• Türkçe
  • English
مجموعة التفكير الاستراتيجي مجموعة التفكير الاستراتيجي
  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟

Sidebar

القائمة الرئيسية

  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟
  • التطبيع الإماراتي الإسرائيلي: الترسيم الآثم

  • التقدير الاستراتيجي (120): السلطة الفلسطينية بين الحلّ وتغيير الوظيفة… السياقات والسيناريوهات

    تزايد الحديث في الأشهر الماضية عن مستقبل السلطة الفلسطينية، وإمكانات حلها أو انهيارها في ضوء توجه القيادة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، وتبني الإدارة الأمريكية للرواية الصهيونية وسعيها لإنفاذ صفقة ترامب التي تنهي عملياً مسار التسوية السلمية القائم على اتفاق أوسلو. واتخذ الحديث شكلاً جدياً مع قرار قيادة السلطة الانسحاب من جميع الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

    ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل السلطة أولاها حلُّ السلطة، غير أنه غير مطروح جدياً لدى قيادة السلطة مع وجود مخاوف من عدم قدرة الجانب الفلسطيني على تحمّل تداعياته. والسيناريو الثاني هو تغيير وظيفة السلطة وهو مطروح بقوة لدى العديد من المثقفين والسياسيين، بحيث تقتصر مهمة السلطة على الجانب الإداري، بينما يتم تحويل الجانب السياسي إلى منظمة التحرير. أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الانتظار والاستمرار في المسار نفسه، وهو ما يظهر أن قيادة السلطة تسير فيه، على الأقل بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية.

  • التقدير الاستراتيجي (121): التطبيع السوداني – الإسرائيلي وأثره على القضية الفلسطينية

  • التقدير الاستراتيجي (123): المسارات المحتملة للتطبيع المغربي الإسرائيلي وأثره على القضية الفلسطينية

     

  • اليوميات الفلسطينية: أيار/ مايو 2020

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريراً بعنوان ”اليوميات الفلسطينية: أيار/ مايو 2020“. وهو تقريرٌ شهريٌ يتناول أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعدّ مادةً توثيقيةً للأحداث الفلسطينية التاريخية، والسياسية، والقرارات المهمّة.

    ويتميز التقرير في أنه يتناول الأحداث المهمّة، والقرارات والمواقف، التي تعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ويتم انتقاء الأحداث التي يتناولها التقرير؛ حيث يقوم فريق التحرير بالاطلاع على عشرات المصادر اليومية والدورية.

    ويعرض التقرير للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي عربياً وإسلامياً ودولياً. وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والقدس وأداء المقاومة والوضع الداخلي... وغيرها. كما يغطي التقرير ما يتعلق بـ”إسرائيل“ اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على المقدسات ومسار التسوية السلمية.

    ويُعدُّ تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ أحد أهم الملفات الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار وفق أهميتها، ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    وتبرز أهمية التقرير في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    وتجدر الإشارة إلى أن تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ هو من إعداد وتحرير أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام المركز، وربيع الدنان ووائل وهبة.

  • اليوميات الفلسطينية: كانون الثاني/ يناير 2020

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريراً بعنوان ”اليوميات الفلسطينية: كانون الثاني/ يناير 2020“. وهو تقريرٌ شهريٌ يتناول أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعدّ مادةً توثيقيةً للأحداث الفلسطينية التاريخية، والسياسية، والقرارات المهمّة.

    ويتميز التقرير في أنه يتناول الأحداث المهمّة، والقرارات والمواقف، التي تعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ويتم انتقاء الأحداث التي يتناولها التقرير؛ حيث يقوم فريق التحرير بالاطلاع على عشرات المصادر اليومية والدورية.

    ويعرض التقرير للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي عربياً وإسلامياً ودولياً. وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والقدس وأداء المقاومة والوضع الداخلي... وغيرها. كما يغطي التقرير ما يتعلق بـ”إسرائيل“ اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على المقدسات ومسار التسوية السلمية.

    ويُعدُّ تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ أحد أهم الملفات الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار وفق أهميتها، ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    وتبرز أهمية التقرير في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    وتجدر الإشارة إلى أن تقرير ”اليوميات الفلسطينية“ هو من إعداد وتحرير أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام المركز، وربيع الدنان ووائل وهبة.

    ويُنشر التقرير بشكل شهري على الموقع الإلكتروني لمركز الزيتونة، وسيتم إصداره ككتاب مطبوع بشكل سنوي، ويوفر للتحميل المجاني عبر الموقع.

  • تقدير موقف: صفقة ترامب تؤسس لعواصف قادمة في المنطقة …

    بقلم: أ.د.وليد عبد الحي. (تقدير موقف خاص بمركز الزيتونة).

    قبل عام تماماً (شباط/ فبراير 2019)، نشر مركز الزيتونة دراستي عن الآفاق المستقبلية لـ"صفقة القرن"، وبمقارنة ما ورد في كل من وثيقة ترامب الحالية والتي تقع في 181 صفحة تحت عنوانPeace To Prosperity: A Vision to Improve the Lives of the Palestinian and Israeli People (January 2020)، وما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب يوم الثلاثاء 28/2/2020، لم أجد فروقاً جوهرية عن تلك الدراسة إلا في التفاصيل.

    تقع الوثيقة الجديدة في 22 قسماً، يتبعها أربعة ملاحق، من بينها خريطتان توضحان جغرافية "إسرائيل" والدولة الفلسطينية المفترضة وتوزيع المستوطنات.

    ونظراً للتفاصيل الكثيرة لجوانب موضوعات الوثيقة، أرى أن الأنسب تحديد معالمها الأكثر استراتيجية على النحو التالي:

    أولاً: الدولة الفلسطينية المقترحة: وتتسم بما يلي:

    1. دولة منزوعة السلاح تماماً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتلتزم بمنع أي تنظيم مسلح من التواجد فيها، مع اشتراط أن يحكم غزة قوى غير حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات الأخرى المسلحة.

    2. تكون عاصمة الدولة في الضواحي المجاورة للقدس الشرقية، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستقيم سفارة لها في هذه الضواحي، بينما تكون القدس كلها بتوصيفها الإسرائيلي مدينة موحدة وعاصمة لـ"إسرائيل".

    3. يتم استقطاع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وضمها لـ"إسرائيل".

    4. لا عودة لحدود 1967، وإبقاء حدود الدولة الفلسطينية غير مرسمة لمدة أربع سنوات، يتم خلالها تحقيق تواصل جغرافي بين أراضي الدولة الفلسطينية وتجميد الاستيطان شريطة الالتزام بما يلي:

    أ. ان لا تشكل هذه الدولة الفلسطينية بأي شكل من الاشكال خطراً على الأمن الإسرائيلي مع ترك تحديد مفهوم خطر أمني للطرف الإسرائيلي.

    ب. التخلي عن السلاح؛ وهو ما تنطوي عليه عبارة ترامب "الرفض الصريح للإرهاب من قبل الدولة الفلسطينية".

    ج. مقاومة إيران ومحاصرة نشاطاتها.

    د. أن تكون قوانين السلطة الفلسطينية موجهة لتقييد النشاط "الإرهابي" مع حق "إسرائيل" في تدمير أي منشآت فلسطينية تراها خطراً عليها.

    ه. خلال المفاوضات لا يجوز للسلطة الانضمام لأي منظمة دولية دون موافقة "إسرائيل".

    و. الإقرار بـ"يهودية الدولة الإسرائيلية".

    5. لن تخلع "إسرائيل" أي مستوطنة، ويتم ربط المستوطنات الإسرائيلية التي تقع داخل مناطق السلطة الفلسطينية بشبكات نقل، أما الفلسطينيون الذين يقعون في مناطق "إسرائيلية" فيسمح لهم بالتنقل نحو أراضي السلطة الفلسطينية.

    6. يخضع نهر الأردن للسيادة الإسرائيلية، مع تعويض المزارعين الفلسطينيين أو الترخيص لهم في هذه المنطقة.

    7. المياه الإقليمية لغزة تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.

    8. دمج سكان قرى المثلث الفلسطيني (كفر قرع، وعرعره، وياقة الغربية، وأم الفحم...إلخ) مع السلطة الفلسطينية، ومقايضة الفلسطينيين بحيث يتم ضم مناطق للسلطة الفلسطينية تعويضاً عن ما سيقتطع منها.

    9. تبقى المعابر للدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطة الإسرائيلية، كما أن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراضٍ محتلة (غور الأردن، والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وهو التفسير الذي أشار له نتنياهو في المؤتمر نفسه).

    ثانياً: اللاجئون:

    تم ربط موضوع اللاجئين الفلسطينيين باللاجئين اليهود من الدول العربية، والإشارة لحق "إسرائيل" في التعويض عن ممتلكات المهاجرين اليهود وما تحملته "إسرائيل" من نفقات استيعاب هؤلاء المهاجرين اليهود. أما الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين فهي:

    1. بعضهم تستوعبه الدولة الفلسطينية.

    2. وبعض يتم دمجه في الدول التي يقيمون فيها.

    3. والجزء المتبقي منهم يتم توطينه في دول إسلامية من دول منظمة المؤتمر الإسلامي.

    4. توسيع قطاع غزة بما يساعد على تحسين ظروفهم من خلال مناطق مجاورة في النقب، ويتم وضع مرافق ومشاريع صناعية لاستيعاب جزء من الضغط السكاني في غزة.

    ثالثاً: التكامل الاقتصادي الإقليمي:

    عنوان القسم الثالث من الوثيقة هو "رؤية للسلام بين دولة إسرائيل والفلسطينيين والإقليم"، ويتم ذلك من خلال:

    1. تعزيز مسار التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل"، والتشارك في علاقات مع أوروبا.

    2. ربط الضفة وغزة بخطوط نقل سريعة تكون خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

    3. السماح للفلسطينيين باستخدام الموانئ الإسرائيلية في حيفا وأسدود.

    4. تسهيل العبور بين الأردن وفلسطين مع حق "إسرائيل" في الرقابة على السلع المنقولة.

    5. إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأردن وفلسطين.

    6. ضرورة التعاون العربي الإسرائيلي لمواجهة حماس وحزب الله.

    7. الوعد بوضع الولايات المتحدة نهاية لاعتماد الفلسطينيين على المؤسسات الخيرية والمعونة الأجنبية.

    رابعاً: المعتقلون:

    الإفراج عن السجناء ما لم يكونوا ممن اقترف "جرائم قتل أو شروع بالقتل"، أي أن عناصر المقاومة لن يتم الإفراج عنهم.

    الدلالات المستقبلية للخطة:

    من الارجح أن هذه الخطة (الوثيقة) تمهِّد المسرح لعراك في غاية القسوة ستواجهه التنظيمات الفلسطينية، ومن الأرجح أن تكون غزة عرضة لضغوط سياسية (تقييد حركة زعمائها)، وحروب إعلامية (بالصور المفبركة، والأخبار المغرضة، والإشاعات،...إلخ)، واقتصادية (مزيد من الخنق الاقتصادي خصوصاً تجاه غزة)، وعسكرية (الضربات الجوية المتلاحقة، والاغتيالات، وعمليات تفجير واغتيال مشبوهة...إلخ).

    والوجه الثاني للعراك سيكون بمزيد من الضغط الأمريكي على الدول العربية لتسريع وتيرة التطبيع الواسع، وصولاً لتحالفات عسكرية تندمج في إطار توسيع عمل الناتو شرقاً وجنوباً، ومزيد من الضغط على كل دولة او جهة عامة أو خاصة تقدم أي مساعدات للفلسطينيين.

    والوجه الثالث محاولة جر بعض الدول الأوروبية، لا سيّما بريطانيا، باتجاه المشاركة في إنجاح المشروع الأمريكي.

    إن المشروع الأمريكي لدليل قاطع على عبثية أي مسار سلمي مع هذا الكيان الشاذ، بل إن هذه الوثيقة ستعمل "إسرائيل" على غرار ما فعلته في أوسلو بأن تطبق منها ما هو في صالحها، وهو الجزء الأكبر، بينما ستعمل على تعطيل تنفيذ ما تراه غير مناسب لها.

    إن مواجهة هذا المشروع الأمريكي يحتاج إلى بناء استراتيجية واضحة تجعل من إسقاط هذا المشروع دالته الأولى، وهو ما يعني تطوير العلاقات مهما كانت متواضعة مع كل من يعارض أو يتحفظ على المشروع، وهو ما يستدعي التخلي عن أصل البلاء وهو اتفاق أوسلو، وكل ما ترتب عليه من تنسيق أمني وتدجين للضفة الغربية والعودة للمقاومة المسلحة بعد إعادة ترتيب الصفوف.
     


    مصدر الخريطة: الحساب الرسمي لدونالد ترامب على موقع تويتر، 28-1-2020


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/1/2020

  • ثقوب في ”بيت العنكبوت“: عناصر الضعف في الكيان الإسرائيلي


    بقلم: أ.د. وليد عبد الحي.
    (مقال خاص بمركز الزيتونة). 

    تبدو الأدبيات السياسية العربية الخاصة بـ”إسرائيل” أكثر ميلاً للتركيز على مؤشرات القوة في هذا الكيان السياسي الشاذ، وطبقاً لقاعدة “أعرف عدوك” تبدو أهمية معرفة الثقوب في جدران هذا الكيان السياسي، الذي جلب لهذه المنطقة أعتى موجات عدم الاستقرار منذ قرابة القرن، أمراً ضرورياً، ونسعى في هذا المقال إلى مجرد الإشارة لأهم هذه الثقوب لعلها تكون ضمن التفكير العربي في وضع خططه الاستراتيجية لمواجهة مخططات “إسرائيل” المستقبلية. ومن المؤكد أن هذه الثقوب التي سنستعرضها تباعاً تؤثر على بعضها البعض، فبعضها يوسع الفتق الناجم عن هذه الثقوب، وبعضه قد يضيقه طبقا لنمط التفاعل بين الجانبين.

    يمكن رصد أهم هذه الثقوب التي تتردد في أدبيات الكيان الصهيوني بشكل خاص أو الدراسات الاستراتيجية العالمية على النحو التالي:

    أولاً: فقدان العمق الاستراتيجي: [1]

    يمثل العمق الاستراتيجي المسافة الفاصلة بين حدود الدولة في جهاتها الأربع وبين قلب الدولة Heartland حيث المراكز الحضرية والمنشآت الاستراتيجية للدولة، فكلما كانت المسافة أطول كانت قدرتها على الكر والفر والمناورة أكبر، بينما في حالة فقدان هذا العمق يكون أي انسحاب مهدداً لقلب الدولة، وتشير الجغرافيا الفلسطينية الى أن “إسرائيل” ليس لديها عمق استراتيجي، وتتراوح أبعاد حدودها بين 14 كم (الحد الأدنى) و137 كم (الحد الأقصى)، وهو ما يجعل المناورة على الأرض شبه منعدمة، مما يفرض على “إسرائيل” أن تبقى مستعدة مستقبلاً لحروب ضد خصمٍ متفوِّقٍ عليها عددياً. وهذا يعني أن المعركة، من منظور استراتيجي صهيوني، يجب دائماً أن تدور على أرض الخصم واقتناص أي فرصة لتوسيع العمق الاستراتيجي له. فاحتلال الضفة الغربية والجولان ومنع الجيش المصري للعودة لصحراء سيناء هي سياسات تستهدف توسيع العمق الاستراتيجي من ناحية، والسيطرة على كل ما تنطوي عليه هذه الجغرافيا من موارد القوة المختلفة من ناحية ثانية.

    ثانياً: الخلل الديموجرافي: [2]

    تبدي “إسرائيل” من ناحية المشكلات الديموجرافية قلقاً كبيراً من عدة زوايا أبرزها: تزايد نسبة العرب بشكل قد يحولها على المدى البعيد إلى دولة ثنائية القومية، وتشير الارقام الرسمية الإسرائيلية (تقارير الجيش وهيئات الإحصاء السكاني الإسرائيلي) إلى أن عدد العرب في فلسطين التاريخية حالياً يفوق عدد اليهود بحوالي 300 ألف نسمة، كما أن تزايد نسبة البدو في النقب يثير قلقها الأمني، وهذا يعني أن بقاء الزيادة السكانية في فلسطين لصالح الفلسطينيين يجعل الخيار أمام “إسرائيل” إما القبول بدولة ثنائية القومية (وهو ما يتنافى والمخطط الصهيوني لا سيّما يهودية الدولة)، أو تهجير الفلسطينيين بشتى السبل، وهو ما سيعيد دورة الصراع من جديد.

    ثالثاً: القلق من تحول مواقف الدول الكبرى تجاه “إسرائيل” خصوصاً الولايات المتحدة: [3]

    أثار الانسحاب الأمريكي الجزئي من سورية واستقالة رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون John Bolton، واحتمالات الانسحاب من العراق أو تخفيف الالتزامات تجاه المنطقة، لا سيّما بعد الاستقلال النفطي الأمريكي عن الشرق الأوسط، قلقاً إسرائيلياً من مدى ديمومة الالتزام الأمريكي طويل الأمد تجاه “إسرائيل”. ناهيك عن الشعور بأن تخلي الولايات المتحدة عن مساندة الأكراد في مقايضات مع تركيا، قد يكون مؤشراً على توجهات أمريكية جديدة، قد تظهر على المدى البعيد أو المتوسط.

    وتدعم الهواجسَ السابقة ما تشير إليه استطلاعات الرأي الحزبي في الولايات المتحدة من أن تأييد الأمريكيين من الحزب الجمهوري لـ”إسرائيل” تراجع بنسبة 13% بينما تراجع التأييد بين الديموقراطيين بنسبة 6% في سنة 2019. وتشكل هذه التراجعات الأعلى منذ 2001، وتتعزز هذه الهواجس الصهيونية ببعض التباين في المواقف الأوروبية قياساً بالمواقف الأمريكية، ناهيك عن الزحف الصيني الهادئ، والسعي الروسي للاتكاء على تحالفات شرق أوسطية لا تراها “إسرائيل” لصالحها بالقدر الكافي.

    رابعاً: الشعور بالتحول الهادئ في الرأي العام الدولي: [4]

    تشير استطلاعات الرأي العام الدولي، وخصوصاً الغربية منها، أن نسب التعاطف مع “إسرائيل” في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة تعرف اتجاهاً متواصلاً بالتراجع، فهي تقع دائماً منذ سنة 2010 ضمن الدول الخمس الأقل تعاطفاً معها، كما أن نسب التعاطف تتراجع باستمرار. ويتعزز هذا الاتجاه بتراجع موازٍ في نسب التأييد لـ”إسرائيل” في الأمم المتحدة وأغلب وكالاتها المتخصصة؛ وهو ما تكشفه نتائج التصويت على القرارات الدولية التي تعالج موضوعات لها صلة بالصراع العربي الصهيوني.

    خامساً: الثقافات الفرعية في “إسرائيل” (عرب، وأشكناز، وصابرا، وسفارديم… علمانيين متدينين…إلخ): [5]

    تشير سجلات حقوق الإنسان المختلفة إلى أن اليهود السود ويهود الدول العربية يقعون في مراتب أدنى في بيروقراطية الدولة، كما تتم ممارسات ميدانية عنصرية من المجتمع اليهودي الغربي تجاههم، ناهيك عن التمييز العنصري تجاه العرب واليهود غير الغربيين في الوظائف ونسب البطالة ومستويات الدخل والتزاوج المختلط…إلخ، والدليل على التمييز في الظروف الحياتية هي أن الأثيوبيين من اليهود يمثلون 2% من السكان، لكنهم يشكلون 18% من نسبة سجناء الجرائم المدنية. وإذا كانت الثقافات الفرعية هي مصدر الاضطراب السياسي في أغلب الحروب الأهلية، فإن ذلك يدفع لطرح التساؤل حول حالة “إسرائيل”، فهذه “الدولة” تتألف من خليط قابل للاستغلال ويكفي التأمل في الجوانب التالية:

    1. الانقسام في المجتمع الإسرائيلي حسب اللون:

    هناك 140 ألف أثيوبي “أسود” وصل أغلبهم إلى فلسطين في الفترة 1984-1991. وقد واجه هؤلاء منذ هجرتهم ممارسات عنصرية أدت لقتل 11 منهم على يد البيض اليهود خلال العقدين الماضيين. وتتمثل أبرز مظاهر التمييز ضدهم في:

    أ. لا يتم الاعتراف لرجالهم الذين يدرسون الشريعة اليهودية بصفة الحاخام.

    ب. 90% من شبابهم عاطلون عن العمل و65% منهم أميون.

    ج. نسبة الانحراف بين أطفالهم تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الانحراف بين أطفال اليهود البيض.

    د. 43% من الإسرائيليين يرفضون الزواج من أثيوبي طبقاً لاستطلاعات رأي إسرائيلية.

    ه. لم يتمكن حزب الأثيوبيين السود “أتيد إحاد” من بلوغ نسبة الحسم للدخول في الكنيست.

    و. ما تزال بعض المدارس اليهودية ترفض قبول الطلاب اليهود “السود”.

    ز. امتناع بنوك الدم الإسرائيلية من قبول تبرعات الدم من اليهود “السود”، وقد استمرت هذه الظاهرة منذ سنة 1996 وتكررت سنة 2006.

    هذه الأوضاع هي التي تفسر ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن متظاهر يهودي “أسود” هو آتي آشاتو (وهو من أقارب الشاب “الأسود” سولومون تيكاح الذي قتل سنة 2019)، حين قال “من الصعب أن تكون أسوداً وتشعر بالأمان في إسرائيل…”.

    2. الخلفيات القومية لليهود:

    يشكل اليهود الروس 20% من سكان “إسرائيل”، وقد وصل معظمهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن العشرين، وتزايدت نسبتهم منذ تلك الفترة حتى 2018 بحوالي 5%، مقابل تراجع نسبة اليهود المهاجرين من الولايات المتحدة بمعدل 10% من 1990 إلى 2018. وتشير إحدى الدراسات إلى أن 35% من المهاجرين لـ”إسرائيل” من الاتحاد السوفييتي هم من غير اليهود.

    كذلك تعاني “إسرائيل” من عدم استقرار ظاهرة الهجرة المعاكسة (الخروج من “إسرائيل”) والتي فاقت في بعض السنوات عدد القادمين إليها.

    ولو قسمنا اليهود في “إسرائيل” طبقاً لخلفياتهم سنجد 68% من الصابرا (الذين ولدوا في فلسطين ولكن أصولهم من خارجها)، و22% جاءوا من أوروبا وأمريكا، و10% من آسيا وإفريقيا وأغلبهم من المغرب، حيث يشكل اليهود المغاربة المجموعة الثانية بعد الروس من حيث العدد.

    3. الانقسام في الموقف من الدين:

    تشير الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي المعتمدة في الدوائر العلمية إلى أن اليهود في “إسرائيل” منقسمون في موقفهم من الدين على النحو التالي:

      النسبة (%)
    علمانيون (يطالبون بفصل الدين عن الدولة بغض النظر عن تدينه أو عدمه) 57
    متدينون 30
    ملحدون 8
    لا أدريون 5

    ويترتب على هذه المسألة مشكلة تظهر بين الحين والآخر في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً التوتر حول الموقف من اليهود الأرثوذوكس (8% من اليهود)، بسبب إعفائهم من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. ويمثل التنامي الواضح في نسبة المتدينين الحريديم موضوع قلق للقيادات الإسرائيلية، من حيث احتمال الاحتكاك بينهم وبين الشرائح العلمانية في المجتمع اليهودي، خصوصاً أن الأخيرة ما تزال هي الأكبر.

    4. توزيع المراكز القيادية بين النخب:

    ويمكن أن ندلل على هذا الجانب من خلال منصب رئيس الوزراء، فمنذ سنة 1948 تولى رئاسة الحكومة 17 فرداً (بعضهم تولاها لأكثر من مرة)، منهم 8 من اليهود الغربيين، و9 من الصابرا، بينما ليس من بينهم أي رئيس وزراء من اليهود الشرقيين.

    5. العنصرية تجاه فلسطينيي 1948:

    يرفض 75% من اليهود السكن في بناية فيها أحد من العرب، كما يطالب 40% من اليهود بتجريد العرب في فلسطين المحتلة سنة 1948 من كافة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

    سادساً: انعكاسات التحولات في القوى الإقليمية في الشرق الأوسط على الأمن الإسرائيلي: [6]

    نظراً لعدم استقرار الدول العربية فإن “إسرائيل” قلقة من أن تحدث تغيرات في دول عربية محورية تقود لعودة الصراع من جديد، فأي تغير باتجاه التيارات الإسلامية أو القومية أو اليسارية المعادية للمشروع الصهيوني، قد يحمل في طياته خطراً كبيراً بعودة الصراع لوتيرته الأولى؛ لا سيّما أن الخبرة التاريخية في المنطقة منذ الصليبيين والاستعمار الغربي وغيرهما تشير إلى أن طرد القوى الأجنبية من المنطقة أمر شبه ثابت في الاتجاه التاريخي للمنطقة. كما ترى “إسرائيل” أن بعض التحولات الإقليمية قد تحول دولة إقليمية من فرصة إلى تحدٍ كما هو حال إيران قبل وبعد ثورتها سنة 1979. كما أن إخراج منظمة التحرير من لبنان أفرز ظهور حزب الله بخطورة أكبر، كما أن الانسحاب من غزة بهدف التخلص من العبء السكاني تحول لعبء أمني… .

    سابعاً: “مشاعية” التكنولوجيا قد تجعل التنظيمات الصغيرة قادرة على إنتاج أسلحة متطورة أو غير تقليدية: [7]

    منذ فترة طويلة نبه كثير من الباحثين إلى أن “مشاعية” التكنولوجيا والمعرفة التقنية وتوافر وسائل التواصل الإلكتروني قد تنتهي إلى قدرة تنظيمات سياسية على التسلح بقدرات عسكرية غير تقليدية. وهو أمر سيجعل مفهوم التوازن في موضع شك كبير، وتخشى “إسرائيل” أن تمتد هذه الظاهرة إلى المنطقة الشرق أوسطية مستقبلاً.

    ثامناً: إنهاء الاحتكار النووي في الشرق الاوسط: [8]

    تبدي “إسرائيل” رغبة عارمة في إبقاء احتكارها لملكية الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولديها هواجس من التوافق الدولي في مرحلة لاحقة على إخلاء هذه المنطقة من السلاح النووي، وكل من الأمرين يشكل نقطة قلق. ففي الأول الخوف من إيران أو من مصر (في فترة لاحقة) أو غيرها من الدول العربية لا سيّما مع احتمال تعاون جهات خارجية مثل كوريا الشمالية مع توجه شرق أوسطي كهذا، والثاني قد يقود لضغوط ضمن ظروف معينة إلى العمل على إخلاء المنطقة من السلاح النووي مما يؤثر سلباً على “إسرائيل”.

    تاسعاً: الخوف من انعكاسات العولمة والنزعة العلمانية على الهوية اليهودية للمجتمع الإسرائيلي: [9]

    تأسست الدولة اليهودية على أساس الأسطورة الدينية، وترتب على ذلك جعل البعد الديني في البناء الفكري الصهيوني ركناً مهماً، لكن تنامي النزعة العلمانية بدأ يوجِد ردات فعل في قطاعات من المجتمع تعتبرها المؤسسة العسكرية تأثيرات سلبية على المجتمع والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في التخطيط الاستراتيجي للتفاعل مع التحولات الدولية والعلمية. ففي كانون الثاني/ يناير، أعلن رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي أيزنكوت أنه سيُزيل وحدة عمرها 15 عاماً مكرسة لـ”الوعي اليهودي”، وهي الإدارة المسؤولة عن تقديم الخدمات الدينية داخل صفوفها ويشرف عليها الحاخامات. وقد أثار فرع التوعية اليهودية بشكل دوري انتقادات من داخل الجيش وخارجه على حد سواء لدفعه إلى أجندة أيديولوجية ويمينية ودينية. ويشعر بعض الإسرائيليين العلمانيين بالقلق من أن كثرة المتدينين في الجيش، قد تؤدي إلى تساؤل الجنود عن من يجب أن يطيعوه: “ضابطهم أو الله”؟!. وكانت دراسة مفصلة أجرتها مجلة وزارة الدفاع معاراتشوت، أظهرت أنه بحلول سنة 2008، ارتفعت نسبة طلاب الضباط الدينيين الوطنيين عشرة أضعاف إلى 26% من 2.5% سنة 1990، وهي زيادة تقلق العلمانيين منهم.

    عاشراً: التباينات الطبقية: [10]

    تحتل “إسرائيل” طبقاً لمقياس جيني Gini، الذي يقيس الفروق الطبقية ومستوى عدالة توزيع الثروة، المرتبة 104 بين 176 دولة بمقياس 42.8 نقطة.

    وطبقاً لأرقام المراكز الإسرائيلية والبنك الدولي والسي آي ايه، يتوزع الدخل في “إسرائيل” على النحو التالي:

    1. الطبقة العليا العليا (الفئة الأولى من الأغنياء) (10% من السكان)، تسيطر على 27.7% من الدخل.

    2. الطبقة العليا العليا (الفئة الثانية من الأغنياء) (20% من السكان)، تسيطر على 44.2% من الدخل.

    3. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الأولى من الفقراء) (أدنى 10% من السكان)، لهم 1.9% من الدخل.

    4. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الثانية من الفقراء) (أدنى 20% من السكان)، لهم 5.20% من الدخل.

    5. الطبقة الوسطى (60% من السكان)، لهم 50.6% من الدخل.

    وتقع “إسرائيل” قياساً للدول الغربية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سوء توزيع الدخل، مع الإشارة إلى أن هذه الفروق الطبقية تتزايد في “إسرائيل” منذ 2009، وهو ما يعني التآكل في الطبقة الوسطى التي تعد الأهم في التوازن الاجتماعي طبقاً لكل دراسات علم الاجتماع السياسي.

    حادي عشر: دولة احتلال وهو نموذج ينقرض: [11]

    تظهر المؤشرات الكمية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن المناطق المحتلة من قوى أجنبية في العالم تراجعت بشكل متواصل على النحو التالي:

    السنة عدد المناطق
    1959 77
    1979 15
    1999 10
    2020 8

    ذلك يعني أن “إسرائيل” مفارقة للاتجاه العالمي الذي يميل نحو التحلل التدريجي من ظاهرة الاحتلال للآخرين التي هي ظاهرة قديمة.

    ثاني عشر: تزايد نسب الفساد في المجتمع الإسرائيلي: [12]

    على الرغم من التذبذب في معدلات الفساد في “إسرائيل”، فإن الاتجاه العام يميل بقدر ما إلى التزايد خلال الفترة الأخيرة. فقد تزايد معدل الفساد خلال الفترة 2011-2019 بحوالي 3 نقاط، وتقع “إسرائيل” في مرتبة متأخرة قياساً لبقية الدول الغربية الصناعية؛ فهي تحتل المرتبة 24 بين 35 دولة صناعية، والمرتبة 34 بين 180 دولة. والملاحظ في هذا الجانب تزايد ظهور كبار المسؤولين الإسرائيليين في قوائم الفساد (رئيس، ورؤساء وزراء، وأعضاء كنيست، وعسكريون،…إلخ)، ناهيك عن أن آخر استطلاع رأي عام أجراه المعهد الديموقراطي الإسرائيلي سنة 2019، يشير إلى أن حوالي 82% من المجتمع الإسرائيلي يظنون أن الفساد منتشر في الإدارات الإسرائيلية.

    ثالث عشر: غياب القيادات الكارزمية من المجتمع الإسرائيلي: [13]

    يكشف تكرار الانتخابات في سنة واحدة، وعدم القدرة على تشكيل حكومة على أن دور القائد الذي تلتف حوله الجموع في “إسرائيل” لم يعد قائماً، فالقيادات التاريخية الكارزمية (وايزمان، أو بن جوريون، أو بيريز، أو شارون…) لم تعد حاضرة بالقوة إياها. وترى بعض الدراسات الأمريكية أن الميل التدريجي للقيادات الإسرائيلية الحالية نحو السياسات الشعبوية يهدد مستوى الحريات السياسية في بيئة المجتمع الإسرائيلي.

    رابع عشر: التكدس الحضري: [14]

    تعد “إسرائيل” من ضمن الدول الأعلى بين دول العالم في الكثافة السكانية، حيث تصل نسبتها إلى 416 فرد في الكيلومتر المربع الواحد، وتحتل المرتبة 30 في الكثافة السكانية بين دول العالم. ويرى البروفيسور آلون تال من جامعة تل أبيب أن “إسرائيل” في طريقها لكارثة بيئية واجتماعية، ولتدهور نوعية الحياة، بسبب الكثافة السكانية التي تصل إلى حد الاختناق؛ إذ إن 92.3% من سكان “إسرائيل” يعيشون في المدن. ويرى القادة الإسرائيليون أن هناك مخاطر أمنية من التكدس الحضري، لأن ذلك يجعل الكتلة البشرية الأكبر من السكان عرضة للتهديد.

    خامس عشر: الحساسية تجاه خسائر العنصر البشري في المعارك الحربية: [15]

    تشير ردود الفعل الإسرائيلية تجاه خسائرها البشرية إلى عدم قدرتها على مواجهة خسائر عالية، ويسير الميجور جنرال اليعازر شتيرن Alazar Stern إلى أن أحد دوافع “إسرائيل” لإدارة الحرب مع حزب الله بشكل متردد هو الخوف من الخسائر البشرية، وأضاف إن الحساسية من الخسائر البشرية كان أمراً ملفتاً للنظر في حرب 2006. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت على ذلك في الماضي، وكان صانعو القرار في عملية أوسلو، وخصوصاً إسحق رابين، مدفوعين أيضاً بمثل هذه المشاعر التي يشاركهم فيها المجتمع الإسرائيلي. وكانت حركة الأمهات الأربعة التي دعت إلى الانسحاب أحادي الجانب من جنوب لبنان أحد العوامل التي أدت إلى قرار الحكومة في أيار/ مايو 2000 بالانسحاب. ويفسر هذا القلق نتائج دراسات إسرائيلية أجراها المعهد الديموقراطي الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، إذ تشير إلى أن 90% من الإسرائيليين يوافقون على قتل المدنيين الفلسطينيين إذا كان في ذلك تأمين للجندي الإسرائيلي.

    سادس عشر: القلق من الصورة الذهنية لليهودي في الذهن العربي: [16]

    طبقاً لاستطلاعات الرأي العام العربي، فإن معارضة الاعتراف بـ”إسرائيل” تزايدت من 84% سنة 2011 إلى 87% سنة 2018، كما أن الاتجاه العام يشير إلى تزايد مستمر طيلة هذه الفترة. وعلى الرغم من التوجهات الرسمية العربية، فإن الطرف الإسرائيلي ما يزال يرى أن نسبة عالية للغاية من المجتمع العربي تنظر لـ”إسرائيل” على أنها هي الأخطر على الأمن العربي.

    سابع عشر: المكانة الدينية لفلسطين: [17]

    تدل أغلب المؤشرات في العالم على اتساع قاعدة الحركات الدينية في العالم خلال الفترة منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين. كما أن دراسات علم الاجتماع السياسي تشير إلى أن النزاعات ذات البعد الديني تكون أكثر حدة وأكثر صعوبة في الوصول لتسوية. وتحدد أحد الدراسات عناصر التصادم في الحالة الفلسطينية من الزاوية الدينية في ثلاثة أبعاد: تباين قانون الحرب والسلام بين الإسلام واليهودية، وعدم قابلية الدين الإسلامي لحق أي جهة في السيادة على مساجد أو مراكز دينية لها قداستها في الدين الإسلامي، ومركزية المكانة الدينية للقدس. ويرى الخبراء الإسرائيليون أن هذه العقبات تجعل من تنامي الحركات الدينية في المدى المنظور أكثر خطورة على قبول العرب والمسلمين بالوضع الحالي.

    ثامن عشر: مستوى الاستقرار السياسي: [18]

    يدل تتبع المقاييس الدولية أن مستوى الاستقرار السياسي في “إسرائيل” ما زال سالباً، فطبقاً لمقياس كوفمان للاستقرار السياسي الذي يتراوح بين +2.5 إلى –2.5، فإن “إسرائيل” سجلت -0.88، واحتلت في الترتيب العالمي المرتبة 161 من بين 195 دولة، وفي مقياس آخر احتلت المرتبة 146 من بين 163 دولة. أما في الحريات المدنية، فقد احتلت “إسرائيل” المرتبة 101 من بين 167 دولة بمعدل 5.88 من عشرة، أما العنف المدني فقد سجلت “إسرائيل” 4 نقاط على مقياس من 7 درجات (حيث 7 تمثل الأعلى في العنف المدني).

    الخلاصة:

    تشير المؤشرات السابقة إلى أن في “بيت العنكبوت” ثقوب كثيرة تنتظر من يستغلها، ولا بدّ من إدراجها في بلورة رؤية استراتيجية متكاملة في إطار الصراع مع هذا الكيان الشاذ.


    [1] Site of Russian International Affairs Council, https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/analytics/israel-s-security-system-little-strategic-depth-but-profound-strategic-vision
    [2] Ian S. Lustick, The Red Thread of Israel’s “Demographic Problem”, site of Online Library, 25/3/2019, https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/mepo.12406; and Yotam Berger, Figures Presented by Army Show More Arabs Than Jews Live in Israel, West Bank and Gaza, Haaretz newspaper, 26/3/2018,
    https://www.haaretz.com/israel-news/army-presents-figures-showing-arab-majority-in-israel-territories-1.5940676
    [3] Neri Zilber, What Bolton’s Departure Means for Israel, site of Foreign Policy, 12/9/2019, https://foreignpolicy.com/2019/09/12/what-john-bolton-departure-means-for-israel-netanyahu-iran-trump/; David M. Halbfinger, Israelis Watch U.S. Abandon Kurds, and Worry: Who’s Next?, site of The New York Times, 8/10/2019, https://www.nytimes.com/2019/10/08/world/middleeast/israel-us-syria-kurds.html; Eric Cortellessa, New poll: Americans’ support for Israel falls to lowest point in a decade, site of Times of Israel, 6/3/2019, https://www.timesofisrael.com/new-poll-americans-support-for-israel-declines-to-lowest-point-in-a-decade/; and Shibley Telhami, Americans are increasingly critical of Israel, site of Brookings, 12/12/2018,https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/12/12/americans-are-increasingly-critical-of-israel/
    [4] BBC poll: Germany most popular country in the world, 23/5/2013, https://www.bbc.com/news/world-europe-22624104; and Zack Beauchamp, How does the world feel about Israel/Palestine?, 14/5/2018, https://www.vox.com/2018/11/20/18080086/israel-palestine-global-opinion
    [5] Mustafa Deveci, Ethiopian Jews suffer racism in Israel, 9/7/2019, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/ethiopian-jews-suffer-racism-in-israel/1526782; and Rachel Shenhav, How ‘cultural racism’ helps Israelis rationalize inequality, discrimination, 29/7/2019, https://www.972mag.com/cultural-racism-helps-israelis-rationalize-inequality-discrimination/
    [6] Itamar Rabinovich, Israel and The Changing Middle East, Middle East Memo, no. 34, Jan. 2015.
    [7] O. Ike Okoro and Nduka Lucas, “Weapons of Mass Destruction and Modern Terrorism: Implications for Global Security,” Asian Social Science Journal, Canadian Center of Science and Education, vol. 15, no. 3, 2019, Oluka https://www.researchgate.net/publication/331411546_Weapons_of_Mass_Destruction_and_Modern_Terrorism_Implications_for_Global_Security; Gary Ackerman and Michelle Jacome, “WMD Terrorism: The Once and Future Threat,” Prism Journal, National Defence University, Washington, D. C., vol. 7, no. 3, 2018, https://cco.ndu.edu/News/Article/1507339/wmd-terrorism-the-once-and-future-threat/; and J. P. Caves and W. Seth Carus, “The Future of Weapons of Mass Destruction: Their Nature and Role in 2030,” Center for the Study of Weapons of Mass Destruction Occasional, National Defence University Press, Washington, D. C., paper no. 10, 2014, https://ndupress.ndu.edu/Portals/68/Documents/occasional/cswmd/CSWMD_OccationalPaper-10.pdf
    [8] Thalif Deen, Israel’s Obsession for Monopoly on Middle East Nuclear Power, Inter Press Service (IPS) News Agency, 2015, http://www.ipsnews.net/2015/02/israels-obsession-for-monopoly-on-middle-east-nuclear-power/; and Drew Christiansen and Ra’fat Al-Dajani, Will there be a nuclear arms race in the Middle East?, site of National Catholic Reporter, 22/2/2016, https://www.ncronline.org/blogs/ncr-today/will-there-be-nuclear-arms-race-middle-east
    [9] Maayan Lubell, Israeli military struggles with rising influence of Religious-Zionists, Reuters News Agency, 15/4/2016, https://www.reuters.com/investigates/special-report/israel-military-religion/
    [10] Avi Waksman, Israeli Income Inequality Lowest in 20 Years, Haaretz, 13/12/2018, https://www.haaretz.com/israel-news/business/israeli-income-inequality-lowest-in-20-years-1.6743249
    [11] Eyal Benvenisti, The International Law of Occupation, 2nd ed. (UK: Oxford University Press, 2012).
    [12] Raoul Wootliff, Israel seen as slightly more corrupt in latest global index, Times of Israel, 22/2/2018, https://www.timesofisrael.com/israel-slides-down-world-corruption-index-amid-burgeoning-pm-graft-allegations/; Israel Corruption Index, https://tradingeconomics.com/israel/corruption-index; Gil Hoffman, Yonah Jeremy Bob, and Greer Fay Cashman, Israelis think their leadership is corrupt – IDI survey, The Jerusalem Post newspaper,, 7/1/2020,
    https://www.jpost.com/Israel-News/Israelis-think-their-leadership-is-corrupt-IDI-survey-613396; and Akiva Eldar, Israel plagued with political corruption, site of Al- Monitor, 22/2/2018, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/02/israel-political-corruption-society-netanyahu-democracy.html
    [13] Jonathan Freedland, It will take a leader of extraordinary charisma to deliver a Labour victory, The Guardian newspaper, 20/12/2019, https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/dec/20/extraordinary-leader-deliver-labour-party-victory; Aluf Benn, Has Netanyahu’s End Finally Come?, site of Foreign Affairs, 18/12/2019, https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/2019-12-18/has-netanyahus-end-finally-come; and Tamara Cofman Wittes and Yaël Mizrahi-Arnaud, “Is Israel in democratic decline?,” The Brookings Institution Center For Middle East Policy, 2019, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2019/03/FP_20190318_israel_decline_wittes_mizrahi-arnaud.pdf
    [14] Israel Population 2020, site of World Population Review, http://worldpopulationreview.com/countries/israel-population/; Tova Cohen, Steven Scheer, Israel’s soaring population: Promised Land running out of room?. Reuters, 25/9/2015,https://www.reuters.com/article/us-israel-demographics/israels-soaring-population-promised-land-running-out-of-room-idUSKCN0RP0Z820150925; Urbanization in Israel 2018, site of Statista, https://www.statista.com/statistics/455846/urbanization-in-israel/; and Gadi Eisenkot and Gabi Siboni, “Guidelines for Israel’s National Security Strategy,” The Washington Institute for Near East Policy, 2019, passim
    [15] Efraim Inbar, Casualty Intolerance, The Jerusalem Post, 19/11/2006; Martin Sherman, Defending Israel: Civilian casualties and common sense, site of Jewish News Syindicate, 25/11/2018, https://www.jns.org/opinion/defending-israel-civilian-casualties-and-common-sense/
    [16] “2017-2018 Arab Opinion Index: Executive Summary,” Arab Center Washington DC, 10/7/2018, http://arabcenterdc.org/survey/2017-2018-arab-opinion-index-executive-summary/
    [17] Muslim nations urge recognition of East Jerusalem as Palestinian capital, BBC, 13/12/2017, https://www.bbc.com/news/world-europe-42335751; and Yaacov Bar-Siman-Tov (ed.), Barriers to Peace in the Israeli-Palestinian Conflict (The Jerusalem Institute for Israel Studies, 2010), chap. 6.
    [18] Institute for Economics & Peace, Global Peace Index 2018: Measuring Peace in a Complex World, Sydney, June 2018, https://www.theglobaleconomy.com/Israel/political_violence_risk/; and Democracy Index 2018: Me too?, Political participation, protest and democracy, site of The Economist, https://www.eiu.com/public/topical_report.aspx?campaignid=democracy2018
  • دراسة علميَّة محكَّمة: معركة الكرامة 21 مارس 1968 كما تعكسها الوثائق البريطانية

    في الذكرى الثانية والخمسين لمعركة الكرامة، يسرنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم هذه الدراسة العلميَّة المحكَّمة، التي أعدها أ. د. محسن محمد صالح.*

    وتعد معركة الكرامة (21 آذار/ مارس 1968) أحد المفاصل التاريخية لحركة المقاومة الفلسطينية وللتاريخ المعاصر. إذ شكلت نقلة نوعية للعمل الفدائي الفلسطيني، الذي بدأ يعيش عصره الذهبي في الأردن. كما كانت إيذاناً بسيطرة حركة فتح على العمل الوطني الفلسطيني، وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

    وتحاول هذه الدراسة إلقاء أضواء جديدة على هذه المعركة من خلال دراسة الوثائق البريطانية غير المنشورة المتعلقة بالمعركة، التي سُمح بالاطلاع عليها بعد ثلاثين عاماً من وقوعها، والمحفوظة في مركز السجل العام Public Record Office، أو ما صار يعرف لاحقاً بالأرشيف الوطني National Archives The في لندن.

    وقد كان من الواضح أن تصاعد العمل الفدائي، المنطلق من قواعد له في غور الأردن قد دفع الكيان الإسرائيلي إلى القيام بهجوم واسع لتدميرها، خصوصاً في منطقة الكرامة. غير أن صمود الفدائيين والجيش الأردني وما بذلوه من تضحيات، قد أدى إلى نتائج معاكسة تماماً لخطط الإسرائيليين. إذ وقعت خسائر كبيرة نسبياً في القوات الإسرائيلية، وانكسرت أسطورتها بأنها تملك جيشاً لا يقهر. كما أدت إلى تصاعد شعبية العمل الفدائي ونفوذه خصوصاً في الأردن. وجعلت الكيان الإسرائيلي في حالة من الحيرة، إذ إن هجماته تزيد العمل الفدائي قوة وشعبية، كما أن سكوته يعطي هذا العمل فرصة للتوسع والتمدد.

    ويتقدم مركز الزيتونة بالشكر الجزيل للمجلة العربية للعلوم الإنسانية في جامعة الكويت، التي نشرت هذه الدراسة سابقاً، بالسماح للمركز بإعادة نشرها تعميماً للفائدة.

  • مركز الزيتونة يصدر دراسة تاريخية عن التنظيم الفلسطيني للإخوان المسلمين في الفترة 1949- 1967 ويوفرها للتحميل المجاني

  • مركز الزيتونة يصدر كتيب إنجازاته ”حصاد الزيتونة 2019“

    يقدّم هذا الكتيب تعريفاً بأعمال مركز الزيتونة وإنجازاته خلال سنة 2019، التي كانت بحمد الله كسابقاتها، سنة زاخرة بالإنتاج والعطاء. ويتضمّن الكتيّب عرضاً لأبرز ما أنتجه المركز من خلال خطوط عمله المتعددة؛ حيث يُقدّم تعريفاً موجزاً بالكتب الصادرة خلال سنة 2019.

    بالإضافة إلى عرض إنتاجه في كل من التقدير الاستراتيجي والترجمة، ونشرة “فلسطين اليوم”، والموقع الإلكتروني باللغتين العربية والإنجليزية، والمؤتمرات وحلقات النقاش، والدورات التدريبية وغيرها.

    كما يوفّر الكتيب نبذة عن نشاطات المركز في مجال التعاون العلمي والعلاقات العامة، فضلاً عن مشاركاته في المعارض، وتواصله مع وسائل الإعلام المختلفة.

    ويأتي توفير هذا الكتيّب لجمهور المركز ومتابعيه والمهتمين بأعماله بهدف زيادة مساحة التواصل معهم، وإطلاعهم عن كثب على سير عمل المركز وتطوّره، مع ترحيبنا عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. في هذا السياق، أملاً في الارتقاء سوياً بمستوى عمل المركز وإنتاجه.

  • مركز الزيتونة يعيد نشر ورقة عمل حول وعد بلفور في القانون الدولي للدكتور أنيس قاسم

  • مركز الزيتونة ينشر ملخص التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2018-2019 والتوقعات المستقبلية

    يسر مركز الزيتونة أن ينشر ملخص التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2018-2019 والتوقعات المستقبلية للسنتين القادمتين.

    يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني بشكل دوري منذ سنة 2005، وهذا الإصدار هو المجلد الحادي عشر من مجلدات التقرير. ويعالج التقرير، الذي قام بتحريره أ. د. محسن محمد صالح، قضية فلسطين خلال سنتي 2018 و2019 بالرصد والاستقراء والتحليل.

    ويتناول الأوضاع الداخلية الفلسطينية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش المشهد الإسرائيلي الداخلي، وأوضاعه السكانية والاقتصادية والعسكرية، ويسلط الضوء على عمليات المقاومة ومسار التسوية السلمية، كما يناقش المواقف العربية والإسلامية والدولية، من الشأن الفلسطيني.

    وهو تقرير شامل علمي موثق، شارك في إعداده 14 خبيراً وباحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني من نحو 400 صفحة.

  • مستقبل مدينة القدس … مخاطر حقيقية

  • مقال: الإخوان المسلمون الفلسطينيون ونشأة فتح (1)

    بقلم: أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    تشير الدلائل إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت الحاضنة الأولى لنشأة حركة فتح، وخصوصاً بين أفرادها من أبناء قطاع غزة. ويظهر أن عامة الإخوان كانوا يعدُّونها في البداية جزءاً منهم، أو على الأقل رصيداً لهم، غير أن الطرفين اتخذا خط الانفصال والتمايز عن بعضهما منذ صيف 1962.

    اطلعنا في مقال سابق على التنظيم العسكري السري، الذي أنشأه الإخوان في القطاع. والدارس لنشأة حركة فتح في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين يلاحظ، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن كثيراً من قادة هذا التنظيم وأعضائه، أصبحوا من الجيل المؤسس لحركة فتح. ويظهر أن عدداً كبيراً من هؤلاء قد أصابهم الإحباط نتيجة قيام عبد الناصر بضرب جماعة الإخوان سنة 1954، وتحَوُّلها إلى حركة مطاردة محظورة، وبعد أن تم تشويه صورتها وشيطنتها في الإعلام المصري. وبالتالي فالصورة المتميزة للإخوان كجماعة أدت أدواراً بطولية في حرب 1948، وكقوة شعبية كبيرة لها احترامها ونفوذها الواسع في قطاع غزة، وكحاضنة للعمل المقاوم، تضررت بدرجات مختلفة في أوساط الناس. بينما لم يعد كوادر الحركة أو “التنظيم الخاص” يجدون بيئة مناسبة للتجنيد ولا للعمل المقاوم، بعد أن أصبح اسم الإخوان مدعاة للخوف، إن لم يكن مدعاة للنفور. وبالتالي، لم يكن أمام هؤلاء الشباب الذين تملؤهم الحماسة للعمل لفلسطين ولمشروع المقاومة؛ إلا أن يحاولوا إيجاد مسارات أخرى مناسبة، حتى وإن ظلّ كثير منهم على حبه واحترامه للإخوان.

    ويظهر أن النقاشات التي تلت تعطُّل العمل المقاوم للإخوان الفلسطينيين، أوصلتهم إلى قناعة بضرورة إنشاء ما عرف لاحقاً بفتح. غير أن بؤرة هذا النقاش تركزت على ما يبدو وسط طلاب الإخوان في الجامعات المصرية سنة 1956 وبدرجة أقل في قطاع غزة، حيث نجد هناك أسماء أعضاء من الإخوان أصبحوا قيادات بارزة في فتح، أمثال خليل الوزير وسليم الزعنون ورياض الزعنون وغالب الوزير وسعيد المزين وعبد الفتاح حمود ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وفتحي بلعاوي وأسعد الصفطاوي وصلاح خلف.

    * * *
    المؤسسان أبو جهاد وأبو عمار:

    حسب خالد الحسن، أحد أبرز قادة فتح، فإن أبا جهاد خليل الوزير هو الذي بدأ حركة فتح، وهو رأي يؤكده عدد من رموز وقيادات الإخوان الفلسطينيين، ممن كانوا على احتكاك ومعرفة بأبي جهاد في تلك الفترة، أمثال محمد الخضري، وخيري الأغا، وسليمان حمد. وكان أبو جهاد من قادة التنظيم الإخواني السري العسكري الذي نظم عدداً من العمليات الفدائية في النصف الأول من الخمسينيات. وبحسب خليل الوزير، ففي هذه الأجواء بدأ التفكير بحركة “فتح” في منتصف الخمسينيات، وممن شاركه هذا التفكير كمال عدوان، الذي كان معه في الإخوان وفي العمل العسكري الخاص. وفي العام الذي قضاه خليل الوزير في مصر (الفترة 1955/1956) بقي على صلته بجماعة الإخوان الفلسطينيين في مصر، واحتفظ بموقع قيادي حسبما يشير الإخوان الذين عايشوه؛ لكنه على ما يبدو كان يُنضج مع زملائه فكرة فتح، كما توطدت علاقته بياسر عرفات (بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في أواخر شباط/ فبراير 1955)، الذي أخذ يشاركه الأفكار والتوجهات نفسها، في ضرورة إطلاق عمل فلسطيني مقاوم يأخذ صبغة وطنية.

    أما ياسر عرفات، فثمة شبه إجماع بين الإخوان الذين التقينا بهم على أنه لم يكن عضواً في جماعة الإخوان، ولكنه كان قريباً منها. وتلقى تدريباً عسكرياً في معسكرات الإخوان ضمن طلبة الجامعات في فترة المقاومة المصرية للإنجليز في قناة السويس 1951-1954، وفاز على قائمة الإخوان برئاسة رابطة الطلبة الفلسطينيين في مصر أكثر من مرة. أما الشخصان اللذان خالفا هذا الإجماع فهما منير عجور، وخيري الأغا. إذ يذكر خيري الأغا أن عرفات انضم لفترة محدودة للإخوان، وأن كمال السنانيري (من قيادات الإخوان المصريين) عينه مسؤولاً عن متابعة الإخوان الفلسطينيين، وأن نائبه كان قنديل شاكر (من قيادات الإخوان في الأردن لاحقاً)، وكان ذلك سنة 1952. غير أن الأغا نفسه، يشير إلى أن عرفات لم يستمر في الإخوان. وإذا ما صحت هذه الرواية، فلعل نفي الآخرين لانتظامه السابق بالإخوان يعود سببه إلى أنه انتظم لفترة قصيرة، وأنه لم يستمر بعد الضربة التي تلقاها الإخوان سنة 1954؛ وبالتالي فكل من التقاه بعد ذلك لم يجد له ارتباطاً بالإخوان. كما أنه لم يكن من مصلحته في تلك الفترة كشف أي علاقة سابقة له بالإخوان.

    إرهاصات فتح:

    أعاد الإخوان في قطاع غزة تنظيم أنفسهم أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع (31 تشرين الأول/ أكتوبر 1956-6 آذار/ مارس 1957) باتجاه العمل المقاوم. وبالنسبة لأبي جهاد، فقد عَدّ العدوان الثلاثي مرحلة جديدة في النضال، فبدأ التفكير بالحاجة إلى التنظيم والقيادة، والتوسع في النشاطات “والتوجه نحو تنظيم أوسع”. وهي عقلية تميل إلى تجاوز القيود الحزبية إلى أطر وطنية أوسع؛ بما يشير إلى بدايات تَشكُّل القاعدة النظرية لفكرة فتح. ومما يدل على ذلك أنه في أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع قدَّم ثلاثة من الإخوان، هم كمال عدوان وغالب الوزير وسعيد المزين (وثلاثتهم صاروا لاحقاً من قيادات حركة فتح) مقترحاً إلى قيادة الإخوان من عشرين صفحة، للتعاون مع القوميين واليساريين في العمل الشعبي وفي المجالات السياسية والإعلامية والعسكرية. غير أن قيادة الإخوان قررت عدم التعاون مع الشيوعيين (لرغبة الشيوعيين بالاقتصار على المقاومة المدنية فقط)، والعمل بشكل منفصل، والتجهيز للعمل العسكري ضد الاحتلال.

    وبعد ذلك ببضعة أشهر، وتحديداً في صيف 1957، قدَّم أبو جهاد تصوراً إلى قيادة الإخوان المسلمين في قطاع غزة؛ يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، وإنما يحمل شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح، ويقوم بالإعداد لذلك. ونوَّه أبو جهاد في مذكرته إلى أن هذا التنظيم سيفتح الأبواب المغلقة بين الإخوان والجماهير، وسوف يفكُّ حصار نظام عبد الناصر للإخوان، وسوف يُبقي قضية فلسطين حية، ويجبر الدول العربية على خوض الحرب.

    ويبدو أن قيادة الإخوان في غزة لم تأخذ المذكرة مأخذ الجد، فأهملتها ولم تردَّ عليها. وعلى ما يظهر فإن التوجه العام للقيادة كان يميل نحو التريث، والسلوك الأمني الحذر، والتركيز على التربية، والمحافظة على الذات، في أجواء ملاحقة النظام المصري (بعد عودته لإدارة القطاع). وربما انعكست طبيعة القيادة والتي تميل لعدم الدخول في مغامرات تراها غير محسوبة، في بيئة غير مواتية، على النظرة السلبية للمشروع. وعزز ذلك، أن أبا جهاد ورفاقه المتحمسين للفكرة كانوا يتصرفون بشيء من عدم الانضباط في نظرها، حسب معايير الترتيبات السرية الجديدة التي اتخذتها قيادة إخوان غزة.

    ولعل سبب هذه النظرة الحذرة من القيادة أن المجموعة الإخوانية التي مالت لإنشاء فتح، كان لديها استعدادات كبيرة للانفتاح الشعبي والسياسي والحركي، والتعبير عن نفسها من خلال لافتة وطنية، وبالتالي كانت أكثر جرأة وأكثر قدرة على التواصل مع البيئة الخارجية، بأسلوب “عملي” فعال؛ مقابل القيادة التي ركّزت على لملمة الصف، والحفاظ على الذات، والتركيز على التربية والإعداد المُتأنِّي، بانتظار فرصة أفضل لإطلاق “المشروع الإسلامي لفلسطين”.

    التأسيس في الكويت:

    عندما قدم ياسر عرفات إلى الكويت سنة 1957، عمل مهندساً في دائرة الأشغال العامة، ثم لحقه خليل الوزير الذي عمل مدرساَ في إحدى مدارس وزارة التربية، حيث أخذا ينشران فكرة فتح في الوسط الإخواني (وهو وسطهما الطبيعي). وكانا على معرفة بمعظم الخريجين من شباب الإخوان الذين وفدوا إلى الكويت.

    وكان لوجود اثنين من قيادة التنظيم الإخواني الخاص (هما يوسف عميرة ومحمد أبو سيدو) ممن سبقا خليل الوزير في القدوم للكويت، أثر كبير في تهيئة الظروف المناسبة لنشأة فتح في الوسط الإخواني الفلسطيني في الكويت. فقد كان يوسف عميرة يدير أسرة مجموعة قدماء الإخوان في الكويت، وكان ممثّل الفلسطينيين لدى الجهات الإخوانية في الكويت، وهو الذي عَرَّف سليمان حمد بياسر عرفات وبخليل الوزير سنة 1957. أما محمد أبو سيدو فكان على علاقة قوية بخليل الوزير، من خلال الدور القيادي الذي لعبه في التنظيم الخاص. وهؤلاء الثلاثة انضموا لفتح منذ تأسيسها. وقد أسهم ذلك في إيجاد بيئة إخوانية مناسبة للتجاوب مع حركة فتح، ولذلك نلاحظ أن معظم الإخوان الفلسطينيين البارزين الذين جاؤوا للكويت في تلك الفترة انضموا لحركة فتح، أمثال موسى نصار، وأبو أيمن حسن المدهون، وأبو عودة حسين الثوابتة، ومنير عجور.

    ومن الشخصيات التي أشار يزيد صايغ، في دراسته، إلى انتمائها السابق للإخوان؛ عادل عبد الكريم، وهو ممن قدم مبكرا ً للعمل في الكويت. وبالتالي فإن ثلاثة من الخمسة الذين حضروا اللقاء التأسيسي لفتح، حسبما ذكر خليل الوزير (الوزير وعميرة وعادل عبد الكريم)، كانوا ذوي خلفية إخوانية إضافة إلى عرفات وتوفيق شديد. وبعد اعتذار شديد منذ اللقاء التالي، تابع قيادة فتح هؤلاء الثلاثة الذين اختاروا عرفات المقرّب من الإخوان رئيساً لهم.

    في قطاع غزة:

    يبدو أن قيادة الإخوان في قطاع غزة، التي تمكنت من إعادة ترتيب التنظيم بعد ضربة عبد الناصر للإخوان كانت أكثر صرامة في ضبط عناصرها ومعايير التزامهم. فقد تعاملت مع العديد من العناصر التي أسست فتح في القطاع كعناصر غير منضبطة، ولم تُدخلها في بُنية التنظيم، باعتبار أن انضمامها كعناصر مكشوفة يمثل خطراً على “سرية” التنظيم؛ ولكنها أبقت على التعامل معها كإخوان في الإطار “الأخوي” الاجتماعي العام. ويبدو أن هذا السلوك القيادي، أدى ضمناً وعملياً، إلى اندفاع هذه العناصر بشكل أكبر تجاه المضي بإنشاء فتح.

    ويعترف أبو عزة الذي كان في قيادة إخوان غزة، أن طرح عناصر فتح كان “منطقياً، وتتولاه عناصر قيادية إخوانية موثوقة”. وأنه خلال ثلاث سنوات (1957-1960)، وقبل أن تتوصل قيادة إخوان غزة إلى إجابات وتصورات واضحة، في مقابل طرح فتح، كان الإخوان قد فقدوا أفراداً من أفضل عناصرهم؛ وإن “موثوقية وقيادية دعاة فتح في الإخوان، سهَّلت عليهم اقتناص أفراد كثيرين وممتازين من الإخوان”.

    ومن أبرز الشباب ذوي الخلفية الإخوانية الذين أسسوا فتح في قطاع غزة؛ سليم الزعنون الذي عَمِل وكيل نيابة بعد تخرجه وعودته للقطاع، وصلاح خلف وأسعد الصفطاوي اللذان عملا بعد تخرجهما في مدرسة خالد بن الوليد قرب مخيم النصيرات، وكذلك سعيد المزيَّن (أبو هشام)، وغالب الوزير، وفتحي بلعاوي. كما كان معهم في التأسيس الشيخ هاشم الخزندار، الذي كان نائباً لرئيس المكتب الإداري لإخوان غزة، ورئيساً لشعبة الرمال، قبل قيام عبد الناصر بحل جماعة الإخوان. كما انضم رياض الزعنون لقيادة فتح في غزة، بعد تخرجه من كلية الطب في القاهرة.

    يتبع/ المقال القادم حول بدايات فتح في مصر والضفة الغربية والأردن وقطر ولبنان وسوريا.

  • مقال: الإخوان المسلمون الفلسطينيون ونشأة فتح (2)

    بقلم:أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    أشرنا في المقال السابق إلى علاقة الإخوان المسلمين الفلسطينيين ببدايات فتح في الكويت وقطاع غزة. ونتابع في هذا المقال الإشارة إلى هذه العلاقة في بعض البلدان الأخرى:

    مصر:

    كما ذكرنا سابقاً، فإن بؤرة النقاش التي أدت لفكرة فتح، تركزت على ما يبدو وسط طلاب الإخوان في الجامعات المصرية، خصوصاً سنة 1956. ظهرت الدعوة لفتح في القاهرة سنة 1958 تقريباً، وقد حاول ياسر عرفات إقناع زميله عدنان النحوي، مسؤول الإخوان الفلسطينييين، بالانضمام لفتح، وضم من معه من الإخوان إليها، لكنه لم ينجح، غير أن فتح أخذت تنتشر في الوسط الإخواني بشكل فردي هادئ.

    واختار رواد فتح الأوائل في القاهرة، على الأغلب، الاستمرار في عضوية الإخوان، في بدايات مشوارهم مع فتح، ومالوا إلى متابعة تجنيد من يمكن تجنيده من الإخوان، ثم انسحبوا لاحقاً بشكل هادئ. وكان من أبرز النماذج رياض الزعنون الذي كان مسؤولاً بارزاً في العمل الطلابي الإخواني في القطاع، وفي مراحل دراسته الأولى في القاهرة. وكان هناك عبد الله صيام، الذي كان من أبرز الناشطين العمل العسكري الإخواني الخاص إلى جانب خليل الوزير. وقد حاول صيام في أثناء إقامته في القاهرة أن يُجنّد أعضاء أسرته الإخوانية في فتح، وكان من بين أفراد الأسرة محمد صيام وعبد الرحمن بارود.

    الضفة الغربية وشرق الأردن:

    في الأردن، بما في ذلك الضفة الغربية (التي كان قد تم توحيدها مع شرق الأردن منذ سنة 1950)، مثَّل الإخوان حاضنة مهمة وأساسية لبدايات حركة فتح. وبحسب هاشم عزام، الذي كان من الإخوان الذين انتموا لفتح في أواخر الخمسينيات، فإن قادة الثورة (فتح) في الأردن "كلهم كانوا إخوان مسلمين في البداية".

    ويظهر أن مخيم عقبة جبر قرب أريحا (حيث كان يقيم فيه نحو 70 ألف لاجئ) كان أحد أبرز محاضن بدايات فتح في الضفة الغربية. فقد كان من أوائل القادمين إليه (ممن أصبحوا من مؤسسي فتح) حمد العايدي (أبو سامي) الذي كان مساعداً لخليل الوزير في العمل العسكري الخاص للإخوان في القطاع، إذ هرب من القطاع سنة 1954. فقد تولى مسؤولية قسم الطلاب في شعبة الإخوان في المخيم؛ كما تولى أمانة سر الشعبة نفسها. واستقر في المخيم سنة 1957 عبد الفتاح حمود بعد تخرجه مهندساً للبترول من جامعة القاهرة، وكان نائباً لرئيس رابطة الطلبة الفلسطينيين (ياسر عرفات، ثم صلاح خلف)، وكان من نشطاء الإخوان البارزين. وقد استلم حمود رئاسة قسم الطلاب في عقبة جبر خلفاً للعايدي، وحقق قفزة نوعية في تنظيم الطلبة الإخوان، وفي الشعبة ككل. وبحسب هاشم عزام، فقد كانت بداية العمل مع فتح في سنة 1959، بناء على ترتيبات قام بها عبد الفتاح حمود.

    وانتقل للإقامة في مخيم عقبة جبر محمد يوسف النجار، الذي كان من قادة النظام الخاص للإخوان في منطقة رفح، وكان من أطول القيادات المؤسسة لفتح إقامة في المخيم. وقد غادر للعمل في قطر سنة 1960.

    وفي القدس كان من الإخوان القياديين الذين انضموا لفتح رمضان البنا، الذي كان سكرتيراً لكامل الشريف في المؤتمر الإسلامي في القدس. ومن القدس أيضاً زكريا قنيبي وموسى غوشة (شقيق إبراهيم غوشة).

    وفي شرق الأردن في عمَّان، كان من رواد فتح من ذوي الخلفية الإخوانية محمد غنيم (أبو ماهر)، وعبد الله جبر، ومحمد أبو سردانة (وكان في التنظيم الخاص في قطاع غزة مساعداً لخيري الأغا).

    وفي الأردن أيضاً، حافظ خليل الوزير على علاقته القوية بكامل الشريف، الذي كان قائداً لأبي جهاد ضمن التنظيم الخاص من مكان إقامته في العريش. وحسب الشريف نفسه، فمنذ تأسيس فتح كان أبو جهاد وعرفات كثيراً ما يرجعون إليه مستشيرين فيما يتعلق بالحركة. وعندما انعقد المؤتمر التأسيسي لفتح سنة 1962 أصرَّت قيادة فتح على حضور الشريف للمؤتمر، وقام خليل الوزير ورمضان البنا بأخذه إلى الكويت من لاجوس (عاصمة نيجيريا) حيث كان سفيراً للأردن هناك.

    وهناك شخصيتان قياديتان فتحاويتان (من أبناء الضفة الغربية) أشار يزيد صايغ إلى خلفية إخوانية لهما، دون أن تسعفنا المعلومات المتوفرة لدينا بتأكيد ذلك، هما ماجد أبو شرار وأحمد قريع.

    قطر:

    تمثل قطر حالة فريدة في البيئة الإخوانية التي تمكنت عناصر فتح فيها من التموضع القيادي في التنظيم، و"اقتناص" وتجنيد أفراد الإخوان فيها. فمن ناحية كان رفيق النتشة الذي وصل لقطر سنة 1958 مسؤولاً عن الإخوان القادمين من الأردن (شرق الأردن والضفة الغربية)؛ بينما كان محمد يوسف النجار الذي وصل لقطر سنة 1960 مسؤولاً عن الإخوان الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة. وسهَّل مهمتهما أن الإخوان المصريين (وكانوا أصحاب نفوذ خصوصاً في دائرة التعليم (المعارف)، التي أصبحت وزارة التربية لاحقاً) كانوا ينظرون بإيجابية لفتح وعناصرها القيادية، بل ويعتبرونها حركة "إخوانية".

    وقد قوّى من وضع فتح في الوسط الإخواني في قطر قدوم أحمد رجب عبد المجيد الأسمر، وسعيد تيم، وكمال عدوان وعبد الفتاح حمود، وفتحي البلعاوي.

    لبنان:

    كانت جماعة عباد الرحمن تمثل الوجه المعلن للإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين، وكان توفيق راشد حوري، نائب الأمين العام لجمعية عباد الرحمن منذ الخمسينيات، واستمر في منصبه فترة طويلة. وكان لقادة فتح المؤسسين (خصوصاً خليل الزير وياسر عرفات) علاقة قوية بحوري؛ وهو الذي وفر لهم الغطاء لإصدار مجلة "فلسطيننا"، التي كانت أداة رئيسية لنشر فكر فتح، وهو الذي صاغ البيان الأول لانطلاقة حركة فتح. وهناك أيضاً العضو في جماعة عباد الرحمن هاني فاخوري الذي كان له دور أساس في ترتيبات جمع التبرعات وتحويل الدعم المالي لصالح حركة فتح.

    وفي الوسط الفلسطيني في لبنان، كان محمد عبد الهادي (أبو الهيثم) من أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً قيادياً حركياً منذ الخمسينيات، فقد كان مسؤولاً في جماعة عباد الرحمن في مخيم عين الحلوة. وذكر عبد الهادي لكاتب هذه السطور بأن ياسر عرفات كان يحضر إلى صيدا، وينام في بيوت الإخوان، ومن بينهم أحمد الأطرش. وكان أحمد الأطرش من أوائل شباب الإخوان الذين التزموا مع حركة فتح، واستشهد في التدريب خلال إحدى الدورات العسكرية. وقد عُيّن محمد عبد الهادي مسؤولاً إعلامياً في أول مكتب حركي لفتح تشكل في المنطقة؛ حيث عمل في مجال التعبئة.

    سوريا:

    وبحسب دراسة يزيد صايغ، فإن هاني الحسن ومحمود عباس كانا من بين كثيرين من الشبان الفلسطينيين الذين انضموا للإخوان المسلمين في سوريا في أوائل الخمسينيات. غير أن معظم مصادر الإخوان تنفي أو لا تشير إلى انضمام محمود عباس للإخوان، عدا مصدر واحد هو عبد الله أبو عزة، ولعل هذا الانتماء كان لفترة ضئيلة في أثناء إقامته في سوريا.

    السعودية:

    كان خليل الوزير من أوائل من ذهب للسعودية، ورتب لعدد من رفاقه العمل فيها منذ منتصف الخمسينيات؛ غير أن أبا جهاد لم يمكث فيها إلا قليلاً.

    ومن أوائل من استقروا في السعودية ممن كان لهم دور تأسيسي في فتح، ومن ذوي الخلفية الإخوانية، سليمان أبو كرش (أبو خالد)، وسعيد المزين ( أبو هشام) المعروف بـ"فتى الثورة" وهو من أبرز شعراء الثورة الفلسطينية. وهناك أيضاً عبد الفتاح حمود وكمال عدوان اللذان عملا في المنطقة الشرقية قبل أن ينتقلا إلى قطر.

    تقييم:

    نلاحظ مما سبق أن جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينيين، كانت الحاضنة الأولى لنشأة حركة فتح، وخصوصا بين أفرادها من أبناء قطاع غزة. ولكن المبادرة لإنشاء هذه الحركة لم تكن بقرار من قيادة الإخوان الفلسطينيين في قطاع غزة، وإنما من عدد من القيادات التي كانت تتمتع بدينامية عالية، وتملك قدرا كبيرا من النشاط والتأثير في الأفراد. حيث كان أعضاء الإخوان ينظرون إلى هذه القيادات باحترام ويفترضون (في جو العمل السري) أن ما يصدر عن هذه القيادات هو توجه الإخوان، خصوصا أولئك الذين يصعب عليهم الاتصال المباشر بالقيادة، كأفراد الإخوان في الكويت وقطر والسعودية.

    إن رواد فتح اختطوا مسارها بعد أن لم تتجاوب قيادة الإخوان في قطاع غزة مع المشروع الذي قدموه لها في صيف 1957، بإنشاء ما عرف لاحقا بحركة فتح، ووجدوا أن عليهم أن يأخذوا زمام المبادرة بأنفسهم دون مزيد من الانتظار، حتى تُغيِّر هذه القيادة قناعاتها، أو حتى تتحسَّن الظروف التي قد تؤدي إلى ذلك. ولم يكن خلاف الإخوان الفلسطينيين مع فتح على فكرة المقاومة والجهاد، ولا على العمل في إطار وطني، وإنما على التوقيت، وإمكانات النجاح، والقدرة على التحكم في مسارات الحركة. وكانت قيادة الإخوان ترى أن ظروف الملاحقة الأمنية الشرسة للإخوان، وصعوبة العمل العلني أو شبه العلني المنظم، لا توفر حدا أدنى لنجاح العمل، خصوصا إذا ما أراد الإخوان أن يسير ضمن معاييرهم، أو إن كُشفت علاقته بالإخوان.

    غير أن خروج عناصر فتح بشكل عام كان هادئا وليس حادا. أما الصدامات التي وقعت في قطر، فكانت أساسا نتيجة رغبة القيادات الفتحاوية في البقاء في مواقع النفوذ في التنظيم الفلسطيني، وليس بسبب الرغبة بالخروج.

    وقد تعرَّض تنظيم الإخوان الفلسطينيين لهزة كبيرة، بخروج عدد لا يستهان به من عناصره القيادية التي شكلت حركة فتح، وهي عناصر نوعية تميزت بالكفاءة والحيوية وروح المبادرة؛ ومعظمها كانت قيادات وكوادر أساسية في العمل العسكري الخاص، الذي شكَّله الإخوان في النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين. (وقد ذكرنا في الحلقتين السابقتين أسماء الكثير من المؤسسين في الكويت وقطاع غزة والضفة الغربية والأردن والسعودية وقطر ومصر وسوريا ولبنان)، وإن عدم قيام قيادة الإخوان الفلسطينيين من أبناء القطاع بترتيب بنيتها التنظيمية الداخلية، وضبط العلاقة بأفرادها الذين انتقلوا للإقامة في الخارج، إلاَّ في مطلع الستينيات؛ قد أعطى حركة فتح مساحة واسعة للعمل في الوسط الإخواني؛ حيث أسهمت "البيئة الرخوة" و"المنطقة الرمادية" في تسهيل قيام العديد من رموز الإخوان الذين أصبحوا قيادات في فتح بتجنيد الكثير من أفضل الكفاءات والطاقات الإخوانية، قبل أن يلملم تنظيم الإخوان المسلمين في قطاع غزة نفسه، ويوسع دائرة فروعه للأقطار العربية (عدا الأردن) ويأمر أعضاءه بالتمايز عن فتح.

    وقد استفاد مؤسسو فتح من خبرتهم التنظيمية والأمنية والعسكرية في الإخوان، وتحديدا في العمل الخاص؛ حيث شكل ذلك رصيدا مهما، أمكن الاستفادة منه في بناء التنظيم الجديد، وقاعدة انطلاق لحركة فتح. كما استفادوا من خبرة زملائهم ممن شاركوا مع متطوعي الإخوان في حرب القناة ضد الإنجليز (1951-1954) وتحديدا ياسر عرفات، كما استفادوا من خبرة زملائهم ممن شاركوا في حرب 1948 وتحديدا يوسف عميرة وكامل الشريف.

    إن القراءة المتأنية لسلوك عناصر الإخوان التي شاركت في فتح في السنوات الثلاث الأولى من نشأتها على الأقل (1960-1957)، تشير إلى أن الكثير من هذه العناصر استمر في عضويته في الإخوان، واستفاد من موقعه القيادي والتنظيمي في تجنيد عناصر الإخوان النوعية، لدرجة أشعرت قيادة الإخوان الفلسطينيين بنوع من "التهديد الوجودي" لتنظيمهم على حد تعبير عبد الله أبو عزة، أحد أبرز قيادات الإخوان. ومن ثمّ، فإن ترعرع فتح وانتشارها في الحاضنة الإخوانية، كان سببا رئيسيا لدفع قيادة الإخوان في غزة لإعادة بناء التنظيم الفلسطيني، وتوحيده تحت قيادة واحدة، واتخاذ قرار التمايز والمفاصلة مع فتح. وفي الوقت نفسه، لم يكن ثمة إجماع في الوسط القيادي الإخواني الفلسطيني على المفاصلة مع فتح؛ حيث ظلت بعض الأصوات تنادي بضرورة أو المشاركة الكلية أو الجزئية على الأقل، كما في آراء سليمان حمد ومحمد الخضري. وهو ما أثمر لاحقا في معسكرات الشيوخ.

    من جهة أخرى، فقد استفادت قيادات فتح ذات الخلفية الإخوانية من شبكات العلاقات وإمكانات الدعم المادي والمعنوي، التي وفرتها جماعات الإخوان في مختلف الدول سياسيا وماليا وإعلاميا وعسكريا؛ مما مهّد لفتح وسائل انتشار ودعم لوجيستي مبكرة. إذ إن العديد من قيادات تنظيمات الإخوان ظلت تتعامل بشكل إيجابي مع فتح، ولم تلتزم بالضرورة بموقف الإخوان الفلسطينيين منها، حتى بعد قرار المفاصلة، كما رأينا في نماذج من الإخوان المصريين والكويتيين والأردنيين والسوريين.

    وعلى أي حال، فلا ينبغي للإخوان أن يبالغوا في نسبة حركة فتح إليهم، كما لا ينبغي لحركة فتح أن تتنكر لجذورها وبداياتها الأولى، فإذا كان الإخوان هم المحضن الذي خرجت منه الفكرة وبداياتها الأولى، فإن فتح لم تنشأ بقرار من قيادة الإخوان ولا وفق خططهم، كما أن مشروعها لم يحمل أيديولوجية الإخوان، ولا الضوابط التي تضمن سيره كمشروع يخدم أهدافهم. وعندما طالبت قيادة الإخوان في غزة بالإشراف المباشر على فتح، رفضت قيادة فتح ذلك. وهذا، وإن كان يدل على وجود صلة قوية بين الإخوان وفتح، إلا أنه يدل على أن قيادة فتح كانت تملك من الجرأة والثقة ما جعلها ترفض التوجيه، كما يدل أن فتح كانت قد اختطت منذ أمدٍ خطا مستقلا في التعبئة والتنظيم والعمل.

    وربما تعود حالة الالتباس لدى العديد من الباحثين حول نشأة فتح، إلى أن بعض القيادات الفتحاوية التي اتجهت اتجاهات علمانية أو قومية أو وطنية مختلفة، حاولت أن تنفي لاحقا خلفياتها الإخوانية (كما فعل صلاح خلف/ أبو إياد)، أو أن تقلل المدى الزمني لعضويتها، خصوصا أن التجربة الإخوانية تحولت إلى فترة عابرة في حياتها، كما لم يكن ثمة مصلحة في ذكر هذه الخلفية، في ضوء حالة العداء والنظرة السلبية للإخوان التي طبعت سلوك العديد من الأنظمة العربية، وخصوصا النظام المصري. ثم إن حالة التنافس التي نشأت وتصاعدت لاحقا مع جماعة الإخوان الفلسطينيين وحماس، دفعت باتجاه محاولة التخفيف من الخلفية الإخوانية لهؤلاء. وفوق ذلك، فإن الإخوان أنفسهم لم يكتبوا إلا قليلا حول الخلفيات التاريخية لنشأة فتح، في الوقت الذي لم يصل مؤرخو الحركة الوطنية الفلسطينية إلى العديد من شهود المرحلة من الإسلاميين الذين ظلوا على التزامهم "الإخواني"، بينما سجلوا الشهادات التاريخية لمناضلي فتح.

    وثمة ملاحظة أخيرة ومهمة، هي أن بعضا من القيادات الفتحاوية راعت حساسية ياسر عرفات ورمزيته، بعدم التركيز على تجربة العمل المقاوم التي سبقته؛ وهو ما أشار إليه محرر مجلة الدراسات الفلسطينية في استنتاجه لماذا قام خليل الوزير (أبو جهاد) بإتلاف معظم نسخ كراس "حركة فتح: البدايات" وإيقاف توزيعه؛ من أنه يُرجِّح أن ذلك يعود للرغبة في عدم إغضاب ياسر عرفات وصلاح خلف، لأن فترة العمل العسكري في النصف الأول من الخمسينيات لا تشير لدور لهما في ذلك، وتمّت قبل لقائه الأول بعرفات. من ناحية ثانية، فإن أبا جهاد في كراسه الذي أعد سنة 1986 بدا أكثر حذرا في الإشارة إلى الإخوان من مقابلته التي أجراها مع سلوى العمد في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1980. (انظر: خليل الوزير، "حركة فتح: البدايات،" مجلة الدراسات الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 104، خريف 2015).

    وعلى سبيل المثال، في مراعاة الحساسيات، فإن فتحي البلعاوي لم يتطرق في أوراقه لانتخابات الدورة الثالثة لرابطة طلبة فلسطين في مصر؛ ربما (كما أشار معين الطاهر الذي حرر الأوراق) لأنه في تلك السنة ترأس عبد الفتاح حمود قائمة الإخوان في مواجهة قائمة منافسة شكلها ياسر عرفات حيث فازت قائمة الإخوان بكافة المقاعد، لأن البلعاوي عندما تحدث عنها كان لا يرغب في إحراج ياسر عرفات؛ الذي أصبح لاحقا زعيما للشعب الفلسطيني، بينما أصبح البلعاوي نفسه عضوا (وإن كان مؤسسا) في حركة فتح التي يترأسها عرفات. (انظر: معين الطاهر، "بين تأسيس رابطة طلاب فلسطين ومقاومة الإسكان والتوطين: أوراق فتحي البلعاوي،" مجلة أسطور، العدد 5، كانون الثاني/ يناير 2017).

    وأخيرا، فليس ثمة "إنجاز" تاريخي كبير من الفكرة التي يريد المقال توصيلها، وإنما هي محاولة بسيطة لوضع بعض النقاط في سياقها التاريخي الصحيح. وعلى كل حال، فليس ثمة كثير فخر الآن لدى فتح بخلفيتها الإخوانية، وليس ثمة كثير فخر لدى الإخوان بخلفية فتح؛ خصوصا أن تأثير الخلفية اقتصر على البدايات الأولى، إذ لم يطل الزمان بفتح إلى أن تحولت إلى حركة علمانية براغماتية بهوية وطنية، ومسارات نضالية واجتهادات سياسية خاصة.

    ولعل أبرز درسين من هذه التجربة؛ أن العمل لفلسطين قد يحتمل تخفيف قوة الموجة، لكنه لا يحتمل الانكفاء والانعزال؛ وإن حدث فهو للاستثناء وللضرورة التي تقدر بقدرها. وإن عدم قدرة جماعة الإخوان على استيعاب وتوجيه طاقة مجموعة من أفضل كفاءاتها (لأسباب ذاتية وموضوعية)، قد أدى إلى خسارتها، وإلى ملء هذه الكفاءات للساحة الفلسطينية بطريقة أثَّرت لاحقا على المسار الوطني الفلسطيني. والدرس الثاني هو لأولئك الذين لا ينتبهون إلى ضبط مساراتهم وحسم خطوطهم الحمراء (العقائدية والأيديولوجية)، ويستجيبون للتكتيكات والاعتبارات البراغماتية المصلحية، ويتخففون من التزاماتهم (الدينية والسلوكية والفكرية)، قد يجدون أنفسهم في نهاية المطاف، وقد ابتعدوا عن أهدافهم، وتغيرت معاييرهم، وتضاءلت قيمهم. وربما وجد بعضهم نفسه في أحضان خصومه!!

  • مقال: الانتخابات وأزمة المنظومة السياسية الإسرائيلية

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    دخل النظام السياسي في الكيان الإسرائيلي في أزمة سياسية كبيرة، مع فشل الأحزاب الإسرائيلية في تشكيل حكومة تحظى بأغلبية النصف زائد واحد في الكنيست (61 مقعداً). وهو الفشل الثاني خلال بضعة أشهر، مما يرجح الذهاب إلى انتخابات عامة ثالثة خلال أقل من عام لأول مرة في تاريخ الكيان الإسرائيلي. ويترافق ذلك مع توجيه اتهامات رسمية لنتنياهو بالفساد وخيانة الأمانة؛ وهي المرة الأولى في تاريخ الكيان التي توجه فيها اتهامات لرئيس وزراء إسرائيلي في أثناء قيامه بهذه الوظيفة؛ وهو ما يزيد المشهد الإسرائيلي الداخلي تعقيداً وتأزيماً.

    إشكالية المنظومة السياسية:

    يعود جانب من أسباب هذه الأزمة إلى النظام السياسي الإسرائيلي، الذي ينظم الانتخابات التشريعية (البرلمانية) على أساس النسبية الكاملة، وعلى أساس التعامل مع “إسرائيل” كدائرة انتخابية واحدة. وهو نظام يعكس تمثيلاً أدق لمختلف المكونات والقوى الحزبية؛ لكنه يُضعف من إمكانية أي حزب من الحصول على الأغلبية المطلقة؛ ويجعل الأحزاب الكبيرة عرضة لابتزاز الأحزاب الصغيرة، التي كثيراً ما تتمكن من فرض بعض شروطها حتى يتمكن أي حزب كبير من استكمال النصاب المطلوب. وهذا ما يُضعف الاستقرار السياسي لأي بلد.

    ومن الناحية التاريخية فلم يتمكن أي حزب إسرائيلي من الحصول على أغلبية مطلقة منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي قبل أكثر من 71 عاماً. غير أن هذه الأحزاب لكونها كلها منتمية إلى الحركة الصهيونية سواء أكانت يسارية أم يمينية أم دينية؛ ولكون التوجهات الحزبية مجرد أدوات أو وسائل ضمن المشروع الصهيوني (الحزب الكبير الذي يضم الجميع)؛ فإن صهيونيتها عادة ما تكون “صهيونية توفيقية” لا يصعب عليها إقامة تحالفات وائتلافات يبدو ظاهرها متناقضاً كما في البلدان الأخرى، كتشكيل حكومات من أحزاب يسارية ودينية مثلاً. ولذلك، نادراً ما وجدت أزمات من هذا النوع الذي تجد المنظومة السياسية الإسرائيلية نفسها فيه هذه المرة.

    لم تؤدِّ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة للكنيست الثاني والعشرين، التي عقدت في 17/9/2019، إلى نتائج حاسمة. ولم تختلف كثيراً عن نتائج انتخابات الكنيست السابق التي عُقدت في 9/4/2019. فأصبح حزب الليكود يملك 32 مقعداً مقارنة بـ 35 مقعداً، وأصبح حزب أزرق أبيض يملك 33 مقعداً مقارنة بـ 35 مقعداً. وأصبح حزب “الجنرالات” أزرق أبيض بقيادة بيني جانتس يملك من الناحية الرسمية الشكلية حق تشكيل الحكومة؛ غير أن الكتلة التي كان يستطيع ضمها إلى تحالفه (يسار الوسط) لم تزد عن 44 مقعداً (أزرق أبيض 33، والعمل – جيشر 6، والمعسكر الديموقراطي 5). وكان هناك عشرة نواب من القائمة العربية المشتركة مستعدون لإسناد هذا الائتلاف، دون ضرورة الدخول في حكومته، ليصبح لديه 54 مقعداً. أما الليكود بقيادة نتنياهو فالكتلة اليمينية التي تدعمه يبلغ مجموعها 55 مقعداً (الليكود 32، شاس 9، يهدوت هتوراة 7، يمينا 7) ولذلك حظيَ أولاً بفرصة تشكيل الحكومة.

    أما حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة ليبرمان فقد عزّز موقعه بعد أن زاد مقاعده إلى ثمانية مقاعد بعد أن كانت خمسة في الانتخابات السابقة. وقد جعل هذا الحزب من نفسه “بيضة القبّان”؛ فبالرغم من طبيعته اليمينية المتعصبة إلا أنه تسبب في إفشال تشكيل نتنياهو لحكومة يمينية بعد الانتخابات السابقة. والسبب أن يمينيته القومية الليبرالية تعارضت مع يمينية الأحزاب الدينية، وتحديدياً في إصراره على التجنيد الإجباري للحريديم (المتدينين اليهود) الذي ترفضه الأحزاب الدينية؛ بالإضافة إلى مطالبه الأخرى التي يصعب الالتزام بها، وإن كان يمكن التفاوض عليها، كتشديد الحصار على قطاع غزة، ومحاولة إنهاء سيطرة حماس على القطاع بالقوة.

    لماذا فشل تشكيل الحكومة:

    لم ينجح نتنياهو في فترة الشهر التي مُنحت له في تشكيل الحكومة، فأعاد الأمر لرئيس الكيان الذي كلف جانتس بتشكيلها، غير أنه أعاد التكليف للرئيس في 20/11/2019 معلناً فشله في تشكيل الحكومة. فلماذا فشلت عملية التشكيل؟

    أولاً: كان هناك إصرار من نتنياهو على رئاسة الوزراء، وأنه في حالة تشكيل ما يسمى حكومة “وحدة وطنية” بالشراكة مع أزرق أبيض، فيجب أن يبدأ هو أولاً للسنتين الأوليين؛ بحجة أنه يملك تكتلاً أكبر؛ ولأنه يريد أن يوفر لنفسه شبكة أمان من احتمال إحالته للمحاكمة بتهم الفساد وخيانة الأمانة.

    ثانياً: كان هناك إصرار من جانب جانتس (أزرق أبيض) أن يكون أولاً في حالة تشكيل ما يسمى حكومة “وحدة وطنية”، باعتباره الحزب الفائز في الانتخابات، ثم إن مبرراً أساسياً لإنشاء هذا الحزب كان إزاحة نتنياهو عن الحكم. وكان ثمة رغبة قوية لدى شريكَي جانتس الأساسيين (يائير لابيد وموشيه يعلون) بعدم العمل تحت قيادة نتنياهو.

    ثالثاً: لم ينجح نتنياهو في ضم ليبرمان إلى تكتله اليميني، وذلك بسبب الفجوة الواسعة في التفاهم حول علاقة الدين بالدولة، وتحديداً تجنيد المتدينين اليهود (الحريديم)؛ وكان ذلك شرطاً أساسياً لليبرمان خاض على أساسه الانتخابات.

    رابعاً: لم ينجح جانتس في ضم ليبرمان إلى تكتله، بالرغم من حصول تقدم كبير في المفاوضات بينهما. إذ إن تجاوز حاجز الـ 61 صوتاً، كان بحاجة إلى شبكة إسناد تقدمها القائمة العربية المشتركة. وهو ما يصعب على ليبرمان اليميني المتطرف قبوله والذي اعتبر القائمة العربية “طابوراً خامساً” أو جهة معادية. كما أن ذلك كان سيضعه تحت “قصف” القوى اليمينية الأخرى لو رضي بهكذا شراكة. بالإضافة إلى أن حزب “الجنرالات” ليس ميالاً إلى الاعتماد في تشكيلته على الإسناد العربي، ويَعدُّه إما خياراً مؤقتاً، أو أنه يستخدم الإعلان عن احتمال قبوله كأداة للضغط على نتنياهو للقبول باشتراطاته.

    خامساً: لم تنجح فكرة تشكيل حكومة أقلية، تدير الحكم بدعم أقل من 61 عضواً في الكنيست ولكن مع صعوبة إسقاطها من الكتلة المنافسة. وسبق لحكومات إسرائيلية أن أديرت بحكومات أقلية، مثل حكومة اسحق رابين التي عملت سنتين كحكومة أقلية، وحكومة شارون التي عملت في أثناء فترة فك الارتباط مع قطاع غزة؛ كما أدت حكومة بيريز اليمين كحكومة أقلية بعد مقتل رابين (تشرين الثاني/ نوفمبر 1995).

    عندما أخذ جانتس يناقش خيار تشكيل حكومة أقلية، تعرض لهجوم كبير من أطراف صهيونية مختلفة وعلى رأسها نتنياهو، الذي قال إنه إذا تشكلت هكذا حكومة فسيحتفلون في طهران وغزة ورام الله؛ وذكر إن عقد انتخابات ثالثة كارثة لكن تشكيل حكومة أقلية بدعم القائمة العربية كارثة أكبر. وعقد نتنياهو مؤتمراً طارئاً لحزبه هاجم أزرق أبيض لأنهم سيعتمدون على “العرب الإرهابيين” لتشكيل الحكومة. وبالنسبة للمعترضين فإن حكومة أقلية لا تقدر على مواجهة تحديات “الأمن القومي” التي يمر بها الكيان الإسرائيلي في هذه المرحلة.

    سادساً: لم ينجح اقتراح الرئيس ريفلين في تشكيل حكومة “الرأسين” بحيث يكون أحدهما فعالاً والآخر معطلاً، ويكون فيها نتنياهو أولاً إلى حين انتهاء محاكمته؛ وبعد مئة يوم إذا لم يُبَّرأ يحق لجانتس أن يصبح الرئيس الفعلي للحكومة. حيث حالت اعتراضات قوية داخل أزرق أبيض دون ذلك.

    محاكمة نتنياهو:

    بعد نحو ثلاث سنوات من التحقيقات، وفي 21/11/2019 أعلن أن المستشار القضائي للحكومة مندلبليت قرر تقديم ثلاث لوائح اتهام ضد نتنياهو بتهم الرشوة والنّصب وخيانة الأمانة (الملفات 1000 و2000 و4000). وبذلك تحول نتنياهو من مشتبه به إلى متهم؛ وصار أمامه مئة يوم لإثبات براءته وإلا سيتعرض للمحاكمة. رد نتنياهو على الاتهام بغضب واعتبر ذلك محاولة انقلاب، واتهم المحققين بأن تحقيقاتهم زائفة، وطالب بالتحقيق مع المحققين، وبإنشاء لجنة خارجية مستقلة للنظر في الاتهامات. وفي الوقت نفسه قرر نتنياهو الاستمرار في ممارسة عمله كرئيس للوزراء، إذ إنه ليس ثمة ما يلزمه بالاستقالة إلا إذا صدر حكم نهائي غير قابل للاستئناف بإدانته؛ وهو ما قد يأخذ وقتاً طويلاً يصل لسنوات.

    وبالرغم من العديد من مظاهر التضامن مع نتنياهو داخل الليكود وأحزاب اليمين؛ إلا أن صورته أخذت بالاهتزاز. ورأى 56% من الجمهور الإسرائيلي أن نتنياهو يجب أن يستقيل من منصبه بعد توجيه الاتهامات. كما أن ذلك منح منافسي نتنياهو في الليكود فرصة للحلول مكانه في الزعامة، فهاجمه جدعون ساعر داعياً إياه للاستقالة. واضطر نتنياهو في 24/11/2019 للموافقة على إجراء انتخابات داخلية لحزب الليكود خلال ستة أسابيع. غير أن ساعر لا يشكل منافساً قوياً، وما زالت حظوظ نتنياهو بالاستمرار بقيادة الليكود الكبيرة.

    المسارات المحتملة:

    حسب القانون الأساسي الإسرائيلي، وبعد فشل نتنياهو وجانتس في تشكيل الحكومة، أعاد الرئيس التفويض بتشكيلها إلى للكنيست، حيث يمكن لأي عضو كنيست خلال 21 يوماً أن يشكل حكومة تحظى بتأييد 61 نائباً أو أكثر. وهو أمر مستبعد جداً. وهذا يعني أن الكيان الإسرائيلي يتجه نحو انتخابات ثالثة في 3/3/2020.

    تشير استطلاعات الرأي في هذه الأيام إلى تحسن محدود في فرص أزرق أبيض بالفوز ليحصل على نحو 37 مقعداً، وتراجع ضئيل في فرص الليكود ليحصل على نحو 30 مقعداً. وهذا ما قد يوصل كتلة يسار الوسط إلى نحو 58 مقعداً. وهذا لا يكفي أيضاً لتشكيل حكومة بأغلبية المقاعد. مما يفتح المجال لاستمرار الأزمة السياسية، بعد الانتخابات الثالثة، وهذا قد يدفع الأحزاب السياسية في نهاية المطاف للاستسلام والدخول في توافقات تؤدي لتشكيل حكومة.

    أما الاحتمال الثاني فهو الذهاب إلى انتخابات رابعة إن لم يتم التوافق.

    ويلوح في الأفق احتمال ثالث مرتبط بتغير مزاج وموقف الناخب الإسرائيلي باتجاه إزاحة نتنياهو وتراجع حظوظ الليكود بشكل أكبر إذا لم ينجح نتنياهو في تبرئة نفسه خلال المئة يوم المحددة. وبالتالي تعاظم حظوظ أزرق أبيض في تشكيل الحكومة.

    كما أنه ليس من المستبعد في احتمال رابع أن ينجح نتنياهو إما بتبرئة نفسه، أو بمحاولة تحقيق “منجزات” على الساحة الإسرائيلية تدفع باتجاه إعادة انتخابه. وهنا يبرز احتمال سعيه لتحقيق “بطولات” من خلال شنّ عدوان واسع على قطاع غزة أو الجبهة الشمالية، أو تنفيذ اغتيالات نوعية لقيادات المقاومة.

    أما الاحتمال الخامس، فهو تعترف الأحزاب بفشل منظومتها السياسية، وتتداعى إلى تغيير شروط العملية الانتخابية، لتجاوز مُعضلات التعطيل الناشئة عنه؛ كالانتخاب المباشر لرئيس الوزراء، أو إعطاء مزايا خاصة للحزب الفائز… وغيرها.

    ***

    وأخيراً، فلا ينبغي المبالغة في توصيف أزمة المنظومة السياسية الإسرائيلية، إذ ما زالت البنية المؤسسية الداخلية قوية نسبياً، وما زالت الأطراف الصهيونية قادرة على إدارة خلافاتها كما فعلت على مدى السبعين سنة الماضية. كما أن الاهتزاز الحاصل بسبب محاكمة نتنياهو له جانبه الإيجابي في الكيان باعتبار أن المنظومة الرقابية والقضائية ومكافحة الفساد ما زالت قوية وفعالة حتى في مواجهة أقوى رجال الحكم. وفي المقابل، فإن هناك شرخاً إسرائيلياً داخلياً يمكن أن يتسع، إذا لم تتعامل معه أطراف الخلاف وفق ما يسمى “المصالح العليا” للكيان الإسرائيلي.

    هذا المقال هو نسخة موسعة عن النص الذي نشر في موقع ”TRT“ تي آر تي (مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية) – تركيا، 29/11/2019

  • مقال: الانحدار الأمريكي … أ. د. محسن صالح

     

  • مقال: التموضع ”الرسمي“ للمقاومة الفلسطينية … أ. د. محسن صالح

  • مقال: الرأي العام الياباني و”إسرائيل“: ظاهرة تستحق العناية

    بقلم: أ.د.وليد عبد الحي. (مقال خاص بمركز الزيتونة).

    شكلت الدراسة التي أشرفت عليها منظمة اليونسكو، وأنجزها كل من وليم بوكانانWilliam Buchanan وهادلي كانتريلHadley Cantril سنة 1953، مرجعاً مهماً لفهم كيف تتشكل الصور الذهنية للمجتمعات عن بعضها البعض. وكان التركيز في هذه الدراسة على أهمية "تاريخ العلاقة بين المجتمعات" في تشكيل الصور الذهنية المتبادلة بين طرفي العلاقة، إذ تؤدي التفاعلات السلبية بعد تراكمها التاريخي إلى تشكيل صورة سلبية عن المجتمع الآخر، والعكس صحيح.[1] ثم جاءت دراسة يوري برونفنبرينرUrie Bronfenbrenner حول ما أسماه نظرية صور المرآةMirror Images، والتي تقوم على رسم صورة للآخر من خلال "مرآة" المنظومة المعرفية والقيمية الذاتية. وتبين من الدراسة التي جرى تطبيقها على الصور الذهنية لكل من مجتمعات الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كلٌّ منهما تجاه الآخر، أن مرحلة الطفولة، حسب هذه النظرية، وما يترسب فيها من خلال الثقافة المجتمعية، تمثل نقطة الارتكاز في تشكيل الصورة الذهنية عن الآخر.[2]

    وعند مراجعة استطلاعات الرأي العام الدولي حول صور المجتمعات تجاه بعضها البعض، لفت انتباه كاتب هذه السطور أن الصورة السلبية لـ"إسرائيل"، ولليهود بشكل عام، في الذهن الياباني تكاد أن تكون هي الأسوأ مقارنة بكل الصور الذهنية في كل المجتمعات الأخرى بما فيها الإسلامية لـ"إسرائيل". فمن خلال تتبع استطلاعات الرأي العام الدولي للفترة من 2010-2019، كانت أدنى نسبة للصورة الإيجابية لـ"إسرائيل" هي التي تبناها المجتمع الياباني. وعند العودة لعيّنة من الاستطلاعات السابقة على فترة القياس هذه، تَبيَّن أن هذه الصورة السلبية مستقرة بقدر كبير ومنذ فترة طويلة، بل لم أجد في هذه الصورة فرقاً له دلالة إحصائية في نتائج استطلاعات الرأي العام الغربية أو الآسيوية، بل والإسرائيلية، ويتبين من الرصد لـ 13 استطلاعاً أن "معدل" الموقف الإيجابي من "إسرائيل" في اليابان في الفترة 2010-2019 هو على النحو التالي:[3]

    النسبة (%)
    المؤيدون لـ"إسرائيل" 2
    المعارضون لها 52
    المحايدون 46

    ذلك يعني أن نسبة المؤيدين لـ"إسرائيل" في اليابان هي أقل من نسبة المؤيدين أو المتعاطفين مع "إسرائيل" في أغلب الدول الإسلامية، وهذا هو الدليل، وفق الاستطلاعات التي تم رصدها:

    المؤيدون لـ"إسرائيل" النسبة (%)
    مصر 3
    باكستان 4
    تركيا 6
    أذربيجان 12
    إندونيسيا 15
    نيجيريا 37

    وفي استطلاع واسع للرأي العام الياباني حول صورة "اليهودي – الإسرائيلي" في الذهن الياباني، تمّ إجراؤه في 2014، كانت النتائج على النحو التالي:[4]

    49% من اليابانيين يعتقدون أن ولاء اليهود لـ"إسرائيل" أكثر من ولائهم للدول التي يعيشون فيها وينتمون لها. 46% من اليابانيين يعتقدون أن اليهود يرون أنفسهم أفضل من الآخرين. 34% يعتقدون أن سيطرة اليهود على عالم المال والتجارة في العالم كبيراً جداً. 34% يعتقدون أن نفوذ اليهود على الحكومة الأمريكية عالٍ جداً. 31% من اليهود لا يكترثون بمصائب الآخرين.

    وقد حفزتني المعطيات السابقة للعمل على فهم هذه الظاهرة، التي تستحق التأمل والبحث، في كيفية توظيفها بل وتعزيزها في نطاق الصراع العربي الصهيوني من ناحية، ومن ناحية ثانية لإثبات عدم صحة ما يحاول الفكر الصهيوني أن يروجه كما يفعل البروفيسور في الجامعة العبرية بن عامي شيلونيBen-Ami Shillony في الترويج عن دور اليهود في مساندة اليابان لتحقيق انتصارات في الحرب الروسية اليابانية بين 1904-1905، أو تسخير زيارة ألبرت آينشتاين لليابان سنة 1923 لرسم صورة إيجابية للعلاقة التاريخية بين الطرفين؛ على الرغم من أن هذه الصورة لا تعكسها نتائج جميع استطلاعات الرأي العام الدولي، ولا يعكسها رفض آينشتاين لقيام "دولة إسرائيل" أو رفضه تولي منصب رئيس "إسرائيل"، والذي عرض عليه سنة 1952.[5] يضاف إلى ذلك محاولات بعض الكتاب المسيحيين من أصول يابانية عقد تشابهات بين النصوص الدينية اليابانية واليهودية في عدد من المجالات، مثل تفسير الخطيئة، أو كيفية تَولِّي الحكم للإمبراطور الياباني والأنبياء اليهود، إلى حد الوصول لاستنتاجات مثيرة، مثل الزعم بأن كثيراً من التقاليد اليابانية تعود جذورها لليهودية. بل ذهب بعضهم إلى القول بأن الأصول العرقية لليابانيين تعود للقبائل الإسرائيلية العشرة المفقودة...إلخ.[6]

    كما أن بعض الدراسات الصهيونية تحاول التمييز والفصل بين الصورة المجتمعية اليابانية، والصورة لدى الحكومة ووسائل الإعلام، لإضعاف قوة الصورة السلبية المجتمعية تجاه "إسرائيل".[7]

    وبالعودة إلى النظريتين السابقتين المشار إليهما في بداية هذا المقال، نجد أنهما تسهمان بقدر كبير في تفسير الصورة المجتمعية السلبية للياباني عن "إسرائيل" بشكل خاص، واليهود بشكل عام. وفيما يلي محاولة لتفسير هذه الصورة:

    أولاً: الخبرة التاريخية في العلاقات بين "اليهود واليابانيين":

    1. في سنة 1845، أجبرت القوى الغربية اليابان في أواخر فترة حكم الشوجان
    Shogun (الحكام العسكريين) على فتح موانئها أمام التجارة العالمية. وكان التجار اليهود من أوائل من وصلوا مع التجار الغربيين، وهو ما أنتج ردة فعل ضد اليهود في أوساط الشعب الياباني، واعتبروا اليهود جزءاً من التغلغل الغربي المسيحي في بلادهم. ومع انتشار البعثات التبشيرية المسيحية في اليابان، وحدوث ردة فعل حادة من اليابانيين، لا سيّما من رجال الدين البوذيين والطاويين والشنتويين، بدأت المذابح ضد المسيحيين، ورأى اليابانيون أن الدين اليهودي هو أصل الديانة المسيحية، وأنهما يكملان بعضهما؛ وأن لا فرق بين المسيحي الغاصب واليهودي التاجر، وبقي الأمر على هذا الحال حتى سنة 1873.[8]

    2. في سنة 1868، بدأت في التاريخ الياباني ما يعرف بإصلاحات الأمبراطور موتسوهيتوMutsuhito المعروف بالإمبراطور "ميجي"Meiji، والتي قامت على أساس الانفتاح على التجارب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الغربية. وفي إطار الانفتاح الثقافي، شكلت في هذه الفترة ترجمة مسرحية شكسبيرWilliam Shakespeare الشهيرة "تاجر البندقية"The Merchant of Venice (التي تتناول شخصية المرابي اليهودي شايلوكShylock) إلى اليابانية حدثاً ثقافياً مهماً؛ خصوصاً أن المسرحية انتشرت بشكل هائل، وتم تقديمها على المسارح اليابانية، ثم تم تحويلها إلى مسلسل، خصوصاً أن شخصية شايلوك قريبة في المنظومة المعرفية اليابانية من صورة جماعة يابانية يطلق عليها إيتاEta، أو بوراكومينBurakumin، وتعني الفئة "البشعة" و"المنبوذة".[9]

    3. مع بداية العشرينيات من القرن الماضي، وبعد ظهور الاتحاد السوفييتي والدخول في صراع مع اليابان على سيبيريا، تم ترجمة "بروتوكولات حكماء صهيون" (المنسوبة دونما إثبات إلى زعماء اليهود)، وتم توزيع ملايين النسخ منها، وراجت فكرة أن الثورة الشيوعية هي جزء من الخطة اليهودية للسيطرة على العالم، وأن اليهود سينتقلون إلى اليابان للسيطرة عليها بعد روسيا.[10]

    وقد أسهم خصوم الشيوعيين (من قوات الجيش الأبيض) في أثناء تعاونهم مع الجيش الإمبراطوري الياباني، في توزيع أعداد كبيرة جداً من نسخ بروتوكولات حكماء صهيون على الجيش الإمبراطوري، وانتشرت فكرة "المؤامرة اليهودية لحكم العالم" بين الجنود والضباط، وتعززت هذه الفكرة، بعد اكتشاف وجود نسبة عالية من اليهود بين الشيوعيين.

    4. أسهم التحالف الياباني مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وترجمة كتاب كفاحي لهتلر، وكتاب الفريد روزنبرغ
    Alfred Rosenberg "خرافة القرن العشرين"، والذي يركز فيه على الدور السلبي لليهود في التاريخ، وعلى دونية العرق السامي بشكل عام، في تعزيز مشاعر الكراهية لليهود باعتبارهم أعوان خصوم التحالف الياباني الألماني. ومع احتدام المعارك، أصبحت الصحافة اليابانية تشن حملات إعلامية حادة وتطالب على حدّ وصفها بـ"تطهير العالم من اليهود".[11]

    وفي 1925 نشر الضابط الياباني نوريهيرو ياسوئيهYasueNorihiro ترجمة بروتوكولات صهيون لليابانية، وبعدها نشر تحت اسم مستعار هو كوشيHō Kōshi كتاباً بعنوان "دراسات في المؤامرة الدولية"، وجعل من البروتوكولات نموذجاً لهذه المؤامرة. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، انتشرت بشكل واسع قصص للأطفال التي رسمت صورة لليهود الذين انتشروا في العالم، وكيف جمعوا أموالاً هائلة "ليسيطروا على العالم" ومن ضمنها السيطرة على الإمبراطورية اليابانية. وبرزت في هذا السياق روايات مينيتارو ياماناكاMinetarō Yamanaka، التي ازدهرت وعرفت رواجاً كبيراً حتى سنة 1970 تقريباً.[12]

    وفي سنة 1936 ظهرت ترجمة جديدة للبروتوكولات قام بها الضابط الياباني نوبوتاكا شيودنNobutaka Shiōden، وفي شروحاته ركز على فكرة "المؤامرة اليهودية" للسيطرة على ثروات العالم. أما اليهود الذين فروا من النازية قبل بدء الحرب إلى اليابان، فقد تم تجميعهم في معسكرات في ثلاث مناطق في منشوريا وشنغهاي التي كانت محتلة من قبل اليابانيين في 1934 في إطار ما عرف بخطة فوجوFugu Plan.[13] واستمرت الكتب اليابانية التي تنظر لليهود كعنصر تآمري وتخريبي في العالم، وأصبحت بعض المجلات اليابانية تتبنى التوجهات نفسها، بل بدأت تظهر بعض الكتابات التي تنبه اليابانيين إلى خطورة ما تسميه السعي اليهودي للسيطرة على بعض البنوك الكبرى في اليابان.[14]

    ذلك يعني أن الصورة التي رسمتها الأحداث التاريخية للعلاقات اليهودية اليابانية هي صورة سلبية، تتمثل في رسوخ "فكرة السيطرة على العالم"، وما يُسمى "المؤامرة الكونية التي ينسجها اليهود"، وموقفهم المعادي للتحالف الياباني الألماني، ومرافقتهم للغزو والبعثات التبشيرية الغربية لليابان، واعتبار المسيحية منتجاً فكرياً يهودياً.

    ثانياً: الأسباب الاقتصادية: وتتمثل في:

    1. بدأ الانتعاش الاقتصادي الياباني في منتصف الستينيات من القرن العشرين، وبعد قيام "إسرائيل" بالعدوان على الدول العربية سنة 1967، بدأت موجات ارتفاع أسعار النفط، وهو ما أرهق الاقتصاد الياباني الذي كان في بدايات نموه، ثم تلاحقت موجات ما سمي بالصدمات النفطية وارتفاع أسعار النفط، بسبب عدم الاستقرار الناجم عن السياسات الإسرائيلية. ومع منتصف الثمانينيات (حيث حدثت أزمة اقتصادية في اليابان)، انتشرت موجة من الدراسات التي تعود لفكرة ما يُسمى "الخطر اليهودي على العالم"، وظهر كتاب ماسامي أونو
    Masami Uno والذي يرى فيه أن اليابان هي "آخر عقبة أمام اليهود للسيطرة على العالم"، وباع من هذا الكتاب حوالي 1.1 مليون نسخة. وربط الكتاب بين دور اليهود ونشوب الحرب الروسية اليابانية، والهجوم على بيرل هابر وإلقاء القنابل النووية على اليابان...إلخ، وأن "اليهود هم وراء انتشار مرض نقص المناعة، وأنهم سبب التلكؤ في النمو الاقتصادي الياباني بسبب سياساتهم التي ترفع أسعار النفط، وأنهم سبب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة". وظهرت بعض الدراسات في سنة 1984 كتبها نواب في البرلمان الياباني يحملون مسؤولية الأزمات الاقتصادية في اليابان لليهود، كما أنكر بعض الكتّاب "الهولوكوست" واعتبروها جزءاً من العقل الصهيوني.[15]

    وبالمقابل، تزايدت ترجمات اليابانيين للكتب العربية، وكانت روايات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني من بين أكثر الكتب العربية رواجاً في الترجمات اليابانية عن الآداب الأجنبية. ولعل ذلك يفسر في "حدود معينة" تعاطف مجموعة يابانية تابعة للجيش الأحمر الياباني مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال الهجوم على مطار إسرائيلي سنة 1972، وقتل حوالي 26 صهيونياً.[16]

    2. يرى اليابانيون أن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، يدفع الدول العربية لشراء الأسلحة بدلاً من شراء السلع المدنية، ولما كانت اليابان لا تشكل مبيعات السلاح جزءاً من استراتيجيتها، فإن قدرتها على المنافسة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين في هذا المجال تبدو ضعيفة. لذا يرى اليابانيون في السياسات الإسرائيلية سبباً في دفع العرب نحو أسواق السلاح بدلاً من التوجه لشراء سلع مدنية، وهو الميدان الذي يمكن فيه لليابان الدخول في المنافسة مع الدول الكبرى الأخرى أكثر من قدرتها على المنافسة في بيع الأسلحة.[17]

    3. في سنة 1992 نشرت صحيفة شوكان بوستshukan post المشهورة مقالاً حملت فيه اليهود مسؤولية تراجع البورصة وتباطؤ نمو الاقتصاد الياباني، ثم تبعتها عشرات الصحف والندوات حول النقطة نفسها. [18]

    4. هناك مشاعر يابانية قوية أيضاً ضد الأمريكيين، بسبب القواعد العسكرية وآثار الحرب العالمية الثانية والمنافسة الاقتصادية...إلخ، وكل كراهية للأمريكيين تمتد لكراهية اليهود باعتبار أن "إسرائيل" هي الحليف الأوثق للولايات المتحدة.

    5. أن ثقافة "أهيمسا" التي تدعو للسلام والاستقرار، والنزعة البوذية والطاوية (التي ترى أن الجندي الجيد هو الذي لا يحارب)، تتصادم مع النزعة العسكرتارية الصهيونية.

    لكل هذه الأسباب كره اليابانيون "إسرائيل"...

    خاتمة:

    إن محاولة فهمنا للصورة السلبية لليابانيين عن "إسرائيل"، تشير إلى خلفيات مختلفة دينية وثقافية وتاريخية وسياسية واقتصادية. ونحن عندما نطرح هذه الأسباب فإنما نطرحها لفهم الظاهرة، وليس موقفاً منا ضد اليهودية كدين أو ضد اليهود كيهود. وموقفنا السلبي هو ضد المشروع الصهيوني وضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

    ويفترض بالبلاد العربية والإسلامية وبالفلسطينيين، وخصوصاً قوى المقاومة، أن تبني على خلفية موقف المجتمع الياباني من "إسرائيل" في تحويل الموقف الياباني الرسمي إلى موقف أكثر قوة وتأييداً للموقف الفلسطيني، وأكثر دعماً له في الساحة الدولية.



    [1] William Buchanan and Hadley Cantril, How nations see each other, a study in public opinion (Urbana (Illinois): University of Illinois Press, 1953).

    [2] Urie Bronfenbrenner, The Mirror Image in Soviet-American Relations: A Social Psychologist's Report (Ithaca (New York): Committee on Soviet Studies, Cornell University, 1964).

    [3] For more see bbc survey on world public opinion toward Israel, https://globescan.com/ and http://www.worldpublicopinion.org/; and site of ADL GLOBAL 100,https://global100.adl.org/country/japan/2014
    .

    [4] Site of ADL GLOBAL 100, https://global100.adl.org/country/japan/2014

    [5] Ben-Ami Shillony, The Jews & the Japanese: The Successful Outsiders (Charles E. Tuttle, 1992); Yaniv Pohoryles, Jewish World, site of Yedioth Ahronoth, 14/2/2019, https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5462495,00.html; and Albert Einstein, in Ideas and Opinions (New York: Crown Publishers, 1954), p. 190.

    [6] http://www2.biglobe.ne.jp/~remnant/isracame.htm

    [7] Jennifer Golup, “Japanese Attitudes Toward Jews,” The Pacific Rim Institute of the American Jewish Committee, New York, 1992, http://www.ajcarchives.org/AJC_DATA/Files/889.PDF

    [8] Daniel Ari Kapner and Stephen Levine, “The Jews of Japan,” Jerusalem Letter, Jerusalem Center for Public Affairs, no. 425, 24 Adar I 5760 - 1 March 2000.

    [9] Olga Barbasiewicz, “Jews in Japan until 1945 :A Case Study of Eidelberg and Shillony.s Research on Setsuzô Kotsuji,” Hemispheres Journal, no. 28, 2013, pp-6-12.

    [10] Esther Webman, The Global Impact of the Protocols of the Elders of Zion: A Century-Old Myth, Routledge Jewish Studies Series (Routledge, 2012), chap.10.

    [11] Benjamin Ivry, Why Did Japan Treat Jews Differently During World War II?, site of Forward, 10/1/2017, https://forward.com/culture/359072/why-did-japan-treat-jews-differently-during-world-war-ii/

    [12] Jacob Kovalio, The Russian Protocols of Zion in Japan: Yudayaka/Jewish Peril Propaganda and Debates in the 1920s, Asian Thought and Culture, vol. 64 (Peter Lang Publishing Inc, 2009).

    [13] Tanaka Chigaku, Shishi-ō Zenshū Daisan-shū, (Complete Works of the Lion King, Part Three), vol. 6, 1937; and Marvin Tokayer and Mary Swartz, The Fugu Plan: The Untold Story of the Japanese and the Jews During World War II (Paddington Press, 1979).

    [14] Toshikawa Takao, "Jewish Capital Accelerates the Law of the Jungle," in David Goodman, Jews in the Japanese Mind: The History and Uses of a Cultural Stereotype, Studies of modern Japan Series (Lexington Books, 2000), pp. 276-278.

    [15] Clyde Haberman, Japanese Writers Critical of Jews, site of The New York Times, 12/3/1987, https://www.nytimes.com/1987/03/12/world/japanese-writers-critical-of-jews.html

    [16] مسعود ضاهر، تطور الدراسات العربية في اليابان 1945-2016 (بيروت: دار الفارابي، 2019)، ص 115-118.

    [17] Stanley White, Japan shares rise as easing Middle East tension shifts focus to trade deal, Reuters Agency, 10/1/2020, https://www.reuters.com/article/japan-stocks-closer/japan-shares-rise-as-easing-middle-east-tension-shifts-focus-to-trade-deal-idUSL4N29F174

    [18] Japanese Government Rejects Article Blaming Stock Market Trouble on Jews, Jewish Telegraphic Agency, 13/7/1992, https://www.jta.org/1992/07/13/archive/japanese-government-rejects-article-blaming-stock-market-trouble-on-jews

الصفحة 1 من 2

  • البداية
  • السابق
  • 1
  • 2
  • التالي
  • النهاية

مجموعة التفكير الإستراتيجي

مؤسسة نفع عام مستقلة وغير ربحية مسجلة بتركيا، رائدة وشريك دولي في التفكير الاستراتيجي، تعمل على تطوير مستوى الوعي والتفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية

المزيد

القائمة البريدية

تقوم المجموعة باصدار مجموعة من النشرات البريدية بشكل دوري. لتصلك أحدث اصدارتنا ونشراتنا البريدية قم بالتسجيل معنا
جميع الحقوق محفوظة مجموعة التفكير الاستراتيجي © 2025.تم التصميم والتطوير بواسطة List.Istanbul.