• إيران تتخوف من الاتفاق الروسي الإسرائيلي

    فجرت التسريبات الروسية الإسرائيلية عقب قمة بوتين نتنياهو الداعية إلى انسحاب مختلف المليشيات الأجنبية غضب الإيرانيين الذين أصدروا بيانًا شديد اللهجة عنوانه: “إيران لا تطلب الأذن من أحد لتنفيذ سياستها الخارجية، رافضة وضع جدول زمني محدد لخروجها من سوريا، مؤكدة على بقائها في سوريا، حيث صرحت وسائل إعلامية إيرانية متحدية: بأنه لا يمكن لأي دولة في العالم الوقوف في وجه نفوذها هناك”.

     

    الإيرانيون يستغربون من تصاعد الدعوات الروسية لانسحاب القوات الأجنبية من سوريا، واعتبارها قضية خطيرة، فموسكو بدت تظهر حساسة جدًا لوجود القوات الإيرانية في سوريا، ولكن ما هو منشأ هذه الحساسية؟ ولماذا تصاعدت وتيرتها في هذا التوقيت بالذات؟ تقول إيران: إن نتنياهو قد اتفق مع السيد بوتين على مغادرة القوات الأجنبية من سوريا، لكن يبدو أن روسيا لا تعتبر قواتها أجنبية، ولا يشملها الاتفاق مع اسرائيل، تضيف طهران أن وجود القوات الإيرانية من عدمه لا يرتبط بروسيا فقط، بل هذا البلد “سوريا”، وبشار الأسد يحكم في هذا البلد وقرار بشار الأسد بمغادرة هذه القوات هو عامل مهم؛ لم نر أي مؤشرات على أن الحكومة السورية طالبت إيران أو الميليشيات غير السورية القريبة من إيران بالخروج من سوريا.

    أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني جدد مرة أخرى قوله، إلى أن إيران ستبقى تقدم “الدعم والاستشارات العسكرية” لدمشق حتى “إبادة كافة المجموعات الإرهابية”، بحسب توصيفه.

    ولن تلتفت إيران- بحسب تصريحات شمخاني- إلى الدعوات الإسرائيلية، ولا إلى مواقف الدول الأخرى بهذا الشأن، فالمحدد الوحيد لتحركات إيران هو مقتضيات الأمن القومي الإيراني، ومصالحها فضلا عن حفظ أمن المنطقة واستقرارها، هذا إلى جانب إلى أن إيران هي من أولى الدول المعنية بإعادة اعمار سوريا، محذرة بوتين من أية مغامرة غير محسوبة العواقب مع إيران.

    ولكن ما هي السيناريوهات التي تراهن عليها موسكو لإخراج طهران ومليشياتها من سوريا؟

    أولى هذه السيناريوهات: هي ممارسة الضغوط الدبلوماسية التي تعد إحدى الأدوات التي تمتلكها موسكو لإجبار إيران على الانسحاب من سوريا، وخاصة أن طهران بحاجة إلى روسيا للتخفيف من الضغوط التي تمارس عليها بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وضيق الخيارات أمام طهران لموازنة الضغوط الغربية عليها.

    السيناريو الثاني: هو مواصلة الضغط الروسي على إيران والذي قد يصل إلى مرحلة التلويح بفرض العقوبات على طهران وتقويض تحركاتها، وهو أشد ما تخشاه طهران، هذا في حال مضي إيران في ممارسة سياسة التحدي، وعدم الرضوخ للمطالب الروسية.

    السيناريو الثالث: وقد يكون من السيناريوهات التي تمت فعليًا وهو التوافق بين موسكو وتل أبيب، وهو  التساوق مع الخطة  العسكرية الإسرائيلية لدفع إيران على الانسحاب من سوريا، من خلال منح  إسرائيل المزيد من الحركة لتصعد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سوريا، من أهمها تصعيد الضربات الجوية للأهداف الإيرانية في العمق السوري نفسه، دون التحرك  الروسي، علاوة على تقديم الروس لمعلومات استخباري للجانب الإسرائيلي والتي من شأنها الإسهام في توجيه ضربات نوعية قاصمة قد تدفع إيران وميلشياتها إلى الانسحاب.

    من المؤكد بأن التوتر بات سيد الموقف بين إيران وروسيا، التي بدأت تفكر برؤية جديدة هدفها الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي، الأمر الذي قد يسهم في إعادة الاعمار في سوريا، ولكن هذا لن يتأتى في ظل ميل طهران إلى بناء مشروعها ومجالها الحيوي في سوريا، والذي بات يهدد المصالح الروسية.

  • إيرانُ تحاربُ الربيعَ العربيَّ ” حالة اليمن ، البحرين ، سوريا ” 2 ....د. نبيل العتوم

    كيفَ تعاملتْ إيرانُ مع  ثورات الربيع  العربي ؟، ولماذا قاتلتِ الدولةُ والثورة الإيرانية للوقوف ضدّ الثورات في سوريا ومصر، وشوّهت صورتها، ودعمتْ بالمقابل  ما يجري في اليمن ومملكة البحرين ؟

                قد يظنُّ البعضُ أنَّ هذا بالفعل يكشف عن حقيقة السلوك الخارجيّ الإيرانيّ، ويعرّيه  تجاه العالم العربي؛ وهذا الأمر دقيق بمجمله، لذا فإنّ هذه الدراسة ستوضح مدى أهمية دراسة هذه الصورة للثورات العربية في الإعلام الإيراني،   وتحليلها بالاعتماد على صحف التيار المحافظ ، لسان حال المؤسسات  الفعلية الحاكمة في إيران الدولة والثورة .

               وباستعراضِ جميع وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة، نجدُ أنّها  كانتْ تحتوي  دونَ استثناء مقالات وأخبار وتعليقات تتناولُ من خلال موضوعه  الثورات العربية ونعتها بأوصاف حسب الثورة والإطار الجغرافي الذي تجري به، ومن خلال هذه الوسائل، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة صورة الثورات العربية، التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها، ومضمونها، وأمكن بالتالي استخلاص المعاني الرئيسية، وتحليلها،  والتي ساهمتْ بالتالي في تشكيل هذه الصورة؛ والتي ركّزتْ أساساً على الاحتجاجات في اليمن، والبحرين ، وهذا له مغزاه ودلالاته بحكم أنّ هذه الدول ذات أغلبية شيعية. حيثُ أنّ موجةَ الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي دفعت إيران إلى إعلان دعمها للحركات المناهضة التي جرت في دول وصفتها بالدكتاتورية خلافاً لموقفها من الانتفاضة في سوريا.

                 والملاحظُ إعلانُ إيران  مباشرةً دعمها لبعض الحركات الموالية – وليس كلّها – التي وصفتها بتعطشها للديمقراطية، وتحقيق العدالة .

                  سعتْ وسائلُ الإعلام الإيرانيّة المحافظة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من خلال تناولها للثورات في المنطقة العربية، واعتمدت في خطابها الإعلامي على عدة وسائل وآليات، من أهمّها توفير الدعم لطوائف ” شيعية “، ولنظم سياسية تؤيّد، وتخدمُ السياسات الإيرانية وإستراتيجياتها؛ وذلك بغضّ النظر عن درجة شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها، وقد صنّفت طهرانُ الثورات في الدول العربية إلى اتجاهين: ثورات مشروعة، وثورات غير مشروعة، ومحرّمة شرعاً ؛ وهذا التصنيفُ جاءَ بحسب جدلية التقارب والتباعد بالنسبة للدول التي تعيشُ حالةً ثوريّةً من إيران، ومدى انسجامها مع سلوكها الخارجي، وإستراتيجيتها في المنطقة.

               وقد مثّلتْ بعضُ الثورات العربية التي تشهدها العديدُ من الدول العربية حالياً صدمة لأركان الحكم المحافظ، وذلك لخطورة بعض هذه الثورات، وتداعياتها على الأمن القوميّ الإيرانيّ، ولهذا لم يكنْ مستغرباً وصف الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) أن إحدى أهم ثمرات هذه الثورات  هو “تشكل الشرق الأوسط الإسلامي الجديد، ولكن هذه المرة دون هيمنة  قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل ” على حدّ  تعبيره ، معتبراً أن ما  يشهده الشرق الأوسط حالياً هو زلزالٌ سياسيٌّ كبيرٌ ([1])، وقد وصفَ مرشد الثورة  (آية الله علي خامنئي)  الانتفاضات العربية بأنها “صحوةٌ إسلاميّةٌ عظيمةٌ استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثتْ في العام  1979م، وأنّ النصر الإلهي الذي تمخَّضَ عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية ([2]).

                 وقد حاولتْ  بعضُ صحف الإعلام  الإيراني المحافظة المقارنة بينَ الثورات في العالم العربي، والثورة الإسلامية في إيران من  حيثُ التركيز على محورية الاختلاف بين الثورة الإسلامية والثورات في المنطقة العربية؛ من حيث فقدان الثورات العربية للأيديولوجية  القادرة على توجيه هذه الثورات، وعدم وجود قيادة كاريزمية مؤهلة لتسيرها، إضافة إلى إعطاء أهميّة كبرى إلى دور وسائل الاتصالات الحديثة، وشريحة الشباب  في خلق البيئة المناسبة لتواصل امتداد لقيادة الثورات وتوجيهها ([3]).

               كذلك تنبّأتْ معظمْ  صحف الإعلام المحافظ عموماً على عدم قدرة الأنظمة السياسية العربية؛ خاصة ليبيا، الأردن، البحرين، المغرب، اليمن، السعودية على إجراء الإصلاحات الحقيقية التي تحظى برضا شعوبها ، الأمر الذي يعرض بقاء هذه الأنظمة لخطر الانهيار، والتنبؤ بسقوطها تباعا([4])، وتوصّلت إلى نتيجة مؤدّاها  بأنَّ التطورات الثورية التي تجري في العالم العربي سوف تكونُ ضدّ  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ؛ لأنّ الحالة الثورية التي تعيشها بعضُ الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبّرُ عن ضمير هذه  الشعوبِ الرافضةِ لهيمنة قوى الاستكبار الغربي ([5]).

                 ولمحاولة استجلاء تداعيات هذه الثورات على إيران، تكثرُ حالياً في طهران  عقد العديد من الندوات للبحث في مستقبل العلاقات الإيرانية- العربية، بسبب ما تعيشه  وتتعرّضُ له المنطقة، من تطورات دراماتيكية غير مسبوقة وغير متوقعة.  وتجري هذه الأنشطة في أروقة الإدارات المعنية بأقسام العلوم السياسية في الجامعات الإيرانية، ووزارة الخارجية ،ومراكز الأبحاث المتخصصة ؛ومحور كل هذه النقاشات ينصب على بحث ما يجب على إيران القيام به للاستفادة من نتائج هذه الثورات ،والحد من تداعيات بعضها، حيثُ نشرت الصحف المحافظة سيناريوهات لما بعد هذه الثورات على افتراض نجاحها، واحتمالية سقوط بعض أنظمة الحكم العربية، بما فيها بعض الأنظمة الخليجية، واستشراف كيفية تبني إيران لدبلوماسية الاستفادة من هذه الفرص المتاحة؛ خاصّةً من التطورات الحاصلة في العالم العربي عموماً، والدول الخليجية خصوصاً، من حيثُ ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون، وتبديل التهديدات السابقة بفرصٍ واعدة، وهذا ما سيمكّن إيران من أنْ تصبحَ دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط ( [6]).

                  تاريخياً اعتمدت إيران الثورة على التعاون مع نظم حكم عربية، خدمةً لمصالحها، ولتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة العربية، ولطالما اتّهمت بعض الشعوب والحركات السياسية إيران بالازدواجية وتناقض المواقف، فمن ناحية كانت إيران تدعي دعمها للحركات الإسلامية، إلا أنها في الواقع كانتْ تدعمُ حكومات تسلّطية ديكتاتورية  لضرب هذه الحركات كما هي الحال بالنسبة لسوريا  سابقاً والآن .

                 على أساس هذه الرؤية، يمكنُ تصنيف الإستراتيجية الإيرانية للإعلام المحافظ من الثورات العربية – حسب الدول محل الدراسة إلى فئتين:

    الفئة الأولى: موجهةٌ بشكلٍ رئيسي إلى الثورة في اليمن والبحرين؛ إذ أقرّت طهرانُ من خلال صحف التيار المحافظ  بضرورة تغيير النظام  في هاتين الدولتين، وأن أنظمة الحكم فيهما قاما بعمليات إبادة جماعية ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية  مستهدفة شعبيهما، وأنّ بقاءهما أصبح جزءاً من المشكلة، وليس جزءاً من الحل، وقد تمَّ وصف الثورة في هاتين الدولتين، ونعتها بعدة أوصاف: ثورة العدالة والمحرومين([7])، ثورة  الحق والعدالة([8] )، الثورة الحسينية([9])، كربلاء البحرين واليمن ( [10] ) ، ربيع الحرية في البحرين)[11] ( ، ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية([12] )، ثورة الخلاص([13] )، ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين([14])، انتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين([15])، “الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران([16] )، ثورة جنود الإمام  وأحبائه([17])، وقد انتقدتْ صحف التيار المحافظ بشدة  النفاق الأميركي في التعاطي مع الاحتجاجات في البحرين واليمن، والفشل الأميركي في إدانة العنف المستخدم من جانب حكومة هذه البلدين على عكس الحالة السورية  التي انتقدت التدخل الغربية لدعم مطالب المحتجين، وهذا يكشفُ نفاق التيار المحافظ الحاكم في إيران.

                  من خلال تقديم هذه الرؤية نستخلصُ أنّ إيران تحاول  من جهة دعم الثورات الناشئة في اليمن والبحرين وتعبئة شعبيهما مذهبياً، وهذا ما اتضح من خلال النعوت والصفات التي أطلقت على هذه الثورات، ومن جهة المحافظة على مد ودعم  نفوذها التقليدي هناك، وحاولت دعم نفوذها وتعزيزه، إلا أنَّ أهم ما يميّزُ أهداف طهران هو الإطاحة بأنظمة هذه الدول، تمهيداً لقطف ثمار تغيير السياسات في هذه الدول تجاه إيران.

                 فبالنسبة للثورة في البحرين اتهمت إيران أميركا بدعم الملكحمد بن عيسى آل خليفة)، وانتقدت صمت الأميركيين إزاء ما وصفته بوحشية سلطات البحرين في قمع الانتفاضة الشعبية، وإدانة التدخل العسكري السعودي هناك، وقد اعتبرت صحف التيار المحافظ  الثورة في البحرين بأنها  حدث ثوري  فاقت التصورات ، وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم هناك ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم ([18]).

                  وقد أغرقت صحف التيار المحافظ باتهام  الأسرة  الحاكمة في البحرين بالسعي لتنفيذ مخطط خارجي هدفه  زرع الفتنة بين السنة والشيعة، وأن الشعب البحريني قد تدارك الموقف بسرعة، وأجهضَ هذه المؤامرة التي حاكتها الحكومة البحرينية بالتعاون مع قوى الاستكبار العالمي، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ([19])، واعتبار اتهام السلطات البحرينية  للمعارضة بأنها تستمدُّ قوتها من الخارج، قد ثبت عدم صحته، وقد كشفَ مؤامرات هذه الحكومة، ومن يقفُ معها، بإعلان كلينتون، بأنَّ الثورةَ البحرينية قد تشكَّلت  داخلَ البلاد ([20]).

                 يتَّضحُ من خلال ثورة البحرين –حسب رؤية صحافة التيار المحافظ – بأنَّ هذه الأزمة ليستْ في طريقها إلى الحلّ، ويعزّي أسباب ذلك إلى  تصاعد حدّة هذه الأزمة بعد دخول القوات السعودية والإماراتية إلى البحرين، وأنَّ قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربي إرسال قوات إلى البحرين جاء نتيجة الدعم الأمريكي لهذا القرار بهدف قمع انتفاضة الشيعة هناك ، وإنقاذ حكم أل خليفة الذي سيزول عاجلا أم أجلاً، وحماية الأسطول الخامس في البحرين، الذي يبسطُ نفوذه للسيطرة على المياه الإقليمية لدول المنطقة، وتهديد الأمن القومي الإيراني ([21] )، وتحميل دول مجلس التعاون، خاصة السعودية  تبعات ذلك ، لأنها ستدفع ثمن تدخلها في الأزمة البحرينية إن  أجلاً أم عاجلاً([22])، وقد ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ  على ضرورة  وجود إجماع دوليّ وإقليميّ لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني، وتورطها بشكلٍ مباشرٍ في قمع الشعب البحريني الثائر، والساعي إلى إقامته حكومته التي تعبّرُ عن طموحات الشّعبِ البحريني في التحرر، معتبرةً إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة لا تغتفر، مطالبة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلاميّ، وجامعة الدول العربية بإدانتها ([23]) ، ونعتتِ القوّات التي دخلتِ البحرين بالمرتزقة ([24]).

                 وقد حملتْ صحفُ التيّار المحافظ الدولة السعودية مسئولية نشر الأفكار المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، فجاءتْ ردة ُ فعل الشعوب ضدّ حكوماتها كردة فعل على ما أنتجه هذا الفكر من سياسات راديكالية، تبنتها بعضُ الأنظمة السياسية التي حكمت دول المنطقة، وفي مقدمتها النظام الحاكم في البحرين، متهمةً أجهزة  المخابرات السعودية والإماراتية بالتنسيق مع تنظيم القاعدة، والتياراتُ التكفيريّةُ لمواجهة  الشيعة في دول منطقة الخليج ضمن مخطط مدروس ومعدّ له مسبقاً ([25]).

                    والنتيجةُ أنّ  صحفَ التيّارِ المحافظِ حمّلت السعودية مسئولية عواقب التدخل عسكرياً لقمع تظاهرات البحرين، وتحميلها عواقب ونتائج  مسئولية الدماء التي يتم إراقتها، وخلصت إلى أنَّ إيرانَ لن تقفَ مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاءَ ما يحدث هناك ([26])، والتحذير من أنّ السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين، خاصّة أنّ  السعوديةَ تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي، حيثُ أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي، وأن  دماء الشيعة البحرينيون التي يتم سفكها بأسلحة سعودية لن تذهب هدراً ([27]).

                وقامتْ  صحفُ التيّار المحافظ بالمقارنة بالدور الذي قامتْ به السعودية في منطقة صعده اليمنية  لاستهداف الشيعة هناك، ومقارنة ذلك بالدور المماثل لما تقوم به في البحرين حالياً من قمع غير مسبوق للشيعة، وسعي السعودية إلى عقد اتفاقيات دائمة مع آل خليفة لإدارة شؤون البحرين وتأكيد احتلالها للبحرين بشكل رسمي ([28]).

                   وقد علّلتْ صحفُ التيّار المحافظ  قيام السعودية بإرسال قواتها إلى البحرين إلى عدة عوامل من أبرزها : الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها، حيثُ اعتبرتْ أنّ هناك حالة ذعر سرت في مؤسسات الحكم في السعودية، وزادت من حدتها أحداث البحرين ، التي باتتْ تهدّد أسس الأمن والاستقرار في السعودية، خاصّة في ظلّ تناقض الخارطة الديموغرافية والجغرافية  لهذه الدولة ، ورسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوفَ يؤدّي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية، وأشارتْ إلى أنَّ هناك نواة  تحرّك جاهزة للانطلاق  في القطيف والإحساء والتي تشاركُ الشّعبَ البحريني طموحاته المشروعة في التحرّر والانعتاق ([29]).

                وأمّا المثيرُ في مثل هذه التحليلات هو محاولةُ إيجاد قواسم مشتركة- تدفع باتجاه الثورة في المنطقة الشرقية -بين المنطقة الشرقية في السعودية، والأزمة في دولة البحرين تعظم من نجاح مقومات كلا الثورتين من حيث:

    • تشابه النسيج الاجتماعي والثقافي بين المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين .
    • تعظيم دور القواسم المشتركة، ودورها في الثورة؛ مثل وحدة الأصل بينَ القبائل والعشائر، وبالتالي وجود امتداد قبائلي، يعتبر واحداً ومتجانساً، مما سيسهم في انجاز الأهداف والطموحات .

    • الحديث عن وجود وحدةٍ جغرافيةٍ واحدةٍ، وجامعة بين شعب المنطقة الشرقية وشعب البحرين، وقد سهّل الجسر الذي يربط بين المنطقة الشرقية والبحرين من الوحدة الجغرافية بينهما، خاصة في ظل وجود قواسم المشتركة والمعاناة من الظلم، وانتقاص حقوق الشيعة، وحرمانهم من الحريات السياسية والمذهبية

    4- وحدة الخطاب والمشروع الذي يأمل بتحقيقه شعب البحرين والمنطقة الشرقية ([30]).

                 على هذا الأساس تتنبّأ صحفُ التيار المحافظ أنه سيكونُ هناك ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية للإطاحة بنظام حكم كلا الدولتين إنْ  عاجلاً أم أجلاً، حيثُ سيتمخّض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

              ومما سيعزّز من تحقيق هذا الهدف؛ هو الرغبةُ الجامحةُ لشعب المنطقة الشرقية والبحرين في التحرّر، ومما سيدعم تحقيق هذا الهدف سريعاً دور الثورات في العالم العربي في الدفع باتجاه ذلك، خاصّةً بعدَ التدخل الغربي المباشر في هذه الثورات، وهذا ما يتضح من خلال دخول الغرب بشكل مباشر على خط الأزمة الليبية، والذي تمخض عنه دعم حق الشعب الليبي المشروع في تقرير مصيره، وبالمقابل فإنّ عدم التدخل الغربي لدعم حق الشعب الليبي، وعدم دعم شعب المنطقة الشرقية سوف يضع مصداقية الدول الغربية والمنظمات الدولية  على المحك، وسوف يسهم في فضح سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها هذه الدول، الأمر الذي سيثير الشعب البحريني، وشعب المنطقة الشرقية الذي لن يجد بداً من الاعتماد على نفسه وبقوة، أكثر من أي وقتٍ مضى  للاعتماد على نفسه لتحقيق طموحاته  وتقرير مصيره، وسوفَ يزيدُ من إصراره على تحقيق هذا الهدف، خاصّةً مع وجود قوات درع ِالجزيرة على الأراضي البحرينية، والتي سيعتبرُها الشّعب البحريني شريكة ومتواطئة مع الغرب لقمع ثورة الشعب البحريني العادلة، الأمر الذي  سيثير شعب المنطقة الشرقية، وثورتهم، والذي لن يتخلى عن أخوانه وشركائه  في الأصل والمذهب في البحرين لدعمه ونصرته، مما سيؤدي حتماً إلى إجبار السعودية إلى سحب قوات درع الجزيرة لمواجهة الانتفاضة الداخلية في السعودية، والتي لن  تتوقف هذه المرة، مما سيمهد الأرضية لتكون سانحة لشعب البحرين لتصعيد ثورة لإسقاط النظام البحريني الحاكم، ولكن هذه المرة إلى غير رجعه ([31]).

                 وقد رأتْ بعضُ صحفِ التيّار المحافظ عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني؛ فالغربُ قام بدعم الثورات في مصر، وتونس، واليمن، وذلك نتيجة عدم امتلاك هذه الدول لثروات نفطية، على عكس البحرين التي تقعُ في منطقة الخليج الغنيّةِ بالنفط، وبالتالي من مصلحة الغرب  تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لضمان تدفق النفط وبأسعارٍ رخيصةٍ ، وتعلّل الصحفُ المحافظة تدخّل الغرب وبالذات أوربا في الأزمة الليبية بشكلٍ مباشرٍ حفاظاً على مصالحها هناك .أما في البحرين فيخشى الغربُ من وجود نظام ديمقراطيّ جديدٍ قد تؤثر على الدول الخليجية الغير ديمقراطية، الأمر الذي يهدّد معه مصالح الدول العظمى، إضافةً إلى ذلك ترى هذه الصحف أنَّ حصولَ الشيعة على حقوقهم في البحرين سوف يؤدّي إلى إثارة الأقليات الشيعية في الدول الخليجية بمجملها، مما سيثيرُ متاعبَ لا تحمد عقباها بالنسبة للغرب عموماً ([32])، من هنا ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ الإيرانية  على ضرورة  استمرار المظاهرات في البحرين؛ لأنه السبيلُ للرهان على تحقيق عدة أهداف :

    • حدوث انشقاق داخل العائلة المالكة، والتسليم والرضوخ للأمر الواقع، وهذا سيفضي إلى الاعتراف بحقوق الأغلبية الشيعية .
    • استمرار التظاهرات سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة، تؤدّي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة للشيعة .
    • إن استمرار التظاهرات سوف يؤدي إلى إثارة الرأي العام الدولي، وتحفيز المنظمات الدولية للقيام بدورها، وهذا سيجبر حكومات هذه الدول للانصياع لمطالب الشيعة المشروعة في تقرير مصيرهم .

    4- تكثيف مظاهرات الشيعة أمام سفارات الدول الخليجية في الخارج ، لتكثيف الضغوط الدبلوماسية عليهم .

    5-تذكير العالم أن أزمات الشيعة  في دول الخليج العربية عموما، والبحرين خصوصا، هي أزمات سياسية وليست طائفية ([33]).

    • ضرورة استنفار مراجع التقليد العظام في البقاع المقدسة في كل من قم، مشهد، النجف، كربلاء، لبنان، المنطقة الشرقية …  لتذكير العالم كي يتحمل مسئولياته لحماية الشعب البحريني الشيعي المظلوم، وما يتعرض له من جرائم إبادة  جماعية .

    5-الدعوة  إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لدراسة المجازر التي ترتكب ضد المحتجين في البحرين ([34])، ورأتْ صحفُ التيّار المحافظ  أنَّ الحلَّ لخلاص الشّعب البحريني يكمنُ في أنّ  يصعد الشعب البحريني من حدة تضحياته مهما بلغت؛ لأنَّ ارتكاب النظام  الحاكم في البحرين لمزيد من الجرائم، سوف يضعه في خانة النظام الفاقد للشرعية نتيجة ارتكابه للمجازر التي ستعتبر جرائم ضدّ الإنسانية في نهاية المطاف  ، ومن خلال هذه السياسة سيزول  حكم آل خليفة، وقد أسهبتْ صحفُ التيار المحافظ بأنّ الثوار البحرينيين يملكونَ الكثير من الأوراق التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم المشروعة، وعليهم أنْ  يستخدمونها إذا استمرَّ النظام الحاكم  بتجاهل هذه المطالب([35])

                 من خلال هذه الإستراتيجية سيتحققُ الأمنُ والاستقرار والرفاه لشعب البحرين في النهاية، ويستطيعُ الشعب البحريني إقامة دولته بملء إرادته، والربط بين السياسة التصعيدية التي تمارسها الحكومة البحرينية مع المتظاهرين في أنها تمّت بغطاء وبضوء أخضر أمريكي، وتعليل ذلك أنَّ هذه السياسية جاءت بعد زيارة (ويليام غيتس) وزير الدفاع الأمريكي للبحرين ([36])، واعتبار أنَّ  طرح فكرة الحوار الوطني يأتي ضمن سياسة التسويف  التي تمارسها الحكومة  البحرينية ، حيث تعتبر أنه لا جدوى منها على الإطلاق ، لهذا يجب على الشعب البحريني أن يسلك طريق التصعيد ([37]).

    الفئة الثانية: موجهة بشكل مهم ومحوري إلى  دول لا تزال طهران ترجو، وتأمل بقوة الإبقاء على نظم الحكم فيها، والسعي لتقديم الدعم بكافة أشكاله وصورة لها، حفاظاً على نظامها السياسي؛ وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها. ومن هذه الدول: الدولة الحليفة ( سوريا) حيثُ ركّزت طهران في حديثها من خلال صحف التيار المحافظ على ضرورة الوقوف مع سوريا، ووضع مختلف إمكانات الدولة الإيرانية تحتَ تصرّفها للخروج من هذه المؤامرة التي حاكتها لها قوى الاستكبار، وخلافاً لموقف إيران من الثورات في مناطق أخرى من المنطقة العربية، ركّزت صحفُ التيّار المحافظ  على وصف الثوريين وليس الحالة الثورية  في سوريا، ونعتت الثوريين بألفاظ قاسية مثل :  “بشغب الإرهابيون”([38] )،” عملاء الفتنة”([39])،” المأجورون والعملاء”،([40]) أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”([41])،” قوى الشر”([42])، ” الشياطين” ([43])،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية ([44]).

              ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة ([45])”مثيرو شغب”([46] ) “إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،([47])عملاء قوى الشر والظلام ([48]).

                   يلاحظُ أنّ وسائلَ الإعلام المحافظة في إيران  تجاهلت عن  عمد بداية الانتفاضة في سوريا، وركّزت على الأحداث في البحرين واليمن، ثم بدأت تتحدث عن الثورة في سوريا من حيث كونها حركة إرهابية مدعومة  من الخارج للنيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية([49])، واعتبار سوريا ركناً أساسياً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ،وركزت على بث “اعترافات” نقلتها وسائلُ الإعلام الرسميّة السورية لمجموعات وخلايا إرهابية ، وصفت هدفها ضرب استقرار سوريا، قالت : إنها تلقّت أسلحة وأموالاً من عملاء الاستكبار أمريكا و إسرائيل لإرسال معلومات وصور وفيديو للاحتجاجات إلى الخارج، والتنسيق مع المعارضة في الخارج، ومع قوى سلفية تكفيرية متطرفة مدعومة من بعض الدول العربية، ونشرتْ هذه الأخبار في عناوين صفحاتها الرئيسية ([50]).

                   وقد ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على أهمية الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، حيثُ تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة التهدئة التي تقوم بها الحكومة السورية، معتبرةً أنَّ الحكومةَ السورية قد قامت بإجراءات وخطوات متوازنة بهدف تعزيز مسيرة الإصلاح، وتعزيز الأمن ([51])، وأقرت بمراعاة سوريا للسقف الزمني لتحقيها، وعللت أنَّ  هناك فئات خارجة عن القانون قامت بافتعال التظاهرات في سوريا لتعطيل عملية التحول الديمقراطي في سوريا ([52]).

                  وأجمعتْ وسائلُ الإعلام المحافظة على  وجود مخطط دولي مدعوم بقوى إقليمية عربية للنيل من صمود سوريا، عن طريق الاستعانة بالحركات السلفية التي وصفتها بالمتطرفة، وأشارت هذه الوسائل  إلى الحملة الممنهجة التي يتعرض لها صمود الدولة السورية المناضلة ضدّ قوى الغطرسة التي تسعى للنيل منها ([53])، ودلّلتْ على ذلك من  خلال عرض الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس لكشف تاريخ المؤامرة ضدّ سوريا إلى فترة حكومة بوشالتي وضعت إستراتيجية هدفتْ إلى مد جماعات المعارضة استقرار الأوضاع وتوتيرها  في سوريا ([54])، وتحميل  الصحف المحافظة لجماعات المعارضة المسئولية عن تأخر الإصلاحات في سوريا، إضافة إلى تركيز الصحف المحافظة إلى أنّ هناك قوى داخلية سورية قد قاومت سياسة الرئيس السوري بإجراء هذه الإصلاحات باعتراف الرئيس السوري نفسه ([55]) .

                يمكنُ القولُ أنهُ كانَ من الصعب على الحكومة الإيرانية إعلان مبدأ واحد، أو سياسة موحّدة للتعامل مع الثورات في المنطقة العربية، ومحاولة تبني تطبيقه في جميع الحالات، فبعد اتساع نطاق التظاهرات في عدد من الدول العربية، عمدت مؤسسات صنع القرار الإيرانية إلى التعامل مع كل ثورة أو حالة احتجاج على حدة – حسب المصلحة البراغماتية الإيرانية -كما اتضح سابقا؛ ولا شك بأن السلوك الخارجي الإيراني قد عكس بشكل واضح لا لبس فيه هذا الموقف، وهذا ما برز من خلال تحليل محتوى الصحف المحافظ  وما حوته من أخبار ، مقالات وتحليلات  تجاه هذه الأزمات، والذي بات يستند على عدد من الاستراتيجيات من أبرزها :

    أولا : إستراتيجية الحسم والفصل في تأييد الثورة في اليمن والبحرين، خدمة لأهداف سياسية ومذهبية تندرج في إطار حفاظ إيران لبناء مجالها الحيوي المذهبي:

                 قامتِ الصحفُ المحافظة بتأييد الثورات في كل من اليمن والبحرين مباشرة، حيثُ لم تمارسْ مبدأ الانتظار والترقب قبل التسرع بإعلان موقف صريح من كل ثورة، وتبعت ذلك بتكثيف التحليلات الإعلامية لتعظيم الفوائد المرجوة من هذا التغيير؛ وممارسة سلوك تدخلي سافر في هذه الأزمات المشتعلة، وشجّعتْ مطالب المتظاهرين  “بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة في هذه الدول”، وضرورة حدوث تغير حقيقي في سياسات الأنظمة الجديدة على أمل نشأتها في الملفات المهمة الداخلية الخاصة بضرورة إعطاء الشيعية حقوقهم كاملة غير منقوصة على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية في البحرين، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي والديموغرافي في اليمن، وخارجياً ضرورة إحداث تحول حقيقي في سياسة الأنظمة الجديدة تجاه الهيمنة الأمريكية، وطرد الوجود الأجنبي من هاتين الدولتين ” اليمن ، البحرين ،  وضرورة بناء علاقات جديدة  مع إيران.

    فالعلاقةُ بينَ إيران وكبار قادة الثورة- كما عرضته صحف التيار المحافظ – في اليمن والبحرين  ضرورية ومستمرة في فترة الثورة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأنّ هناك قنوات كثيرة مفتوحة بين الثورة  ونظرائهم في اليمن والبحرين، وأنّ هذه القنوات لم تُغلق في أي وقت، ورغم أي ظرف، على عكس علاقاتها الدبلوماسية مع حكومات اليمن والبحرين التي عاشت قبل الثورة وأثناءها  بينَ مدٍّ وجزرٍ . من هنا وفَّرت هذهِ الثوراتُ فرصةً جيّدة للتواصل بين قيادتها ونخبها مع الدولة الإيرانية.

    ثانياً : إستراتيجية التشدد والتعبئة في الوقوف ضدّ الثورة السورية، ووضع مختلف إمكاناتها في خدمة النظام السوري، دعماً لمصالحها، وتعزيزاً لعلاقاتها الإستراتيجية مع هذا النظام :

    لا شك أن الثورة في سوريا تشكل تحدياً خطيراً بالنسبة  لإيران، حيثُ ترى مؤسسات صنع القرار الحاكم الإيرانية أنَّ الثورة السورية سوف  تعرَّض المصالح الإيرانية في المنطقة للخط، و سيكونُ من الصعب جدّاً حماية هذه المصالح مستقبلاً، أو تعويضها؛ خاصّةً في ظلّ التداخل الواسع بينَ  المصالح الإيرانية والسورية في مداخل الأزمات الإقليمية، واعتبار سوريا مدخلاً مهما لإيران للعبور إلى الأزمات في كل من لبنان، فلسطين، وتوظيف إيران لهذه الأزمات كأوراق رابحة تنتظرُ مقايضتها في بناء جسور العلاقات مع الغرب مستقبلاً، والولايات المتحدة خصوصاً، وقد عبّرت عن ذلك  وسائل الإعلام المحافظة بشكلٍ واسعٍ عن أهمية تقديم الدعم اللامحدود للنظام السوري  للقضاء على الثورة هناك ، خاصة أن الإيرانيين لم يتخيلوا أن تصلَ شرارةُ الانتفاضاتِ العربية إلى سوريا،  وكانوا يعتبرونَ أن انتفاضةَ الشّعب السوريّ ضدّ نظام حكمه محضُ افتراء، ولكنها بالمقابل -لا شكّ – أنها وضعتْ عدّة سيناريوهات لكيفية التعامل معَ أيّ حالةٍ جديدةٍ  قد تنشأ في سوريا خلافاً لمصالحها .

     

    جدول رقم (1) يوضّح موقفَ صحف التيار المحافظ من الثورات في كل من البحرين ، اليمن ، وسوريا ([56])

    الموقف من التدخل الغربي نتائج الثورة أهمية الثورة صفة الثورة  والموضوعات التي ركزت عليها في تناولها للثورة الصفات التي أطلقتها عليها صحافة التيار المحافظ الثورة
     

     

    إظهاره بمظهر المتواطئ مع حكومات اليمن والبحرين ، حيث

    انتقدت الموقف الغربي الذي لم يضغط على أنظمة  الحكم  في اليمن والبحرين بضرورة القيام بدعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

    “على الرغم من قيام الغرب عموما بممارسة ضغوط على الحكومتين اليمنية والبحرينية للقيام بسلسلة من الإصلاحات تلبية لطموحات شعبي البلدين،وهذا ما لم يتطرق له  صحف التيار المحافظ

    التطورات الثورية التي تجري في البحرين واليمن سوف تكون ضد  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ، لأن الحالة الثورية التي تعيشها بعض الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبر عن ضمير هذه  الشعوب الرافضة لهيمنة قوى الاستكبار الغربي صحوة إسلامية عظيمة استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثت في العام  1979، وأن النصر الإلهي الذي تمخض عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية، وسوف يدعم علاقات إيران مع هذه الدول،والدعوة لاستشراف  السيناريوهات لكيفية  الاستفادة من نتائج هذه الثورات،و ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون ، وتبديل التهديدات السابقة بفرص واعدة ، وهذه ما ستمكن إيران من أن تصبح دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط وصفت الثورة في اليمن والبحرين بالمشروعة ، وركزت على الجرائم التيار التي ارتكبتها القوات الحكومية في كلا البلدين ، ودور المتغير الخارجي خاصة السعودي الهادف إلى إثارة الفتنة الوطنية ، واستهداف الطائفة الشيعية في هاتين الدولتين، ضمن مشروع دولي مدعوم غربيا  . وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم في البحرين  خصوصا ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم  

     

    أطلقت عليه صفة الثورات :

    ثورة العدالة والمحرومين، ثورة  الحق والعدالة الثورة الحسينية،كربلاء البحرين واليمن،ربيع الحرية في البحرين،ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية ثورة الخلاص ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين، الانتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين، الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران ،ثورة جنود الإمام  وأحبائه

     

    البحرينية واليمنية
    إظهاره بمظهر المتواطئ ضد نظام الحكم السوري، حيث

     

    انتقدت الموقف الغربي الضاغط  الذي طالب النظام السوري  بضرورة دعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

      شكلت صدمة لأركان الحكم المحافظ ،وذلك لخطورة هذه الثورة ، وتداعياتها على الأمن القومي الإيراني، وضرورة تبني إستراتيجية للحد من تداعياتها على إيران وصفت الثورة السورية بالمحرمة شرعا،و

     

    وصفت دعم الثورة ومطالب المحتجين بغير القانوني ، وأنه تدخل سافر بالشئون الداخلية لسوريا ، حيث يستهدف الغرب وبعض الأطراف الإقليمية العربية الانتقاص من الدور السوري ، ضمن مخطط دولي يستهدف  الدور السوري الداعم لقوى التحرر والمقاومة  ، وركزت على الجرائم التي ارتكبتها المتظاهرين من نهب وسلب ، وترويع الآمنين،  ودور المتغير الخارجي خاصة الغربي في إثارة  النعرات بين أبناء الوطن الواحد ،واعتبار النظام الحاكم في سوريا  هو الضمانة الوحيدة لبقاء سوريا وقوتها، ودعم إجراء الإصلاحات التي يعزم النظام السوري على إجرائها، وإلقاء اللوم على قوى خارجية وداخلية أخرت تنفيذ هذه الإصلاحات  .

     

     

    أطلقت عليها تسمية أحداث الشغب ،

    لم  تطلق عليها صفة الثورات بل ركزت على وصف المتظاهرين عموما : شغب الإرهابيون،عملاء الفتنة، المأجورون والعملاء،أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”،” شغب قوى الشر”، ” الشياطين”،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية. ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة”مثيرو شغب” و”إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،عملاء قوى الشر والظلام.

     

     

    الثورة السورية

     

    جدول رقم (2) يوضح موقف صحف التيار المحافظ من الموقف السعودي الخاص بالثورة في البحرين ([57])

     

    إستراتيجية نجاح الثورات واستغلال الموقف السعودي الأسباب التي دفعت السعودية إلى تبني موقفها إزاء الثورات نتائج الموقف السعودي حسب رؤية صحف التيار المحافظ  

     

     

    الموقف من السعودية  

     

    الثورة
    1- استغلال وجود القوات السعودية في البحرين، والتعبئة بهدف استمرار التظاهرات  ، مما سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، في المنطقة الشرقية والبحرين

     

    2- تقديم النصح باستهداف قوات درع الجزيرة   ،فاستمرار التظاهرات سيؤدي إلى  سقوط عدد كبير من الضحايا ، وهذا سيثير الرأي العام الإقليمي والدولي ، وسيسهم في إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، تؤدي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة، حيث سيتمخض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية ، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

    1- الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها ، حيث وصفت الأوضاع في السعودية بغير التي سرت في مؤسسات الحكم في السعودية ، وزادت من حدتها أحداث البحرين  ، التي باتت تهدد أسس الأمن والاستقرار في السعودية 

     

    2-رسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوف يؤدي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية ، و أن هناك نواة  تحرك جاهزة للانطلاق  في المنطقة الشرقية

    3- محاولة إيجاد قواسم مشتركة بين  الثورتين في المنطقة الشرقية والأزمة في دولة البحرين وتعظيم نجاح مقومات كلا الثورتين، ووضعت نتائج مبنية على سيناريو نجاح ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية

    4- عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني  وشعب المنطقة الشرقية ، وضرورة وجود الإرادة وتقديم التضحيات حتى تأتي ثورات الخلاص بثمارها

    1-  إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاء ما يحدث.

     

    2- التحذير من أن السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين ،خاصة أن  السعودية تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي ، حيث أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي.

    3- تحميل السعودية مسئولية مشروع استهداف الشيعة في المنطقة

    4- سعي السعودية لاحتلال البحرين ، وإدارة شئونها بشكل مباشر

    ضرورة  وجود إجماع دولي وإقليمي لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني ، وتورطها بشكل مباشر في قمع الشعب البحريني ،معتبرة إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة ومدانة، مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها  

     

    البحرينية واليمنية

     

     المراجع

    [1] -( روزنامه قدس ، 6 فروردين ، 1390)

    -[2] (رهبر معظم انقلاب در جمع فرماندهان ومسئولان نظامى ، در اينده بيشترى در منطقه روى خواهد داد ، روزنامه جمهورى اسلامى ،16 فروردين   1390

    [3] ( در بخشين نشست ديبلماسى ايران در ال جديد مطرح شد ، عوامل ويزكى هاى جنبش هايى عربى ، روزنامه  كيهان ، 27 فروردين ، 1390)

    -[4] (  اينده سياسى رزيم كشورهايى عربى، روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 ارديبهشت ، 1390، سقوط حكومتهايى منطقه اى عربى ، روزنامه قدس ، 6 ارديبهشت 1390 ، سر مقاله روزنامه كيهان فارسى ، 9 ارديبهشت 1390  )

    [5] (ويزكى هايى جنبشهايى در منطقه عربى ، روزنامه كيهان فارسى، 13 ارديبهشت ، 1390 )

    [6] -(ديبلماسى ايران وتحولات جديد كشورهايى عرب: تبديل تهديدات به فرصتها، روزنامه جمهورى اسلامى ، 12 ارديبهشت ، 1390 .آينده انقلابهايى منطقه اى عربى ،سمينار هفته، روزنامه قدس ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [7] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 6 فروردين ، 1390)

    [8] ( روزنامه قدس ، 3 ارديبهشت ، 1390)

    [9] ( روزنامه كيهان فارسى، 6 ارديبهشت ، 1390)

    [10] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 13 ارديبهشت ، 1390)

    [11] ( روزنامه قدس ، 15 ارديبهشت ، 1390)

    [12] ( روزنامه كيهان فارسى ، 18 ارديبهشت ، 1390)

    [13] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [14] ( روزنامه قدس، 24 ارديبهشت ، 1390)

    [15] ( روزنامه كيهان فارسى، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [16] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 27 ارديبهشت ، 1390)

    [17] ( روزنامه كيهان فارسى ، 28 ارديبهشت ، 1390)

    [18] -(روزنامه رسالت ، آزادى براي ملت بحرين )

    [19] -(البحرين: زبان زور وبركشتن مسئله كفتكو،روزنامه اطلاعات )

    [20] -(روزنامه قدس ، 18 ارديبهشت 1390)

    -[21] (روزنامه قدس ، نكرانى أمريكا در قبال بحران بحرين)

    -[22] ( روزنامه   جمهورى اسلامي ،رهبران اعراب وسياست نا درست )

    -[23]( موضعكيرى ايران در قبال انقلاب بحرين ، روزنامه جمهورى اسلامى ، 16 فروردين ، 1390)

    -[24] ( روزنامه قدس ، 20 فروردين ، 1390 )

    -[25](روزنامه كيهان ، 21 ارديبهشت 1390)

    -[26] ( روزنامه كيهان العربي ، لن نبقى متفرجين على الجرائم ضد الشعوب، 25 فروردين ، 1390)

    [27] -( روزنامه رسالت ، 26 فروردين 1390)

    [28] -(روزنامه كيهان ، 22 ارديبهشت 1390)

    [29] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، 11 ارديبهشت 1390)

    -[30] (حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است ، كيهان ، 23 فروردين ،1390 ، تحولات سياسى در بحرين ،  روزنامه جمهورى اسلامى ، 2 ارديبهشت ، 1390  )

    [31] -(حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است، مرجع سابق . طرح نقشه انقلاب بحرين ، روزنامه قدس،  5ارديبهشت 1390 )

    [32]      -( نقش كشورهايى غربى در انقلابهايى منطقه اى ، روزنامه  كيهان فارسى ،28 ارديبهشت 1390)

    [33] -( قدردانى مردم بحرين از حمايت از ايران ، ياران انقلاب 14 فوريه بر شفاف سازى اذهان ملت هاى ازاده جهان تاكيد مى كند ، روزنامه كيهان ، 24 فروردين ،  1390 . روزنامه قدس ، 13، ارديبهشت ،1390 )

    -[34] (روزنامه كيهان ،9 فروردين 1390، روزنامه قدس فارسى ، 19 فروردين 1390، روزنامه كيهان فارسى ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[35] ( روزنامه رسالت ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[36] ( روزنامه رسالت، 17 فروردين 1390 )

    [37] -(انقلاب در بحرين وآينده رزيم سياسى ،روزنامه جمهورى اسلامى ، 19فروردين 1390)

    -[38] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 17 ارديبهشت ، 1390)

    [39] -(روزنامه رسالت، 18 ارديبهشت ، 1390)

    -[40] (روزنامه قدس ، 19 ارديبهشت ، 1390)

    [41] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 21 ارديبهشت ، 1390)

    [42] -(روزنامه كيهان فارسى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [43] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    -[44] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [45] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 24 ارديبهشت ، 1390)

    -[46] روزنامه رسالت ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[47] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[48] (روزنامه كيهان فارسى ، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [49] -( روزنامه قدس، 17ارديبهشت 1390)

    [50] -(روزنامه قدس ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [51] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، سوريه وآينده اصلاح، 4 ارديبهشت ، 1390)

    [52] -(روزنامه كيهان فارسى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    -[53] (روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [54] -(روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [55] -(روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    ( تم إعداد الجدول  رقم 1من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة )-[56]

     -( تم إعداد الجدول  رقم 2من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة)[57]

  • استقالة ظريف وكذبة الدور المناط بوزارة الخارجية

    كما رأينا في الحكومات السابقة، وكما شاهدنا في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، هو أن السياسة الخارجية لإيران يتم رسمها في مطبخ خاص بعيدا عن وزارة الخارجية، وفيه تتخذ القرارات الإستراتيجية الكبرى، لعله مكتب المرشد والحرس الثوري. لكن ما هي الظروف الجديدة التي جعلت وزير الخارجية “ظريف” يقرر الاستقالة اليوم، وإظهار نوع من ردة الفعل بعد مرور 67 شهراً على توليه موقع الخارجية؟ وهل هو مرتبط بالزيارة الأخيرة للرئيس “بشار الأسد”، وعدم معرفة “ظريف” عن هذه الزيارة إلا من وسائل الإعلام؟ أم أن هناك أسبابا أخرى أكثر عمقا دفعته لتقديم الاستقالة؟

      المؤكد في التاريخ الإيراني قبل الثورة “الإسلامية” أو بعدها، لم يكن لوزارة الخارجية أي دور في أي نوع في القرارات العملية والأساسية للسياسة الخارجية؛ سواء في زمن الشاه، أو في زمن قائد الثورة، “خميني” و”خامنئي”، لكن كان هناك أدوار مزدوجة يلعبها المرشد دوماً، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالاتفاق النووي؛ فقد لعب “خامنئي” منذ البداية دوراً مزدوجا، حيث كان يظهر هدوءه في بعض المواقف ويؤيد الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه كان يثير الأسئلة والشكوك حول نية الولايات المتحدة في الالتزام ببنود الاتفاق النووي، بين كل هذا كان “ظريف” هو الوجه البارز في محادثات الاتفاق النووي يترأس الوفد الإيراني، ويوزع الابتسامات، ويعقد المؤتمرات الصحفية، بسبب طلاقته في اللغة الإنجليزية ومعرفته بالعالم الغربي، وخاصة بسياسة الولايات المتحدة التي عاش فيها أكثر من 25 عاما.

    6

      

     

     

     

     

    اليوم، وفي النهاية تم التوقيع على الاتفاق، وخرج علينا الرئيس روحاني ليبشر العالم بأن كل ما جرى لم يكن ليتم لولا توجيه المرشد ومتابعته، و عندما قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، بدأ “خامنئي” بإلقاء اللوم وطرح أسئلة مفادها من المسئول عن توقيع الاتفاق النووي، ولأن “ظريف” كان رمزا في المفاوضات، ومع أنه لم يكن صاحب القرار في التوقيع لكنه اليوم يخضع للانتقادات،بسبب فشل الاتفاق النووي في تحقيق الأهداف الإيرانية، من المؤكد أن “ظريف” كان ضحية “خامنئي” وشركائه” اللذين باتوا ينظروا له ككبش فداء (قربان) سيتم تقديمه للرأي العام لتحميله خطيئة هذا الاتفاق.

    7

     

     

     

     

     

     

    المؤكد الثاني: أن التيار المحافظ  الذي عارض المفاوضات النووية، قد تقمّص دور المعارض لتوقيع الاتفاق النووي، فعارض مجموعة العمل المالي مع أوروبا، FATF، طبعاً دون تقديم بدائل، فهم اليوم يحاولون ممارسة سياسة تشتيت الانتباه حول الأسباب الحقيقية لاستقالة  “ظريف”، ويتحدثون عن اختلافات خطيرة مردها إلى انعدام الكفاءة في حكومة  “روحاني”، والترويج بأن قبول استقالة “ظريف”، يعني استقالة وزير النفط  “زنغنه”، كما أن هناك آخرون ينوون الاستقالة وفي مقدمتهم محافظ البنك المركزي الإيراني؛ والتحذير من أن “ظريف” ينوي الهروب مع عائلته إلى الخارج، وقد نعته المتشددون من خلال “جبهة الصمود بالخيانة، وإذا كان ما نقلته وكالة أنباء آريا عنه صحيحا، حول قول المرشد: بأنه يريد أن يضع وزارة الدفاع بدلًا من وزارة الخارجية مما دفع “ظريف” للاعتراض.

    8

      

     

     

     

     

    ربما ستكشف استقالة ظريف ما كان مستورا لمدة أربعين عاما؛ ألا وهو أن المرشد والحرس الثوري وآخرون، هم الذين يقررون مسار السياسة الخارجية، ولكن هذه الانعكاسات السلبية على هذه السياسة يجب أن يتم تسجيلها على الخارجية وعلى الحكومة الإيرانية، يعني هناك جهات أخرى تتخذ القرارات الكبرى والمصيرية ذات الطابع الدولي، وفي نهاية المطاف على الرئيس “روحاني” أن يتعرض للمسائلة، كما أن على “ظريف” المثول أمام مجلس الشورى للاستجواب، فالاعتقاد السائد بأن الخلاف الرئيسي يكمن في قيام الحرس الثوري والآخرون باتخاذ القرارات المتعلقة بوزارة الخارجية، ولكنهم غير مستعدين لتحمل أية مسؤولية.

  • التحول في الجزائر ممكن

    مرحلة مابعد (حراك الجمعة 22 /02/2019.)…هل تحتاج إلى مجموعة 22 .

    إن الجزائرَ في الوجود رسالةٌ الشعبُ حرّرها.. وربُّك َوَقّعا!
    غنَّى بها حرُّ الضّمير، فأيقظتْ شعباً إلى التحرير شمّر مُسرِعا
    شعبٌ.. دعاه إلى الخلاص بُناتُهُ فانصبَّ مُذْ سمع النِدا، وتطوَّعا
    واستضعفوه.. فقرّروا إذلالهُ فأبتْ كرامتُهُ له أن يخضعا
    مفدي زكريا
    أكثر من 22 سنة والشعب الجزائري يراقب الوضع العام ويتفاعل معه بصورة منفردة وذاتية مرة حزبية ومرة نقابية ومرة شخصية حتى ظنت النخب السياسية المناضلة من اجل التحول السياسي في الجزائر نحو التقدم والازدهار والكرامة والعدالة أن الشعب ماتت فيه القدرة على المساهمة في التغيير والإصلاح ووصفه البعض بالاستقالة الشعبية من الفعل السياسي العام ،وثارت التساؤلات المحيرة حول كيفيات إخراج الشعب من حالة الكمون التي استدامت لعقود ووصل آخرون إلى حالة اليأس من عملية التغيير بمساهمة ومشاركة الشعب وراح يبحث عن حلول أخرى .
    هذه الحيرة أجابت عنها مسيرات 22 فبراير 2019 (حراك الجمعة22 /02)بصورة واضحة وجريئة فاجأت النخب والشعب نفسه لان حالة الوعي الجديدة والخروج من مربع الانتظار والذاتية الى ساحة الفعل والحسم أحالت الجميع سلطة ومعارضة وشعب ونخب على مرحلة جديدة ليس من المطلوب أبدا من الشعب أكثر مما فعله يوم الجمعة 22 فبراير 2019 ،والدور على النخبة السياسية سواء كانت في السلطة أو المعارضة استقبال رسالته بوعي اكبر واستعداد لصياغة مرحلة جديدة لا غموض فيها لأي فاعل سياسي على اعتبار أن الحالة السابقة كانت ميزتها الغموض والضبابية بامتياز .
    إن حالة الوعي البارزة اليوم والتي وصف بها حراك 22 فبراير من طرف الجميع ليست مفصولة عن تلك النضالات السياسية والإعلامية التي قامت بها نخب لم تستسلم للوضع العام الذي أرهق الكثير وأحالت البعض على التقاعد السياسي أو تغيير الحرفة السياسية فتراكم النضال وإيقاد الشموع ورفع راية التغيير والإصلاح في العقد الماضي وتراكم كل ذلك نتج عنه حراك مميز يوم الجمعة الماضي حيث تعلم الناس النضال السلمي وأساليب التغيير والحرص على عدم اختطافه من المغامرين وإحاطته بالسلمية ..كل ذلك ليس مطرا سقط من السماء في دقيقة وإنما هو ثمرة نضال وعمل وتدافع نخب متنوعة لم تدع الراية تسقط منذ عقود فتحية لكل هؤلاء .
    رسالة الجمعة التي شارك في كتابتها جل الشعب الجزائري هي بمثابة وصفة مختصرة ومكثفة تمثل جوهر ولب كل رؤية مستقبلية تتطلع الى التغيير والاصلاح السلمي والهادئ والهادي والهادف ،ومما تضمنته رسالة جمعة فبراير المجيدة مايلي : 
    1. أن الشعب الجزائري شعب موحد خلف هدف واحد وهو الحرية المسؤولة ولا احد يمكنه أن يستغل صمتنا وحراكنا لغير صالح الوطن والمواطن .
    2. لا احد يمكنه أن يتكلم باسم الشعب ويصادر إرادته واختياراته وبإمكانه أن يبدع الوسائل الكفيلة بالتعبير عن ذلك ليسمع الجميع صوته ورقيه وتحضره .
    3. مازال الشعب الجزائر حساس لظاهرة الحقرة التي قد يتعرض لها مواطن واحد فكيف بشعب كامل صنع أعظم ثورة في القرن العشرين وهو ينصر المحقور ولو بعد حين . 
    4. أن تهمة العنف والتخريب وآثار المأساة الوطنية لم تصبح صالحة اليوم لتبرير التضييق على حرية التعبير ومنع النضال السلمي وحرية التجمع والعمل العام وفرملة الحراك نحو التغيير.
    5. أن فكرة رئيس مدى الحياة أو توريث الحكم ليست صفة ولا تقليد جزائري في تاريخه المعاصر وهي لم تعد تصلح للحكم في مقابل وعي سياسي شبابي متزايد نحو استلام المشعل الذي تأخر أكثر من 50 سنة وآن الأوان لمن طاب جنانو أن لا يطمع في أعمار وجنان الآخرين .
    6. وأن الصبر والتحمل والتعقل والانضباط المواطني ليس جسرا نحو الاستحمار والاستعباد والاستبلاد والاستبداد فيمكن أن يكون الشعب من الصابرين والمتحملين والعقلانيين في كنف المواطنة والكرامة والحرية والديمقراطية .
    7. ليس صحيحا أن الشعب الجزائري شعب عنيف وأن الشباب الجزائري شباب حراق ومنقطع عن هويته وقيمه وحب بلاده بل حلمه مازال في الجزائر ولا يسمح باغتيال حلمه من جديد .
    8. أن قدرة الجزائريين على الادراك الواعي لمكنونات الضمير الجمعي قبولا ورفضا قدرة خلاقة و غير مرئية سيما لمن لم يفقه بعد معطى الوطن الأمة الجزائري فطريق الاجتماع في اللحظة المناسبة لا يحتاج إلى وسائل اعلام وتسويق تقليدية أثبتت محدوديتها في التعامل مع هذا الحراك حيث يبدع الشعب وسائله بطريقة مدهشة.
    على هذه المسطرة الجديدة في مرحلة مابعد 22 فبراير 2019 ،ينبغي أن ينضبط أهل السياسة والحكم في الجزائر ،لان الشعب صاحب السيادة حسم اتجاه البوصلة وليس مطلوبا منه أكثر،فالشعوب هكذا لا تجتمع كلمتها دائما وهي حينما تقرر يصبح قرارها يشبه القدر أو كما قال مفدي زكريا (الشعب حررها وربك وقعا…) لا نريد من نرفع مرتبة الشعوب إلى مصف الربوبية أو نضفي القداسة على هذا الحراك الذي طرح استفهامات مشروعة كثيرة ، وإنما نريد فقط أن نصيغ مفردات تعلي من أهمية الشرعية والمشروعية وصوابية أولوية تقوية المجتمع على السلطة فإذا ما انحرفت صوبها ،وهو دور النخب الجزائرية اليوم بكل أطيافها ومهما كان موقعها ووظيفتها ،اقصد من يملكون الضمير والتفكير والتعبير(أتحدث عن النخب ولا أتحدث عن الأحزاب لأنها ستصبح بعد التفكير والتدبير رواقا رئيسيا للعمل والنضال والنخب المقصودة ليست فقط في المعارضة بل في السلطة والمجتمع أيضا) .
    فبعد جرأة الشعب في التعبير يجب أن تبدأ نخبه في التفكير الجماعي وليس الفردي المعزول وهي بما تتمتع به من ذكاء جماعي يمكنها أن تصنع الفرق وتصيغ الرؤية و تبدأ العمل المشترك على تجميع الكتلة التاريخية للمجتمع الجزائري التواق إلى الحرية والعدالة ومحاولة تاطير واحتضان وهيكلة هذا الحراك ،أما مواصلة مسيرة الجدل و الفوقية و ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والتمحور حول الذاتية وجلد الذات واستدعاء أخطاء الماضي ،الاستمرار في هذا الدرب هو تضييع وهدر للفرصة السانحة اليوم وخيبة أمل الجمهور بهؤلاء .
    إن الرهان على انتظار رد أو تصحيح للمسار من طرف السلطة الحالية هو كمن يقامر في طاولة قهوة موح،أي نعم قد تعدل السلطة من بعض خياراتها الفرعية والجزئية أما خياراتها الرئيسية فستكيفها مع طبيعة المرحلة ونوعية الفاعلين فيها وأولهم النخب السياسية الحالية ،ولذلك لا يجب أن ننتظر المهدي ليخلصنا من وضعنا البائس ،فالرهان الحقيقي إذن هو أن ينهض فينا أمثال مجموعة 22 لصناعة مستقبل جديد للجزائر …عن هذا المشروع المبادرة سنتحدث في قادم الأيام .

  • الثورة السورية ثورة عفوية

    لقد انطلقت الثورة السورية ولم يكن خلفها أي تنظيم أو توجه سياسي أسوة بكل ثورات الربيع العربي التي انطلقت من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، ولم تكن الثورة السورية بدعة أو تختلف عن مثيلاتها في الوطن العربي، فالهمُّ واحد والآلام مشتركة والظلم والجور واقع عليهم من أنظمة سادية إقصائية فاسدة، اعتمدت تجويع شعوبها وإفقارهم وتجهيلهم واستعبادهم.

    لقد راقب السوريون بحذر ثورات الربيع العربي وهي تندلع في بلد تلو الآخر وهم يكتمون أنفاسهم متوقعين وصول رياح التغيير إليهم، في حين كان النظام السادي في دمشق يصر على نفي إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات إلى سورية، وكانت أول محاولة لتجمع بعض الشباب أمام السفارة التونسية ولكنها لم تكلل بالنجاح، لكن هؤلاء الشباب نجحوا في التجمع أمام السفارة المصرية يومي 29 و30 كانون الثاني، وبعدها بمنطقتي باب توما وعرنوس بدمشق.

    المعروف في سورية الأسد أن نزول المواطنين إلى الشارع كان يتم بأمر من السلطات من أجل الهتاف للرئيس الأسد الأب ومن بعده الابن، فيما عدا ذلك لا يمكن التعبير عن أي شيء آخر.

    وفكر بعض الشباب على التقدم للحصول على ترخيص من وزارة الداخلية من أجل القيام باعتصام، وكانت فكرة خرافية بالنسبة لمن قُدم الطلب إليهم في هذا الخصوص.

    كان عدد الشباب المتحمس للعصيان والتظاهر قليل جدا. حيث إن النشاط السياسي كان مقتصرا على المعارضين الذين سجنوا، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الذين كانوا يقومون بمجازفة.

    لجأ الشباب إلى أجهزة التواصل على قلتها يخططون للاعتصام عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) رغم أنها كانت محجوبة من قبل السلطات، وقام كل واحد بدعوة أصدقائه الذين يعرفهم شخصيا ويثق بهم. وراحت الاتصالات تتوسع لتشمل عدداً من الصحفيين والفنانين والكتاب تدعوهم للمشاركة، وكان معظم هؤلاء لا ينتمون إلى أي تنظيم أو مجموعة ذات نشاط سياسي، لذلك كانت وسيلة هؤلاء الشباب الوحيدة هي الإنترنت، وكان الناس خائفين من أن يكون هناك من جواسيس الأمن من يدفع بعض هؤلاء للتظاهر أو العصيان ومن ثم اعتقالهم وتعرضهم للتعذيب والسجن كما تعود السوريون على هذه الألاعيب الدنيئة من النظام، ناهيك عن عدم الثقة فيما بينهم للقيام بنشاط كهذا.

    كان النظام السادي في دمشق قد أبدى ترحيبا بالثورة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، الذي لم يكن على علاقة طيبة معه، واستغل الشباب هذه النقطة أثناء جدالهم مع ضابط الأمن أمام السفارة المصرية الذي نهرهم وطلب منهم الانصراف، ثم توعدهم بأن يفلت عليهم هؤلاء “الشوايا” وكان يقصد عناصره بذلك الوصف.

    لكن الشباب عادوا ليجادلوه بأن عليه عدم الإساءة لهؤلاء الرجال الذي يحمون الوطن، في محاولة لاستثارة النخوة فيهم، إضافة إلى التأثر بموقف الجيش في ثورتي مصر وتونس.

    وأثناء الاعتصام ركز الشباب على فكرة أن مبارك خائن وهذا يوافق رؤية النظام، وكانت الشعارات والهتاف ضده ومع الشعب المصري.

    وكان لإهانة شرطي مرور مواطنا سورياً أمر اعتيادي ويحدث كل يوم، لكنه عندما حدث يوم 17 شباط 2011 لم تمر تلك الإهانة كسابقاتها.

    وكتعبير عن حالة الاحتقان تجمع بضع مئات من السوريين بمنطقة الحريقة بقلب دمشق عقب تلك الحادثة بدقائق بطريقة عفوية ودون تخطيط، وانطلق هتاف “الشعب السوري ما بينذل” الذي أصبح فيما بعد من أبرز شعارات الثورة.

    وبعدها بأيام كان الاعتصام أمام السفارة الليبية يوم 22 شباط، وانطلق لأول مرة في سماء دمشق شعار “خاين يلي بيقتل شعبو”. وتمكن الشباب من الاعتصام هناك لبعض الوقت، وحملوا شموعا ولافتات تندد بالقذافي.

    وطلب منهم الأمن الانصراف وجاؤوا بسيارة البلدية الخاصة بمياه المجاري لتفريقهم، الأمر الذي جعلهم يشعرون بالإهانة، ثم بدأ المعتصمون بغناء النشيد الوطني، في إشارة إلى أن سورية كانت قضيتهم وهمهم، وانفض ذلك الاعتصام بالقوة واعتقل قرابة 12 شخصا.

    بعدها انطلقت الشرارة الأولى للثورة يوم 15 آذار، بصرخة الحرية التي أطلقتها الناشطة مروى الغميان في قلب دمشق.

    دفع المناخ الثوري الذي تشكل في عدد من الدول العربية أواخر عام 2010 وأطلق عليه الربيع العربي، دفع السوريين إلى السير على هذا الدرب أملا في الخروج من حال الطغيان والفساد واحتكار السلطة، خصوصا بعد نجاح ثورتيْ تونس ومصروبعدهما ليبيا واليمن في الإطاحة برؤوس أنظمة تلك الدول.

    فقد حاول بعض النشاطين السوريين تنظيم عدة مظاهرات تضامنية مع ثورة 25كانون الثاني المصرية بدأت في يوم 29 كانون ثاني 2011 واستمرت حتى 2 شباط بشكل يومي في دمشق، إلا أن الأمن السوري اعترض المتظاهرين وسلّطالشبّيحةعليهم.

    انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في عدد من المدن السورية عام 2011 تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمت معظم المدن والبلدات السورية.

    قمع النظام السادي في دمشق بالسلاح المظاهرات السلمية فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوءً في مختلف بقاع العالم، وتحولت سورية إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

  • العرب بين معزوفة أرب أيدل ومطرقة القواعد البحرية الإيرانية في المنطقة .... نبيل العتوم

      أ كد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، أن إيران باتت  بحاجة  ملحة إلى قواعد بحرية في اليمن وسوريا..

    وأضاف “أن امتلاك قواعد خارج الحدود هي أقوى بعشر مرات من القوة النووية ، واعترف  أن  لدى إيران قدرة نووية ، مكنتها  من  الوصول  إلى  التخصيب بنسبة  95 بالمائة ، وبهذا تمكنت من  اجبار العالم على أن يجلس معنا على طاولة التفاوض.

    لا شك بأن  الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 9نيسان/إبريل عام 2003م، وما أعقب ذلك  من تداعيات دراماتيكية مدمرة بعد  الأزمات في المنطقة بدءا من مصر ، تونس ، ليبيا ،  سوريا ، اليمن …..مما شكل  فرصة تاريخية لإيران لتوسيع نفوذها وامتداد إخطبوطها الشيطاني في المنطقة ، بعد أن نجحت عنوة ورغم أنف الجميع في تحويل الإقليم إلى ساحة لتبادل إطلاق النار وسحق الخصوم  ، لتمارس  بعدها بسط هيمنتها ونفوذها وتأثيرها على المنطقة وبناء مجالها الحيوي  دون مقاومة رسمية عربية تذكر ، حيث سعت طهران إلى بلورة مشروعها  بما ينسجم مع هندستها  لأمنها القومي، ومرتكزاً لتعزيز نفوذها الإقليمي، إذ أضحى العراق وسوريا ولبنان  منطقة مثلى لتحرك إيران ، ومحاولة فرض شروط الاستسلام  على الدول العربية، والسؤال المهم والمحوري  كيف يمكن للدول العربية والإقليمية مواجهة إيران من خلال مداخل الأزمات الإقليمية  مع  حالة الضعف والانحطاط العربي ، ومحاولات إيران للاستفراد  بمن تبقى  ؟ الإجابة على هذا التساؤل باتت أصعب من أي وقت مضى ،  لأن ما يجب القيام به لمواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم مع  حالة السيولة الدولية المقصودة وغير المسبوقة صارت بعيدة المنال بعد أن تشعب السرطان الإيراني في الأزمة العراقية والسورية واليمنية واللبنانية …….

    بأمانة نقول أننا نعيش حالة كوما ” غيبوبة ” عربية غير مسبوقة ، في وقت ارتكزت إستراتيجية النفوذ الإيرانية بناء  التحالفات والمحاور  وتعزيز مقومات قوتها الذاتية  ، مما مكنها للتحدث بوقاحة عن عزمها بناء   قواعد بحرية داخل العمق العربي ، وكأن الأرض العربية باتت  إقليم جغرافي مشاع لها ولغيرها لتستبيحه ، فنشطت في إنشاء المليشيات والخلايا النائمة وزرعتها في جسد الأمة العربية الواهن أصلاً  ، وزرعت قنابلها الطائفية  التي تريد إحداث  أكبر عملية  تغيير ديموغرافي لصالح تعزيز فكرة القيمومة على شيعة الشتات ، وإعادة   هندسة مشروع توزيعهم ،و ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي  وإستراتيجي غير مسبوق  في ظل حالة الصدع المذهبي الذي نجحت في خلخلته أصلاً ، وبالتالي تعزيز السيادة على شيعة الشتات وفق رؤية مذهبية لن تبقي ولن تذر . الأمر الثاني أن طهران  أعادة رسم  التعامل  في بناء التحالفات   بهدف  الاستفادة منها وتوظيفها  لتشكيل المؤسسات الناشئة  في  اليمن وسوريا مستقبلا  كما حدث معها في العراق، فبدأنا نشهد الندوات  تلو الندوات في طهران التي تتحدث عن سوريا ويمن المستقبل والدور المناط بإيران للقيام به  ، لتعزيز مقومات بقائها ، وأهمية التحالف مع الأحزاب والتنظيمات  المختلفة لتوسيع خياراتها وضمان أمنها ومصالحها القومية .

    المثير أن إستراتيجية طهران  تحولت إلى فكرة بناء المليشيات العابرة للحدود لتكون أدوات إيران  الجديدة الضاربة في المنطقة ، وقد تمثل ذلك من خلال نجاحها في بناء الحشد الشعبي الطائفي الذي بات اليوم خارج المساءلة القانونية والجنائية ببركة دولة الولي الفقيه ، واستعداده للاندفاع  بكامل طاقته و قوته نحو أراضي السعودية والكويت والبحرين ، حيث تعهد الحرس الثوري  وفيلق القدس” التابع له ، بتسليح وتدريب وتمويل هذه  المليشيا الدموية، حتى بأسلحة الدمار الشامل – كما ذكر آية الله محمد مصباح يزدي –   والتي لعبت دوراً بارزاً في تأسيس للطائفية والمذهبية وتقسيم العراق ، وابادة أهل السنة ، والحبل على الجرار.

           من المؤكد أن إيران ماضية على قدم وساق إلى  وضع آليات  جديدة مبتكرة لتنفيذ استراتيجة النفوذ  الجديدة من خلال حشد  جُل امكاناتها وطاقاتها  وعبر توظيف كل مؤسساتها، ومحاولة توظيف مراجع إيران والعراق  في كل مكان يذكر فيه اسم طائفة شيعية لتدمير العرب  .

               في الوقت الذي  أسست فيه طهران  القنوات الطائفية  الناطقة بالعربية  باللغة العربية للسيطرة على عقول وقلوب الشيعة  وتعبئتهم ضد يزيدي العصر في كل مكان ، وقد عكست هذه القنوات سياسة إيران الإعلامية وما ترغب ترويجه للشيعة  بشكل خاص  لذبح الأمة السنية من الوريد إلى الوريد ، تنشغل فضائياتنا العتيدة بآرب أيدل لاختيار أعذب صوت  وأجل إطلاله ، والتبشير بعرض موسم جديد من ستار أكاديمي ، وكأننا أصبحنا أمام مؤسسات وأنظمة  رسمية عربية  ترعى العهر والرذيلة وتتفنن بها  ، لتسهيل مهمة إيران للإجهاز علينا .

             ولم يقف الأمر عند ذلك ، فقد  وفرت بعض الدول العربية عن عمد  المقومات الفعلية والعملية لضمان نجاح مرتكزات وآليات إستراتيجية النفوذ الإيرانية في المنطقة أهمها: على الجانب الاقتصادي أصبحت بعض الدول العربية  من الشركاء الرئيسين  التجاريين لإيران؛ مما ساهم بتخفيف حدة العقوبات الدولية ، لتتمكن طهران من بناء برنامجها النووي ، الذي سيكون وبالاً عليهم ، ولم يقف الأمر عند ذلك فقد  قامت بتسهيل حركة السيولة وتدوير أموال الخمس وغسيل الأموال  من إيران وإليها لذبح سنة العراق وسوريا واليمن ولبنان….  ، وباتت اللغة الفارسية  اللغة  الرسمية الثالثة فيها.  أضف إلى ذلك  أن بعض الدول العربية الأخرى  قد  فتحت موانئها وأجوائها  لتخفيف الضغط عن النظام الإيراني ، بل و الالتفاف على خط العقوبات الدولية  لانعاش الاقتصاد الإيراني  ، أما   البعض  الأخر  فقد  سابق الخطى للدخول على خط الوساطة وتلطيف الأجواء بين طهران وواشنطن حتى لا ينهار نظام الملالي .  
         في حين انشغلت بعض الدول العربية بنسج خيوط للعلاقات السياسية بالسر والعلن ، تحت حجة محاربة الإرهاب ، وفي هذا فحدث ولا حرج ،و يمكن أن نلمس مؤشراته بوضوح في تصريح رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشورى أول  أمس  بأن علاقات إيران الخارجية ستشهد تحالفات إستراتيجية مع بعض الدول العربية المحورية ، ويا لها من بشارة .

             بعد اليوم بات  لا مكان للحديث عن بناء مشروع عربي لمواجهة المشروع الإيراني

    ولو من باب المجاملة ، وكفانا كذباً واستهتاراً بعقول الغلابى والمستضعفين والمقهورين والمكلومين والثكالى من الأمهات والأطفال والشيوخ …كفانا …. باختصار لأن مواجهة دولة ولي الفقيه من الشعوب وقواه الحيه  تبدأ وإليه تنتهي، عظم الله أجركم في أنظمتنا العربية  . وحسبنا الله ونعم الوكيل .

  • برنامج العمل الأوروبي مع إيران

    بعد هذا التأخير المتوالي في النصّ المعروف باسم “خلاصة برنامج المجلس الأوروبي فيما يتعلق بإيران”، فقد تم في نهاية المطاف إقرار هذا البرنامج ونشره، وهذا البرنامج الأوربي يتضمن مجموعة من المواقف والقرارات السياسية التي تعبر عن طبيعة عمل السياسة في الإتحاد الأوروبي، حيث يشتمل هذا البرنامج المتعلق بالشأن الإيراني على اثنتي عشرة فقرة، ففي الفقرات الأربعة الأولى يلتزم الإتحاد الأوروبي بما التزم به تجاه ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق النووي، ودعم الإتحاد له لكون وسيلة تحول دون التوسع في انتشار الأسلحة النووية، كما أنه يتحدث عن التزام إيران بما جاء فيه، ويثمّن ما لحق به من بروتوكولات.

     ففي الفقرات الأربعة الأولى عبّر الإتحاد الأوروبي عن بالغ أسفه لعودة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، كما أنه أشار إلى طبيعة الإجراءات الأوروبية والمساعي التي تبذلها أوروبا لإطلاق إجراءات مالية خاصة تدفع باتجاه إيجاد صفقات اقتصادية وتجارية مع إيران.  وابتداء من الفقرة الخامسة فما بعد، فإنه يعبر عن مدى القلق الأوروبي وانتقاده لإيران، ويتمثل هذا القلق الأوروبي بسبب الدور الذي تلعبه إيران في خلق التوترات في المنطقة، حيث يتمثل دورها في الدعم المالي والعسكري والسياسي للتنظيمات المختلفة في سوريا ولبنان، كما طالب الإتحاد الأوروبي إيران بالمساعدة على وضع حدّ للصراع الدائر في اليمن. أما في الفقرة التاسعة فقد تطرّق في هذه الفقرة إلى أبرز التحديات والهواجس الأوروبية حول إيران في هذه الأيام.

    عبّر الإتحاد الأوربي كذلك عن بالغ قلقه نتيجة استمرار طهران في أنشطتها الصاروخية، ففي البيان الذي صدر عن هذا الإتحاد، وصف فيه التجارب الصاروخية الإيرانية -الصواريخ البالستية الإيرانية- على أنها سبب في عدم استقرار المنطقة، وعدم إيجاد الثقة فيها، وطالب طهران بالتوقف عن إنتاج هذه الصواريخ وإطلاقها. وجاء في البيان الذي صدر عن الإتحاد الأوروبي الذي حذر من سعي   طهران  لزيادة مدى هذه الصواريخ ، متهماً  إيران بالاستمرار في زيادة عدد التجارب الصاروخية التي تقوم بها، و تطرق إلى التعبير عن مدى القلق الأوروبي نتيجة الأنشطة العدائية التي تقوم بها إيران على الأراضي الأوروبية، واستعرض العقوبات التي فرضها الإتحاد على شخصيتين إيرانيتين،  ومؤسسة إيرانية أمنية أخرى، كما طالب الحكومة الإيرانية أن تضع حدا لهذه المسلكيات الغير مقبولة بأسرع وقت ممكن، ولم يغفل البرنامج الأوروبي مسألة حقوق الإنسان في إيران ومواصلتها تنفيذ الإعدامات، فقد أكّد البرنامج الأوروبي هذا على أن للحوار مع إيران نهاية، كما أكّد على موضوع التوازن الشامل. بالرغم من أن هذا البيان الأوروبي لم يشر إلى موضوع التحذيرات الموجه لإيران، والمتعلقة بممارسة الضغط عليها، أو فرض عقوبات جديدة، إلا أن هذه الانتقادات والقلق الأوروبي يشبه إلى حد كبير ما تمّ الحديث عنه في واشنطن في هذه الأيام.

     بموازاة ذلك ردت وزارة الخارجية الإيرانية الأنشطة الصاروخي الإيراني على الإعلان الأوروبي واصفة البرنامج الصاروخي بأنه دفاعي، ولن يكن موضع بحث أو نقاش مع باقي الدول.

     وفي غضون ذلك اعتبر “محمود واعظي”، مدير مكتب الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، أنّ أي التزام يفرض على إيران خارج حدود الاتفاق النووي، هو أمر مرفوض.

     ويعتقد الكثير من نخب التيار المتشدد في مجلس الشورى الإيراني، أن الإتحاد الأوروبي وبعد هذه الحزمة الإجرائية قد وضع أمام إيران شرطين حيث لا يمكن لإيران القبول بهما على الإطلاق؛

    أما الشرط الأول: فيتضمن انضمام إيران إلى قوانين مجموعة العمل المالية الخاصة في إيران والمعروفة باسم (FATF

    اما الشرط الثاني: فيتعلق بحل أزمة البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني. من جانبه قال وزير الخارجية الإيرانية “محمد جواد ظريف”: إن انضمام إيران لهذه المجموعة المالية الخاصة ليست من الشروط الأوروبية، كون أن هذه المجموعة المالية تعمل على إقرار مشروع القنوات التجارية مع إيران.

     في الحقيقة أصبح موضوع البرنامج الصاروخي الإيراني موضوعا مهما وقد تحول الآن إلى مصدر قلق رئيسي ليس لأمريكا فحسب، وإنما لبعض الدول الأوروبية ومن ضمنها فرنسا وألمانيا التي بدأت تشاطر الولايات المتحدة رؤيتها، وباتت إيران الآن ومع التوسع هذا في برنامجها الصاروخي، والتي استخدمت فيها  نوعاً من التكنولوجيا التي من شأنها جعل هذه الصواريخ تحمل رؤوسا نووية، فضلا عما تمارسه من أنشطة تخريبية  في المنطقة والتي وسعت الآن من دائرة التوترات مع معارضيها، سيّما الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي. 

  • مؤتمر ميونخ للأمن: وجهة نظر إيرانية

     بعد اجتماع دام ثلاثة أيام انتهى المؤتمر الأمني “ميونخ”، حيث  شارك في هذا المؤتمر ثلاثون زعيم دولة، والعشرات من وزراء الدفاع، ووزراء الخارجية، من دول العالم، وكان من بينهم “مايك بنس”، مساعد الرئيس الأمريكي، والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، حيث تطرّق الحضور لمناقشة العديد من القضايا الأمنية العالمية، وفي هذا المؤتمر قال وزير الخارجية الإيرانية “محمد جواد ظريف”: إن إسرائيل توجه التهديدات لإيران، في الوقت الذي تطالب فيه إيران السلام والتعامل مع دول المنطقة، وأضاف “ظريف” قائلا: إن أمريكا تشكل اكبر عامل لعدم الاستقرار والأمن في المنطقة، في هذا المؤتمر، وقال: إن أمريكا سعت في مؤتمر “وارسو”، إلى ممارسة مزيد من الضغط على الدول الأوروبية لإرغامها على الانسحاب من الاتفاق النووي. واستعرض قائلاً: قبل عامين حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إيصال عداوتها مع إيران إلى أعلى مستوى لها فهي قد عملت ومن خلال انسحابها من الاتفاق النووي على مخالفة الاتفاقية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي تؤكد على قيام علاقات اقتصادية مع إيران، وفي معرض ردّه على سؤال يتعلق فيما إذا كانت أمريكا تسعى لتغيير النظام في إيران قال “ظريف”: إن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها هدف إلا هذا،  لقد قالوا: إنهم لا يريدون شيئا سوى تغيير النظام في إيران، وهذا في الحقيقة الهدف الوحيد الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيقه. أما انسحابها من الاتفاق النووي فقد كان هدفا من الأهداف التي تسعى أمريكا لتحقيقها، على ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تصغي إلى الأشخاص الخطأ، فمنذ أربعين عاما وهي تتخيل أن النظام في إيران سيتبخر، فقد تغيرت الأنظمة في سبعة دول بينما ما زال النظام في إيران باق.


    أشار ظريف في خطابه إلى العديد من المواضيع، ولعل أبرزها موضوع البرنامج الصاروخي الإيراني وقال: إن إيران لا يمكن لها أن تخوض مرحلة من المحادثات تتعلق ببرنامجها الصاروخي، فدول الإتحاد الأوروبي ومن جملتها فرنسا لن تترك الشعب الإيراني أعزلا مقابل “صدام حسين” الجديد في المنطقة. كما تحدث “ظريف”، حول تلك الدول التي شرعت الآن بشراء الأسلحة، من جهة أخرى، اللافت للنظر إشارة “ظريف”، إلى ما تقوم به أمريكا من عمل لتدمير البرنامج الصاروخي الإيراني.

     وفي الحقيقة هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها “ظريف”، وقد انتابته العصبية وكان يسيطر عليه  في أثناء حديثه الطابع الهجومي تارة، والطابع الدفاعي تارة أخرى، لذلك فإن هذا يدل على أن ظريف يعيش تحت وَطْأت الضغوطات لكون إيران لم تحصل من جرّاء هذا الاتفاق النووي على تلك المصالح والمنافع الاقتصادية والتجارية التي كانت متوقعة من هذا الاتفاق وبالتالي عودة الحركة التجارية مع إيران إلى سابق عهدها. هذا ومن الناحية العملية يعيش الجناح الإصلاحي تحت وَطْأت ضغوطات غير مسبوقة تؤشر إلى شيء ما.

          السياسة العامة لإيران تتمثل الآن في البقاء ضمن الاتفاق النووي، والحرص على ذلك، فهي وإن انسحبت الآن من هذا الاتفاق فإن الإتحاد الأوروبي ستضطر إلى العودة نحو المعسكر الأمريكي في فرضه لهذه العقوبات النووية على إيران، وهذا بالمحصلة سيقود إيران إلى مرة أخرى إلى عرض ملفها على مجلس الأمن الدولي من جديد، مما سيشكل بالنسبة لإيران مأزق أمني خطير للغاية إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي.

         يحاول “ظريف” من خلال كلامه ممارسة المزيد من الضغوطات على الإتحاد الأوروبي،  لكننا نرى بأن الإتحاد الأوروبي لا ينظر لإيران من زاوية المصالح الثنائية فقط ، ما يعني الإتحاد الأوروبي هو: (أمن الشرق الأوسط)، كما أن الاستنتاج الأوروبي يتمثل بعدم حدوث اضطراب أو تصعيد أمني جديد في الشرق الأوسط يمثل بالمحصلة خطر عليها، وعلى أمنها وقد استخدمت هذه الدول  تعبيرا ناقداً ضد إيران ” كمن يطلق النار على قدمه” وهذا ما تقوم به إيران فعلاً ، وخاصة حول موضوع التجسس الإيراني  الذي وقع في ألمانيا، ودعم العمليات الإرهابية من جانب جهاز المخابرات الإيراني في أوروبا ضد المعارضة. ومع ذلك تُظهر هذه الممارسة بأن إيران حتى في ظل هذه الظروف الحالية التي تعيشها باتت أمام سيناريو انهيار اقتصادي غير مسبوق، و طهران باتت على يقين أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إنقاذها، وأن الطريق الوحيد أمامها هو فتح باب الحوار مع واشنطن بشكل عاجل، وخاصة أن الداخل الإيراني يغلي، وأن الضوء الأخضر الأميركي بتحريك الأقليات والمعارضة المسلحة ضد الحكومة المركزية بات مكشوفا، وما عملية جيش العدل التي جرت في بلوشستان إلا أكبر دليل على ذلك.