• " الاستيطان والجدار في محافظة سلفيت"

    تعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية الأشد تضررًا من المشروع الاستيطاني لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي والمركزي على هضاب جبال الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية، وقد تعرضت هذه المحافظة كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى اجتياح كبير واستهدافٍ لأراضيها الخصبة والمرتفعة على مدى العقود الماضية منذ دخول الاحتلال إليها. وقد كانت سلفيت تاريخيًا تتبع إلى محافظة نابلس خلال الحكم الأردني قبل عام 1967، ومن ثم إلى محافظة طولكرم بعد الاحتلال الإسرائيلي، وبعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في التسعينيات تم إصدار قرار بتحويلها إلى محافظة مستقلة عن المدن المجاورة. وتبلغ مساحة محافظة سلفيت بحدودها الإدارية الحالية (204 كيلومتر مربع) ويسكنها حوالي 75 ألف فلسطيني (الإحصاء الفلسطيني، 2017)، وتخضع الغالبية العظمى من أراضيها (حوالي 75%) للسيطرة الإسرائيلية، وهي المناطق المصنفة (ج) بحسب اتفاقية أوسلو. وبسبب وجود هذه السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، فقد استبيحت أراضيها بالقوة وأصبحت امتدادًا للمشروع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية التي تشكل منطقة استهداف إستراتيجي للمشروع الصهيوني السياسي والاستيطاني ضمن ما يسمونها منطقة (السامرة). ومنذ عام 1967 تصاعد الوجود الاستيطاني في سلفيت حتى وصل ذروته في الوقت الحالي بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي ووجود سكاني إسرائيلي كبير نسبيًا.

    وتعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية المنكوبة بفعل المشروع الاستيطاني حتى أصبح البعض يسميها أسفًا "محافظة المستوطنات"؛ نتيجة للتغول الاستيطاني الكبير على حساب الوجود الفلسطيني، وقد عملت المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية والأهلية والشعبية ضمن إمكانياتها المحدودة والمتواضعة على دعم صمود هذه المحافظة وسكانها في وجه الاستيطان، لكن القوة العسكرية للاحتلال تفرض نفسها على الأرض، وقد وقف أهالي محافظة سلفيت وقراها مدافعين عن أرضهم وقدموا لذلك ما استطاعوا وظلوا صامدين على الأرض.

  • "رسائلٌ إيجابية" بين الأطراف الكُردية.. تمنياتٌ مثقلة بالتحديات

    بعد سلسلة محاولات متعثرة لتشكيل مظلة سياسية كردية؛ أطلقت قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" بدفع أمريكي مؤخراً دعوة تبين فيها رغبتها بتسهيل الحوار والتوافق بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي/ الإدارة الذاتية، وقد لاقت هذه الدعوة صدى بين الأطراف الكُردية.

    ولأهمية الموضوع لما له تأثير على تفاعلات الأطراف المحلية على الخارطة السورية المعقدة، يحاول تقدير الموقف هذا توضيح السياقات الحالية وربطها بالتجارب السابقة، وذلك للوقوف على ما يمكن أن يتمخض عن هذه المحاولة في ظل مشهدٍ سوريٍ شديد التحول والحركية.

  • أزمة النخبة السياسية الفلسطينية

    قلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    عادة ما يتم تعريف النخبة السياسية بأولئك الذين يمتلكون السلطة الحقيقية في الدولة. ويمكن توسيع دائرتهم لتشمل أصحاب النفوذ، والمؤثرين في صناعة القرار، وأولئك الذين يملكون أدوات السلطة والسيطرة الدينية أو الاقتصادية أو العسكرية أو العرقية والقبلية… وغيرها.

    غير أن ما يميز النخبة السياسية الفلسطينية أنها نخبة لحركة تحرر وليس لدولة، وأنها مشتتة جغرافياً، وأن نسبة كبيرة منها تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت حصاره، وأن البيئات السياسية خارج فلسطين تؤثر بدرجات متفاوتة في أفراد النخبة الذين يعيشون فيها، ويُضطرُّون إلى مراعاة سقوفها ومعاييرها.

    وتكمن أزمة النخبة السياسية الفلسطينية الحالية في أن قطاعاً كبيراً ومهيمناً فيها يمارس سلوك الدولة ولكن من دون دولة، وينسق مع الاحتلال، ويدير حالته النخبوية وفق شروط الاحتلال وتحت بيئته، ويعاني من أزمات في الرؤية والمسارات وفي القيادة والرموز والتداول القيادي والبناء المؤسسي.

    ***

    وقد تعددت الدراسات حول النخبة السياسية الفلسطينية، غير أن من أبرزها كتاب “سمات النخبة السياسية الفلسطينية: قبل وبعد قيام السلطة الفلسطينية” للدكتورة سمر جودت البرغوثي، وكتاب “توجهات النخبة السياسية الفلسطينية نحو الصراع العربي الإسرائيلي”، وكلاهما رسالة دكتوراه، وكلاهما أيضاً من إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وكلاهما درس نخبتي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من زوايا مختلفة. وكلتا الدراستين جديرة بالاطّلاع والاستفادة منها. وهذا المقال ليس استعراضاً لأي من الدراستين، ولكنه يستفيد من بعض معطياتهما.

    ***

    تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 بقيادة أحمد الشقيري. وفي سنة 1968 تمكنت الفصائل الفلسطينية من السيطرة على منظمة التحرير، وقامت بإعادة تشكيل جذرية لنخبتها القيادية في مجلسها الوطني وفي لجنتها التنفيذية، حيث هيمنت حركة فتح ولا تزال على النخبة السياسية للمنظمة. وعندما تشكّلت السلطة الفلسطينية سنة 1994، قادت حركة فتح عملية تأسيسها وإدارتها، لتطبع حالتها النخبوية بطابعها. غير أن انتخابات المجلس التشريعي للسلطة سنة 2006 أدخلت حماس ورموزها بقوة في النخبة السياسية للسلطة بعد فوزها بأغلبية ساحقة، وتشكيلها للوزارة العاشرة والحادية عشرة، ثم سيطرتها على قطاع غزة إثر الانقسام الفلسطيني، في مقابل سيطرة فتح على السلطة في الضفة الغربية.

    ***

    عكست أزمات منظمة التحرير آثارها على النخبة السياسية الفلسطينية، إذ دفعت أثماناً قاسية نتيجة محاولتها للعمل بِحرية في البيئة العربية المحيطة بفلسطين، في الوقت الذي لم تتحمل فيه البلاد العربية هذا “الضيف الثقيل” ولا الاستحقاقات التي يستوجبها وجود حركة تحرر في مواجهة العدو الصهيوني المدعوم بالقوى الكبرى، وحاولت تقديم نخب محسوبة عليها، وإلغاء نخبٍ تخاصمها.

    وترافق ذلك، مع عدم وجود بيئات حرة للعمل السياسي الفلسطيني، ولا بيئات صحية للتداول القيادي الفلسطيني، ولا آليات “ديمقراطية” حقيقية لتشكيل المجالس التشريعية والقيادية. وبالتالي فإن الفرز القيادي للنخبة الفلسطينية، ظلّ محكوماً بهيمنة فتح على المنظمة، وبالحسابات الفصائلية.

    ومنذ ثمانينيات القرن العشرين أخذت تظهر قوى فاعلة ووازنة في الساحة الفلسطينية دون أن يكون لها تمثيل في منظمة التحرير (حماس، والجهاد الإسلامي على سبيل المثال) ودون أن يُحتسب قادتها ورموزها ضمن النخبة السياسية “الرسمية” الفلسطينية. وهي ظاهرة اتسعت وزادت مع تنامي هذه القوى وفوزها (حماس تحديداً) في الانتخابات التشريعية للسلطة سنة 2006.

    ثمّ إن النخبة السياسية لمنظمة التحرير نفسها ظهرت عليها مظاهر الضعف والترهل وانعدام الفاعلية، مع حالة التردي والتدهور التي شهدتها مؤسسات المنظمة. ومع تعطُّل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لنحو 27عاماً إذ لم يعقد المجلس الوطني في الفترة 1991-2018، إلا للقاءات شكلية محدودة لتمرير بعض القرارات المسبقة أو “لشرعنة” عمل قيادة السلطة ( 1996،2009،2018).

    وقد أدى ذلك إلى “تكلُّس” البنية النخبوية للمجلس الوطني، التي فاق متوسط السنّ فيها سبعين عاماً، وتجاوزت سنّ ممثل الطلاب فيها ستين عاماً، بينما لحق عشرات بجوار ربهم. وصرنا في المنظمة أمام نخبة “مزمنة” تعيد إنتاج نفسها وإنتاج مشكلاتها، وتعاني من فشل ذريع في القدرة على إنتاج أجيال جديدة.

    ***

    من جهة أخرى، فإن إنشاء السلطة الفلسطينية أنهى حالة وجود النظام السياسي خارج أرضه، لكنه أوجد مشكلة جديدة بوجوده تحت الاحتلال الإسرائيلي وهيمنته. وقد ترافق ذلك مع تعقيدات انتقال النخب السياسية المقيمة في الخارج إلى الداخل الفلسطيني، وتحكُّم الاحتلال الإسرائيلي بالحدود والمعابر وحركة الأفراد والبضائع، وفرضه لشروط سياسية وأمنية واقتصادية على كيان السلطة.

    بينما تَحوَّل الاحتلال إلى الجهة المانحة لبطاقات الفي آي بي VIP لرجالات النخبة في السلطة، مع إمكانية اعتقال أي من شخصيات “النخبة” ممن يتجاوز خطوط الاحتلال الحمراء. ومع تعطُّل مسار التسوية، وتراجع فرص تحول السلطة إلى دولة كاملة السيادة على أرضها، نشأ نظام سياسي مُشوَّه، متموضع في بيئة الاحتلال ومرتهن لشروطه، بينما أخذت النخبة السياسية “تكيّف” نفسها وفق متطلبات “التسوية” ومتطلبات “السلطة”… لتتحول من نخبة “حركة تحرُّر” إلى نخبة سلطة تمارس سلوك الدولة ولكن تحت الاحتلال، وتُضطرّ إلى التجاوب مع أجندة الاحتلال في مطاردة المقاومة وملاحقتها ضمن “التنسيق الأمني”، بينما تتسع في أوساطها أجواء الترهل والفساد المالي والإداري، والركون إلى حالات الرفاهية… في الوقت الذي يذوي فيه الجانب “الثوري” إلا من شعارات أو مفاخرات تاريخية أو توظيف تكتيكي.

    في المقابل، تمكنت المنظومة السياسية للسلطة مع مرور الوقت من إفراز نخب سياسية أكثر تعليماً وأكثر شباباً وأكثر اندماجاً في البيئة الاجتماعية المحلية، وذلك مع انتخابات المجلس التشريعي 1996و2006، ومع تشكيل عديد من الوزارات، وتشكُّل طبقة من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني في أطر السلطة.

    غير أن عقلية الهيمنة واحتكار صناعة القرار التي صاحبت قيادة المنظمة والسلطة لم تمكِّنها من استيعاب نتائج العملية الديمقراطية لانتخابات 2006، ولم يكُن ثمة ترحيب أو قبول بالنخبة السياسية الجديدة (حماس) التي فرضت نفسها من خلال برنامج المقاومة أو من خلال الشرعية الشعبية. وأصبح لدينا أزمة في محاولات جهات معيَّنة “احتكار النخبة”، أو في محاولة إخراج نخب فاعلة ومؤثرة من الإطار “الشرعي” أو “الرسمي”.

    وتولدت أزمة ثانية مرتبطة بهيمنة فصيل معين على السلطة والمنظمة، مُصِرّ على مسارات سياسية معيَّنة (التسوية)، وغير راغب في عمل أي شراكات تؤثّر سلباً على هيمنته السياسية، ولا على المسارات التي اختطّها للعمل الوطني، وهو ما أدَّى إلى تعطيل الفرز الطبيعي للنخبة، وتعطيل بيئة التداول السلمي للسلطة، وغياب البيئة الصحية للتغيير والإحلال القيادي. وهذا أدى بدوره إلى إغلاق المجال أمام ظهور القيادات الشابة، ووجود فجوة كبيرة بين النخبة الحالية التي طال عليها الأمد، وبين الأجيال الصاعدة.

    من ناحية أخرى، فإن انتقال القيادة الفلسطينية إلى الداخل، وضمور دورها ودور المنظمة في الخارج، أدى إلى إهمال الشتات الفلسطيني، (أكثر من نصف الشعب الفلسطيني) المليء بالكفاءات والخبرات والطاقات، بينما تركّز أداء النخبة السياسية الحالية في رام الله، المحاطة بالاحتلال وأدواته. هذا مع إقرارنا بأن النخبة الفلسطينية في الأرض المحتلة 1948  لم تأخذ مكانها ولا دورها الذي تستحقه في المشروع الوطني الفلسطيني.

    وتعكس الدراسة التي قام بها عزام شعث لخمسين شخصية من النخبة الفلسطينية، حالة الإرباك وفقدان الرؤية المتماسكة لدى النخبة السياسية الفلسطينية.

    ففي الوقت الذي يؤيد 7ِ2% منهم إنهاء اتفاق أوسلو، ويُقِرّ 80% بأن المفاوضات هي غير ذات جدوى بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويوافق أكثر من نصفهم على أن ميزان القوى لا يسمح ببلورة مبادرة سياسية جديدة لحل الصراع، ويؤكد 72% أنهم مع هدف تحرير كل فلسطين وأشكال النضال كافة؛ فإنه من جهة أخرى يؤيد 76% منهم عقد مؤتمر كامل الصلاحية على أساس الشرعية الدولية. وعندما يتحدثون عن الوسائل الأكثر جدوى في مواجهة العدو يؤيد 28.2% المقاومة الشعبية، و17% المقاومة المسلحة، بينما يتشتت آخرون على نسبٍ أقل، كما أن ثمة انقساماً وغياب رؤية حول ما يمكن عمله في حال سقوط السلطة نفسها.

    هذا التداخل أو التفكير غير المتسق يعبِّر عن أزمة الرؤية والمسارات لدى النخبة السياسية الحالية، ولعلّ ذلك يتوافق مع حالة انسداد الأفق والإحباطات والانقسامات التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

    وبشكل عامّ، فإن أزمة النخبة الفلسطينية هي أزمة عميقة تمسّ جوهر المنظومة السياسية وتشكيلاتها القيادية، وأدوات فرزها النخبوي، وتؤثر عليها حالة التشتت، وبيئات الاحتلال وأدوات النفوذ الخارجي العربية والدولية.

  • أزمة النظام السياسي العربي في ظل "كورونا"

    عادة ما تكون المحن والابتلاءات أو المتغيرات الكبرى في حياة البشرية وقفات تفكير وتقويم لتعديل مسارات خاطئة في نظام الحياة البشري، أو مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تتشكَّل الكثير من النظم والسياسات والأدوات على نتائج جدليات الأحداث الكبرى عندما تقوم النظم السياسية بمراجعة موقفها الواقعي وتطلعها المستقبلي، واليوم تأتي جائحة "كورونا" أمام العالم لتصيبه بعدم اليقين، وتختبر قدرته البشرية بإعادة النظر في مجمل قيم وأساسيات بناء النظام الدولي والاقتصادي والاجتماعي.. العالم الذي يبدو عاجزاً تماماً أمام هذه الجائحة، منتظراً جهود الباحثين الأطباء والمتخصصين، لاكتشاف علاج للبشرية ربما يطوِّق اجتياح هذه الجائحة وانتشارها في كل دول العالم.

    هذه مقدمة لازمة للانتقال إلى ما يمر به عالمنا العربي في ظل هذه الأزمة، فهو عالم من البشر في جغرافيا ممتدة من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، لا يختلف عن باقي دول العالم في تأثير هذه الجائحة عليه صحياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

    إلا أن العالم العربي منذ عقود وهو يعيش أزمة النظام السياسي العربي، إذ إنه بالإضافة إلى الكارثة الصحية المتوقعة؛ لضعف بنيان النظام الصحي في هذه المنطقة، وضعف البنيان الاجتماعي؛ من نظام العدالة، وتوزيع الثروة، وانتشار الفقر، والأمية فيه، فإن النظام السياسي العربي ما زال يتمتع بخصائص تختلف عن النظام السياسي الدولي، حيث يعجز النظام العربي السياسي عن دراسة واقعه من جديد، فهو لا يفكر في إعادة حساباته ومراجعاته، ويفكر في طريق صحيح للنهضة واستثمار ما لديه من إمكانات اقتصادية، وقوى اجتماعية، وبنيان سكاني من الشباب الطامح للعمل والتغيير، وللأسف فإن أزمة هذا النظام ما زال عند كل فشل في إدارته للأزمات، يلقي بعجزه على شماعات من الأوهام والفزَّاعات، ويعتقد أنه بذلك يلقي عن كاهله تحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع المنطقة العربية، من ضعف في البنيان الصحي والاقتصادي والاجتماعي، ويحيل ذلك الفشل إلى فزَّاعات الإرهاب والإخوان، والجماعات السياسية المعارضة، والليبرالية والعلمانية، والتدخل الأجنبي، ويقوم بدلاً من الإصلاح إلى تغذية الانقلابيين ومجموعة من الجماعات الدينية المحسوبة على النظام السياسي، ودعم الحروب الأهلية، وتفتيت الجغرافيا والاقتصاد والمجتمعات العربية، وانشغال هذا النظام بحروب وهمية، ويستخدم إعلاماً أقرب إلى تطويع المجتمعات للاستكانة والخضوع لنظريات الواقع من السلام المزيف مع الكيان الصهيوني، أو تفتيت الوحدة الوطنية في مجتمع عربي تتدهور حالته ومناعته الفكرية أمام العولمة ومنتجاتها، حتى تحوّل النظام السياسي العربي اليوم إلى كتل متشاكسة لا يجمعها مشروع ولا نهضة ولا جامع واحد.

    إن المستقبل لمنطقتنا العربية غامض غير وامض، وهو ما يدعو إلى أن تقوم كل القوى الحيّة في هذه المجتمعات بالتوقف والاستفادة من فرصة ابتلاء جائحة "كورونا"، لتعيد ترتيب حساباتها، وتعيد حيويتها للنظر في مشتركات نهضوية تضع لهذه المنطقة إطاراً سياسياً جديداً يدفع بها نحو نهضة اقتصادية واجتماعية وصحية وثقافية، وإلا فإن عقوداً طويلة من الكوارث ربما ستسود المنطقة في هذا القرن الذي نعيشه.

  • أصل المشكلة: الجهات التي تمثل العالم الإسلامي هي تحت الاحتلال

    د.ياسين أقطاي

    لقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرًا تلك الخطة التي تسمى “صفقة القرن” بعد أن كان الحديث عنها يدور منذ وقت طويل، أعلنها وقد أخذ لجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. إن صفقة القرن في الحقيقة ما هي إلا نتاج لممارسات النفاق والظلم والغدر، ولسياسة الاحتلال والمجازر والعنصرية، التي طالما ساقها النظام العالمي في القرن الماضي. إنها ليست سوى إلحاق بالأراضي التي كانت محتلة أصلًا منذ وقت طويل.

    إن متن تلك الصفقة يكشف في الواقع عن أن العالم الغربي الذي كان يبيعنا العلمانية ويصدّع رؤوسنا بها، بلغته وخطاباته وفلسفته؛ ما هو إلا عالَم متدين ومتطرف وعنصري وفاشي.

    صفقة القرن

    صفقة القرن هي إعلان صريح عن إفلاس كل ما ينادي به الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الدينية والعلمانية والتسامح. إنها صورة تعرض السعي وراء كهانة سخيفة للغاية عمرها 2500 عام من المدنية الغربية، وما يتفرع عنها من جنون، يحاول تصوير المسلم الذي ينطلق من دافع ديني على أنه الشخص الأكثر تعصبًا في العالم.

    إن السبب الوحيد اليوم الذي يجعل من هذه الكهانة تحاول فرض نفسها بنفسها، هو أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في هذا العالم، والتي قد حولت الحلم التبشيري-الصهيوني إلى كابوس يحدّق بالسلم العالمي.

    إن رغبتهم في جعل القدس عاصمة لهم، ليس لأنهم يحبّون القدس ذلك الحب المفرط. حيث لا يمكن أن يعشق القدس، أولئك الذين لا يفهمونها ولا يعرفونها. الولايات المتحدة وإسرائيل واعلام الصليبي بأكلمه بعيدون كلّ البعد عن إدراك كنه القدس.

    إن القدس قبل كل شيء هي ذلك المكان الذي فيه يكون فيد دم الإنسان مقدّسًا ومكرمًا. لا يتم تقديس القدس من خلال سفك دماء الأبرياء، بل يتم هدمها وهدمها، حتى تجدون إنسانيتكم باكلمها تحت الأنقاض. أولئك الذين يريدون أن يجعلوا من القدس عاصمة لهم، لا يمكن لهم على الإطلاق أن يكونوا قريبين من أي معنى من معاني القدس، وهم على وشك سفك دماء الملايين من الناس، وكسر سلام ونظام واستقرار العالم بأسره.

    ليست القدس مكانًا للتغطية على الخطايا، بل مكان إدراك تلك الخطايا والتوبة عنها. إن ترامب وبجانبه نتنياهو وهما يقدمان على هذه الخطوة الوقحة المتعجرفة، يبحثان من خلالها على طريق لغسيل خطاياهم والهروب من اتهامات الفساد التي تلاحقهم.

    كما ذكرنا هذا دائمًا؛ القدس هي مرآة عالمنا. في الواقع وعلى مر التاريخ، تكون القدس انعكاسًا لواقع العالم والإنسانية معًا على مر التاريخ. إن الغطرسة والخيانة والاحتيال والظلم الذي تتم ممارسته في القدس، ما هو إلا انعكاس لما يجري في العالم.

    لقد قال الرئيس أردوغان خلال اجتماعه الذي عقده أخيرًا بعد إعلان ترامب عن صفقة القرن، أن “القدس هي مفتاح السلام العالمي”. لكن ذلك المفتاح له أيضًا تأثير في عرقلة السلام العالمي، حينما يتم استخدامه بطريقة سيئة وضارة، وبالطبع العكس هو الصحيح. نجد انعكاسًا هنا للاضطراب الكائن في النظام العالمي. في الحقيقة، حينما عرّج أردوغان خلال كلمته، نحو الوضع في إدلب وليبيا، قد أوضح بشكل لافت أن ما يجري هو انعكاس للخيانة والاحتلال والاضطهاد الذي يتعرض له القدس.

    في ليبيا، هناك انقلابي ومجرم حرب ومحتل اسمه حفتر، ومن ورائه قوى قد جمعها تعتمد على أسلحتها الفتاكة، ويحاول معهم الوصول إلى السلطة من خلال سحق الشرعية، والمدنيين. إن الذين يدعمونه وجميع أسبابهم وحججهم وصفاتهم، تتماهي تمامًا مع أسباب وحجج وصفات من يحتلون القدس. حينما يمتلك القوة، فإنه يمكن أن يرى عبر فرض الأمر الواقع، أن احتلاله الخسيس حق مشروع.

    ما يتم هناك في ليبيا من احتلال وجرائم وغصب، يتم دعمه وتمويله من زعماء عرب-مسلمين، تمامًا كما هو الحال في القدس. من يمكنه أن يتوقع صدور صوت عن العالم الإسلامي حول القدس؟ أصلًا إن أساس المشكلة أن تلك الجهات التي تمثل العالم الإسلامي محتلة.

    أليس منطق وشكل تعاون روسيا وإيران والنظام السوري في إدلب يتماهى تمامًا مع ما مرّ من المشاهد؟ هناك في إدلب يوميًّا يتم قتل العشرات من المدنيين والأطفال فضلًا عن قصف المدن والمشافي والأفران، باسم الحرب ضد الإرهاب. كم عدد الإرهابيين الذين يموتون حقًّا يا ترى؟ أو بالأحرى من هم الإرهابيون حقيقة هناك؟ هانك العديد من الأسئلة التي تكفي لتفسير كيف تفقد الإنسانية معناها من وراء التبرير باسم الإرهاب. تستطيع روسيا فعل أي شيء فقط لأنها عضو دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولأنها تمتلك ما يكفي من القوة. لا يوجد قوة لمنعها على أي حال. حتى القوى التي يمكن لها أن تمنع روسيا عن إجرامها، لا يتمتعون بسيرة ذاتية أفضل من روسيا. جميعهم دون تفاوت تتقاطر من أيديهم دماء الأبرياء.

    أليس هذا أيضًا انعكاسًا مباشرًا للنظام القائم في القدس؟

    ألا نرى خيانة أولئك الذين يحتلون مقام تمثيل الدول المسلمة، قبل أي شيء من سفك دماء المسلمين هناك، وأراضي المسلمين التي تم احتلالها، وشرف المسلمين وناموسهم المهان؟

    لذلك السبب، يعتبر حال القدس تلخيص لأحوالنا. القدس مرآة العالم. يبدأ الخلاص في القدس أو يكتمل فيها.

    لا يمكن تحرير القدس من خلال الإبقاء على القسوة والتضاد الذين يحكمان العالم الإسلامي. من أجل تحرير القدس ينبغي وضع حد لهذا الظلم في عالمنا. لن يتغير شيء في القدس ما لم يتغير النظام القائم في العالم..

  • إدارة سياسات التحجيم.. موسكو والاستثمار في التناقضات

    الباحث: ساشا العلو
    بعد تدخلها العسكري في العام 2015 ، أدركت موسكو
    جيدا المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل
    دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري،
    إضافة إلى المناخ السياس ي العام الذي حك م و
    يحكم الملف السوري
    دوليا، وخاصة الموقف الأمريكي " يسّر
    الم " خلال حقبيي
    أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، واليي تمثلت ب:
    1 . فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
    2 . ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط،
    والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّ ة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على
    الحدود.
    هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب )درعا، القنيطرة(، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على
    حدوده )داعش، معابر(، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد
    داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة
    العسكرية الروسية على المدن والبلدات.
    وهذا ما حدث
    أيضا مع الكيان ا لإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروس ي لنفسه
    كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل
    عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.
    هو ذاته
    أيضا ما واجهت ه تركيا في العامين الأولى من التدخل الروس ي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها ا لأمنية
    بداية
    عبر دعمها ل " PYD " وذراعه العسكري " YPG " في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف،
    واليي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في
    شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية،
    وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.
    2
    مركز عمران للدراسات الاستراتيجية © جميع الحقوق محفوظة
    عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. | www.OmranDirasat.org
    وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى ح د كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل
    طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياس ي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل
    المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع،
    وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من
    الأراض ي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياس ي، بل وإنجاز صفقات
    مع تلك الدول ، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري
    أساسا ) تعزيز التبادل تجاري، بيع ا لأسححة، وإنشاء معامل
    وقدرات عسكرية.. إلخ(.
    إذا فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة
    لتهدئتها؛
    تنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه
    غالبا في خدمة رؤية موسكو لححل السياس ي.
    واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوز ت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري،
    كالدور العربي- بالخليجي
    ممثلا -، والذي
    أيضا تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما
    طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له،
    مقابل التقدم الروس ي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروس ي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض
    فحسب، من محاولات
    بدءا
    وإنما سعت موسكو لترجمته سياسيا "أستنة" بتغيير أولويات السلال الأربعة مع
    جنيف مرورا
    "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال ، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق
    القرار 2254 إلى الحجنة الدستورية.
    وصولا
    بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم اليي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها
    ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في
    الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية اليي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل
    من الرأيين حجج ه؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك
    لم يعد خافيا
    من الرؤية لمستقبل
    بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءا
    عسكريا
    اليي فرضت تحالفا س ورية إلى
    وصولا
    إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور ا لإيراني في عدة
    مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات،
    أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاو لات حرمان
    إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سور ية ، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول
    السياس ي دوليا المنطقة على ظهر
    الوجود الإيراني في سورية )"معادل قوى "(، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود)الخليج، إسرائيل(.
    ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكا ء منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني ت
    راجعا
    للدور الأمريكي و
    سياسيا
    ارتباكا للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن

    صراعاتها المتعددة، واليي أمّ نت لم وسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة اليي ولدتها تلك الصراعات،
    بدءا
    من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، خ لا
    وأخيرا فات شركاء الناتو
    أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.
    كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّ م
    دور موسكو في سورية، وب من
    دلا ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّ ة
    وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك
    الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروس ي وما
    يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حيى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه )روسيا، إيران(.
    وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها
    الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروس ي
    لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّ ح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في
    الملف السوري.
    قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية رت ه
    ّ
    وما وف من هوامش للدور الروس ي، استمرار الفاعلين المحليين في
    التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية
    فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّ نت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون
    إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد
    ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.
    وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية- روسية
    بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث )إيران( بدعم قوى إقليمية
    ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّ ة على تناقضات القوى المختلفة واليي تؤمن ل
    ها تفردا
    في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طا ل أو يطا ل أو سيطا ل حلفائها
    )النظام، إيران(
    أيضا وشركائها )تركيا( في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي
    بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته
    قد لا يبدو تطبيقه عمليا وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر
    المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية اليي أوصلت الدور الروس ي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

  • إيران .. قبضة حديدية في مواجهة احتجاجات مطلَبية!

    مـدخــل

    لم تكن إيران لتنظر للاحتجاجات الشعبية التي واجهتها منذ منتصف تشرين ثاني (نوفمبر) على أنها مجرد اندفاعات مطلَبية تحركها دوافع معيشية واقتصادية، وإنما تندرج في سياق الضغط على النظام، ومحاولات واشنطن تقويض قدراته الأمنية والعسكرية والسياسية.

    وقد جاءت احتجاجات الإيرانيين متزامنة مع تصاعد المظاهرات والاعتصامات في لبنان والعراق، والتي استهدفت أيضاً حلفاء طهران وأذرعها في البلدين، وهو ما يعطي دلائل على عمق الأزمة التي يواجهها النظام الإيراني في المناطق التي اعتبرها خاضعة لنفوذه وتؤمن له إمكانية المناورة والدفاع عن نفسه خارج حدوده.

    اندلعت أعمال الاحتجاج إثر رفع الشركة الوطنية للنفط أسعار البنزين (في ١٥ تشرين ثاني ٢٠١٩) بنسبة ٥٠ في المائة حتى حصة٦٠ لتراً في الشهر، وبنسبة ٣٠٠ في المائة لمن يتجاوز هذه الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة، ضمن حزمة إجراءات تستهدف الحدَّ من الدعم الحكومي (٦٣ مليار دولار سنوياً) لمواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما استنفر الطبقة الفقيرة في إيران، التي تتسع بشكل متزايد، وسبق لأغلب المناطق الإيرانية أن شهدت أعمال احتجاج متفرقة بسبب الأزمات المعيشية وإخفاق النظام فـي إيجاد حلول لها، لكنَّها لم تحظ باهتمامٍ إعلامي كاف.

  • إيران وإستراتيجية ترامب الجديدة ....... د. نبيل العتوم

       أخيراً وكما كان متوقعاً، أعلنَ الرئيس الأميركي ( دونالد ترامب ) عن إستراتيجية أميركية جديدة تجاه إيران، ناقلاً ملف «الاتفاق النووي» برمته إلى  الكونغرس ليدرس كيفية تعديله، وإجراء تعديلات مقترحة عليه .

            لم يخرج الرئيس (ترامب) عن المتوقّع. فهو لم «يمزّق» الاتفاق النووي كما كان يهدّد في حملته الانتخابية، وفي حرب التويتر  التي شنّها، ولم ينفذ ما أطلقه  ” العاصفة “،  لكنه في الوقت عينه، فتح الباب أمام إلغائه، من خلال عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق في حال لم يقم  الكونغرس بالدور المطلوب منه .

            ما لم يقله (ترامب) في إستراتيجيته  أنّ الحرس الثوري كياناً إرهابياً، بل نقل مهمة ذلك إلى وزارة الخزانة، وهذا له دلالاته وأهدافه ودوافعه، مع أنَّ المفارقةَ الغريبة العجيبة  الأولى التي تتضح من خلال هذه الإستراتيجية  أنَّ (ترامب) يعتبر إيران أكبر راعية للإرهاب في العالم، وكرّر هذه العبارة أكثر من / 38/ مرّة منذُ تولية  دفةَ الأمور في واشنطن، أمّا المفارقة  الثانية لم  يشر (ترامب) في إستراتيجيته إلى حلفائه وشركائه الغربيين، وهم الذينَ طالما وقفوا إلى جانب أمريكا في سياستها، المفارقة الثالثة:  كانَ الردّ الأوروبيّ جاهزاً، ومعداً مسبقاً عقب خطاب ترامب مباشرة، وهذا يعكسُ ليس حجم  عدم التوافق مع الإستراتيجية الأميركية، بل يعكسُ درجةَ المصالح الاقتصادية التي باتتْ تحكمُ العلاقات الأوروبية الإيرانيّة، ولو على حساب مصالح وأمن شعوب  دول المنطقة، في الوقت الذي باتت معه إيران فعلياً أحد أكبر مصادر التهديد في الشرق الأوسط؛ ومن المفترض أنْ يدفعَ  هذا الموقف إلى أهمية مراجعة شاملة  للعالم العربي لعلاقاته مع  أوروبا، التي لا تعيرُ اهتماماً لدرجة ما باتتْ تعاني دول المنطقة وشعوبها من الإرهاب الإيراني  .

             ما قالته أوروبا وروسيا والصين يحملُ نبرةَ التّحدي لأميركا والعرب على حدّ سواء، من خلال  اعتبار الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست الكبرى، أقوي من أن يمزّقه ( ترامب) كما وعد مراراً، حيثُ كانَ رفضُ منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (فدريكا موغريني)، المس بالاتفاق ملفتاً عندما أكدت أنَّ الرئيسَ الأمريكيّ يملكُ صلاحيات واسعة؛ إلا أنّه لا يملكُ القدرةَ على إلغاء الاتفاق مع عدم وجود أيّ بديل للاتفاق النووي الدوليّ، حتى تجاهلتْ سؤالاً حولَ أهمية إجراء تعديلات حول الاتفاق للخروج من الأزمة الحالية، ولم يقف الأمر هنا، بل تجاوز البعض أن ما تفوه به ( ترامب) سيُحدثُ شرخاً كبيراً في علاقات أمريكا مع حلفائها الأوروبيين، وكانَ وزيرُ خارجية ألمانيا (زيغمار غابرييل) أكثرَ صراحةً من الجميع عندما أعلنَ أن عدم تصديق (ترامب) على التزام إيران بالاتفاق النوويّ سيقرّبُ الأوروبيين من روسيا والصين، وسيدفعهم إلى اتخاذ موقف مشترك معهم.

              هنا  نُذكر أنَّ الأوروبيين تحديداً قد نسوا، أوتناسوا  أنَّ  طهرانَ فعلياً قد استغلت الاتفاق النووي ووظفته كغطاء لتهديد الأمن الإقليمي والعربي، مما منحها  غطاءً وهامشاً واسعاً للعبث الأمني والتخريب من خلال تشكيل الخلايا النائمة، وإرسال مرتزقتها ومليشياتها حتى يعملوا ذبحاً وقتلاً في سوريا والعراق واليمن …. والقائمة تطول .

            أمّا ردُّ إيران على خطاب (ترامب)، فكانَ يعكس ردّ فعل دولة مأزومة، و لم يجدْ بينَ دول العالم سوى دول أوروبا إلى جانب (روسيا والصين ) من يدعمها في موقفها الشاذّ من الاتفاق النووي الذي يراعي مصالحها الخاصة الضيقة، بينما العالم مع ضرورة إدخال تعديلات صارمة على الاتفاق النووي، بحيثُ تُلجمُ الصَّلفَ والعدوان الإيراني .

    المؤكد  الأول : أنّ إيرانَ  ستعملُ على تفكيك التحالفات الأوربية مع أميركا  فيما يخصُّ الملف النووي الإيراني، والسعي لعدم إدخال أيّة تعديلاتٍ عليه .

    -المؤكد الثاني : أنَّ طهرانَ ماضيةٌ في سياساتها العدوانية، والسعي لبناء ترسانة صاروخية، وتوسيع قاعدة إنتاج أسلحة الدمار الشامل، مع الاستمرار بسياسة الخداع النووي، وتهديد الأمن الإقليمي برمته، مع الحرص على عدم الخروج من الاتفاق النووي مهما كانتِ الأسباب .

    المؤكد الثالث :  أنّ المرشدَ والحرس الثوريّ وخلفهم (روحاني) سيكونُ  لديهم أزمة داخلية متفاقمة مع التداعيات الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية بعد الاستدارة الأميركية الأخيرة، وسيكونُ التغطية على فشل الدولة الإيرانية الذريع  من خلال توسل النظام الإيراني نحو دبلوماسية تضخيم المخاطر الخارجية التي تبرع دولة الولي الفقيه في توظيفها دومًا، لامتصاص نقمة الشارع، هذا علاوة على أن هناك أطراف داخلية إيرانية  شعبية كبيرة وواسعة  رافضة لسياسات النظام التي أدت إلى تفاقم مشاكله، وأسهمت في  العودة للمربع “صفر” بعد إهدار مقدرات الدولة وثرواتها  والتفريط  بمصالح  الشعب المغلوب على أمره  بفعل مغامرات النظام  العبثية وغير المسؤولة .

    -المؤكد الرابع : أنَّ حلفاءَ واشنطن الأساسيين  سيتحملونَ عبئاً مهماً في إستراتيجية  المواجهة مع إيران؛ خاصّة أنَّ  مسودة الإستراتيجية  الأميركية من تؤكد أنّ على واشنطن  أنْ تتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة مع إيران لوحدها، وهذا لنْ يتأتى إلا من خلال شراكات مع حلفاءها في المنطقة .

           لاشكّ بأنَّ  الإستراتيجية  الأميركية  تتضمنُ خطوطاً عريضة، ولا تقدّمُ  في الوقت نفسه أيّة تفاصيل  أو آليات تُذكر عن كيفية ترجمة  الولايات المتحدة ذلك إلى خطوات إجرائية عملية، كذلك لم تتحدث  الإستراتيجية الجديدة بشكلٍ واضح ٍ عن الترويج لفكرة دعم أية عملية انتقال داخلي للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الإيراني، وعن كيفية توظيف  واشنطن  أدوات ”القوة الناعمة والصلبة “ الأخرى، لدعم مطالب الشعب الإيراني   .

  • إيرانُ تحاربُ الربيعَ العربيَّ ” حالة اليمن ، البحرين ، سوريا ” 2 ....د. نبيل العتوم

    كيفَ تعاملتْ إيرانُ مع  ثورات الربيع  العربي ؟، ولماذا قاتلتِ الدولةُ والثورة الإيرانية للوقوف ضدّ الثورات في سوريا ومصر، وشوّهت صورتها، ودعمتْ بالمقابل  ما يجري في اليمن ومملكة البحرين ؟

                قد يظنُّ البعضُ أنَّ هذا بالفعل يكشف عن حقيقة السلوك الخارجيّ الإيرانيّ، ويعرّيه  تجاه العالم العربي؛ وهذا الأمر دقيق بمجمله، لذا فإنّ هذه الدراسة ستوضح مدى أهمية دراسة هذه الصورة للثورات العربية في الإعلام الإيراني،   وتحليلها بالاعتماد على صحف التيار المحافظ ، لسان حال المؤسسات  الفعلية الحاكمة في إيران الدولة والثورة .

               وباستعراضِ جميع وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة، نجدُ أنّها  كانتْ تحتوي  دونَ استثناء مقالات وأخبار وتعليقات تتناولُ من خلال موضوعه  الثورات العربية ونعتها بأوصاف حسب الثورة والإطار الجغرافي الذي تجري به، ومن خلال هذه الوسائل، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة صورة الثورات العربية، التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها، ومضمونها، وأمكن بالتالي استخلاص المعاني الرئيسية، وتحليلها،  والتي ساهمتْ بالتالي في تشكيل هذه الصورة؛ والتي ركّزتْ أساساً على الاحتجاجات في اليمن، والبحرين ، وهذا له مغزاه ودلالاته بحكم أنّ هذه الدول ذات أغلبية شيعية. حيثُ أنّ موجةَ الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي دفعت إيران إلى إعلان دعمها للحركات المناهضة التي جرت في دول وصفتها بالدكتاتورية خلافاً لموقفها من الانتفاضة في سوريا.

                 والملاحظُ إعلانُ إيران  مباشرةً دعمها لبعض الحركات الموالية – وليس كلّها – التي وصفتها بتعطشها للديمقراطية، وتحقيق العدالة .

                  سعتْ وسائلُ الإعلام الإيرانيّة المحافظة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من خلال تناولها للثورات في المنطقة العربية، واعتمدت في خطابها الإعلامي على عدة وسائل وآليات، من أهمّها توفير الدعم لطوائف ” شيعية “، ولنظم سياسية تؤيّد، وتخدمُ السياسات الإيرانية وإستراتيجياتها؛ وذلك بغضّ النظر عن درجة شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها، وقد صنّفت طهرانُ الثورات في الدول العربية إلى اتجاهين: ثورات مشروعة، وثورات غير مشروعة، ومحرّمة شرعاً ؛ وهذا التصنيفُ جاءَ بحسب جدلية التقارب والتباعد بالنسبة للدول التي تعيشُ حالةً ثوريّةً من إيران، ومدى انسجامها مع سلوكها الخارجي، وإستراتيجيتها في المنطقة.

               وقد مثّلتْ بعضُ الثورات العربية التي تشهدها العديدُ من الدول العربية حالياً صدمة لأركان الحكم المحافظ، وذلك لخطورة بعض هذه الثورات، وتداعياتها على الأمن القوميّ الإيرانيّ، ولهذا لم يكنْ مستغرباً وصف الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) أن إحدى أهم ثمرات هذه الثورات  هو “تشكل الشرق الأوسط الإسلامي الجديد، ولكن هذه المرة دون هيمنة  قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل ” على حدّ  تعبيره ، معتبراً أن ما  يشهده الشرق الأوسط حالياً هو زلزالٌ سياسيٌّ كبيرٌ ([1])، وقد وصفَ مرشد الثورة  (آية الله علي خامنئي)  الانتفاضات العربية بأنها “صحوةٌ إسلاميّةٌ عظيمةٌ استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثتْ في العام  1979م، وأنّ النصر الإلهي الذي تمخَّضَ عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية ([2]).

                 وقد حاولتْ  بعضُ صحف الإعلام  الإيراني المحافظة المقارنة بينَ الثورات في العالم العربي، والثورة الإسلامية في إيران من  حيثُ التركيز على محورية الاختلاف بين الثورة الإسلامية والثورات في المنطقة العربية؛ من حيث فقدان الثورات العربية للأيديولوجية  القادرة على توجيه هذه الثورات، وعدم وجود قيادة كاريزمية مؤهلة لتسيرها، إضافة إلى إعطاء أهميّة كبرى إلى دور وسائل الاتصالات الحديثة، وشريحة الشباب  في خلق البيئة المناسبة لتواصل امتداد لقيادة الثورات وتوجيهها ([3]).

               كذلك تنبّأتْ معظمْ  صحف الإعلام المحافظ عموماً على عدم قدرة الأنظمة السياسية العربية؛ خاصة ليبيا، الأردن، البحرين، المغرب، اليمن، السعودية على إجراء الإصلاحات الحقيقية التي تحظى برضا شعوبها ، الأمر الذي يعرض بقاء هذه الأنظمة لخطر الانهيار، والتنبؤ بسقوطها تباعا([4])، وتوصّلت إلى نتيجة مؤدّاها  بأنَّ التطورات الثورية التي تجري في العالم العربي سوف تكونُ ضدّ  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ؛ لأنّ الحالة الثورية التي تعيشها بعضُ الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبّرُ عن ضمير هذه  الشعوبِ الرافضةِ لهيمنة قوى الاستكبار الغربي ([5]).

                 ولمحاولة استجلاء تداعيات هذه الثورات على إيران، تكثرُ حالياً في طهران  عقد العديد من الندوات للبحث في مستقبل العلاقات الإيرانية- العربية، بسبب ما تعيشه  وتتعرّضُ له المنطقة، من تطورات دراماتيكية غير مسبوقة وغير متوقعة.  وتجري هذه الأنشطة في أروقة الإدارات المعنية بأقسام العلوم السياسية في الجامعات الإيرانية، ووزارة الخارجية ،ومراكز الأبحاث المتخصصة ؛ومحور كل هذه النقاشات ينصب على بحث ما يجب على إيران القيام به للاستفادة من نتائج هذه الثورات ،والحد من تداعيات بعضها، حيثُ نشرت الصحف المحافظة سيناريوهات لما بعد هذه الثورات على افتراض نجاحها، واحتمالية سقوط بعض أنظمة الحكم العربية، بما فيها بعض الأنظمة الخليجية، واستشراف كيفية تبني إيران لدبلوماسية الاستفادة من هذه الفرص المتاحة؛ خاصّةً من التطورات الحاصلة في العالم العربي عموماً، والدول الخليجية خصوصاً، من حيثُ ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون، وتبديل التهديدات السابقة بفرصٍ واعدة، وهذا ما سيمكّن إيران من أنْ تصبحَ دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط ( [6]).

                  تاريخياً اعتمدت إيران الثورة على التعاون مع نظم حكم عربية، خدمةً لمصالحها، ولتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة العربية، ولطالما اتّهمت بعض الشعوب والحركات السياسية إيران بالازدواجية وتناقض المواقف، فمن ناحية كانت إيران تدعي دعمها للحركات الإسلامية، إلا أنها في الواقع كانتْ تدعمُ حكومات تسلّطية ديكتاتورية  لضرب هذه الحركات كما هي الحال بالنسبة لسوريا  سابقاً والآن .

                 على أساس هذه الرؤية، يمكنُ تصنيف الإستراتيجية الإيرانية للإعلام المحافظ من الثورات العربية – حسب الدول محل الدراسة إلى فئتين:

    الفئة الأولى: موجهةٌ بشكلٍ رئيسي إلى الثورة في اليمن والبحرين؛ إذ أقرّت طهرانُ من خلال صحف التيار المحافظ  بضرورة تغيير النظام  في هاتين الدولتين، وأن أنظمة الحكم فيهما قاما بعمليات إبادة جماعية ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية  مستهدفة شعبيهما، وأنّ بقاءهما أصبح جزءاً من المشكلة، وليس جزءاً من الحل، وقد تمَّ وصف الثورة في هاتين الدولتين، ونعتها بعدة أوصاف: ثورة العدالة والمحرومين([7])، ثورة  الحق والعدالة([8] )، الثورة الحسينية([9])، كربلاء البحرين واليمن ( [10] ) ، ربيع الحرية في البحرين)[11] ( ، ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية([12] )، ثورة الخلاص([13] )، ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين([14])، انتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين([15])، “الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران([16] )، ثورة جنود الإمام  وأحبائه([17])، وقد انتقدتْ صحف التيار المحافظ بشدة  النفاق الأميركي في التعاطي مع الاحتجاجات في البحرين واليمن، والفشل الأميركي في إدانة العنف المستخدم من جانب حكومة هذه البلدين على عكس الحالة السورية  التي انتقدت التدخل الغربية لدعم مطالب المحتجين، وهذا يكشفُ نفاق التيار المحافظ الحاكم في إيران.

                  من خلال تقديم هذه الرؤية نستخلصُ أنّ إيران تحاول  من جهة دعم الثورات الناشئة في اليمن والبحرين وتعبئة شعبيهما مذهبياً، وهذا ما اتضح من خلال النعوت والصفات التي أطلقت على هذه الثورات، ومن جهة المحافظة على مد ودعم  نفوذها التقليدي هناك، وحاولت دعم نفوذها وتعزيزه، إلا أنَّ أهم ما يميّزُ أهداف طهران هو الإطاحة بأنظمة هذه الدول، تمهيداً لقطف ثمار تغيير السياسات في هذه الدول تجاه إيران.

                 فبالنسبة للثورة في البحرين اتهمت إيران أميركا بدعم الملكحمد بن عيسى آل خليفة)، وانتقدت صمت الأميركيين إزاء ما وصفته بوحشية سلطات البحرين في قمع الانتفاضة الشعبية، وإدانة التدخل العسكري السعودي هناك، وقد اعتبرت صحف التيار المحافظ  الثورة في البحرين بأنها  حدث ثوري  فاقت التصورات ، وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم هناك ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم ([18]).

                  وقد أغرقت صحف التيار المحافظ باتهام  الأسرة  الحاكمة في البحرين بالسعي لتنفيذ مخطط خارجي هدفه  زرع الفتنة بين السنة والشيعة، وأن الشعب البحريني قد تدارك الموقف بسرعة، وأجهضَ هذه المؤامرة التي حاكتها الحكومة البحرينية بالتعاون مع قوى الاستكبار العالمي، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ([19])، واعتبار اتهام السلطات البحرينية  للمعارضة بأنها تستمدُّ قوتها من الخارج، قد ثبت عدم صحته، وقد كشفَ مؤامرات هذه الحكومة، ومن يقفُ معها، بإعلان كلينتون، بأنَّ الثورةَ البحرينية قد تشكَّلت  داخلَ البلاد ([20]).

                 يتَّضحُ من خلال ثورة البحرين –حسب رؤية صحافة التيار المحافظ – بأنَّ هذه الأزمة ليستْ في طريقها إلى الحلّ، ويعزّي أسباب ذلك إلى  تصاعد حدّة هذه الأزمة بعد دخول القوات السعودية والإماراتية إلى البحرين، وأنَّ قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربي إرسال قوات إلى البحرين جاء نتيجة الدعم الأمريكي لهذا القرار بهدف قمع انتفاضة الشيعة هناك ، وإنقاذ حكم أل خليفة الذي سيزول عاجلا أم أجلاً، وحماية الأسطول الخامس في البحرين، الذي يبسطُ نفوذه للسيطرة على المياه الإقليمية لدول المنطقة، وتهديد الأمن القومي الإيراني ([21] )، وتحميل دول مجلس التعاون، خاصة السعودية  تبعات ذلك ، لأنها ستدفع ثمن تدخلها في الأزمة البحرينية إن  أجلاً أم عاجلاً([22])، وقد ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ  على ضرورة  وجود إجماع دوليّ وإقليميّ لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني، وتورطها بشكلٍ مباشرٍ في قمع الشعب البحريني الثائر، والساعي إلى إقامته حكومته التي تعبّرُ عن طموحات الشّعبِ البحريني في التحرر، معتبرةً إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة لا تغتفر، مطالبة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلاميّ، وجامعة الدول العربية بإدانتها ([23]) ، ونعتتِ القوّات التي دخلتِ البحرين بالمرتزقة ([24]).

                 وقد حملتْ صحفُ التيّار المحافظ الدولة السعودية مسئولية نشر الأفكار المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، فجاءتْ ردة ُ فعل الشعوب ضدّ حكوماتها كردة فعل على ما أنتجه هذا الفكر من سياسات راديكالية، تبنتها بعضُ الأنظمة السياسية التي حكمت دول المنطقة، وفي مقدمتها النظام الحاكم في البحرين، متهمةً أجهزة  المخابرات السعودية والإماراتية بالتنسيق مع تنظيم القاعدة، والتياراتُ التكفيريّةُ لمواجهة  الشيعة في دول منطقة الخليج ضمن مخطط مدروس ومعدّ له مسبقاً ([25]).

                    والنتيجةُ أنّ  صحفَ التيّارِ المحافظِ حمّلت السعودية مسئولية عواقب التدخل عسكرياً لقمع تظاهرات البحرين، وتحميلها عواقب ونتائج  مسئولية الدماء التي يتم إراقتها، وخلصت إلى أنَّ إيرانَ لن تقفَ مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاءَ ما يحدث هناك ([26])، والتحذير من أنّ السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين، خاصّة أنّ  السعوديةَ تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي، حيثُ أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي، وأن  دماء الشيعة البحرينيون التي يتم سفكها بأسلحة سعودية لن تذهب هدراً ([27]).

                وقامتْ  صحفُ التيّار المحافظ بالمقارنة بالدور الذي قامتْ به السعودية في منطقة صعده اليمنية  لاستهداف الشيعة هناك، ومقارنة ذلك بالدور المماثل لما تقوم به في البحرين حالياً من قمع غير مسبوق للشيعة، وسعي السعودية إلى عقد اتفاقيات دائمة مع آل خليفة لإدارة شؤون البحرين وتأكيد احتلالها للبحرين بشكل رسمي ([28]).

                   وقد علّلتْ صحفُ التيّار المحافظ  قيام السعودية بإرسال قواتها إلى البحرين إلى عدة عوامل من أبرزها : الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها، حيثُ اعتبرتْ أنّ هناك حالة ذعر سرت في مؤسسات الحكم في السعودية، وزادت من حدتها أحداث البحرين ، التي باتتْ تهدّد أسس الأمن والاستقرار في السعودية، خاصّة في ظلّ تناقض الخارطة الديموغرافية والجغرافية  لهذه الدولة ، ورسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوفَ يؤدّي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية، وأشارتْ إلى أنَّ هناك نواة  تحرّك جاهزة للانطلاق  في القطيف والإحساء والتي تشاركُ الشّعبَ البحريني طموحاته المشروعة في التحرّر والانعتاق ([29]).

                وأمّا المثيرُ في مثل هذه التحليلات هو محاولةُ إيجاد قواسم مشتركة- تدفع باتجاه الثورة في المنطقة الشرقية -بين المنطقة الشرقية في السعودية، والأزمة في دولة البحرين تعظم من نجاح مقومات كلا الثورتين من حيث:

    • تشابه النسيج الاجتماعي والثقافي بين المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين .
    • تعظيم دور القواسم المشتركة، ودورها في الثورة؛ مثل وحدة الأصل بينَ القبائل والعشائر، وبالتالي وجود امتداد قبائلي، يعتبر واحداً ومتجانساً، مما سيسهم في انجاز الأهداف والطموحات .

    • الحديث عن وجود وحدةٍ جغرافيةٍ واحدةٍ، وجامعة بين شعب المنطقة الشرقية وشعب البحرين، وقد سهّل الجسر الذي يربط بين المنطقة الشرقية والبحرين من الوحدة الجغرافية بينهما، خاصة في ظل وجود قواسم المشتركة والمعاناة من الظلم، وانتقاص حقوق الشيعة، وحرمانهم من الحريات السياسية والمذهبية

    4- وحدة الخطاب والمشروع الذي يأمل بتحقيقه شعب البحرين والمنطقة الشرقية ([30]).

                 على هذا الأساس تتنبّأ صحفُ التيار المحافظ أنه سيكونُ هناك ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية للإطاحة بنظام حكم كلا الدولتين إنْ  عاجلاً أم أجلاً، حيثُ سيتمخّض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

              ومما سيعزّز من تحقيق هذا الهدف؛ هو الرغبةُ الجامحةُ لشعب المنطقة الشرقية والبحرين في التحرّر، ومما سيدعم تحقيق هذا الهدف سريعاً دور الثورات في العالم العربي في الدفع باتجاه ذلك، خاصّةً بعدَ التدخل الغربي المباشر في هذه الثورات، وهذا ما يتضح من خلال دخول الغرب بشكل مباشر على خط الأزمة الليبية، والذي تمخض عنه دعم حق الشعب الليبي المشروع في تقرير مصيره، وبالمقابل فإنّ عدم التدخل الغربي لدعم حق الشعب الليبي، وعدم دعم شعب المنطقة الشرقية سوف يضع مصداقية الدول الغربية والمنظمات الدولية  على المحك، وسوف يسهم في فضح سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها هذه الدول، الأمر الذي سيثير الشعب البحريني، وشعب المنطقة الشرقية الذي لن يجد بداً من الاعتماد على نفسه وبقوة، أكثر من أي وقتٍ مضى  للاعتماد على نفسه لتحقيق طموحاته  وتقرير مصيره، وسوفَ يزيدُ من إصراره على تحقيق هذا الهدف، خاصّةً مع وجود قوات درع ِالجزيرة على الأراضي البحرينية، والتي سيعتبرُها الشّعب البحريني شريكة ومتواطئة مع الغرب لقمع ثورة الشعب البحريني العادلة، الأمر الذي  سيثير شعب المنطقة الشرقية، وثورتهم، والذي لن يتخلى عن أخوانه وشركائه  في الأصل والمذهب في البحرين لدعمه ونصرته، مما سيؤدي حتماً إلى إجبار السعودية إلى سحب قوات درع الجزيرة لمواجهة الانتفاضة الداخلية في السعودية، والتي لن  تتوقف هذه المرة، مما سيمهد الأرضية لتكون سانحة لشعب البحرين لتصعيد ثورة لإسقاط النظام البحريني الحاكم، ولكن هذه المرة إلى غير رجعه ([31]).

                 وقد رأتْ بعضُ صحفِ التيّار المحافظ عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني؛ فالغربُ قام بدعم الثورات في مصر، وتونس، واليمن، وذلك نتيجة عدم امتلاك هذه الدول لثروات نفطية، على عكس البحرين التي تقعُ في منطقة الخليج الغنيّةِ بالنفط، وبالتالي من مصلحة الغرب  تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لضمان تدفق النفط وبأسعارٍ رخيصةٍ ، وتعلّل الصحفُ المحافظة تدخّل الغرب وبالذات أوربا في الأزمة الليبية بشكلٍ مباشرٍ حفاظاً على مصالحها هناك .أما في البحرين فيخشى الغربُ من وجود نظام ديمقراطيّ جديدٍ قد تؤثر على الدول الخليجية الغير ديمقراطية، الأمر الذي يهدّد معه مصالح الدول العظمى، إضافةً إلى ذلك ترى هذه الصحف أنَّ حصولَ الشيعة على حقوقهم في البحرين سوف يؤدّي إلى إثارة الأقليات الشيعية في الدول الخليجية بمجملها، مما سيثيرُ متاعبَ لا تحمد عقباها بالنسبة للغرب عموماً ([32])، من هنا ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ الإيرانية  على ضرورة  استمرار المظاهرات في البحرين؛ لأنه السبيلُ للرهان على تحقيق عدة أهداف :

    • حدوث انشقاق داخل العائلة المالكة، والتسليم والرضوخ للأمر الواقع، وهذا سيفضي إلى الاعتراف بحقوق الأغلبية الشيعية .
    • استمرار التظاهرات سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة، تؤدّي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة للشيعة .
    • إن استمرار التظاهرات سوف يؤدي إلى إثارة الرأي العام الدولي، وتحفيز المنظمات الدولية للقيام بدورها، وهذا سيجبر حكومات هذه الدول للانصياع لمطالب الشيعة المشروعة في تقرير مصيرهم .

    4- تكثيف مظاهرات الشيعة أمام سفارات الدول الخليجية في الخارج ، لتكثيف الضغوط الدبلوماسية عليهم .

    5-تذكير العالم أن أزمات الشيعة  في دول الخليج العربية عموما، والبحرين خصوصا، هي أزمات سياسية وليست طائفية ([33]).

    • ضرورة استنفار مراجع التقليد العظام في البقاع المقدسة في كل من قم، مشهد، النجف، كربلاء، لبنان، المنطقة الشرقية …  لتذكير العالم كي يتحمل مسئولياته لحماية الشعب البحريني الشيعي المظلوم، وما يتعرض له من جرائم إبادة  جماعية .

    5-الدعوة  إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لدراسة المجازر التي ترتكب ضد المحتجين في البحرين ([34])، ورأتْ صحفُ التيّار المحافظ  أنَّ الحلَّ لخلاص الشّعب البحريني يكمنُ في أنّ  يصعد الشعب البحريني من حدة تضحياته مهما بلغت؛ لأنَّ ارتكاب النظام  الحاكم في البحرين لمزيد من الجرائم، سوف يضعه في خانة النظام الفاقد للشرعية نتيجة ارتكابه للمجازر التي ستعتبر جرائم ضدّ الإنسانية في نهاية المطاف  ، ومن خلال هذه السياسة سيزول  حكم آل خليفة، وقد أسهبتْ صحفُ التيار المحافظ بأنّ الثوار البحرينيين يملكونَ الكثير من الأوراق التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم المشروعة، وعليهم أنْ  يستخدمونها إذا استمرَّ النظام الحاكم  بتجاهل هذه المطالب([35])

                 من خلال هذه الإستراتيجية سيتحققُ الأمنُ والاستقرار والرفاه لشعب البحرين في النهاية، ويستطيعُ الشعب البحريني إقامة دولته بملء إرادته، والربط بين السياسة التصعيدية التي تمارسها الحكومة البحرينية مع المتظاهرين في أنها تمّت بغطاء وبضوء أخضر أمريكي، وتعليل ذلك أنَّ هذه السياسية جاءت بعد زيارة (ويليام غيتس) وزير الدفاع الأمريكي للبحرين ([36])، واعتبار أنَّ  طرح فكرة الحوار الوطني يأتي ضمن سياسة التسويف  التي تمارسها الحكومة  البحرينية ، حيث تعتبر أنه لا جدوى منها على الإطلاق ، لهذا يجب على الشعب البحريني أن يسلك طريق التصعيد ([37]).

    الفئة الثانية: موجهة بشكل مهم ومحوري إلى  دول لا تزال طهران ترجو، وتأمل بقوة الإبقاء على نظم الحكم فيها، والسعي لتقديم الدعم بكافة أشكاله وصورة لها، حفاظاً على نظامها السياسي؛ وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها. ومن هذه الدول: الدولة الحليفة ( سوريا) حيثُ ركّزت طهران في حديثها من خلال صحف التيار المحافظ على ضرورة الوقوف مع سوريا، ووضع مختلف إمكانات الدولة الإيرانية تحتَ تصرّفها للخروج من هذه المؤامرة التي حاكتها لها قوى الاستكبار، وخلافاً لموقف إيران من الثورات في مناطق أخرى من المنطقة العربية، ركّزت صحفُ التيّار المحافظ  على وصف الثوريين وليس الحالة الثورية  في سوريا، ونعتت الثوريين بألفاظ قاسية مثل :  “بشغب الإرهابيون”([38] )،” عملاء الفتنة”([39])،” المأجورون والعملاء”،([40]) أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”([41])،” قوى الشر”([42])، ” الشياطين” ([43])،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية ([44]).

              ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة ([45])”مثيرو شغب”([46] ) “إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،([47])عملاء قوى الشر والظلام ([48]).

                   يلاحظُ أنّ وسائلَ الإعلام المحافظة في إيران  تجاهلت عن  عمد بداية الانتفاضة في سوريا، وركّزت على الأحداث في البحرين واليمن، ثم بدأت تتحدث عن الثورة في سوريا من حيث كونها حركة إرهابية مدعومة  من الخارج للنيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية([49])، واعتبار سوريا ركناً أساسياً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ،وركزت على بث “اعترافات” نقلتها وسائلُ الإعلام الرسميّة السورية لمجموعات وخلايا إرهابية ، وصفت هدفها ضرب استقرار سوريا، قالت : إنها تلقّت أسلحة وأموالاً من عملاء الاستكبار أمريكا و إسرائيل لإرسال معلومات وصور وفيديو للاحتجاجات إلى الخارج، والتنسيق مع المعارضة في الخارج، ومع قوى سلفية تكفيرية متطرفة مدعومة من بعض الدول العربية، ونشرتْ هذه الأخبار في عناوين صفحاتها الرئيسية ([50]).

                   وقد ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على أهمية الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، حيثُ تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة التهدئة التي تقوم بها الحكومة السورية، معتبرةً أنَّ الحكومةَ السورية قد قامت بإجراءات وخطوات متوازنة بهدف تعزيز مسيرة الإصلاح، وتعزيز الأمن ([51])، وأقرت بمراعاة سوريا للسقف الزمني لتحقيها، وعللت أنَّ  هناك فئات خارجة عن القانون قامت بافتعال التظاهرات في سوريا لتعطيل عملية التحول الديمقراطي في سوريا ([52]).

                  وأجمعتْ وسائلُ الإعلام المحافظة على  وجود مخطط دولي مدعوم بقوى إقليمية عربية للنيل من صمود سوريا، عن طريق الاستعانة بالحركات السلفية التي وصفتها بالمتطرفة، وأشارت هذه الوسائل  إلى الحملة الممنهجة التي يتعرض لها صمود الدولة السورية المناضلة ضدّ قوى الغطرسة التي تسعى للنيل منها ([53])، ودلّلتْ على ذلك من  خلال عرض الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس لكشف تاريخ المؤامرة ضدّ سوريا إلى فترة حكومة بوشالتي وضعت إستراتيجية هدفتْ إلى مد جماعات المعارضة استقرار الأوضاع وتوتيرها  في سوريا ([54])، وتحميل  الصحف المحافظة لجماعات المعارضة المسئولية عن تأخر الإصلاحات في سوريا، إضافة إلى تركيز الصحف المحافظة إلى أنّ هناك قوى داخلية سورية قد قاومت سياسة الرئيس السوري بإجراء هذه الإصلاحات باعتراف الرئيس السوري نفسه ([55]) .

                يمكنُ القولُ أنهُ كانَ من الصعب على الحكومة الإيرانية إعلان مبدأ واحد، أو سياسة موحّدة للتعامل مع الثورات في المنطقة العربية، ومحاولة تبني تطبيقه في جميع الحالات، فبعد اتساع نطاق التظاهرات في عدد من الدول العربية، عمدت مؤسسات صنع القرار الإيرانية إلى التعامل مع كل ثورة أو حالة احتجاج على حدة – حسب المصلحة البراغماتية الإيرانية -كما اتضح سابقا؛ ولا شك بأن السلوك الخارجي الإيراني قد عكس بشكل واضح لا لبس فيه هذا الموقف، وهذا ما برز من خلال تحليل محتوى الصحف المحافظ  وما حوته من أخبار ، مقالات وتحليلات  تجاه هذه الأزمات، والذي بات يستند على عدد من الاستراتيجيات من أبرزها :

    أولا : إستراتيجية الحسم والفصل في تأييد الثورة في اليمن والبحرين، خدمة لأهداف سياسية ومذهبية تندرج في إطار حفاظ إيران لبناء مجالها الحيوي المذهبي:

                 قامتِ الصحفُ المحافظة بتأييد الثورات في كل من اليمن والبحرين مباشرة، حيثُ لم تمارسْ مبدأ الانتظار والترقب قبل التسرع بإعلان موقف صريح من كل ثورة، وتبعت ذلك بتكثيف التحليلات الإعلامية لتعظيم الفوائد المرجوة من هذا التغيير؛ وممارسة سلوك تدخلي سافر في هذه الأزمات المشتعلة، وشجّعتْ مطالب المتظاهرين  “بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة في هذه الدول”، وضرورة حدوث تغير حقيقي في سياسات الأنظمة الجديدة على أمل نشأتها في الملفات المهمة الداخلية الخاصة بضرورة إعطاء الشيعية حقوقهم كاملة غير منقوصة على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية في البحرين، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي والديموغرافي في اليمن، وخارجياً ضرورة إحداث تحول حقيقي في سياسة الأنظمة الجديدة تجاه الهيمنة الأمريكية، وطرد الوجود الأجنبي من هاتين الدولتين ” اليمن ، البحرين ،  وضرورة بناء علاقات جديدة  مع إيران.

    فالعلاقةُ بينَ إيران وكبار قادة الثورة- كما عرضته صحف التيار المحافظ – في اليمن والبحرين  ضرورية ومستمرة في فترة الثورة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأنّ هناك قنوات كثيرة مفتوحة بين الثورة  ونظرائهم في اليمن والبحرين، وأنّ هذه القنوات لم تُغلق في أي وقت، ورغم أي ظرف، على عكس علاقاتها الدبلوماسية مع حكومات اليمن والبحرين التي عاشت قبل الثورة وأثناءها  بينَ مدٍّ وجزرٍ . من هنا وفَّرت هذهِ الثوراتُ فرصةً جيّدة للتواصل بين قيادتها ونخبها مع الدولة الإيرانية.

    ثانياً : إستراتيجية التشدد والتعبئة في الوقوف ضدّ الثورة السورية، ووضع مختلف إمكاناتها في خدمة النظام السوري، دعماً لمصالحها، وتعزيزاً لعلاقاتها الإستراتيجية مع هذا النظام :

    لا شك أن الثورة في سوريا تشكل تحدياً خطيراً بالنسبة  لإيران، حيثُ ترى مؤسسات صنع القرار الحاكم الإيرانية أنَّ الثورة السورية سوف  تعرَّض المصالح الإيرانية في المنطقة للخط، و سيكونُ من الصعب جدّاً حماية هذه المصالح مستقبلاً، أو تعويضها؛ خاصّةً في ظلّ التداخل الواسع بينَ  المصالح الإيرانية والسورية في مداخل الأزمات الإقليمية، واعتبار سوريا مدخلاً مهما لإيران للعبور إلى الأزمات في كل من لبنان، فلسطين، وتوظيف إيران لهذه الأزمات كأوراق رابحة تنتظرُ مقايضتها في بناء جسور العلاقات مع الغرب مستقبلاً، والولايات المتحدة خصوصاً، وقد عبّرت عن ذلك  وسائل الإعلام المحافظة بشكلٍ واسعٍ عن أهمية تقديم الدعم اللامحدود للنظام السوري  للقضاء على الثورة هناك ، خاصة أن الإيرانيين لم يتخيلوا أن تصلَ شرارةُ الانتفاضاتِ العربية إلى سوريا،  وكانوا يعتبرونَ أن انتفاضةَ الشّعب السوريّ ضدّ نظام حكمه محضُ افتراء، ولكنها بالمقابل -لا شكّ – أنها وضعتْ عدّة سيناريوهات لكيفية التعامل معَ أيّ حالةٍ جديدةٍ  قد تنشأ في سوريا خلافاً لمصالحها .

     

    جدول رقم (1) يوضّح موقفَ صحف التيار المحافظ من الثورات في كل من البحرين ، اليمن ، وسوريا ([56])

    الموقف من التدخل الغربي نتائج الثورة أهمية الثورة صفة الثورة  والموضوعات التي ركزت عليها في تناولها للثورة الصفات التي أطلقتها عليها صحافة التيار المحافظ الثورة
     

     

    إظهاره بمظهر المتواطئ مع حكومات اليمن والبحرين ، حيث

    انتقدت الموقف الغربي الذي لم يضغط على أنظمة  الحكم  في اليمن والبحرين بضرورة القيام بدعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

    “على الرغم من قيام الغرب عموما بممارسة ضغوط على الحكومتين اليمنية والبحرينية للقيام بسلسلة من الإصلاحات تلبية لطموحات شعبي البلدين،وهذا ما لم يتطرق له  صحف التيار المحافظ

    التطورات الثورية التي تجري في البحرين واليمن سوف تكون ضد  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ، لأن الحالة الثورية التي تعيشها بعض الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبر عن ضمير هذه  الشعوب الرافضة لهيمنة قوى الاستكبار الغربي صحوة إسلامية عظيمة استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثت في العام  1979، وأن النصر الإلهي الذي تمخض عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية، وسوف يدعم علاقات إيران مع هذه الدول،والدعوة لاستشراف  السيناريوهات لكيفية  الاستفادة من نتائج هذه الثورات،و ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون ، وتبديل التهديدات السابقة بفرص واعدة ، وهذه ما ستمكن إيران من أن تصبح دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط وصفت الثورة في اليمن والبحرين بالمشروعة ، وركزت على الجرائم التيار التي ارتكبتها القوات الحكومية في كلا البلدين ، ودور المتغير الخارجي خاصة السعودي الهادف إلى إثارة الفتنة الوطنية ، واستهداف الطائفة الشيعية في هاتين الدولتين، ضمن مشروع دولي مدعوم غربيا  . وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم في البحرين  خصوصا ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم  

     

    أطلقت عليه صفة الثورات :

    ثورة العدالة والمحرومين، ثورة  الحق والعدالة الثورة الحسينية،كربلاء البحرين واليمن،ربيع الحرية في البحرين،ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية ثورة الخلاص ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين، الانتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين، الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران ،ثورة جنود الإمام  وأحبائه

     

    البحرينية واليمنية
    إظهاره بمظهر المتواطئ ضد نظام الحكم السوري، حيث

     

    انتقدت الموقف الغربي الضاغط  الذي طالب النظام السوري  بضرورة دعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

      شكلت صدمة لأركان الحكم المحافظ ،وذلك لخطورة هذه الثورة ، وتداعياتها على الأمن القومي الإيراني، وضرورة تبني إستراتيجية للحد من تداعياتها على إيران وصفت الثورة السورية بالمحرمة شرعا،و

     

    وصفت دعم الثورة ومطالب المحتجين بغير القانوني ، وأنه تدخل سافر بالشئون الداخلية لسوريا ، حيث يستهدف الغرب وبعض الأطراف الإقليمية العربية الانتقاص من الدور السوري ، ضمن مخطط دولي يستهدف  الدور السوري الداعم لقوى التحرر والمقاومة  ، وركزت على الجرائم التي ارتكبتها المتظاهرين من نهب وسلب ، وترويع الآمنين،  ودور المتغير الخارجي خاصة الغربي في إثارة  النعرات بين أبناء الوطن الواحد ،واعتبار النظام الحاكم في سوريا  هو الضمانة الوحيدة لبقاء سوريا وقوتها، ودعم إجراء الإصلاحات التي يعزم النظام السوري على إجرائها، وإلقاء اللوم على قوى خارجية وداخلية أخرت تنفيذ هذه الإصلاحات  .

     

     

    أطلقت عليها تسمية أحداث الشغب ،

    لم  تطلق عليها صفة الثورات بل ركزت على وصف المتظاهرين عموما : شغب الإرهابيون،عملاء الفتنة، المأجورون والعملاء،أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”،” شغب قوى الشر”، ” الشياطين”،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية. ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة”مثيرو شغب” و”إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،عملاء قوى الشر والظلام.

     

     

    الثورة السورية

     

    جدول رقم (2) يوضح موقف صحف التيار المحافظ من الموقف السعودي الخاص بالثورة في البحرين ([57])

     

    إستراتيجية نجاح الثورات واستغلال الموقف السعودي الأسباب التي دفعت السعودية إلى تبني موقفها إزاء الثورات نتائج الموقف السعودي حسب رؤية صحف التيار المحافظ  

     

     

    الموقف من السعودية  

     

    الثورة
    1- استغلال وجود القوات السعودية في البحرين، والتعبئة بهدف استمرار التظاهرات  ، مما سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، في المنطقة الشرقية والبحرين

     

    2- تقديم النصح باستهداف قوات درع الجزيرة   ،فاستمرار التظاهرات سيؤدي إلى  سقوط عدد كبير من الضحايا ، وهذا سيثير الرأي العام الإقليمي والدولي ، وسيسهم في إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، تؤدي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة، حيث سيتمخض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية ، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

    1- الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها ، حيث وصفت الأوضاع في السعودية بغير التي سرت في مؤسسات الحكم في السعودية ، وزادت من حدتها أحداث البحرين  ، التي باتت تهدد أسس الأمن والاستقرار في السعودية 

     

    2-رسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوف يؤدي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية ، و أن هناك نواة  تحرك جاهزة للانطلاق  في المنطقة الشرقية

    3- محاولة إيجاد قواسم مشتركة بين  الثورتين في المنطقة الشرقية والأزمة في دولة البحرين وتعظيم نجاح مقومات كلا الثورتين، ووضعت نتائج مبنية على سيناريو نجاح ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية

    4- عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني  وشعب المنطقة الشرقية ، وضرورة وجود الإرادة وتقديم التضحيات حتى تأتي ثورات الخلاص بثمارها

    1-  إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاء ما يحدث.

     

    2- التحذير من أن السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين ،خاصة أن  السعودية تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي ، حيث أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي.

    3- تحميل السعودية مسئولية مشروع استهداف الشيعة في المنطقة

    4- سعي السعودية لاحتلال البحرين ، وإدارة شئونها بشكل مباشر

    ضرورة  وجود إجماع دولي وإقليمي لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني ، وتورطها بشكل مباشر في قمع الشعب البحريني ،معتبرة إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة ومدانة، مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها  

     

    البحرينية واليمنية

     

     المراجع

    [1] -( روزنامه قدس ، 6 فروردين ، 1390)

    -[2] (رهبر معظم انقلاب در جمع فرماندهان ومسئولان نظامى ، در اينده بيشترى در منطقه روى خواهد داد ، روزنامه جمهورى اسلامى ،16 فروردين   1390

    [3] ( در بخشين نشست ديبلماسى ايران در ال جديد مطرح شد ، عوامل ويزكى هاى جنبش هايى عربى ، روزنامه  كيهان ، 27 فروردين ، 1390)

    -[4] (  اينده سياسى رزيم كشورهايى عربى، روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 ارديبهشت ، 1390، سقوط حكومتهايى منطقه اى عربى ، روزنامه قدس ، 6 ارديبهشت 1390 ، سر مقاله روزنامه كيهان فارسى ، 9 ارديبهشت 1390  )

    [5] (ويزكى هايى جنبشهايى در منطقه عربى ، روزنامه كيهان فارسى، 13 ارديبهشت ، 1390 )

    [6] -(ديبلماسى ايران وتحولات جديد كشورهايى عرب: تبديل تهديدات به فرصتها، روزنامه جمهورى اسلامى ، 12 ارديبهشت ، 1390 .آينده انقلابهايى منطقه اى عربى ،سمينار هفته، روزنامه قدس ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [7] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 6 فروردين ، 1390)

    [8] ( روزنامه قدس ، 3 ارديبهشت ، 1390)

    [9] ( روزنامه كيهان فارسى، 6 ارديبهشت ، 1390)

    [10] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 13 ارديبهشت ، 1390)

    [11] ( روزنامه قدس ، 15 ارديبهشت ، 1390)

    [12] ( روزنامه كيهان فارسى ، 18 ارديبهشت ، 1390)

    [13] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [14] ( روزنامه قدس، 24 ارديبهشت ، 1390)

    [15] ( روزنامه كيهان فارسى، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [16] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 27 ارديبهشت ، 1390)

    [17] ( روزنامه كيهان فارسى ، 28 ارديبهشت ، 1390)

    [18] -(روزنامه رسالت ، آزادى براي ملت بحرين )

    [19] -(البحرين: زبان زور وبركشتن مسئله كفتكو،روزنامه اطلاعات )

    [20] -(روزنامه قدس ، 18 ارديبهشت 1390)

    -[21] (روزنامه قدس ، نكرانى أمريكا در قبال بحران بحرين)

    -[22] ( روزنامه   جمهورى اسلامي ،رهبران اعراب وسياست نا درست )

    -[23]( موضعكيرى ايران در قبال انقلاب بحرين ، روزنامه جمهورى اسلامى ، 16 فروردين ، 1390)

    -[24] ( روزنامه قدس ، 20 فروردين ، 1390 )

    -[25](روزنامه كيهان ، 21 ارديبهشت 1390)

    -[26] ( روزنامه كيهان العربي ، لن نبقى متفرجين على الجرائم ضد الشعوب، 25 فروردين ، 1390)

    [27] -( روزنامه رسالت ، 26 فروردين 1390)

    [28] -(روزنامه كيهان ، 22 ارديبهشت 1390)

    [29] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، 11 ارديبهشت 1390)

    -[30] (حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است ، كيهان ، 23 فروردين ،1390 ، تحولات سياسى در بحرين ،  روزنامه جمهورى اسلامى ، 2 ارديبهشت ، 1390  )

    [31] -(حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است، مرجع سابق . طرح نقشه انقلاب بحرين ، روزنامه قدس،  5ارديبهشت 1390 )

    [32]      -( نقش كشورهايى غربى در انقلابهايى منطقه اى ، روزنامه  كيهان فارسى ،28 ارديبهشت 1390)

    [33] -( قدردانى مردم بحرين از حمايت از ايران ، ياران انقلاب 14 فوريه بر شفاف سازى اذهان ملت هاى ازاده جهان تاكيد مى كند ، روزنامه كيهان ، 24 فروردين ،  1390 . روزنامه قدس ، 13، ارديبهشت ،1390 )

    -[34] (روزنامه كيهان ،9 فروردين 1390، روزنامه قدس فارسى ، 19 فروردين 1390، روزنامه كيهان فارسى ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[35] ( روزنامه رسالت ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[36] ( روزنامه رسالت، 17 فروردين 1390 )

    [37] -(انقلاب در بحرين وآينده رزيم سياسى ،روزنامه جمهورى اسلامى ، 19فروردين 1390)

    -[38] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 17 ارديبهشت ، 1390)

    [39] -(روزنامه رسالت، 18 ارديبهشت ، 1390)

    -[40] (روزنامه قدس ، 19 ارديبهشت ، 1390)

    [41] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 21 ارديبهشت ، 1390)

    [42] -(روزنامه كيهان فارسى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [43] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    -[44] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [45] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 24 ارديبهشت ، 1390)

    -[46] روزنامه رسالت ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[47] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[48] (روزنامه كيهان فارسى ، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [49] -( روزنامه قدس، 17ارديبهشت 1390)

    [50] -(روزنامه قدس ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [51] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، سوريه وآينده اصلاح، 4 ارديبهشت ، 1390)

    [52] -(روزنامه كيهان فارسى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    -[53] (روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [54] -(روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [55] -(روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    ( تم إعداد الجدول  رقم 1من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة )-[56]

     -( تم إعداد الجدول  رقم 2من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة)[57]

  • ابرز نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2018-2019

    مقدمة:

    يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني بشكل دوري منذ سنة 2005 عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي الشأن الفلسطيني تركيزاً خاصاً. وهذا الإصدار هو المجلد الحادي عشر من مجلدات التقرير الاستراتيجي؛ والذي يغطي بشكل شامل قضية فلسطين خلال سنتي 2018-2019، ويستشرف المسارات المستقبلية.

    ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره أ. أ. د. محسن محمد صالح (الأستاذ في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، بالرصد والاستقراء والتحليل للأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق ومدقق وفق مناهج البحث العلمي، ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية.

    وقد شارك في كتابة التقرير وإعداده 14 من الأساتذة والباحثين المتخصصين، هم: أ. أشرف بدر، وأ. إقبال عميش، وأ. باسم القاسم، ود. جوني منصور، وأ. ربيع الدنان، وأ. زياد ابحيص، وأ. ساري عرابي، ود. سعيد الحاج، وأ. د. طلال عتريسي، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. هاني المصري، وأ. وئام حمودة، وأ. وائل سعد، وأ. د. وليد عبد الحي. كما يقوم بمراجعة التقرير هيئة استشارية متخصصة.

    وفيما يلي أبرز نتائج التقرير، الذي يصل حجمه الأصلي إلى 400 صفحة.

     
  • اتفاقية الاستسلام وارتهان البندقية الفلسطينية اتفاقية أوسلو

    محمد فاروق الإمام – مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

    اتفاقية أوسلو وحرب الإبادة التي شنها حافظ الأسد على الفلسطينيين

    اتفاقية أوسلو هي اتفاقية استسلام وارتهان البندقية الفلسطينية للعدو الصهيوني واستجابة لإملاءات وشروط الكيان الصهيوني المدعومة من القطب الأوحد أمريكا وبمباركة عربية ودولية.

    وقد جاء الحديث عن هذه الاتفاقية بعد سنين من المفاوضات السرية في أروقة بلدان أوروبية، والتي وجدت فيها منظمة التحرير الفلسطينية تحقيقاً لانتصار وهمي تُخيل لها بأن الدولة العبرية ستفي بوعودها وتلتزم بما توقع عليه من تعهدات واتفاقيات، وجاء قبول منظمة التحرير بالتوقيع على هذه الاتفاقية بعد حرب شنها عليهم حافظ الأسد في سبعينات القرن الماضي، وقد نكل بالفلسطينيين وساق الآلاف منهم إلى معتقلاته وسجونه، وفتح أبواب المخيمات لبعض التنظيمات الإرهابية العنصرية التي دخلت هذه المخيمات وارتكبت أبشع المجازر وأفظعها، وختم هذه الحرب القذرة والعدوانية بطرد الفصائل الفلسطينية من آخر معاقلهم في مواجهة العدو الصهيوني في جنوب لبنان.

    لم يكن أتفاق أوسلو بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني مجرد اتفاق مرحلي، بل كان نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة من الكفاح الوطني الفلسطيني، مرحلة شهدت العديد من التطورات على الساحة السياسية الفلسطينية والصهيونية، فالاتفاق الذي لم يدم طويلاً، إلا أنه يعتبر أهم حدث سياسي فلسطيني خلال العقدين الماضين، نظرًا لتداعيات والتطورات التي ترتبت عليه.

    إرهاصات أتفاق أوسلو

    تشكل وضع دولي جديد في بداية فترة التسعينيات إثر انهيار موازين القوى عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، وحدوث انقسام في الموقف العربي بعد أزمة احتلال العراق للكويت وتأييد منظمة التحرير الفلسطينية للموقف العراقي، وما نتج عنها من ضعف للتضامن العربي، وفرض حصار مالي وسياسي على منظمة التحرير بسبب مواقفها من الأزمة، حيث انعكست كل المتغيرات الدولية والإقليمية على القضية الفلسطينية وعلى منظمة التحرير وجعلتها تسير في ركب التسوية.

    في أعقاب عاصفة الصحراء نظمت الولايات المتحدة مؤتمرا للسلام في مدريد

    أتاحت سنة 1991م، فرصة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة خطتها المتعلقة ببدء عملية سلام اعتقدت أنها ستكون ناجحة في الشرق الأوسط، وفي هذا الشأن جاء في تقرير لمعهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، في أعقاب عاصفة الصحراء تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية حيازة نقاط قوة فريدة، منتصرة في حرب الخليج الثانية مكنتها كقوة عظمى وحيدة أن تحقق أكثر مما حققته في الماضي. لذلك استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الذهبية، ونظمت مؤتمراً دولياً للسلام في مدريد عام 1991، وفي هذا المؤتمر تحدثت الدولة العبرية فيه مع جيرانها العرب لأول مرة، وقد حضر الفلسطينيون أيضاً ولكن مقابل تنازلات هائلة، وكانت رؤية الإدارة الأمريكية لعملية السلام في الشرق الأوسط مبنية على ضرورة إيجاد حلًّ ما للصراع العربي-الصهيوني، خاصةً وأن منظمة التحرير التي حملت لواء الكفاح المسلح ضد الكيان الصهيوني لعقدين ونيف من الزمن، تمّ ترويضها وإلحاقها في عربة التسوية السلمية التي انطلقت في مدريد عام 1991م.

  • احتواء محكوم عليه بالفشل ..... د.نزار السامرائي

    يشهد الوطن العربي وخاصة منطقة الخليج العربي تغييرات سياسية واجتماعية داخلية وخارجية ما كان بوسع أكثر الخبراء معرفة بخلفيات المجتمع الخليجي توقع حصولها، وكان لوصول الرئيس ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة الدور الأكثر أهمية في حصول معظمها وليس استجابة لرغبة الشارع الخليجي، لأن الرئيس ترمب وبكل ما رفعه من شعارات نارية موزعة على مسطح الكرة الأرضية، تحول إلى إرهابي تحت ظل القانون، لا سيما ما يتعلق بالحرب على الإرهاب الذي ربطت الدوائر الغربية بينه وبين الإسلام السلفي بإحكام، فراح وطننا العربي يشهد جريا في مارثون ترضية الدوائر الغربية، ولكن بعض النظام الرسمي العربي هو الذي يتولاه، وكان كثير من واجهاته يتسابقون لإثبات براءتهم من أية صلة مع تنظيم الدولة الإسلامية ومن قبلها شبكة القاعدة كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، وانطلاقا من مثل عربي قديم يقول “يكاد المريب يقول خذوني”، وأوقع هذا الجزء من النظام نفسه في شك أكبر مما لو احتفظ برباطة جأشه وتصرف كما تتصرف الدول الواثقة من نفسها وبثقتها بصلتها بشعبها وقاعدتها الجماهيرية، وبذلك فقد أوقف نفسه من تلقاء نفسه في قفص اتهام دولي بتهمة دعم الإرهاب.
    لقد  أجاد الرئيس دونالد ترمب اللعب بأعصاب كثير من الحكام العرب وجعلهم يعيشون حالة إنذار قصوى وقلق عميق، بعد أن أشعر كل واحد منهم بأنه مذنب حتى يثبت أنه بريء من تهم استطاعت مراكز الدراسات النفسية ومراكز الدراسات السياسية ودوائر المخابرات، وضعها في ملفات في غاية الاتقان وإشهارها بوجوه نظم تشعر أنها على فوهة بركان من الغضب والرفض الشعبيين لتوجهاتها السياسية وعدم عدالتها في توزيع الثروة واستئثارها بالحكم من دون تخويل معترف به من شعوبها، في زمن ترتفع شعارات الديمقراطية في العالم في توظيف سياسي لتبرير العدوان على الدول واحتلالها وتنصيب حكام عليها يحملون للقوى الدولية ولاءً أكثر مما يرتبطون مع البلدان التي تم تنصيبهم حكاما عليها، بعد تم زرعها بقواعد عسكرية والسيطرة على ثرواتها، وجعلوا من أولئك الحكام وكلاء مخلصين لتلك القوى.
    وجد ترمب على مكتبه ملفا يناسب مزاجه السياسي الصاخب ورغبته في ممارسة الدبلوماسية الخارجة عن سياقاتها التقليدية، كانت السلطة التشريعية في بلاده قد أصدرته ولا يتحمل مسؤوليته الأخلاقية ولا السياسية حتى يستطيع أن يقدم نفسه كضامن لحجب تطبيقه عن هذا الطرف أو ذاك، وهو قانون جاستا الذي يستطيع من الناحية القانونية استقدام أي شخص خليجي إلى القضاء الأمريكي بتهمة الضلوع في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، مما يرهن الاقتصاد الخليجي عموما والسعودي خصوصا لابتزاز أمريكي لم يسبق أن استخدمته أمريكي حتى ضد أعدى أعداء الولايات المتحدة في أسوأ ظروف العلاقات المتوترة أيام الحروب الساخنة أو الباردة، وينبغي الإقرار أن المشّرع الأمريكي قد أحسن إخراج مسرحية جاستا بحيث لا تطال المواطن الخليجي البسيط فقط بل تنقل المسؤولية الجنائية إلى النظام الخليجي كلا أو جزء بحيث تركته أسير هواجس وكوابيس مرعبة إلى أبعد الحدود.
    لقد وجد الرئيس الأمريكي المأزوم أصلا والذي لا يستطيع أكبر علماء النفس أو خبراء السياسة الدولية التكهن بخطوته التالية، وجد في قانون جاستا رافعة شاهقة وأداة كبرى لابتزاز الحكام القلقين جرّاء ظلمهم لشعوبهم، وربما خوفهم من أقرب الناس إليهم، وخاصة أولئك الحكام الذين كانوا يرون في الولايات المتحدة ضمانة استمرارهم بالحكم، وإذا بها وعلى نحو دراماتيكي، تتحول إلى مركز تهديد خطر على وجودهم، بل لعل ذلك هو الخطر الأعظم، ولذلك تسارعت رسائل العشق والغرام تترى على واشنطن علنا أو عبر وسطاء علّها تخفف من اندفاعة الثور الأمريكي أو تخفيف حدة غلوائه، وبدلا من أن تتحقق هذه الأمنية، فقد وجد النظام الرسمي نفسه في سلسلة تداعيات متعاقبة وهذا ما اضطره إلى تقديم تنازلات سياسية وأمنية ومزايا اقتصادية للقادم المتقلب المزاج إلى البيت الأبيض، لعل أكبرها ما جلب لبلده من أموال خليجية تراوحت حول رقم 500 مليار دولار خلال مؤتمر الرياض، والذي قال عنه ترمب إنه ما كان بوسعه المشاركة في القمة الأمريكية العربية الإسلامية لولا الوعود المسبقة بالحصول عليها.
    لكن الرئيس ترمب مع كل المكاسب التي حصل عليها لبلده، ما كان بمقدوره أو حتى راغبا أن يحذف جملة أو كلمة واحدة من مواد قانون جاستا، فتركه مطرقة أو على وجه أدق شفرة مقصلة حادة يمكن أن يطلقها أي معتوه أمريكي لتهوي فتقطع رؤوسا ما حان قطافها بعد.
    ومع الوقت كانت خطوات تكييف السياسات الخارجية في دول الخليج العربي تتسارع حتى بأكثر مما كانت الولايات المتحدة تخطط له أو بإمكانها ملاحقة وتيرته، فالنظام الرسمي العربي كما هو معروف لا يمتلك مرونة عالية لرسم خطوات التراجع التدريجي أو التقدم إلى أمام، بل سرعان ما ينقلب من حالة إلى الضد منها خلال وقت قياسي كالانتقال من حالة العداء المستحكم إلى زواج كاثوليكي لا طلاق فيه حتى الموت أو عكس ذلك تماما.
    وإذا تجاوزنا العموميات وسميّنا الأشياء بأسمائها، فإننا سنكون إزاء خطوات سعودية متلاحقة وغير متأنية في التقارب مع حكومة العراق التي نصبّها الأمريكيون واستطاع الإيرانيون تسخيرها لخدمة مشروعها القومي المغلف برداء ديني طائفي، فراحت الرياض ومعها عواصم خليجية بناء على “نصائح، أمريكية أو ربما أكثر من مجرد نصائح، للانفتاح على بغداد المحتلة من دون تقدير النتائج التي ستترتب على هذا “الانفتاح” في محاولة أمريكية- عربية لاحتواء العراق وابعاده عن المحور الإيراني، وعلى الرغم من أن المخطط الأمريكي يعي أكثر من المنفذ العربي بأن الصلة العراقية- الإيرانية ليست حلفا عابرا أو مصلحة سياسية واقتصادية مؤقتة يمكن التلويح بشكولاتة أكبر منها حتى تنهار، إلا أن دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية مهدت لخطوات التقارب مع بفداد بسلسلة تدابير شهدها موسم الحج الماضي وافتتاح خط جوي إلى النجف تحت ذرائع لا تصمد أمام واقع مرّ، ثم وصلت ذروتها في الزيارات التي شهدتها الرياض لعناصر مليشياوية مدانة أمام الشاشة بهجوم إعلامي غير مسبوق على السياسة السعودية وتحميلها تبعات الاضطهاد المزعوم الذي يتعرض له الشيعة في المنطقة الشرقية من أراضيها أو ما تتعرض له الأقلية الشيعية في البحرين.
    إن التبريرات التي تقدمها السعودية لتسويق سياستها الجديدة غير كافية لإقناع المراقب العربي الذي يعي حجم الخطر الإيراني ليس على العراق وحده بل على المملكة العربية السعودية نفسها وخاصة التهديدات التي أطلقها قادة المليشيات عن نيتهم التي لن تتوقف إلا برفع راية الحسين على الكعبة المشرفة، ونبش قبور الصحابة رضي الله عنهم بما فيهم قبرا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
    إن الارتقاء بدرجة التفاؤل لدى مسؤولي المملكة العربية السعودية عن قدرتهم على استعادة العراق إلى الحضن العربي من الحضن الإيران، لا يستند على حقيقة حجم الترابط المذهبي الذي لا يمكن فك عراه بالنوايا العربية الحسنة، فالترابط المذهبي فوق كل المصالح السياسية والاقتصادية التي يمكن لعراق العملية السياسية أن يجنيها، فالتقية ليست لعبة دينية يجيدها الشيعة في فتاوى مراجعهم فقط، بل منهاج حياة كامل يسيطر على عقولهم سيطرة كاملة، فواحدهم مثل حصان دراسة القمح الذي تم إغماض عينيه بحيث يدور ويدور ولا يبالي بشيء إلا بما هو مرسوم له من مرجعه الديني القابع في قم أو في النجف، فهل فكّر أحد في الرياض بكيفية التعامل مع هذه المعضلة؟ وهل يستطيع أحد أن يحقق اختراقا حقيقيا لها، أم هي لعبة مدروسة من إيران أملتها على حكومة بغداد كي تهدئ واحدة من أخطر الجبهات المعادية لها؟
    إن المملكة العربية السعودية ستندفع في توجهاتها الداعمة لحكومة بغداد انطلاقا مما ستسمعه من أناس لم يصدقوا حتى في كشف أسمائهم الحقيقية، وستضيع كل الأموال التي سيتم إنفاقها على هذا الزواج الذي ينظر إليه السعوديون أنه زواج إسلامي مستكمل الشروط الشرعية، في حين سيتعامل معه عملاء إيران في المنطقة الخضراء على أنه زواج متعة لن يطول إلا للزمن الذي يتم فيه استنفاذ أغراضه السياسية والاقتصادية، وإلا للزمن الذي يقرر فيه الولي الفقيه فصم عراه للزمن الذي إن يضمن له تحقيق أهدافه المحورية.
    النتائج المتوقعة للخطوة السعودية أن الاحتواء المضاد هو الذي سيتحقق وليس احتواء العراق، فهل أعدت الرياض نفسها لكل الاحتمالات بل لأسوأها؟
    ذلك ما ستكشف عنه الأيام التي قد تطول أو تقصر تبعا لما يتحلى به اللاعبون من طول نفس لسباقات المسافات الطويلة.

  • استبدال الليرة السورية بالتركية في الشمال السوري: مدى توفر مقومات النجاح

    تأتي خطوة استبدال الليرة السورية بالتركية في الشمال السوري في هذا الوقت متكئة على مطلب ينادي بضرورة المساعدة على الحفاظ على ما تبقى من مدخرات السكان والحفاظ على قوتهم الشرائية، وضمان استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي بحده الأدنى، وبما يخفف من أثر الظروف الأمنية على استقرارهم. لكن، ودون الخوض في الدلالات السياسية لهذه الخطوة، والمدى الزمني المتوقع لاستمرارها، وعن التجاذبات التي أحاطت بها بين مؤيد ورافض منذ بداية طرح الفكرة، تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية حول هذه الخطوة مسلطة الضوء على مقومات نجاحها في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحليل مدى توفر مقومات النجاح، إلى جانب محاولة استشراف مآل الليرة السورية في هذه المناطق، والدور المنوط بالفواعل الرئيسية لنجاح هذا المسعى