الوقائع على الأرض، مستندا الى ضعفنا ودعم دولي منحاز يشجعه على الاستمرار في التغول على الحقوق الفلسطينية، فنقل السفارة الصهيونية الى القدس، والاعتراف بها عاصمة للكيان ،وضم الجولان السوري المحتل، والحديث عن ضم معظم أراضي الضفة الغربية، كل ذلك حدث في ظل عجز فلسطيني، لا بد من العمل على التحرر منه، والتغلب على العوامل التي أوصلتنا إليه، فالانتظار لا يخدم إلا الاحتلال. بينما التغير في المشهد السياسي الفلسطيني والبنية السياسية والمؤسساتية متطلب أساسي للتغلب على هذه الحالة من العجز، وفي ظل الانغلاق القائم وعجز آليات مختلفة عن التغيير في الوضع القائم والتخلص من الانقسام، قد تشكل الانتخابات التشريعية والرئاسية مدخلا ممكنا للتغير، عدا عن كونها مسارا طبيعيا وصحيا، وذلك للاعتبارات الآتية:

    أولا: الانتخابات حق أصيل للشعب الفلسطيني، وكما أن الشعب الفلسطيني، كان ولا زال، هو صمام الأمان في الحفاظ على القضية الوطنية وحامي ثوابتها ، فمن حقه أن يقول كلمته ويعبر عن إرادته تجاه الأزمة القائمة.

    ثانيا: عدم قدرة الفصائل الفلسطينية، لاعتبارات ذاتية وموضوعية، على التوافق والعمل ضمن المشترك الوطني الممكن، والاستمرار في حالة المناكفة غير المسؤولة وعلى حساب الوطن والمواطن، مما يؤكد ضرورة إعادة القرار الى صاحبه الشرعي وهو الشعب الفلسطيني.

    ثالثا: افتقار كل المؤسسات السياسية القائمة إلى الشرعية الشعبية، وبالتالي الدستورية، فقد انتهت فترة شرعيتها منذ سنوات، الأمر الذي يعني أن السلطات القائمة تتصرف وفق شرعية مدعاة، تجعلها ضعيفة أمام أي تحد جدي، فهي ضعيفة أمام المجتمع الدولي وأمام دول الإقليم وقبل ذلك أمام الشعب الفلسطيني.

    رابعا: فساد المؤسسات السياسية الحكومية والوطنية، فمؤسساتنا السياسية ليست فقط نموذجا للأنظمة الشمولية الفاسدة التي تغيب عنها التعددية والشفافية، بل هي أقرب إلى الدولة الفاشلة، حيث يتصرف كل حزب يسيطر على مؤسسة وفق هواه الحزبي وبما تمليه عليه مصالح حزبه، بعيدا عن المصالح الوطنية الكلية ودون اعتبار لعامة الناس ما يشعر قطاعات كبيرة من شعبنا بحالة اغتراب في بلدهم، ويزيد المشهد عبثا أن كل ذلك يتم في ظل الاحتلال وتحت سقفه.

    خامسا: ضعف النخبة السياسية وعجزها، وهذا أمر لا يحتاج لتفصيل لأن كل ما يمكن أن يقال في الحالة الفلسطينية مرتبط بهذه الفئة وأدائها.

    سادسا: ضعف الثقة بالأحزاب والنخب السياسية، وهو ما يظهره سلوك الناس في الميدان، بالإضافة لكثير من الدراسات واستطلاعات الرأي، وقد ترتب على ذلك، وعلى غيره من العوامل، ظهور مؤشرات على لامبالاة شعبية غير مسبوقة، حتى تجاه بعض القضايا ذات الحساسية الوطنية الكبيرة، كالشهداء والأسرى والاقدس والاستيطان وغيرها.

    بالرغم من كل ما سبق ذكره، يطرح الكثير من الكتاب والمثقفين والمتابعين للشأن الفلسطيني جملة من المحاذير والتحديات التي تجعلهم يتشككون في جدية وجدوى هذه الخطوة. ومن أهم هذه المحاذير مدى القدرة على إجرائها في مدينة القدس والآليات التي ستتم بها، وكذلك وجود المحكمة الدستورية، التي يعتبرها غالبية الفلسطينيون (مؤسسات وفصائل ومختصون) غير شرعية وغير قانونية، وتشكل أداة بيد الرئيس يمكن أن يستخدمها متى شاء وكيفما شاء، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات محلية أو دولية لاحترام نتائج الانتخابات فضلا عن ضمان نزاهتها وتوفير البيئة المناسبة لإجرائها بالذات الحرية في التجمع والتعبير عن الرأي وضرورة لجم الأجهزة الأمنية التي باتت تتدخل في كل تفاصيل حياة الناس.

    كل هذه التخوفات والتحديات الموضوعية، لا ينبغي أن تحول دون إجراء الانتخابات، لأن ما يترتب عليها من إشكاليات لا يمكن أن يقارن بمخاطر استمرار الوضع القائم، ولأن التغلب عليها والنضال من أجل تذليلها أمر ممكن، إذا وجدت الإرادة اللازمة، فعلى كل القوى والشخصيات التي تنوي خوض غمار هذه الانتخابات العمل متحدة لمواجهة هذه التحديات، وبالذات فيما يتعلق بالانتخابات في مدينة القدس، التي لا يمكن إجراء انتخابات بدونها، وفي ذات الوقت لا ينبغي التسليم بان قرارها بيد الاحتلال ولعل هذه فرصة لتحدي الاحتلال وكل إجراءاته الباطلة في المدينة. ومما يجعل النضال من أجل تجاوز هذه التحديات أمرا لا مفر منه، أنها ستبقى قائمة دائما ولا يعول على عامل الزمن في حلها، بل إنها تزداد صعوبة وخطرا كلما تأخر الوقت.

    أخيرا، فإن التوافق الوطني والعمل المشترك، هو الخيار الأنسب دوما وهو رغبة غالبية الشعب الفلسطيني، التي ظهرت في معظم استطلاعات الرأي، لكن الانتخابات التي تحمل في ثناياها بعض المخاطر تبقى أفضل بكثير من الواقع القائم الذي تخسر فيه القضية الوطنية وفصائل العمل الوطني كل يوم من رصيدها السياسي والمعنوي. وأعتقد أن أحدا لا يمكنه تقديم مخرج آمن تماما لأنهاء هذه الحالة السياسية المأساوية التي يعاني منها الفلسطينيين، فلا يوجد مخرج دون مخاطر وتحديات وهو ما يوجب على الفصائل أن تتهيأ للتعامل معها لا أن تستمر في الهروب إلى الامام.

     

  • الشرعنة الأمريكية للمستوطنات الإسرائيلية.. الدوافع والجذور وردود الفعل

    تبنّت الإدارة الأمريكية مؤخرًا، وعلى لسان وزير خارجيتها مايكل بومبيو، موقفًا مفاده أنّ إنشاء مستوطنات إسرائيلية في الضفّة الغربية، لا يتعارض في حدّ ذاته مع القانون الدولي[1]. وهو ما يعني أنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية هي قانونية من وجهة نظر هذه الإدارة. ولم يكن ما أعلنه بومبيو مرتجلًا، أو في سياق الردّ على سؤال، بل كان مُعدًّا سلفًا على جدول الإيجاز الصحفي، الذي تضمّن جملة من البيانات، تعلّقت بإيران والعراق والمستوطنات الإسرائيلية، وغيرها من البلدان والقضايا.

    طغت قضية المستوطنات الإسرائيلية على مجمل الأسئلة التي وجّهها الصحفيون للوزير الأمريكي عقب إيجازه الصحفي، الأمر الذي يعني أنّ هذه القضية كانت الأهم من بين جملة القضايا والموضوعات الأخرى. وفي حين لم يكن الإعلان الأمريكي مفاجِئًا، بالنظر إلى سلسلة مواقف وقرارات أخرى شبيهة سابقة تتعلق بالقضية الفلسطينية، أو بالصراع العربي الإسرائيلي عمومًا، فإنّ الإعلان الأمريكي استدعى ردود فعل واسعة، جميعها مخالفة للقرار الأمريكي، باستثناء الترحيب الإسرائيلي بطبيعة الحال.

    تقرأ هذه الورقة طبيعة الإعلان الأمريكي، وموقعه بين سلسلة المواقف السابقة المشابهة، وأهداف هذه الإدارة من هذا الإعلان، وغيره من الإعلانات الأخرى ذات الصّلة، وردود الفعل عليه.

    الإعلان شكلاً ومضمونًا

    تجدر الإشارة إلى الصيغة التي قُدِّم فيها الإعلان، بصفته مُعبِّرًا عن موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحاولًا القول إنّ إعلان إدارة ترامب لم يكن تحوّلًا كاملًا في مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على اعتبار أنّ مواقف هذه الإدارات من قضية الاستيطان الإسرائيلي، ومخالفته للقانون الدولي، لم تكن منسجمة. فبينما رأت إدارة الرئيس كارتر في عام 1978، وبشكل قاطع، أنّ إنشاء “إسرائيل” للمستوطنات المدنية يتعارض مع القانون الدولي، فإنّ إدارة الرئيس ريغان، وفي عام 1981، لم توافق على ذلك الموقف، وأعلنت أنّها لا ترى عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية. وقد كانت هذه المقدّمة من بومبيو، لتبرير الموقف، والادعاء بأنّ التحوّل الحقيقي خلقته إدارة أوباما، حينما أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، في كانون أول/ ديسمبر 2016، وفي نهاية ولاية الإدارة السابقة، عدم مشروعية المستوطنات الإسرائيلية، مخالفًا، حسب بومبيو، تقاليد الإدارات التي سبقته، التي، وإن رأت في الاستيطان عقبة أمام السلام، إلا أنّها رأت في الوقت نفسه أن النقاش القانوني حولها لا يُفيد عملية السلام.[2]

    أرادت إدارة ترامب القول إنّها لم تخترع موقفًا جديدًا، بقدر ما أنّها عادت لتبنّي موقف إدارة ريغان، وأنّ معاكستها لقرار إدارة أوباما إنّما هو تصحيح للسياسة الأمريكية، واستعادة لنهج الإدارات السابقة على إدارة أوباما، والتي لم تكن ترى فائدة في مناقشة الوضع القانوني للمستوطنات الإسرائيلية.

    تبرز الأبعاد الانتخابية في هذه المبرّرات، وذلك بمغازلة التيّارات التقليدية في الحزب الجمهوري عبر محاولة استعادة إرث ريغان المركزي في تاريخ السياسة الأمريكية عمومًا. لا تبدو هذه المغازلة في تبنّي موقفه من المستوطنات الإسرائيلية فقط، وإنّما أيضًا باستدعاء فكرة التشابه في الانقلاب على الإدارة السابقة، بما يُعبّر عنه ذلك من تصوّرات البناء والقوّة والعظمة الأمريكية. فكما استعادت إدارة ريغان مكانة الولايات المتحدة وقوّتها بعد إدارة كارتر، فإنّ إدارة ترامب تفعل الشيء نفسه بعد إدارة أوباما، علما أن مخالفة إدارة أوباما، هي لازمة ثابتة في خطاب الإدارة الحالية.

    بيد أنّه، وإضافة إلى أجواء الانتخابات الأمريكية، والإجراءات المتّخذة من قبل الديمقراطيين لمحاكمة ترامب وعزله، وبالتالي احتياج الأخير إلى دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الأجواء السياسية الإسرائيلية ليست بعيدة عن هذا الإعلان، الذي يمنح بنيامين نتنياهو دعمًا لتشكيل الحكومة في مواجهة منافسه بني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، أو يمنحه أفضلية دعائية في حال ذهبت “إسرائيل” إلى انتخابات ثالثة مبكّرة[3]، لا سيما وأن نتنياهو سبق له في السياق الانتخابي الإسرائيلي أن وعد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت حال فوزه في الانتخابات[4]، وذلك في الوقت الذي كان ينوي فيه إعلان ضمّ الضفّة الغربية، لولا معارضة رئيس الشاباك ورئيس أركان الجيش، اللذين ألمحا إلى أنّ قرارًا كهذا ينطوي على عدم مسؤولية، ومن شأنه أن يقود إلى مخاطر كبيرة[5]. إضافة إلى أن نتنياهو كان قد تعهّد، وفي السياق نفسه، بضمّ مستوطنات مدينة الخليل.[6]

    وفي الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو اتهامات بالفساد وملاحقات قضائية[7]، ويستعصي عليه تشكيل حكومة إسرائيلية، يأتيه الدعم من حليفه الأمريكي، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، الذي يواجه خطر العزل. وبينما لا يُستبعد أن ينطوي الإعلان الأمريكي على خطوة استراتيجية، فإنّ هذه الإدارة، وعلى مستوى نصّ الإعلان ومضمونه، قد تبنّت الدعاية الإسرائيلية بشكل كامل.

    لقد أحال الإعلان الأمريكي الأمر القانونيّ برمّته إلى المحاكم الإسرائيلية، باعتبار أنّ النظام القضائي الإسرائيلي يتيح فرصة للطعن بالنشاط الاستيطاني، وتقييم الاعتبارات الإنسانية المرتبطة به. وعليه، فإنّ الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يحكم على قانونية أيّ منشأة استيطانية، من وجهة النظر الأمريكية، هو القضاء الإسرائيلي، أي قضاء الدولة الاستعمارية التي أنشأت هذه المستوطنات، فهي مسألة إسرائيلية صرفة، تتعلق بالوقائع والظروف على الأرض. وهذا الخطاب هو عينه خطاب بنيامين نتنياهو، الذي رحب بالخطوة الأمريكية، وتطابق خطابه مع خطاب الإدارة الأمريكية، أولًا من جهة اعتبار الوقائع القائمة هي الحاكمة على الأمر برمّته. وثانيا من جهة حديث نتنياهو عن “الحق التاريخي في يهودا والسامرة”، وحديث الإدارة الأمريكية عن مركّب “التاريخ والوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”. وثالثا من جهة التوافق على أن المحاكم الإسرائيلية هي الوحيدة التي يمكنها تحديد شرعية الاستيطان الإسرائيلي. وأخيرًا تطابق الخطابان في أن الحلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن إنجازه عبر أحكام قانونية دولية، وإنما من خلال عملية تفاوضية.[8]

    وفي حين أظهر إعلان بومبيو وتعقيب مكتب نتنياهو تطابقًا تامًّا في المبررات والصياغات، وكشف عن تنسيق كامل، وربما صياغة إسرائيلية للإعلان الأمريكي، فقد ذهبت كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلى مستويات أبعد في الدعاية لـ “إسرائيل”، ومن منطلقات غير ذات صلة، وذلك حينما قَرَنَتْ جدّية الولايات المتحدة في اعترافها بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، بكون “إسرائيل”، حسب قولها، منارة للديمقراطية في منطقة لا يُقرّ فيها قادة آخرون، من حماس إلى إيران، بحقها في الوجود. وبينما أشارت كيلي كرافت إلى سعي جيران “إسرائيل” لتدميرها، فقد هاجمت جرأة المجتمع الدولي في جعلها، أي “إسرائيل”، موضوعًا لانتقاداته “القاسية”، مؤكّدة على دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، الآن وفي المستقبل.[9]

    الإعلان الأمريكي.. الجذور والدوافع

    ما سبق يوضح الأسباب الآنية للبيان الأمريكي الجديد بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وتعمّده دعم بنيامين نتنياهو في أزماته السياسية والقضائية، ومعركته الانتخابية، وتطابق مضمونه وصياغته مع تعقيب نتنياهو عليه، ومع وعود نتنياهو الانتخابية. هذا فضلًا عن الأسباب الخاصّة بترامب، من حيث اقتراب الانتخابات الأمريكية، وجهود عزله برلمانيا. بيد أنّ مسار الخطوة الأمريكية أوسع من هذا الدافع الآني، فهي تهدف أولًا إلى فرض صفقة على الفلسطينيين، تستند إلى الوقائع لا إلى الحقوق والتسويات العادلة، وهو ما كان واضحًا في المبررات التي ساقها بومبيو لشرعنة المستوطنات. ثم إن الخطوة الأمريكية تهدف إلى تعزيز مكانة اليمين الإسرائيلي، حليف إدارة ترامب.

    ففي قرار هو الأخطر من بين سلسلة تلك القرارات، وفي كانون أول/ ديسمبر 2017، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ووقّع الرئيس الأمريكي ترامب قرارًا بنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس، وهو ما شرعت به بالفعل في العام التالي في ذكرى النكبة الفلسطينية، الأمر الذي ترك دلالة معنويّة واضحة. ودون أي مواربة، أعلنت أن قرارها يهدف إلى إخراج القدس من المفاوضات[10]، أيْ أنّها تمنح الوقائع الاستيطانية والسياسية الإسرائيلية قوّة سياسية دولية، وتفرض موقفًا دوليًّا جديدًا يتطابق مع السياسات الإسرائيلية.

    ثمّ في آب/ أغسطس 2018، أوقفت الولايات المتحدة تمويلها الكامل لـ “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى/ الأونروا”[11]. وأغلقت في أيلول/ سبتمبر 2018 مكتب منظمة التحرير في واشنطن نهائيًّا، بحجة سعي السلطة الفلسطينية إلى فتح تحقيق جنائيّ ضد “إسرائيل” أمام المحكمة الجنائية الدولية.[12]

    وفي آذار/ مارس 2019، وفي بيان رسمي من البيت الأبيض موقّعٍ باسم ترامب، اعترفت الولايات المتحدة بمرتفعات الجولان جزءًا من “إسرائيل”، معلّلة ذلك بحاجة “إسرائيل” لحماية أمنها من سوريا، ومن التهديدات الإقليمية الأخرى[13]. وهو الأمر الذي دفع نتنياهو لإعلان توقعاته بصدور قرار أميركي قريبًا، يعترف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية[14]، ممّا أثار مخاوف فلسطينية وعربية ودولية[15]، وهو ما يمكن القول إنّه قد حصل بالفعل الآن، على اعتبار أن المستوطنات تشكّل حيّزًا واسعًا من جغرافيا الضفّة الغربية.

    وبالنظر إلى حديث بومبيو عن “الوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”، فإنّه يمكن القول إنّ القرار الأمريكي يشمل كلّ الوقائع ذات الصلة بالمستوطنات، كمجالها الأمني، والطرق المؤدّية إليها. وتأسيسًا على هذه العبارة اللافتة، وما دامت هذه الإدارة موجودة بتحالفاتها الراهنة في المنطقة، فإنه من المتوقع أن تتسع قراراتها لتشمل الضفّة كلّها، أو أجزاء واسعة منها، وهو ما يمكن فهمه من تصريح سابق لبومبيو، قال فيه إنّ الإعلان عن الخطّة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط قد يستغرق عشرين عامًا[16]، وهو ما يعني أنّ السياسات الأمريكية المنتهجة من هذه الإدارة، هي مواكبة السياسات الإسرائيلية في الواقع، أي الاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية، والدفاع عنها في المحافل الدولية، وتغطيتها بقوّة الولايات المتحدة، وجعلها أساسًا لأيّ تسوية مع الفلسطينيين، في حال كان ثمّة إرادة بالفعل لفرض تسوية من هذا النوع.

    وعلى أيّ حال، فإنّ القرارات الأمريكية التي أشير إليها فيما سبق، والتي تخصّ القدس، واللاجئين الفلسطينيين، ومكتب منظمة التحرير، والجولان السوري المحتلّ، وأخيرًا المستوطنات في الضفّة الغربية، لم تكن القرارات الوحيدة من الإدارة الأمريكية الحالية. فقد حرصت الولايات المتحدة على حماية “إسرائيل” داخل المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، سواء عبر استصدار قرارات لصالح “إسرائيل”، كتقديم مشروع قرار لإدانة حركة حماس[17]، أو في الهجوم على المؤسسة الدولية التي لم تزل تُصدر قرارات منحازة للفلسطينيين من وجهة نظر “إسرائيل” والإدارة الأمريكية. كما سعت الولايات المتحدة لفرض وقائع فيما يتجاوز جغرافيا الصراع إلى قضية اللاجئين، كسعيها لإعادة تعريف مفهوم اللاجئ الفلسطيني، وبالتالي تقليص أعداد اللاجئين[18]، وغير ذلك من إجراءات وقرارات داعمة لـ “إسرائيل”، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تكريس وقائع جديدة، تكون أساسًا لأي معالجة للقضية الفلسطينية.

    استندت الإدارة الأمريكية في كلّ ذلك إلى الوقائع على الأرض، وكان بومبيو صريحًا في إعلانه أنّ الوقائع هي أساس الرؤية الأمريكية، بمعنى أنّه يمكن لـ “إسرائيل” فرض الوقائع التي تُريد، ثم تصير هذه الوقائع أمرًا نهائيًّا، وهو الأمر الذي ينهي مشروع حلّ الدولتين تمامًا، ويفضي إلى تكريس الإرادة اليمينية الإسرائيلية، الرامية إلى استكمال أرض “إسرائيل” الواحدة على كامل حدود فلسطين التاريخية.

    ومما يُعزّز من صحّة هذا الاستنتاج، أنّ الإدارة الأمريكية، وبالرغم من وقفها دعم السلطة الفلسطينية، استمرت في تقديم مساعدات مالية للأجهزة الأمنية الفلسطينية[19]. وبالرغم مما قيل عن وقف الولايات المتحدة تمويلها للأجهزة الأمنية الفلسطينية، فإنّ “إسرائيل” سعت إلى استمرار هذا الدعم[20]، وأدخلت، وبتمويل أمريكي، عربات مصفّحة لصالح الأجهزة الأمنية الفلسطينية[21]، مما يعني أنّ دور السلطة، بالنسبة للرؤية الإسرائيلية الأمريكية، أو على الأقل بالنسبة لليمين الإسرائيلي وإدارة ترامب، لا يتجاوز الوظيفة الأمنية، مع إنهاء دورها السياسي الطامح في الارتقاء إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967. وقد استخدمت إدارة ترامب في ذلك كلّه، الابتزاز المالي، وإرهاب الدبلوماسية الدولية، والحصار السياسي، وتجاوُز القانون الدولي، وتجنيد عدد من الدول العربية لدمج “إسرائيل” في علاقات طبيعية معها، ومحاولة أخذ مواقف جديدة من القيادة الفلسطينية تنقلب بها على مواقفها التقليدية.

    المواقف المختلفة إزاء الإعلان الأمريكي

    • الموقف القانوني والإدانات الدولية

    دأبت الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي، على إدانة سياسات “إسرائيل” الاستيطانية، لمخالفتها القانون الدولي، وإعاقتها إحراز سلام عادل وشامل، حيث تنطبق معاهدة جنيف الرابعة، والقانون الإنساني الدولي على الضفّة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. فقد نصّت المادة (49) من معاهدة جنيف الرابعة، على أنه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل، أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”[22]. كما أنّ “إسرائيل” والولايات المتحدة كانتا قد وقعتا على هذه الاتفاقية، علما أن الضفّة الغربية ومدينة القدس، تُعدان أراضي محتلة وفق قرارات مجلس الأمن، كالقرار 242.[23]

    وكان مجلس الأمن قد أصدر عدة قرارات نصت على أنّ المستوطنات الإسرائيلية، ليس لها شرعية قانونية، وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل. منها قرار رقم (446) لعام 1979، الذي دعا “إسرائيل”، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، وإلغاء إجراءاتها السابقة، والامتناع عن القيام بأيّ عمل يؤدّي إلى تغيير الوضع القانوني، والطبيعة الجغرافية، ويؤثّر ماديًّا على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967[24]. وكذلك قرار رقم (452) لعام 1979، الذي أكّد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية[25]. وقرار مجلس الأمن رقم (465) لعام 1980، الذي نفى الشرعية القانونية عن الإجراءات الإسرائيلية، التي تهدف إلى تغيير أوضاع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس[26]. وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (471) لعام 1980، الذي يُعرّف “إسرائيل” بأنها قوّة محتلّة، ويؤكد فشلها في تقديم الحماية الكافية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وفقًا لبنود معاهدة جنيف الرابعة[27]. وكذلك قرار رقم (904) لعام 1994، الذي عاد وأكّد على انطباق معاهدة جنيف الرابعة على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حزيران 1967، بما فيها القدس، واصفًا “إسرائيل” بأنّها السلطة القائمة بالاحتلال.[28]

    وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت فتوى في عام 2004،  أكّدت فيها أن المستوطنات التي أقامتها “إسرائيل” في الأراضي المحتلة تُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي[29]. وعاد مجلس الأمن في عام 2016، وأصدر قرارًا أكّد فيه على مجمل قراراته السابقة، فأكد أنّ من واجب “إسرائيل” القوّة القائمة بالاحتلال، أن تتقيـد تقيـدًا صارمًا بالالتزامات والمسـؤوليات القانونيـة الملقـاة علـى عاتقهـا بموجـب اتفاقيـة جنيـف الرابعـة، وأدان جميـع التـدابير الراميـة إلى تغـيير التكـوين الـديمغرافي، وطـابع الأرض الفلسـطينية المحتلـة منـذ عـام 1967، بمـا فيهـا القـدس الشـرقية، والـتي تشـمل، إلى جانـب تـدابير أخرى، بناء المسـتوطنات وتوسـيعها، ونقـل المسـتوطنين الإسـرائيليين، ومصـادرة الأراضـي، وهـدم المنـــازل، وتشـــريد المـــدنيين الفلســـطينيين، مؤكّدًا أنّ ذلك كلّه يمثّل انتهاكًا للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة.[30]

    وعلى ضوء ذلك، عادت الأمم المتحدة والصليب الأحمر للتأكيد على كون المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما زالت تمثل انتهاكا للقانون الدولي[31]. وكان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل قد أكد أنّ “تغير الموقف السياسي لدولة ما، لا يُعدّل القانون الدولي القائم، ولا تفسير محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن له”[32]. في حين قال إيوان واتسون، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “إن سياسة المستوطنات التي تنتهجها “إسرائيل”، تناقض البنود الرئيسية للقانون الدولي الإنساني، أو قانون الاحتلال، وتخالف نصه وروحه”. وأكد أنّ “الإعلان الأمريكي الأخير، لا يغير موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الأمر”.[33]

    بالرغم من ذلك، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار، أو بيان صحفي، يدين فيه الإعلان الأمريكي، بعد جلسة عقدها لهذا الغرض[34]. إلا أنّ الدول الـ 14 الأعضاء في مجلس الأمن، من أصل 15 دولة، أجمعت على معارضة القرار الأميركي. وعقب انتهاء جلسة مجلس الأمن، تلا نائب المندوب الألماني يوجن شولز بيانًا باسم الدول العشر المنتخبة في المجلس، وهي ألمانيا، وبلجيكيا، وكوت ديفوار، وجمهورية الدومينكان، وغينيا الاستوائية، وإندونيسيا، وبيرو، وبولندا، وجنوب إفريقيا، والكويت، شدّد فيه على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال رياض منصور، المراقب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إن موقف كلّ من روسيا والصين خلال الجلسة جاء مؤيدًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية.[35]

    أما الاتحاد الأوروبي، فقد أكد أنّه لا يزال يؤمن بأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني بموجب القانون الدولي، ويقلل فرص التوصل إلى سلام دائم، ودعا “إسرائيل”، وعلى لسان فيدريكا موجيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، لإنهاء كل النشاط الاستيطاني في ضوء التزاماتها كقوة محتلة. ومع أن موقف الاتحاد الأوروبي يمثّل الدول الأوروبية، إلا أن بعض تلك الدول أصدرت بصورة منفردة بيانات تتبنّى الموقف نفسه، كألمانيا[36]، وإسبانيا[37]، وغيرهما.

    كما أصدرت الدول الأوروبية التي تملك عضوية حالية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة وبلجيكا وبولندا، بيانًا مشتركًا، قبل جلسة مجلس الأمن المشار إليها، قالت فيه إنّ كلّ نشاط استيطاني هو غير قانونيّ بموجب القانون الدولي، ويُقوّض قابليّة حلّ الدولتين وأفق السلام الدائم، وأكّدت فيه أنّ موقفها من سياسة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، واضح ولم يتغيّر[38].

    وكانت محكمة العدل الأوروبية، وقبل البيان الأمريكي، قد ألزمت “إسرائيل” بتمييز مصدر منتجاتها المُصدّرة إلى الاتحاد؛ لبيان إن كان مصدرها المستوطنات أم لا، وذلك لأسباب أخلاقية، كما قالت المحكمة، ولاعتبارات تتعلق بالالتزام بالقانون الدولي.[39]

    وفي إطار الإدانات الدولية لموقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، أصدر الفاتيكان بيانا هاجم فيه موقف واشنطن الأخير. وإذا كان من غير المعتاد أن ينشر الفاتيكان ردًّا مباشرًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنّ إعلان إدارة ترامب أثار ردود فعل من عدة مجتمعات دينية، أصدرت بيانات تنتقد إعلان إدارة ترامب، من بينها الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية، والمجلس الوطني للكنائس[40]، ورابطة الكنائس السويدية.[41]

    أما الدول الإسلامية، فقد أصدر بعضها بيانات رفضت فيه إعلان الولايات المتحدة، كتركيا التي قالت إنّه لا توجد أيّ دولة فوق القانون الدولي، وإنّ التصريحات التي تتضمن فرض الأمر الواقع، لن تكون لها أيّ صلاحية، واصفة الإعلان الأمريكي بأنّه مثال جديد ومتهور لشرعنة الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية[42]. وكذلك ماليزيا التي قالت إنّ الموقف الأمريكي يتناقض مع جميع القرارات الدولية القائمة[43]. وأندونيسيا التي قالت إنّ المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وإنّ البناء الاستيطاني هو عملية ضمّ للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، وعقبة أمام جهود السلام.[44]

    • ردود الفعل الفلسطينية والعربية

    رفضت جامعة الدول العربية الإعلان الأمريكي، وقالت إنّه باطل ولاغٍ، وليس له أي أثر قانوني، وإنه أظهر استهتارًا غير مسبوق بالمنظومة الدولية[45]. وكان ذلك عقب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، عقد في القاهرة[46]. وعلى نحو منفصل، أدانت الدول العربية الإعلان الأمريكي. فقد أكدت مصر على دعمها للفلسطينيين، وعلى موقفها من عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، ومخالفتها للقانون الدولي[47]. وأعلنت المملكة العربية السعودية رفضها التامّ لتصريحات واشنطن بشأن المستوطنات الإسرائيلية[48]. وأكدت المملكة الأردنية الهاشمية على عدم شرعية المستوطنات، وحذّرت من تداعياتها الخطيرة.[49]

    فلسطينيًّا، أعلنت الرئاسة الفلسطينية أنّ الإعلان الأمريكي باطل ومرفوض ومدان، ويتعارض كليًّا مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان، وقرارات مجلس الأمن، قائلة إنّ الإدارة الأمريكية فقدت تمامًا كلّ مصداقية، ولم يعد لها أيّ دور في عملية السلام، ومحمّلة هذه الإدارة، المسؤولية الكاملة عن أيّ تداعيات لهذا الموقف، الذي وصفته بالخطير[50]. وفي سياق الخطوات العملية، قالت الرئاسة الفلسطينية إنّها بدأت بعقد سلسلة اجتماعات طارئة، لاتخاذ الإجراءات والآليات لمواجهة القرارات الأمريكية، معلنة أنّها ستتحرك على المستوى الداخلي، بعقد اجتماعات للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وفصائل العمل الوطني، والتنظيمات الشعبية والمجتمع المدني. وعلى المستويين العربي والدولي، ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وسوف تتواصل مع الأحزاب العربية والعالمية، والمنظمات الدولية، بما في ذلك تحريك الملفات لدى المحكمة الجنائية الدولية.[51]

    وعلى صعيد منظمة التحرير الفلسطينية، دعا المجلس الوطني الفلسطيني لتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضدّ إدارة ترامب[52]، ودعا برلمانات العالم واتحاداته، لمواجهة التمرد الأمريكي على القانون الدولي[53]. بينما قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إنّ الخطوة الأمريكية تهدف إلى تكريس تحالف أمريكي صهيوني، يستهدف القضية الفلسطينية برمتها.[54]

    أما حركة فتح، فقد وصفت الإدارة الأمريكية بالصهيونية، وقراراتها بالإرهاب السياسي[55]، ودعت إلى سلسلة فعاليات سمّتها “أيام الغضب”، بدأت في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر[56]، حيث تم تعليق دوام المدارس الفلسطينية، وإخراجها في مظاهرات رافضة للقرار الأمريكي[57]. وقد أصيب عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال للمسيرة التي توجّهت من مدينة رام الله إلى محيط حاجز “بيت إيل” العسكري، المقام على المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة. وشارك رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بهذه المسيرة، ووصف أثناءها الإعلان الأمريكي بوعد بلفور جديد[58]، وأعلن عن التوجه للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ القرار الأمريكي بشأن شرعنة الاستيطان.[59]

    كما أعلنت حركة حماس موقفها الرافض للإعلان الأمريكي، الذي وصفه رئيس المكتب السياسي للحركة بالمجزرة السياسية الخطيرة، داعيًا الموقف الفلسطيني الرسمي إلى مغادرة مربع الاستنكار إلى مربع المواجهة الفعلية، عبر استراتيجية وطنية جامعة، تغادر مربع “أوسلو”، وترتكز إلى الموروث النضالي للشعب الفلسطيني. وداعيًا في الوقت نفسه الدول العربية، إلى وقفة جادّة، تنهي حقبة التردد في اتخاذ القرارات الضرورية.[60]

    أمّا حركة الجهاد الإسلامي، فقد وصفت الإعلان الأمريكي بالاستعماري والعدائي، والفاقد لأي شرعية، واعتبرته دليلًا على دعم الولايات المتحدة للاحتلال والإرهاب، وأكدت أنّ الردّ يكون بتصعيد المقاومة ضدّ الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وإنهاء الانقسام، وتوجيه كل الطاقات الشعبية والوطنية لمواجهة الاحتلال.[61]

    واعتبرت الجبهة الشعبية الإعلان الأمريكي دليلًا إضافيًّا على عداء الإدارة الأمريكية للشعب الفلسطيني وحقوقه، وتشريعًا صريحًا لنهب الأرض الفلسطينية، وتشجيعًا على استمرار الاحتلال لها، وتعدّيًّا على القانون الدولي. ودعت الجبهة إلى وقف ما سمتها بالأوهام، التي لا زالت تراود الذين يراهنون على دور أمريكي فيما يُسمّى بعملية سياسية لحل الصراع.[62]

    وكانت الجبهة الديمقراطية قد انتقدت اجتماع اللجنة التنفيذية الذي سبقت الإشارة إليه، على اعتبار أنّه تشاوريّ غير مخوّل باتخاذ أيّ قرارات، وطالبت السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع المخابرات الأمريكية، والشروع بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما في ذلك سحب الاعتراف بـ “إسرائيل”، ووقف التنسيق مع قوات الاحتلال، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، ورسم خطط عملية للانفكاك الاقتصادي عن “إسرائيل”، وطيّ صفحة أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي.[63]

    في حين قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إنّه لم تعد قيمة للاتفاقيات القائمة، ولا لاتفاقية أوسلو، التي مزّقتها “إسرائيل”.[64]

    خلاصة

    بعد هذا العرض، يمكن القول إن القرار الأمريكي الأخير بالاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وعدم مخالفتها للقانون الدولي، لا يخلو من أسباب خاصّة موضعيّة، تتمثل في رغبة الإدارة الأمريكية في دعم حليفها بنيامين نتنياهو، لمواجهة أزماته السياسية والانتخابية والقضائية، وكذلك في رغبتها في الحصول على دعم اللوبي الصهيوني في أزمة إجراءات عزل ترامب، واقتراب الانتخابات الأمريكية. بيد أنّها في جوهرها هي حلقة من سلسلة طويلة، كان أخطرها اعتراف ترامب قبل عامين بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ثم اعترافه بشرعية السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، في خطوة فسرها كثير من المراقبين، بأنها تمهيد للاعتراف بشرعية المستوطنات، أو ضمّ الضفّة الغربية.

    من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية، تستند في قراراتها، على الوقائع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فهي تعتبر أيّ إجراء إسرائيلي بأنه إجراء شرعي، ما دام قد صار أمرًا واقعًا، الأمر الذي يجرّد العملية السلمية من أيّ معنى لها، ويجعل المفاوضات بلا أيّ قيمة، ما دام المنطلق هو موقف الاحتلال، لا موقف الطرفين، بالرغم من اعتقاد هذه الإدارة، أنّ عزل الجانب القانوني يجعل العملية السلمية تسير بشكل أفضل. لذا، فإن اتجاهات هذه الإدارة واضحة، وهي فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين. وبالتالي، فما هو متوقع لاحقًا من الإدارة الأمريكية، والإجراءات الإسرائيلية، هو فرض مزيد من الوقائع، وصولًا إلى تطبيق كامل للرؤية الإسرائيلية، وبما ينهي أيّ حقوق سياسية للفلسطينيين، وهو ما يمكن فهمه من تصريحات سابقة لبومبيو، قال فيها إنّ طرح الخطة الأمريكية قد يستغرق عشرين عامًا.

    وفي مقابل الرفض الدولي الكاسح للقرار الأمريكي، فإنّ الموقف الفلسطيني الرسمي لم يرْق إلى خطورة الحدث، وكان أضعف من ردّ الفعل الذي أعقب القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”. واقتصر موقف القيادة الفلسطينية على الإعلان عن سلسلة الاجتماعات التي سبقت الإشارة إليها، ولم تتخذ أيّ قرار جديد بخصوص العلاقة مع الاحتلال، علمًا بأنّ الرئيس محمود عبّاس، سبق له وأن أعلن وقف العمل بالاتفاقات مع “إسرائيل”، دون أن ينعكس ذلك على أرض الواقع. وهنا تجدر الإشارة إلى سلسلة قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، والتي نصّت على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ولكن دون أن تُطبّق.

    وعلى مستوى الفعل الميداني، لم تستطع منظمة التحرير وحركة فتح، تنظيم فعاليات جادّة ردًّا على القرار، باستثناء اللجوء إلى وزارة التربية والتعليم، التي علّقت الدوام جزئيًّا، لحشد الطلاب والتلاميذ فيما دعته “يوم الغضب”. وإذا كان هذا يكشف عن عدم الجدّية في الحديث المستمر عن تفعيل المقاومة الشعبية، فإنّه يرجع بالدرجة الأولى إلى السياسات التي أضعفت الحركة الوطنية، وعزلت الجماهير عن القيام بدورها التاريخي في مواجهة الاحتلال. وبالتالي، والحال هذه، فإنّ السلطة الفلسطينية لم تتخذ أيّ تحوّلات في مسارها، أو علاقاتها الوطنية، لمواجهة هذه التحديات الخطيرة المتتابعة، التي تهدف إلى تصفية الحقّ الفلسطيني تمامًا.

    [1] موقع وزارة الخارجية الأمريكية، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.state.gov/secretary-michael-r-pompeo-remarks-to-the-press/

    [2] المصدر السابق.

    [3] By Lara Jakes and David M. Halbfinger, “In Shift, U.S. Says Israeli Settlements in West Bank Do Not Violate International Law”, The New York Times, Nov. 18, 2019, https://www.nytimes.com/2019/11/18/world/middleeast/trump-israel-west-bank-settlements.html

    [4] نتنياهو يتعهد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت إذا أعيد انتخابه، موقع الجزيرة نت، 10 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/9/10/

    [5] نتنياهو أراد الإعلان عن ضم الضفة.. ثم تراجع، موقع عرب48، 13 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/13

    [6] يوم قبل الانتخابات: نتنياهو يتعهد بضم مستوطنات الخليل، موقع عرب48، 16 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/16

    [7] ما مصير نتنياهو؟، موقع عرب 48، 21 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/الفساد-والجريمة/2019/11/21

    [8] تعقيب مكتب نتنياهو على بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات، موقع الخدمات والمعلومات الحكومية – ديوان رئيس الوزراء، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.gov.il/ar/departments/news/spoke_statement181119

    [9] موقع بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بيان السفيرة كيلي كرافات، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://usun.usmission.gov/statement-by-ambassador-kelly-craft/

    [10] ترامب: سحبنا القدس من طاولة البحث، موقع قناة الميادين الفضائية، 22 آب/ أغسطس 2018، http://www.almayadeen.net/news/politics/898845/

    [11] أمريكا توقف تمويل الأونروا، موقع وكالة رويترز للأنباء، 31 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN1LG2JL

    [12] الولايات المتحدة تعلن رسميا إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، موقع وكالة الأناضول التركية للأنباء، 10 أيلول/ سبتمبر 2018، https://www.aa.com.tr/ar//1251407

    [13] Proclamation on Recognizing the Golan Heights as Part of the State of Israel, whitehouse, March 25, 2019, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/proclamation-recognizing-golan-heights-part-state-israel/

    [14] نتنياهو عن اعتراف ترامب بسيادة الاحتلال على الضفة: انتظروا، موقع عرب 48، 6 نيسان/ إبريل 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/04/06

    [15] صحف ألمانية: لو نجح ترامب في الجولان سيأتي الدور على الضفة، موقع DW، 26 آذار/ مارس 2019، https://www.dw.com/ar/ 48067304

    [16] تراجع احتمال الإعلان عن “صفقة القرن” المتوقع الشهر المقبل، موقع صحيفة القدس، 29 آذار/ مارس 2019، http://www.alquds.com/articles/1553790304431899900/

    [17] Statement by the U.S. Mission on Palestinian Delay Tactics Designed to Defend Hamas Terrorism, united states mission to the united nation, November 30, 2018, https://usun.usmission.gov/statement-by-the-u-s-mission-on-palestinian-delay-tactics-designed-to-defend-hamas-terrorism/

    [18] هيلي تشكك في عدد اللاجئين الفلسطينيين، موقع وكالة رويترز للأنباء، 28 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN1LD2HQ

    [19] هارتس: 61 مليون $ لأجهزة أمن السلطة لمواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، موقع وكالة سما، 2 آب/ أغسطس 2018، https://samanews.ps/ar/post/344472/

    [20] مساعٍ إسرائيلية لإعادة الدعم الأمريكي لأجهزة أمن السلطة، موقع عربي21، 6 شباط/ فبراير 2019، https://arabi21.com/story/1157802

    [21] تخوّفات إسرائيل من انهيار السلطة الفلسطينيّة تدفعها إلى الموافقة على إدخال مركبات مصفّحة لها، موقع المونيتور، 31 أيار/ مايو 2019، https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2019/05/armored-vehicles-israel-palestinian-authority-security-us.html

    [22] اتفاقية جنيف الرابعة، 1949 – اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949، موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5nsla8.htm?utm_term=&utm_campaign=Monthly+search+promo+-+ICRC.ORG+-+FR+-+Global+-+AF+-+2018+-+Lac+Tchad&utm_source=adwords&utm_medium=ppc&hsa_net=adwords&hsa_tgt=dsa-691372891347&hsa_ad=343891917753&hsa_acc=5672805410&hsa_grp=74707146932&hsa_mt=b&hsa_cam=1055939988&hsa_kw=&hsa_ver=3&hsa_src=g&gclid=EAIaIQobChMIl_Hy66CL5gIVSed3Ch0ZbguFEAAYASAAEgIUHfD_BwE

    [23] قرار مجلس الأمن 242(1967)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/242(1967)

    [24] قرار مجلس الأمن 446(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/446(1979)

    [25] قرار مجلس الأمن 452(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/452(1979)

    [26] قرار مجلس الأمن 465(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/465(1980)

    [27] قرار مجلس الأمن 471(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/471(1980)

    [28] قرار مجلس الأمن 904(1994)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/904(1994)

    [29] فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، موقع محكمة العدل الدولية، 13 تموز/ يوليو 2004، https://www.icj-cij.org/files/advisory-opinions/advisory-opinions-2004-ar.pdf

    [30] قرار مجلس الأمن (2334)2016، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/2334(2016)

    [31] الأمم المتحدة والصليب الأحمر: المستوطنات الإسرائيلية لا تزال غير قانونية، موقع وكالة رويترز، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XT1FF

    [32] المصدر السابق.

    [33] المصدر السابق.

    [34] فشل في إصدار بيان يدين الموقف الأمريكي.. مجلس الأمن يرفض شرعنة الاستيطان، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.palinfo.com/263167

    [35] مجلس الأمن يصفع واشنطن.. رفض شرعنة الاستيطان، موقع عربي21، 2 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224283/

    [36] ألمانيا ترد: المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، موقع DW، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar/أ/a-51319077

    [37] إسبانيا: المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس لها أي شرعية قانونية، موقع وكالة سما، 20 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396124/

    [38] خمس دول أوروبية تنتقد موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع DW، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar//a-51343454

    [39] “لاعتبارات أخلاقية”.. محكمة أوروبية تفرض على إسرائيل وسم منتجات المستوطنات، موقع الجزيرة نت، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/11/12/

    [40] “الفاتيكان” يهاجم موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع عربي21، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224310

    [41] “الكنائس السويدية” تنتقد اعتراف واشنطن بالمستوطنات، موقع وكالة الأناضول، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar/ 1650817

    [42] تركيا تتصدر إدانات عربية ودولية لـ”شرعنة” واشنطن مستوطنات الضفة، موقع وكالة الأناضول، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1650044

    [43] ماليزيا ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة الأناضول، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1652164

    [44] موقع وكالة سما، 22 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396305/

    [45] الجامعة العربية ترفض رسميا تحول الموقف الأمريكي من المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XZ2BH

    [46] الوزراء العرب يرفضون القرار الأمريكي حول المستوطنات الإسرائيلية، موقع euronews، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabic.euronews.com/2019/11/25/arab-league-condemns-us-reversal-on-israeli-settlements

    [47] مصر مجددا: مستوطنات إسرائيل مخالفة وغير قانونية، موقع العربية نت، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2019/11/25/

    [48] السعودية ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XU21F

    [49] الأردن يحذر من تداعيات خطيرة لتغير الموقف الأمريكي تجاه المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XS2FY

    [50] أبو ردينة: إعلان وزير الخارجية الأميركي اعتبار المستوطنات لا تخالف القانون الدولي باطل ومرفوض ومدان ويتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، موقع وكالة وفا، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865424244135aV75Zkn

    [51] بحضور الرئيس: القيادة تعقد اجتماعات طارئة لاتخاذ إجراءات لمواجهة القرارات الأميركية، موقع وكالة وفا، 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865477542303aV75Zkn

    [52] المجلس الوطني يدعو إلى تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد إدارة ترمب، موقع وكالة وفا، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865458507243acqSDX7

    [53] المجلس الوطني يدعو برلمانات العالم واتحاداته لمواجهة التمرد الأميركي على القانون الدولي، موقع وكالة وفا، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865635533301acqSDX7

    [54] التنفيذية تبحث آخر المستجدات السياسية وقضايا الوضع الداخلي، موقع وكالة وفا، 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865785910275acqSDX7

    [55] فتح: لن نرضخ لإرهاب واشنطن السياسي وسنفشل تصريحات بومبيو كما “صفقة القرن”، موقع إعلام فتح، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-80881.html

    [56] فتح تدعو شعبنا لأوسع مشاركه في يوم الغضب، موقع إعلام فتح، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-81484.html

    [57] تعليق دوام مدارس الضفة غدًا للمشاركة في “يوم الغضب”، موقع ألترا فلسطين، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ultrapal.ultrasawt.com/

    [58] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/11/26/

    [59] إشتية: توجهنا للجنائية الدولية ضد القرار الأميركي بشأن شرعنة الاستيطان، موقع وكالة وفا، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=ornbGda865941046014aornbGd

    [60] تصريح صادر عن رئيس المكتب السياسي بشأن إعلان واشنطن شرعنة المستوطنات، موقع حركة حماس، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://hamas.ps/ar/post/11291

    [61] بيان: تصريحات وزير الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات “استعمارية وعدائية”، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://jehad.ps//post/845

    [62] الشعبية: الإعلان الأمريكي دليل إضافي على عداء الإدارة الأمريكية لشعبنا وحقوقه الوطنية، موقع الجبهة الشعبية، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://pflp.ps/post/18879/

    [63] الجبهة الديمقراطية تدعو إلى اجتماع لمواجهة شرعنة الاستيطان، موقع تلفزيون الغد، 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alghad.tv/

    [64] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، مصدر سابق.

     
  • الضغوط الاقتصادية على السلطة الفلسطينية.. الدلالات والخيارات

    وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) في 17 فبراير2019، على اقتطاع 502 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 138 مليون دولار) من أموال المقاصّة التي تعود للسلطة الفلسطينية مُدّعيّاً أنّها مقابل الرواتب التي صرفت لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين خلال العام 2018.

    وتأتي هذه الخطوة الإسرائيلية عقب خطوات أخرى مارستها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترمب من وقف المساعدات والمشاريع الأمريكية في الضفة الغربية، وهو ما أثار أهمية طرح هذه القضية على خبراء في الاقتصاد للتعرف على دلالاتها وانعكاساتها على الاقتصاد الفلسطيني، وقدرة السلطة الفلسطينية على الالتزام بتقديم خدماتها للموظفين.

    وفي سبيل تحقيق هذه القراءة، طرح مركز رؤية للتنمية السياسية تساؤلات عدة على خبراء فلسطينيين اقتصاديين، لمعرفة تقييمهم للوضع الاقتصادي للسلطة وأبرز التحديات؟ وما هي دلالات ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للضغط الاقتصادي على السلطة؟ ما هي انعكاسات انخفاض وتيرة الدعم المقدم من قبل الدول المانحة لخزينة السلطة عليها؟ والخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية في ظل تراجع الوضع الاقتصادي؟

    من أبرز إجابات الخبراء بهذا الشأن:

    • يستبعد الخبراء أن يتم إيصال السلطة الفلسطينية إلى مرحلة الانهيار، لأن في بقائها حاجة إسرائيلية أمريكية دولية، وبالتالي الضغوط الاقتصادية التي تمارس قد تعمق الأزمة المالية للسلطة لكن لن تصل لمرحلة الانهيار.
    • الضغوط الاقتصادية على السلطة تأتي في إطار هدفين، الأول الإبقاء على السلطة الفلسطينية في حالة ضعف بهدف عدم الخروج عن الشكل الذي أوجدت له، والأمر الثاني ضمن حالة الابتزاز التي تمارسها أمريكيا وإسرائيل في سبيل فرض صفقة القرن والرؤية السياسية للمنطقة.
    • الخبراء قدموا مجموعة من الخيارات التي قد تذهب لها السلطة لتقليل أثر هذه الخطوة، تمثّلت في إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها بما يتناغم والواقع الاقتصادي بحيث يتم تركيز النفقات وفق الأولويات، وتنفيذ خطة تقشفيّة في النفقات، إضافة إلى ضرورة تحريك الدبلوماسية الفلسطينية بما يضمن توفير بدائل إضافية لتوفير إيرادات تغطي النقص الناتج عن الخطوتين الإسرائيلية والأمريكية.
    • وهناك حالة واحدة قد تسعى من خلالها إسرائيل وأمريكيا إلى إنهاء السلطة؛ وهي عندما تنضج صفقة القرن ويكون هناك حاجة لتغيير النظام السياسي كاملاً، فإنها قد تذهب باتجاه إنهاء الواقع الحالي واستبداله بهيكلية أخرى تتناغم وما تريد، وهذا لن يكون في هذه الفترة.

    دنصر عبد الكريم، الخبير المالي والاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت

    الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني بعمومه ليس جيدا، وفي العام 2018 بدا واضحا مظاهر الركود والتعب على الاقتصاد الفلسطيني، وجاء هذا القرار من قبل حكومة الاحتلال ليعمق هذه الأزمة.

    المساعدات الدولية بدأت تتراجع عما كانت عليه بداية نشوء السلطة، فمنذ العام 2010 وحتى2017 وصلت نسبة تراجع الدعم إلى قرابة 70%.

    فيما يتعلق بتأثير قرار حكومة الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني باعتقادي يتوقف على كيفية تنفيذه، فهل سيتم خصم المبلغ كاملا في شهر مارس2019 وبالتالي ميزانية السلطة ستكون في أزمة واضحة أم أنه سيتم توزيع الخصم على شهور السنة وبالتالي يكون تأثيرها أقل ضرراً؟

    أما ما يمكن أن يترتب على هذه الخطوات، أستبعد إمكانية حدوث حالة انهيار للسلطة الفلسطينية، كما أن هذه الخطوات لا تصل لمرتبة الحصار المالي، فلو أرادت إسرائيل أو أمريكيا فرض حصار مالي ستنتهي السلطة عن الوجود نهائيا، وبالتالي الهدف من هذه الخطوات عقابيّ؛ للمسّ بقدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها كاملة وقدرتها على تقديم خدمات مقنعة وكافية للناس، وهو ما يعني إبقاء وضع السلطة على الحد، بمعنى عدم انهيار وفي ذات الوقت عدم الاستقرار.

    في المقابل، قد تسعى إسرائيل أو أمريكيا لفتح المجال لتعويض هذا النقص من خلال بعض الدول سواء الاتحاد الأوروبي أو بعض الدول العربية للحفاظ على حالة الهدوء.

    وهناك حالة واحدة قد تسعى من خلالها إسرائيل وأمريكيا إلى إنهاء السلطة؛ وهي عندما تنضج صفقة القرن ويكون هناك حاجة لتغيير النظام السياسي كاملاً، فإنها قد تذهب باتجاه إنهاء الواقع الحالي واستبداله بهيكلية أخرى تتناغم وما تريد، وهذا لن يكون في هذه الفترة.

    أما الخيارات الفلسطينية، فمن باب أولى أن تكون حاضرة دائما حتى دون الخطوات الابتزازية، لكن للأسف هذا غير موجود في منهجية إدارة السلطة، وتتعامل بردّات فعل مع كل أزمة، ومنذ اليوم الأول لتأسيسها والسلطة تستسهل الحلول وتعمل على ترحيل الأزمات.

    والبدائل تتمثل أولا: بإعداد خطة تقشف مدروسة دون الإضرار بحقوق الناس، فهناك نفقات غير ضرورية وفيها هدر. ثانياً: محاولة توفير بدائل متنوعة لمصادر الدخل للسلطة، وهذا يجب أن يكون على أجندة الحكومة الفلسطينية القادمة. ثالثاً: موضوعية الضرائب بحيث لا يتم رفع الضرائب وإنما تقليل نسبة التهرب الضريبي.

    الخيار الرابع والمهم هو العمل على تنشيط الدبلوماسية الفلسطينية بحيث يتم إضافة مساعدات جديدة من بعض الدول، وهذا منطق، لأنّ الوضع الاقتصادي الصعب قد يخلق حالة عدم استقرار وتوتر وبالتالي يمكن من خلاله الضغط على السلطة بهذا الاتجاه.

    دعمر عبد الرازق، وزير المالية في الحكومة العاشرة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية

    الوضع الاقتصادي للسلطة حرج جدا حيث إنّها لن تستطيع الوفاء بكامل التزاماتها التمويلية. كما أنّ البنوك ستكون في وضع صعب إذا أصرت أمريكيا على معاقبتها إذا استمرت في تمويلها للسلطة أو التعامل معها ماليا. ولكن لا أعتقد أنّ الأطراف المختلفة ستسمح بانهيار السلطة الفلسطينية التي أصبح وجودها مصلحة استراتيجية للاحتلال، خاصّة وأنها أثبتت جدارتها في القيام بالمهام المنوطة بها وخصوصا على المستوى الأمني.

    منذ اتفاقيْ أوسلو وباريس استخدمت إسرائيل والولايات المتحدة الأموال (من الدول المانحة ومن المقاصة) أدوات للضغط الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية. فما تفعله الولايات المتحدة حاليا هو ابتزاز رخيص للسلطة الوطنية الفلسطينية للضغط عليها للتراجع عن رفضها لقاء الأمريكان أو عودة المفاوضات بدون تعديل الوساطة إلى وساطة دولية وليس فقط أمريكية.

    أما انعكاسات هذه الخطوات فالسلطة ستعاني في المدى القصير من ضائقة مالية خاصة إذا خوفت الولايات المتحدة المانحين الآخرين وأجبرتهم تعليق منحهم وربطها بالمطالب الأمريكية. ولكن على المدى البعيد يجب أن تغتنم السلطة الفرصة وتعمل على الاستقلالية عن كثير من الدول المانحة وخاصة تلك التي تربط منحها بالعملية السياسية وتطورها والبحث عن مصادر وآليات أخرى لتمويل العجز في الموازنة.

    فيما يتعلق بالخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، فتتمثل بالضغط السياسي على إسرائيل من خلال الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى، والضغط الميداني من خلال عدم مطاردة المقاومين وعدم ملاحقتهم بأي شكل، وعلى المدى البعيد: جعل النظام الضريبي الفلسطيني أكثر إنصافا بحيث يكون تصاعديا حقا، وأن تتحمل طبقة رجال الأعمال حصة أكبر في العبء التمويلي للسلطة الوطنية، والاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص في مشاريع إنتاجية بحيث ترفد الموازنة، والعمل على تخفيض حصة الأمن في النفقات الحكومية ورفع حصة النفقات الاجتماعية المختلفة.

    دسعيد هيفا، أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت

    أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني حالة الركود وارتفاع نسبة البطالة بمعدل 34%، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلال ما بين الضفة وغزة، ولكن الأهم من هذا الرقم هو أن هذه النسبة هي بين الشباب والخريجين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 – 24 عاما، حيث تتجاوز نسبة البطالة 40%. هذه النسبة ستكون مرشحة للزيادة نتيجة الظرف الحالي الذي تمر به السلطة، والتغيرات الخاصة بالعلاقة مع إسرائيل التي تقوم على الشق المادي، وكذلك العلاقة مع أمريكيا والإجراءات المالية التي اتخذتها ضد كل المشاريع الممولة أمريكيّاً.

    ورغم كل ما سبق، أعتقد أن حدوث حالة انهيار اقتصادي للسلطة صعب جدا، بغض النظر عن شكله، لأنّ كل هذه الإجراءات الأمريكية الإسرائيلية تأتي في إطار الابتزاز، وليس من مصلحة جميع الأطراف انهيار السلطة الفلسطينية، لذلك ستبقى هناك حالة دعم وإن قلت.

    لكن يمكن الحديث عن نسبة عجز عالية وأخشى أن تلجأ السلطة الفلسطينية لتغطية هذا العجز من خلال بعض الخطوات على حساب المواطنين كرفع الضرائب والرسوم رغم أن الوضع الاقتصادي العام لا يحتمل هذا الأمر.

    باعتقادي إذا كان هناك قرار رسمي اقتصادي رشيد يمكن العمل على زيادة الإيرادات وتقليص النفقات، وقد يكون هناك بدائل عربية أو دولية أخرى لأنّ البقاء على الشكل الحالي بوجود السلطة هو مصلحة أساسية للأطراف الرئيسة من بينها أمريكيا وإسرائيل.

    الضغوط الاقتصادية هذه تأتي ضمن حالة الابتزاز في المواقف السياسية وحالة التطويع وفقا للرؤى والخطط التي تسعى أن تفرضها أمريكيا وإسرائيل بحق القضية الفلسطينية، وباعتقادي يمكن للسلطة عكس هذا الأمر بحيث تدفع باتجاه تقييم الحالة وإعادة المسار الذي تقوم عليه باتجاه مختلف عن الواقع الحالي، وبالتالي البحث عن استراتيجية أخرى للتعامل مع الواقع الجديد.

    سيكون للخطوات الإسرائيلية الأمريكية انعكاسات على قطاعات مختلفة أهمها رواتب الموظفين ثم يمتد إلى الاقتصاد الفلسطيني، فالإنفاق الحكومي هو محرك للاقتصاد، وهو ما يعني مزيداً من تردي الواقع الاقتصادي ومزيداً من البطالة.

    أما الخيارات المتاحة فتتمثّل بإمكانية الذهاب لخطة ترشيد الإنفاق الحكومي، الأمر الثاني التركيز على دعم القطاعات ذات الأهمية بحث يكون هناك تركيز على الأولويات، والخطوة الثالثة تكمن في الاستغناء عن بعض النفقات في قطاعات معينة وفقا لمفهوم الأولويات، فمثلا الصحة والتعليم لهما الأولوية الأولى ويمكن التركيز عليهما، وباقي القطاعات يمكن العمل على مراجعة نفقاتها.

    وأحد الخيارات: الذهاب بدراسة البطالة المقنعة داخل بعض المؤسسات الحكومية، بحيث يمكن الاستفادة من الطاقات من خلال تدويرها، وكل ذلك يحتاج لقرارات شجاعة.

    دنائل موسى، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية

    باعتقادي التحدي الأكبر أمام الاقتصاد الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية بنت موازناتها على المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى الإيرادات المحلية، فالمساعدات الخارجية يتحكم فيها رضى الدول المانحة عن أداء السلطة، وبالتالي الخطوة الأمريكية والإسرائيلية ستؤثر على حجم الإيرادات للسلطة وهو ما ينعكس على الموازنة العامة.

    ما قامت به إسرائيل سيؤثر على الحقوق الداخلية للسلطة الفلسطينية، فعمليا أموال المقاصة هي إيرادات داخلية وهي حق للفلسطينيين. وبالتالي انقطاع هذه الإيرادات أو اقتطاع جزء منها سيكون له تأثير على أدائها وواقعها الاقتصادي.

    أما فيما يتعلق بمسألة الانهيار أو العجز الذي قد تعاني منه السلطة، فيجب أولا فهم الفلسفة التي أقيمت عليها السلطة، فبقاؤها مصلحة إسرائيلية لأنها تشكل أرخص احتلال في العالم، وفعليا نحن لم نتحرر، بالتالي إسرائيل لا تريد انهيار السلطة، وإنما بقاءها في وضع دائم صعب وقاسٍ اقتصاديا حتى تبقى أولويات السلطة غير الأولويات التي يجب أن تكون، بمعنى أنه يجب على السلطة إدارة الأزمة المالية الداخلية وعدم التفرغ لأي خطوات سياسية.

    هناك هدفان لهذه الإجراءات، مرحليّ يتمثل في الانتخابات الإسرائيلية، ومنه تعزيز مفهوم تجريم المقاومة، بحيث يصبح مفهوم المقاومة يتضارب مع المصالح الذاتية حتى عند الفلسطيني نفسه، الهدف الاستراتيجي وهو صفقة القرن بحيث يتم إيقاع السلطة الفلسطينية في أزمة مالية كبيرة من أجل القبول بمواقف سياسية أو تبرير المواقف السياسية التي يمكن القبول بها فلسطينيا أمام الشعب الفلسطيني نفسه، وأنها جاءت استجابة للضغوط المالية المفروضة.

    أمّا الخيارات المتاحة أمام السلطة فيمكن أن تكون بالذهاب للاقتراض من البنوك المحلية، أو الذهاب للدول الصديقة والشقيقة لتقديم دعمها خلال هذه المرحلة، لكن السؤال إلى متى يمكن الذهاب لهذه الخيارات المرحلية، والمدة الزمنية التي يمكن أن تغطيها؟

    على صعيد الخيارات المحلية الداخلية أعتقد أنها خيارات محدودة وتحتاج إلى إعادة هيكلة السلطة وترشيد النفقات.

    أما الخيار ذو الفعالية الأكبر باعتقادي، لكنه يحتاج إلى موقف حاسم، هو ما تحدث عنه الرئيس من إمكانية عدم القبول بالأموال إذا كان مقتطعا منها أي نسبة، وبالتالي يمكن أن يكون الموقف الفلسطيني من الاتفاقيات إما أن تطبق بشكل كامل وإما عدم تطبيقها بشكل نهائي، وهذا قد يعني التجرد من التنسيق الأمني وهي ورقة ضغط قوية وستضع إسرائيل في موقف محرج وبالتالي دفعها للالتزام بالحقوق الفلسطينية.

  • تقدير موقف حول فرص إجراء الانتخابات الفلسطينية

    مقدمة

    في ظل الانقسام السياسي الحاد، الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وفشل سبل المصالحة الداخلية، وفي ظل مرور القضية الفلسطينية بأخطر مراحلها، ومحاولة تصفيتها من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر2019، عن عزمه عقد انتخابات فلسطينية عامة، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، حال عودته. ومع أن استخدام تعبير”الانتخابات العامة”، يوحي أنه يشمل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، إلا أن ما تم توضيحه لاحقا، هو أن الرئيس كان يقصد الانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد قوبل هذا الخطاب بموافقة حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، على المشاركة في الانتخابات، مع تأكيدهم على أهمية إجراء الانتخابات الوطنية بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ومنذ إعلان الرئيس عباس، وحتى إعداد هذا التقدير، يسود المشهد السياسي نقاشٌ حول مدى جدية الدعوة، وملاءمة الظروف الموضوعية والذاتية، وإمكانية وجود فرصة حقيقية لإجراء الانتخابات.

    خلفيات الدعوة للانتخابات

    بعد إقدام السلطة الفلسطينية على سلسلة إجراءات عقابية ضد غزة، أعلن المجلس التشريعي في غزة، وعلى لسان نائب رئيس المجلس د. أحمد بحر، عدم شرعية الرئيس عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، وفقدان تمثيله للشعب الفلسطيني. هذا الموقف الصادر عن المجلس التشريعي في غزة، جاء قبل يوم واحد من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد ذكر د. أحمد بحر، أن “عباس” يعتلي منبر الأمم المتحدة دون أي شرعية قانونية، أو دستورية، أو وطنية، ولا يمثل شعبنا، وإنما يمثل نفسه فقط، مؤكدا “أن من يجوّع شعبنا، وينسق مع الاحتلال، ويصر على نزع سلاح المقاومة، ويفرط بدماء الشهداء وعذابات الأسرى، ويعترف بدولة الاحتلال، ويتنازل عن حق العودة، لا يمكن أن يمثل شعبنا”. بعد ثلاثة شهور تقريبا من هذا الإعلان، أقرت المحكمة الدستورية والتي شكلها الرئيس عباس، قرار بحل المجلس التشريعي وذلك في نهاية شهر كانون أول/ ديسبمر 2018.

    خلَقَ حل المجلس التشريعي حالة من الفراغ القانوني، وعزز مركزية السلطة بشكل أكبر بيد الرئيس عباس. وقد تجسد ذلك مرة أخرى عند تكليفه الدكتور محمد اشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بعد إقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله، ورفْض حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، هذه الخطوات، واعتبارها تجاوزا للقانون الفلسطيني.

    ينص القانون الأساسي الفلسطيني على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية كل 4 سنوات. ومع ذلك، فإن آخر انتخابات رئاسية كانت قد أُجريت عام 2005، وآخر انتخابات تشريعية عام 2006. وبالتالي، فإن كلا من الرئيس محمود عباس والمجلس التشريعي، يواجهون أزمة حقيقية أمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، حول عدم تجديد شرعيتهم الانتخابية.

    فتحاويا، يواجه الرئيس عباس تحديًا حقيقيًا في كيفية إدارة القوى المنافسة له داخليا. ففي قطاع غزة، تزداد قوة محمد دحلان بشكل مستمر، خاصة بعد اصطفاف عدد من القيادات الفتحاوية المعروفة، وأعضاء من المجلس التشريعي عن حركة فتح في غزة، مثل سمير المشهراوي، وسفيان أبو زايدة، وهشام عبد الرازق معه. وتشير تقديرات بعض المحللين، إلى أن تيار دحلان، يمكنه أن يستحوذ على نسبة معتبرة من كتلة فتح الانتخابية، في حال إجراء أي انتخابات قادمة، ومشاركة التيار فيها.

    وفي الضفة الغربية، يواجه الرئيس عباس تحدي الخلاف مع القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتياره الذي برز بشكل واضح أثناء الإضراب عن الطعام “إضراب الكرامة”، الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال عام 2017، والذي قاده البرغوثي خلافا لرغبة السلطة.

    تأتي هذه التحديات الداخلية الفتحاوية، في ظل تزايد احتمال غياب عباس عن المشهد، سواء لأسباب صحية، أو لتقدمه في العمر. الأمر الذي قد يوحي بقناعة الأطراف الفتحاوية المختلفة، بأهمية تشكيل تكتلات جديدة، لسد الفراغ في حال غياب عباس عن المشهد السياسي الفلسطيني، والأمر ذاته يدفع الرئيس عباس لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي، لتعزيز استقرار الحركة من بعده.

    كذلك تأتي دعوة محمود عباس بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثانية، وعدم قدرة أي من الأطراف على تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يعزز إمكانية الذهاب لانتخابات إسرائيلية ثالثة. في هذا السياق، يمكن القول إن عدم الاستقرار الإسرائيلي الداخلي، يربك المشهد الفلسطيني باستمرار، خاصة بعد عزم نتنياهو، كما أعلن في دعايته الانتخابية، على ضم أراضي الأغوار الشمالية والمرتفعات الاستيطانية، لسيادة الاحتلال الإسرائيلي. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على موت مسار أوسلو، ووضع قيادة منظمة التحرير أمام انسداد سياسي كبير. وقد ظهر نتنياهو أكثر جدية في موضوع ضم الأغوار الشمالية، حينما أعلن عن ذلك بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد يوم واحد من إعلان وزير الخارجية الأمريكية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. 

    في قطاع غزة، تتدهور الحالة الإنسانية بسبب استمرار الحصار المفروض منذ أكثر من 12 عاما، وتستمر حركة حماس في حكم غزة في ظل ظروف اقتصادية خانقة. فطبقاً للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وصلت نسبة البطالة إلى ما يقارب 55%، ونسبة من يقبعون تحت خط الفقر ما يقارب الـ 34%. مسيرات العودة ما زالت مستمرة، وعدد الشهداء في تزايد مستمر أيضا، إذ ارتقى حتى الآن 350 شهيدا منذ بدء مسيرات العودة، في حين أصيب ما يقارب 19 ألف فلسطيني وفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان. ظرف غزة المعقد يدفع حركة حماس للبحث عن أي مخرج سياسي لتخفيف عبئ الحصار، الأمر الذي قد يجعل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بداية لذلك بالنسبة لحماس.

    الأطراف الفاعلة: الدوافع والمصالح

    هناك ثلاثة أطراف فاعلة بشكل مباشر في موضوع الانتخابات الفلسطينية، هي حركة فتح، وحركة حماس، و”إسرائيل”. أما الأطراف ذات التأثير غير المباشر، فهي المجتمع الدولي، والإدارة الأمريكية.

    يمكن التنبؤ بالأهداف التي تسعى حركة فتح إلى تحقيقها من خلال الانتخابات في هذه المرحلة الحرجة، وبناء على السياقات المذكورة أعلاه وهي:

    1. إعادة ترتيب شكل التواجد الفتحاوي في الجسم التشريعي الفلسطيني ، بما يضمن إضعاف التيارات المنافسة لمحمود عباس، أي دحلان في غزة والبرغوثي في الضفة، وبالتالي الحفاظ على استقرار حركة فتح.
    2. تجديد الشرعية الانتخابية، الرئاسية والتشريعية، محليا وإقليميا ودوليا.
    3. تحقيق عدة مصالح حزبية في ظل وجود أبو مازن، والتي قد يصعب الحفاظ عليها بعده، مثل الاستمرار في السيطرة على السلطة ومكتسباتها.
    4. البحث عن مخرج للمسار السياسي المأزوم مع الاحتلال الإسرائيلي.
    5. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني، أي حركة حماس، أو جرها لبرنامج أبو مازن السياسي.

    أما الأهداف التي تسعى حركة حماس إلى تحقيقها من إجراء الانتخابات في هذه المرحلة، فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

    1. تخفيف الحصار عن قطاع غزة، من خلال الحكومة المنبثقة عن التشريعي الجديد، حتى لو كان ثمن ذلك تخلي حماس عن الحكم في القطاع.
    2. الرغبة في تجديد شرعيتها محليا وإقليميا ودوليا، لدفع جميع الأطراف لقبول حماس كفاعل مهم، والتفكير بالتعامل معه.
    3. حلحلة الواقع المعقد لها في الضفة الغربية، وإيجاد منصات عمل سياسي وجماهيري، تعيد لها الاعتبار والحضور. والتغلب على بعض العقبات بالذات المرتبطة بالسلطة.
    4. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني “حركة فتح”، وإضعاف مسار التسوية.
    5. التمهيد للدخول في منظمة التحرير كلاعب مؤثر.

    أما الاحتلال، فإن مصلحته تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وهو بذلك يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:

    1. استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية كبيرة للاحتلال.
    2. الاستمرار في التمدد الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية.
    3. إنهاء الحالة السياسية الوطنية في القدس.
    4. ضمان الاستقرار الأمني، سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل.

    أما المجتمع الدولي، ومع أن الشرعية الانتخابية الفلسطينية تبدو مهمة له؛ لتعزيز مسار حل الدولتين ودعمه، إلا أنه كان قد رفض التعامل مع ما أفرزته انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، التي حصلت فيها حركة حماس على الأغلبية، وفي المقابل استمر في التعامل مع محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، حتى بعد انتهاء فترة ولايته عام 2009. الأمر الذي يعزز فكرة أن المجتمع الدولي معني بالدرجة الأولى بتعزيز مسار حل الدولتين، لكنه لن يهتم كثيرا بالشرعية التي تفرزها الانتخابات.

    وبخصوص الموقف الأمريكي، يبدو أن مصالح الإدارة الأمريكية الحالية، تنسجم مع تحقيق مصالح دولة الاحتلال المذكورة آنفًا. فالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، اتخذت العديد من القرارات التي تدمر حل الدولتين، والتي تمثلت فيما يطلق عليه صفقة القرن. وبذلك، فإن الإدارة الأمريكية تعمل على إيجاد محدداتٍ وأطرٍ جديدة للحل، لا تراعي فيها حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبالتالي، فالإدارة الأمريكية الحالية غير مهتمة بموضوع الانتخابات، بقدر ما يهمها المضي قدما في تحقيق تفاصيل صفقة القرن.

    السيناريوهات الممكنة

    عمليا، اللاعب الأكثر تأثيرا في إجراء الانتخابات أو عدمه، هو حركة فتح، متمثلة بشكل أساسي برئيسها، ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس، الذي تتمركز السلطة بيده. فقرار عباس الذهاب للانتخابات، خاصة بعد موافقة الفصائل الفلسطينية على المشاركة، يعني أن الانتخابات ستتم إذا تم تجاوز تحدي إجراء الانتخابات في القدس. وبالتالي، من الضروري مقاربة أهداف حركة فتح والرئيس عباس في الوقت الحالي، مع المصالح المتحققة من إجراء الانتخابات. وبالتالي فالسيناروهات المتوقعة لمسار الانتخابات هي:

     السيناريو الأول: عدم إجراء الانتخابات

    يرتبط هذا السيناريو بحركة فتح، وهو يُطرح لأن تقديرات حركة فتح تشير إلى أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، لا يحقق مصلحتها في ترتيب بيتها الداخلي، بل ربما تضرها ضررا واضحا. فالدخول في الانتخابات فيه مخاطر كثيرة، خاصة إذا استطاع تيارا دحلان والبرغوثي تقوية الاصطفاف الداخلي لصالحهما. ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، حسب بعض قيادات الحركة، يمكن أن يتم بطرق أخرى أكثر فعالية، وأقل مخاطرة، وأقل خسارة على المدى الاستراتيجي، لأن الانتخابات لا تعني بالضرورة قدرة حركة فتح على الفوز في المجلس التشريعي، أو حتى إبقاء محمود عباس، أو غيره، في رئاسة السلطة. يتعزز هذا الاحتمال في ظل وجود مؤشرات على افتقاد حركة فتح لقاعدة شعبية واسعة، خاصة في الضفة الغربية، نتيجة لانسداد المسار السياسي، واستمرار التنسيق الأمني، والتضييق على الحريات العامة، وتدهور الحالة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تأتي الانتخابات لصالح الخصم السياسي لحركة فتح، أي حركة حماس، في حال حصولها على أغلبية، أو حتى على نسبة جيدة تمكنها من إعادة ترتيب صفوفها الداخلية، واستعادة شرعيتها في الضفة الغربية، وبالتالي عودة فعاليتها ونشاطها فيها، بعد أن تم تقويضها لأكثر من 12 سنة، وهو الأمر غير المرغوب فتحاويًا، لذلك ليس من مصلحة فتح إجراء الانتخابات.

    أما مصلحتها في البحث عن مخرج لمسار التسوية المأزوم، فإن ذلك يشكل دافعًا آخر لحركة فتح في عدم إجراء الانتخابات، إذ أن المشهد السياسي في “إسرائيل”، يشير بنسبة كبيرة إلى خروج نتنياهو من هذا المشهد، سواء بسبب توجيه الاتهام له بالفساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي، أو بسبب المشهد المعقد الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة. وبالتالي، فإن المؤشرات تسير باتجاه بيني غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن غانتس يُحسب على اليمين الوسط، إلا أنه من ناحية أولية لا يعارض العودة إلى المفاوضات مع أبو مازن. من هنا، فإن إجراء الانتخابات الفلسطينية، وحصول حماس على شرعية جديدة، وربما شرعية تعزز قوتها في المشهد الفلسطيني، يدفع أبو مازن إلى عدم إجراء الانتخابات، وذلك من أجل أن يذهب إلى المفاضات دون وجود مجلس تشريعي، ولا معارضة، ولا “وجع راس” كما يُقال.

    على المستوى الإقليمي والدولي، من المرجح عدم وجود رغبة دولية لإعطاء حماس فرصة لتجديد شرعيتها في المشهد الفلسطيني، وتعزيز حضورها من جديد، وخاصة في الضفة الغربية. كما أن الجدية تجاه إجراء الانتخابات لاعتبارات الديمقراطية وشرعية المؤسسات، تبقى محل تساؤل، حيث تعامل المجتمع الدولي مع غياب هذه الحالة لأكثر من عقد من الزمن، ورضي بالوضع القائم، الذي هو بعيد كل البعد عن المعايير الديمقراطية، التي يتغنى بها المجتمع الدولي.

    إضافة إلى ذلك، فإن مصالح دولة الاحتلال، المتمثلة في إبقاء الانقسام، واستمرار الاستيطان، والحفاظ على الأمن، وإنهاء الحالة الوطنية في القدس، تتحقق بشكل أكبر من خلال عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية. كما أن الوضع الداخلي الإسرائيلي الحالي، يختلف عما كان عليه عام 1996، وعام 2006، حينما أُجريت الانتخابات الفلسطينية الأولى والثانية، وسمحت “إسرائيل” وقتها بمشاركة فلسطينيي القدس في الانتخابات. اليوم الوضع مختلف كثيرًا، حيث يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، واليمين المتشدد، الذي ينظر إلى القدس بحساسية شديدة. كما أن “إسرائيل” اليوم لا تبالي بالمجتمع الدولي ، ولا بالعالم العربي المتناحر، ولا بالأمم المتحدة ، ولذا فليس من المستبعد أن تمنع “إسرائيل” فلسطينيي القدس من المشاركة في الانتخابات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي سوف يتسبب في رفض الفلسطينيين لإجراء الانتخابات دون القدس، سواء كان ذلك لأسباب وطنية جوهرية، أو فرصة للتنصل من الانتخابات لدى من لا يرغبون فيها. هنا يُذكر أن “إسرائيل” اعتقلت نواب القدس عن حركة حماس، ووزير القدس في حكومة حماس، وأبعدتهم عن القدس إبعادًا دائمًا، وسحبت هوياتهم، دون أن يحرك أحد ساكنًا، وأصبح الأمر واقعًا قائمًا.

    باختصار، فإن مصلحة عباس، والإقليم، والمجتمع الدولي، وحتى “إسرائيل”، تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وتتطلب العمل على تحجيم حماس وشرعيتها، إلا إذا كان لديها الاستعداد للانخراط في عملية التسوية السياسية، وهو ما لا تدعمه أي مؤشرات.

    وفي هذا السياق، قد يظهر تخوف حماس غير المعلن في حال مشاركتها في الانتخابات، فإذا فازت في الانتخابات التشريعية مرة أخرى، فستواجه تحديًا في استحقاقات هذا الفوز، وخاصة تكرار تجربة عام 2006، والحصار الذي فرضه العالم على حكومتها، وعلى أعضائها في المجلس التشريعي. وإذا خسرت الانتخابات، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضعافها، وزيادة الضغط عليها، وعلى برنامجها.

    السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات

    تمر القضية الفلسطينية بواحدة من أسوأ مراحلها، نتيجة الدعم اللامتناهي من الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو، لتصفية العديد من ملفات الحل النهائي، كالقدس، واللاجئين، والاستيطان. يأتي ذلك كله في ظل استمرار حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني الداخلي. المؤكد هو أن هذه الحالة أضعفت جميع الأطراف الفلسطينية سياسيا، وأن الرئيس عباس تحديدا، بات يواجه تحديات على عدة مستويات: فلسطينيا وفتحاويا، ويحتاج إلى أكبر حشد شعبي للوقوف خلفه لمواجهة هذه التحديات، وخاصة صفقة القرن، وموت مسار أوسلو. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يسعى الرئيس عباس إلى إقناع الأطراف المختلفة، بأن الكل الفلسطيني ما زال مقتنعا بحل الدولتين، وهذا ما ذكره بشكل واضح في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، حينما أشار إلى أنه ما زال مؤمنا بأن الحل الوحيد، هو حل الدولتين. إن صح هذا التوقع، فهذا يعني أن عباس يريد العمل على احتواء حركة حماس، وكسب حشدها الشعبي، لتقوية موقفه في مواجهة صفقة القرن، وتوظيف ذلك في الدعوة للعودة إلى مسار التسوية. ما يرجح هذا السيناريو كذلك، حديث بعض القيادات من حركة فتح عن إمكانية الترشح للانتخابات، بقائمة واحدة مشتركة بين حماس وفتح. قبول حماس بذلك، قد يعزز موقف الرئيس عباس في تحقيق ما يراه مصالح وطنية، وربما مصالح حزبية فتحاوية، مثل ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وجر حماس، ولو بشكل غير مباشر، إلى مسار التسوية، أو استخدامها في تحقيق ذلك. لكن من الجدير ذكره، أن هذا السيناريو يتطلب من حماس قبولها الترشح في الانتخابات بقائمة مشتركة مع فتح.

    أما على صعيد حركة حماس، فإن إجراء الانتخابات عموما، يحقق جملة من المصالح، أهمها التحلل، أو التخفيف من عبء إدارة قطاع غزة في ظل الحصار الخانق عليه، سواء بتحمل حركة فتح هذا العبء، إذا أفضت نتائج الانتخابات إلى حصولها على الأغلبية، أو بمشاركة الأطراف الفلسطينية الأخرى في إدارة القطاع. وفي حال تحقق سيناريو إجراء الانتخابات، وفوز حركة حماس بالأغلبية، أو حتى حصولها على مقاعد معتبرة في المجلس التشريعي، فستعتبر حماس ذلك فرصة ومدخلًا لتعزيز وجودها في الضفة الغربية، وزيادة احتمال دخولها في منظمة التحرير، وبالتالي تعزيز شرعيتها مرة أخرى في الساحة الفلسطينية والدولية. 

    السيناريو المرجح

    بإجراء مقاربة موضوعية للسيناروهات المحتملة، فإنه السيناريو الأول، وهو عدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في المرحلة الحالية، هو الأكثر احتمالًا، وذلك للاعتبارات التالية:

    • رغبة حركة فتح في عدم تعميق أزمتها الداخلية من خلال المشاركة في الانتخابات.
    • ضعف فرصة حركة فتح في الفوز بأغلبية في الانتخابات التشريعية.
    • رغبة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وربما الإقليم والمجتمع الدولي، بعدم تجديد الشرعية لحركة حماس.
    • معارضة دولة الاحتلال وعدم سماحها بإجراء الانتخابات في القدس.
    • رغبة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الحالية في استمرار الانقسام الفلسطيني.
    • عدم جدية المجتمع الدولي في ضغطه باتجاه إجراء الانتخابات.

    بالرغم مما يُقال عن وجود ضغوط دولية على الرئيس عباس لانتخاب مجلس تشريعي جديد بعد حل المجلس الأخير، فإن الرئيس عباس سيعمل على إقناع العالم بمخاطر الانتخابات، لأنها قد تسفر عن عودة حماس مرة أخرى إلى النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي سيخلق انعكاسات لا يريدها المجتمع الدولي. ورغم ما يُقال أيضا عن استحقاق مهم يسعى إليه الرئيس عباس في أيلول/ سبتمبر القادم، وهو التقدم إلى الأمم المتحدة بمشروع حصول فلسطين على العضوية الدائمة، وما يتطلبه ذلك من وجود برلمان منتخب، فإن الرئيس عباس يفضل تأجيل الموضوع إذا كانت الانتخابات ستُظهره ضعيفًا، أو لا يمثل الكل الفلسطيني.  

    الاعتبارات المذكورة ترجح أن دعوة الرئيس عباس للانتخابات، جاءت كمناورة سياسية لإحراج حركة حماس، وكرسالة دعائية لتطمين المجتمع الدولي. لكن إعلان حركة حماس والفصائل الفلسطينية، الاستعداد للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فاجأت الرئيس وحركة فتح. ولكن رغم التصريحات الإيجابية تجاه استحقاق الانتخابات، إلا أن الرئيس عباس وحركة فتح، سيخلقون المبررات لعدم إجراء الانتخابات في هذه المرحلة.

  • حكومة فتح القادمة.. الدلالات والتحديات

    في 27 يناير 2019 أوصت اللجنة المركزية لحركة "فتح"، في اجتماعها برئاسة الرئيس محمود عباس، بإنهاء عمل حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله، والبدء بالعمل على تشكيل حكومة فصائلية سياسية من فصائل منظمة التحرير وشخصيات مستقلة.

    لم تمض ساعات قليلة على هذه التوصية حتى عبر رئيس الحكومة الحمد الله عن وضع حكومته تحت تصرف الرئيس، الذي من طرفه قبل الاستقالة باليوم التالي وكلف الحكومة بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة، وقام في ذات الوقت بتكليف لجنة من مركزية فتح لبدء مشاوراتها مع فصائل المنظمة لتشكيل الحكومة.

    وسعيا من مركز رؤية للتنمية السياسية، لتقديم قراءة أكثر عمقا لهذه الخطوة من حيث الدلالات والاحتمالات المستقبلية، فإنه استطلع آراء بعض الخبراء والمحللين السياسيين، عبر مجموعة من الأسئلة كما يلي: ما الأهداف التي دفعت حركة فتح للتوجه نحو تشكيل حكومة من فصائل المنظمة في الوقت الراهن؟ وما هي أبرز المهام التي تريدها فتح من هذه الحكومة؟ وهل ستنجح حكومة مُشكلة من فصائل منظمة التحرير من تحقيق المصالحة الفلسطينية، وما أبرز العقبات التي قد تهدد مستقبلها؟ وما هي قدرة هكذا حكومة على الحصول على ثقة التيارات السياسية الفلسطينية والشارع الفلسطيني؟ ومدى انعكاس تشكيل الحكومة على ملف المصالحة؟

    من أبرز آراء الخبراء والمحللين بهذا الشأن ما يلي:

    1. قد يبقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس على حكومة الحمد الله لتسيير الأعمال فترة انتقالية وفقا للتطورات السياسية الإقليمية والدولية، التي يحاول من خلالها كسب الوقت لإعادة تحريك عملية السلام وفقا لما يتطلع له.
    2. خطوة من شأنها تعميق حالة الانقسام وتحويله إلى انفصال ما بين الضفة وقطاع غزة، مع إمكانية تعزيز حالة الانقسام العمودي داخل مؤسسات منظمة التحرير في أعقاب رفض الجبهتين الشعبية والديمقراطية المشاركة بتشكيلة هذه الحكومة.
    3. أي حكومة مقبلة لن تستطيع أن تحظى بثقة التيارات السياسية والشارع نتيجة عدم التوافق الوطني الداخلي وكذلك لوجود الكثير من التحديات والعقبات أمامها سياسيا واقتصاديا وإداريا.
    4. التخوف والتوجس من غياب الرئيس محمود عباس بشكل مفاجئ أحد أهداف مساعي فتح لتشكيل الحكومة المقبلة حتى تبقى تمسك بزمام الأمور.
    5. من المهام التي قد تسند للحكومة الجديدة كيفية فرض عقوبات جديدة على غزة دون المس بالمواطنين، أي محاصرة حماس في غزة.

    دعزمي الشعيبي، مستشار الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة لمكافحة الفساد أمان

    باعتقادي أن أعضاء اللجنة المركزية غير متأكدين أو ليس لديهم المعلومة الكاملة عن الوجهة القادمة للرئيس محمود عباس بشأن الوضع السياسي الداخلي وخصوصا العلاقة مع حركة حماس. وبالتالي يمكن القول إن الرئيس أعطى أعضاء المركزية دورا للتفكير حتى يدلوا بدلوهم، لكن دون التأكد إن كان سيأخذ بهذه التوصيات، فالرئيس يعرف مسبقا أن هذا النوع من الحكومات لن يحل الإشكال الأكبر وهو الإشكال السياسي الداخلي.

    أضف إلى ذلك أن حركة فتح في الآونة الأخيرة باتت تستشعر وجود فجوة وفقدان للثقة بالقيادة والمسؤولين في الحكم، وهو ما حرك جدلا داخلياً لدى فتح لدرء المخاطر الناتجة عن تحملها أوزار الحكومات السابقة.

    وأنا باعتقادي بداية أن لا تتشكل الحكومة بهذه بالسرعة، لأن المشاورات مع فصائل منظمة التحرير. تواجه تحديات جدية وحقيقية، باستثناء بعض المنظمات الشكلية التي لا تمثل قاعدة شعبية، وهو ما يعني أن الحكومة المقبلة إن خرجت للنور ستكون غالبيتها من حركة فتح، وبالتالي قد ينتظر الرئيس نتائج ما يجري من حراك تحت الطاولة في المنطقة والذي تشارك به مصر والسعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.

    التحدي الذي يواجه الحكومة هو حالة الانقسام ما بين الضفة وغزة، إضافة لمجموعة عقبات أقلها الأزمة المالية. وبالتالي لن تستطيع أي حكومة قادمة إرضاء متطلبات الجمهور، عدا عن التحديات المتعلقة بالقدس، فأي حكومة مقبلة لن تستطيع تقديم أي شيء للقدس، ناهيك عن المشكلة الأساس التي ستواجه الحكومة وهي واقع قطاع غزة، فالحكومة مضطرة للعمل بواقع سياسي للقيادة السياسية في المناكفة مع حماس وهذا سيؤدي إلى نقمه من الجمهور عليها. وهو ما يعني أي حكومة مقبلة لن تستطيع أن تحظى بثقة الشارع أو الجمهور.

    عندما كان يتم توصيف الانقسام يقال أنه بين فتح وحماس، ثم أصبح بين الضفة وغزة، ومن ثم أصبح ما بين السلطة والحكومة والآن ربما نشهد انقساما داخل منظمة التحرير، بمعنى أنه كيف سيتم تشكيل حكومة فصائل المنظمة في ظل غياب الفصائل الرئيسية مثل الجبهة الشعبية والديمقراطية؟

    جهاد حرب، باحث في قضايا الحكم والسياسة، مختص في الشؤون البرلمانية، عضو الفريق الرئيس لتقرير حالة الإصلاح في العالم العربي "مقياس الديمقراطية العربي".

    اللجنة المركزية لحركة فتح تعتقد أن مطلب حكومة جديدة يأتي لأن حكومة الوفاق برئاسة الحمد الله قد فشلت في ملف الضمان الاجتماعي وعدد من الملفات وبالتالي قد ينفجر الشارع، والسبب الثاني أن حكومة الوفاق المُشكلة منذ خمس سنوات حتى الآن لم تحقق الأهداف التي شكلت لأجلها أو المتوقع منها وهي إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات بين الضفة وغزة. وبالتالي تغيير الحكومة جميعها أو جزء كبير منها ربما يساعد إلى انطلاقة جديدة لإعادة الاعتبار لحركة فتح التي تتحمل الوزر والسيئات والسلبيات من الحكومات السابقة، بمعنى آخر حركة فتح كانت تتحمل مسؤوليات دون أن تحكم.

    ومهمة الحكومة الجديدة قد تكون نابعة من أمرين، الأول إدارة الحكم وتثبيته من خلال المشاركة مع فصائل منظمة التحرير، الأمر الثاني التخوف والتوجس من غياب الرئيس محمود عباس، خاصة أنه في عمر كبير، وتعرض لوعكات صحية في العام الماضي، وبالتالي حركة فتح تريد في حال غيابه أن تبقى ممسكه بزمام الأمور في ظل عدم القدرة على عقد الانتخابات، وكذلك غياب القدرة على إنهاء الانقسام.

    هناك العديد من التحديات أمام الحكومة، والتحدي الرئيسي الأول هو حالة الانقسام، والتحدي الرئيسي الثاني هو الاحتلال الإسرائيلي والممارسات التي يقوم بها على الأرض، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولمواجهة ذلك فهي بحاجة إلى سياسات، ويمكن تطبيقها على الأرض في حال توافرت نوايا سياسية خاصة في موضوع الانقسام، وكذلك بإمكانها العمل على إعادة رسم سياسات متعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

    وباعتقادي تشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير يعني إلغاء لاتفاق الشاطئ الذي نتج عنه حكومة الوفاق الفلسطينية، وفي نفس الوقت لن تستطيع هذه الحكومة الخوض في اتفاق جديد مع حركة حماس، وقد تكون في الفترة الأولى لتشكيلها حدة من المواقف وتراشق إعلامي وهو ما يعني عدم إمكانية طي صفحة الانقسام في الأمد القريب.

    خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيةمسارات، رام الله.

    في الواقع يصعب إيجاد تفكير منطقي باتجاه تشكل حكومة جديدة سوى أن حكومة الوفاق كانت بمثابة معيق أمام اتخاذ خطوات كان يجري التلويح بها ضد حركة حماس وقطاع غزة بشكل عام، رغم أن حكومة الحمد الله اتخذت خطوات إجرائية عقابية إلا أنها ظلت خطوات غير شرعية لعدم قبول حماس بها والرفض الواسع من قبل الفصائل الفلسطينية. من هنا يمكن أن نرى أن خطوة تشكيل حكومة جديدة قد تكون من باب إيجاد شرعية من خلال الرهان على مشاركة فصائل منظمة التحرير بها وبالتالي تكون قادرة على اتخاذ إجراءات عقابية على القطاع وتحميل حماس المسؤولية في عدم التعامل معها.

    وبالتالي يمكن أن يكون هناك ذهاب باتجاه فك ارتباط ليس الحكومة فقط مع قطاع غزة، وهذا ليس فقط بسبب تشكيل هذه الحكومة، وإنما ربما انتظارا للإجراءات التي قد ترد بها حماس تجاه هذه الخطوة وليس أقلها وهي تشكيل حكومة في غزة، أو هيئة إدارية، أو مجلس إنقاذ وطني لقطاع غزة.

    الأمر الآخر: تريد حركة فتح الآن أن تعيد حساباتها بشكل العلاقة مع الشارع الفلسطيني فطوال الأعوام الماضية كانت تأخذ وزر الحكومات، لكن في المقابل يمكن القول أن فتح في هذه التجربة قد تخسر الكثير لأنها ستكون منفردة دون مشاركة فصائل منظمة التحرير أو على الأقل الفصائل الرئيسية.

    حسب المعلن حتى الآن أن هذه الحكومة مؤقتة، المهمة الأساسية لها التحضير لانتخابات تشريعية حصرا دون انتخابات رئاسية، وهذه المهمة التي من المفترض أن تكون المهمة الرئيسية أمامها هي مهمة مستحيلة لأنها لن تشمل قطاع غزة والقدس المحتلة.

    حركة فتح في الحكومة المقبلة ستدخل بقدميها في شرك، قد يصعب عليها هذه المرة أن تحظى بشرعية شعبية ووطنية، وخصوصا إذا ما أقدمت على خطوات تتعلق بقطاع غزة، وبالتالي ستتحمل بشكل مباشر المسؤولية عن اتخاذها.

    ستواجه الحكومة مجموعة من العقبات سواء من ناحية الثقة الشعبية أو ثقة التيارات السياسية إضافة للمستوى الاقتصادي، وحالة الانقسام الداخلي وغياب البرنامج السياسي وكيفية التعامل مع التطورات السياسية على الأرض والتحديات المفروضة على القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا.

    باعتقادي أن نتائج ما تقوم به إسرائيل على الأرض لن يسمح لأي حكومة في تمكين ذاتها، هذا الأمر سيجعل أي حكومة قادمة وخصوصا إذا كانت ضعيفة من حيث الحالة التوافقية أو ضعف الشرعية أو غير قادرة على وضع خطط تنموية أو اقتصادية أو استغلال الموارد، وبالتالي سيفرض عليها أن تلعب دور الوكيل الأمني والاقتصادي للاحتلال ذاته.

    أما على المستوى الإقليمي والدولي يحتمل ذهاب الإدارة الأمريكية لفرض خطتها على الفلسطينيين، وبالتالي عدم وجود شرعية وطنية وشعبية للحكومة الجديدة يمكن أن يضعف العمل أمام تعزيز الجهود العربية والإقليمية لمواجهة الخطة.

    الأمر الأخير وهو أن استمرار الواقع الفلسطيني الحالي بهذا الاتجاه من شأنه تحويل الانقسام لحالة انفصال ستتحمل الحكومة الجديدة المسؤولية المباشرة عنه، وربما سيدخل الحالة الفلسطينية إلى حالة كارثية.

    دمخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية جامعة في جامعة الأزهر بغزة

    أعتقد أنه مثلما حصل مع رئيس الحكومة السابق الدكتور سلام فياض الذي كان بمثابة رجل المرحلة، وفي لحظة معينه قررت فتح أنها ليست بحاجة له، ويبدو أن الأمر يتكرر مع الدكتور رامي الحمد الله وحكومته، ولم يعد بالنسبة لحركة فتح هو الخيار، خاصة أنه غير محسوب تنظيميا على الحركة.

    الأمر الآخر، الحكومة القادمة ستكون حكومة فتح في ظل غياب باقي الفصائل، وبالتالي تشكيل الحكومة في هذا التوقيت وبهذا الشكل هو جزء من ترتيبات المرحلة المقبلة وهي مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، حيث يبدو أن هناك ترتيبات معينه في هذا الإطار خاصة إذا ما نظرنا إلى أن قرار حل المجلس التشريعي من قبل المحكمة الدستورية العليا جاء لسحب الورقة الأساسية من يد حركة حماس والخوف من أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة في أي لحظة يغيب فيها الرئيس.

    هم يقولون أن مهمة هذه الحكومة هي الانتقال من مرحلة أوسلو إلى مرحلة الدولة، باعتقادي هذا أمر صعب جدا، فالانتقال من أوسلو إلى الدولة مسألة معقدة وتحتاج لدعم دولي وعربي. المهمة الأخرى للحكومة باعتقادي هي كيفية فرض عقوبات جديدة على غزة دون المس بالمواطنين، أي محاصرة حماس في غزة.

    وبالتالي أعتقد أن الحكومة لن تحصل على الإطلاق على الثقة الجماهيرية ولا على ثقة الفصائل، لأنه في نهاية الأمر حركتا حماس والجهاد هما بالأساس خارج التشكيلة، والشعبية والديمقراطية أعلنتا عدم المشاركة، حتى أن هناك تيار في حركة فتح وهو الذي يمثله دحلان خارج التشكيلة، ولذلك نسبة المعارضين للحكومة القادمة أكثر من المؤيدين لها.

    أما التحديات التي قد تواجهها فعلى المستوى السياسي؛ واضح أن ما تقوم به إسرائيل يسعى لتقويض للسلطة الفلسطينية سواء سياسيا أو ميدانيا من خلال الاستيطان وهدم البيوت والاعتقالات واقتحام المدن، وبالتالي هناك مشكلة سياسية ستواجه الحكومة المقبلة خاصة في التعاطي مع إسرائيل، وإن كان الملف السياسي من المفترض أن يكون عند المنظمة.

    الأمر الثاني من الواضح أن هناك حالة تراجع للدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وهذا ربما يزداد في ظل الحالة الفلسطينية الجديدة.

    ثالثا: توقف الدعم الأمريكي وعدم قدرة المجتمع الدولي على إلزام إسرائيل بالالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

    أما ما يتعلق بملف المصالحة فهو مغلق بالأساس، ولن يكون هناك مصالحة في المنظور القريب، الإجراءات التي اتخذت بالفترة الأخيرة سواء حل المجلس التشريعي، أو الحديث عن انتخابات مجلس تشريعي، أو تشكيلة الحكومة أضافت عوامل تفسد إمكانية الحديث عن مصالحة في المستقبل القريب.

    وربما بعد تشكيل الحكومة المقبلة قد نجد أنفسنا في ظل مزيد من الانقسام وحتى ربما الانفصال، وربما يمكن القول أن بوابة الانفصال قد بدأت.

  • قراءة في أبرز إصدارات مراكز الأبحاث الإسرائيلية لشهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2019

    ملخص

    -         التحدي الأمني المُتمثل بإيران وحركات المقاومة، يأخذ حيزًا واسعًا من النقاش في مؤتمر هرتسليا.

    -         الاعتماد على الحلفاء والعرب في مواجهة الملف الإيراني، سياسة قديمة جديدة.

    -         عملية السلام بصيغة حلّ الدولتين، انتهت، والمطروح هو حكم ذاتي للفلسطينيين.

    -         الخلافات الداخلية تُهدد الديمقراطية في "إسرائيل"، وذلك في ظل مساعي تغيير بعض القوانين.

    -         واقع المنظومة الصحية في "إسرائيل"، يشكل تهديدًا يوازي التهديد الإيراني.

    -         حوالي 67% من الجمهور، يؤيدون رقابة المحكمة العليا على الشخصيات العامة.

    -         حوالي 60% من الجمهور، يرون أنّ محاولات المساس بالمحكمة العليا، تُهدد الديمقراطية في "إسرائيل".

    -         التعامل مع القضايا الأمنية يحتلّ المرتبة الأولى في أولويات الإسرائيليين.

    -         مواجهة حماس وحزب الله يجب أن تكون ضمن استراتيجيات مختلفة.

    -         ورشة البحرين لن يكون لها دور في تقدم المساعي السياسية.

    مقدمة

    تستعرض هذه القراءة ما صدر عن أبرز ثلاثة مراكز أبحاث إسرائيلية. وأهمها ما صدر عن مؤتمر هرتسليا، الذي يُعتبر إلى جانب مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي، أهم المؤتمرات التي تجمع الطيف السياسي والأمني في "إسرائيل"، إلى جانب شخصيات سياسية وأكاديمية من الخارج.

    كما تتناول هذه القراءة، استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الإسرائيلي للديمقراطية ، والذي أشار إلى حجم المخاوف الإسرائيلية الكبيرة حيال الديمقراطية في الدولة العبرية.

    أما معهد دراسات الأمن القومي، فقد نشر قراءتين، الأولى حول التعامل الأمني مع حماس وحزب الله، والثانية حول ورشة البحرين، التي توقع لها المعهد الفشل.

    أولا: مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية[1]

    عقد مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية مؤتمره السنوي بين 30/6- 2/7/2019. وقد شاركت فيه نخب سياسية وأمنية واقتصادية، من داخل "إسرائيل وخارجها، حيث كان من أبرز الحضور هذا العام، كل من رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، وزعيم حزب "أزرق أبيض" بيني جانتس، ورئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس هيئة الأركان السابق جادي إيزنكوت، والألوية في الجيش كل من أمير جولان، وجيورا إيلاند، وعاموس جلعاد. ومن خارج "إسرائيل"، شارك كل من السفير المصري خالد عبد المنعم، ومبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط جرينبلات، ووزير الدفاع اليوناني بانوس كامنوس، وأنجرت كرامب، الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي، الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا (كان يسرائيل، 2019).

    تنوعت المواضيع التي تم تناولها في المؤتمر بين السياسات الخارجية والشؤون الداخلية، حيث كان من أبرز القضايا الخارجية كل من التحديات الأمنية، وخاصة التهديد الإيراني، وعملية السلام في الشرق الأوسط في ظل صفقة القرن. فيما كان التجاذب الداخلي، والفجوات الآخذة في الازدياد، ومحاولة تجاوز قوانين الأساس في الدولة، إلى جانب الأمن الداخلي، هي أبرز القضايا الداخلية التي غطاها المؤتمر.

    1.    القضايا الخارجية: عملية السلام والملف الإيراني

    كان أبرز المتحدثين في الملف الإيراني يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي يتبع مباشرة إلى رئاسة الحكومة في "إسرائيل". بدأ كوهين حديثه بالتأكيد على القدرة الكبيرة التي يتمتع بها جهاز الموساد في مواجهة التحديات الأمنية التي تتعرض لها تل أبيب، مستدلًا بذلك على قيامه بسرقة الأرشيف الإيراني من طهران (كوهين، 2019).

    وقد أكد كوهين أنّ إيران هي التي تقف وراء تدمير ناقلات النفط في الخليج، كونها ترى، وفق كوهين، أنّه من خلال "الإرهاب" يُمكن تحقيق مطالب سياسية. وشدد على أنّ طهران عادت لتخصيب اليورانيوم، مؤكدًا أنّ دولته وزعت الأرشيف الذي استطاعت سرقته من طهران، على أكثر من جهة استخباراتية ممن وصفهم بأصدقاء "إسرائيل".

    وحيال مواجهة إيران، أكد كوهين أنّ "إسرائيل" ستعمل على منع قيام تمركز إيراني في سوريا، وأشار إلى أنّ العمل مع الولايات المتحدة وروسيا وبعض الأصدقاء العرب في المنطقة، سيقود إلى تحييد إيران، والقضاء على مشروعها النووي، وطموحها التوسعي في المنطقة.

    كما أكد كوهين أن لا تغيير على خطة تل أبيب في التعامل مع إيران، وأنّها لا زالت تعتمد على أصدقائها، وتحرض الرأي العام العالمي ضد إيران، وتشترك مع بعض الدول العربية في هذا الهدف. في هذا السياق، أكدّ محللون أنّ مواقف كوهين هذه، تعبر عن حقيقة موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (يشاي، 2019)، الذي يريد تسخين الملف الإيراني قبيل الانتخابات، لكسب المزيد من الدعم لليمين الذي يتزعمه.

    أما بيني جانتس، زعيم حزب "أزرق أبيض"، فلم يُخفِ تخوفاته من المطامع الإيرانية، ولكنّه استغل المنصة للاستعراض، فأكد أنّه، كرجل أمن، سيقدم حلولا ناجعة للملف النووي الإيراني، وأنّه بعد أن يُشكل الحكومة، فلن يكون هناك سلاح نووي لإيران (بندر، 2019). وقال جانتس إنّ سياسة نتنياهو الضعيفة تجاه غزة، أفقدت "إسرائيل" قدرتها على الردع أمام اللاعبين المختلفين، متوعدًا باستعادة قوّة الردع لتل أبيب.

    بالمجمل العام، استمع المشاركون لتأكيدات البيت الأبيض على وقوف واشنطن إلى جانب تل أبيب أمام الخطر الإيراني. والأهم من ذلك، أشار المتحدثون إلى وجود قصور أمني إسرائيلي، ليس من جانب تحليل المخاطر، وإنما من جانب الحلّ الأمثل للتعامل معها، في ظل الحقيقة التي تترسخ يوميا، بأنّ تل أبيب لن تستطيع مواجهة إيران وحدها.

    أما بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط، فقد حضرت فكرة إيجاد حل جديد للقضية الفلسطينية. فموضوع حلّ الدولتين بصيغة أوسلو، قد انتهى من وجهة نظر معظم المتحدثين، خاصة الذين ينتمون للتيارات اليمينية، علما أنّ أركان حزب "أزرق أبيض"، وهو أهم أحزاب الوسط، كانوا ينتمون إلى الفكر اليميني سابقا.

    كما أن المبعوث الأمريكي جرينبلات، تناول عملية السلام بصيغة تهديدية، تؤكد استحالة فرص تحقيق السلام. فقد قال جرينبلات إنّ صفقة القرن التي ستطرحها دولته لن تكون مُرضية للأطراف كافة، وإن على الجميع أن ينتقدوها حين سماعها بعقلانية (معاريف، 2019). بمعنى أنّ الحد الأدنى الذي وافق عليه الفلسطينيون في أوسلو، بات طي النسيان، وعليهم تقديم المزيد من التنازلات.

    حزب الليكود الحاكم، الذي يُعتبر أقل الأحزاب اليمينية تطرفًا، عبّر عن موقفه على لسان رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، الذي أشار إلى أنّ السلام يجب أن يكون أولًا في الشرق الأوسط(أخبار 0404، 2019)، في إشارة إلى أنّ ترسيخ علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية، وإنهاء عدائها وتهديدها الإقليمي، هو الذي سيأتي بالسلام وليس العكس، وهذا عكس النظرية التي آمنت بها "إسرائيل" سابقا، بأنّ السلام مع الفلسطينيين سيجلب السلام مع العرب. هُنا يُمكن التذكير بأنّ السلام مع الفلسطينيين في الفكر الصهيوني، وخاصة اليميني، يكمن في منحهم حكمًا ذاتيًا، دون أي طموح سياسي، أو حدود جغرافية واضحة.

    2.    القضايا الداخلية: سخونة الملفات تُعمق حجم الخلافات

    أشار الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، إلى أنّه كمواطن "إسرائيلي"، يشعر بالقلق على الديمقراطية في بلاده (مركز هرتسيليا، 2019)، وطالب بتحقيق المساواة أمام القانون. ويبدو أنه بذلك يشير إلى رفضه مساعي حزب الليكود واليمين، التي تهدف إلى منح حصانة لرئيس الحكومة نتنياهو، أمام أي محاكمة له أثناء ولايته.

    وتطرق ريفلين إلى ما أسماه بالخلل القانوني في ظل غياب دستور إسرائيلي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إطفاء أنوار الديمقراطية حسب تعبيره، مستغربًا من طرح اليمين الإسرائيلي فكرة أنّ الأغلبية تحسم، ومؤكدًا أنّه لا يحق للأغلبية سن ما تشاء من القوانين (بندر أ.، 2019). يُذكر أنّ اليمين الإسرائيلي، ينوي سن فقرة تمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من إلغاء أي قانون يمر بأغلبية 50%+1 في الكنيست، الأمر الذي سيؤدي إلى خلل في التوازن بين السلطات الثلاث، وسيجعل كل شيء في يد السلطة التنفيذية.

    هذه المخاوف التي اشترك فيها مجموعة من المتحدثين مع ريفلين، يعتبرها اليمين، وتحديدًا الديني الصهيوني، مخاوف غير ديمقراطية، ويرى أنّ من حق الأغلبية أن تحكم وتشرع. أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، صب جُلّ انتقاداته على الحريديم، أي المتدينين، حيث أكد أنّ الجيش الإسرائيلي بات يحوي بداخله مليشيات، تتبع المرجعية الدينية وليس مرجعية الجيش (بندر ا.، 2019)، في إشارة إلى أنّ الجنود المتدينين، لا يلتزمون بالمؤسسة العسكرية كما يلتزمون بفتاوى رجال الدين.

    وفي ظل المخاوف الكبيرة على الواقع الطبي في "إسرائيل"، خاصة بعد تراجع أداء المنظومة الصحية، أشار سيمان توف، مدير عام وزارة الصحة، إلى أنّ المنظومة الصحية في "إسرائيل" تُعاني كثيرًا، وهي بحاجة لدعم كبير. وقال إنه دون الموارد والدعم المُقدر بـ 1.5 مليار دولار، فإن المنظومة الصحية تبقى في خطر (فيسبرغ، 2017). وأضاف أنّه ليس فقط إيران هي التي تشكل تهديدًا وجوديًا لـ "إسرائيل"، ولكن أيضا واقع الصحة، الذي يتراجع في ظل ارتفاع نسبة كبار السن. وطالب توف برفع نسبة الضريبة على العلاج والدواء في "إسرائيل"، لأنّ مخصصات الدولة لا تكفي.

    لكن في المقابل، سيؤدي رفع نسبة الضرائب في الدولة، إلى موجة غضب عارمة، في ظل شكاوى المجتمع الإسرائيلي من غلاء المعيشة، الأمر الذي سيحرج الحكومة؛ لأنّها لا تستطيع دعم موازنة وزارة الصحة، في ظل عجز الموازنة العامة للدولة.

    كشفت القضايا الداخلية حجم الفجوة الكبيرة في المجتمع الصهيوني بين تيارين، الأول يرى ضرورة بقاء اليمين في الحكم، حتى وإن كان ذلك بزعامة نتنياهو المتهم بالفساد، والثاني يتمحور حول الطعن في نتنياهو وسياسته، دون تقديم بدائل حقيقية، الأمر الذي حول الصراع إلى صراع قانوني، تستغل فيه الأغلبية قوّتها بمعزل عن القيم التي تأسست عليها الدولة، الأمر الذي ينبئ بمزيد من الاستقطاب، وغياب قانون الأساس في الدولة.[2] 

    ثانيا: المركز الإسرائيلي للديمقراطية[3]

    أجرىالمركز الإسرائيلي للديمقراطية، استطلاعًا شاملًا لأهم القضايا التي تهم الرأي العام الإسرائيلي، وقد جاء الاستطلاع تحت عنوان "غالبية الجمهور الإسرائيلي قلقون على الديمقراطية في "إسرائيل" (مركز الدمقراطية الإسرائيلي، 2019).   

    تركزت أهم محاور الاستطلاع على المواضيع التالية:

    1.    النزاع بشأن رقابة المحكمة العليا على القوانين التي يقرها الكنيست

    في ظل الخلاف الكبير حيال طبيعة العلاقة بين المحكمة العليا، وبين الشخصيات العامة المنتخبة، وتحديدًا بخصوص بعض القوانين التي يسنها الكنيست وتلغيها المحكمة، بدا من الواضح مؤخرًا أنّ هذه القضية باتت تأخذ حيزًا واسعًا من الاهتمام العام، والانقسام حيال مَن شرعيته أكبر، المؤسسة المنتخبة أم المحكمة؟

    وكان السؤال الموجه للجمهور هو: هل أنت مع الرقابة التي تفرضها المحكمة العليا على الشخصيات العامة المنتخبة، كي لا تقوم بتقييد الديمقراطية وحرية التعبير في الدولة؟ بينت النتائج أنّ 26.6% غير موافقين على ذلك، مقابل 66.9%% موافقون بشكل كبير، فيما أجاب 6.5% بعدم معرفتهم.

    بتحليل هذه النتائج، من الممكن تأكيد المخاوف الكبيرة التي باتت تُلاحق الإسرائيليين، والتي تكمن في قلقهم على المحكمة العليا، التي تُعتبر ضابط إيقاع مهم في الدولة، في ظل غياب دستور يُنظم حياتها، واعتمادها على قوانين أساس، للمحكمة العليا الدور الأهم في الحفاظ عليها، وعلى تأكيد فصل السلطات الثلاث.

    وكان السؤال الآخر بهذا الخصوص هو: هل تعتقد أنّ مساعي المساس بالمحكمة العُليا تشكل مساسًا بالديمقراطية؟ وقد جاء هذا السؤال في ظل مساعي الحكومة الإسرائيلية لإقرار قانون "التغلب"، الذي يمنع المحكمة العليا من إلغاء أي قانون كان الكنيست قد أقره بأغلبية 61 عضوًا على الأقل، وهذا معناه أنّ أي تكتل في الكنيست، يستطيع تفصيل قوانين وفق مقاساته، دون وجود رقابة للمحكمة، التي ظلت تُعتبر نقطة التوازن عبر تاريخ الدولة.

    وقد أظهرت نتائج هذا السؤال أنّ 59.9% أبدوا تخوفهم من أنّ هذه الخطوة ستمس الديمقراطية، فيما أشار 25.8% إلى أنّها ستكون مفيدة للديمقراطية، وأجاب 14.5% بعدم معرفتهم. ولعلّ خطورة القضية تكمن فيمن أشاروا بـ "لا أعلم"، لأن ذلك يدل على أنّ الثقافة الديمقراطية في "إسرائيل"، لا تشمل الغالبية العُظمى من الشرائح في الدولة، خاصة أنّ قضية كهذه، هي محور الديمقراطية الإسرائيلية، وفصل السلطات في الدولة.

    لكن بالنظر إلى نتائج الاستطلاع بشكل عام، فإنّ غالبية الجمهور الإسرائيلي، بما في ذلك شريحة من اليمين، أبدت تخوفها من المساس بالمحكمة، حيث إنّ اليمين الذي حصل على 53% في آخر انتخابات، لم تتوافق غالبيته مع توجه حكومته بالمساس في المحكمة، وصياغة فقرة التغلب. لكن هذا التوجه ذاته، لم يُغير وجهة نظر الناخب الإسرائيلي في اختياره، بمعنى أنّه في ظل قناعته بأنّ حكومته تمس بالديمقراطية، فإنّ صوته الانتخابي لا زال ثابتًا، ولم يتحرك باتجاه حماية حقه الديمقراطي.

    2.    أولويات الجمهور الإسرائيلي

    في ظل اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في شهر أيلول/ سبتمبر القادم، تساءل الاستطلاع حول الموضوع الأهم، الذي يجب أن يتم نقاشه بين الأحزاب المختلفة، التي من المُمكن أن تُشكل الائتلاف. وقد جاءت الأولويات بالنسبة للجمهور كما يلي:

    الموضوع أهميته
    الواقع الأمني والدولي 50.1%
    الواقع الاقتصادي 42.5%
    واقع المنظومة الصحية 30.3%
    الواقع التعليمي في الدولة 19.2%
    خطة السلام مع الفلسطينيين 17.6%
    تطوير الطبقات الضعيفة 15.6%
    وضع المواصلات العامة 7.5%
    حصانة رئيس الحكومة 5.5%
    الحفاظ على البيئة 2.5%

    بالنظر إلى الإجابات أعلاه، يُمكن استنتاج أنّ التطورات الأمنية،واحتلالها المرتبة الأولى، يُشير إلى عُمق الأزمة الأمنية، وعدم شعور الإسرائيلي بالأمن، خاصة في ظل إقرار القيادات الإسرائيلية، بفقدان قوّة الردع، تحديدًا تجاه قطاع غزة، مثلما أشار وزيرا الجيش السابقيْن، موشيه يعلون وأفيجدور ليبرمان، وتبعهما مؤخرًا بيني جانتس، زعيم حزب "أزرق أبيض"، ورئيس الأركان السابق، حينما أقر بفقدان قوّة الردع مقابل غزة (أخبار الثانية، 2019).

    أما الاقتصاد، واحتلاله المرتبة الثانية، فهو الوضع الطبيعي، حيث كان يحتل المرتبة الأولى عام 2016 (تبريسكي، 2016)، قبل أن يتفوق عليه الموضوع الأمني، وذلك بسبب الخلاف الداخلي حول الأسلوب الأفضل للتعامل مع التحديات، وقدرة المقاومة الفلسطينية على استهداف العُمق الإسرائيلي.

    اللافت للنظر، هو احتلال الواقع الطبي المرتبة الثالثة، وبنسبة 30%، وخاصة أن ذلك يأتي في ظل تراجع المنظومة الصحية الإسرائيلية، وشعور المواطن الإسرائيلي بأنّ الخدمات الصحية في دولته، باتت تتراجع بشكل ملحوظ، وهذا ما لم يُخْفِه وزير الصحة يعكوف لايتسمان، الذي أشار إلى أنّ المنظومة الصحية في "إسرائيل" تنهار (لايتسمان، 2015).

    لكن الموضوع الذي لم يلقَ بالًا، هو حصانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يُواجه تُهمًا بالفساد، وقد تُقدَّم ضده لائحة اتهام قريبًا. ففي الوقت الذي يرفض 56% منحه الحصانة (شيلو، 2019)، إلا أنه فاز في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي يشير إلى استمرار مكانة نتنياهو وشعبيته من ناحية، لكن من ناحية أخرى، يشير هذا الأمر إلى تقبل الجمهور الإسرائيلي فساد رئيس الحكومة، الأمر الذي لم يكن سابقا.

    هنا يمكن الإشارة إلى قضية جوهرية، وهي أنّ الخلاف الإسرائيلي الداخلي، بات يتعمق بشكل كبير، وأنّ وجود قضايا تُهدد سير الحياة العامة، جعل من القيم الديمقراطية تحتل مراتب متأخرة في الدولة. فرغم أنّ عملية الانتخاب تتم بشفافية وسلاسة، إلا أن ما يتبعها من سلوك وقوانين ومواقف، بات يُشير إلى أزمة حقيقية، جعلت من الانقسام حول نتنياهو، انقسامًا بين يمين ويسار، يمين يدعمه في كل ما يُريد، ويسار يريد إسقاطه، وإسقاطه فقط.

    ثالثا: معهد دراسات الأمن القومي[4]

    قدم المعهد مجموعة من القراءات الأمنية والسياسية، حيث تناولت إحداها الوسيلة الأنجح في مواجهة حماس وحزب الله، فيما تناولت الثانية ورشة البحرين الاقتصادية، وتأثيرها على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

    1.    المواجهة مع حزب الله وحماس: استراتيجية جراحية مقابل استراتيجية علاجية

    الدكتور شموئيل حرلاف، الذي يحمل اللقب الثالث في الفلسفة، وتُقدر ثروته بنحو 2 مليار دولار، أعد لمعهد دراسات الأمن القومي قراءة تحت عنوان "استراتيجية التعامل مع حماس وحزب الله" (حرلاف، 2019)، أوضح فيها أنّ آلية التعامل مع كلا الطرفين، يجب أن تكون مختلفة كلّيا، وذلك بسبب وجود اختلافات متعددة بين الحالتين.

    يرى حرلاف أنّ السياسة الإسرائيلية تجاه حزب الله، يجب أن تكون من خلال تعميق التزام حزب الله نحو الدولة، وتحويل البنى التحتية المدنية في لبنان، أهدافًا يُمكن قصفها. في المقابل، فإنّ ساحة غزة، يجب أن يتم التعامل معها بعكس ذلك تمامًا، حيث إن ترميم البنى التحتية، وتحسين واقع الحياة فيها، سيخدم المصلحة الإسرائيلية.

    كما يرى حرلاف أن "إسرائيل" مقابل حزب الله، يجب أن تعتمد على استراتيجية زيادة ارتباط حزب الله بلبنان، وتقليل ارتباطه بإيران، حيث إنّ ربط مصير حزب الله بلبنان، وزيادة فعاليته السياسية فيه، ستجعل من الحزب يتحمل جزءًا أكبر من المسؤولية، الأمر الذي سيضعه أمام معادلة مفادها: أنّ العمل لصالح إيران، يعني أنّ الحزب سيُعرض كل لبنان للخطر.

    ويبدو أنّ ما فتح شهية "إسرائيل"، هو تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حين قال عام 2006 إنه لو كان يعلم حجم الدمار الذي سيتعرض له لبنان، لما قام الحزب بخطف الجنود حينها. واليوم توجه "إسرائيل" رسالة إلى الحزب ولبنان، مفادها أنّ كل لبنان سيكون بمثابة الضاحية الجنوبية في أي مواجهة قادمة، الأمر الذي سيزيد من معضلة حزب الله، بين التزامه تجاه حليفته إيران، وبين التزامه تجاه دولته لبنان.

    لذلك تختلف رؤية حرلاف عن الرؤية الأمريكية، التي تعتبر أنّ زيادة المشاركة السياسية لحزب الله في لبنان، ربما ستصبغ كل الحكومة اللبنانية بصبغة إرهابية. أما المصلحة الإسرائيلية، حسب حرلاف، فتقتضي أن يزداد دور حزب الله في لبنان، وبالتالي سيزداد التزامه بتحمل المسؤوليات فيه، وهذا ما سيجعله أكثر حرصًا على عدم التورط بحرب مع "إسرائيل".

    في المقابل، فإنّ "إسرائيل" في غزة، تنتهج سياسة الحصار وإضعاف قدرات السكان، على أمل أن ينفجر سكان القطاع ضد حُكم حماس، ولكن هذه السياسة الإسرائيلية، حسب حرلاف، أثبتت فشلها، وكشفت عن وجود أطراف أكثر تطرفًا من حماس في قطاع غزة، وأكثر تصلّبًا في مواقفها ضد "إسرائيل".

    لذلك، وبعد المواجهة الأخيرة التي حدثت في مطلع أيّار 2019، يرى حرلاف أنّ الحل مقابل قطاع غزة، يكمن في الذهاب باتجاه ترتيبات طويلة المدى مع القطاع، تضمن تحسين حياة الغزيين جوهريًا، بما في ذلك منْح قطاع غزة ميناءً ومطارًا، ومحطاتٍ لتحلية المياه، وغير ذلك.

    ويضيف حرلاف أن تحسن الأوضاع المعيشية في القطاع، سيجعل حماس أكثر حرصًا على عدم التورط في مواجهة مع "إسرائيل"، وربما سيجعلها أكثر عُرضة للانتقاد في حال ذهابها باتجاه الحرب. لذلك يرى حرلاف أنّ من واجب "إسرائيل" تخفيف الحصار عن قطاع غزة، وفتح مشاريع اقتصادية فيه، ومنح غزة ما تخسره وتخاف عليه، لا أن يبقى هذا الحصار الذي لم يُؤتِ أكله، ولم يجلب الهدوء.

    هذه الرؤية تجاه قطاع غزة وحماس، ليست جديدة، وإن كان الصوت المتطرف هو الأعلى في دولة الاحتلال. لكن مؤخرًا، ظهرت قناعة في "إسرائيل"، أكدتها قدرات المقاومة، مفادها أنّ الحل في قطاع غزة، لن يكون إلّا من خلال الوصول إلى تفاهمات تحفظ الأمن في الجنوب.

    ورغم أن هناك من يعترض على هذه الرؤية، ويعتبرها رضوخًا للمقاومة الفلسطينية، إلا أن الصوت المنطقي يُشير إلى أنّ سلسلة الفشل أمام قطاع غزة، رغم ما يُعانيه القطاع من حصار مطبق، تُثبت أنّ تغيير التعاطي الإسرائيلي مع القطاع، هو الأفضل إسرائيليًا على المستوى التكتيكي، في ظل غموض الاستراتيجية الإسرائيلية، وعدم وضوحها في التعامل مع غزة.

    2.    الانتعاش الاقتصادي ليس حلّا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي

    الباحثان في المعهد، تومر فيلدون وشاشون حداد، قدما قراءة تحت عنوان "الانتعاش الاقتصادي ليس حلّا (فدلون و حداد، 2019)، حيث أشارا إلى أنّ الشق الاقتصادي من صفقة القرن، والذي أُعلن عنه في البحرين، سيعقبه إعلان للشق السياسي، على الأرجح بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة في أيلول/ سبتمبر 2019.

    ووفق فدلون وحداد، فإنّه بالعودة إلى التاريخ، وفحص الواقع الاقتصادي، يتضح أن تأثيره على الاتفاقات السياسية، كان ضعيفًا، الأمر الذي، من وجهة نظرهما، لن يكون له تأثير على الاتفاقات السياسية مع الفلسطينيين مستقبلًا، مشيرين إلى أنّ قناعة البيت الأبيض بهذه النظرية في ظل حكم ترامب، بعيدة عن الحقيقة، ولا تتناسب مع طبيعة الصراع. فرؤية البيت الأبيض تكمن في دفع عجلة الاقتصاد، وتحسين واقع الفلسطينيين من جانب، وفي الضغط على القيادة الفلسطينية للموافقة على ذلك من جانب آخر. لكن في ظل غياب رؤية سياسية لحل الصراع، فإنّ ورشة البحرين لن يُكتب لها النجاح.

    الشق الاقتصادي الذي أُعلِن عنه في ورشة البحرين، لم يلْقَ صدىً كبيرًا في تل أبيب، سوى الأمل في دفع عجلة التطبيع المتسارعة مع الدول العربية. أما الشق السياسي الذي سيُعلَن عنه لاحقًا، وهو ما يهم "إسرائيل"، فإنه قد يتضمن إيحاءات بإنهاء الصراع، وبما يتلاءم تماما مع التصور الإسرائيلي، من حيث ضم بعض الأراضي الفلسطينية، وتحويل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إلى شبه إدارة محلية ليس إلّا.


    المراجع

    اخبار 0404. (30 حزيران, 2019). ادلشتاين: باراك هو روش هممشلا هخي تبوستني فكوشيل ( ادلشتاين: باراك رئيس الوزراء الأكثر انهزامية وفشلاً). تم الاسترداد من 0404:https://www.0404.co.il/?p=454365

    أخبار الثانية. (3 حزيران, 2019). حزاك رك بديبوريم، ايبدنو ههرتعا ( قوي فقط في الكلام، فقدنا الردع ). تم الاسترداد من القناة الثانية: https://www.mako.co.il/news-military/security-q2_2019/Article-cc80b91816f4b61027.htm

    اريك بندر. (1 تموز, 2019). جانتس: كئشير اكيم ات هممشلا، لايران لو يهيي نشك جرعيني ( جانتس: عندما أشكل الحكومة لن يكون لايران سلاح نووي ). تم الاسترداد من معاريف:https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-706138

    أريك بندر. (30 6, 2019). ريبيلن: حوشش كمو كل ازراح بمدينا ( ريبلين: متخوف مثل كل مواطن في الدولة ). تم الاسترداد من معاريف:https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-706090

    ارييك بندر. (2 تموز, 2019). ليبرمان تكاف ات همخونيوت هكيدم تسبئيوت ( ليبرمان هاجم معاهد ما قبل الجيش ). تم الاسترداد من معاريف:https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-706300

    تال شيلو. (20 أيار, 2019). روب هتسيبور متنجيد لحسينوت لروش هممشلا ( غالبية الجمهور ترفض منح رئيس الوزراء حصانة ). تم الاسترداد من ويلا:https://news.walla.co.il/item/3236868

    تومير فدلون، و شاشون حداد. (23 حزيران, 2019). سجسوج كلكلي اينو متخونلبترون هسخسوخ هيسرائيلي-فلسطيني ( 2. الانتعاش الاقتصادي ليس حلّا للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ). تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: https://www.inss.org.il/he/publication/economic-prosperity-is-not-a-recipe-for-resolution-of-the-israeli-palestinian-conflict/

    دود تبريسكي. (11 كانون اول, 2016). زو هكلكلا ( هذا الاقتصاد ). تم الاسترداد من دبار: https://www.davar1.co.il/44689/

    رون بن يشاي. (2 تموز, 2019). نئوم بهرتسيليا لوزنايم بتهران: ايومي نتنياهو ببيف شل روش هموساد ( خطاب هرتسيليا لايران: تهديدات نتنياهو على لسلان رئيس الموساد ). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5541160,00.html

    شموءيل حرلاف. (15 أيار, 2019). مواجهة حزب الله وحماس: استراتيجية جراحية مقابل علاجية. تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي:https://www.inss.org.il/he/publication/%D7%94%D7%94%D7%AA%D7%9E%D7%95%D7%93%D7%93%D7%95%D7%AA-%D7%A2%D7%9D-%D7%97%D7%96%D7%91%D7%90%D7%9C%D7%9C%D7%94-%D7%95%D7%A2%D7%9D-%D7%97%D7%9E%D7%90%D7%A1-%D7%90%D7%A1%D7%98%D7%A8%D7%98%D7%92%D7%99/

    كان يسرائيل. (30 حزيران , 2019). كينس هرتسليا ه 19 نفتاح ( مؤتمر هرتسيليا التاسع عشر تم افتتاحه ). تم الاسترداد من كان يسرائيل:https://kanisrael.co.il/%D7%9B%D7%A0%D7%A1-%D7%94%D7%A8%D7%A6%D7%9C%D7%99%D7%94-19-%D7%A9%D7%9C-%D7%94%D7%9E%D7%9B%D7%95%D7%9F-%D7%9C%D7%9E%D7%93%D7%99%D7%A0%D7%99%D7%95%D7%AA-%D7%95%D7%90%D7%A1%D7%98%D7%A8%D7%98%D7%92%D7%99/

    مركز الديمقراطية الإسرائيلي. (26 ايار, 2019). 60% مهيسرائيليم حوششيم لعتيد هدموقراطيا ( 60% من الإسرائيليين متخوفون على مستقبل الديمقراطية ). تم الاسترداد من مركز الديمقراطية الإسرائيلي: https://www.idi.org.il/articles/26820

    مركز هرتسيليا. (30 حزيران, 2019). رؤوبن ريبلين بين هدوبريم بعيرف هبتيحا ( رؤوبن ريبلين بين المتحدثين في افتتاح المؤتمر ). تم الاسترداد من مركز هرتسيليا:https://www.idc.ac.il/he/whatsup/pages/herzliya-conf.aspx

    معاريف. (1 تموز, 2019). جرينلت: هبنو شاين شلوم كلكلي، بلي عزا لو تهيه عسكات شلوم كولليت ( جرينبلت: فهمنا أنّه لا يوجد سلام اقتصادي، بدون غزة لن يكون هناك صفقة سلام شاملة ). تم الاسترداد من معاريف: https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-706249

    هيلا فيسبرغ. (1 تموز, 2017). منكال مسراد هبريئوت: هينو كبيسع شينوي دراماتي بمعريخت هبريئوت ( وكيل وزارة الصحة: كنا على شفا تغيير كبير في وزارة الصحة ). تم الاسترداد من جلوبس: https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001291769

    يعكوف لايتسمان. (17 شباط, 2015). معرخيت هبريئوت كوريست ( المنظومة الصحية تنهار ). تم الاسترداد من هستدروت رفوئيت: https://www.youtube.com/watch?v=OGX6U7Z1pxI

    يوسي كوهين. (1 تموز, 2019). مزهيم حلون هزدمنيوت حاد بعمي لشلوم بمزراح هتيخون ( نرى فرصة سلام أحادية في الشرق الأوسط ). تم الاسترداد من مركز هرتسليا:https://www.idc.ac.il/he/whatsup/pages/herzliya-conf-day2.aspx

    [1] تأسس مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية عام 2000 في مدينة هرتسليا، ويقوم بعقد مؤتمر سنوي شهير، يطلق عليه مؤتمر هرتسليا السنوي، ويحضره العديد من النخب السياسية والأمنية، المحلية والعالمية، ويتناول قضايا متعددة تتعلق بالأمن والسلام، ويقدم قراءات ورؤى استراتيجية للقضايا المختلفة. يركز المركز على بلورة سياسة إسرائيلية جديدة، في العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، وله علاقات جيدة مع العديد من الباحثين ورجال الدولة ورجال المجتمع، في مناطق متعددة في العالم. يرأس المركز اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد.

    [2] يُطلق قانون الأساس على مجموعة القوانين الثابتة في الدولة، والتي تُعتبر بمثابة دستور الدولة، في ظل عدم وجود دستور.

    [3] المركز الإسرائيلي للديمقراطية هو معهد مستقل غير حزبي وغير حكومي، تأسس عام 1991، وينشر أبحاثا في مجالات الأحزاب، والديمقراطية، والأمن، والمجتمع؟ ومن أبرز إصداراته السنوية، قياس الديمقراطية في "إسرائيل". يتبع للمركز 5 مراكز بحثية مستقلة، ويرأسه يوحنن فلسنر. 

    [4] يُعتبر أبرز مراكز الأبحاث في "إسرائيل"، وهو يهتم بالقضايا الأمنية والسياسية. تأسس المعهد عام 2006، ويستقطب أبرز الباحثين محليا وعالميا، ويُعتبر من المراكز الأبرز، ليس على الساحة المحلية فحسب، بل أيضا على الساحة العالمية، حيث تم تصنيفه في عام 2008، واحدا من أبرز عشرة مراكز بحث عالمية.

    يتبع المعهد لجامعة تل أبيب، لكنه يحافظ على استقلالية مالية وإدارية، ويهتم بالقضايا ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم خدماته عبر العديد من الدراسات، والمقالات، والتقديرات الاستراتيجية، ويعقد مؤتمرا سنويا يلخص فيه الأوضاع الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل، ويشارك في المؤتمر كبار رجالات الدولة، كالرئيس ورئيس الحكومة، والعديد من الشخصيات السياسية العالمية. كما يقدم المعهد سنويا لرئيس الدولة تقديرا استراتيجيا للقضايا الأمنية التي تمس "إسرائيل"، ويرأس المعهد اللواء السابق عاموس يدلين.

  • قراءة في المشهد الإسرائيلي تشرين ثاني/ نوفمبر وكانون أول/ ديسمبر 2018

    ملخص:

    شهد شهرا تشرين ثاني/ نوفمبر وكانون أول/ ديسمبر 2018 جملة من الأحداث السياسية والأمنية، والاقتصادية والاجتماعية، رسمت معالم المشهد الإسرائيلي خلال هذه الفترة، بل ويمكن القول إنها لخصت مشد العام بأكمله. فعلى الصعيد الأمني، كانت المواجهة مع غزة في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر، الأعنف والأكثر ضراوة منذ نهاية حرب 2014. وفي الضفة الغربية، برزت سلسلة من عمليات إطلاق النار، أوقعت عددًا من القتلى والجرحى في صفوف الجيش والمستوطنين. أما على الجبهة الشمالية، فكان الحدث الأبرز هو كشف أنفاق حزب الله اللبناني، والبدء بتدميرها، إضافة إلى معاودة قصف العمق السوري من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، بعد توقفه منذ حادثة سقوط الطائرة الروسية. وعلى الصعيد السياسي، برزت زيارة نتنياهو إلى عُمان، كأول دولة خليجية يزورها رئيس حكومة إسرائيلية. كما جاء قرار انسحاب ترمب من سوريا، مفاجئا ومخالفا للحسابات السياسية الصهيونية. أما على الساحة الداخلية، فكان المشهد الانتخابي مسيطِرًا بامتياز، حيث أُجريت الانتخابات البلدية في تشرين ثاني/ نوفمبر. وفي هذا الشهر أيضا، تمت استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، وانسحاب حزبه من الحكومة. ثم بعد ذلك، تم حل الكنيست، والإعلان عن تقديم الانتخابات، بسبب عدم التوافق على قانون التجنيد الإجباري.

    1. جولة جديدة من المواجهة مع قطاع غزة

    للوهلة الأولى، قد تبدو الجولة الأخيرة من المواجهة بين "إسرائيل" والمقاومة في غزة، كسابقاتها من حيث الشكل والمضمون. فقد حصل قصف متبادل دون وقوع عدد كبير من الإصابات أو القتلى، ثم تمت العودة للهدوء ثانية، رغم اتساع رقعة المواجهة والمناطق المستهدفة بالصواريخ. ولكنها في الواقع قادت وزير الحرب المتطرف أفيغدور ليبرمان، إلى مقاعد المعارضة من جديد، بعد فترة ليست طويلة ولا موفقة، قضاها في منصب وزير الدفاع. وكانت هذه المواجهة قد اندلعت في العاشر من نوفمبر إثر اكتشاف قوة خاصة إسرائيلية كانت قد تسللت إلى داخل القطاع للقيام بمهام استخبارية وقد تم اكتشافها على يد قوة من الأمن الداخلي والاشتباك معها مما أسفر عن قتل قائد الوحدة وإصابة باقي أفرادها واستشهاد عدد من كوادر المقاومة وإثر ذلك قامت المقاومة في قطاع غزة باستهداف المستوطنات المحيطة بغزة برشقات من الصواريخ وفي المقابل ردت إسرائيل بقصف أهداف داخل القطاع وقد استمر هذا الحال لعدة أيام، وقد كان القصف من داخل غزة هذه المرة كثيفاً وأكثر دقة مقارنةً بالمرات السابقة.1

    سيكتشف مراقب الأحداث قبل الجولة وأثنائها وبعدها، قواعد عمل المؤسسة الأمنية والسياسية في "إسرائيل"، تجاه قطاع غزة، وتجاه القضية الفلسطينية برمتها، وهو ببساطة أن الموضوع الفلسطيني، بالرغم من حساسيته، وبروزه اليومي على مسرح الأحداث، إلا أنه ليس أولوية لدى حكومة الاحتلال، في ظل الدعم غير المسبوق من جانب الرئيس الأمريكي ترامب، وفي ظل حالة الانهيار العربي، والتسابق للتطبيع مع "إسرائيل". فنتنياهو، وأركان حكمه، ومؤسسته الأمنية والعسكرية، يعطون الأولوية لجبهة الشمال، دون أن يعني ذلك أنهم يغفلون عما يدور في قطاع غزة. كما أنهم لا يريدون لحملة عسكرية على القطاع، أن تشوش على مسار العلاقات الإسرائيلية الآخذة بالتقدم تدريجيًا مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج.

    في نظرتها بعيدة المدى لقطاع غزة، قدمت "إسرائيل" مؤخرًا المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى، على المصلحة القريبة. فهي تدرك مسبقا، أن المواجهة العسكرية مع قوى المقاومة في القطاع، لن تفضي إلى حل جذري ونهائي للمشكلة هناك، بل ربما في أحسن الظروف، ستقود إلى واقع مشابه للواقع الحالي، وعودة لنفس المعادلات القائمة2، وبالتالي هي، أي "إسرائيل"، في غنىً عن مشاهد الدمار والقتل، التي ستتصدر نشرات الأخبار في العالم العربي خاصة، والعالم عامة. وهذا ما لا يريده نتنياهو في الوقت الحالي، الذي يشهد تطورًا متسارعًا لعلاقاته مع العرب، وخاصة دول الخليج. كما أنه لا يريد أن يخوض مواجهة مع قطاع غزة، في ظل ارتفاع التوتر مع حزب الله، ومِن خَلفه إيران وسوريا، على خلفية اكتشاف الأنفاق في الجنوب اللبناني، الممتدة داخل الكيان الصهيوني.

    أما على المستوى الميداني للمواجهة، فلا بد من الإشارة إلى قضية هامة ميزت هذه الجولة، وهي القدرة الإدارية والميدانية المتميزة، التي أدارت فيها فصائل المقاومة هذه المواجَهة، بدْءًا من اكتشاف الوحدة الإسرائيلية السرية المتسللة للقطاع، ووصولًا إلى آخر صاروخ تم إطلاقه قبل توقيع اتفاق التهدئة. وقد حرصت المقاومة على تحقيق أمريْن هاميْن، الأول هو أن المقاومة لن تتهاون مع أي اختراق صهيوني لعمق القطاع مهما كان، وأنها جاهزة للرد وبقوة، حتى وإن تم ذلك في ظل حديث جدي وقوي، عن تفاهماتٍ قد تفضي إلى رفع الحصار، أو تخفيفه بشكل ملموس. الثاني هو المحافظة على توازن الردع القائم بين الجانبين، بل ومحاولة كسب النقاط لصالح المقاومة، حيث كانت كثافة الصواريخ المطلقة ودقتها، أعلى من أي مواجهة سابقة، وهي إشارة واضحة وموجهة للاحتلال، أن المقاومة، رغم الحصار، استعادت قوتها العسكرية كمًا ونوعًا، واستطاعت في النهاية الخروج من الجولة ويدها هي العليا في الميدان.

    في الختام، وبخصوصنتائج الجولة، فقد استطاع نتنياهو فرض رؤيته وقناعاته داخل المجلس الوزاري المصغر، حيث تم أخذ القرارات بالإجماع، ولم يخضع لابتزاز ليبرمان. ورغم الأزمة، إلا أنه استطاع الحفاظ على حكومته، بل وأضاف إلى الحقائب التي يتولاها، الحقيبة الأهم، وهي حقيبة الدفاع. ولكنه في المقابل مطالب جماهيريًا باستعادة هيبة الردع أمام قطاع غزة، حيث أعلن نفتالي بينت، وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي المتطرف، أن سبب بقائه في الحكومة، هو مساعدة رئيس الحكومة في مهمته كوزير للدفاع.

    أما حركة حماس، فقد نجحت بضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، حيث حسّنت من موقفها الاستراتيجي أمام "إسرائيل"، وخرجت وهي منتصرة في هذه المواجهة، بعد دحر مجموعة الاستخبارات الإسرائيلية، رغم سقوط عدد من الشهداء. وفي الساحة الداخلية، أثبتت بالفعل وليس بالقول، أنها لن تتساهل مع الاحتلال وعملائه، في حال اختراق العمق الغزي. كما أنها رسخت القناعة لدى المجتمع الدولي، بل ولدى "إسرائيل"، بأن حل مشكلة القطاع، يجب أن يبدأ بالجانب المعيشي والإنساني، قبل أن يصل إلى الجوانب الأخرى.

    2. العمليات في الضفة الغربية

    شهدت الضفة الغربية خلال هذين الشهرين، سلسلة من عمليات إطلاق النار، نفذها مقاوِمون فلسطينيون ضد المستوطنين وجنود الاحتلال. حيث نفذ مجموعة من المقاومين عملية إطلاق نار قرب مستوطنة عوفرا شرق رام الله في التاسع من كانون الاول أدت الى مقتل إسرائيلي وإصابة أربعة اخرين، وعلى إثر هذه العملية قامت قوات الاحتلال باغتيال الشهيد صالح البرغوثي متهمةً إياه بتنفيذ الهجوم وبعد أقل من أربعة وعشرين ساعة على اغتياله قام مهاجم فلسطيني بقتل ثلاثة جنود صهاينة قرب النقطة الاستيطانية بنيامين عند المدخل الجنوبي لمدينة رام الله ولاحقاً اتهمت قوات الاحتلال شقيق الشهيد صالح، عاصم البرغوثي بتنفيذ الهجوم انتقاماً لمقتل أخيه، وقد جاءت ردود الأفعال الصهيونية متباينة إثر هذه العمليات حيث طالب اليمين بزيادة الاستيطان والإعلان عن ضم المناطق "ج" بينما اتهم اليسار أن هذه العمليات هي نتيجة سياسة الحكومة المتعنتة تجاه مسار سياسي تفاوضي مع السلطة الفلسطينية، فدائما ما يستغل اليسار مثل هذه الأحداث للتأكيد على ضرورة استئناف المفاوضات وإحياء مسيرة السلام، وقد جاءت هذه العمليات مفاجِئة ومتلاحِقة، حيث دقت ناقوس الخطر لدى المؤسسة الإسرائيلية، بشقيها الأمني والسياسي، بأن حالة الهدوء القائمة في الضفة الغربية، قد تنقلب رأسًا على عقب في أي لحظة. وقد كتب رئيس الأركان جادي أيزنكوت في توصياته للحكومة، بضرورة "التقدم بمسار اقتصادي سياسي، يغير من واقع الفلسطينيين الاقتصادي في الضفة الغربية إلى الأفضل، ويفتح أمامهم أفقًا، أو حلًا سياسيًا معينًا"3، إلى جانب القيام بسلسلة من الإجراءات الأمنية، التي تُفضي إلى الوصول إلى منفذي هذه العمليات، ومَن ساعدهم، بالسرعة الممكنة، ودون الاحتكاك بالسكان المدنيين، أو التضييق عليهم، حتى لا تتسع دائرة السخط على الاحتلال وإجراءاته. إلى جانب ذلك، أوصى التقرير "بضرورة بذل كل الجهود من المستويين السياسي والأمني في "إسرائيل"؛ للمحافظة على التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة بشكله الحالي، الذي اعتبره مُرضيًا جدا، ومقنعًا لـ "إسرائيل".4

    3. الجبهة الشمالية

    أ- القصف الإسرائيلي لسوريا وانسحاب القوات الأمريكية منها

    منذ حادثة سقوط الطائرة الروسية، ومقتل طاقمها في 17\9\2018، أثناء غارة إسرائيلية على الأراضي السورية، لم تعاود "إسرائيل" العمل في الأجواء السورية. ولكن يبدو أن سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين الجانبين الإسرائيلي والروسي، سمحت بعودة القصف الذي تكرر عشرات المرات في السنوات الأخيرة، دون رد حقيقي يُذكر من قبل السوريين. فقد عاودت إسرائيل قصفها بتاريخ 29\11\2018 للمره الأولى بعد حادث الطائرة الروسيه.

    تريد "إسرائيل" تثبيتَ معادلةٍ دائمةٍ في مواجهة المحور السوري الإيراني، مفادها أن من حقها وحدها أن تقرر متى وكيف ولماذا يحق لها قصف الأهداف داخل سوريا، بهدف تدمير أي نشاط قد يُخل بالمعادلة القائمة هناك منذ سنوات طويلة، أو يمس بأمنها. وقد جاء هذا القصف قبل أسابيع فقط من الإعلان المفاجئ للرئيس ترمب عن انسحاب قواته من سوريا، حيث شكل هذا القرار صفعة أخرى لـ "إسرائيل"؛ لأن ذلك "سيعزز من دور إيران وروسيا وحدهما داخل الساحة السورية، إلى جانب دور معين لتركيا. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن الروس أبدوا سخطًا شديدًا من القصف الإسرائيلي واستمراره"5. ولم تتضح بعد تبعات قرار ترمب بسحب قواته من سوريا، على حرية العمل التي كانت مخولة للطيران الإسرائيلي في سماء سوريا، حيث سُئل ترمب عن تخليه عن "إسرائيل" بانسحابه من سوريا، فأجاب بأن "إسرائيل" قادرة وحدها على أن تدافع عن نفسها. فهل سيتمكن الروس من منع "إسرائيل" من معاودة القصف لمنع حدوث مواجهة إيرانية إسرائيلية على الأراضي السورية؟ وهو الأمر الذي لا يريده الروس على الأقل حاليًا، حيث يدركون أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، سيعطيهم الفرصة ليكونوا لاعبًا أساسيًا ومؤثرًا، ليس فقط في سوريا، وإنما في الشرق الأوسط.

    ب- الكشف عن أنفاق حزب الله وتدميرها

    جاء الكشف عن أنفاق حزب الله اللبناني الممتدة إلى داخل حدود فلسطين الشمالية، بعد أقل من أسبوعين على نهاية المواجهة مع غزة، حيث حرصت المؤسسة العسكرية، ممثلة برئيس أركانها أيزنكوت، على إظهار أن ما منعها من الرد بقوة على صواريخ المقاومة بغزة، هو نيتها المسبقة في البدء بحملة تدمير أنفاق حزب الله، وهو ما قد يفتح المجال لاندلاع مواجهة شاملة مع حزب الله. فقد "أوضحت هذه العملية ترتيب الأولويات لدى المؤسسة العسكرية، وهي مواجهة إيران وحلفائها في سوريا وحزب الله، إذ إن لها أولوية على مواجهة حماس وفصائل المقاومة في غزة، وهو الأمر الذي يتبناه نتنياهو، وقد استطاع أن يفرضه داخل المجلس الوزاري المصغر"6، وكان الإعلان عن كشف هذه الأنفاق قد أخذ حيزاً كبيراً في الإعلان الإسرائيلي في الرابع من كانون الثاني، حيث أعلن رئيس الحكومة وبعد اجتماع ضم قائد الأركان أيزنكوت وقائد لواء الشمال يؤال ستريك وقائد وحدة الجليل رافي ميلو وقائد قسم العمليات في الجيش أهارون حليوا عن البدء بتدمير هذه الأنفاق الممتدة من الجنوب اللبناني إلى داخل حدود فلسطين الشمالية لكن سرعان ما تبين أن العمل سيتم فقط في داخل حدود الكيان ولن يمتد إلى الأراضي اللبنانية، ما يعني الحرص الكبير لدى المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل إلى عدم الاحتكاك المباشر مع حزب الله وهو أمر متوقع ومنطقي في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السورية خاصة بعد قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا وسماح الروس أو سكوتهم عن القصف الإسرائيلي المتجدد للعمق السوري.7

    4. قانون التجنيد

    يمثل الجدل المحتدم حول قانون التجنيد داخل المجتمع الإسرائيلي، وداخل الكنيست، شكلًا من أشكال الصراع القديم الجديد بين مكونات هذا المجتمع وتناقضاته.(ويقضي القانون بتجنيد عدد من طلاب المدارس الدينيه، يصل إلى 3000، ثم يزداد سنويا بنسبة 5%،مع إيقاع عقوبات على المتهربين من الخدمه،الأمر الذي رفضه المتدينون) فهو من ناحية، صراع بين العلمانيين والمتدينين، يأخذ الطابع السياسي الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، هو صراع بين المتدينين الصهاينة "المستوطنين"، وبين المتدينين غير الصهاينة "الحريديم"، يأخذ الطابع الأيديولوجي الديني المحض. ومن ناحية ثالثة، هو صراع بين وجهتي نظر عسكريتين، الأولى تنادي بنموذج "جيش الشعب"، والثانية تنادي بضرورة "جيش مهني حديث". وهذا القانون القديم الجديد، كان لأكثر من مرة، سببًا في انسحاب الأحزاب الدينية من الائتلاف الحاكم، وإسقاطها للحكومات.

    فالعلمانيون ينادون بأن يكون الجميع سواسية في خدمة الدولة، فكما أن الجميع يقضون ثلاث سنوات من أعمارهم في الخدمة العسكرية، فإن الأمر يجب أن ينطبق أيضا على المتدينين، الذين يطالبون بالإعفاء من الخدمة العسكرية؛ بحجة دراسة الشريعة والتوراة، والتي "لولاها لما تم حفظ إرث بني إسرائيل طوال ألفي عام من الشتات"، بل ويصرون على أن دراسة الدين وشريعته، هو القوة الحقيقية التي تجلب رضى الرب، وتحمي "إسرائيل" من الأعداء.8

    أما على الصعيد الأيديولوجي الديني، فإن المتدينين الصهاينة "المستوطنين"، يؤيدون فرض الخدمة الإجبارية على المتدينين غير الصهاينة "الحريديم"، ليس بهدف القتال فقط، بل لأنه إقرار واعتراف من قبل الحريديم بشرعية الدولة وصوابيتها، وهم الذين طالما شككوا في ذلك الأمر، بحجة أنها ليست دولة المسيح الذي ينتظرون.(لمزيد اطلاع https://he.wikipedia.org/wiki )

    أوجد هذا الجدل وجهتي نظر داخل الؤسسه العسكريه نفسها. فمن جهة، هناك من ينادي بضرورة بناء الجيش على أساس اختيار الأفضل، وليس تجنيد الكل. وهناك مَن ما زال يرى ضرورة أن يبقى الجيش بوتقة لصهر كل مكونات المجتمع، الأمر الذي ما زال يرفضه الحريديم.

    لقد انتهى المشهد الداخلي باستقالة الحكومة، بعد عدم تمكن أحزاب الائتلاف من الاتفاق على صيغة موحدة لقانون التجنيد، تكون مرضية للمتدينين، ومعتمَدة قانونيا. وقد تكون هناك أسباب أخرى وراء الاستقاله، مثل رغبة نتنياهو باستغلال ارتفاع شعبيته في استطلاعات الرأي أو رغبته في التغطيه على التحقيقات المفتوحة ضده في قضايا فساد ولكن الأمر المعلن هو قانون التجنيد، فقد تم رفض القانون بصيغته السابقة من قبل محكمة العدل العليا، والتي ألزمت الحكومة بسن قانون جديد قبل 15 كانون ثاني/ يناير 2019، الأمر الذي أدى إلى حل الكنيست، وتقديم موعد الانتخابات، حيث أدرك نتنياهو صعوبة أو استحالة استمرار عمل الحكومة في ظل المواقف المتناقضة لأحزاب الائتلاف من هذا القانون فهو يدرك أن الحريديم لن يقبلوا بصيغة تفرض عليهم التجنيد، كما أن حزب كلنا برئاسة كحلون لن يقبل بصيغة لصالح الحريديم تضعف موقفه وحظوظه الانتخابية وفوق كل ذلك فهو ملزم بتقديم صيغة جديدة للقانون قبل الخامس عشر من كانون الأول ما دفعه إلى الاستقالة وتقديم موعد الانتخابات كأسهل الحلول للخروج من المأزق.9

    5. "إسرائيلوالتطبيع العربي

    عُمان والإمارات العربيةشهد شهر تشرين ثاني/ نوفمبر، أول زيارة رسمية لرئيس حكومة إسرائيلية لإحدى دول الخليج العربي، هي عُمان. وبغض النظر عن حجم العلاقة وطبيعتها، فإن أبعادها السياسية والمعنوية والرمزية كبيرة، إذ إن نتنياهو كان، وما زال، يبحث عن اختراق علني في الخليج، حيث تربطه علاقات سرية قوية مع معظم دوله. كما أنه يسعى جاهدًا لوضع هذا الإنجاز في قمة جهوده على هذا الصعيد، خاصة أنه وجد ضالته في عُمان، الدولة الخليجية غير المحسوبة على أي من التحالفات في المنطقة. يُضاف إلى ذلك أهمية الجانب الاقتصادي للزيارة، حيث تم توقيع اتفاقيات تعاون وتبادل تجاري بين البلدين، مهمه بالنسبة لـ "إسرائيل"، ولكن الجانب الاهم في هذه الزيارة والتي تناولت حسب الجانبين سبل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ودور الدولتين في ذلك، هو طبيعة الوفد المرافق لنتنياهو حيث ضم الوفد أبرز الشخصيات الأمنية والاستخبارية في إسرائيل متمثلةً برئيس الموساد يوسي كوهن ومستشار الأمن القومي بن شابات حيث أشارت التقارير إلى توقيع اتفاقيات تعاون بقيت طي الكتمان، وقد كان نتنياهو ومن وراءه حزب الليكود الرباح الأكبر من هذه الزيارة على الصعيد السياسي الداخلي فها هو يحقق تقدماً على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية وبصورة علنية دون دفع أي ثمن.10 إضافة الى ذلك قامت وزيرة الثقافة الإسرائيلية المتطرفة ميري ريجف، بزيارة علنية لدولة الإمارات العربية، وحظيت بحفاوة الاستقبال، وهي الوزيرة المعروفة بعنصريتها ضد العرب. وقد أحسن حزب الليكود استغلال تلك الزيارة، والافتخار بها أمام أحزاب المعارضة، ولدى منافسيه في الائتلاف الحاكم، ولم تشهد الزيارة اي توقيع اتفاقيات ذات أهمية وإنما اخدت الزيارة بعداً إعلامياً وسياسياً بسبب شخص الوزيرة المتطرفة والمعروفة بعنصريتها إضافةً إلى التوقيت المتقارب مع زيارة نتنياهو لعمان حيث أوحى ذلك إلى بدء انفتاح خليجي محتمل على إسرائيل.

    الانتخابات البلدية

    شهد شهر تشرين ثاني/ نوفمبر إجراء الانتخابات البلدية في "إسرائيل". وهذه الانتخابات تحظى بأهمية داخل "إسرائيل"، قد ترقى في بعض المواقع، مثل القدس وتل أبيب، إلى أهمية انتخابات الكنيست. وقد جرت الانتخابات هذه المرة قبل أشهر معدودة من الموعد الرسمي لانتخابات الكنيست، والتي تم تقديم موعدها مؤخرًا، بعد فشل الاتفاق بشأن قانون جديد للتجنيد. وتميزت الانتخابات المحلية هذه المرة، بمشاركة حزبين جديدين، هما حزب "كلنا" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، المحسوب على أحزاب يمين الوسط، والذي يشارك فيها للمرة الأولى، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة يئير لبيد، المحسوب على أحزاب يسار الوسط، والذي يشارك للمرة الثانية على التوالي. حقق الحزبان نتائج جيدة في أكثر من موقع، مقارنة بوزنهما الشعبي وعمرهما الزمني، أمام أحزاب تاريخية مثل العمل والليكود. كما شهدت هذه الانتخابات تراجعًا واضحًا للأحزاب الدينية، التي خسرت بعض المواقع المحسوبة عليها تاريخيًا. وليس من الضروره ان تعبر هذه الانتخابات عن حجم الاحزاب فهي تعتمد على شخص المرشح وشعبيته والتحالفات بين القوائم وهو ما يفسر التذبذب في نتائج الأحزاب بين انتخابات وأخرى.


    1 مراسلي موقع اخبار القناة الثانية (10 تشرين ثاني، 2018). تساهل بعال بعزة فنحساف. (الجيش عمل داخل غزة وكشف) تم الاسترداد من موقع أخبار القناة الثانية.

    https://bit.ly/2MBOmti

    2 أمير بخبط (28 كانون أول، 2018). سكنات ههتلكحوت شل حماس: ههفجنوت بعزة بجشوت بحروت بيسرائيل. (خطر الاشتعال على جبهة حماس: المظاهرات في غزة تصادف الانتخابات في إسرائيل). تم الاسترداد من موقع واللا الإخباري.

    https://bit.ly/2Fcr2S3

    3 كوبي ميخال وأودي ديكل (17 كانون أول، 2018). ههسلماه بجداه معرفيت – اوت لتسورخ بشينوي استراتيجيا فمدينيوت يسرائيل (التصعيد في الضفة الغربية – إشارة لضرورة التغيير في استراتيجية وسياسة إسرائيل). تم الاسترداد من موقع معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

    https://bit.ly/2Rf8iHJ

    4 رون بن يشاي (13 كانون أول، 2018). ليشبرور ات هجال (يجب كسر الموجة). تم الاسترداد من موقع يديعوت أحرونوت.

    https://bit.ly/2Ghlrv3

    5 ألداد شبيت و أودي ديكل (21 كانون أول، 2018). هحلتات أرتسوت هبريت لهسيج كوحوتيها مسوريا - مشمعيوت ليسرائيل (قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا – أثرها على إسرائيل). تم الاسترداد من موقع معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

    https://bit.ly/2AxO0iq

    6 رون بن يشاي (8 كانون أول، 2018). هتخنيت هسوديت شل نصرالله فهتشوفاه شل ايزنكوت (الخطة السرية لنصر الله ورد أيزنكوت). تم الاسترداد من موقع يديعوت أحرونوت.

    https://bit.ly/2SCcnT5

    7 أمير بخبط (12 تشرين ثاني، 2018).تساهل بتاح بمفتساح مجين تسفوني لهشمدات من هاروت حزب الله. (الجيش بدء بحملة النجم الشمالي لتدمير انفاق حزب الله). تم الاسترداد واللا العبري.

    https://bit.ly/2RT0yvl

    8 يونثان ليس وأهرون رفينوفيتش (4 كانون الاول، 2018). نتنياهو يفاريك ات هاممشالاه بجلال حوك هجيوس (نتنياهو سيحل الحكومة بسبب قانون التجنيد). تم الاسترداد من موقع جريدة هآرتس.

    https://bit.ly/2DxHhqL

    9 يونثان ليس وأهرون رفينوفيتش (4 كانون الاول، 2018). المرجع السابق

    https://bit.ly/2DxHhqL

    10 نوعا لاندو وجاكي خوري (4 كانون الاول، 2018). نتنياهو عراخ بكور رشمي بعمان فنفجاش عم هسلطان (نتنياهو قام بزيارة في سلطنة عمان والتقى مع السلطان). تم الاسترداد من موقع هآرتس.

    https://bit.ly/2Tgt7iU