• Türkçe
  • English
مجموعة التفكير الاستراتيجي مجموعة التفكير الاستراتيجي
  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟

Sidebar

القائمة الرئيسية

  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟
  • الملف الأسود لجرائم الدب الروسي ضد العالم الإسلامي.... محمود المنير

    كتب : محمود المنير

    تاريخياً صراع الدب الروسي مع العالم الإسلامي وشعوبه ممتد وطويل عبر القرون ، ولا يرجع ذلك للأسباب العقدية والأيديولوجية فحسب، وإنما لأسباب تاريخية، وجيواستراتيجي. فله سجل أسود حافل بشتى صور العداء والتدافع والصراع مع أمة الإسلام من خلال احتلال أراضي المسلمين وقتلهم وتهجيرهم والتنكيل بهم، ونهب ثرواتهم ، والتحالف مع عدوهم، منذ عصر القياصرة مروراً بحقبة الاتحاد السوفيتي والإبادة الجماعية للمسلمين وتهجير الملايين إلى سيبيريا، ثم احتلال أفغانستان والخروج منها مدحورين على أيدي المجاهدين الأفغان ، ثم عهد يلتسين والذي شهد أبشع حروب التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسلمين في الشيشان وداغستان ،ثم عهد بوتين وميدفيدف ودعمهما لجزار أوزبكستان، وتنكيلهما بالمسلمين في موسكو وغيرها من المدن الروسية.

    ولقد وعت لنا ذاكرة التاريخ ما واجهه العالم الإسلامي من ويلات الهجمات والغارات المتكررة من الاستعمار الصليبي الحاقد على مر التاريخ،  لكن قد يغيب عن ذاكرة الكثير من المسلمين في العالم الإسلامي أفاعيل روسيا في حق أمّة الإسلام، حيث يجهل الكثيرون أنّها أبادت ملايين المسلمين عبر تاريخها الدّموي، واستغلّت ثرواتهم قرونا طويلة، ولا تزال تستغل خيرات وموارد النفط والغاز في تركستان الكبرى وبلاد القفقاس، وتمنع تصرف المسلمين في مواردهم الطبيعية في آسيا الوسطى دون تدخل موسكو، وإذا عدنا إلى تاريخ القضية الفلسطينية نجد أن أوّل من أعطى وعدا بمنح اليهود أرض فلسطين هم الروس غداة انتصار الثورة البلشفيّة1917م، ثمّ تنازلوا للإنجليز عن التمكين لليهود في فلسطين ، أضف إلى ذلك أنّ قرابة اثنين مليون روسي يعيشون في الكيان الصهيوني المحتل و يسخِرون خبرتهم العلمية والعسكرية في خدمة إسرائيل ،وها هي روسيا في عهد بوتين تعاود الكرة مجدداً بالهجوم على دول العالم الإسلامي بتدخلها عسكريا في سوريا لصالح مصالحها الجيواستراتيجية في المنطقة متحالفة مع إيران ونظام المجرم بشار الأسد.

    وفي هذا الملف نسلط الضوء على أبرز وأهم المحطات في سجل العداء والممارسات القمعية والدموية التي سلطتها روسيا على العالم الإسلامي، ليتعرف القارئ على هذا العدوّ التاريخي المستمر في عداوته للمسلمين. والذي يعربد الآن في سوريا على مرأى ومسمع من النظام الدولي الذي يرعى الفوضى في العالم الإسلامي.فإلى التفاصيل :

    روسيا و سايكس بيكو

    في الوقت الذي كانت الدول الاستعمارية تحتل بلدان العالم العربي أواخر القرن التاسع عشر والعشرين، كانت روسيا القيصرية ثم الشيوعية بعدها تستولي على بلدان وسط أسيا والقوقاز المسلمة ومنطقة البحر الأسود والقرم، وفي الوقت الذي اتفقت فيه انجلترا وفرنسا على تقسيم قلب العالم الإسلامي في العراق والشام وبلاد جنوب الأناضول عشية الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية سنة 1915، 1916م، كانت روسيا حليفة وشريكة وشاهدة على اتفاقية "سايكس بيكو"، التي عدلت عقب قيام الثورة البلشفية سنة 1917م، بعد اعتراض البلاشفة عليها ؛ إذ كانت روسيا القيصرية ستحصل بمقتضاها على إسطنبول والمضائق المائية في مرمرة والدرنديل والمنطقة الأرمنية في أسيا الصغرى والكردية في شمال العراق وأفغانستان بعد هزيمة العثمانيين، فضلاً عن حماية ورعاية المصالح الأرثوذكسية في كل من العراق والشام وفلسطين.

    محنة مسلمي القرم في سيبريا !!

    في أثناء الحرب العالمية الثانية ظهر بوضوح عداء السياسة الروسية تجاه رعاياها المسلمين، فلقد خافت روسيا من تتار القرم المسلمين ، وإمكانية موالاتهم للألمان فحشدت أكثر من مليون تتري في يوم واحد، ورحّلتهم إلى سيبريا وجمهوريات وسط أسيا المسلمة، وارتكبت الجيوش الروسية حينها مذابح بحق تتار مسلمي القرم أودت بحياة 350 ألفاً منهم ودفعت مليوناً و200 ألف إلى الفرار لتركيا بعدما رفع جيش روسيا شعار «من غير انتظار ولا عودة.. يجب محو التتار من هذه الأرض»،ولم تسمح بعودتهم إلا منذ ستينيات القرن العشرين ثم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات من نفس القرن.

    الضحايا بالأرقام

    ولا يفوتنا أن نذكر طرفاً من الحقد الأسود الروسي بحق مسلمي القرم :

    -         ففي العام 1771م، ارتكبت الجيوش الروسية أبشع المذابح بحق مسلمي القرم، بعد سقوط شبه جزيرة القرم بيدهم واحتلال عاصمتها، ما أدى إلى مقتل أكثر من 350 ألف تتاري، وانتشرت الجثث في كل مكان ولم تجد من يدفنها، فانتشرت الأمراض والأوبئة ما أدى إلى وفاة عدد من أفراد الجيش الروسي ذاته إضافة للسكان المحليين، فاضطر مليون و200 ألف تتاري مسلم إلى الفرار إلى تركيا، فيما هجَّرت روسيا القيصرية بقيتهم إلى داخل الأراضي الخاضعة لها، حيث قام الجيش بنفي 500 ألف تتاري مسلم بعيدا عن بلادهم وأحلّ الروس مكانهم، ومع ازدياد عمليات التهجير الإجباري بحق مسلمي القرم أصبحوا أقلية في بلادهم.

    -         وفي العام 1783، قامت القوات الروسية بعدة حملات تهجير بحق مسلمي إقليم شبه جزيرة القرم إلى سيبيريا التي توصف بأنها أكبر صحراء جليدية في العالم، وإلى دول آسيا الوسطى كتركيا وبلغاريا ورومانيا ومارست ضدهم شتى أنواع العنف وهدَّمت مساجدهم ومدارسهم وبيوتهم وأحرقوا مصاحفهم وجميع وثائقهم التي كانت تعد إرثاً تاريخيا وحضاريا هاماً لتتار القرم.

    -         وفي العام 1928، أعدم ستالين 3500 تتاري من أئمة المساجد والمثقفين، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية آنذاك «ولي إبراهيموف»، وذلك عندما أراد ستالين بحسب بعض المصادر إنشاء كيان يهودي في القرم، وثار عليه التتار، فقام بحملة تطهير وإبادة كبيرة بحقهم ردت إلى الأذهان مذابح المغول.

    -         وفي 1929، نفى ستالين أكثر من 40 ألف تتاري من فلاحي القرم إلى مناطق في سيبيريا، بعدما أرغمهم على ترك مزارعهم، وفي 1931 تُوفِي نحو 60 ألف تتاري نتيجة المجاعة التي أصابت القرم. وذلك وفق ما ذكره مصطفى عاشور في مقاله كارثة القرم الإسلامية في العدد الـ 84 من مجلة التبيان الصادر في 2011.

    روسيا ودعم الصهيونية

    المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط تشكلت بفعل العوامل الجيواستراتيجية التي أثرت في السياسة الروسية في عهود القياصرة وكانت تطلعات الإمبراطورية الروسية نحو الجنوب دائماً في السياسة الخارجية القيصرية منذ عهد بطرس الأكبر (1682 – 1725)، وكاترين (1762 -1796)، وحتى عهد نيقولا الثاني (1894-  1917). ففي القرن التاسع عشر اندلعت حرب القرم ( 1854 – 1856)، وكان أحد أسبابها النزاع الروسي الفرنسي حول السيطرة على الأماكن المقدسة في فلسطين، إذ اعتبر القيصر الروسي نفسه حامياً للكنائس المسيحية الأرثوذكسية، في حين ادعى الإمبراطور نابليون الثالث الفرنسي أنه صاحب السيطرة على الأماكن المقدسة ذاتها لصالح الكنائس المسيحية اللاتينية. لكن بريطانيا وفرنسا تمكنتا في مطلع القرن العشرين من احتواء التهديد الروسي باتجاه الجنوب إلى الشرق الأوسط على نحو فعال.

    وبالنظر إلى موقف الاتحاد السوفييتي من القضية الفلسطينية نجد أنه عام 1947ساند اليهود في تطلعهم لإنشاء دولة يهودية في فلسطين. ودعم السوفيت خطة التقسيم التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي ترمي لإقامة دولة يهودية في فلسطين ، ولما أدرك الاتحاد السوفييتي أن انسحاب البريطانيين وشيك من فلسطين ، بدا له أن التقسيم أفضل خيار لتجنب خطة وصاية برعاية الأمم المتحدة كانت ستديرها دون شك القوات العسكرية الغربية. و لم يكتف الاتحاد السوفييتي بأن يكون ثالث دولة تعترف (بإسرائيل) اعترافاً قانونياً، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فشجب بشدة دخول القوات العربية إلى فلسطين الذي تلا إعلان إنشاء (الدولة اليهودية). وبادر الاتحاد السوفييتي إلى إرسال الأسلحة (لإسرائيل) أثناء الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى، مما كان له أهمية كبرى، وربما حاسمة، في استمرار بقاء الدولة الصهيونية الجديدة (حرب 1948). وقام الاتحاد السوفييتي في شهر كانون الأول 1953 بدور فعال في مساعدة (إسرائيل) على الوقوف في وجه المقاطعة الاقتصادية العربية، عندما أبرم مع (إسرائيل) اتفاقية تجارية لمبادلة النفط السوفييتي بالحمضيات الإسرائيلية. لكن موسكو ألغت هذه الاتفاقية إثر العدوان الثلاثي على مصر 1956م. وظلت السياسية الروسية تجاه القضية الفلسطينية هكذا تتراوح وتتجاذب حسب مصالحها الجيوسياسية وتنافسها مع غريمها التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة إلا أن ميزان الترجيح في الأفعال كان دائما يميل لكفة إسرائيل .

    الغزو السوفياتي لأفغانستان

    الأطماع الروسية في أفغانستان قديمة، فقد احتلت روسيا في الفترة من 1743 - 1833 منحدرات آسيا الوسطى المطلة على الصين ومنغوليا والمناطق المجاورة للبحر الأسود وتركيا وإيران وبحر قزوين. وفي الفترة من 1880 - 1900 احتلت مناطق طشقند وسمرقند والصحراء المجاورة لهما. ومن 1800 - 1900 احتلت بخارى. ثم تأتي محاولات احتلالها لأفغانستان عام 1979 ضمن هذا السياق إضافة إلى أوضاع الحرب البادرة التي تفرض مد النفوذ السوفياتي إلى مناطق النفط في الخليج العربي وشمالي أفريقيا والاقتراب أكثر من أوروبا بعد انحسارها في بولندا.

    وكان من أبرز أهداف الاتحاد السوفياتي من غزو أفغانستان:

    1. استغلال الموارد الطبيعية في أفغانستان.
    2. الوصول للمياه الدافئة ومنابع النفط قبل الأميركيين.
    3. احتواء الصين والإطاحة بها من جانب الغرب.
    4. وأد أي حركات للتحرير يمكن أن تنشأ في آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفياتي آنذاك.
    5. دعم حكومة شيوعية أفغانية ضد تيار الإسلام السني في البلاد.

    وفي عام 1988 – 1989حقق المجاهدون الأفغان انتصارات حاسمة على القوات السوفياتية أجبرتهم على الانسحاب في 15 فبراير/ شباط عام 1989، ويقدر عدد الجنود السوفيات الذين قتلوا خلال تلك الحرب ما بين 40 – 50 ألفا إضافة إلى عدد كبير من الجرحى. وتفكك الاتحاد السوفياتي بسبب ضعف الحالة الاقتصادية ،و تزايد الإنفاق اليومي على هذه الحرب الذي بلغ 40 مليون دولار.

    جرائم روسيا في الشيشان

    عداء روسيا ضد الشيشان له تاريخ طويل يعود لعهد روسيا القيصرية وفيما يلي أبرز محطات في تاريخ الصراع الروسي – الشيشاني:

    - أعلن القوقازيون الجهاد ضد روسيا عام 1785م بقيادة الشيخ منصور أوشورم الذي تجاوب معه شعوب داغستان، والقبارطاي، والنوغاي، بالإضافة إلى الشيشان. الذي استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة. حتى ارتقى شهيداً، في 13 أبريل 1794م، بعد تسع سنوات من الجهاد المتواصل. وباستشهاده انتهت المقاومة الإسلامية في شمالي القوقاز، لكن لتعود ثانية، وبشكل أقوى في الربع الأول من القرن التاسع عشر.

    - في عام 1864م قام الروس بقتل 4000 شيشاني في منطقة "سالي" وانتفض الشيشانيون في الفترة ما بين (1865- 1890م)، وامتدت الانتفاضة مع الثورة البلشفية (1917م) كذلك، وقادها الحاج "أذن" ولمدة ثماني سنوات حتى أعلن (إمارة شمال القوقاز).

    - في عام 1925م تم سحق الانتفاضة وأعلنت الحرب على الشيشانيين واعتقلت السلطات السوفيتية أنصار الشيخ واستمرت المحنة حتى بداية الحرب العالمية الثانية، ولجأ الأتباع مرة أخرى إلى الجبال ليعيدوا تنظيم أنفسهم من جديد.

    - في (23 فبراير 1944م) قامت قوات ستالين بإبعاد قرابة مليون مسلم إلى وسط آسيا.حيث إقليم سيبريا التي تصل درجة الحرارة فيها إلى 50 تحت الصفر، بعد أن حُشروا في عربات قطارات البضائع دون طعام ولا ماء، وتحت تهديد السلاح، فمات 50% منهم. وعندما أذن لباقي الأحياء بالعودة عام 1956م في عهد خرتشوف، لم يرجع سوى 30% فقط ليجدوا الروس قد احتلوا كل شيء، وأغلقوا 800 مسجد، وأكثر من 400 مدرسة لتعليم الدين واللغة العربية.

    - في التاسع من يونيو عام 1991م عقد المجلس الوطني الشيشاني جلسة أقر فيها قرار الاستقلال ودعا إلي الانفصال، لكن في 29 نوفمبر 1994م بدأت الحرب الشيشانية الأولى وذلك عقب عملية عسكرية فاشلة في (26 نوفمبر 1994م) إثر كمين نصبه الشيشانيون لرتل من الدبابات الروسية وتم أسر 60 جنديًا روسيًا، أعلن بعدها مجلس الأمن القومي الروسي قراره بإرسال قوات إلى الشيشان وأطلق يلتسين يومها إنذاره الشهير والذي طالب فيه الشيشانيين بالاستسلام في ظرف يومين امتد إلى سنتين!!

    - تشير التقارير إلى أن عدد القتلى المدنيين من ضحايا حرب الشيشان الأولى بين 50000 - 100000, وأكثر من 200000 مصاب. أكثر من 500000 شخص هاجروا بسبب الحرب حيث أصبحت القرى والمدن على الحدود في دمار هائل.

    - في 12 مايو 1997م انتهى الأمر بتوقيع اتفاقية معاهدة السلام مع روسيا ، لتمنح الاستقلال الفعلي للشيشان، ونتيجة لما ألحقه الروس بالشيشان من دمار هائل؛ انحسرت الحياة الاقتصادية في الشيشان، وانهارت البنية التحتية والصناعية بفعل حرب الإبادة التي تعرضوا لها.

    - في مارس 2002م وبعد شهر من تولي بوتين رئاسة الوزارة الروسية، بدأ الحرب على الشيشان، واتصفت منذ بدايتها بالإبادة والدموية ؛ حيث زاد عدد القوات من (24 ألف جندي) إلى (100 ألف جندي)، واستمر القصف الجوي عدة أسابيع حتى سوى كل شيء في شمال جروزني بالأرض، ثم استولى عليها. وانخرطت القوات الروسية في السرقة والابتزاز ، وإعادة جثث القتلى الشيشانيين في مقابل رسوم، حتى أنه كان يجب على المرأة أن تدفع حوالي (10 دولارات) لتفادي اغتصاب بناتها، كما يؤخذ الرجال من سن 15 حتى 65 إلى معسكرات الاعتقال أو يختفون. ووصل الخطاب الرسمي الروسي إلى فهم مغلوط، مؤداه أن الإرهاب والشيشان باتا أمرًا واحدًا؛ الأمر الذي انعكس على المجتمع الروسي، فصار يبغض الشيشان والعرق القوقازي كله.

    النيوزويك تكشف جرائم الروس

    في عددها الصادر باللغة العربية وعلى ست صفحات كاملة كشفت مجلة النيوزويك الأمريكية الفظائع التي ارتكبها الجيش الروسي في الشيشان ، فتحت عنوان " تحت أحذية العسكر " جاء التقرير المرعب.. حيث تضمن التقرير صوراً مرعبة عن حجم الأهوال البشعة التي جري ارتكابها ضد المدنيين من النساء والأطفال والعجائز. وقد وثق فظائع الجيش الروسي ـ ـ وعمليات التطهير غالباً ما تكون مصحوبة بمختلف أنواع الابتزاز والنهب والضرب والاغتصابمنظمة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان .

    ويكشف التقرير عن أرقام مؤلمة بشأن حرب الشيشان حيث تراوحت تقديرات قتلى الحرب الأولى من الشيشانيين ما بين 80 إلى 100 ألف من عام 1994إلى 1996، ومنذ الحرب الثانية قتل مابين 20 إلى 40 ألفا معظمهم في قذف قنابل وهجمات مدفعية بلا تمييز ، وأدت عمليات التمشيط التي يقوم بها الجيش الروسي إلى اختفاء وإعدام بلا محاكمة لـ2000 .

    وينقل التقرير الخطير عن شاهدة عيان دأبت على توثيق ما يحدث بالصور قولها: "إن نسف الأشخاص سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً هو آخر أسلوب أدخله الجيش الفيدرالي إلى المعركة واستخدم هذا الأسلوب بطريقة فعالة في 3 يوليو الماضي في قرية "مسكيار يورت" حيث ربط 21رجلاً وامرأة وطفلاً معاً ونسفوا وألقي بجثتهم في حفرة. ووصف التقرير محاولة سكان قرية شيشانية الدفاع عن أزواجهم فكبلت أيدي 68 منهم وربطوا في شاحنة واغتصبوا هم أيضاً .

    تدخل روسيا العسكري في سوريا

    مما لا شك فيه الآن أن روسيا دخلت في الصراع السوري عسكريا لصالح نظام الأسد ، والحقيقة أنه منذ اندلاع الثورة السورية كانت روسيا داعما أساسيا لنظام الأسد سواء من الناحية العسكرية أو المادية أو السياسية وذلك بتوفير الغطاء في مجلس الأمن لجرائم نظام بشار الأسد ، وهناك عدة اعتبارات ومصالح روسية جعلتها تتدخل عسكريا في الصراع السوري :

    1-   تهدف روسيا أن تتخذ من سوريا موطئ قدم لها في الشرق الأوسط وبذلك تضمن إطلالة بحرية على البحر المتوسط وحدود برية مشتركة مع كل من تركيا وإسرائيل ولبنان والعراق والأردن.

    2-   دعم نظام الأسد يتوافق مع تطلعات بوتين لأن تصبح روسيا قوة عظمى مجدداً في المنطقة في مواجهة أمريكا وسقوط نظام الأسد يعني فقدان روسيا للقاعدة العسكرية الوحيدة خارج روسيا منذ فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

    3-   يتطلع بوتين لكسب مزيد من الشعبية وبالتالي ضمان فترة رئاسية ثالثة على غرار الشعبية التي اكتسبها إثر تدخله في أوكرانيا حيث بلغت نسبة شعبيته  80% وهي نسبة لم يصل إليها رئيس قبله، وهو يأمل تكرار هذا المكسب من خلال حربه في سوريا بدعوى محاربة مخاطر تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) .

    ويمكننا هنا الاستشهاد بما قاله المحلل الروسي ديمتري أدامسكي في مقال له عبر مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية (foreign affairs) ” أهداف موسكو التقليدية واضحة: بناء منطقة عازلة ضد الجهاديين على حدودها الجنوبية ، تصدير الأسلحة والطاقة النووية ، تقوية نفوذها وترسيخ مشروعها في الشرق الأوسط حيث المياه الدافئة ،التنافس مع الغرب – خصوصا في الآونة الأخيرة – لتوسيع نفوذها بين الطوائف المسيحية الإقليمية”.

    وفي مقالة لستيفان إم والت - أستاذ الشؤون الدولية، كلية كينيدي في جامعة هارفارد- في "فورين بوليسي"، يقول: (أهداف بوتين في سورية تتميز أيضا بالبساطة والواقعية، وتتماشى مع الموارد الروسية المحدودة، فهو يسعى لإبقاء نظام الأسد ككيان سياسي يوفر له ممرًا سهلًا لبسط النفوذ الروسي، ويضمن لروسيا حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل، بمعنى أن بوتين لا يحاول السيطرة على سورية، ولا لإعادة العلويين إلى دفة السيطرة الكاملة على البلاد بأكملها، كما أنه لا يسعى لهزيمة الدولة الإسلامية، أو للقضاء على النفوذ الإيراني، وبالتأكيد، لا يلاحق بوتين حلم بناء الديمقراطية الواهي ضمن سورية ومن هذا المنطلق، فإن الانتشار المحدود للقوة الجوية الروسية وحفنة من "المتطوعين"، قد تكون إجراءات كافية لتحقيق الهدف الروسي بالحفاظ على الأسد ومنع هزيمته، خاصة إذا انتهجت الولايات المتحدة وغيرها من الدول نهجا أكثر واقعية ضمن الصراع السوري في نهاية المطاف).

    في ختام هذا الملف الموجز ، يتضح لنا مدى وحجم العداء العقدي والأيدلوجي والتاريخي ، والدوافع الجيو إستراتيجية التي تكمن وراء العداء المستمر لروسيا ضد العالم الإسلامي ، والممتد منذ روسيا القيصرية حتى الآن ، وبهذا نكون قد رسمنا صورة واضحة المعالم لطبيعة هذا الصراع ودوافعه وأبرز محطاته التاريخية لفهم مجريات الأحداث التي نشهد أحدث فصولها الدامية الآن في سوريا. .

    --------------------------------------

    المصادر :

    -         الغزو السوفياتي لأفغانستان ، الجزيرة نت 2001.http://goo.gl/F2Wjnc

    -         شيرين الشرافي ، تتار القرم.. أمة مسلمة مهددة بالانقراض (1 من 4)، صحيفة الشرق السعودية.2012.

    -         مصطفى عاشور ، كارثة القرم الإسلامية ، مجلة التبيان ، العدد الـ 84 الصادر في 2011.

    -         صلاح الدين دباغ: الاتحاد السوفييتي وقضية فلسطين، بيروت 1968.

    -         جورج لسومنسكي: التقدم السوفييتي في الشرق الأوسط، واشنطن 1969.

    -         ستيفن بيجStephen Page : الاتحاد السوفييتي والعرب – الأبعاد الأيديولوجية، نيويورك 1973.

    -          ياسوف رويYusov Roi : حدود القوى، السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط، لندن 1979.

    -         ناصر زيدان: دور روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بطرس الأكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم (ناشرون) – بيروت، 2013م.

    -         كمال حبيب ، النيوزويك تكشف جرائم الروس في الشيشان ، إسلام ويب ،2002.

    -         محمود سمير المنير ، الشيشان بركان الأحزان ، دار الكلمة المنصورة ، 2000 .

    -         د. راغب السرجاني ، تاريخ الصراع الشيشاني الروسي ، موقع قصة الإسلام،2007.

    -         محمود المنير ، سوريا بين الهيمنة الأمريكية والتدخل الروسي .. الصراع على حافة الأرض! ساسة بوست2015.

  • مداخلة: إعادة ترسيم خرائط المنطقة ومواقف الأقليات: انهيارات الحكم المركزي – سايكس بيكو … د. بهاء بوكروم

  • مداخلة: القوى السياسية والمجتمعية في بلاد الشام: نحو التجزئة أم نحو الوحدة … د. عماد الحوت

    imad_el-hout_11-16_paneldiscussion_sykes-picot_2016يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يقدم مداخلة د. عماد الحوت، حول ”القوى السياسية والمجتمعية في بلاد الشام: نحو التجزئة أم نحو الوحدة“.
    وقد قدمت هذه المداخلة في في حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في بيروت، في 26/5/2016.


    –
     لتحميل المداخلة، اضغط على الرابط التالي:
     
    >>  
    مداخلة: القوى السياسية والمجتمعية في بلاد الشام: نحو التجزئة أم نحو الوحدة … د. عماد الحوت Word (9 صفحات، 1.8 MB)
     
    >>  
    مداخلة: القوى السياسية والمجتمعية في بلاد الشام: نحو التجزئة أم نحو الوحدة … د. عماد الحوت  (9 صفحات، 567 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/11/2016


    مداخلة: القوى السياسية والمجتمعية في بلاد الشام: نحو التجزئة أم نحو الوحدة … د. عماد الحوت

    لقد هزّت ثورات الربيع العربي أهم الركائز الصلبة للنظام العربي الذي كان يقوم على أنظمة سلطوية، كما أدت الثورة المضادة التي واجهت الربيع العربي إلى تكشّف الطبيعة غير المتجانسة للنسيج الاجتماعي في عدد من الدول العربية، وفي العلاقة الهشّة بين هذا الواقع الاجتماعي وبين الدول نفسها.

    واليوم، تتآكل الأنظمة السياسية لعدد من الدول في الشرق الأوسط وتنهار الدول وتتفتّت المجتمعات حيث كانت الجماعات الطائفية والعرقية والقبلية المختلفة، حتى وقت قريب، تتعايش في بيئات اجتماعية أشبه بالفسيفساء، في الغالب ضمن نظم دولة قومية شديدة المركزية.

    أولاً: المناخ السياسي العام:

    في أتون الفوضى التي انتابت الجمهوريات العربية ابتداء من سنة 2011، بدأت تظهر رسومات وخرائط جديدة لإعادة تقسيم المشرق العربي وفق مصالح القوى الدولية المتنافسة، ولقد تفاوتت مواقف مختلف الفرقاء أصحاب التأثير من منطقة بلاد الشام من مشاريع التجزئة أو الحفاظ على وحدة هذه البلاد:

    ‌1. دولياً:

    • في 2/3/2016 ألمح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إلى أن روسيا لن تقف ضدّ فكرة إنشاء دولة فيدرالية في سورية.

    • على الرغم من الالتزام المعلن للإدارة الأمريكية بوحدة سورية وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، إلا أن عدد من التصريحات بدأت تلمّح إلى قبول التقسيم، ففي 6/3/2016 تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن الخطة (ب)، وبأنه قد يكون من الصعب إبقاء سورية موحدة، إذا استمر القتال لفترة أطول من ذلك.

    ‌2. إقليمياً:

    • في 6/3/2016 أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن تركيا ترفض تقسيم سورية لدويلات.

    • وفي 24/4/2016 أعلن كبير مستشاري السيد خامنئي اللواء يحيى صفوي، في تصريح للصحفيين على هامش الملتقى الوطني لتطورات الجغرافيا السياسية في غرب أسيا، أن إيران تعارض تقسيم العراق وسورية واليمن وقال إننا نسعى إلى إقرار الأمن وبقاء النظام السياسي السوري.

    كما حذّر أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي من مخطط أمريكي لتقسيم سورية والعراق واليمن ودول أخرى بالمنطقة.

    • وفي 19/2/2015، حذّر ملك الأردن عبد الله الثاني من أن أي تقسيم لسورية سيوجد مشاكل خطرة للشعب السوري والمنطقة برمتها وسيُنتج كيانات هشة تشكل عبئاً أمنياً وبشرياً على جيران سورية وقد يغذي ذلك توجهات انفصالية خطرة في المنطقة.

    • وفي 26/2/2016، قال وزير دفاع الكيان الصهيوني موشيه يعالون على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، أن بلاده تتوقع تشكيل جيوب في سورية سواء كانت منظمة أم لا، تشكلها مختلف القطاعات التي تعيش وتقاتل هناك، مؤكداً أن سورية لن تكون موحدة في المستقبل القريب….. للمزيد


    >> للمزيد حول حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“: اضغط هنا

  • مداخلة: سايكس بيكو راهناً: الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي في مدار التآكل … أ. محمود حيدر

    Panel-Discussion_Sykes-Picot_2016_Mahmud-Haidarيسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يقدم مداخلة الأستاذ محمود حيدر، حول ”سايكس بيكو راهناً: الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي في مدار التآكل“.

    وقد قدمت هذه المداخلة في في حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في بيروت، في 26/5/2016.


    –
     لتحميل المداخلة، اضغط على الرابط التالي:
     
    >> 
    مداخلة: سايكس بيكو راهناً: الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي في مدار التآكل … أ. محمود حيدرWord (8 صفحات، 5.8 MB)
     
    >> 
    مداخلة: سايكس بيكو راهناً: الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي في مدار التآكل … أ. محمود حيدر  (8 صفحات، 690 KB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 20/2/2017


    مداخلة: سايكس بيكو راهناً: الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي في مدار التآكل … أ. محمود حيدر

    تتوخى هذه الأملية الإحاطة الإجمالية بالتحولات التي أطلقتها اتفاقية سايكس بيكو سحابة مئة عام على الجغرافيا العربية المشرقية والآثار المترتبة عليها راهناً. ولقد كان عليّ -تبعاً لذلك- أن أقارب الاتفاقية من وجهين متلازمين: أولاً، بوصفها حادثاً تاريخياً فتح على زمن وختم على آخر، وثانياً بما هي أطروحة مؤسّسة لثقافة سياسية حكمت وعي نخب الأمة وجماهيرها على امتداد أجيال متعاقبة.

    من جهة كونها حادثاً تاريخياً فقد شكلت منظومة سايكس بيكو لحظة انتقال تاريخي من حيِّز ما اصطلح عليه بالوطن الإسلامي تحت رعاية الدولة العثمانية المترامية الأطراف، إلى حيِّز مغاير أملته رغبات ومصالح الإمبرياليات الصاعدة للحداثة الغربية. كانت الحصيلة أن جرى تحويل الوطن الواحد إلى رهطٍ من الأوطان، وصارت الحدود فيما بينها أشبه بـ”جُدُر مقدسة”، أطلقت منازعات وحروباً وفتن لا تني تداعياتها تعصف بتلك الأوطان من كل جانب.

    وأما من جهة كونها أطروحة في الثقافة السياسية التاريخية، فقد أنشأت سايكس بيكو حقلاً خصباً لولادة الأسئلة الكبرى حول ماهية وهوية وثقافات الدول الناشئة ومستقبل شعوبها.

    سايكس بيكو كحادث وأطروحة معاً هو في الناتج العام هندسة جيو-سياسية وثقافية وأمنية أنجزتها إمبرياليتا الحداثة الفرنسية والبريطانية في مطلع القرن العشرين. لتفتح بذلك بداية التاريخ الجديد في شبه القارة العربية – الإسلامية.

    1. الجيو-بوليتيك العربي في مقام التوصيف:

    صورة الجيو-بوليتيك العربي الإسلامي اليوم، ولا سيّما في ناحيته المشرقية، هي امتداد للصورة الأصلية قبل مئة عام. فإنها لا تفارقها إلا في تقنيات الظهور والتظهير. قد يقول قائل إن توصيفاً كهذا قد ينقل إلى الأذهان انطباعاً مؤداه: أن تبديلاً جوهرياً فيما انعقدت عليه هندسة سايكس بيكو بات لا وجوب له ما دام كل حدث يجري الآن لا يناقض الحادث المؤسِّس ولا ينفيه. قد يكون لهذا التوصيف حظّ من الصواب لو انتأينا قليلاً من زحام التحولات الذي يطوي المنطقة تحت أجنحته الدموية منذ سنة 2011. حالئذ سوف يظهر لنا وصلٌ جوهريٌ بين منطق سايكس بيكو في بدايات القرن العشرين، وما ينبني عليه المشهد المتمادي في مستهل القرن الحادي والعشرين. فالحاصل هو أدنى إلى الاستئناف المتجدد لهذا المنطق. حتى ما يمكن أن نصطلح عليه بـ”الجيولوجيا السياسية” الأمنية التي تعصف بالمنطقة منذ نحو ستة أعوام، فإنها لا تخرج عن هذا الفضاء الممتد. ما عُرف بربيع العرب كان أدنى إلى ثورات وثورات مضادة، وحروب أهلية تغذيها محاور إقليمية ودولية… وكل ذلك يروح يتوغل في منازل الجيو-بوليتيك العربي على نحوين متوازيين:

    النحو الأول: اضطراب في التحول الداخلي، أدى إلى وضع الجيو-بوليتيك السياسي والاجتماعي العربي أمام حدّين سالبين: حدّ الاستغراق في الفوضى والعنف… وحدّ المصادرة والاحتواء. وهو ما ألفيناه جلياً في اختبارات مصر وتونس واليمن وليبيا، إضافة إلى سورية ولو بوقائع وصور متباينة… للمزيد


    >> للمزيد حول حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“: اضغط هنا

  • مقال: الولايات المتحدة: من حدود سايكس بيكو إلى جدران الدم (العراق نموذجاً)… د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    استنتاجات خاطئة:

    الذين يرون أن الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من المنطقة (خصوصاً المشرق العربي) مخطئون. والذين يسوقون باراك أوباما وسياسته في المنطقة كـ”بطة عرجاء“ يجانبهم الصواب. والذين يصفون السياسة الأمريكية في المنطقة بالضعف والترهل، يبدو أنهم استعجلوا في استنتاجاتهم غير الصحيحة.

    ما تقوم به الولايات المتحدة في المنطقة لا يعبِّر بالضرورة عن فشل أو عجز أو ارتباك؛ وإن قراءة متأنية للسياسة الأمريكية وعملية صناعة القرار فيها… تشير إلى أن المصالح العليا لم تختلف… وتوجيه مسار الأحداث الكلية بما يخدم السياسة الأمريكية لم يختلف… وأن محصلة تدخّل القوى الأخرى (بمن فيها الروس)… لا تبعد في النهاية عن الصبِّ في ”الطاحونة الأمريكية“!!

    كل ما فعله أوباما هو أنه غيَّر أسلوب التعامل الأمريكي مع المنطقة من أسلوب التدخل الغليظ الدموي المباشر والمكلِّف إلى تحقيق المصالح نفسها من خلال أدوات القوة الناعمة… وبتكاليف أقل… وربما بنتائج أفضل… وهو ما حاول تنفيذه من خلال ”الإدارة الذكية للنزاع أو للصراع“ أو بالإنجليزية Smart Management of Crisis.

    والملاحظة الثانية أن بعض الذين يتهمون أمريكا بالضعف والتردد يحاكمونها على أساس أنها القوة العظمى التي من واجبها أن تفرض الأمن والاستقرار ”في مناطق نفوذها” التقليدية. ولكن، مَنْ قال إن أمريكا في هذه المرحلة معنية بتحقيق الاستقرار، وفي المشرق العربي، وخصوصاً في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة أو الكيان الصهيوني؟!… (العراق، وسورية، ومصر…). وإذا كانت أمريكا تريد تحقيق شكل من أشكال الاستقرار، فليس بالضرورة ما تريده هو استقرار يخدم تطلعات أهل المنطقة وشعوبها في الحرية والنهضة والتنمية؛ وإنما تريد استقراراً مبنياً على خدمة مصالحها، حتى لو كان قائماً على معادلات هشَّة طائفية وعرقية، أو أنظمة قمعية، أو أنظمة تابعة تدور في الفلك الأمريكي الغربي.

    هذا المقال يركز فقط على العراق نموذجاً (ويتبعه مقال ثانٍ حول السياسة الأمريكية في سورية)، ويحاول أن يحدد حقيقة المنظور الأمريكي وممارساته تجاهها… وهو يرى أن أمريكا جاءت بعد نحو مائة عام على سايكس بيكو لتختط حدوداً ليست على الخرائط، وإنما حدوداً ترتفع فيها جدران الكراهية والدم، في مأساة وملهاة يشارك أبناء المنطقة أنفسهم في صناعتها!!

    المصالح القومية الأمريكية:

    تركز الاستراتيجية الأمريكية الدولية على المحافظة على الهيمنة الأمريكية على العالم، والبقاء كقوة عظمى وحيدة لأطول فترة ممكنة (عسكرياً، واقتصادياً، وعلمياً وتكنولوجياً…)؛ وإعادة تشكيل النظام الدولي وفقاً للمصالح الأمريكية. وهي بشكل عام استراتيجية تتميز ببراجماتية ومرونة عالية، وقدرة كبيرة على التكيف.

    وضمن هذه الاستراتيجية، وبعيداً عن الاستغراق في تصنيفات ومدارس السياسة الخارجية الأمريكية (انعزالية، وليبرالية، ومحافظة… بدرجاتها وتداخلاتها المختلفة)، فإن ثمة خطان رئيسيان يتنازعان هذه السياسة. الأول يعطي وزناً أكبر للأمن والقوة، ويعّد نفسه ممثلاً لقيم الحرية، ويميل لفاعلية أكبر في التدخل المباشر في النزاعات الخارجية ولو باستخدام القوة العسكرية، لفرض النُظم والمنظومات التي يراها متناسبة مع قيمه ومصالحه، وبما يليق مع الولايات المتحدة كقوة أولى عالمياً. أما الاتجاه الثاني فيعطي وزناً أكبر ”للقوة الناعمة“ في التغيير، ويسعى لإصلاح النظام العالمي، ويركز على آليات التفاوض والاتفاقات، ويُسوِّق اهتمامه بالتنمية وحقوق الإنسان، ويعطي اعتباراً للقوى المحلية وثقافاتها، ولاحترام الخصوصية والتعددية. ولا يميل للتدخل العسكري إلا إذا تعرضت المصالح الأمريكية العليا للخطر.

    وعادة ما يتركز أتباع الاتجاه الأول في الحزب الجمهوري، وأتباع الاتجاه الثاني في الحزب الديموقراطي.

    وعلى هذا، فإن هناك تقلُّباً بين هذين الاتجاهين، خاصة عندما يحصل الفشل لدى أي منهما… ومثال ذلك حلول رونالد ريجان ”القوي“ مكان كارتر الذي يركز على القوة الناعمة… وحلول أوباما الذي يركز على القوة الناعمة مكان بوش الابن الذي لجأ للقوة في أفغانستان والعراق… غير أن هاتان الثنائيتان لا تخرجان عن الغاية النهائية في خدمة المصالح الأمريكية العليا.

    أما الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط فتتلخص في:

    1. الحفاظ على ”إسرائيل“ وأمنها كقوة إقليمية عظمى، وباعتبارها حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة.

    2. الهيمنة على مناطق البترول لتأمين احتياجات أمريكا وحلفائها، وكأداة ضغط في الاستراتيجية الدولية.

    3. تأمين خطوط الملاحة والتجارة الدولية في المنطقة، بما في ذلك مضائق وممرات هرمز والسويس وباب المندب.

    4. دعم النظم السياسية الموالية أو ذات العلاقة الجيدة معها.

    5. ضبط وتحديد أدوار ونفوذ نظم المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية، أو بما لا يتعارض معها على الأقل.

    6. الاستفراد بالهيمنة على المنطقة ومنع أي قوة كبرى من المنافسة، إلا ضمن هامش لا يضر بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية (بما في ذلك روسيا).

    مبررات احتلال العراق:

    لم تخرج السياسة الخارجية الأمريكية في العراق طوال الخمس وعشرين سنة الماضية عن المراوحة بين خطي الإضعاف والتفتيت. فبعد التدخل العسكري المباشر بقيادة جورج بوش الأب لضرب القوات العراقية وتحرير الكويت 1991، تابع الرئيس كلينتون (كانون الأول/ يناير 1993 – كانون الأول/ يناير 2001) سياسة إضعاف وإنهاك العراق بقصد إسقاط نظام صدام حسين بالطرق ”الناعمة“ مستخدماً أساليب الحصار والعقوبات الدولية، كما تابع توفير الحماية الجوية، ومنع استخدام الطيران العراقي في مناطق التَّركُز الكردي في شمال العراق. ثم جاء جورج بوش الابن ليعود للخط الأول في استخدام التدخل العسكري المباشر لإسقاط النظام، وفرض بيئة تفتيت داخلي عليه، ثم لحقه أوباما ليتابع خط كلينتون في الإضعاف بالوسائل الناعمة مع تخفيف الأعباء العسكرية والمالية.

    خط الإضعاف الذي اتبعه كلينتون في العراق لم يكن إنسانياً ولا رحيماً ولا منطقياً في معاقبة الشعب العراقي وتدمير اقتصاده. وعلى سبيل المثال، ففي مقابلة لوكيل وزارة الخارجية العراقية رياض القيسي مع قناة الجزيرة في 1/6/2001، قال إن معدل نصيب الفرد العراقي من الأموال التي سمحت الأمم المتحدة بصرفها (طوال السنوات الخمس السابقة) كان 125 دولاراً للفرد سنوياً. مع العلم أن الأمم المتحدة، مثلاً، استوردت لمعالجة موضوع الألغام في شمال العراق 28 كلباً صرفت على إطعامهم 33 ألف دولار خلال 11 شهراً، أي أن معدل إطعام الكلب الواحد كان حوالي 1,286 دولار سنوياً أي أكثر من عشرة أضعاف المصروف الذي سمحت به للفرد العراقي. لقد عوقب الشعب العراقي وجرت محاولات لإهانة كرامته وإذلاله، تحت شعار معاقبة النظام الذي تمكن من تكييف نفسه ومن الاستمرار حتى وقوع الاحتلال.

    بعد تولي بوش الابن الرئاسة الأمريكية، حدثت نقلة نوعية في استراتيجية التعاطي الأمريكي مع المنطقة، فقام مدفوعاً بمدرسة ”الأمن والقوة“، ومحاطاً بتيار المحافظين الجدد المهيمن على السياسة الخارجية، ومستغلاً بطريقة فجة الأوضاع الناتجة عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ليطبق أجندات خاصة، ليس لها أي علاقة بالأحداث ذاتها. وكان احتلال العراق أكبر مثال على ذلك.

    الحجتان الرئيسيتان اللتان سعت الإدارة الأمريكية لتسويقهما لتبرير احتلال العراق كانتا:

    1. حيازة العراق لأسلحة دمار شامل، أو على الأقل قيامه ببرنامج لحيازة هذه الأسلحة بما يخالف التزاماته الدولية، وبما يشكل تهديداً على دول المنطقة.

    2. دعم النظام العراقي للإرهاب؛ وإيواء الإرهابيين.

    في 6/7/2016، أعلنت نتائج تقرير جون تشيلكوت الخاص بالمسؤولية عن مشاركة بريطانيا في غزو العراق، والذي يؤكد على كذب الأسباب المعلنة لاحتلال العراق، وأنها واهية أو منعدمة، ويتضح من التقرير أن المطلوب لم يكن مجرد استهداف صدام حسين ونظامه، وإنما العراق نفسه، دون أسباب حقيقية معلنة. ولكن لم تظهر مطالبة جادة بمحاسبة ومعاقبة من كذبوا وقاموا بالحرب ودمروا العراق. ولم يحدث التقرير الأثر والضغط الإعلامي الكافي لمحاسبة المسؤولين، حيث سيدفن كغيره من التقارير.

    لقد ثبت قطعاً كذب الادعاءات الأمريكية بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق. أما حكاية دعم الإرهاب… فقد كان واضحاً أنها مجرد فقاعة إعلامية… فالنظام العراقي لم يكن فيه أحد من تنظيمات القاعدة أو ما شابهها… وكان أحد أنجح الأنظمة في قمع تيارات ”الإسلام السياسي“…. ولم يخرج منه شخص واحد ليشارك في هجمات 11 سبتمبر… أو في الاعتداء على المصالح الغربية…. إذاً، فالسؤال ببساطة إذا كان هذان السببان غير صحيحان وادعاءان كاذبان… فلماذا قامت أمريكا باحتلالها للعراق؟!

    تهاوي المبرر الاقتصادي:

    اتجهت معظم التحليلات التي رفضت المبررات الأمريكية للاحتلال إلى أن الجانب الاقتصادي المتمثل في السيطرة على ثروات العراق وخصوصاً النفط ونهب خيراته، هو السبب الحقيقي للاحتلال… وما تزال هذه المدرسة هي الأكثر رواجاً حتى أيامنا هذه. غير أن قراءة متأنية لتكاليف الحرب الأمريكية على العراق تكشف أن النفقات والخسائر المالية الأمريكية كانت أكبر بكثير من حصول الأمريكان على النفط العراقي ولو بأسعار تفضيلية أو شبه مجانية!! ومع ذلك فالإدارة الأمريكية لم تنهب نفط العراق، كما لم تهبط أسعار النفط في أثناء احتلال الأمريكان للعراق.

    من جهة أخرى، فقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية أن نفقاتها المباشرة على الحرب في الفترة 2003-2010 بلغت نحو 758 مليار دولار. أما الدراسة التي أعدها معهد واتسون للدراسات الدولية في جامعة براون (وهي جامعة أمريكية) فقد أظهرت أن تكاليف الحرب للفترة نفسها تزيد عن 1,100 مليار دولار، أي بما معدله ملياران و640 مليون دولار أسبوعياً. الخبير الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، أعد بالتعاون مع ليندا بيلميز من جامعة هارفارد، دراسة قالت إن تكاليف الحرب على العراق ستكلف الاقتصاد الأمريكي نحو ثلاثة تريليونات دولار (ثلاثة آلاف مليار) في المعدل المتوسط، وبأرقام متحفظة.

    وأشارت وحدة البحوث في الكونجرس الأمريكي إلى أن تكاليف الحرب على العراق ستصل إلى نحو تريليون و700 مليار دولار في سنة 2017، بما في ذلك جوانب الرعاية الصحية للجرحى والمصابين من الجنود الأمريكان وفوائد القروض… وغيرها.

    وقبل أقل من أسبوع من العدوان على العراق (آذار/ مارس 2003)، أعلن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن الحرب في سنتها الأولى ستكلف ثمانين مليار دولار، وأن هناك حاجة لإنفاق نحو عشرين مليار دولار على مدى سنتين ليتعافى الوضع في العراق، غير أنه لم يتحدث عن تكاليف بقاء الجيش الأمريكي في العراق. فهل تعمد عدم التحدث عن تكاليف البقاء المحتملة للجيش حتى لا يؤثر سلباً على الرأي العام الأمريكي، أم أن سوء التقدير بلغ به أنه لم يكن يتوقع البقاء لأكثر من سنتين في العراق؟!

    ربما ساعد الحصول على النفط العراقي بأسعار تفضيلية، وعقود إعادة الإعمار في العراق، وحتى دفع دول المنطقة لشراء الأسلحة الأمريكية… في خدمة الاقتصاد الأمريكي… ولكنها كلها عوامل غير كافية لتبرير احتلال العراق، ودفع تلك الأثمان الهائلة… فيما يبدو استثماراً خاسراً.

    إذاً، لا مكاسب اقتصادية من الحرب على العراق… بل تكاليف هائلة أسهمت بشكل أو بآخر في الإضرار بالاقتصاد الأمريكي… وصرفت الناخب الأمريكي لاختيار المرشح الديموقراطي أوباما.

    الأبعاد الجيوستراتيجية والخلفيات الدينية والثقافية:

    ما هو أقرب للصحة أن الخلفية الدينية والثقافية للمحافظين الجدد الذين أحاطوا بالرئيس بوش الابن، والرغبة في الاستفادة من البيئة العالمية المعادية لـ”الإرهاب“ والتي نشأت وجرى تعزيزها بعد أحداث 11 سبتمبر، قد دفعت صانع القرار الأمريكي لتبني رؤى إعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية، بما يسهل مزيداً من الهيمنة الأمريكية عليها، وبما يخدم الكيان الإسرائيلي. ومن المفكرين الكبار الذين دعوا إلى تفتيت العالم العربي المؤرخ اليهودي الصهيوني المشهور برنارد لويس؛ والذي كان له تأثير مهم على مدرسة المحافظين الجدد، وعلى الرئيس جورج بوش الابن نفسه، من أبرز من دعا إلى تفتيت العالم العربي، معترضاً على أخطاء سايكس بيكو التي لم تراع الأسس الطائفية والعرقية. وقد بنى الكاتب الأمريكي رالف بيترز Ralph Peters على دراسات لويس ودعا إلى تقسيم الشرق الأوسط في مقاله ”حدود الدم“، التي نشرها في مجلة الجيش الأمريكي Armed Forces Journal في حزيران/ يونيو 2006. الذي تحدث بشكل فجِّ عن تقسيم العراق والسعودية، فاقترح دولة للشيعة العرب في جنوب العراق تمتد لتضم منطقة الإحساء وجنوب غربي إيران المطلة على الخليج وخصوصاً مناطق الأهواز وعربستان. كما اقترح دولة للعرب السنة وسط العراق وأخرى للأكراد تمتد شمالي العراق وشمال غربي سورية وشرقي تركيا وشمال غربي إيران. ولذلك، كان ثمة رغبة في ضرب العراق وتفتيته داخلياً، بغض النظر عن أي مبررات حقيقية قانونية أو مسوغات تمس الأمن القومي الأمريكي.

    معالم السلوك الأمريكي المعاصر في المنطقة:

    دَشَّن الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 في عهد بوش الابن مرحلة جديدة في الانغماس الأمريكي المباشر في إعادة تشكيل أو تطويع النُّظم السياسية في المنطقة، ثم جاء أوباما ليتابع خط الإضعاف والتطويع بالوسائل الناعمة. غير أن السلوك الأمريكي ظلّ يسير ضمن عدد من المحددات والمعالم أبرزها:

    1. إضعاف أنظمة المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بحيث يسهل إخضاعها، ولا تشكل أي خطر على الكيان الإسرائيلي وعلى المصالح الأمريكية.

    2. لم يكن المطلوب بالضرورة رسم حدود سياسية جديدة، ولكن تأجيج الصراع الطائفي والعرقي بشكل يمزِّق النسيج الاجتماعي؛ داخل الدولة الواحدة، وبما يرفع جدران الحقد والكراهية بين الناس.

    3. إيجاد بيئات لتزايد الحساسيات والعداوات الإقليمية بين دول وشعوب المنطقة، على أسس طائفية ومذهبية وعرقية (سنة وشيعة، عرب وفرس وأتراك وأكراد…) بحيث تُستهلك في هكذا عداوات، بعيداً عن العدو المشترك ”إسرائيل“.

    4. قطع الطريق على أي مشروع نهضوي وحدوي في المنطقة، يمكن أن يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية أو للكيان الإسرائيلي.

    ولم يكن هذا السلوك الأمريكي ليجد لنفسه سوقاً، لولا أن الأنظمة الفاسدة والمستبدة والقمعية في المنطقة فشلت في مشاريعها النهضوية والوحدوية، كما فشلت في بناء الدولة القطرية الحديثة، وفي تقوية البنى الاجتماعية وتنمية الشعور بالمواطنة والولاء لدى شعوبها، بعيداً عن العصبيات الدينية والعرقية.

    السلوك الأمريكي كان معنياً بإيجاد البيئات المناسبة لتصاعد التوتر الطائفي والعرقي، دون أن يقوم بدور فظٍّ مباشر في هذا الإطار، لأن ذلك قد يفسد عليه خطته، وسيوجِّه أسهم الاتهام إليه. كان عليه فقط أن ”يكشف الغطاء عن الطنجرة”، ليجد ما يكفي من تيارات واتجاهات وقوى في الساحة العراقية مستعدة لصبِّ الزيت على النار الطائفية والعرقية.

    ومن أمثلة الإجراءات والسياسات التي اتبعها الأمريكان:

    1. القيام بحلِّ الجيش العراقي بطريقة كيفية؛ والسماح بإنشاء جيش جديد هيمنت على الكثير من مفاصله قوى طائفية.

    2. توفير الغطاء للأكراد في شمال العراق لتعزيز حكمهم الذاتي، وتكريس البنى التحتية للابتعاد عن الدولة المركزية والانفصال.

    3. السكوت عن تشكيل مليشيات عسكرية طائفية، مارست التحريض، وكانت جزءاً أساسياً من صراعات دموية طائفية تحت سمع الأمريكان وبصرهم.

    4. ترك مظاهر الفساد الإداري والمالي والسياسي تتفشى في كل مفاصل الدولة، وتكريس المحاصصات الطائفية والعرقية في البنى التحتية… وإغماض العين عن سرقة جهات وشخصيات عراقية متنفذة للمليارات من ثروات العراق وشعبها. فحسب عادل عبد المهدي، وزير النفط العراقي السابق، فإن الفساد أفقد البلاد 450 مليار دولار منذ 2003 وحتى 2015. كما أن الناطق باسم هيئة النزاهة في العراق عادل نوري أبلغ البرلمان العراقي عن اختفاء نحو 500 مليار دولار من الخزينة العراقية خلال فترة حكم المالكي 2006–2014. أما رئيس هيئة النزاهة الأسبق رحيم العكيلي فقد قال إنه قد تمّ عمل 6 آلاف عقد وهمي بـ 227 مليار دولار… وكان تقرير سابق للجنة المالية في البرلمان العراقي قد قال إن الهدر المالي خلال فترة حكومة المالكي قد بلغ 109 مليارات دولار. كل ذلك وضع العراق خلال ”العهد الأمريكي“ ضمن قائمة أكثر الدول فساداً في العالم، وضمن آخر خمسة دول في العالم في مؤشر الشفافية.

    5. السياسة الأمريكية والغربية التي بنت وكرست خطاباً إعلامياً يتحدث بشكل متواصل وبكافة الوسائل المؤثرة عن الجنوب الشيعي والوسط السني والشمال الكردي… بحيث أصبح ذلك أمراً عادياً منطبعاً في الوعي واللا وعي العراقي والعربي والدولي.

    6. هناك علامات استفهام حقيقية عن ترعرع ظواهر التطرف وانتشارها تحت الاحتلال الأمريكي… وتزايد أعداد المنتمين إلى الجماعات المتطرفة بالآلاف، بعد أن لم يكن لهم وجود تحت حكم صدام حسين. أي أن نمو قوى ”التطرف” حدث فعلاً تحت الاحتلال الأمريكي… ليس بالضرورة لأن أمريكا هي التي تصنعهم، وإنما لأن الاحتلال نفسه يؤجج المشاعر ضدها بكافة الأشكال المنضبطة وغير المنضبطة. وقس على ذلك ظاهرة صعود داعش، والتراخي النسبي في التعامل معها.

    7. التقصير المتعمد أو غير المبرر في حماية التراث والآثار والتاريخ العراقي والهوية الوطنية العراقية… بما في ذلك السكوت عن نهب المتحف الوطني.

    لقد تسبب الاحتلال الأمريكي وسياساته بأحد أعظم الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث والمعاصر، فخلال عشر سنوات من الاحتلال تم إحصاء مقتل نحو 134 ألف مدني، ولعله تسبب الاحتلال بوفاة أربعة أضعاف هذا العدد (بحسب تقديرات ”معتدلة“ لجامعة براون)؛ ومئات الآلاف من الجرحى، بالإضافة إلى ملايين المهجَّرين، والأهم من ذلك ارتفاع جدران الدم بين مكونات المجتمع العراقي.

    نواصل الحديث في مقال قادم حول السياسة الأمريكية في سورية

    هذا المقال هو نسخة معدلة عن النص الذي نشر في الجزيرة.نت، الدوحة 30/7/2016

مجموعة التفكير الإستراتيجي

مؤسسة نفع عام مستقلة وغير ربحية مسجلة بتركيا، رائدة وشريك دولي في التفكير الاستراتيجي، تعمل على تطوير مستوى الوعي والتفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية

المزيد

القائمة البريدية

تقوم المجموعة باصدار مجموعة من النشرات البريدية بشكل دوري. لتصلك أحدث اصدارتنا ونشراتنا البريدية قم بالتسجيل معنا
جميع الحقوق محفوظة مجموعة التفكير الاستراتيجي © 2025.تم التصميم والتطوير بواسطة List.Istanbul.