• المشهد العراقي بعد اغتيال قاسم سليماني

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

         المشهد العراقي، كما لا يخفى كان مسرحًا للعملية الأمريكية ضدّ إيران، فإنه من المتوقع أن يستمر كساحة للحرب بالوكالة بين (طهران، وواشنطن) في الوقت الذي يزداد فيه احتمال نشوب عمليات أخرى وضربات جديدة، وخاصة في ظلّ تمركز العديد من القوات الأمريكية هنالك، واستمرارها بالوعيد والتهديد لإيران وقوات الحشد الشعبيّ.

         لقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، فجر يوم جمعة 3/1/2020، مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” في بغداد، بناء على توجيهات من الرئيس دونالد ترامب مباشرة، في مؤشر لتغيير قواعد اللعبة، بحسب “مارك أسبر” وزير الدفاع.

        ويعتبر اغتيال سليماني تغييراً ملحوظا في قواعد الاشتباك، حيث اتّخذت الولايات المتّحدة قرارها السياسي بقتل سليماني، وهو القيادي الإيراني الأبرز، ومدير عمليات إيران خارج حدودها.

           جاء اغتياله بعد تصعيد حادّ بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران والفصائل المدعومة من قِبلها في العراق من جهة أخرى، في أعقاب مقتل مقاول عسكري أميركي في هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في كركوك / العراق، فحمَّلت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عنه، وردَّت الولايات المتحدة بهجوم جويّ على فصائل حزب الله العراقي المدعومة من إيران، وهاجم أنصار الحزب السفارة الأمريكية في بغداد، على إثره.

         ولكن لابد من سائل يسأل لماذا هذا الإعلام والضجة والصراخ على مقتل قاسم سليماني؟ فكم يقتل أبرياء في ساحات الاعتصام السلمية ولم نسمع صوتا واحدا؟!! ولم يحضر رئيس الوزراء إلى مجلس النواب بالرغم من طلبه لأكثر من مرة؟ فهل هانت دماء العراقيين لهذا الحدّ فليس لها حرمة ولا قيمة؟!!!

    من هو قاسم سليماني؟

         أحيط هذا الرجل بهالة كبيرة من خلال الدعم والصلاحيات والثقة العالية التي منحه إياها ما يسمى ب (ولي الفقيه)، حيث أصبح العقل المدبر للعمليات الإرهابية التي ينفذها فليق القدس، وهو المسؤول الأول عن تفتيت المنطقة برمتها! يستمد أهميته في الساحة الإيرانية من خلال قدرته على خلق تحالفات جديدة وغريبة لخدمة أهدافه، فهو بارع في التمدّد وحياكة المؤامرات، من خلال استخدام الرشاوي المالية لاستمالة السياسيين واستئجار المرتزقة وتخويف الخصوم أو المترددين في تنفيذ رغباته، وإنشاء المليشيات وتسليحها، وتنفيذ الاغتيالات…

           تبنّى سليماني الطائفية في العراق ووظف الخلافات الشيعية السنية في صالح السياسة الإيرانية، كما استثمر الانشقاقات لإحكام السيطرة على الجماعات المختلفة، وقد نجح بالفعل في تحقيق تلك الاستراتيجية بل وفي تطويرها من خلال حصوله على الدعم المالي الغير محدود من الدوائر الإيرانية، لدرجة تصفه تقارير إعلامية غربية بأنه الحاكم الفعلي للعراق، فقد أرسل في مطلع عام 2008 رسالة إلى الجنرال “ديفيد بترايوس” عندما كان قائد القوات الأمريكية في العراق على هاتفه الشخصي يقول فيها: ( أنا قاسم سليماني أتحكم في السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق، ولبنان، وغزّة، وأفغانستان، والسفير الإيراني لدى بغداد، وأنا عنصر من فليق القدس، والسفير الذي سيحل محله عنصر آخر).

          شكّل وصول محمود أحمدي نجاد علامة فارقة في نفوذ سليماني الذي سعى منذ تسليمه قيادة فيلق القدس إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران، من خلال منحه الصلاحيات الواسعة ومنها التفرّد في الملف العراقي، وأصبحت وزارة الأمن تابعة له وفق أوامر المرشد دون أن تكون منافسة للحرس لثوري.

          تمكّن سليماني من إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار أسد من الانهيار، من خلال وضع استراتيجية التصدّي للانتفاضة المسلحة التي اندلعت عام 2011، واستطاع خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من قلب موازين المعركة ودحر المعارضة السورية، إذ ساعد دعمه العسكري، مضافًا إلى الدعم الجوي الروسي على قلب دفة القتال ضدّ القوى الثورية لصالح الحكومة السورية، وسمح لها في استعادة العديد من المدن والبلدات الرئيسة، ووفقا للمعلومات فهو يدير المعركة من مبنى محصّن في سوريا، وقد أعدّ سلسلة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب في الميدان، بينهم قادة سوريون، وقادة من حزب الله، وقادة من المليشيات العراقية…

         ولم تقتصر عملياته على الشرق الأوسط، فبين عامي 2012 -2013 قام بأكثر من ثلاثين عملية نوعية في كل من نيو دلهي، لاجوس، وتمكّن من نقل الرجال والمواد المتفجرة عبر تايلاند، ونيروبي، وساعد القاعدة على الدخول إلى إيران والخروج منها، واستثمارها لأهدافه!

          يتمتع سليماني بنفوذ واسع داخل إيران ويعد ثاني شخصية بعد المرشد وله دور كبير في قمع كل التظاهرات داخل إيران، وكل ذلك كان تحت سمع أمريكا وبصرها.

         وقد بلغت عملية التلميع الممنهج نوعًا من الاستعراض المسرحي للتفوق الإيراني، فطهران تصدّره كبطل عسكري ورجل يمكن الاعتماد عليه في مواجهة المستقبل. ويُعد قاسم سليماني أقوى شخصية عسكرية في إيران وهو العقل الاستراتيجي الذي يقف وراء طموحات إيران في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الحقيقي في شؤون الحرب والسلم.

    فلماذا قتل سليماني؟

          رصدت الولايات المتحدة تحركات قاسم سليماني في كلٍّ من: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) منذ عام 2007، وقد اتهمته بأنه كان وراء الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية بعد احتلال العراق، وصنفت: (قوات الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس كمنظمات إرهابية في ابريل عام 2019، وقالت إدارة ترامب: إن فيلق القدس قدّم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات إلى جماعات في الشرق الأوسط تُصنفها الولايات المتحدة بأنها منظمات إرهابية أجنبية، بما في ذلك حزب الله اللبناني، وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة، وفي بيان للبنتاغون يقول: إن سليماني ” دبّر بفعالية خططا لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة ” وأضاف البيان أن “الجنرال سليماني، وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل المئات من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف وجرح الألاف منهم”

           وما تسرّب من معلومات عن السيناريو الذي كان يقوده سليماني قبل أسبوعين، حيث اتفق الإيرانيون على سيناريو جديد في العراق للقيام في انقلاب عسكري والسيطرة على الحكومة بعد أن عجزت الأحزاب الحاكمة عن فرض مرشحيها لرئاسة الوزراء، وأن سليماني ذهب لدمشق لإبلاغ بشار أسد بالخطة وبعدها غادر لبغداد لإكمال الترتيبات التالية:

    • اغتيال المسؤولين العراقيين الرافضين لترشّح الأحزاب الحاكمة إلى رئاسة الوزراء.
    • إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
    • قمع الانتفاضات الشعبية وإحكام القبضة الأمنية والسياسية على البلاد.
    • اختطاف رهائن من السفارة الأمريكية والتعامل مع الأمريكان بسيناريو سنة ١٩٧٩ وهذا الأمر يساهم بخسارة فادحة للرئيس ترامب في الانتخابات القادمة ويحقّق انتصارات للديمقراطيين، وأن يتم إطلاق سراحهم بعد سقوط ترامب كرسالة تعاون بين الإيرانيين والديمقراطيين كما حدث مع الرئيس ريغان واتفاقية الجزائر عام ٨١ 19م. وصلت إلى ترامب له هذه المعلومة قبل أسبوع حين تمّت محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد.

         إن توقيت عملية الاستهداف كان ذكياً جداً، جاء في “الوقت الذي يثور فيه العراقيون في جنوب العراق ووسطها على التدخل الإيراني، فضلا عن استمرار المظاهرات في لبنان بشكل أو بآخر ضدّ سطوة حزب الله المؤتمِر بأوامر إيران، وكذلك بعد عدّة مظاهرات جرت في 29 محافظة إيرانية (مؤخراً)، وهي قابلة للاشتعال في أي وقت لاحق”.

         إن عملية مقتل سليماني تأتي تنفيذاً لتهديد الرئيس الأميركي الذي وجّه لإيران تصريحاته الأخيرة بأنها ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة اقتحام السفارة الأمريكية، وشدّد في تصريحه بأن كلامه تهديد وليس تحذير، واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أنه من غير الصحيح أنّ قائد فيلق القدس قاسم سليماني كان في بغداد بزيارة دبلوماسية، مؤكداً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قرارًا بقتل سليماني بناء على معلومات استخبارية. تهدف الضربة الأمريكية لردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية.

    البرلمان العراق وقرار إخراج القوات الأجنبية:

          على إثر ذلك تحرّكت الأحزاب الموالية لإيران وطلبت عقد اجتماع مجلس النواب العراقي وناقشت يوم الأحد الموافق 5/1/2020م مشروع خروج القوات الأمريكية من العراق باعتبار أنها تجاوزت السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدّة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارسه دون العودة للحكومة العراقية. ويشير البعض إلى أن هذا المشروع ربما كان السبب في تعجيل هذه العملية التي ربما تعيد رسم خريطة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. واقر مجلس النواب بحضور رئيس الوزراء السابق؛ إخراج القوات الأجنبية من العراق، حضر الاجتماع نواب الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران فقط ولم يحضر أحد من نواب السنة أو الأكراد. فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت في البرلمان أنه لم يصدر قانونياً ملزماً بهذا الشأن بل كان مجرد قرار غير ملزم عكس طبيعة القانون.

          وردّت الولايات المتحدة الأميركية، على قرار البرلمان بإلزام الحكومة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، حيث هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باحتمال فرض عقوبات على العراق تفوق تلك المفروضة على إيران، وهو ما أكّدته تقارير صحافية أميركية، وهذا ما أكده مسؤولون في البيت الأبيض حيث قالوا: إنهم أعدّوا قائمة للعقوبات المحتملة على العراق، وهذه العقوبات ستكون مؤذية بشكل كبير للعراق الذي يمرّ بظروف استثنائية”. حيث يمر بوضع هوا الأسوأ منذ زمن الحصار في التسعينيات، فإنّ الشعب العراقي يُعرّض صدره للرصاص، ويموت من أجل لقمة العيش، فعلينا أن نتصوّر المأساة التي ستحلّ بالعراقيين إذا فُرضت عليهم عقوبات أخرى وهم يمرّون بهذه الظروف الصعبة.

          أريد بهذا القرار أن  تستفرد إيران بالعراق من خلال هذه التعابير الفضاضة، والمقصود هنا في القوات الأجنبية هي القوات الأمريكية بالتحديد لأن هذه العبارة لا تعني التواجد الإيراني، فالقوات الأمريكية متواجدة وفق اتفاقيات تحدّد أسلوب العمل ومدّة البقاء وشروط إنهائه وأماكن تواجدها معلوم، أمّا التواجد الإيراني فهو موجود في كل مفاصل الدولة العراقية من خلال الأحزاب الموالية لإيران، ومن خلال المليشيات المسيطرة على الجانب الأمني ودون أي اتفاق أو ضوابط، فالمطوب هو إخراج التواجد الإيراني أولا، والذي لا يمكن إخراجه إلا بمساعدة دولية، وبعد ذلك يتم التفكير في إخراج الأمريكيين، أو تقليص نفوذهم وفق بنود الاتفاق، وإلا كيف يمكن إخراج القوات الأمريكية التي تحقّق نوعًا من الموازنة ! لأن خروج أمريكا يعني ترك العراق لإيران.

          والسؤال الأهم للبرلمان أليس دخول قاسم سليماني وخروجه وقتما يشاء وكيفما يشاء إلى إيران، وسوريا، ولبنان، وبدون تأشيرة خرقا للسيادة؟ وأين مجلس النواب من اختراق السيادة العراقية؟ فإيران تطلق 22 صاروخا على أرض العراق أليس هذا خرقا للسيادة؟ أليس هذا إعلان حرب على العراق فلماذا لم يجتمع البرلمان؟

    الردّ الإيراني:

            لا تجرؤ إيران على ضرب القواعد الأمريكية في الكويت، وقطر، والإمارات، وعمان، والسعودية، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا، وجميع هذه الدول لها حدود مشتركة معها لكنها تضربها في العراق فقط لكثرة الذيول فيه، وحكومته عميلة ذليلة، ونقلت “اندبندنت العربية”، ومصادر دبلوماسية عراقية، أن الأيام الماضية التي أعقبت تنفيذ الولايات المتحدة هجوماً بالطيران المسير، أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس في “الحرس الثوري” الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، شهدت حراكاً دبلوماسياً متسارعاً في المنطقة، شارك فيه العراق، أسفر عن توافق بين واشنطن وطهران بشأن الردّ، ويتضمن التوافق تنفيذ إيران هجوماً صاروخياً محدوداً على عدد من المواقع التي تضمّ قوات أميركية داخل العراق، بما يضمن عدم سقوط قتلى من جيش الولايات المتحدة، وهذا ما حدث بالفعل، وفقاً للمعلومات الأولية، كبالون إعلامي لإعادة ماء الوجه لإيران ولإيهام الشعب الإيراني بردّ مزلزل، إن هذا ما اتفقت عليه كافة الأطراف بشأن الضربة الصاروخية تجاوزا للازمة…

           وهكذا تمخضت كل التهديدات المرعبة عن زوبعة في فنجان. وهذ ما توقعناه في مقالنا السابق: (ثورة الكرامة تنتصر رغم صراع أمريكا وإيران على أرضها)

           لم يفاجئ القصف الإيراني القاعدتين التي تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق فبعد التصعيد الكلامي الذي تبادلته واشنطن وطهران عقب مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية في بغداد. وتبدو الضربات الجوية الإيرانية على قاعدتي عين الأسد الجوية، ومدينة أربيل من النظرة الإيرانية كانتقام لمقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني. ومباشرة بعد القصف الإيراني للقاعدتين في العراق بدأت الحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة وإيران فيما تؤكد واشنطن أن القصف لم يخلف ضحايا بشرية.

          فتصريحات معظم المسؤولين الإيرانيين بعد القصف هي الأخرى تدفع للحديث عن ضربة رمزية بهدف حفظ ماء الوجه داخليًا وعلى مستوى المنطقة، حيث أشار وزير الخارجية جواد ظريف في تصريحاته أن هذا القصف يأتي في إطار إجراءات متكافئة للدفاع عن النفس بموجب المادة: 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن بلاده لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب. كما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن إيران لا تسعى للحرب مع الولايات المتحدة. إلى جانب هذا، بقاء الصمت الذي تلتزم به واشنطن بعد القصف الإيراني، حيث اكتفى ترامب بكلمة واحدة على تويتر “كل شيء على ما يرام”. وثمة معطيات أخرى تشير إلى أنّ القصف الإيراني رمزيا، منها:

    1. القواعد العسكرية المستهدفة في العراق:

    تعدّ قاعدة عين الأسد الجوية ثاني أكبر القواعد الجوية بالعراق والتي تستخدمها القوات الأمريكية. ومنذ الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بغداد ومقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني الجمعة، حول الجيش الأمريكي في العراق كل قواته إلى قاعدة عين الأسد، وشدّد الإجراءات الأمنية حول المنشأة العسكرية، ما يجعل القاعدة محصنة بشكل كبير، ولذلك اختيرت لتوجيه الضربة لعدم وقوع خسائر.

    1. 2. صمت واشنطن:

        أكد المسؤولون الأمريكيون أن القصف الإيراني للقاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في العراق لم يسبب خسائر بشرية لأن الصواريخ البالستية سقطت في محيط القواعد وفي مناطق غير مأهولة من قاعدة عين الأسد، وغياب الردّ المباشر من الرئيس الأمريكي المعروف بتهوره في مثل هذه المواقف خاصة، وأنه هدّد بالردّ السريع على أي استهداف للمصالح الأمريكيين في المنطقة من طرف إيران.

    1. 3. الحرب الإعلامية:

        مباشرة بعد بدء القصف الإيراني للأهداف الأمريكية، انتهجت طهران سياسة إعلامية دعائية كبيرة، حيث تمّ وصف هذه العملية بالثأر الذي وعدت به إيران من الولايات الأمريكي لمقتل قاسم سليماني. فالإعلام الرسمي الإيراني بث صور القصف ووزعه على كافة وسائل الإعلام العالمية، كما سارعت وسائل الإعلام الإيرانية إلى الحديث عن وقوع عدد كبير من القتلى بهدف حفظ ماء الوجه، في الجانب الأمريكي وهو الأمر الذي نفاه الأمريكيون.

    1. 4. تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين

      :

        سارع المسؤولون الإيرانيون بعد القصف مباشر لجملة من التصريحات تراوحت ما بين النبرة الحادّة داخليا والتطمين على المستوى الدولي، وقال وزير الخارجة ظريف: إن “رد طهران على اغتيال الجنرال سليماني انتهى، نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا ضدّ أي عدوان.

    1. 5. أثبت الخبراء من خلال الحطام أن الصواريخ برؤوس فارغة لا يوجد فيها رئس حربي أي (بدون مواد متجرة).

    فما هي تبعات مقتل سليماني؟

    1. كان التصور العام أن إيران قويّة داخل العراق بوجود سليماني، ونائبه أبو مهدي المهندس، الشخصية التي أصبحت تأمر وتنهى، أما بعد مقتلهما فقد اهتزت تلك الصورة، وأظهرت ضعف إيران ذات المخالب المتوزعة على أكثر من بلد، حيث دفعت الثمن غاليا مقابل الأحجار التي رمتها على السفارة الأميركية.

     2.من ناحية أخرى فإن الدعم الإيراني للميليشيات في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان ستشهد انحسارا خلال الأيام المقبلة… وسوف تحاول إيران إعادة تنظيم نفسها من جديد بعد سليماني الذي كان المدبر الأساسي لجميع أنشطة الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة”.

    1. إن مقتل سليماني قد يحرّر بشار الأسد أكثر من ذي قبل، فسليماني كان الرجل المتابع للملف السوري منذ 9 سنوات وكان يشكّل ضغطاً على القرار السوري، وبعد مقتله سيتحرر بشار أسد من سطوته وتحكّمه”.
    2. الجغرافية العراقية لم تعد تحتمل الأمريكان والإيرانيين كلاهما، ولا بد من خروج أحدهما، ويبدو أن سليماني كان يخطّط من خلال أذرعه لإجبار أمريكا على الانسحاب من العراق… فإيران بدأت تخسر العراق وإن هي ردت رداً حقيقياً على مقتل سليماني فهذا يعني إعطاء ذريعة لأمريكا باستهداف الأراضي الإيرانية بعمليات عسكرية، وهناك بنك أهداف موجود لدى واشنطن، وهذا قد يعطي أيضا ذريعة للشعب الإيراني للثورة ضد نظامه”.
    3. لا ردّ حقيقي من قبل إيران، إلا أنه لم يستبعد حدوث عمليات “عشوائية وغير مخطط لها” من فصائل الحشد الشعبي العراقي “وهذا لا يمكن التكهن به”، وأن الأمريكيين حريصون جداً على حفظ التوازنات في العراق، وسوريا، وعدم الإخلال بها وعدم الاحتكاك مع الروس، وإعطائهم مبرر للتدخل بالملف العراقي، واللبناني”.
    4. وفي إطار متصل فإن العملية تلك ربما تقضي على ما تبقى من أمل في إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا منفردة عام 2018، فالاتفاق الذي كان ميتًا سريريًا بعد انسحاب واشنطن، في ظل مساعٍ أوروبية لبث الروح فيه من جديد، بات اليوم بعد التصعيد الأخير ميتًا بصورة شبه رسمية، فقد طالب الرئيس الامريكي الدول بالانسحاب من الاتفاق، وسط احتمالات للتوصّل إلى اتفاق جديد وهذا ما تطلبه أمريكا.

    هل ستغادر القوات الأمريكية؟

         احتلت الولايات المتحدة الأمريكية القواعد العراقية بعد احتلال العراق عام 2003، وقامت بتطويرها فيما يتناسب مع قواتها، وأصبح عدد القواعد المشغولة 12 قاعدة موزعة بشكل دقيق بما يؤمن إحكام السيطرة على كل العراق، وتعتبر العراق مركز الشرق الأوسط الذي ينبغي السيطرة عليه لأحكام السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، ولذلك فإن القوات الأميركية تعتزم إنشاء مطار دولي عملاق بمواصفات عالمية، لطائرات “بي 52” العملاقة، في قاعدة عين الأسد الجوية بناحية البغدادي، في قضاء هيت غربي محافظة الأنبار وفي حال تمّ إنشاء هذا المطار، فإنه سيكون “من أهم المطارات في العالم”، كونه مخصّص لـطائرات “بي 52″، كالمطار الموجود في بريطانيا.

             ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها».

            اعتبرت السفارة الأمريكية في بغداد يوم الجمعة 10/1/2020 أن الوجود العسكري لبلاده في العراق هو لموصلة القتال ضدّ تنظيم داعش، وأعلنت أمريكا بأنها لا نفكر في الانسحاب من العراق، ولن تناقش هذا الموضوع!!!

    الاحتمالات المستقبلية:

            مع كل ما ذكر آنفا فلا تزال إيران تواجه الاحتمالات الكارثية فما لحق بها أمر شديد الوطأة أيّا كانت المقاييس، لذا فإن تجاوز الأزمة بالتهدئة أو المقايضة أمر أقرب إلى التحقّق فيما يبقى أمر الردّ على العدوان كابوسا مخيفا فعواقبه ستجعل إيران اليوم شيئًا من الأمس البعيد… واغتيال سليماني رسالة أمريكية قد وصلت إلى إيران،  وفهمت بأن ترامب يريدّ التفاوض، وليس من الحكمة النفخ في كير الحرب، وليس من الحكمة المسارعة في الاصطفاف فيها، وهم منذ أربعين عاما متفقون على تدمير دولنا العربية، ومحو هويتنا، واستنزاف طاقاتنا وثرواتنا، ومنذ عشرين عاما ذهبوا معًا بعراقنا ودمروا كل شيء ، وقبل سبعة أعوام دمروا سوريا، واليمن …

         لقد أعرب دونالد ترامب عن هذا التخادم في قوله: “تدمير داعش الذي هو عدو طبيعي لإيران يصبّ في مصلحتنا، ويجب أن نعمل سويًا على هذا الأمر وغيره من الأمور المشتركة”.” أَدعوا قادة إيران إلى التعاون معنا ضدّ داعش”.

          فكلّ ما حدث لا يعدو أن يكون سوى تحذير أمريكي لإيران كي لا تخرج عن النص فواشنطن أرادت تنبيهها إلى ضرورة البقاء داخله، وفي هذا السياق يفهم مقتل سليماني. وهذه هي اللعبة القذرة بين إيران وأمريكا والمتضرر الأكبر منها، هو العراق.

         أقول سوف تقلّم أمريكا أذرع إيران ومعهم مليشيات العراق وتغدر بهم لأنهم خونه ومن يخن بلده يسهل عليه خيانة الآخرين. وستجلس أمريكا وإيران للتفاوض من جديد حول:

    1. الملف النووي بما لا يهدّد أمن إسرائيل
    2. تقاسم كعكة النفوذ في المنطقة.

        واستمرار تظاهرات ثورة الكرامة بهذه الصورة المدهشة، وراء مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ستقولون كيف؟

        أقول إن تلك التظاهرات كانت أحد أهم أسباب تحرّك قاسم سليماني بكتائب حزب الله العراق لضرب القاعدة الأميركية، ثم الهجوم الأميركي ومقتل قياديين من الكتائب، ثم ما حصل ضدّ السفارة الأميركية بعد اجتياح المنطقة الخضراء، وبأمر بطبيعة الحال من قاسم سليماني مباشرة، وبالفعل تمّت التغطية تمامًا على التظاهرات خلال الأيام الماضية.

       عاش العراق موحدا حرًا مستقلًا، وأسأل الله الرحمة لكل شهداء ثورة الكرامة شهداء ثورة العراق، والشفاء التام لجرحى الكرامة، ونسأل الله العودة الكريمة لكل المغيبين قسرًا في سجون الميليشيات إلى أهلهم وذويهم.

  • مقتل سليماني- تداعيات ومآلات

    تقدير موقف12/1/2020

    د. سامر عبد الهادي علي – المركز السوري سيرز

       أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فجر الجمعة 3 كانون الثاني/ يناير 2020 مقتل قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد، بناءً على توجيهات مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، كما قُتل معه في الغارة أبو مهدي المهندس نائب ما يسمى "قوات الحشد الشعبي" العراقي، إلى جانب عشرة آخرين، منهم قياديين في الحشد.

    حدث لم يكن كغيره، وعملية من النوع الدقيق وذات أبعاد تتخطى مسألة التخلص من شخصية ما، كانت عملية تحمل في طياتها أسباباً كثيرة، وتداعيات كبيرة لاحقة، ليس على إيران والعراق والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل على عموم المنطقة بملفاتها المعقدة والمتشابكة.

    *تسلسل أحداث ما قبل العملية:

       يمكن القول أنّ تطورات الأحداث ما قبل عملية اغتيال سليماني قد بدأت من العراق منذ انطلاق التظاهرات العراقية الكبيرة في بغداد ومدن الجنوب العراقي، تحديداً الشيعية منها، وذلك مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضدّ سياسات الحكومة العراقية المتماهية مع السياسات الإيرانية في العراق، التي أوصلت البلاد إلى الانهيار التام في الكثير من القطاعات، خاصةً الاقتصادية منها، وحتى الأمنية.

    هذه المظاهرات التي استمرت، ولا تزال، طيلة أشهر، أدّت إلى شعور إيران بالخطر المحدق بها، لما قد يكون لها من تداعيات ليس فقط على ميليشياتها في العراق، بل حتى على الداخل الإيراني المتأزم كذلك بطبيعة الحال، خاصة وأنّ العراق يقع على حدودها مباشرةً، عكس التظاهرات التي شهدها لبنان أيضاً، فهي ليس ذات تأثير مباشر عليها كما العراق. من هذا المنطلق أوعزت إيران إلى ميليشياتها الطائفية، وتحديداً ميليشيا حزب الله العراقي، لتنفيذ عمليات قنص واغتيال بحق المتظاهرين العراقيين، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى من العراقيين، إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى تراجع التظاهرات، وهو ما وضع الحكومة العراقية الموالية لإيران في مأزق كبير، ما دعاها إلى الاستقالة فعلاً، ليزداد خطر التداعيات على السياسات الإيرانية ومواليها في العراق، لذلك أخذت إيران بالتصعيد أكثر، ومحاولة خلط الأوراق، من خلال قيام ميليشياتها، حزب الله العراقي، بعمليات قصف على مواقع عسكرية عراقية تحوي جنوداً من القوات الأمريكية تحديداً، كان أعنفها القصف الذي طال قاعدة عسكرية في كركوك شمال العراق في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّى إلى مقتل موظف مدني أمريكي في القاعدة، ما اعتبرته الولايات المتحدّة الأمريكية تجاوزاً على مواطنيها وجنودها، وبالتالي على مصالحها القومية، واتهمت حزب الله العراقي بالعملية، وردّت بتنفيذ ضربات جوية على خمسة مواقع تتبع لميليشيا حزب الله، أحدها في سورية، وذلك بعد يومين فقط في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّت إلى مقتل العشرات من الميليشيات.

    تصاعد التوتر في العراق بين إيران وأدواتها من جهة، وبين الولايات المتحدة ومصالحها من جهةٍ أخرى، وهو ما سعت إليه إيران، التي بدأت تجييشها ضد الولايات المتحدة ومصالحها في العراق، وجرت محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء، والوصول إلى السفارة الأمريكية، من قبل متظاهرين موالين لحزب الله العراقي وبدعم إيراني، بالتوازي مع بدء الإعداد لمؤامرة تهدف للسيطرة على المنطقة الخضراء بعملية انقلاب سياسي ستقوم به إيران للسيطرة على ما تبقى من العراق "بمعنى العراق الموالي للسياسة الأمريكية"، وكان التنفيذ يوم وصول قاسم سليماني إلى بغداد قادماً من دمشق، صبيحة الثالث من كانون الثاني 2020، إلا أنّ الولايات المتحدة، بحسب تقارير استخباراتية، اكتشفت الأمر، فصدر أمر مباشر من الرئيس ترامب شخصياً، بتصفية سليماني قبل خروجه من مطار بغداد، وهو ما تم فعلاً.

    *ردود الأفعال على العملية:

       على الرغم من حجم العملية، وتأثيراتها المتوقعة على ارتفاع حدّة التوتر في المنطقة، وإمكانية الرّد الإيراني بشكلٍ أو بآخر، ما ينذر بحرب قد تندلع في أيّ لحظة، إلا أنّ المواقف الإقليمية، وحتى الدولية، لم تكن ذات تباينات كبيرة، حيث اكتفت كثير من دول العالم، بما فيها الإقليمية منها، بالدعوة إلى الحوار ومنع حدوث صراع ما في منطقة لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات، باستثناء العراق الذي رفض العملية، وطالب القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق، بينما اكتفت سورية بالتنديد.

       الولايات المتحدة الأمريكية بررت العملية على أنّ سليماني "كان يعمل على تطوير خطط لمهاجمة دبلوماسيين وموظفين أمريكيين في العراق والمنطقة"، وأنّ هدف الضربة "ردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية"، وتعهدت الولايات المتحدة أنها "ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات لحماية مواطنيها ومصالحها حول العالم".

    أما إيران، فقد توعّدت مراراً على لسان مسؤوليها كافة بالرّد "المزلزل" وغير المتوقع على الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، ليس في المنطقة فقط، بل في كل مكان من العالم. وتوعّد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ"انتقام مؤلم" على خلفية مقتل سليماني. لكن وبعد نحو أسبوع من التهديد والوعيد قامت إيران باستهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بعدّة صواريخ بالستية، وصاروخين قرب أربيل شمالي العراق، ليتبيّن بعد الضربة هذه أنّها لم تكن سوى ضربة متفق عليها لامتصاص غضب الإيرانيين والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، خاصة وأنّ إيران كانت قد أعلمت العراق بالضربة قبل وقوعها، وبالتالي علمت الولايات المتحدة الأمريكية بها، وهو ما ألمح إليه الرئيس ترامب. هذه الضربة التي لم تؤدِّ حتى إلى جرح عسكري أمريكي واحد، أو تتسبب بأي خسائر مادية، ومما زاد الأمر سوءاً استهداف إيران، بالخطأ كما تدعي، لطائرة ركاب أوكرانية خلال تنفيذها للضربة، ما أدى إلى إصابة الطائرة وتحطمها ومقتل 176 مدنياً قرب طهران، وبعد إنكار وتجاهل، اعترفت إيران بأنها من أسقط الطائرة.

    *التداعيات:

       إنّ تداعيات عملية قتل سليماني وأبو مهدي المهندس، وما تلاها من توجيه إيران لضربة إعلامية فاشلة على قاعدة أمريكية في العراق، وإسقاطها للطائرة المدنية الأوكرانية، قد بدأت بالظهور على الصعيد الإيراني من جهة، وعلى صعيد المنطقة من جهةٍ أخرى، أما التداعيات على الصعيد الإيراني:

    1- جاءت نتائج الضربة الإيرانية بنتائج عكسية عليها، فقد أظهرت إيران على حقيقتها من ناحية القوة المزعومة التي تدّعيها، حيث لم تستطع أن تنفذ تهديداتها برد عسكري مؤلم كما ادّعت.

    2- أدت إلى استنفار الشارع الإيراني، لتندلع التظاهرات ضد الحرس الثوري الإيراني والمرشد الإيراني، حيث طالبته بالرحيل الفوري.

    3- أظهرت ضعف ميليشيات إيران في العراق والمنطقة، التي كانت هي الأخرى قد توعدت بالرّد، إلا أنها اكتفت بالتصريحات والخطابات الإعلامية.  

    4- زاد من سوء الوضع الإيراني أمام العالم إسقاطها للطائرة الأوكرانية، ما يعني أنها فقدت أي تعاطف كان من الممكن أن تحصل عليه من جانب أي دولة، ومنها روسيا التي اكتفت بالصمت.

    أما التداعيات على صعيد المنطقة:

    1- ازدياد تعقيدات الداخل العراقي المتأزم أصلاً، خاصة على صعيد الموالين لإيران من قوى سياسية وميليشيات عسكرية، حيث أصبحوا في موقفٍ ضعيفٍ بالتوازي مع بداية بروز تيار سياسي غير موالي لإيران، ستتضح ملامحه في الفترة المقبلة، مع بروز اسم إياد علاوي من جديد.

    2- تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لنفوذها في العراق والمنطقة أكثر من السابق، مع ازدياد إرسال قوات عسكرية إلى قواعدها في العراق والمنطقة، على عكس ما طالبت به كل من العراق وإيران من سحب الولايات المتحدة لقواتها من المنطقة.

    3- ازدياد حدّة التوتر في المنطقة، وتصاعده لدرجة خطيرة، بما يسمى الوصول إلى حافة الهاوية.

    4- قلق خليجي من رد إيراني محتمل عليها، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى إطلاق تصريحات هدفها امتصاص التوتر، من خلال تصريحها بأنها تقف إلى جانب العراق، ورفضها تحويله إلى ساحة لصراعات خارجية.

    أما التداعيات على الملف السوري، فقد تكون الأهم والأكثر وضوحاً، خاصةّ بعد الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي بوتين إلى سورية، قبل يوم واحد فقط من لقاءه الرئيس التركي أردوغان في اسطنبول، ولذلك رسائل عديدة منها: أنّ روسيا هي صاحبة الكلمة العليا في سورية، وليس إيران، بما يعني عدم تفكير إيران باتجاه رد ما على أي طرف انطلاقاً من الأراضي السورية. كذلك رسالة إلى "إسرائيل" بأنّ روسيا لن تسمح لبشار الأسد بأي تحرك من جانبه، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال السماح لوكلاء إيران في سورية، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، بالاعتداء عليها. ورسالة إلى نظام الأسد نفسه بأنّ هناك متغيرات قادمة في المنطقة ما بعد مقتل سليماني، وعليه أن يكون متوافقاً مع ما قد تنجزه روسيا في هذا الشأن في المرحلة المقبلة.

    *المآلات المستقبلية:

       من خلال ما سبق، يمكن الحديث عن سيناريوهات محتملة في المرحلة المقبلة، يمكن أن تذهب الأوضاع العامة في المنطقة باتجاهها، وأرى أننا أمام سيناريوهين فقط:

    الأول: الاتجاه نحو حرب واسعة بين كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون مقتصرةً على الطرفين، عسكرياً وجغرافياً، بل ستشمل أطرافاً ودولاً عدّة في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير واسع، وستكون المنطقة بأكملها الخاسر الأكبر، وليس إيران فقط، وهو ما يحاول الجميع تفاديه، لذلك فإنّ احتمالية هذا السيناريو ضعيفة جداً، وقد تكاد تكون معدومة.    

    الثاني: الذهاب إلى مفاوضات سياسية شاملة لكل ملفات المنطقة، أهمها على الصعيد الإيراني الملف النووي وملف الميليشيات الموالية لإيران وتمددها في المنطقة، وكذلك حول ملفات المنطقة الأخرى وهي الملف السوري والملف العراقي، وهو الاحتمال الأقوى والمتوقع حصوله فعلاً في الفترة المقبلة، حيث بدأت تظهر ملامحه، من خلال دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لإيران للعودة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني ودون شروط مسبقة من أي طرف، وهي دعوة كررتها الدول الأوروبية، كفرصة لإيران للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لكن لذلك تداعيات محتملة أيضاً، حيث ستتنازل إيران عن بعض سياساتها في المنطقة، وقد ترضخ للطلبات الغربية في هذا السياق، ومنها تحجيم دور ميليشياتها وعدم التدخل في شؤون المنطقة، ما يعني إضعاف أذرعها العسكرية، خاصة في سورية التي قد يتم إخراج إيران منها بالكامل، لصالح تفاهمات روسية تركية بدأت تظهر منذ نحو أسبوع عندما تم التوافق بين الطرفين على هدنة جديدة في إدلب، قد تكون طويلة، وربما دائمة، حسب بعض التسريبات، وإمكانية فرضها عن طريق قرار من مجلس الأمن الدولي، مع إمكانية استئناف أعمال اللجنة الدستورية في المرحلة القادمة في حال تم تطبيق جدّي للهدنة في إدلب.

       مما سبق نجد أنّ الخاسر الأكبر في هذه المرحلة وما تضمنته من أحداث ومتغيرات جديدة هي إيران نفسها، التي دفعت أخيراً ثمن سياساتها العنجهية في العدوان على دول المنطقة وشعوبها، ونحن نرى اليوم الاضطرابات التي تشهدها الدول التي تدخلت فيها إيران سواء بميليشياتها العسكرية، أو بأذرعها السياسية، كما يحصل في كل من العراق وسورية ولبنان وحتى اليمن، وهو ما ينذر بمرحلة جديدة ستشهدها المنطقة عموماً، قد تكون أكثر استقراراً من السابق في حال أُنجز هذا السيناريو على المدى المتوسط.