• المشهد الإسرائيلي نيسان/ إبريل 2020: الحكومة الجديدة وانعكاساتها على الفلسطينيين

    الكاتب : صلاح الدين عواودة 

    مقدمة

    رغم أزمة الكورونا وحالة الطوارئ، إلا أن الحدث الأبرز خلال شهر نيسان/ إبريل، كان اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حكومة الطوارئ، بين نتنياهو ومعه معسكر اليمين من جهة، وبين غانتس وحزبه “أزرق أبيض” من جهة ثانية، إضافة إلى حزب العمل بقيادة عمير بيرتس. علما أن حزب “أزرق أبيض” تفكك مؤخرًا بسبب هذا الاتفاق، وبقي غانتس يتزعم حزب “حوسن إسرائيل”، الذي شكله منتصف عام 2018. وقد شكلت قضية ضم المستوطنات، أهم بند من بنود اتفاق تشكيل الحكومة، وهو ما يستدعي دراسة بنود الاتفاق، وانعكاساته على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع في المنطقة. فمن الواضح أن التيار الذي انتصر، هو تيار نتنياهو، وهو في طريقه إلى انتصار أكبر لو حصلت انتخابات رابعة. لذلك، من الطبيعي أن يفرض هذا التيار برنامجه السياسي عند تشكيل أي حكومة من قبله، حتى لو أغرى الآخرين بكثير من الغنائم السياسية، كما فعل مع غانتس وحزبه، ومع عمير بيرتس وحزبه، فقد حصلوا على حصة الأسد من الغنائم السياسية، لكنهم شاركوا في حكومة كتب برنامجها نتنياهو واليمين المتحالف معه، وأهم ما في هذا البرنامج، هو الموقف من القضية الفلسطينية، وسلوك الاحتلال في الضفة الغربية، ومع قطاع غزة.

    تحاول هذه الورقة، ومن خلال قراءة المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل، معرفة انعكاسات هذا الاتفاق على القضية الفلسطينية، إضافة إلى الوقوف على التطورات المتعلقة بأزمة الكورونا، لا سيما تأثيرها على الاقتصاد، وعلى العلاقات مع المحيط والعالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وآلية خروج الاقتصاد الإسرائيلي من أزمة الكورونا، في ظل الركود والعجز وارتفاع البطالة.

    كما يتناول هذا المشهد قضية ضم الغور والمستوطنات، والموقف الأمريكي منها، وملف التهدئة مع قطاع غزة، وتطورات موضوع صفقة التبادل، وهي الملفات التي تصدرت المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل.

    نتنياهو ينجح أخيرًا

    قال الصحفي والمحلل السياسي أمنون أبروموفيتش، في مقال نشره على موقع القناة إن 12 بتاريخ 26/4/2020، إنه ما كان لأحد أن يتفاجأ من الاتفاق بين غانتس ونتنياهو، ونفى أن يكون السبب هو جائحة الكورونا، وذكر أن غانتس وإشكنازي، كانا قد عزما على المشاركة في حكومة نتنياهو بعد الانتخابات الماضية في أيلول/ سبتمبر 2019، وذلك قبل ظهور أزمة الكورونا، وكان أبروموفيتش قد سمى حزب “أزرق أبيض” في حينه، بـ (ليكود ب)، ولكن دون لائحة اتهام. وفي نفس الوقت، يعبر أبروموفيتش عن دهشته من تحول غانتس وإشكنازي، إلى آلة لتحصين نتنياهو. فرغم إبداء حزب “أزرق أبيض” قلقًا على المحكمة العليا، إلا أنهم، ومن خلال الاتفاق مع نتنياهو، حاصروا المحكمة، التي قيدوا قدرتها على رفض الاتفاق، ووضعوها في محل الاتهام بأنها تدفع الدولة إلى انتخابات رابعة إن رفضت الاتفاق. وفي المقابل، فإن قبول الاتفاق، يشكل ضربة للقضاء وسلطة القانون (ابرموفيتش 2020).

    ولكن، سواء تحت ضغط جائحة كورونا، أو ضغط الاستطلاعات التي تتنبأ بتقدم اليمين إذا حصلت انتخابات رابعة، استطاع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في النهاية، جر رئيس حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، مساء الإثنين 20/4/2020، إلى الاتفاق على حكومة طوارئ وطنية لستة أشهر، وحكومة وحدة تضم 36 حقيبة وزارية، لثلاث سنوات قابلة للتمديد سنة أخرى، وخلال الشهور الست الأولى كحكومة طوارئ، لا يتم تشريع أي قانون، ولا حتى اقتراح أي قانون للنقاش، ليس مرتبطًا بشكل مباشر بأزمة الكورونا، ويكون نتنياهو رئيس الحكومة أولا لمدة 18 شهرا. كما نص الاتفاق بينهما، والذي تم بضمان أحزاب الحريديم، وهي شاس ويهدوت هتوارة، على إقامة مجلس وزاري مصغر (كابينيت)، لمواجهة تحديات كورونا، برئاسة مشتركة بين نتنياهو وغانتس، وبمشاركة الوزراء ذوي الصلة بالموضوع. كما نص على أن يسكن غانتس في مقر خاص برئيس الحكومة البديل، إلى جانب مقر رئيس الحكومة الفعلي (سيجال و ليال 2020).

    ووفقًا للاتفاق، ستتوزع المهام والعضوية بالتساوي بين حزبي الليكود و “أزرق أبيض”، في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت الأمني)، وفي المجلس الوزاري المصغر للقضايا الاجتماعية والاقتصادية. ويضمن الاتفاق تنفيذ التناوب بموجب بند ينص على أن تصويت الكنيست على حكومة الوحدة الوطنية، يمنح الثقة لنتنياهو ليكون رئيسا للحكومة أولا، وسيتبعه تصويت على غانتس لمنصب “رئيس الحكومة البديل”، حيث سيتولى منصبه، بموجب اتفاق التناوب، في تشرين أول/ أكتوبر2021، دون الحاجة لأخذ ثقة الكنيست مرة أخرى، وذلك لضمان عدم غدر نتنياهو وحلفائه من اليمين. ورغم توفير الاتفاق شبكة أمان واستقرار لحكومة نتنياهو لمدة ستة أشهر على الأقل، حتى دون أن ينضم تحالف أحزاب اليمين (6 مقاعد) له، ورغم أن الحكومة ستحظى بدعم 68 عضو كنيست على الأقل، إلا أنه لم يضمن تولي غانتس منصب رئيس الحكومة، إذا أقصت المحكمة العليا نتنياهو من منصبه، فحينها لن ينفذ اتفاق التناوب، وستكون هناك انتخابات رابعة، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة فقط إذا تم حل الكنيست (عرب 48 2020).

    إنجازات نتنياهو مقابل إنجازات غانتس

    من ناحيته ضَمِن نتنياهو، إلى جانب بقائه في رئاسة الحكومة سنة ونصف أخرى، أغلبية في لجنة تعيين القضاة، وهو ما يسمح لنتنياهو بتعيين من يرغب من القضاة  في المحكمة العليا. كما ضَمِن أن لا يكون هناك أي تشريع دون موافقته، رغم أن رئيس لجنة التشريعات في الكنيست، سيكون من حزب “أزرق أبيض”. كما يضمن الاتفاق لنتنياهو، أن لا يشرع أي قانون ضده في الكنيست خلال الشهور الست الأولى، وهي فترة الطوارئ، كما يستطيع نتنياهو تسجيل موضوع فرض السيادة في الضفة الغربية، الذي سيبدأ نقاشه في تموز/ يوليو المقبل، كإنجاز له. كما سيضمن نتنياهو بقاءه في مقر رئاسة الحكومة، حتى بعد انتهاء فترته، ويبقى كرئيس حكومة بديل، وسيحتفظ بكل امتيازاته. كما يضمن نتنياهو بقاء معسكر اليمين من خلفه، رغم احتمال بقاء حزب “يمينا” خارج الائتلاف. كما شمل الاتفاق بنودًا تسمح بحل الحكومة، دون أن يصل غانتس إلى رئاستها (سيجال و ليال 2020).

    أما غانتس، فسوف يحصل على منصب رئيس حكومة بديل من لحظة أداء الحكومة للقسم، وهو ما لم يحصل عليه أحد سابقًا، إضافة إلى حصوله على نصف الحقائب الوزارية، رغم قلة عدد كتلته النيابية مقارنة بمعسكر اليمين، وكذلك توليه منصب وزير الدفاع. كما حصلت كتلته على الوزارات الهامة، مثل وزارتي الدفاع والخارجية، وذلك فقط خلال فترة رئاسة نتنياهو للحكومة، على أن تحول هذه الوزارات إلى حزب الليكود عند تولي غانتس رئاسة الحكومة، وكذلك وزارة القضاء، ويمكن له الحصول على أغلبية في لجان اختيار القضاة لغير المحكمة العليا. كما سيصبح غانتس رئيسًا للحكومة لمدة 6 شهور تلقائيًا، في حال قرر نتنياهو حل الكنيست، ودون حاجة ليقدم نتنياهو استقالته. كما ضمن غانتس إدخال أعضاء للكنيست من حزبه كبدلاء للوزراء. أما في حال التصويت على حل الكنيست أثناء ولايته، فسيبقى غانتس في رئاسة الحكومة، كرئيس حكومة انتقالية. وفي حال قررت المحكمة العليا منع نتنياهو من الاستمرار في رئاسة الحكومة أثناء نوبته، فسيتم حل الكنيست، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة الانتقالية. لكن في حال قرر نتنياهو الاستقالة، أو مرض، أو عجز عن القيام بوظيفته لسبب قاهر، فإن نائبه يحل مكانه مدة الـ 18 شهرا المقررة له، إلى أن يعود فيستلم رئاسة الحكومة وفقا للاتفاق. كما ينص الاتفاق على أن لا يملأ أي شخص مكان أي من نتنياهو وغانتس من حزبيهما، في حال التغيب القسري لأحدهما، ويذهب الجميع لانتخابات جديدة في حالة حدوث ذلك (سيجال و ليال 2020).

    الفلسطينيون في حكومة الطوارئ

    كما شمل اتفاق حكومة الطوارئ، تفاهمات بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض”، على أن يقوم نتنياهو، وبعد الاتفاق مع الأمريكان على فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بمناقشة الاتفاق مع رئيس الحكومة البديل غانتس، ثم مناقشته في المجلس الوزاري، وفي الكنيست، وضم جميع المستوطنات، حيث يبدأ النقاش بداية تموز/ يوليو 2020.

    وشمل الاتفاق أيضا، عدم إجراء أي تعديل على “قانون القومية”، الذي يعرف “إسرائيل” على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي حول العالم، لكنه لم يتطرق لمسألة ضم الأغوار والبحر الميت، التي طالب بها تحالف أحزاب اليمين. ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مصادر مطلعة على مفاوضات الائتلاف الحكومي، أنه “بموجب حكومة الطوارئ، سيجري فرض السيادة الإسرائيلية وضم المستوطنات”، مشيرا إلى أن رئاسة نتنياهو لحكومة مستقرة وواسعة، ستخلق الظروف لبدء إجراءات الضّم، لكنه ربط ذلك ببقاء دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية (وتد 2020).

    ويضم الائتلاف الحكومي رئيس حزب العمل عمير بيرتس، الذي سيكون وزيرا للاقتصاد، وإيتسك شمولي وزيرا للرفاه الاجتماعي، وذلك على حساب الموقف التاريخي لحزب العمل من حل الدولتين، رغم أن رئيس الحزب عمير بيرتس، نفى الادعاءات ضد الاتفاق، وأكد أنه غير ملتزم بقرارات الائتلاف كافة، وأن الحزب لن يصوت لصالح أي قرار ضم من جانب واحد (i24NEWS 2020).

    أما اتفاق حزب العمل بقيادة عمير بيرتس، مع نتنياهو، الذي نشرته صحيفة هآرتس في 25 نيسان/ إبريل، فلم يتطرق لعملية التسوية مع الفلسطينيين، رغم نصه على المحافظة على اتفاقيات السلام، والمصالح الأمنية والسياسية لدولة “إسرائيل”، والعمل على إعادة الجنود المفقودين من غزة، كشرط مسبق لأي اتفاق أو تسهيلات اقتصادية لقطاع غزة. كما شمل الاتفاق تحديد أجندة جديدة تجاه حركة حماس في قطاع غزة، وإعادة الردع الإسرائيلي أمام الفصائل الفلسطينية في القطاع. (ناصر 2020)

    الضم بغطاء الكورونا

    كتب الجنرال أودي ديكل، مدير مركز دراسات الأمن القومي، ومعه الباحثتان ليا موراد جلعاد، وعنات كورتس، ورقة نشرها المركز بتاريخ 26/4/2020، اعتبروا فيها أن فترة الكورونا، وفترة وجود ترامب في الرئاسة الأمريكية، ورغبته بترك بصماته على التاريخ، مع احتمال عدم فوزه بفترة إضافية في البيت الأبيض، وحاجته الملحة لأصوات الصهيونية المسيحية في الانتخابات، تشكل فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية على كل المستوطنات، وذلك على الأقل من وجهة نظر مجموعة المصالح التي يقودها بنيامين نتنياهو. فنتنياهو يرى وجود فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية دون عملية تسوية، وهي فرصة لم تكن سابقًا، وقد لا تتكرر مستقبلًا، في ظل انشغال زعماء العالم بأزمة الكورونا. ومن وجهة نظر هؤلاء الباحثين، فإن هذا التوجه خطير على مستقبل دولة “إسرائيل”، حيث سيخلخل الأسس التي تقوم عليها، وهي، على حد زعمهم، اليهودية والديموقراطية والأمن والأخلاقية، الساعية للسلام مع جيرانها. لذلك يدعون الحكومة الجديدة، لدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، التي تشكل خطة ترامب إحدى مرجعياتها. وإذا استمرت السلطة بالرفض، فعلى الحكومة أن تطلب دعم الجمهور لتنفيذ انفصال من طرف واحد عن الفلسطينيين، يشمل أيضا ضمًا متدرجًا للأراضي، ويضمن، على حد تعبيرهم، مصالح “إسرائيل” السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    نص الاتفاق بين نتنياهو وغانتس، على العمل بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة، لا سيما في مسألة رسم الخرائط، والحديث مع المجتمع الدولي، مع الحفاظ على مصالح “إسرائيل” الاستراتيجية، والاستقرار في الإقليم. وكان نتنياهو قد وعد ناخبيه بضم غور الأردن، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، والتي تعني ضم أراضي المستوطنات لـ “إسرائيل”. ومن الملاحظ أن “إسرائيل” تتلاعب بالألفاظ، لتتلاءم مع الوضع القانوني دوليًا ومحليًا. ففي موضوع الجولان، لم يتم استخدام عبارة “فرض السيادة”، لأن الأرض سورية في القانون الدولي، وإنما تم استخدام عبارة “تطبيق القانون الإسرائيلي”. أما في الضفة الغربية، فيتم الحديث عن “سيادة إسرائيلية”، وتجنب كلمة “الضم”، لما لها من دلالات سلبية، لأن من يقوم بالضم، يفعل ذلك على أرضٍ ليست له أصلًا. لذلك يتفق الجميع في “إسرائيل”، على استخدام تعبير “فرض القانون الإسرائيلي”، أو “السيادة الإسرائيلية”، وليس “الضم”. وبهذا المصطلح، تنتقل الأرض من أرض محتلة، إلى أرض تتبع لـ “إسرائيل”، ويتحول سكانها تلقائيا إلى مواطني دولة “إسرائيل”، كغيرهم في أي مكان آخر في الدولة (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    وهنا، يشير باحثو مركز دراسات الأمن القومي، إلى عدة سيناريوهات للضم، أو فرض السيادة:

    1. ضم الأراضي التي تحتلها المستوطنات، والتي تبلغ 4% من مساحة الضفة المحتلة، إضافة إلى الأراضي التي تتبع قانونيًا للمستوطنات، ومجموعها حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
    2. ضم الكتل الاستيطانية، والتي تقع أغلبيتها غرب الجدار الفاصل، وتبلغ نسبتها أيضا 10% من الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية، وهذ السيناريو يحظى بإجماع إسرائيلي.
    3. ضم غور الأردن الذي تبلغ مساحته حوالي 17% من مساحة الضفة الغربية.
    4. ضم مناطق (ج) التي تبلغ مساحتها 60% من مساحة الضفة.
    5. ضم الأراضي التي أشارت إليها خطة ترامب، والتي تبلغ نصف منطقة (ج)، أي 30% من الضفة الغربية، وتشمل: الغور 17%، والمستوطنات 3%، والأراضي التابعة لها 10%، مقابل ما سيعطى للدولة الفلسطينية، والأراضي التي ستلحق بقطاع غزة، من النقب الغربي(ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويضيف هؤلاء الباحثون، أن كل خطوة في هذا الإطار، مهما كانت تسميتها، ضم، أو فرض قانون، أو غيرها، كلها مرتبط بمخاطرة، كمواجهة الكورونا بالضبط، فلا شيء مضمون ولا مؤكد. وبينما يضحون بالاقتصاد من أجل حماية الأرواح في أزمة الكورونا، يغامر السياسيون المشاركون في الائتلاف الحكومي، بأثمان سياسية وأمنية لخطوة مثل الضم، حتى لو تم بالتوافق والتأييد من قبل ترامب. لذلك يرى هؤلاء الباحثون، أن الإغراء يكمن في استغلال فرصة الكورونا، واستغلال آخر أيام ترامب، لضم المستوطنات التي تبلغ نسبتها 4% فقط من الأرض، وذلك كبالون اختبار. فهذه الخطوة قد تمر في ظل الفرصة السانحة كما يقولون، ولكنها لن تحسن الوضع الاستراتيجي لـ “إسرائيل”، حتى لو أمكنها احتواء ردود الفعل السلبية، فلن يعترف أحد بهذه الخطوة غير الولايات المتحدة، بالضبط مثل سابقة الجولان. وعلى صعيد المستوطنين أنفسهم، فلن يأتي عليهم وضع جديد، فهم مواطنو دولة “إسرائيل” أصلًا، بل ربما تزداد التعقيدات البيروقراطية بشأن الأرض، إضافة إلى أن هذه الخطوة، ستعيق أي عودة للمفاوضات، وإذا ما تم التوصل لاتفاق يومًا ما مع الفلسطينيين، فسيكون من الصعب تطبيقه قانونيًا، وسيتطلب مثلًا استفتاءً عامًا، أو أغلبية ثلثي أعضاء الكنيست. وفي نفس الوقت، فإن هذا الضم لن يصادر حق الفلسطينيين بتقرير المصير، ولن يلغي التأييد الدولي لهم. وعليه، سيكون الضم مجرد خطوة سياسية معنوية، ضررها أكبر من نفعها. وإذا كان الهدف هو منع إخلاء مستوطنين، فإن هذا الأمر على المدى المنظور، ليس مطروحًا على جدول أعمال أحد. وهذه الآثار السلبية، ليست حصرًا على هذه المرحلة تحديدًا، وإنما في كل ظرف، وفي أي وقت. لذا، يجب أن لا يتم ربطها بالكورونا، أو استغلالها لتقليل المخاطر (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    أما ضم نصف مناطق (ج) وفقًا لخطة ترامب، فمعناه، وفقًا لباحثي المركز، إغلاق أي نافذة لتسوية مستقبلية مع الفلسطينيين، لأنه لن يتبقى أرض لإقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى أن مثل هذه الخطوة، من شأنها أن تضرب الثقة بـ “إسرائيل”، وفكرة حل الدولتين، من قبل الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، مما قد يدفع السلطة لإعادة المفاتيح، وهو ما يعني عودة المسؤولية عن الفلسطينيين إلى “إسرائيل”، وهذا مكلف أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا لها، إضافة إلى الضرر الأكبر، على أساس أنها دولة يهودية وديموقراطية. فالضم مع السكان، يعني الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة. لذا ينصح الباحثون الحكومة الجديدة، بدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، وإذا استمرت السلطة بالرفض، تلجأ “إسرائيل” لخطوات أحادية، مع تجنيد دولي، وضم تدريجي لا يتناقض مع الانفصال، ومع إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ديموغرافيًا وجغرافيًا (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويمكن تلخيص تداعيات تشكيل حكومة غانتس نتنياهو على المشهد الفلسطيني كما يلي:

    • المضي في خطة الضم في الضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني على حساب مسار التسوية السلمية، والسلطة الفلسطينية، نتيجة لزيادة قوة اليمين الإسرائيلي، الذي يتزعمه نتنياهو، وكسره لمعسكر يمين الوسط بزعامة غانتس. كما أن انضمام غانتس وعمير بيرتس لحكومة اليمين، لن يشكل أي نوع من المعادلة لحدة هذا اليمين، لأن غانتس وبيرتس، حتى لو أرادا، سيكونان ضعيفين في هذا التحالف. علما أن غانتس وافق بالفعل على الضم كبرنامج للائتلاف، وتخلى عن مطالبه بالتفاوض مع الفلسطينيين عند توقيع الاتفاق، والتي كان قد أعلنها سابقًا.
    • على الجبهة الجنوبية، يمكن توقع احتمالات تهدئة أقوى مع قطاع غزة، في ظل حكومة قوية بكامل الصلاحيات والتفويض، وفي ظل التحرر النسبي من مزايدات نفتالي بينيت، وحزبه اليميني المتشدد، الذي كان يعترض على أي تهدئة طويلة، وعلى تسهيلات حقيقية لقطاع غزة. ومن المتوقع أن تساعد هذه الحكومة على تحريك ملف الجنود المفقودين، باتجاه صفقة تبادل مع حركة حماس(العيس 2020).

    ملف الجنود المفقودين

    في أعقاب تصريح يحيى السنوار في الثاني من نيسان/ إبريل، بأن حماس جاهزة لتنازلات في ملف الجنود المفقودين، بدأت مسألة الجنود تتفاعل. وصرح نتنياهو بأن حكومته جاهزة للعمل على إعادة جثث القتلى المفقودين، وقال إن منسق الحكومة لهذا الغرض يرون بلوم، وطاقمه، بالتعاون مع مجلس الأمن القومي، والمؤسسة الأمنية، جاهزون بشكل بنّاء للمهمة. ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن صحيفة إيلاف السعودية، الصادرة في لندن، استعداد حماس للتنازل. ونقلت الصحيفة أيضا عن مصادر في حماس، أن السنوار مستعد لتقديم معلومات، مقابل تحرير كبار السن والمرضى والنساء والأطفال من الأسرى. كما كان السنوار قد قال في مقابلة مع قناة الأقصى، إنهم جاهزون لتقديم ثمن جزئي، دون أن يعطي تفاصيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر من غزة، صرحت لصحيفة العربي الجديد الصادرة بلندن، أن الإسرائيليين طلبوا من المصريين، بحث جدية تصريح السنوار، وأن الإسرائيليين يتشاورون مع المصريين بشأن قناة تفاوُض، وتقديم مبادرات تتعلق بإدخال غذاء ودواء لغزة، إضافة إلى إفراج عن أسرى، ولكن بعيدًا عن مطالب حماس، حسب قول الصحيفة. كما أكدت المصادر، أن مصر تبذل جهودًا لمنع التصعيد، ومنع وقوع جولة قتال جديدة في ظل أزمة الكورونا (برسكي 2020).

    وكانت صحيفة معاريف نشرت قبل ذلك بأسبوع، أن مصادر أمنية وسياسية، تحدثت عن آثار جائحة الكورونا على قطاع غزة، والتي من شأنها خلق فرصة لتحريك ملف الأسرى والمفقودين. ويؤكد ذلك تصريح وزير الجيش نفتالي بينيت، بأن لـ “إسرائيل”، كما لغزة، حاجات إنسانية، وربطه بين المساعدات لغزة، وبين التقدم في المفاوضات بشأن الأسرى والمفقودين. وقالت الصحيفة إنه بموازاة هذا التصريح، كانت هناك نقاشات حول المسألة داخل المؤسسة الأمنية (رم 2020).

    في 23 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها، أن أنباءً تحدثت عن مبادرة مصرية لتشجيع حماس على التفاوض، تمثلت بالإفراج عن أربعة أطباء فلسطينيين كانوا معتقلين لديها. ونقلت عن صحيفة الأخبار اللبنانية، أن احتمالات إجراء صفقة، هي احتمالات تتزايد، وأن مصر هي من تقوم بالوساطة، وأنها أفرجت عن الأطباء الأربع المعتقلين لديها منذ سنة ونصف، في هذا الإطار. وأضافت الصحيفة أن المخابرات المصرية، تقوم بدور مركزي في السنوات الأخيرة؛ للحفاظ على التهدئة بين قطاع غزة و “إسرائيل”، وأن مصر وحماس سعداء باتفاق الوحدة بين نتنياهو وغانتس؛ لأنه سيمكن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من اتخاذ خطوات مهمة، مثل صفقة تبادل. ونقلت الصحيفة عن مصادر دولية، أن حماس تريد تحرير أحد الأسرى الجنود الأحياء لديها، مقابل الأسرى الفلسطينيين كبار السن والمرضى والنساء، وأن أزمة الكورونا شكلت سُلّمًا لحماس، لتنزل عن الشجرة بشأن الشرط الذي تمسكت به لسنوات، والذي منع التقدم بأي مفاوضات، وهو شرط الإفراج المسبق عن معتقلي صفقة وفاء الأحرار، ممن أعاد الاحتلال اعتقالهم. وأكدت الصحيفة أن إعلان حماس عن استعدادها، هو مؤشر على الجدية، وأن “إسرائيل” تدرس الأمر بجدية من أجل تحقيق صفقة، وأنها أوصلت لحماس رسالة مشابهة (ليفي 2020).

    وفي 24 نيسان/ إبريل، تحدثت صحيفة معاريف، عن أن العقبة التي تقف أمام المفاوضات الآن، هي أن حماس تريد صفقة جزئية، بينما تريد “إسرائيل” صفقة شاملة. ورغم تأكيد مصادر إسرائيلية حدوث تقدم في المفوضات، إلا أن الفجوات ما زالت كبيرة (ليف رم 2020).

    وفي 30 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” على لسان قيادي في حماس، أن هناك مفاوضات جدية على صفقة تبادل أسرى، وأن مصر تقوم بالوساطة، وأن الخلاف يكمن حول إتمام الصفقة على دفعة واحدة أو دفعتين. فحماس كما يزعم، تريد إطلاق سراح دفعة من الأسرى الفلسطينيين، مقابل أحد الجنود الإسرائيليين الأحياء، ومقابل معلومات عن بقية الجنود، بينما تريد “إسرائيل” صفقة واحدة للجميع، تشمل تسليم الجميع أحياءً وأمواتًا، وتعرض تقديم مساعدات لغزة لمواجهة الكورونا، ومشاريع اقتصادية بتمويل من قطر والأمم المتحدة، مقابل دفع المفاوضات إلى الأمام. ولكن حسب قول الصحيفة، فإن القيادي أخبرهم أن المكتب السياسي لحماس، ومسؤول ملف الأسرى فيها موسى دودين، يرفضون المفاوضات طالما ترفض “إسرائيل” إطلاق سراح القائمة التي طلبتها حماس (سيريوتي 2020).

    على “إسرائيل” أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن

    تحدثت ورقة صدرت عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ونُشرت في مجلة “مبات عال” بتاريخ 22 نيسان/ إبريل، عن احتمال فوز المرشح الرئاسي الأمريكي الديموقراطي جو بايدن، الذي، ورغم حبه لـ “إسرائيل”، ودعمه لها، واعتباره لنفسه صهيونيًا، وحبه لنتنياهو الذي تربطه به علاقات شخصية منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن علاقته بـ “إسرائيل” قد تشهد توترًا حول مسألتين: الأولى هي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لذلك دعت الورقة إلى مبادرة إسرائيلية استباقية، بفتح قنوات سرية مع المقربين منه، لبناء الثقة وتنسيق المواقف. والثانية هي الاتفاق النووي الإيراني. فالمرشح بايدن يدعو للضغط على “إسرائيل” باتجاه حل الدولتين، ومن الطبيعي أن خطوات الضم التي تعتزم “إسرائيل” تنفيذها في ظل خطة ترامب، لن تكون محل ترحيب لديه، مع العلم أن الناطق باسم حملته الانتخابية، تحدث عن أن بايدن لن يعيد نقل السفارة الأمريكية من القدس، لكنه سيعيد فتح القنصلية في شرقي القدس، لتقوم بنشاطها تجاه الفلسطينيين، وسيُبقي على موقفه من اعتبار القدس الغربية عاصمة لـ “إسرائيل”، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وبالنسبة للاتفاق مع إيران، فقد أعلن بايدين نيته العودة للاتفاق، إن قبلت إيران بذلك. لذا، ترى الورقة أنه يتحتم على “إسرائيل” أن تنشط بشكل سري، لبناء علاقات ثقة مع فريق بايدين، وتحديد خطوط عريضة متفق عليها بين البلدين في القضايا الهامة، إضافة إلى ضرورة تجنب “إسرائيل” الظهور كمؤيد لخصم بايدن في المعركة الانتخابية الأمريكية (هايستاين و شابيت 2020).

    الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة الكورونا

    نشر موقع كلكاليست في 28 نيسان/ إبريل، تقريرًا تحت عنوان “إسرائيل في طريق عقد إضافي ضائع، ولكن ما زال هناك ما يمكن عمله”. جاء في التقرير أن “إسرائيل” دخلت أزمة اقتصادية بعد حرب عام 1973 استمرت عشر سنوات، وأن كبار خبراء الاقتصاد في “إسرائيل”، يحذرون من أثر مثيل للكورونا، ويطرحون مجموعة من الحلول، مثل إصلاحات عميقة لا تتم عادةً، وسيطرة على الركود، والامتناع عن عمليات إنقاذ غير ضرورية. فتداعيات أزمة الكورونا، مستمرة في جر “إسرائيل” نحو المجهول. ولكن عددًا من خبراء الاقتصاد الكلي “الماكرو” في “إسرائيل”، يحذرون من أن “إسرائيل” ذاهبة إلى أزمة كتلك التي أعقبت حرب عام 1973، والتي ستقود إلى ركود ثقيل ومستمر. فرغم اختلاف المقدمات، إلا أن الخطر مشابه، رغم أنهم يقترحون مخرجًا يمنع ذلك، مثل: إصلاحات هيكلية عميقة، والامتناع عن أخطاء اقتصادية، والتوقف عن الشعبوية التي شهدتها السنة الأخيرة (بيلوت 2020).

    ووفقًا لهؤلاء الخبراء، على حكومة نتنياهو وغانتس، أن تجري تغييرات عميقة في الجهاز الضريبي، والأجور والحوافز، مع المحافظة الحازمة على العجز الهيكلي، المتعلق بالتغيرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد في فترة محددة، وأثرت على المدخولات من الضرائب، وعليها أن تغير الخط الذي سارت عليه الحكومة السابقة، التي وزع فيها نتنياهو ووزير المالية موشيه كحلون، الأموال دون الحفاظ على إطار الميزانية، وأقروا قرارات مدمرة، مثل توزيع الأموال ورفع مخصصات خلال هذه المرحلة. ويقول هؤلاء الخبراء، إن الإصلاحات التي ستجري قريبًا، سيكون لها تأثيرات حاسمة على مستقبل “إسرائيل” الاقتصادي، لخمس أو عشر سنوات قادمة.

    يقول هؤلاء الخبراء: إذا استمر الإغلاق، فستتحول المشاكل قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد، لأن قلة الدخل تعني قلة الاستهلاك، وكثير من سلع التسلية لن تجد لها زبائن، كالسياحة والسينما والمسرح والألعاب الرياضية، وبالتدريج سيتحول المُجازون الآن إلى بطالة دائمة. يقول البروفسور آبي بن بسات، مدير عام وزارة الاقتصاد سابقًا، إنه يتوجب على الحكومة، تقديم محفزات اقتصادية تؤدي لارتفاع مصروفات الحكومة، وهذه مشكلة كبيرة، حيث إن العجز كبير جدا بسبب الكورونا، مما تسبب بتقلص المدخولات الضرائبية. وفي ظروف كهذه، يصعب تقديم محفزات مع زيادة العجز، لذا يتطلب الوضع إصلاحات تسهل تنفيذ هذه السياسة، أي محفزات للأعمال، وهي إصلاحات مطلوبة حتى قبل الكورونا، لكنها أصبحت حيوية الآن لإنقاذ الاقتصاد (بيلوت 2020).

    ويؤيد هذا الموقف يورم جباي، مدير واردات الدولة في وزارة المالية، والمحاضر لأكثر من 20 سنة في التاريخ الاقتصادي لـ “إسرائيل”، حيث يرى أنه يجب التعايش مع الكورونا، ولكن يجب فتح السوق لـ 90% من النشاطات التجارية، مع الحفاظ على وسائل الوقاية. وحتى المقاهي والمطاعم يجب أن تعمل، حتى لو كان الثمن زيادة في الإصابات، ولو أدى إلى منحنى غير مسيطَر عليه أحيانًا. فهو، أي جباي، يدعو لتقليص العجز عبر إلغاء الإعفاءات الضريبية، وتقليص الرواتب في القطاع العام، وإذا لم تفعل “إسرائيل” ذلك، فسيحدث لها كما حدث لإيطاليا واليونان، حيث مرت إيطايا بأزمة عام 2008، أدخلتها في عشر سنوات من الضياع لنفس الأسباب، حيث تضخم العجز، وزادت البطالة (بيلوت 2020).

    البروفسور مومي دهان، من كبار خبراء الاقتصاد الكلي في “إسرائيل”، يرى أن هناك تشابهًا مع فترة حرب عام 1973، يتعلق بالضغط على متخذي القرار، وقدرتهم على تحمل هذا الضغط، حيث أخطأت القيادة آنذاك، وتجاهلت الفجوة المتزايدة بين المدخولات والمصروفات، وتضخم البطالة، الذي لولا المساعدات الأمريكية عام 1985، لأدى إلى إفلاس اقتصادي. واليوم، هناك من يظن أنه قادر على تخفيف الضرر، من خلال توزيعه، وهذا ما سيمنع انتعاشًا سريعًا. ومثال ذلك، رفع مخصصات الأطفال، وهو ما فعله نتنياهو مؤخرًا، أو تقديم مساعدات سخية للقطاع الخاص. ويحذر دهان من تمويل العجز عبر طباعة أوراق نقدية، وهي خطوة أدت إلى انهيار في السبعينيات. كما يحذر دهان، وبن بسات أيضا، من تقديم مساعدة للقطاع الخاص، إلا في حالات نادرة، كشراء أسهم في هذا القطاع، فهما يحذران من تقديم مساعدة لمشاريع لم يعد لبقائها أصلًا أي مبرر، مع العلم أنه لا يمكن تحديد هذه المشاريع، لذا فالمطلوب عدم تقديم أي شيء لأي مشروع (بيلوت 2020).

    أما البروفسور عومر مؤاب، مستشار وزير المالية السابق يوفال شتاينتس، فهو متفائل، لكنه يحذر من أخطاء ترتكبها الحكومة، مثل زيادة العجز الذي يمنع الانتعاش بسرعة بعد انتهاء الأزمة، لذلك فهو يحذر من تعويضات القطاع الخاص، التي ستزيد العجز، ويدعو في المقابل، إلى إعادة فتح القطاع الخاص، وعودته للعمل بأسرع ما يمكن. ويؤكد التحذيرات البروفسور ريكاردو هاوسمان، مدير مركز التطوير الاقتصادي الدولي في جامعة هارفارد، والذي يستذكر آثار حرب عام 1973، حيث ذهب كل الرجال من القطاع الخاص إلى الجبهة، فانهار الانتاج، ثم تضاعفت نفقات الحكومة على التسليح فجأة، لتعويض النقص في المستودعات. واليوم، ما زال الوضع قبل الذروة، لكن الخطر من الركود ما زال قائمًا، والبطالة تجاوزت 25%، ومن المتوقع حدوث أعلى ركود في تاريخ الدولة، مع تراجع الناتج المحلي الخام بـ 5 – 6.3%، وعجز بين 10% و 13%، ومع زيادة الديْن إلى 70% للناتج المحلي، مقابل 61% الموجود اليوم. ويضيف دهان أن التهديد الأمني في السبعينيات، الذي زاد النفقات العسكرية، موجود اليوم أيضا، وحينها عانى العالم من أزمة طاقة. ولكن منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم، لا يعاني العالم، بل لديه فائض لـ 50 سنة قادمة. ويؤكد غباي أن هناك فروقًا كبيرة عن عقد السبعينيات، فاليوم لا توجد مواجهة مع عدد كبير من الدول العربية، ولا يوجد عجز حكومي في الإنتاج بـ 15%، ولا عجز في ميزان المدفوعات، ولا تضخم كبير، ولا مستوى عالٍ من الدين العام. فمن كل هذه النواحي، الوضع اليوم أفضل بكثير. ويضيف ارياب، أن لدى “إسرائيل” اليوم، احتياطي عملات أجنبية يبلغ 126 مليار دولار، وهي تشكل 32% من الناتج المحلي الخام، وهو ما لم يكن في عقد السبعينيات، الذي شهد فجوة هائلة بين مصروفات الدولة ومدخولاتها، بسبب الإنفاق العسكري المتصاعد، ورفض الحكومة تقليص نفقاتها المدنية، ولجوئها لطباعة عملة ساهمت بزيادة التضخم كثيرًا (بيلوت 2020).

    توصيات مركز دراسات الأمن القومي

    نظم مركز دراسات الأمن القومي، ورشتي عمل تحت عنوان “محاكاة كابينيت الكورونا”، الأولى في 23 نيسان/ إبريل، والثانية في 27 منه، حاول فيهما التعرف على استراتيجيات مواجهة الكورونا، التي من شأنها إعادة الاقتصاد والمجتمع إلى الوضع الروتيني السابق. تناولت ورشتا العمل كيفية مواجهة المخاطر بشكل منظم وتشاركي، بين الصحة والاقتصاد والمجتمع، وآلية اتخاذ القرار. وتحدثت عن سيناريوهات بداية شهر أيار/ مايو، وفي مركزها ارتفاع عدد الإصابات الصعبة، وعدد الوفيات، نتيجة التسهيلات التي أعلنت عنها الحكومة، وضعف التزام الجمهور، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول عدد فاقدي العمل المسجلين إلى 900 ألف، مع عودة 200 ألف إلى أعمالهم، و200 ألف مستقلون ليسوا عاملين، وانخفاض الانتاج بـ 70 مليار شيكل، مع زيادة عدد المحتاجين للمساعدة النفسية، إضافة إلى إطلاق صواريخ الجهاد الإسلامي، التي سبقت ورشة المحاكاة (بارون و ييدلين 2020).

    شارك في المحاكاة مجموعة من الخبراء بأدوار وزراء وقادة أجهزة مختلفة، ولعب دور رئيس الحكومة، اللواء المتقاعد عاموس ييدلين، الذي لخص توصيات (قرارات) كابينيت المحاكاة، فأوصى بإدارة عقلانية للأزمة، مثل عودة تدريجية للعمل، وبشكل مدروس وانتقائي، بحيث يميز بين المناطق حسب حجم انتشار المرض، وبين الناس حسب درجة الخطورة، ككبار السن مثلًا. وهذا يتطلب حجمًا كبيرًا للفحوصات، وشفافية مع الجمهور، ومتحدثين جيدين لمخاطبته. وكما قال ييدلين، لا حاجة لإخفاء معلومات عن الجمهور، فالكورونا لن تسمع، ولن تعرف، ولن تتخذ تدابير بناءً على المعلومات المنشورة. ومن أهم التحديات التي ناقشها كابينيت المحاكاة، إلى جانب الاقتصاد والصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، التهديدات الأمنية، مثل الصواريخ من غزة، وغيرها، حيث يمكن لأعداء “إسرائيل”، على حد وصفهم، استغلال أزمة الكورونا، لبناء قوتهم التقليدية، وغير التقليدية، وتطويرها (بارون و ييدلين 2020).

    الخاتمة

    فاز اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، في الانتخابات التي جرت مطلع آذار/ مارس 2020، لكنه لم يحسم المعركة الانتخابية لصالحه، كما كانت تتوقع عناوين الصحف في حينه، إلا أنه في شهر نيسان/ إبريل، حسم المعركة باستسلام الخصم، وتفكك تحالفه، وانضمامه لحكومته وفق برنامجها السياسي، مقابل مغريات من المناصب والكراسي. وكان الموضوع الفلسطيني هو الأهم في برنامج الحكومة الجديدة، حيث اتفق المتعاقدون على خطوات في هذا الاتجاه، بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، ومن ثم يتم عرضها على الحكومة، وربما على الكنيست، الأمر الذي استدعى النخب والخبراء، من أمثال مركز دراسات الأمن القومي، لمناقشة الخيارات المتاحة أمام الحكومة، وتداعيات كل خيار، مع ضرورة التنسيق التام مع الأمريكان، والتفاوض مع السلطة الفلسطينية.

    كما شكل الاتفاق على تشكيل الحكومة، نقطة تحول بشأن العلاقة مع غزة، لا سيما التهدئة الطويلة، وملف التبادل. فقد كان غياب حكومة منتخبة وكاملة الصلاحيات، عائقا أمام تطور الموقف مع غزة، إيجابًا أو سلبًا، وساهم بشكل كبير في استمرار حالة اللا هدوء واللا حرب، وجولات التصعيد المتقطعة، والجمود الكامل في ملف التبادل. أما بعد تشكيل حكومة قوية، تستند إلى أغلبية برلمانية مريحة، فيمكن الحديث عن قرارات حاسمة ومصيرية، يمكن اتخاذها، لا سيما بشأن عملية التبادل.

    وفي ظل الكورونا، يتطلب الأمر الاستعداد لسيناريوهات ذهاب ترامب ومجيء بايدن للحكم، إضافة إلى مناقشة الوضع الاقتصادي الآن وبعد الأزمة، حيث حذر الخبراء من ركود وعجز عميقيْن، ودعوا إلى خروج عاقل من الأزمة، بإعادة نشاط الاقتصاد تدريجيا، مع الأخذ بكثير من الأسباب، لتقليص الأضرار بسبب العمل في ظل الكورونا.

    المراجع

    1. i24NEWS. لجنة حزب العمل توافق على انضمام الحزب لحكومة الوحدة برئاسة نتنياهو. 26 4, 2020. https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east/1587917867-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%.
    2. ادريان بيلوت. إسرائيل في طريقها إلى إضافي ضائع، لكن ما زال هناك ما يمكن عمله (يسرئيل بدرخ لعسور أبود نوساف،ابال عداين يش ما لعسوت). 28 4, 2020. https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3812550,00.html.
    3. آري هايستاين، و الداد شابيت. على إسرائيل أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن (يسرئيل حييفت لهيعرخ لافشروت شبايدي اكهين كنسي). 22 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/joe-biden-israel-relationship/.
    4. الجزيرة. تقديرات.. كورونا يكبد إسرائيل خسائر بـ13 مليار دولار. 17 3, 2020. https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2020/3/17/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%83.
    5. اليئور ليفي. أنباء:بادرة مصرية لتشجيع صفقة تبادل مع حماس (ديفوح: محفاه متسريت لكيدوم عسكات شبوييم عم حماس ). 23 4, 2020. https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5719528,00.html.
    6. امنون ابرموفيتش. هكذا فخخ نتنياهو غانتس واشكنازي (كاخ ميلكيد نتنياهو ات غانتس واشكنازي. 26 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-columns/2020_q2/Article-09ecb3d94b5b171026.htm.
    7. انارايبا برسكي. נתניהו: “ערוכים לפעול במטרה להשיב את החללים והנעדרים“. 7 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-758852.
    8. اودي ديكل، ليا موران جلعاد، و عنات كورتس. ضم برعاية الكورونا (سيفوح سوت هكورونا). 26 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/the-coronavirus-and-the-annexation/.
    9. ايتان بارون، و عاموس ييدلين. محاكاة “كبينيت الكورونا”2#-مفاهيم أساسية (سيمولاتسيت “كبينيت هكورونا”2#-توبنوت عكريوت). 27 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/corona-cabinet-2/.
    10. ايسر العيس. عريقات: ائتلاف “نتنياهو-غانتس” يهدد أمن وسلام الشرق الأوسط. 21 4, 2020. https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%A6%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D9%8A%D.
    11. تال ليف رم. مسؤولون بإسرائيل:تقدم بالمفاوضات على صفقة أسرى ومفقودين (بخيريم بيسرئيل: هتكدموت بمجعيم لعسكات شبوييم ونعدريم ). 24 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-761739.
    12. —. مصادر تزعم :”الكورونا خلقت فرصة للتقدم في جزئية الأسرى والمفقودين ” (جورميم طوعنيم:”هكورونا يتسرا هزدمنوت لهتكدم بسوغيات هشبوييم فهنعدريم “). 3 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-758027.
    13. دانييل سيريوتي. قيادي في حماس يؤكد :”مفاوضات جدية لصفقة تبادل أسرى ” (بخير بحماس مأشر:”مغعيم مشمعوتييم لعسكات حيلوفي شبوييم”). 30 4, 2020. https://www.israelhayom.co.il/article/756365?utm_source=General&utm_medium=share&utm_campaign=IHNewApp.
    14. عرب 48. نتنياهو وغانتس يوقّعان على اتفاق تشكيل الحكومة. 20 4, 2020. https://www.arab48.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%84%D8%A9/2020/04/20/%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%.
    15. عميت سيجال، و دفنا ليال. حكومة إسرائيل ال 35: الاتفاق الكامل بين نتنياهو وغانتس (ممشلات يسرئيل ه 35:ههسكيم هملي بين نتنياهو لغانتس). 20 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-politics/2020_q2/Article-71b065d6e889171026.htm.
    16. كلكاليست. 2020. https://www.calcalist.co.il/markets/articles/0,7340,L-3806531,00.html.
    17. محمد محسن وتد. بالتناوب بين نتنياهو وغانتس.. كورونا يعجل بتشكيل حكومة وحدة بإسرائيل. 20 4, 2020. https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/4/20/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%A8-%.
    18. ناصر ناصر. تقدير موقف..حكومة نتنياهو غانتس ماذا تعني؟ 28 3, 2020. https://www.palinfo.com/articles/2020/3/28/%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b3-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%86%d9%8a%d.
    19. —. غزة في حكومة الضم. 28 4, 2020. http://hadarat.net/public/post/1479#.XqlCWeE-PGs.whatsapp.
  • تقدير موقف حول فرص إجراء الانتخابات الفلسطينية

    مقدمة

    في ظل الانقسام السياسي الحاد، الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وفشل سبل المصالحة الداخلية، وفي ظل مرور القضية الفلسطينية بأخطر مراحلها، ومحاولة تصفيتها من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر2019، عن عزمه عقد انتخابات فلسطينية عامة، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، حال عودته. ومع أن استخدام تعبير”الانتخابات العامة”، يوحي أنه يشمل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، إلا أن ما تم توضيحه لاحقا، هو أن الرئيس كان يقصد الانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد قوبل هذا الخطاب بموافقة حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، على المشاركة في الانتخابات، مع تأكيدهم على أهمية إجراء الانتخابات الوطنية بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ومنذ إعلان الرئيس عباس، وحتى إعداد هذا التقدير، يسود المشهد السياسي نقاشٌ حول مدى جدية الدعوة، وملاءمة الظروف الموضوعية والذاتية، وإمكانية وجود فرصة حقيقية لإجراء الانتخابات.

    خلفيات الدعوة للانتخابات

    بعد إقدام السلطة الفلسطينية على سلسلة إجراءات عقابية ضد غزة، أعلن المجلس التشريعي في غزة، وعلى لسان نائب رئيس المجلس د. أحمد بحر، عدم شرعية الرئيس عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، وفقدان تمثيله للشعب الفلسطيني. هذا الموقف الصادر عن المجلس التشريعي في غزة، جاء قبل يوم واحد من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2018. وقد ذكر د. أحمد بحر، أن “عباس” يعتلي منبر الأمم المتحدة دون أي شرعية قانونية، أو دستورية، أو وطنية، ولا يمثل شعبنا، وإنما يمثل نفسه فقط، مؤكدا “أن من يجوّع شعبنا، وينسق مع الاحتلال، ويصر على نزع سلاح المقاومة، ويفرط بدماء الشهداء وعذابات الأسرى، ويعترف بدولة الاحتلال، ويتنازل عن حق العودة، لا يمكن أن يمثل شعبنا”. بعد ثلاثة شهور تقريبا من هذا الإعلان، أقرت المحكمة الدستورية والتي شكلها الرئيس عباس، قرار بحل المجلس التشريعي وذلك في نهاية شهر كانون أول/ ديسبمر 2018.

    خلَقَ حل المجلس التشريعي حالة من الفراغ القانوني، وعزز مركزية السلطة بشكل أكبر بيد الرئيس عباس. وقد تجسد ذلك مرة أخرى عند تكليفه الدكتور محمد اشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بعد إقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله، ورفْض حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، هذه الخطوات، واعتبارها تجاوزا للقانون الفلسطيني.

    ينص القانون الأساسي الفلسطيني على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية كل 4 سنوات. ومع ذلك، فإن آخر انتخابات رئاسية كانت قد أُجريت عام 2005، وآخر انتخابات تشريعية عام 2006. وبالتالي، فإن كلا من الرئيس محمود عباس والمجلس التشريعي، يواجهون أزمة حقيقية أمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، حول عدم تجديد شرعيتهم الانتخابية.

    فتحاويا، يواجه الرئيس عباس تحديًا حقيقيًا في كيفية إدارة القوى المنافسة له داخليا. ففي قطاع غزة، تزداد قوة محمد دحلان بشكل مستمر، خاصة بعد اصطفاف عدد من القيادات الفتحاوية المعروفة، وأعضاء من المجلس التشريعي عن حركة فتح في غزة، مثل سمير المشهراوي، وسفيان أبو زايدة، وهشام عبد الرازق معه. وتشير تقديرات بعض المحللين، إلى أن تيار دحلان، يمكنه أن يستحوذ على نسبة معتبرة من كتلة فتح الانتخابية، في حال إجراء أي انتخابات قادمة، ومشاركة التيار فيها.

    وفي الضفة الغربية، يواجه الرئيس عباس تحدي الخلاف مع القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتياره الذي برز بشكل واضح أثناء الإضراب عن الطعام “إضراب الكرامة”، الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال عام 2017، والذي قاده البرغوثي خلافا لرغبة السلطة.

    تأتي هذه التحديات الداخلية الفتحاوية، في ظل تزايد احتمال غياب عباس عن المشهد، سواء لأسباب صحية، أو لتقدمه في العمر. الأمر الذي قد يوحي بقناعة الأطراف الفتحاوية المختلفة، بأهمية تشكيل تكتلات جديدة، لسد الفراغ في حال غياب عباس عن المشهد السياسي الفلسطيني، والأمر ذاته يدفع الرئيس عباس لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي، لتعزيز استقرار الحركة من بعده.

    كذلك تأتي دعوة محمود عباس بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثانية، وعدم قدرة أي من الأطراف على تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يعزز إمكانية الذهاب لانتخابات إسرائيلية ثالثة. في هذا السياق، يمكن القول إن عدم الاستقرار الإسرائيلي الداخلي، يربك المشهد الفلسطيني باستمرار، خاصة بعد عزم نتنياهو، كما أعلن في دعايته الانتخابية، على ضم أراضي الأغوار الشمالية والمرتفعات الاستيطانية، لسيادة الاحتلال الإسرائيلي. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على موت مسار أوسلو، ووضع قيادة منظمة التحرير أمام انسداد سياسي كبير. وقد ظهر نتنياهو أكثر جدية في موضوع ضم الأغوار الشمالية، حينما أعلن عن ذلك بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد يوم واحد من إعلان وزير الخارجية الأمريكية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. 

    في قطاع غزة، تتدهور الحالة الإنسانية بسبب استمرار الحصار المفروض منذ أكثر من 12 عاما، وتستمر حركة حماس في حكم غزة في ظل ظروف اقتصادية خانقة. فطبقاً للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وصلت نسبة البطالة إلى ما يقارب 55%، ونسبة من يقبعون تحت خط الفقر ما يقارب الـ 34%. مسيرات العودة ما زالت مستمرة، وعدد الشهداء في تزايد مستمر أيضا، إذ ارتقى حتى الآن 350 شهيدا منذ بدء مسيرات العودة، في حين أصيب ما يقارب 19 ألف فلسطيني وفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان. ظرف غزة المعقد يدفع حركة حماس للبحث عن أي مخرج سياسي لتخفيف عبئ الحصار، الأمر الذي قد يجعل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بداية لذلك بالنسبة لحماس.

    الأطراف الفاعلة: الدوافع والمصالح

    هناك ثلاثة أطراف فاعلة بشكل مباشر في موضوع الانتخابات الفلسطينية، هي حركة فتح، وحركة حماس، و”إسرائيل”. أما الأطراف ذات التأثير غير المباشر، فهي المجتمع الدولي، والإدارة الأمريكية.

    يمكن التنبؤ بالأهداف التي تسعى حركة فتح إلى تحقيقها من خلال الانتخابات في هذه المرحلة الحرجة، وبناء على السياقات المذكورة أعلاه وهي:

    1. إعادة ترتيب شكل التواجد الفتحاوي في الجسم التشريعي الفلسطيني ، بما يضمن إضعاف التيارات المنافسة لمحمود عباس، أي دحلان في غزة والبرغوثي في الضفة، وبالتالي الحفاظ على استقرار حركة فتح.
    2. تجديد الشرعية الانتخابية، الرئاسية والتشريعية، محليا وإقليميا ودوليا.
    3. تحقيق عدة مصالح حزبية في ظل وجود أبو مازن، والتي قد يصعب الحفاظ عليها بعده، مثل الاستمرار في السيطرة على السلطة ومكتسباتها.
    4. البحث عن مخرج للمسار السياسي المأزوم مع الاحتلال الإسرائيلي.
    5. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني، أي حركة حماس، أو جرها لبرنامج أبو مازن السياسي.

    أما الأهداف التي تسعى حركة حماس إلى تحقيقها من إجراء الانتخابات في هذه المرحلة، فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

    1. تخفيف الحصار عن قطاع غزة، من خلال الحكومة المنبثقة عن التشريعي الجديد، حتى لو كان ثمن ذلك تخلي حماس عن الحكم في القطاع.
    2. الرغبة في تجديد شرعيتها محليا وإقليميا ودوليا، لدفع جميع الأطراف لقبول حماس كفاعل مهم، والتفكير بالتعامل معه.
    3. حلحلة الواقع المعقد لها في الضفة الغربية، وإيجاد منصات عمل سياسي وجماهيري، تعيد لها الاعتبار والحضور. والتغلب على بعض العقبات بالذات المرتبطة بالسلطة.
    4. إضعاف الخصم السياسي الفلسطيني “حركة فتح”، وإضعاف مسار التسوية.
    5. التمهيد للدخول في منظمة التحرير كلاعب مؤثر.

    أما الاحتلال، فإن مصلحته تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وهو بذلك يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:

    1. استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية كبيرة للاحتلال.
    2. الاستمرار في التمدد الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية.
    3. إنهاء الحالة السياسية الوطنية في القدس.
    4. ضمان الاستقرار الأمني، سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل.

    أما المجتمع الدولي، ومع أن الشرعية الانتخابية الفلسطينية تبدو مهمة له؛ لتعزيز مسار حل الدولتين ودعمه، إلا أنه كان قد رفض التعامل مع ما أفرزته انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، التي حصلت فيها حركة حماس على الأغلبية، وفي المقابل استمر في التعامل مع محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، حتى بعد انتهاء فترة ولايته عام 2009. الأمر الذي يعزز فكرة أن المجتمع الدولي معني بالدرجة الأولى بتعزيز مسار حل الدولتين، لكنه لن يهتم كثيرا بالشرعية التي تفرزها الانتخابات.

    وبخصوص الموقف الأمريكي، يبدو أن مصالح الإدارة الأمريكية الحالية، تنسجم مع تحقيق مصالح دولة الاحتلال المذكورة آنفًا. فالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب، اتخذت العديد من القرارات التي تدمر حل الدولتين، والتي تمثلت فيما يطلق عليه صفقة القرن. وبذلك، فإن الإدارة الأمريكية تعمل على إيجاد محدداتٍ وأطرٍ جديدة للحل، لا تراعي فيها حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبالتالي، فالإدارة الأمريكية الحالية غير مهتمة بموضوع الانتخابات، بقدر ما يهمها المضي قدما في تحقيق تفاصيل صفقة القرن.

    السيناريوهات الممكنة

    عمليا، اللاعب الأكثر تأثيرا في إجراء الانتخابات أو عدمه، هو حركة فتح، متمثلة بشكل أساسي برئيسها، ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس، الذي تتمركز السلطة بيده. فقرار عباس الذهاب للانتخابات، خاصة بعد موافقة الفصائل الفلسطينية على المشاركة، يعني أن الانتخابات ستتم إذا تم تجاوز تحدي إجراء الانتخابات في القدس. وبالتالي، من الضروري مقاربة أهداف حركة فتح والرئيس عباس في الوقت الحالي، مع المصالح المتحققة من إجراء الانتخابات. وبالتالي فالسيناروهات المتوقعة لمسار الانتخابات هي:

     السيناريو الأول: عدم إجراء الانتخابات

    يرتبط هذا السيناريو بحركة فتح، وهو يُطرح لأن تقديرات حركة فتح تشير إلى أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، لا يحقق مصلحتها في ترتيب بيتها الداخلي، بل ربما تضرها ضررا واضحا. فالدخول في الانتخابات فيه مخاطر كثيرة، خاصة إذا استطاع تيارا دحلان والبرغوثي تقوية الاصطفاف الداخلي لصالحهما. ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، حسب بعض قيادات الحركة، يمكن أن يتم بطرق أخرى أكثر فعالية، وأقل مخاطرة، وأقل خسارة على المدى الاستراتيجي، لأن الانتخابات لا تعني بالضرورة قدرة حركة فتح على الفوز في المجلس التشريعي، أو حتى إبقاء محمود عباس، أو غيره، في رئاسة السلطة. يتعزز هذا الاحتمال في ظل وجود مؤشرات على افتقاد حركة فتح لقاعدة شعبية واسعة، خاصة في الضفة الغربية، نتيجة لانسداد المسار السياسي، واستمرار التنسيق الأمني، والتضييق على الحريات العامة، وتدهور الحالة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تأتي الانتخابات لصالح الخصم السياسي لحركة فتح، أي حركة حماس، في حال حصولها على أغلبية، أو حتى على نسبة جيدة تمكنها من إعادة ترتيب صفوفها الداخلية، واستعادة شرعيتها في الضفة الغربية، وبالتالي عودة فعاليتها ونشاطها فيها، بعد أن تم تقويضها لأكثر من 12 سنة، وهو الأمر غير المرغوب فتحاويًا، لذلك ليس من مصلحة فتح إجراء الانتخابات.

    أما مصلحتها في البحث عن مخرج لمسار التسوية المأزوم، فإن ذلك يشكل دافعًا آخر لحركة فتح في عدم إجراء الانتخابات، إذ أن المشهد السياسي في “إسرائيل”، يشير بنسبة كبيرة إلى خروج نتنياهو من هذا المشهد، سواء بسبب توجيه الاتهام له بالفساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي، أو بسبب المشهد المعقد الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة. وبالتالي، فإن المؤشرات تسير باتجاه بيني غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن غانتس يُحسب على اليمين الوسط، إلا أنه من ناحية أولية لا يعارض العودة إلى المفاوضات مع أبو مازن. من هنا، فإن إجراء الانتخابات الفلسطينية، وحصول حماس على شرعية جديدة، وربما شرعية تعزز قوتها في المشهد الفلسطيني، يدفع أبو مازن إلى عدم إجراء الانتخابات، وذلك من أجل أن يذهب إلى المفاضات دون وجود مجلس تشريعي، ولا معارضة، ولا “وجع راس” كما يُقال.

    على المستوى الإقليمي والدولي، من المرجح عدم وجود رغبة دولية لإعطاء حماس فرصة لتجديد شرعيتها في المشهد الفلسطيني، وتعزيز حضورها من جديد، وخاصة في الضفة الغربية. كما أن الجدية تجاه إجراء الانتخابات لاعتبارات الديمقراطية وشرعية المؤسسات، تبقى محل تساؤل، حيث تعامل المجتمع الدولي مع غياب هذه الحالة لأكثر من عقد من الزمن، ورضي بالوضع القائم، الذي هو بعيد كل البعد عن المعايير الديمقراطية، التي يتغنى بها المجتمع الدولي.

    إضافة إلى ذلك، فإن مصالح دولة الاحتلال، المتمثلة في إبقاء الانقسام، واستمرار الاستيطان، والحفاظ على الأمن، وإنهاء الحالة الوطنية في القدس، تتحقق بشكل أكبر من خلال عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية. كما أن الوضع الداخلي الإسرائيلي الحالي، يختلف عما كان عليه عام 1996، وعام 2006، حينما أُجريت الانتخابات الفلسطينية الأولى والثانية، وسمحت “إسرائيل” وقتها بمشاركة فلسطينيي القدس في الانتخابات. اليوم الوضع مختلف كثيرًا، حيث يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، واليمين المتشدد، الذي ينظر إلى القدس بحساسية شديدة. كما أن “إسرائيل” اليوم لا تبالي بالمجتمع الدولي ، ولا بالعالم العربي المتناحر، ولا بالأمم المتحدة ، ولذا فليس من المستبعد أن تمنع “إسرائيل” فلسطينيي القدس من المشاركة في الانتخابات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي سوف يتسبب في رفض الفلسطينيين لإجراء الانتخابات دون القدس، سواء كان ذلك لأسباب وطنية جوهرية، أو فرصة للتنصل من الانتخابات لدى من لا يرغبون فيها. هنا يُذكر أن “إسرائيل” اعتقلت نواب القدس عن حركة حماس، ووزير القدس في حكومة حماس، وأبعدتهم عن القدس إبعادًا دائمًا، وسحبت هوياتهم، دون أن يحرك أحد ساكنًا، وأصبح الأمر واقعًا قائمًا.

    باختصار، فإن مصلحة عباس، والإقليم، والمجتمع الدولي، وحتى “إسرائيل”، تكمن في عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية، وتتطلب العمل على تحجيم حماس وشرعيتها، إلا إذا كان لديها الاستعداد للانخراط في عملية التسوية السياسية، وهو ما لا تدعمه أي مؤشرات.

    وفي هذا السياق، قد يظهر تخوف حماس غير المعلن في حال مشاركتها في الانتخابات، فإذا فازت في الانتخابات التشريعية مرة أخرى، فستواجه تحديًا في استحقاقات هذا الفوز، وخاصة تكرار تجربة عام 2006، والحصار الذي فرضه العالم على حكومتها، وعلى أعضائها في المجلس التشريعي. وإذا خسرت الانتخابات، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضعافها، وزيادة الضغط عليها، وعلى برنامجها.

    السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات

    تمر القضية الفلسطينية بواحدة من أسوأ مراحلها، نتيجة الدعم اللامتناهي من الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو، لتصفية العديد من ملفات الحل النهائي، كالقدس، واللاجئين، والاستيطان. يأتي ذلك كله في ظل استمرار حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني الداخلي. المؤكد هو أن هذه الحالة أضعفت جميع الأطراف الفلسطينية سياسيا، وأن الرئيس عباس تحديدا، بات يواجه تحديات على عدة مستويات: فلسطينيا وفتحاويا، ويحتاج إلى أكبر حشد شعبي للوقوف خلفه لمواجهة هذه التحديات، وخاصة صفقة القرن، وموت مسار أوسلو. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، يسعى الرئيس عباس إلى إقناع الأطراف المختلفة، بأن الكل الفلسطيني ما زال مقتنعا بحل الدولتين، وهذا ما ذكره بشكل واضح في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، حينما أشار إلى أنه ما زال مؤمنا بأن الحل الوحيد، هو حل الدولتين. إن صح هذا التوقع، فهذا يعني أن عباس يريد العمل على احتواء حركة حماس، وكسب حشدها الشعبي، لتقوية موقفه في مواجهة صفقة القرن، وتوظيف ذلك في الدعوة للعودة إلى مسار التسوية. ما يرجح هذا السيناريو كذلك، حديث بعض القيادات من حركة فتح عن إمكانية الترشح للانتخابات، بقائمة واحدة مشتركة بين حماس وفتح. قبول حماس بذلك، قد يعزز موقف الرئيس عباس في تحقيق ما يراه مصالح وطنية، وربما مصالح حزبية فتحاوية، مثل ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، وجر حماس، ولو بشكل غير مباشر، إلى مسار التسوية، أو استخدامها في تحقيق ذلك. لكن من الجدير ذكره، أن هذا السيناريو يتطلب من حماس قبولها الترشح في الانتخابات بقائمة مشتركة مع فتح.

    أما على صعيد حركة حماس، فإن إجراء الانتخابات عموما، يحقق جملة من المصالح، أهمها التحلل، أو التخفيف من عبء إدارة قطاع غزة في ظل الحصار الخانق عليه، سواء بتحمل حركة فتح هذا العبء، إذا أفضت نتائج الانتخابات إلى حصولها على الأغلبية، أو بمشاركة الأطراف الفلسطينية الأخرى في إدارة القطاع. وفي حال تحقق سيناريو إجراء الانتخابات، وفوز حركة حماس بالأغلبية، أو حتى حصولها على مقاعد معتبرة في المجلس التشريعي، فستعتبر حماس ذلك فرصة ومدخلًا لتعزيز وجودها في الضفة الغربية، وزيادة احتمال دخولها في منظمة التحرير، وبالتالي تعزيز شرعيتها مرة أخرى في الساحة الفلسطينية والدولية. 

    السيناريو المرجح

    بإجراء مقاربة موضوعية للسيناروهات المحتملة، فإنه السيناريو الأول، وهو عدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في المرحلة الحالية، هو الأكثر احتمالًا، وذلك للاعتبارات التالية:

    • رغبة حركة فتح في عدم تعميق أزمتها الداخلية من خلال المشاركة في الانتخابات.
    • ضعف فرصة حركة فتح في الفوز بأغلبية في الانتخابات التشريعية.
    • رغبة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وربما الإقليم والمجتمع الدولي، بعدم تجديد الشرعية لحركة حماس.
    • معارضة دولة الاحتلال وعدم سماحها بإجراء الانتخابات في القدس.
    • رغبة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الحالية في استمرار الانقسام الفلسطيني.
    • عدم جدية المجتمع الدولي في ضغطه باتجاه إجراء الانتخابات.

    بالرغم مما يُقال عن وجود ضغوط دولية على الرئيس عباس لانتخاب مجلس تشريعي جديد بعد حل المجلس الأخير، فإن الرئيس عباس سيعمل على إقناع العالم بمخاطر الانتخابات، لأنها قد تسفر عن عودة حماس مرة أخرى إلى النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي سيخلق انعكاسات لا يريدها المجتمع الدولي. ورغم ما يُقال أيضا عن استحقاق مهم يسعى إليه الرئيس عباس في أيلول/ سبتمبر القادم، وهو التقدم إلى الأمم المتحدة بمشروع حصول فلسطين على العضوية الدائمة، وما يتطلبه ذلك من وجود برلمان منتخب، فإن الرئيس عباس يفضل تأجيل الموضوع إذا كانت الانتخابات ستُظهره ضعيفًا، أو لا يمثل الكل الفلسطيني.  

    الاعتبارات المذكورة ترجح أن دعوة الرئيس عباس للانتخابات، جاءت كمناورة سياسية لإحراج حركة حماس، وكرسالة دعائية لتطمين المجتمع الدولي. لكن إعلان حركة حماس والفصائل الفلسطينية، الاستعداد للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فاجأت الرئيس وحركة فتح. ولكن رغم التصريحات الإيجابية تجاه استحقاق الانتخابات، إلا أن الرئيس عباس وحركة فتح، سيخلقون المبررات لعدم إجراء الانتخابات في هذه المرحلة.

  • قراءة قانونية حول مجريات التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية بجرائم عدوان 2014 على قطاع غزة

    بقلم: أ. وسيم جابر الشنطي*.

    تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة للعدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2014، والذي يصادف 8/7/2019، والذي نتج عنه انتهاكات جسيمة لشتى قوانين الحرب أسفرت عن استشهاد 2,219 مدني فلسطيني، من بينهم 556 طفل، و299 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 11,036، من بينهم 2,647 طفل، و1,442 إمرأة.

    في 16/1/2015، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إجراء دراسة أولية للوضع في فلسطين، وتقوم المدعية العامة بإجراء الدراسة الأولية بموجب نظام روما الذي نصت المادة 53 منه على “يشرع المدعي العام في التحقيق، بعد تقييم المعلومات المتاحة له، ما لم يقرر عدم وجود أساس معقول لمباشرة إجراء بموجب هذا النظام الأساسي”. ومن خلال تلك الدراسة يقوم مكتب المدعية العامة بتقييم أولي للمعلومات التي تلقاها، ويصنفها للتحقق من كونها تقع في نطاق اختصاص المحكمة أم لا، ويقوم مكتب المدعي العام بدراسة القضايا المتصلة بمسألة اختصاص المحكمة من عدمه في الجرائم المزعومة، كما يتم دراسة ما يتعلق بمسألة مقبولية القضية.

    وحسب نظام روما لا يوجد مدة محددة لإتمام الدراسة الأولية، مما يعني أن المدعية العامة ليس لها موعد نهائي محدد، ومن الممكن أن تستمر لعدة أعوام، ويعتمد ذلك على جهود مكتب المدعي العام، فمنذ سنة 2015 والمدعية العامة للمحكمة تجري دراسة أولية فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية والجرائم المرتكبة خلال عدوان 2014، وبناء على الحالات الأخرى، فعلى ما يبدو أن المدعية العامة تحتاج وقت أطول من ذلك بكثير لإنهاء الدراسة الأولية التي تقوم بها. ففي أفغانستان بدأت المدعية العامة دراستها الأولية سنة 2007 وأنهتها سنة 2019، وفي كولومبيا يخضع الوضع للدراسة الأولية منذ سنة 2004، وفي غينيا منذ سنة 2009، وفي نيجيريا منذ سنة 2010، وما زال الفحص في تلك الدول مستمر حتى اليوم، وهذا ما يعطي انطباع أن الدراسة الأولية التي تجريها المدعية العامة فيما يتعلق بالحالة في فلسطين ستستمر أعواماً أطول، الأمر الذي من شأنه أن يقوض مصداقية مكتب المدعية العامة في نظر المجتمع الفلسطيني، في حين أن المزيد من التأخير في بدء التحقيقات قد يؤدي إلى مشكلات عملية عديدة تجعل تحقيق العدالة أكثر صعوبة. ومع تقديرنا لازدحام جدول الأعمال لدى مكتب المدعية العامة، إلا أنه يجب أن لا يتسبب في تأخير فتح تحقيق في الحالة الفلسطينية، وفي السعي لإسقاط الإفلات من العقاب، وعلى الدول أعضاء المحكمة الجنائية الدولية تصعيد الدعم للمحكمة لضمان نيل جميع ملفات الفحص التمهيدي التي فتحتها المدعية للاهتمام المستحق.

    وذكرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في تقريرها المنشور حول أنشطة الدراسة الأولية لسنة 2018: “أن الدراسة الأولية ما زالت في المرحلة الثانية، وأنها تلقت أكثر من 125 بلاغاً فيما يتعلق بالحالة في فلسطين منذ 13 حزيران 2014، وأن مكتبها يواصل النظر في المذكرات والمعلومات المتاحة بشأن المسائل المتصلة بممارسة المحكمة لاختصاصها الإقليمي والشخصي في فلسطين”. وفيما يتعلق بالعدوان على غزة عام 2014 ذكرت المدعية العامة أنها تركز في دراستها على بعض الحوادث المبلغ عنها من بين آلاف الحالات التي وثقها مكتبها سابقاً، وأن مكتبها “اختار الحوادث الخطيرة جداً على المدنيين والتي تتوفر بشأنها مجموعة من المصادر والمعلومات الكافية”. وذكر التقرير أن مكتب المدعية أحرز تقدماً كبيراً في تقييم المسائل القانونية اللازمة لتقرير إن كان هناك أساس معقول للشروع في إجراء تحقيقٍ من عدمه، وأن الدراسة الأولية ما زالت مستمرة.

    الخيارات المتوقعة بعد انتهاء الدراسة الأولية:

    بعد انتهاء المدعي العام من الدراسة الأولية، يعلن إن كان سيجري تحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة خلال عدوان 2014، أم سيرفض إجراء التحقيق، ويغلق الملف.

    وبعد انتهاء الدراسة الأولية، ستحدد المدعية العامة كيف تتعامل مع الحالة الفلسطينية داخل المحكمة، خصوصاً في ظل وجود إحالة من قبل دولة فلسطين، ووجود إعلان صادر عن دولة فلسطين بموجب الفقرة الثالثة من المادة 12، والذي بموجبه قد قبلت فلسطين اختصاص المحكمة، بدءاً من تاريخ 13/6/2014. وقد وضعت فلسطين الإعلان بأثر رجعي حتى يستطيع المدعي العام التحقيق بجرائم الحرب المرتكبة في العدوان على غزة سنة 2014.

    1. في حال قررت المدعية العامة معاملة الإعلان الصادر بموجب الفقرة الثالثة من المادة 12 على أنه منفصل عن الإحالة، ففي هذه الحالة يجب على المدعية العامة أخذ الموافقة من الدائرة التمهيدية للمحكمة قبل مباشرة التحقيق، ويكون للدائرة التمهيدية الخيار بين الرفض والقبول، وفي حال رفضت الدائرة التمهيدية إجراء تحقيق، فتستطيع المدعية العامة تقديم طلب جديد للدائرة التمهيدية يحتوي على وقائع وأدلة جديدة. والجدير بالذكر أن الدائرة التمهيدية رفضت مؤخراً بالإجماع طلب المدعية العامة فاتو بنسودة Fatou Bensouda في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، فتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح الوحشي في أفغانستان.

    2. في حال قررت المدعية العامة التعامل مع الإحالة، واعتبرت الإعلان بمثابة إحالة، فلا يلزم موافقة الدائرة التمهيدية لإجراء التحقيق، وهذا ما أكدت عليه المدعية العامة في بيان صحفي صدر عنها سابقاً “الإحالة لا تؤدي تلقائياً إلى بدء التحقيق، ومع ذلك، إذا قررتُ أخيراً أن الحالة المحالة تُبرر إجراء تحقيق وفقاً للمعايير الواردة في النظام الأساسي، نتيجة لهذه الإحالة، لا يتطلب النظام الأساسي أن يطلب المدعي العام الإذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة من أجل الشروع في التحقيق”.

    3. تستطيع المدعية العامة أن تقرر من تلقاء نفسها عدم فتح تحقيق، وفي حال قررت عدم فتح التحقيق في حالة معينة، فبإمكان الدولة تقديم مستندات وأدلة أخرى لإقناعها بإعادة فتح دراسة أولية مرة أخرى، وهذا ما حدث في الحالة العراقية؛ حيث قرر المدعي العام للمحكمة سنة 2006 لويس مورينو أوكامبو Luis Moreno Ocampo، عدم فتح تحقيق رسمي قائلاً أنه على الرغم من وجود سند معقول للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب، فليس عددها كافياً لدفع المحكمة الجنائية الدولية للتدخل. وبعد تلقيه مراسلات أخرى أكثر استفاضة قرر في كانون الثاني/ يناير 2014 إعادة فتح الدراسة الأولية للحالة في العراق.

    4. في حال رفضت المدعية العامة فتح تحقيق فيما يتعلق بعدوان 2014، وكان سبب رفض التحقيق مستنداً إلى اعتبارات مصالح العدالة، فتستطيع فلسطين أن تقدم التماساً للدائرة التمهيدية من أجل عمل مراجعة صارمة للقضية. أما إن كان قرار رفض فتح التحقيق بسبب المقبولية؛ ففي هذه الحالة لا يمكن للدائرة التمهيدية إلا أن تطلب من المدعي العام إعادة النظر دون أن تأمره بذلك.

    إن ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية بمثابة معركة قانونية معقدة، لا بدّ لإنجاحها من جهد عربي وإسلامي موحد، مدعم بقدرات قانونية ومالية كبيرة، وجهد مثابر، من دون أي مراعاة لضغوط الدول الكبرى؛ لأن حقوق الضحايا لا يمكن إخضاعها بأي حال من الأحوال لأي ضغط خارجي.

    وبعد كل هذه الأعوام الطويلة من الإفلات من المحاسبة والعقاب، حان الوقت للمسؤولين عن الجرائم الخطيرة بحق الفلسطينيين، أن يدفعوا الثمن، وعلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية المضي قدماً في التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل الإسرائيليين لتتحقق للضحايا العدالة، التي كانت صعبة المنال وحتى الآن، ودون إحقاق العدالة، سيبقى عدوان غزة لسنة 2014 جرحاً نازفاً.

    * أ. وسيم جابر الشنطي، محامي وباحث قانوني. حاصل على درجة الماجستير في القانون العام من الجامعة الإسلامية بغزة سنة 2017.

  • مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    English_Versionيسر مركز الزيتونة أن يقدم للقارئ الكريم التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015 الذي يصدر للمرة التاسعة على التوالي. ويعالج التقرير القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول استشراف المسارات المحتملة.

    ويُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية التي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطورات القضية الفلسطينية على مدار عامين كاملين، مع التزامه بدقة بالمعايير العلمية والمهنية، بالإضافة إلى غناه بالمعلومات والإحصاءات المحدّثة الدقيقة، وتدعيمه بعشرات الجداول والرسوم البيانية، فضلاً عن الرؤى الاستراتيجية والاستشراف المستقبلي للأحداث.

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 392 صفحة
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016
    – السعر: 20 $
    – ردمك: 9-49-572-9953-978
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

      PSR-14-15_Ar-Cover-3d

     

    وجاء تقرير هاتين السنتين في 392 صفحة من القطع المتوسط. وقد شارك في كتابته 12 باحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وأشرف على مراجعته أربعة مستشارين، وقام بتحريره د. محسن محمد صالح. ويتألف من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/6/2016


     >> للاطلاع على ”الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015“، اضغط هنا

     

  • مقال: ”لعبة“ المصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لست متفائلاً بنجاح المصالحة الفلسطينية بالشكل الذي هي عليه، وإن كنت من أشد الراغبين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية؛ وفي جمع طاقات الشعب الفلسطيني ضمن برنامج عمل جاد موجّه ضدّ العدو الصهيوني، ويوقف استنزاف طاقاتهم في نزاعاتهم الداخلية.

    محمود عباس وقيادة حركة فتح يديرون المصالحة ”كلعبة“، تهدف في النهاية إلى تطويع حماس تحت قيادتهم للشعب الفلسطيني، وتحت سقف التزاماتهم السياسية والأمنية وفق اتفاق أوسلو.

    وفكرة ”الإدارة“ وليس ”الحل“ مشابهة إلى حدٍّ كبير لعملية إدارة ”إسرائيل“ للعبة التسوية السلمية مع عباس وفتح، لتطويعهم في النهاية لإرادة الاحتلال وتصوراته للحكم الذاتي الفلسطيني.

    ويبدو ”هجوم المصالحة“ الحمساوي في الآونة الأخيرة ”حباً من طرف واحد“، سيحرج قليلاً قيادة فتح (التي هي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لكنها ستقوم باستيعابه.

    ثم يتم تحقيق ما يمكن من مكاسب على الأرض بناء عليه، مع إفراغ المصالحة القائمة على الشراكة الوطنية من محتواها؛ ثم إعادة تصعيد الأزمة بحشر حماس في زاوية عدم الاستجابة لمتطلبات جديدة للمصالحة حسبما ترتئيها قيادة فتح.

    والذين هللّوا لنجاح المصالحة هذه المرة… ربما استعجلوا كثيراً، لأن الأمر بدا من ناحية وكأن حماس كانت هي العقبة وأن إجراءاتها ستحل المشكلة، ولأنهم من ناحية ثانية لم يعطوا التقدير الحقيقي لجوهر الخلاف الفلسطيني.

    ***

    يبدو موضوع المصالحة وكأن شخصين اتفقا مضطرين على ركوب سيارة واحدة، واضطر أحدهما للتسليم للآخر بأن يجلس خلف مقود السيارة، غير أن السيارة لم تستطع التحرك لأن كلاً منهما اختار اتجاهاً لمسار السيارة معاكساً لمسار زميله؛ ورأى كل منهما أن الموافقة على تحرك أي منهما بالاتجاه الذي يريده تعني دمار السيارة وضياع الوقت والفرص.

    واختلفا في الدليل ”المانيول“ الذي يمكن الرجوع إليه، كما اختلفا في قوانين السير التي سيلتزمان بها في تحرك السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية على الطريق، واختلفا إن كانا سيعبئانها بالبنزين أو بالديزل؛ كما اختلفا في من يمكنه أن يركب معهما.

    وعندما حانت لحظة الركوب، اختلفا على نوع السيارة إن كانت صناعة وطنية أم إقليمية أم أجنبية. كما اختلفا على كيفية تغطية تكاليفها، ومن الجهة التي ”سترعاها“ وستقوم ”بصيانتها“، ومن أين سيحصلون على قطع غيارها!!

    إن أخطر ما في الأمر أن اختلاف الاتجاه يفقد أي شخصين ابتداء مبرر ركوب سيارة واحدة؛ وكذلك فإن اختلاف الاتجاه في المصالحة، يفقد الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مشروع وطني جاد.

    هذا النوع من شراكات ”الضرورة والاضطرار“ يسهل نسفه وإفشاله، في أي فرصة يشعر فيها أي طرف بعدم حاجته للطرف الآخر، أو عندما تحين له الفرصة للاستقواء بقوى خارجية لتركيع وتطويع وتهميش شريكه.

    وهذا النوع من الشراكة يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس القضايا الجوهرية والكبرى. فإذا كانت ثمة رغبة في إدارة من هذا النوع، فلتتم مصارحة الفلسطينيين والعالم بذلك، حتى نخفض سقف التوقعات، ولنتعامل مع الأمر ”كإدارة أزمة“ وليس ”كإدارة شراكة“.

    ***

    يُبَسِّط عدد من المحللين الخلاف الفلسطيني في كونه ”صراعاً على السلطة“؛ ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني؛ مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.

    إذ لو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكنت تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة ”المتصالحة“ بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والشورية… والتداول السلمي للسلطة.

    جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني)، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي إدارة الأطر الوطنية الكبرى.

    ومما يعقد المشكلةَ التدخلُ الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يُعقِّدها عدم وجود الجميع تحت بنية مؤسسية جامعة يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.

    هناك اختلاف على الثوابت نفسها وأولها تعريف فلسطين نفسها؛ فقيادة فتح تنازلت عن نحو أربعة أخماس فلسطين التاريخية واعترفت بـ”إسرائيل“ وشرعيتها، وبنت برنامجها على أساس حل الدولتين؛ بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“.

    وبناء على ذلك، دخلت فتح في اتفاقيات أوسلو التي فرضت عليها التزامات حقيقية مرتبطة بالتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ومحكوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالشروط الإسرائيلية الأميركية الغربية.

    فقد أملت حركة فتح من ذلك تحويل هذا الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في بضع سنين، لكنها تجد نفسها بعد 24 عاماً تدير سلطة تخدم أغراض الاحتلال أكثر مما تخدم تطلعات الشعب الفلسطيني.

    وفي الوقت نفسه، فإن قيادة فتح وأنصارها أعادوا إدارة حياتهم ”النضالية“ ضمن سقف السلطة في رام الله، وتكونت طوال سنوات شبكة من المصالح وطريقة حياة اجتماعية اقتصادية تحت هذا السقف.

    أما حماس ومعها باقي الفصائل العشر فقد رفضت اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها، وتابعت المقاومة المسلحة؛ وعندما اضطرت للتعامل أو التعايش مع السلطة الفلسطينية حاولت السعي ”لتثويرها“ أو تطوير دورها في خدمة الشعب الفلسطيني دون دفع استحقاقات أوسلو.

    وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركان وحلفاؤهم… الذين يضعون الالتزام بشروط الرباعية الدولية الأربعة (وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ووقف المقاومة، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير بشأن مسار التسوية السلمية).

    وهو ما يضع حماس أمام طريق مغلق في قيادة السلطة أو في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم، حيث ستُتخذ إجراءات الحصار والإسقاط والإفشال ضدها.

    وهو ما يعني أن برنامج المصالحة أو الشراكة الذي سينزل على الأرض يجب أن يتضمن قبولاً -ولو ضمنياً- من حماس بأن الأمور المرتبطة بالقيادة والعمل التنفيذي والأجهزة الأمنية والعلاقات السياسية، هي أمور من تخصص فتح أو مَن يَقبل بما قبلت به فتح. أي أن المطلوب في النهاية أن تبقى حماس على الهامش مهما كان حجمها وشعبيتها، إذا أرادت لمسار المصالحة الحالي أن يسير.

    إن إدارة حماس لملف المقاومة ومتابعته سيعني بالنسبة لفتح خرقاً لالتزاماتها كقيادة للسلطة، وستَعدُّ المقاومة معوقاً لمسارها السياسي الوطني في الوصول إلى اتفاقيات تؤدي إلى تطبيق حل الدولتين، وبالتالي ستسعى إلى تفكيك المقاومة وضربها تحت ستار ”سلطة واحدة… قرار واحد… أمن واحد“؛ فالسلطة في جوهرها هي عملية احتكار للقوة.

    أما استمرار فتح في مسار التسوية السلمية فسيعني بالنسبة لحماس استمراراً في ”المسيرة العبثية“ لاتفاق أوسلو، وتضييعاً للحقوق والثوابت الفلسطينية، وتمكيناً للاحتلال من فلسطين؛ وبالتالي فإن حماس لن تتخلى عن مقاومتها وسلاحها.

    وعلى ذلك، لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه فتح -بعد استلام إدارة قطاع غزة- إلى محاولة السيطرة على الجوانب الأمنية والعسكرية وتفكيك العمل المقاوم؛ كما لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه حماس لتوسيع وتقوية وتنشيط العمل المقاوم في الضفة الغربية، وهو ما سيؤدي -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهات وأزمات تقود إلى إفشال المصالحة.

    ***

    منذ نحو خمسين عاماً (صيف 1968) وحركة فتح تحتكر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسلوك قيادتها على الأرض لا يقدم نموذجاً مشجعاً لديمقراطية شفافة أو شراكة أكفاء.

    وعندما وقعت قيادة فتح اتفاق أوسلو لم تعبأ بالمعارضة الفلسطينية الشعبية والفصائلية الواسعة لها (الفصائل العشر)، وقامت باحتكار قيادة السلطة الفلسطينية وإدارتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية منذ إنشائها. وعندما فازت حماس في انتخابات 2006 لجأت قيادة فتح إلى نزع صلاحيات أساسية من المجلس التشريعي ومن الحكومة، فضلاً عن تعطيل وإفشال حكومة حماس.

    ومنذ حصول الانقسام وسيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على القطاع سنة 2007؛ وقيادة فتح تعطي الشرعية لرئاسة السلطة وللحكومة التي يشكلها رئيس السلطة. أما المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية للحكومة ويحاسبها ويسقطها، فإنها تمنع انعقاده منذ عشر سنين.

    وذلك لمعرفتها مسبقاً أيّ حكومة ستأخذ الشرعية وأي حكومة ستسقط، وأي حكومة سيُقرر أنها حكومة ”انقلاب أسود“، وأي أجهزة أمنية سيحاسب ويضبط معاييرها ومسارها، وأي مدراء ومسؤولين وموظفين سيضع معايير تعيينهم أو إنهاء خدماتهم. وبالطبع فإن قيادة فتح تستفيد من بيئة عربية ودولية داعمة لها، بسبب التزامها بأوسلو واستحقاقاته.

    بالنسبة لقيادة فتح وللدول العربية والأجنبية الممسكة بالملف الفلسطيني، فإن فوز حماس في الانتخابات القادمة لا يعني سوى إعادة إنتاج للأزمة من جديد بالحصار والإفشال والتعطيل.

    وبالتالي فمن المرجح ألا تُجرى انتخابات لا تضمن فتح الفوزَ فيها، بعد أن تعلمت الدرس من الانتخابات السابقة؛ لأن المطلوب من الانتخابات هو نزع شرعية التمثيل الشعبي من حماس وخط المقاومة، وليس ”إعادة إنتاج الأزمة“ مرة أخرى. وهذه هي خلفية تأجيل الانتخابات البلدية السنة الماضية.

    وحكومة عباس/ رامي حمد الله تريد تسلُّم قطاع غزة بصلاحيات كاملة، وهو ما وافقت عليه حماس مؤخراً؛ ولكن حكومة عباس لم تقدم شيئاً في إطار الشراكة الحقيقية. والعقلية نفسها تحكم إدارة منظمة التحرير، وعلى حماس ألا تتوقع شراكة حقيقية فيها حتى لو فازت في الانتخابات القادمة.

    لقد تعاملت قيادة فتح ببرودة مع تنازلات حماس في قطاع غزة، وهي ترى أن هذه التنازلات إنما جاءت بسبب نجاح إجراءاتها (هي وحلفائها) في خنق قطاع غزة ووضعه في حالة انهيار اقتصادي، وبعد أن تستقر لها الأمور وتشعر بأنها في وضع أقوى ستقوم لاحقاً بالسعي للسيطرة على الأجهزة الأمنية وتفكيك العمل المقاوم.

    ***

    لن تكون هناك مصالحة حقيقية ما دامت عقليات كهذه تدير القيادة الفلسطينية، وما دامت تستفيد من بيئة عربية ودولية وإسرائيلية تتوافق أو تتقاطع معها في التعامل مع حماس وقوى المقاومة.

    وبالتالي، لن تكون هناك مصالحة حقيقية إذا لم يحدث تقدُّم حقيقي في الاتفاق على:

    – مرجعية ومبادئ وأسس تحكم الأطراف (ميثاق وطني مثلاً).

    – برنامج سياسي تُبنى عليه أولويات المرحلة، ويتم التعامل فيه بمعايير واضحة تجاه مسار التسوية ومسار المقاومة.

    – آلية حقيقية لاستيعاب جاد لكافة القوى الفلسطينية بالداخل والخارج في منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتهم في تفعيلها وإعادة بنائها، وعلى أسس تعكس أوزان القوى الحقيقية، وتستفيد من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني.

    – استعداد جاد من كافة الأطراف لإدارة الاختلاف بشكل حضاري تحت سقف واحد، وبما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويمنع التدخل الخارجي وخصوصاً الإسرائيلي الغربي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

    وهذا من الناحية العملية يستحيل أن يكون تحت سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته، ودون مراجعة تجربة السلطة الفلسطينية وإعادة توجيهها وتوظيفها بشكل يخدم إرادة الشعب الفلسطيني، وليس إرادة الاحتلال الإسرائيلي.

    ***

    في مقابلة قائد حماس في غزة مع شباب القطاع؛ قال -حسبما نقلته وكالة ”سما“- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جداً من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون ”صاعقاً ومفاجئاً أكبر من الذي قبله“؛ وقال إنه ”سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس أو غيرها“.

    لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبّر بدقة عن قرار حماس المؤسسي، إلاّ أنها تصريحات تبرز مدى جدية حماس في تحقيق المصالحة. غير أن ما نخشاه وما نرجو ألا يحدث هو أن يجد السنوار -في نهاية المطاف- أن الطرف الذي يحتاج إلى كسر عنقه (لأنه يعوق المصالحة كما يفهمها) هو الطرف نفسه الذي سيقدم له تنازلات كبيرة جداً!! وأننا قد نعود إلى المربع الأول من جديد.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 2/10/2017