• أزمة النظام السياسي العربي في ظل "كورونا"

    عادة ما تكون المحن والابتلاءات أو المتغيرات الكبرى في حياة البشرية وقفات تفكير وتقويم لتعديل مسارات خاطئة في نظام الحياة البشري، أو مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تتشكَّل الكثير من النظم والسياسات والأدوات على نتائج جدليات الأحداث الكبرى عندما تقوم النظم السياسية بمراجعة موقفها الواقعي وتطلعها المستقبلي، واليوم تأتي جائحة "كورونا" أمام العالم لتصيبه بعدم اليقين، وتختبر قدرته البشرية بإعادة النظر في مجمل قيم وأساسيات بناء النظام الدولي والاقتصادي والاجتماعي.. العالم الذي يبدو عاجزاً تماماً أمام هذه الجائحة، منتظراً جهود الباحثين الأطباء والمتخصصين، لاكتشاف علاج للبشرية ربما يطوِّق اجتياح هذه الجائحة وانتشارها في كل دول العالم.

    هذه مقدمة لازمة للانتقال إلى ما يمر به عالمنا العربي في ظل هذه الأزمة، فهو عالم من البشر في جغرافيا ممتدة من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، لا يختلف عن باقي دول العالم في تأثير هذه الجائحة عليه صحياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

    إلا أن العالم العربي منذ عقود وهو يعيش أزمة النظام السياسي العربي، إذ إنه بالإضافة إلى الكارثة الصحية المتوقعة؛ لضعف بنيان النظام الصحي في هذه المنطقة، وضعف البنيان الاجتماعي؛ من نظام العدالة، وتوزيع الثروة، وانتشار الفقر، والأمية فيه، فإن النظام السياسي العربي ما زال يتمتع بخصائص تختلف عن النظام السياسي الدولي، حيث يعجز النظام العربي السياسي عن دراسة واقعه من جديد، فهو لا يفكر في إعادة حساباته ومراجعاته، ويفكر في طريق صحيح للنهضة واستثمار ما لديه من إمكانات اقتصادية، وقوى اجتماعية، وبنيان سكاني من الشباب الطامح للعمل والتغيير، وللأسف فإن أزمة هذا النظام ما زال عند كل فشل في إدارته للأزمات، يلقي بعجزه على شماعات من الأوهام والفزَّاعات، ويعتقد أنه بذلك يلقي عن كاهله تحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع المنطقة العربية، من ضعف في البنيان الصحي والاقتصادي والاجتماعي، ويحيل ذلك الفشل إلى فزَّاعات الإرهاب والإخوان، والجماعات السياسية المعارضة، والليبرالية والعلمانية، والتدخل الأجنبي، ويقوم بدلاً من الإصلاح إلى تغذية الانقلابيين ومجموعة من الجماعات الدينية المحسوبة على النظام السياسي، ودعم الحروب الأهلية، وتفتيت الجغرافيا والاقتصاد والمجتمعات العربية، وانشغال هذا النظام بحروب وهمية، ويستخدم إعلاماً أقرب إلى تطويع المجتمعات للاستكانة والخضوع لنظريات الواقع من السلام المزيف مع الكيان الصهيوني، أو تفتيت الوحدة الوطنية في مجتمع عربي تتدهور حالته ومناعته الفكرية أمام العولمة ومنتجاتها، حتى تحوّل النظام السياسي العربي اليوم إلى كتل متشاكسة لا يجمعها مشروع ولا نهضة ولا جامع واحد.

    إن المستقبل لمنطقتنا العربية غامض غير وامض، وهو ما يدعو إلى أن تقوم كل القوى الحيّة في هذه المجتمعات بالتوقف والاستفادة من فرصة ابتلاء جائحة "كورونا"، لتعيد ترتيب حساباتها، وتعيد حيويتها للنظر في مشتركات نهضوية تضع لهذه المنطقة إطاراً سياسياً جديداً يدفع بها نحو نهضة اقتصادية واجتماعية وصحية وثقافية، وإلا فإن عقوداً طويلة من الكوارث ربما ستسود المنطقة في هذا القرن الذي نعيشه.

  • الإدارة الذاتية وأزمة كورونا: قطاع صحي معتل وتحديات متزايدة

    تواجه منطقة شمال شرق سورية، التي تعاني أساساً من نقص طبي حاد وقطاع صحي معتل، تهديداً جديداً يفرضه فيروس كورونا المستجد الذي تتوقع العديد من المنظمات احتياجه لكافة مناطق سورية، أمرٌ تجاوبت معه "الإدارة الذاتية" بسلسلة من المناشدات والمطالبات بالدعم والمساندة، بالإضافة إلى اعلانها عن سلسلة من الإجراءات الاحترازية على عدة صعد؛

    يتناول هذا التقرير إطلالة عامة على واقع القطاع الصحي ومدى نجاعة السياسات التي اتبعتها "الإدارة الذاتية"؛ ويقف على أهم الاجراءات التي اتخذتها وأهم التحديات التي تواجهها.

    قطاع صحي هش

    تعاني مناطق شمال شرق سورية خلال حكم النظام من نقص في المستلزمات والمباني والكوادر الطبية؛ فعلى سبيل المثال وقبل الثورة في عام 2010 ووفقاً لمكتب الاحصاء المركزي فإنه لم يتجاوز عدد الأطباء في محافظة الحسكة أكثر من (1252) طبيباً، بمعدل (1166) شخص لكل طبيب، ولم يتجاوز عدد الصيادلة لم يتجاوز (690) صيدلانياً، أي بمعدل (2116) شخص لكل صيدلي، وضمت محافظة الحسكة آنذاك (32) مشفى بين حكومي وخاص يتوفر فيها (1348) سرير فقط، أي بمعدل سرير لكل (1083) شخص، إضافة إلى افتقارها لوجود مركز خدمة الأورام السرطانية، وبعض الأجهزة مثل المرنان المغناطيسي.

    والآن؛ وباستثناء المستشفى الوطني بالقامشلي؛ تسيطر "الإدارة الذاتية" على كافة المقرات والمباني الصحية في مناطق سيطرتها وتتولى "هيئة الصحة"  إدارة المستشفيات والمراكز الطبية معتمدة على كوادر بشرية قليلة (قسم منهم  موظفين لدى حكومة النظام، وقسم تم تدريبهم للتعامل مع الحالات الإسعافية والطارئة فقط)، خاصة بعد هجرة اكثر هذه الكوادر خارج البلاد لأسباب شتى؛ ولا تقدم "الإدارة" أي خدمات سوى دفع رواتب العاملين في القطاع الصحي واللقاحات الممنوحة لها من منظمة الصحة العالمية. ويشكل الدعم الخيري المقدم من المنظمات الدولية وغير الحكومية رافداً لحاجات القطاع الطبي والصحي إضافة إلى هبات يقدمها مغتربون أكراد في البلدان الأوروبية. وبتقريرها السنوي، أوضحت "الإدارة الذاتية" أنها في مجال الصحة قد أهلت وجهزت 58 مستوصف و8 مشافي بالإضافة إلى فتح مركزين للزنين المغناطيسي وتجهيز ثلاث غرف للعمليات وتجهيز بنك دم بأجهزة فحص مخبرية وتفعيل قسم الكلية بمشفى الفرات.

    وبدراسة أعدها مركز توثيق الانتهاكات في الشمال السوري بين أنه في مناطق الإدارة الذاتية يمكن أن يصاب بفيروس كورونا قرابة مليون شخص، من أصل 5 ملايين يسكنونها، وسيحتاج 13 ألف شخص مصاب على الأقل إلى وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي. وقدر البحث أنّ هنالك بحدود 27 – 30 جهاز تنفس صناعي في مختلف المراكز الصحية، حيث أوضح الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا جوان مصطفى: “نملك الآن 27 منفس هوائي، ونسعى إلى تأمين منافس أخرى ليصل العدد إلى 100” وأنّ عدد الغرف المتوفرة بالكاد يمكن أن يصل إلى 200 غرفة، قادرة على استيعاب حتى 1500 شخص فقط، فيما ولا يتوفر في مناطق الإدارة الذاتية سوى /28/ سريراً فقط في وحدات العناية المركزة في جميع مشافي المنطقة مجتمعةً، كما ليس هناك سوى طبيبين اثنين مدربين على كيفية التعامل مع أجهزة التنفّس، ما “سيؤدي إلى كارثة إنسانية مع انتشار الفايروس في ظل الإمكانيات المتوفرة” أي إنّ قدرة الاستيعاب قد تشمل فقط 5 %، كما أن الخطوة الكبيرة تأتي من أن الفيروس سيكون سريعاً في التفشي خاصة في المخيمات وعددها 15 مخيم وحوالي 35 مركز إيواء مؤقت يقطن بها ما يصل إلى 110 ألف.

    وحذّرت هيئة الصحة في بيان لها من نقص حاد في التجهيزات الأساسية والأدوية لعلاج المصابين، بينها الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس وعليه فإن  جميع العينات ترسل إلى مختبرات لتحليلها، وهو ما يجعل الإدارة الذاتية تعتمد على الحكومة السورية،  الأمر الذي يؤكد أن قطاع الصحة في الإدارة الذاتية لا يزال يفتقر لمقومات التأهيل والفاعلية سواء على المستوى الفني او البشري.

    مناشدات وإجراءات احترازية

    ناشدت "الإدارة الذاتية" المنظمات الإنسانية وجميع الجهات المعنية وحكومة إقليم كردستان العراق بضرورة تقديمها المساعدة لمنع انتشار فيروس "كورونا المستجد"؛  كما ناشد مدير مشفى السلام في القامشلي، منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، لتقديم المساعدة للمشافي الخاصة في المنطقة لمواجهة احتمالات تفشي فيروس "كورونا، وبناء على ذلك قدم التحالف الدولي ضد داعش – وفقاً للمركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية- كميات من الأدوية والمعدات الطبية  لمشافي الحسكة والشدادي ، كما أنه تم الاعلان عن مساعدة طبية من  التحالف لشرق الفرات بقيمة 1.2 مليون دولار.

    مؤخراً؛ أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية إيقاف حملات التجنيد الإجباري "واجب الدفاع الذاتي"، في المناطق التي تقع تحت إدارتها، مدة ثلاثة أشهر. وقالت الإدارة الذاتية في بيان، أنه "بدأ إيقاف الحملات فعلياً، منذ 5 نيسان 2020، ليستمر حتى 5 تموز2020، وذلك حرصاً على سلامة المواطنين من انتشار وباء كورونا.

  • العالم وجائحة«كورونا»/مستقبل المنطقة العربية/

    مقدمة

    لم يشهد العالم مثيلاً للتطورات الراهنة منذ تاريخ بعيد في ظل الانتشار العالمي السريع لجائحة فيروس «كورونا» المستجد (covid - 19) والوباء المترتب على انتشاره عالمياً، وبرغم ما تتخذه الحكومات والدول من إجراءات لمنع انتشار الوباء في الجانب الصحي، وكذلك الحد من تبعاته المختلفة وخاصة على الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته، فإن الأمر ما زال خطيراً وقاب قوسين أو أدنى من الخروج عن السيطرة.

    إن الانتشار المتدرج والسريع للفيروس من المحلية للعالمية سيعمق التأثير الذي ربما يطال معظم المجالات في بنيتها المادية والوظيفية وتأثيرها في رؤية العالم والتصورات الخاصة بالحياة والوجود والمصير الإنساني.

    يمر العالم والمجتمعات البشرية المختلفة بلحظات تاريخية فارقة وهي تواجه جائحة «كورونا»؛ مما يجعلها موضوعاً قابلاً للبحث والتحليل، وتقود هذه الأزمة إلى إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، ولا سيما المرتبطة بدور الدولة والمجتمع والأداء الاقتصادي وأساليب أداء العمل والإنتاج وإعادة صياغة مفهوم العولمة ليناسب ما بعد مرحلة جائحة كورونا التي ستترك العالم بشكل وهيئة وطبيعة مختلفة عما كان عليها من قبل، وسوف تحدد تلك الأزمة مفاهيم جديدة للعالم قبل أن تتركه وترحل.

    وفي ظل الوتيرة المتسارعة لتفاقم الأزمة عالمياً، وغياب ملامح الجهوزية لمواجهة الأزمة بشكل آني وفعَّال؛ فيصعب حالياً التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية عالمياً التي تعتمد بشكل كبير على سرعة وقدرة الحكومات والدول لمواجهة انتشار الفيروس وتبعاته على الأصعدة المختلفة.

    حيث قامت مجموعة التفكير الإستراتيجي ومقرها إسطنبول في تركيا بدورها بدعوة مجموعة من المفكرين والخبراء لورشة عمل امتدت إلى ما يقارب الشهرين، وما انبثق عنها من فرق عمل للعمل على تحليل وتوصيف الجائحة ومسار انتشارها وتأثيراتها المختلفة على عدد من الملفات؛ مثل الملف الاقتصادي، والجيوسياسي، والجيوستراتيجي، والمنطقة العربية والإقليم، والقوى المجتمعية الحية.. وغيرها.

    وعملت المجموعة على تحليل الظاهرة والوقوف على السيناريوهات المتوقعة لانتشار الجائحة، حيث اقترحت فرق العمل ثلاثة سيناريوهات مختلفة، معتمدة على مدة انتشار واستمرار الوباء، إن احتمالية السيطرة على الفيروس في فترة وجيزة لا تتخطى ستة أشهر قد لا تؤثر بشكل كبير على كثير من الملفات والقضايا في المدى البعيد أو القصير، في حين أن امتداد فترة السيطرة على الفيروس لما يقارب 12 شهراً ربما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة والعالم والنظام الدولي، أما إذا امتد الأمر إلى ما بعد ذلك؛ فإن العالم مقبل على مرحلة خطيرة ربما يخرج فيها عن السيطرة ونرى نظاماً عالمياً جديداً.

    وقد تبنت مجموعة التفكير الإستراتيجي السيناريو المتوسط (السيطرة على الجائحة خلال عام من انتشارها) وتأثيرات ذلك على العديد من الملفات المحلية والإقليمية والدولية، مرتكزة على مخرجات الحوار بين المفكرين والخبراء المشاركين بورشة العمل، وكذلك عدد من الأوراق البحثية المرفقة، بالإضافة إلى استطلاع للرأي (focusgroup).

    وفي خلاصة، فإن العالم العربي والمنطقة والإقليم سيشهد عديداً من المتغيرات، ربما تتزايد الضغوط المالية والاقتصادية والاجتماعية داخل المنطقة، ومع ذلك؛ فإن قوى التغيير السياسي والاجتماعي أمام فرصة لتوحيد جهودها من أجل بناء وحدة وطنية داخل كل قُطر ولتدعيم العمل المشترك العابر للأقطار، وهذا دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية التي يفترض أن تعيد بناء التصورات والمضامين وطرق العمل، لتشكل قوة ضغط على السلطات العمومية في مسار الموازنة بين الوطني والعابر للأوطان، والمدخل هو خلق الثروة وتبادل المنافع وتحقيق السيادة، كما أن المنطقة ستكون في مفترق طرق بين استعادة الرضا في المنظومة الجديدة بموقع يشابه الموقع السابق، أو انتهاج سياسات جريئة قوامها الإنتاج وتثمين الموارد الذاتية والتكامل متعدد الأوجه والصيغ أمام وإعادة بناء منظومة العمل المشترك وفقاً لمقاربة عقلانية تستفيد من ارتباك الأطراف الدولية المؤثرة ومن تقييم تجارب العقود السابقة.

    كما أن ثمة تداعيات اقتصادية واجتماعية لجائحة «كورونا» على مختلف مناطق العالم، ولكن وطأة التداعيات على المنطقة العربية قد تكون كبيرة بسبب حالة التبعية التي تعيشها الاقتصاديات العربية للخارج، منذ بداية العولمة الاقتصادية الرأسمالية، التي انطلقت في عام 1990م.

    كما أن عمق الأثر للفيروس قد يختصر الزمان والمكان وكثيراً من المحطات بشكل سيعقد عملية التكيف مع متغيراته ومعطياته اليومية؛ مهدداً بإضعاف وتفكك المؤسسات الدولية بشقها الاقتصادي والسياسي وتوزيع القوى والتحالفات الدولية فيها.

    وإذ تثمن مجموعة التفكير الإستراتيجي جهود الكثير من المؤسسات التي تبحث كيفية مواجهة هذه الجائحة، فإنه يسعدها أن تقدم اجتهادها في هذا التقرير لتستفيد منه جميع المستويات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص وقوى المجتمع.

    كما تتقدم المجموعة بكل الشكر والتقدير لجميع الزملاء المشاركين في ورشة الحوار، وفرق العمل، ومعدي الأوراق البحثية والمنسقين الفنيين لورشات العمل على مشاركتهم وجهدهم، آملين أن تزول هذه الجائحة، وأن يكون هناك مستقبل أفضل وجديد للعالم والبشرية.

    أ. محمد سالم الراشد

    رئيس مجموعة التفكير الإستراتيجي

     

    الملخص التنفيذي

    للسيناريو المتوقع للعالم العربي

    إلى نهاية ديسمبر 2020م

    تعرض مجموعة التفكير الإستراتيجي (STG) في هذا التقرير تقدير موقف لسيناريو تداعيات جائحة «كورونا» على العالم العربي، في أفق ديسمبر2020م، وقد انطلقت في ذلك من فرضيّة تفيد باحتمال مرجّح لاستيعاب زخم الأزمة في حدّ أقصاه نهاية عام2020م، أو القدرة على التعايش الواقعي معه، وبقاء بعض الارتدادات التي يمكن امتصاص أثرها لاحقاً.

    وتوسّل فريق العمل في بناء السيناريو بمنهجية علمية تقوم على:

    1 - تحديد مجال التركيز الجغرافي لتداعيات الجائحة.

    2 - اعتبار العامل الصحي والعامل الاقتصادي المحركين الرئيسين لتداعيات الجائحة، واعتبار الزمن العامل الحرج لكليهما؛ لذلك تم اعتماد خط زمني يحكم مدة كل سيناريو.

    3 - أنجز فريق العمل استطلاعاً للرأي شارك فيه30 متخصصاً وباحثاً من دول عربية مختلفة؛ حيث تمّ الاسترشاد بنتائجه في رسم توجهات السيناريو المرجّح.

    4 - اعتمدت الدراسة على استطلاع آراء مجموعة مختارة من المختصين وأصحاب الرأي وفق تقنية المجموعة البؤرية (Focusgroup) بلغ عدد أفرادها30 مختصاً وخبيراً من دول عربية مختلفة.

    5 - يغطّي السيناريو الفترة الزمنية الممتدّة إلى نهاية شهر ديسمبر من عام2020م، ونرجّح أن تكون البشرية إلى ذلك الحين قد استطاعت التحكّم نهائياً في الجائحة، أو وصلت إلى حالة من التعايش الواقعي معها.

    6 - تعريف المخاطر والفرص الناجمة عن الجائحة.

    يعتبر فريق العمل أنّ درجة عدم اليقين المرتفعة لتوقع التداعيات في مدى أبعد من نهاية السنة الحالية وفي أحسن الحالات الثلاثي الأول من السنة المقبلة، تجعلنا نكتفي باعتماد سيناريو واحد يتابع تأثيرات الجائحة على المنطقة العربية في المستويات الجيوسياسية والجيوستراتيجية والاقتصادية والصحية والمجتمعية، ويتأكّد لدينا هذا المنزع حين نضع هذا الاحتمال في سياق منطق حجر الدومينو الاقتصادي، وفي ضوء ما توفّر من معطيات وبيانات حول الجائحة التي يمكن أن نطمئنّ لصلابتها وثباتها النسبي.

    أهمّ التأثيرات المتوقعة لجائحة «كورونا» على العالم العربي:

    1 - رغم تباين صيغ تعامل الدول العربية مع الجائحة، فإنّ منظومات الصحة العربية عموماً تأقلمت مع الظرفية الجديدة، ولكنّ التقرير يرجّح ألا تكون هذه المنظومات قادرة على تحمّل فرضية انتكاس الوضع الوبائي وتعرضه لموجة ثانية من الفيروس.

    2 - يرى أنّ ما حدث بفعل الجائحة هو صدمة اقتصادية مزدوجة وغير اعتيادية، صدمة في الطلب وصدمة في العرض؛ مما يدفع نحو انخفاض في الاستهلاك وفي الاستثمار وفي التصدير، وفي الوقت نفسه؛ يدفع إلى حصول ارتفاع في البطالة وانخفاض في إنتاجية العمل وفي عائدات رأس المال؛ وهو ما سيتولّد عنه دائرة من الركود والتضخم، وكنتيجة لهذا يُتوقع أن تحصل تغييرات في إعادة تموقع الأنشطة الاقتصادية ومراجعة وضع الصين في بنية الاقتصاد العالمي خاصة بالنسبة إلى القطاعات الإستراتيجية وصناعات الأدوية والاتصالات، وهو ما يفترض بالنسبة إلى الاقتصادات العربية أن تستعدّ لهذه التغييرات بمراجعة موقع شركائها في سلسلة النشاط الاقتصادي المحلّي، وإعادة رسم سلسلة النشاط الاقتصادي في مستوى الإنتاج وفي مستوى التوريد.

    3 - يتوقع التقرير أن تحدث تغيُّرات سياسية محدودة حتى نهاية العام الحالي، ولكنّها تحمل في طياتها بذوراً لتشكّل تحولات مستقبلية متوسطة وبعيدة المدى، ومن التغيرات المرتقبة تقدم قيادة إدارة النظام الصحي في الدولة على حساب الأولويات السياسية، وتحوّل إدارة الدولة إلى نظام إدارة الأزمات.

    4 - يستبعد التقرير أن يحدث تغيير سياسي كامل في الأنظمة السياسيّة في المنطقة العربية في مدى هذه الدراسة، وستسعى الدول إلى استيعاب الصدمة والتأقلم معها؛ من خلال اتخاذ إجراءات صحية واقتصادية وأمنية تضمن استقراراً نسبياً للوضع، وهو ما سيشكل -على الأرجح- شبكة حماية كافية من الانهيار أو التغيير الشامل في هذه المدة.

    ويرى أنّ الدول العربية في هذا الشأن تنقسم إلى ثلاثة أصناف:

    أ- صنف يعيش شبه انتقال ديمقراطي مع تماسك في المنظومة السياسية، وفرص هذه البلاد في أن تتخطى تداعيات الجائحة قائمة.

    ب- صنف تتصف بنية الحكم فيه بالتماسك وتتوفّر على شروط ذاتية وموضوعية لاستدامة سلطانه على بلدانه في حدود الأفق الزمني المخصّص للتقدير، وربما أيضاً في حدود آفاق متوسطة نسبياً.

    جـ- صنف ثالث يتصف نظامه السياسي بهشاشة بنية الحكم وبلوغها حدودها، وهو ما من شأنه أن يجعل احتمالات تطور الأوضاع فيهما تكون في اتجاه الرغبة في التغيير أو الفوضى؛ لذلك نرجح أن تتخلّق فيها من جديد ديناميات الاحتجاج وبكلفة بشرية واجتماعية عالية.

    5 - عمّقت أزمة ارتفاع النفط من الآثار الاقتصادية على منظومة الإنتاج العالمي، ولكن بشكل أكبر على بنية اقتصادات الدول النفطية في المنطقة العربية؛ ممّا حدا بالبعض منها إلى أن يتخّذ إجراءات مؤلمة، تمثلت في رفع الأداء على القيمة المضافة، وإلغاء بدل المعاشات، والتخطيط للذهاب إلى الاقتراض.

    6 - لذلك؛ يرجّح التقدير أن يكون لتراجع الاستثمار واختلال الميزان التجاري بشكل غير مسبوق وارتفاع عدد العاطلين عن العمل وتضرّر الطبقة الوسطى وازدياد شريحة الفئات الاجتماعية الهشّة تأثيرات بنيوية على الاقتصادات العربية وعلى خياراتها الاجتماعية وعلى سياساتها في إعادة الانطلاق الاقتصادي في مرحلة ما بعد رفع الحجر الصحي.

    7 - يتوقع التقرير أن تحصل تبعاً لذلك تداعيات مهمة على القوى غير الحكومية في البلاد العربية في مستوى هيكلتها وإستراتيجيات عملها؛ ممّا يمنحها فرصة أكبر للتأثير والمفاوضة، كما يمكن أن يولّد هذا الضغط الاجتماعي مفاعيل سلبية باتجاه انتشار الميول الفئوية والجهوية والطائفية التي من شأنها أن تغذّي التوترات وتدفع إلى حصول حالات تصدّع مجتمعي.

    8 - قام التقرير قبل أن يتناول الحالة العربية بذكر توقعاته حول الجائحة وتداعياتها في العالم، ولاحظ ارتفاع مستوى التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بما نقل الأزمة من تداعياتها الصحية إلى تداعياتها الاقتصادية والسياسية؛ وما سيترتب عن ذلك من تفاعلات جيوستراتيجية؛ وهو ما ينذر باحتمال دخول العالم مرحلة من الاستقطاب الدولي والإقليمي قد تشارك فيها قوى طامحة كالهند وتركيا وباكستان وإندونيسيا على المدى المتوسط والبعيد.

    9 - كما أشار إلى ما ظهر من ضعف ومحدودية منظومات إقليمية ودولية وارتباكها في مجابهة الجائحة، وكيف أن البعض منها قد استطاع أن يتدارك آثار الصدمة الأولى وأبدى مرونة في التأقلم مع مقتضيات الأزمة بما جعلها تستعيد شيئاً من الثقة أمام منظوريها، وتتخذ سياسات مناسبة خاصة في المستوى الاقتصادي والمالي على غرار ما حصل مع الاتحاد الأوروبي.

    من نحن؟

    جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي هي جمعية غير ربحية وتعمل تحتها منصة مجموعة التفكير الاستراتيجي التي هي إطار تنسيقي مستقل وغير ربحي، وتتشكل منصة مجموعة التفكير من جهود تنسيقية بين مراكز معلومات ودراسات وأبحاث وبيوت خبرة واستشارات في التفكير الاستراتيجي وخبراء ومفكرين وباحثين، للتعاون فيما بينها ومع غيرها من الكيانات المشابهة لدعم وتنمية وتطوير التفكير الاستراتيجي وتقديم المبادرات وبناء الشراكات في مجال اختصاصها، والمقر الرئيس للجمعية والمجموعة في إسطنبول بتركيا.

    الرؤية والرسالة

    الرؤية

    الجمعية ومنصتها مجموعة رائدة في التفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية، وتسعى للتقدم كشريك دولي في التفكير الاستراتيجي.

    الرسالة

    تقدم الجمعية ومنصتها مجموعة التفكير الاستراتيجي الاستشارات اللازمة لمعالجة الأزمات، وتقدير الموقف بشكل عام لمختلف الجهات الرسمية والأهلية، وتسعى لإدارة برامج دراسات عليا في التفكير الإستراتيجي للشباب، وتنسق جهود مراكز التفكير الأعضاء لتطوير مستوى التفكير الاستراتيجي في المنطقة، وتتطلع إلى تفعيل العلاقة بين مراكز التفكير ومؤسسات الرأي في المنطقة وصناع السياسات فيها للارتقاء بالوعى والتفكير الاستراتيجي والوصول إلى تفاهم مشترك لحلول الأزمات الراهنة والمستقبلية.

    الأهداف

    دعم التفكير الاستراتيجي واقتراح السياسات والمبادرات وتقدير الموقف.

    تعزيز التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات، وتوجيه الإنتاج المعرفي بين مراكز الدراسات الأعضاء فى المجموعة وإيجاد حالة من التشبيك بين تلك المراكز، وإبرام الاتفاقات مع المؤسسات ذات الصلة.

    بناء شراكات إقليمية ودولية مع مراكز الدراسات والجامعات وخبراء وباحثين.

    دعم وإسناد مشاريع المراكز الأعضاء.

    تنمية التفكير الاستراتيجي لجيل الشباب المفكرين، وتنفيذ برامج الدراسات العليا.

    إنشاء مبادرات في سبيل تطوير التفكير والتخطيط والإدارة الاستراتيجية.

    الآليات والوسائل

    إنجاز مشاريع مشتركة ذات صلة بأهدافها.

    تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل.

    تقديم الاستشارات وتقدير المواقف.

    إدارة وتنسيق الإنتاج العلمي بين أعضاء المجموعة.

    إبرام الاتفاقيات مع المؤسسات والأطراف ذات الصلة باختصاص الجمعية.

    إنشاء موقع إلكتروني وصفحات تواصل اجتماعي.

    تصميم نظام اتصال مرن وفعال بين الأعضاء.

    إنشاء برنامج الدراسات العليا في التفكير والتخطيط الاستراتيجي.

    وأي وسائل أخرى مناسبة لتحقيق الأهداف.

  • تقدير موقف حول الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (أيّار 2020)

    إعداد: بشار سلوت، إحسان عادل                                                      

    خلفية

    في يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت منظمة الصحة العالمية نداء إلى جميع دول العالم بأن تكون جميعها على أهبة الاستعداد للوقاية من خطر الانتشار الدولي لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وعلى ضوء ذلك وفي ظل ظهور بعض حالات الإصابة بالمرض في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية في أوائل مارس 2020؛ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا (رقم (1) لسنة 2020 بتاريخ 5/3/2020) بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما في جميع الأراضي الفلسطينية، في إطار المساعي لاحتواء خطر تفشي الفايروس في الأراضي الفلسطينية.

    بعد مضي مدة الشهر المعلنة بمرسوم اعلان حالة الطوارئ، وعلى ضوء توصيات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بضرورة تمديد إعلان حالة الطوارئ لاستمرار الجهود المبذولة في سبيل الوقاية والتعامل مع انتشار الفيروس، أصدر الرئيس عباس بتاريخ 5/4/2020 مرسومًا جديدًا يقضي بتمديد حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. والتي انتهى العمل بها يوم 5/5/2020.

    ومع انقضاء المدة السابقة لإعلان حالة الطوارئ والتمديد الأول لها، أصدر الرئيس صباح يوم الثلاثاء الموافق 5/5/2020، مرسومًا جديدًا يقضي بإعلان حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. وقد أثار هذا المرسوم الأخير عاصفة من التساؤلات حول مدى دستوريته والأساس القانوني له، وذلك في ظل أن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، والذي يمثل دستور فلسطين، قد نص على إمكانية إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما بمرسوم رئاسي، ويجوز تمديدها ثلاثين يوما أخرى بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (وهو ما لم يحصل في حينه لتعطل المجلس التشريعي)، وهي المدد التي تم استيفاؤها في كل الأحوال في المرسوم الأول ثم الثاني للرئيس.

    هناك تباين في الآراء حول إعلان حالة الطوارئ الأخير ما بين مؤيد ومعارض، ولا سيما أن نظرة أولية على القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 (الدستور)، تظهر عدم تنظيمه لأحكام إعلان حالة الطوارئ من جديد بعد مضي مدة ال30 يوما لمرتين، ما ترك المجال لما قد يبدو تعددا في الآراء، وهو ما سنناقشه في هذه الورقة، لتبين مدى دستورية أو عدم دستورية الإعلان المذكور.

    الإطار القانوني لحالة الطوارئ في فلسطين

    تعتبر حالة الطوارئ حالة استثنائية مقيدة دستوريًا وقانونيًا، يتم بموجبها منح السلطات التنفيذية أو المختصة- وفقا لأحكام القانون الداخلي لكل دولة- صلاحيات غير مختصة بها أصلاً؛ لمواجهة ظرف استثنائي[1]. وقد قيّد القانون الدولي، فضلا عن القوانين الداخلية للدول، الحالات والإجراءات التي يمكن فيها إعلان حالة الطوارئ، لحساسيتها ولأنها تنطوي غالباً على تقييد لعدد من حقوق الإنسان وحرياته، ولأنها تطلق يد السلطات التنفيذية -نسبيا- في ممارسة صلاحيات ليست من ضمن صلاحياتها في الظروف العادية.

    فلسطينيا، نظم القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003 الأحكام الخاصة بإعلان حالة الطوارئ في المواد (110 – 114) منه. حيث نصت المادة (110) على أنه:

    “1- عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً. 2- يجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه. 3- يجب أن ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوضوح على الهدف والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية.  4- يحق للمجلس التشريعي أن يراجع الإجراءات والتدابير كلها أو بعضها التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ وذلك لدى أول اجتماع عند المجلس عقب إعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد أيهما أسبق وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.”

    وكما نرى، حددت المادة السابقة الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ والشروط القانونية اللازمة لإعمالها، والتي لا يجوز الخروج عنها، أو مخالفتها. فيما فرضت المواد 111-113 نطاقا للقيود التي يمكن أن تحصل على الحقوق والحريات، بحيث أنه لا يمكن فرضها إلا بالقدر الضروري ولتحقيق الأهداف المعلنة في مرسوم حالة الطوارئ، كما حددت الضوابط التي يجب مراعتها عند إجراء أي اعتقال أثناء حالة الطوارئ، حيث اشترطت مراجعة ذلك من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة، بالإضافة لمنح الموقوف الحق بتوكيل محاميًا يختاره. إضافة إلى أنها حظرت حل المجلس التشريعي أو تعطيله طوال مدة الطوارئ.

    الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين  (5 أيار 2020): جدل وآراء قانونية متباينة

    أدى تزايد اعداد الإصابات بفيروس كورونا في فلسطين إلى رفع شتية، رئيس الحكومة الفلسطينية، توصية جديدة للرئيس عباس، تقضي بتجديد حالة الطوارئ لمدة شهر، لاستكمال مواجهة خطر تفشي الفيروس في فلسطين. وعلى ضوء ذلك، أصدر الرئيس عباس يوم 5/5/2020 مرسومًا جديدًا بإعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاثين يومًا أخرى، وذلك لمواجهة استمرار تفشي فيروس “كورونا”.

    وقد سبق هذا الإعلان ورافقه تباين في الآراء وجدل مدني وقانوني واسع حول مدى قانونية ودستورية الخطوة والحاجة الضرورية إليها. حيث رأى البعض أن مرسوم تمديد حالة الطوارئ للمرة الثانية قانوني ولا يتعارض مع أحكام الطوارئ في القانون الأساسي، وحجتهم في ذلك أن هناك ثغرة في القانون الأساسي، والذي لم ينص على أحكام تمديد حالة الطوارئ لمرة ثانية، ولم يمنع إعلان طوارئ جديد بعد انتهاء إعلان حالة الطوارئ والتمديد لها لمرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي لم يحدد مدة يُحظر فيها إعلان الطوارئ من جديد بعد انتهاء إعلان الطوارئ الأول والتمديد التابع له. وتستند هذه الحجة، إلى جانب السند القانوني سابق الذكر، إلى أن تغليب المصلحة العامة فوق أي اعتبار آخر.

    وكان هذا الرأي هو الذي تبناه الموقف الرسمي الفلسطيني، وذلك من خلال ما ورد عن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية “نبيل أبو ردينة”، حيث قال في تصريح مقتضب على إعلان المرسوم “إنه كان لا بد من هذا المرسوم لأن هذه الطريقة القانونية لهذا الإجراء”. بالإضافة إلى تصريح وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، إبان تعليقه على مرسوم تمديد حالة الطوارئ في المرة الأولى، حيث قال إنه يجوز تمديد حالة الطوارئ كلما اقتضت المصلحة الوطنية العليا ذلك.

    في المقابل، عارض كثيرون، ومنهم أساتذة أكاديميون في القانون الدستوري ومؤسسات حقوقية إعلان حالة الطوارئ الجديد، مستندين في ذلك على مخالفته للقانون الأساسي الفلسطيني، والذي يخلو من منح الصلاحية للرئيس بتمديد حالة الطوارئ أصلا، حيث أن نص المادة (110) من القانون الأساسي، سابقة الذكر، منح للمجلس التشريعي -حصرًا- تمديد إعلان حالة الطوارئ، وبموافقة أغلبية ثلثي أعضائه، ولم يمنح أي صلاحية للرئيس تمنحه الحق في تمديد حالة الطوارئ.

    وفي ذات السياق، بحسب ما يقوله الخبراء، ومنهم رشاد التوام، وعاصم خليل، أستاذا القانون العام بجامعة       بيرزيت-، فإنه لا يمكن أن يكون هناك بديل مشروع عن موافقة المجلس التشريعي لغايات اعتبار التمديد دستوريًا. ويرى الخبيران التوام وخليل، في دراسة نشرت لهما، أنه من المؤكد ضرورة إقدام السلطات الرسمية الفلسطينية على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة الأزمة الاستثنائية القائمة بما يحافظ على الصحة والمصلحة العامتين، ولكن دون التغول على الحقوق والحريات أو تقييدها إلا بالقدر الضيق الكافي لمواجهة الأزمة، وفقًا “لمبدأ التناسبية”، وعلى أن تكون تلك القيود معلنة ومحددة بموجب نص تشريعي، مع ضمان مراجعة برلمانية وقضائية لجميع الإجراءات التي تتخذ خلال الأزمة.[2]

    ويرى الخبير الحقوقي “عصام عابدين”، منسق المناصرة في مؤسسة الحق برام الله، والحاصلة على الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، أن إعلان الطوارئ بسبب انتشار فيروس كورونا غير دستوري، حيث أن ذلك -ودون التقليل من خطر انتشار الفيروس- لا يندرج ضمن الحالات الدستورية الحصرية الأربع التي تجيز إعلان الطوارئ، وهو ما يجعل هذا الإعلان يمثل انتهاكًا للقانون الأساسي.

    وفي سياق متصل، ينتقد عابدين القرار بقانون رقم (7) لسنة 2020 بشأن حالة الطوارئ، والذي كان أصدره الرئيس عباس يوم 22/3/2020، حيث يشير إلى أن نص المادة (1) منه تنص على أنه “عند إعلان حالة الطوارئ بمرسوم رئاسي وفقا للقانون الأساسي، يتولى رئيس الدولة أو من يخوله صلاحيات إنفاذ احكام ذلك المرسوم، والقرارات، والتعليمات المنبثقة عنه”، حيث أن ذلك يتجاوز -وعلى نحو مفتوح- الصلاحيات الدستورية الحصرية للرئيس الفلسطيني والمحددة في القانون الأساسي.

    قراءتنا لمدى دستورية الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (5 أيار 2020)

    إن مرد الأمور حين الاختلاف إلى النص متى وجِد، حيث لا اختلاف في مورد النص. وهكذا، نجد أن نص المادة 110/الفقرة الثانية كان واضحاً، كما تبين في آراء الخبراء أعلاه، في منح صلاحية التمديد لحالة الطوارئ للمجلس التشريعي، بل إن تشدد بأن جعل ذلك مقترنا بشرط آخر وهو موافقة ثلثي أعضاء المجلس.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن نص القانون الأساسي على التمديد لمرة واحدة، لا يعني وجود ثغرة بخصوص التمديد لمرة ثانية أو الإعلان من جديد كما يقول البعض، وإنما يعني أن إرادة المشرّع الدستوري قد انصرفت إلى عدم جواز التجديد أكثر من مرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي، ولحساسية حالة الطوارئ كما أسلفنا وتأثيرها على الحريات العامة وحقوق الإنسان، لم يسمح بأن تبقى الأراضي الفلسطينية تحت نطاق حالة الطوارئ أكثر من 60 يوما، وهي ال30 يوماً بإعلان الرئيس، ثم 30 يوما أخرى بتمديد من المجلس التشريعي، وبهما معاً تنتهي الفرصة الممنوحة لإعلان الطوارئ بموجب القانون الأساسي.

    وهكذا، يبدو إعلان حالة الطوارئ على أساس فكرة (قطع المدة)، أي انتهاء حالة الطوارئ والتمديد الخاص بها ثم الإعلان عن حالة طوارئ من جديد، تحايلاً على القانون الأساسي وعلى إرادة المشرع الدستوري، بل اعتبره البعض أكتر خطورة ومراوغة على القانون الأساسي؛ فمن جانب هو لا يخالف القانون الأساسي -شكليًا-؛ لكنه يخالف جوهر التقييد الوارد في القانون الأساسي، ويحتال بالالتفاف عليه، كما أنه خطير في الواقع إذا جرى استخدامه في غير أغراض المصلحة العامة وبشكل يمس بالحقوق والحريات[3].

    ومن جانب آخر، يفرض القانون الدولي على فلسطين -وعبر انضمامها لمجموعة واسعة من الاتفاقيات- تنفيذ العديد من الالتزامات حتى في وقت الطوارئ، حيث أوجبت المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن تكون حالة الطوارئ حالة استثنائية وفي أضيق نطاق، ويجب أن تكون تدابير عدم التقيد بأحكام حقوق الإنسان التي ينص عليها العهد ذات طابع استثنائي ومؤقت. وبموجب العهد، ينبغي لإعلان حالة الطوارئ توافر شرطين جوهريين، هما: أن يكون الوضع بمثابة حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة، وأن تكون الدولة الطرف قد أعلنت رسميًا حالة الطوارئ. ويجب على دولة فلسطين أن تعلم الدول الأطراف الأخرى في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بإعلانها حالة الطوارئ، وبشكل فوري، وذلك عن طريق إرسال إشعار إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وينبغي أن يتضمن هذا الإشعار الحقوق التي لم تتقيد بها في العهد والأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تنهي فيه حالة الطوارئ، إعلام الدول بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.

    وبموجب التعليق العام رقم 29 للجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 4 سابقة الذكر، فإنه

    “يتعين على الدول عند إعلانها حالة طوارئ تترتب عليها آثار يمكن أن تستتبع عدم التقيد باي حكم من أحكام العهد، أن تتصرف في حدود أحكام قانونها الدستوري…”

    وهكذا، يبدو واضحا أن اللجنة أخذت بعين الاعتبار أن السلطات تلجأ عادة في ظروف الطوارئ إلى تجاوز الدستور مبررة ذلك بمواجهة الكارثة وعدم التشدد في القوانين وذلك من أجل حماية المجتمع. لكن اللجنة شددت على أن لا تتجاوز الدولة دستورها، والذي يُفترض أنه ينظم حالة الطوارئ ويتعامل معها، فلا مبرر إذن لتجاوزه وانتهاكه. واستناداً إلى ذلك، لا يمكن القبول بحجة المحافظة على الصحة العامة من أجل تبرير انتهاك القانون الأساسي الفلسطيني، لا سيما أن القوانين الأخرى السائدة في فلسطين كافية للتعامل مع الأزمة، بما في ذلك فرض تدابير لتقييد التنقل وفرض التباعد الاجتماعي، وهو الأمر الذي رمت إليه اللجنة في تعليقها ذاته على المادة 4 بقولها إنه “لا يمكن وصف كل اضطراب أو كارثة بأنها حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة”.

    وفضلا عن ذلك، أضافت اللجنة بأن “استعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن في ظله مرة أخرى ضمان الاحترام الكامل للعهد يجب أن يكون هو الهدف الرئيسي للدولة الطرف“. وإذا كانت هذه توصية اللجنة المعنية بحقوق الإنسان حتى في حالة كان القانون الأساسي يسمح بتجديد حالة الطوارئ، يغدو من الأولى الأخذ بها في ظل أن التمديد أو الإعلان الجديد لحالة الطوارئ سوف يمثل انتهاكا للقانون الأساسي.

    البدائل المطروحة

    هناك العديد من البدائل التي كان بالإمكان اللجوء إليها بدل تجديد العمل بحالة الطوارئ، وعلى رأسها الاستناد إلى التشريعات الفلسطينية العادية (القوانين السارية). وفي هذا الإطار، يبرز قانونان هما:

    قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004[4]، والذي نصت المادة رقم (14) منه على أنه: “بقرار من الوزير، للوزارة فرض الحجر الصحي في فلسطين لمنع انتقال الأمراض الوبائية منها وإليها”. كما منحَ القانون الوزارة في المادة رقم (9) منه صلاحية مكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية والوراثية بالوسائل كافة، وبالتنسيق مع الجهات المختصة.

    قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998[5]، والذي نص في المواد (1، 26) منه “إمكانية اتخاد إجراءات موسعة للتعامل مع الأزمات، خاصة في حالات الطوارئ”.

    وبالتالي، تشكل هذه التشريعات العادية مسارا قانونيا يكفي لمواجهة الجائحة بما يجعل هذا البديل هو الأقوى دون المسً بالقانون الأساسي ومكانته.

    ويرى البعض أيضاً أن الرئيس كان بإمكانه -إن كان ولا بد من استمرار إعلان الطوارئ- إصدار “قرار بقانون” عوضاً عن المرسوم، فعلى الرغم من اشتراط المادة (110) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 أن يجري إعلان حالة الطوارئ عبر مرسوم، إلا أن المادة (43) من القانون الأساسي منحت رئيس السلطة الوطنية حق إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير وفي غير انعقاد أدوار المجلس التشريعي. وبما أن حالة الضرورة تنطبق على تفشي فيروس كورونا، وكذلك شرط غياب المجلس التشريعي متحقق في السياق السياسي الراهن، وبالرغم من أن المراسيم الرئاسية تقع في مرتبة التشريع الفرعي – الثانوي في هرمية التشريعات، بحيث لا يصل إلى قوة التشريع العادي الصادر عن المجلس التشريعي، إلا أن إصدار قرار بقانون يتضمن شروط حالة الطوارئ ستشكل فرص استخدامه ضررا أقل من إصدار مرسوم آخر بالتمديد.

    خاتمة

    يتضح مما سبق، أن الإعلان الجديد لحالة الطوارئ والصادر في 5 أيار 2020، وإن كان لضرورة المحافظة على المصلحة العامة، إلا أنه غير دستوري، ولا يوجد أساس قانوني له، حسب ما يظهر باستجلاء أحكام الطوارئ في القانون الأساسي الفلسطيني، سيما وأن القانون الأساسي منح الرئيس الأحقية بإعلان حالة الطوارئ وفق أحكام الباب السابع منه مرة واحدة فقط، وبذلك يخالف هذا الإعلان إرادة المشرع الدستوري، وكان الأجدر احترام تلك الإرادة التي تتغلب على أي اعتبار، وإعمالاً للقاعدة التي تقول بأن لا اجتهاد مع مورد نص.

    يستدعي مواجهة خطر تفشي الفايروس التعامل بموجب القوانين المحلية، كونها كافية لاتخاذ إجراءات طارئة لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وحث الرئيس لإنهاء حالة الطوارئ المعلنة احتراماً لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينبغي أن يبقى مصانا وألا يتم المساس به أو تمرير أو تبرير انتهاكه تحت أي ظرف من الظروف، سيما وأن البدائل القانونية متوفرة، وبما يكفي ويغني عن وضع الحق في الصحة في مفاضلة أمام سمو القانون الأساسي.

    ويجدر التنويه، ختاماً، إلى أن هذا الجدال كله ينبغي أن يدفعنا إلى التفكير بخطيئة تعطيل عمل المجلس التشريعي وعدم إجراء انتخابات لانتخاب أعضاء مجلس تشريعي جديد. وطالما بقي الانقسام الفلسطيني قائما، والاعتبارات السياسية تغلب الاعتبارات القانونية، سيبقى المشهد السياسي والقانوني الفلسطيني في دوامة منحدرة من التخبط وعدم الاستقرار، ما يبعدنا عن مشروع دولة القانون والسيادة واحترام حقوق الإنسان.

    [1] نورا بدير، عاصم خليل، حالة الطوارئ، سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية (5/2018)، وحدة القانون الدستوري، كلية الحقوق والإدارة العامة، جامعة بير زيت،2018.

    [2] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية، فئة أوراق سياساتية، (2/2020).

    [3] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها، مرجع سبق ذكره.

    [4] قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004، الوقائع الفلسطينية، العدد (54)، 2004.

    [5] قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998، الوقائع الفلسطينية، العدد (24)، 1998.

  • سياسات "نظام الأسد" لمواجهة كورونا: ما بين "الانكار" و"الاستثمار"

    أصدر “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، تقريراً، تناول فيه بالتفصيل، المحددات التي تدفع نظام الأسد، لعدم التعامل بشفافية مع أزمة فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد19)، الذي تتزايد يومياً أعداد المصابين به، في دول جوار سورية.

    واعتبر التقرير، أن النظام لا يتعامل بشفافية، لـ”إخفاء عجزه البنيوي في قطاع الصحة (كتقنيات وكسياسات)”، ولـ”عدم تأجيج الاحتجاج المحلي الذي تعددت مستوياته سواء اقتصادية أو اجتماعية والآن صحية”، معتبراً أن النظام لا يستطيع التعامل بوضوح مع أزمة الفيروس، لأن هذا “قد يساهم في نشر الذعر داخل جيشه”.

    وذهب إلى أن نظام الأسد “سيستغل هذا الظرف ليكون سرديته التي تحيل سبب العجز وما يعيشه من أزمات محلية للعقوبات الدولية؛ وهو أمر تدحضه الكوارث المتراكمة في إدارة القطاعات الاقتصادية منذ عقود؛ واستنزافه المطلق لموارد الدولة لصالح العجلة العسكرية وأهدافه الأمنية وتغييبه كل أسئلة التنمية واستحقاقاتها”.

  • فيروس «كورونا» وما كسبته يد الإنسان

    فيروس «كورونا» أرعب العالم بسرعة انتقاله وانتشاره من مكان ظهوره في مدينة «ووهان» بالصين منذ منتصف ديسمبر 2019م، التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، وحوّلها إلى مدينة أشباح، وحصد عشرات الأرواح في الصين، وانتشر الفيروس في مقاطعات صينية ودول أخرى كاليابان وكوريا وتايلاند وفيتنام وأستراليا وسنغافورة وفرنسا ونيبال وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية، لأشخاص زاروا أو عادوا من ووهان الصينية، حسب التقرير الذي نشرته منظمة الصحة العالمية.

    وتعتبر الأوبئة عاملاً مؤثراً في إعادة توازن الحياة البشرية؛ إذ إن طغيان الحياة المادية على الإنسان في كل عصر ينشئ أصناماً من اللذة التي تُنسيه حقيقة وجوده وما رسمه الخالق لمساره، فتأتي الكوارث الطبيعية منبهة للإنسان، ومن أجل إعادة التوازن في الحياة الإنسانية والبشرية، وليتعامل الإنسان مع ذاته الإنسانية وعلاقته بالأرض والكون والناس والأشياء بالعدل والحق وإرجاع مساره إلى ما هو صحيح، وإن ما جرى ويجري من نتائج كارثية إنما هو نتاج ما كسبته يداه.

    إن ما كسبت يد الإنسان في صناعته وتطوير حياته وإقامته لشؤون الناس إما سبّب الدمار والهلاك، وإما أدى إلى الصعود والرقي في الحياة الإنسانية والبشرية.

    فالتوجه البشري للخبائث التي نهى الله عنها وأمرنا أن نجتنبها والإمعان في صناعتها وتداولها ستسبب في نهاية المطاف كوارث إنسانية وأوبئة تدمر حياة الإنسان، فاليوم تعاني الإنسانية من سباق في تطوير أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة التي تدمر الحياة البشرية؛ حيث أصبح الحجر والمدر أهم من حياة الإنسان! فهذا بالطبع من صنع البشر.

    وإن ما تعانيه البشرية اليوم من انتشار أمراض السرطان والأوبئة وأمراض لم يصل الإنسان لعلاج لها؛ هو بسبب نتائج استخدام تلك الأسلحة الفتاكة في حروب مدمرة، خذ على سبيل المثال حرب الخليج الثانية واحتلال العراق؛ حيث خلفت نحو 273 طناً من اليورانيوم المنضب المستخدم في القذائف ضد الدروع، وهذه بقعة جغرافية صغيرة في العالم، لكنها خلفت نسباً مرتفعة من أمراض السرطان في الكويت والعراق.

    كما تعاني البيئة العالمية للأرض من آثار مدمرة وغازات وسوائل سامة تدمر النبات وتلوث الفضاء، وتخلق اختلالاً في توازن فصول السنة، وتهدد بارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما يتوقع منه الخطر على حياة وبقاء الإنسان، وإن مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة قد دمرت بشكل كامل بسبب العوامل الكيميائية للتلوث، كما أن ذلك غيَّر الطبيعة الخاصة بفصول السنة، وندرة الأمطار؛ مما يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي، وكذلك على حياة الحيوان المنتج للحوم التي تحتاجها البشرية.

    وقد ارتفعت معدلات تلوث الهواء في العالم بنسبة %8 بين عامي 2008 و2013م، وسجل أنه لا يتنفس %92 من سكان المدن هواء مأموناً، وأن مستويات تلوث الهواء تتجاوز الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.

    إن تلوث الهواء، وفق الإحصائيات العالمية، تسبب في 2.2 مليون إصابة بالسكتة الدماغية، ويتسبب الهواء الملوث في وفاة مليوني شخص سنوياً جراء الإصابة بأمراض القلب، وإصابة 1.7 مليون شخص بأمراض الرئة والسرطان.

    وتأتي تلك النتائج بسبب الصراع بين قوى المال والسلطة في مجتمعنا الإنساني، فالشركات الكبرى المتنافسة على صناعة الأدوية سعت وتسعى للتسابق والتنافس على حساب الأرواح البشرية.

    إن تطوير الأدوية اللازمة لعلاج فيروسات غامضة بسبب تدبير بشري خاطئ لإدارة الحياة خلفه شركات عالمية تدر من ورائه مليارات الدولارات، علماً بأن نسبة المصابين بهذا الفيروس لا تساوي شيئاً في المقاييس العالمية؛ فرغم أن عدد سكان الصين 1.386 مليار نسمة، وفق إحصائية عام 2017م، فإن الإحصاءات الرسمية الصادرة إلى يوم 27 يناير الماضي لا يتجاوز عدد الوفيات 80 شخصاً، وعدد المصابين 2700 شخص، وذلك بسبب استخدام محرمات غذائية يعتقد أنها تسببت في توالد فيروس «كورونا» القاتل، وانتقلت العدوى إلى مناطق عدة من العالم، ومع ذلك فإن حجم الخوف والذعر والهلع بين الناس كبير؛ مما سيدفع بكل الدول لشراء كل وسائل الوقاية والدواء لهذا الداء القاتل، لنعرف بعد ذلك أن هذا الفيروس لا يستحق كل هذه المعاناة والخوف والرعب لو أن الإنسان أدار حياته بالشكل الذي أراده الله من العدل والرحمة وكسب الخير والتوزيع العادل للثروات والاستخدام الصحيح للبيئة والموارد، لا الطغيان فيها، وإن لكل طغيان طوفاناً يتغير شكله بالزمان والمكان، اللهم الطف بالإنسان الذي كرمه القرآن؛ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70)

  • كم نصيحة تقدّمها كورونا؟

    د.ياسين أقطاي

    لقد وصل أخيرًا فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تركيا، بعد أن بدأ في مدينة واهان الصينية، لينتشر في عموم بلاد العالم بشكل سريع، ولا شك أن تركيا افتقدت الآن رفاهية مراقبة هذا المرض عن بعد كما السابق، ولا شك أيضًا أن أولئك الذين كانوا مهووسين بالسؤال حول لماذا تأخر وصول كورونا إلى تركيا بينما ضرب كل مكان؛ يشعرون الآن بالراحة.

    وربما يعود ذلك في الحقيقة إلى التدابير الاستثنائية والفعالة حقيقة، التي اتخذتها وزارة الصحة التركية حتى الآن. بغض النظر عما يقوله هذا أو ذاك؛ من الممكن القول بأن قضية كورونا أظهرت قوة وقدرة النظام الصحي الذي نجحت تركيا بتأسيسه منذ 18 عامًا، حيث كان ذلك اختبارًا حقيقيًّا له. كما أظهرت بدورها الفارق بين تركيا وبين دول العالم المتقدمة وغير المتقدمة. ربما ينسى البعض ذلك الفارق الذي تتمتع به تركيا منذ 18 عامًا، لكن لحسن الحظ يبدو أن المعارضة وأخيرًا باتت تعترف اليوم بهذا الفارق.

    إن التدابير التي تم الإعلان عنها عقب اجتماع تم في المجمع الرئاسي في أنقرة، برئاسة أردوغان، اظهرت بوضوح كيف أن فيروس كورونا بات يؤثر على مجريات حياتنا، على الرغم من أن حالات الإصابة لم تتعدّ شخصًا واحدًا –في ذلك الوقت-، ولم تصل لدرجة الوباء المنتشر.

    إن فيروس كورونا وانتشاره في الوقع بدأ يلفت انتباهنا لبديهيات كانت عادات بالنسبة لنا خلال الحياة العصرية التي نعيشها، ربما لم نكن ننتبه لها أو لم نكن نراها أو لم ندركها.

    بقدر ما قدمته العولمة للبشرية من تراكم معلوماتي، وسهولة في التداول بأنواعه، وسرعة رهيبة في الاتصال والمواصلات؛ بقدر ما أظهرت لنا مدى عجز الإنسان عن المخاطر التي تشكلها تلك الأشياء..

    في الواقع إن الإمكانيات والتسهيلات التي قدمتها العولمة، تساهم بطريقة ما في ازدياد هذا الخطر. إن السرعة الرهيبة لانتشار هذا الفيروس الذي بدأ في مدينة صينية، ومن ثم جاب كل أنحاء العالم خلال مدة قصيرة، من الممكن اعتبار ما وفرته العولمة من سرعة وسهولة في المواصلات؛ سببًا لذلك.

    لطالما كانت هذه الدنيا مطرحًا مليئًا بالمخاطر والمهالك؛ الزلازل، العواصف، السيول والفيضانات، والكوارث الطبيعية… وعلى مدى التاريخ كان ولا يزال الإنسان يتخذ التدابير لمواجهة هذه المخاطر. لقد حاول الإنسان إنشاء الأبنية المقاومة للزلازل، وعمل على اتخاذ التدابير التي تمنع حدوث موت أو تدمير حال وقوع زلزال ما. بل قد ذهب العمل الإنساني الحديث إلى أبعد من ذلك بقليل من حيث اتخاذ التدابير ضد الكوراث الطبيعية التي غالبًا ما تظل محصورة داخل المناطق ذاتها. لقد اعتمد الإنسان على تأسيس عالم آمن خالٍ من الزلازل والفيضانات والكوارث الطبيعية دون توقف. كانت أبرز نجاحات هذا العصر هو أبنية لا تتأثر بالزلازل، ومدن لا تعجزها الفيضانات، وأمراض يتم التغلب عليها قبل أن تخرج من حدود المكان المُصاب.

    كان من المفترض أن العقل العلمي سيكون مكتفياً بذاته في خلق عالم آمن ضمن تسلسل السببية. على الرغم من ذلك، استند نظام “التأمين الصحي”، على فكرة تم تطويرها من أجل عدم انهيار النظام بأكمله بسبب تعطل قسم منه، أو أن التطورات المحتملة التي ليست بالحسبان لا يمكن أن تؤثر على الهيكل بأكمله، وصولًا إلى حالة يتم فيها ضمان النظام بأكمله وعدم تضرره من شيء ولو كان قابلًا للتطور.

    في الواقع وكما كان متوقَّعًا، إن أكثر التطورات التي جعلتنا نشعر بحقيقة العولمة؛ هي الكوارث العابرة للحدود، فضلًا عن سهولة تداول الأموال والبضائع وتنقلها وسهولة الاتصال والتنقل والتحرك. ولهذا السبب كانت كارثة تشيرنوبل والإيدرز من أبرز الأمثلة على ذلك. لم يكن تأثير انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي على حدود روسيا فحسب، بل على كل البلدان المحيطة بها ولسنوات طويلة، وهذا بدوره يظهر مدى تأثير العولمة من جانب آخر. في السياق ذاته يبدو مرض الإيدز، الذي لم يظل حبيس حدود داخلية في مكان ما، بل سرعان ما انتشر عابرًا للحدود حول العالم، مما يظهر أيضًا المخاطر الكبيرة التي تحويها العولمة.

    إن الإنسان عبر الأنظمة التي يتفاخر بها، فإنه غالبًا ما يقع في غفلة عن المخاطر التي قد تحويها الأنظمة ذاتها. إن ما يُقال ويُسطّر حول تأثير وقوة وعقل وقدرات الإنسان في العالم الذي نعيشه اليوم، تغطي من جانب آخر الستار على تجاهل حقيقة أن هذا الإنسان عاجز عن مواجهة فيروس. ولذلك، فإن فيروس كورونا الذي يأسر العالم بأكمله شيئًا فشيئًا، يذكرنا بموقعنا في هذا العالم.

    سواء ما يتم إنتاجه في المختبرات أو ما يتم تطويره بشكل طبيعي، فقد أثبت فيروس كورونا حدود الحضارة التي ينتجها الإنسان. ما نوع تلك الثقة التي كان يختزنها ذلك الإنسان الكائن البشري حتى يضمن أنه بمأمن حتى من تلك الغيوم بأنها لن تسقط يومًا ما فوق رأسه؟ أو كيف حاول الاعتماد على الأشخاص الآخرين أو الكائنات أو قانون الطبيعة، من أن تقع الجبال وتنهار فوق رأسه، أو تنشق الأرض لتبتلعه؟

    أي درس يمكن أن يخبرنا أن الخبز والماء والراحة وأشياء أخرى نعتقد أنها تفضلنا على الفقراء أو اللاجئين أو المساكين الذين يطرقون بيوتنا؛ هي بالأساس ليست عائدة إلينا في الواقع؟.

    يمكن أن يكون كورونا فيروسًا أنتجه الفاسدين الذين خنقوا العالم بفسادهم، يمكن أن يكون كورونا مصيبة حلت فوق رؤوسنا بسبب تسلّطهم. على أي حال، إن هذه الكارثة التي لا تميز بين غني وفقير، وغربي وشرقي، وشمالي وجنوبي، وحاكم ومحكوم وأي شخص آخر؛ ربما تكون بمثابة ألف نصيحة للبعض، أو تزيد من ضلالة البعض الآخر.

  • مستقبل قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا

    المركز السوري سيرز- الباحث أحمد ناصيف

    التاريخ: السابع من حزيران 2020

    تعتبر سوريا عمومًا مركز حضاري هام في منطقة الشرق الأوسط، وفيها وجدت أول أبجدية متكاملة في التاريخ وهي الأبجدية الأوغاريتية. تطور وتغير نظام التعليم فيها حسب الانظمة الحاكمة مرورا بالدولة الاموية حيث انشأت المدارس في دمشق وكان أشهر المدارس المدرسة السيمساطية التي تقع شمال الجامع الأموي، ثم العصر العباسي حيث كان أهم المراكز العلمية في تلك الفترة كانت في مدن دمشق وحلب وقنسرين والرها وغيرها من المدن السورية. الى العصر العثماني حيث نشط التعليم في الكتاتيب، قبل احداث 2011 في سورية حظي التعليم بالاهتمام والرعاية، إذ يكفل الدستور السوري حق التعلم لكل مواطن، وهو إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي.

    في السنوات الاخيرة مرَ قطاع التعليم في سوريا بأيام عصيبة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، واعتمد التعليم في البلاد على الأسلوب التقليدي من خلال المدارس، ومع تفشي جائحة كورونا هذا العام أغلقت المدارس في عموم البلاد ومنها المدارس في المناطق المحررة (شمال غرب سوريا) حيث أغلقت 2,349 مدرسة منتشرة في المحرر أبوابها مما أثر على نحو 766,545 طالب فيها أي ما يعادل 100% من الطلاب المسجلين في المدارس بعموم المدن والقرى والمخيمات في المناطق المحررة، فاحدث ذلك تغييرا في طرق التعليم التقليدي ودفع نحو تحولات جذرية للبدائل مختلفة عن التعليم التقليدي لضمان استمرارية التعليم في المناطق المحررة، هذه التحولات أحدثت تغييرات في ثقافة المجتمع والطالب والمعلم في المنطقة وفتحت أفق جديدة للتعليم غير التقليدي، مما عزز إمكانية متابعة فئات متعددة لتعليمهم المدرسي والجامعي بعد أن كانوا متسربين بسب ظروفهم الخاصة، ومع توافر العديد من المقومات لنجاح طرق بديلة عن التعليم التقليدي هيئتها ظروف كورونا وظروف أخرى سياسية وإقليمية فلابد أن هناك تغيرات هامة في قطاع التعليم بعد كورونا ستحدث.

    تتمحور المشكلة التي تتناولها الدراسة في التساؤل الرئيسي التالي كيف سيتغير قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا؟

    وتنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية العلم ومخاطر الانقطاع عن التعليم وتفشي الجهل في المجتمع إضافة لخطورة إغفال دور بدائل التعليم التقليدي في ظل تفشي جائحة كورونا والأزمات والحروب على المجتمع ككل في المناطق المحررة.

  • ملف معلومات (26): انعكاس جائحة كورونا على الوضعَين الفلسطيني والإسرائيلي

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ملفَ معلومات 26 بعنوان “انعكاس جائحة كورونا على الوضعَين الفلسطيني والإسرائيلي“، ويوفره للتحميل المجاني.

    يظهر الملف أن انتشار جائحة “كورونا” زاد من تعقيدات المشهدين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد عانت حكومة السلطة الفلسطينية من تراجع الاقتصاد، وازدياد عدد العاطلين عن العمل، وتراجع إيراداتها. ودخل ملف الأسرى منعطفاً خطيراً بسبب الإهمال الإسرائيلي المتعمد لأوضاعهم. أما اللاجئون الفلسطينيون فقد زادت معاناتهم وتهميشهم في ظل تراجع خدمات وكالة الأونروا.

    اتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة الابتزاز وفرض القيود على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما انعكس سلباً على الأداء الفلسطيني في مواجهة كورونا، واستغل أزمة جائحة كورونا لتنفيذ مخططاته باستهداف المقدسات الإسلامية وابتزاز الفلسطينيين. ولم يسلم قطاع غزة؛ حيث طالب الجانب الإسرائيلي بعدم إدخال أي علاج لسكان غزة دون تقديم تنازلات في ملف أسرى الاحتلال لدى حركة حماس.

    على الجانب الآخر، عانى الجانب الإسرائيلي من تبعات جائحة كورونا؛ وشهد الاقتصاد تراجعاً واضحاً، ما انعكس تقليصاً على الموازنة، وتخفيضاً على رواتب موظفي القطاع العام، وإقفال شركات خاصة.

  • ندوة مشتركة لمجموعة التفكير الاستراتيجي مع مركز الجزيرة للدراسات تناقش احتمالات الموجة الثانية لكورونا وتداعياتها

    تنظم مجموعة التفكير الاستراتيجي و مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، ندوة، بتاريخ 27 يوليو/تموز 2020، الساعة السادسة مساء بتوقيت مكة المكرمة، بعنوان "جائحة كورونا: احتمالات الموجة الثانية وسبل المواجهة" بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين والخبراء.

    تأتي الندوة وسط المخاوف التي تنتاب دول العالم من موجة ثانية لجائحة فيروس كورونا بعد أن أصابت الموجة الأولى قرابة خمسة عشر مليونًا، وبعد أن تجاوز عدد الوفيات نصف المليون، ولا تزال الأرقام في تصاعد.

    تناقش الندوة جملة من المفاهيم التي عادت تفرض نفسها على المستويين، العام والخاص؛ مثل: دور الدولة والمجتمع، والعلاقة بين السوق وصحة الإنسان، والأداء الاقتصادي وأساليب العمل والإنتاج.

    كما تستعرض الندوة ما يدور من جدل حول ضرورة إعادة النظر في مفهوم العولمة وأدواتها وآلياتها ومصيرها في عالم يتجه أكثر نحو الانكفاء على الذات وغلق الحدود وتشديد الرقابة على حركة الناس وتراجع مفهوم التضامن العالمي.

    في هذا السياق، تتساءل الندوة: كيف ستتعامل الدول والمجتمعات المختلفة مع تلك الجائحة في حال استمرارها أو عودتها في موجة ثانية؟ وكيف سيكون شكل العالم والوضع السياسي والاقتصادي للمنطقة العربية والشرق الأوسط؟ وكيف ستتفاعل قوى المجتمع الحية في ظل تطور هذا الوباء وانتشاره على مستوى العالم مرة أخرى؟

    تُبثُّ الندوة على شاشة الجزيرة مباشر، ويمكن متابعتها كذلك على منصات مركز الجزيرة للدراسات ومجموعة التفكير الاستراتيجي على مواقع التواصل الاجتماعي.

  • هل يهدد فيروس كورونا اقتصاديات الخليج؟

    د. محمود المنير

    حالة من الخوف والفزع أحدثها فيروس كورونا المستحدث الذي انتشر في الصين ومنها إلى عدد من دول العالم، لتبدأ معه حركة الاقتصاد العالمي في الاضطراب التدريجي، حيث شهدت أسواق النفط والذهب، تذبذبات متلاحقو بين الصعود والهبوط اعتمادا على الأنباء الجديدة حول الفيروس القاتل والذى لم يستطع العالم كبح جماحه حتى الآن . و بسبب التحذيرات الصادرة عن مجموعات التكنولوجيا وشركات صناعة السيارات وشركات الطيران؛ فإن التكهنات انتشرت منذ نحو عام في الأوساط الاقتصادية العالمية، في محاولة لتوقع السبب الذي سيثير اندلاع الأزمة الاقتصادية المقبلة ، والآن جاء فيروس كورونا ليجدد التوقعات، فهل سيكون القشة التي تقصم ظهر الاقتصاد العالمي؟

  • وباء كورونا وامبراطورية الخوف

    توران قشلاقجي

    ينجرف العالم اليوم نحو الفوضى والغموض.. البشرية كلها تُحبس في نفق من الخوف.. والمخاوف تتزايد يومًا بعد يوم، وكأن هناك من يريد تأسيس “امبراطورية خوف” في العالم. هذه المخاوف لا يستطيع أحد السيطرة عليها، ولا يمكن تحديد من أين وكيف جاءت، وتنتشر بشكل غير متوقع بسبب هذا الغموض. عالم الاجتماع البولندي الشهير زيغمونت باومان، الذي توفي عام 2017، وصف في كتابه “الخوف السائل” المجتمع الحديث السائل، بأنه “آلية تحاول أن تجعل حياة مليئة بالخوف قابلة للعيش”.

    يشير باومان إلى أن “المخاوف العالمية” قد استولت على الجميع منذ 11 سبتمبر/أيلول، مبينًا أن هذه المخاوف تتحرك وليست “في حالة صلبة”. ويقول “بينما تنتج الحداثة المزيد من الحرية، إلا أنها ستزيد في المقابل من المشاكل الأمنية للفرد في العصر الحديث. وفي حقيقة الأمر، يقع الشخص غير الحر في مستوى العبد بسبب الارتياب، ولكن في الوقت نفسه تخلق البيئة الحرة المرتابة الفوضى”، مضيفًا أن “ممارسات إدارة المخاطر التي كانت إلزامية بالفعل منذ سنوات، أصبحت معروفة جيدًا وواضحة للغاية بعد 11 سبتمبر”.

    سيكون “الأمن المفرط” جدول الأعمال الرئيسي لجميع دول العالم، إثر بيئة الارتياب والفوضى المراد تأسيسها. سوف يوضع كل شخص وكل مكان تحت المراقبة، بدءا من المعابر الحدودية، وحتى المطارات والتحركات في المدن الكبرى، والبصمَات البيومترية. المستوى الذي سيصل إليه “الهوس الأمني” سيجعل الجميع يشعر بالذنب، الخوف سيولّد الخوف، وسيتحول مدمنو الأمن البشري الحديث إلى أشخاص مهووسين. في كتابه “الخوف السائل”، يصف باومان وضع الإنسان عديم الحيلة وغير السعيد بسبب المخاوف، كالتالي: “تخيل طائرة مليئة تتجه إلى وجهتها في الهواء. بينما ينام بعض الركاب، ويشاهد البعض الآخر الأفلام، ويغوص بعضهم في لعبة كمبيوتر أو يدردشون مع الآخرين، ويحلم البعض بما سيفعلونه في المدينة التي ستهبط فيها الطائرة، فجأة يُسمع صوت إعلان. إنه عبارة عن صوت تسجيل، ويقول التالي: “لا يوجد طيار على هذه الطائرة، وسيحاول الهبوط في المطار بنظام تجريب آلي”. ولكن في الوقت نفسه، تعلم أن المطار المعني لا يزال قيد الإنشاء ولا يوجد مكان للهبوط. هل يمكنكم إدراك شدة الخوف؟”. إن التحذيرات التي وجهها باومان منذ سنوات باعتباره عالم اجتماع، اكتسبت تحديثًا مرة أخرى بسبب الانشغال بأجندة “فيروس كورونا”. المدن الكبيرة حول العالم تحولت كلها إلى حواجز، بينما يُستعبد الناس في العالم الذي تحول إلى سجن ضخم، فإنهم يعدون البشر لشيء من قبيل “يجعلونك ترى الموت لترضى بالملاريا”. لقد تجاوز العالم التوقعات المستقبلية التي طرحها كتاب الديستوبيا مثل يفغيني أيفانوفيتش زامياتين، وجورج أورويل، وألدوس هكسلي.

    هناك العديد من الكتب والأفلام التي تتضمن إشارات مباشرة إلى فيروس يتفشى في مدينة ووهان الصينية، حتى أنها تشير إلى فيروس كورونا، مثل رواية “عيون الظلام” لكاتب روايات الرعب الشهير دين كونتز، المنتمي إلى اليمين الأمريكي، وكذلك مسلسل “تيريوس ورائي” الذي تم بثه عام 2018 في كوريا الجنوبية. ومن بينها أيضًا فيلم “عدوى” الذي صدر عام 2011. لنفترض أن هذه روايات أو أفلام أو مؤامرات، عندما تدققون في كتاب “كيف سيكون عالم الغد 2020-2025؟”، للمؤرخ الفرنسي ألكسندر أدلر، الذي فحص “تقرير Le Nouveau” لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عام 2010 وحوّله إلى كتاب، تصابون بالدهشة. أعتقد أن العديد من الدول والمثقفين يجب أن يطلعوا على الكتاب الذي قيل إنه لم تعد هناك طبعات منه في موقع أمازون. يقول ألكسندر أدلر، في كتابه، إن تلك التقارير التي صدرت قبل 10 سنوات، تنص على شيء سري كالتالي: “سيظهر فيروس خطير جديد عام 2020 سيتسبب بوباء عالمي وليس له علاج مناسب، وسينتهي عام 2025. هذا الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي سيظهر أولًا في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية في آسيا، مثل الصين. سوف يسبب هذا الوباء نزاعات داخلية وخارج الحدود. ستحاول البلدان – ذات القدرات غير الكافية وغير المتكافئة – التحكم في تحركات السكان للتخلص من المرض أو الحفاظ على وصولهم إلى الموارد الطبيعية. بسبب هذا الوباء، سيموت مئات الآلاف من الناس في أوروبا، ومئات الملايين من الناس سيموتون في القارات الأخرى”.

    ما الذي تذكركم به هذه الفقرات الواردة في تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟ ألا يُرى أن الإنسانية تواجه الآن خطرًا واضحًا؟ ألن يتعرف العالم على أولئك الذين يحاولون خلق “إمبراطورية خوف” في العالم عبر العديد من المؤامرات التي نعرفها أو نجهلها مثل العنصرية والإرهاب العالمي والإسلاموفوبيا والأزمات الاقتصادية المتصاعدة في العالم عقب 11 سبتمبر، والآن فيروس كورونا؟ كان الأديب الألماني الشهير يوهان فولفغانغ فون غوته، يقول إن “العدو الرئيسي للسعادة هو العيش بدون هدف”، ألا تعيش الإنسانية بدون أهداف برأيكم؟ ألا تنفق بلا مبالاة الكثير من النعم التي منحها إياها الله تعالى؟ هل برأيكم بقي هناك فرق بين الشيطان والإنسان والحيوان؟ لو لم يكن الأمر كذلك، فهل كانت الشياطين تستعبد الناس الذين هم أقوى منها وتهينهم إلى هذا الحد بالخوف؟ لماذا يصمت الأخيار في العالم حيال هذه اللعبة المتهورة لقوى الشر؟

    توران قشلاقجي