• " الاستيطان والجدار في محافظة سلفيت"

    تعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية الأشد تضررًا من المشروع الاستيطاني لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي والمركزي على هضاب جبال الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية، وقد تعرضت هذه المحافظة كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى اجتياح كبير واستهدافٍ لأراضيها الخصبة والمرتفعة على مدى العقود الماضية منذ دخول الاحتلال إليها. وقد كانت سلفيت تاريخيًا تتبع إلى محافظة نابلس خلال الحكم الأردني قبل عام 1967، ومن ثم إلى محافظة طولكرم بعد الاحتلال الإسرائيلي، وبعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في التسعينيات تم إصدار قرار بتحويلها إلى محافظة مستقلة عن المدن المجاورة. وتبلغ مساحة محافظة سلفيت بحدودها الإدارية الحالية (204 كيلومتر مربع) ويسكنها حوالي 75 ألف فلسطيني (الإحصاء الفلسطيني، 2017)، وتخضع الغالبية العظمى من أراضيها (حوالي 75%) للسيطرة الإسرائيلية، وهي المناطق المصنفة (ج) بحسب اتفاقية أوسلو. وبسبب وجود هذه السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، فقد استبيحت أراضيها بالقوة وأصبحت امتدادًا للمشروع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية التي تشكل منطقة استهداف إستراتيجي للمشروع الصهيوني السياسي والاستيطاني ضمن ما يسمونها منطقة (السامرة). ومنذ عام 1967 تصاعد الوجود الاستيطاني في سلفيت حتى وصل ذروته في الوقت الحالي بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي ووجود سكاني إسرائيلي كبير نسبيًا.

    وتعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية المنكوبة بفعل المشروع الاستيطاني حتى أصبح البعض يسميها أسفًا "محافظة المستوطنات"؛ نتيجة للتغول الاستيطاني الكبير على حساب الوجود الفلسطيني، وقد عملت المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية والأهلية والشعبية ضمن إمكانياتها المحدودة والمتواضعة على دعم صمود هذه المحافظة وسكانها في وجه الاستيطان، لكن القوة العسكرية للاحتلال تفرض نفسها على الأرض، وقد وقف أهالي محافظة سلفيت وقراها مدافعين عن أرضهم وقدموا لذلك ما استطاعوا وظلوا صامدين على الأرض.

  • إيرانُ تحاربُ الربيعَ العربيَّ ” حالة اليمن ، البحرين ، سوريا ” 2 ....د. نبيل العتوم

    كيفَ تعاملتْ إيرانُ مع  ثورات الربيع  العربي ؟، ولماذا قاتلتِ الدولةُ والثورة الإيرانية للوقوف ضدّ الثورات في سوريا ومصر، وشوّهت صورتها، ودعمتْ بالمقابل  ما يجري في اليمن ومملكة البحرين ؟

                قد يظنُّ البعضُ أنَّ هذا بالفعل يكشف عن حقيقة السلوك الخارجيّ الإيرانيّ، ويعرّيه  تجاه العالم العربي؛ وهذا الأمر دقيق بمجمله، لذا فإنّ هذه الدراسة ستوضح مدى أهمية دراسة هذه الصورة للثورات العربية في الإعلام الإيراني،   وتحليلها بالاعتماد على صحف التيار المحافظ ، لسان حال المؤسسات  الفعلية الحاكمة في إيران الدولة والثورة .

               وباستعراضِ جميع وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة، نجدُ أنّها  كانتْ تحتوي  دونَ استثناء مقالات وأخبار وتعليقات تتناولُ من خلال موضوعه  الثورات العربية ونعتها بأوصاف حسب الثورة والإطار الجغرافي الذي تجري به، ومن خلال هذه الوسائل، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة صورة الثورات العربية، التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها، ومضمونها، وأمكن بالتالي استخلاص المعاني الرئيسية، وتحليلها،  والتي ساهمتْ بالتالي في تشكيل هذه الصورة؛ والتي ركّزتْ أساساً على الاحتجاجات في اليمن، والبحرين ، وهذا له مغزاه ودلالاته بحكم أنّ هذه الدول ذات أغلبية شيعية. حيثُ أنّ موجةَ الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي دفعت إيران إلى إعلان دعمها للحركات المناهضة التي جرت في دول وصفتها بالدكتاتورية خلافاً لموقفها من الانتفاضة في سوريا.

                 والملاحظُ إعلانُ إيران  مباشرةً دعمها لبعض الحركات الموالية – وليس كلّها – التي وصفتها بتعطشها للديمقراطية، وتحقيق العدالة .

                  سعتْ وسائلُ الإعلام الإيرانيّة المحافظة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من خلال تناولها للثورات في المنطقة العربية، واعتمدت في خطابها الإعلامي على عدة وسائل وآليات، من أهمّها توفير الدعم لطوائف ” شيعية “، ولنظم سياسية تؤيّد، وتخدمُ السياسات الإيرانية وإستراتيجياتها؛ وذلك بغضّ النظر عن درجة شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها، وقد صنّفت طهرانُ الثورات في الدول العربية إلى اتجاهين: ثورات مشروعة، وثورات غير مشروعة، ومحرّمة شرعاً ؛ وهذا التصنيفُ جاءَ بحسب جدلية التقارب والتباعد بالنسبة للدول التي تعيشُ حالةً ثوريّةً من إيران، ومدى انسجامها مع سلوكها الخارجي، وإستراتيجيتها في المنطقة.

               وقد مثّلتْ بعضُ الثورات العربية التي تشهدها العديدُ من الدول العربية حالياً صدمة لأركان الحكم المحافظ، وذلك لخطورة بعض هذه الثورات، وتداعياتها على الأمن القوميّ الإيرانيّ، ولهذا لم يكنْ مستغرباً وصف الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) أن إحدى أهم ثمرات هذه الثورات  هو “تشكل الشرق الأوسط الإسلامي الجديد، ولكن هذه المرة دون هيمنة  قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل ” على حدّ  تعبيره ، معتبراً أن ما  يشهده الشرق الأوسط حالياً هو زلزالٌ سياسيٌّ كبيرٌ ([1])، وقد وصفَ مرشد الثورة  (آية الله علي خامنئي)  الانتفاضات العربية بأنها “صحوةٌ إسلاميّةٌ عظيمةٌ استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثتْ في العام  1979م، وأنّ النصر الإلهي الذي تمخَّضَ عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية ([2]).

                 وقد حاولتْ  بعضُ صحف الإعلام  الإيراني المحافظة المقارنة بينَ الثورات في العالم العربي، والثورة الإسلامية في إيران من  حيثُ التركيز على محورية الاختلاف بين الثورة الإسلامية والثورات في المنطقة العربية؛ من حيث فقدان الثورات العربية للأيديولوجية  القادرة على توجيه هذه الثورات، وعدم وجود قيادة كاريزمية مؤهلة لتسيرها، إضافة إلى إعطاء أهميّة كبرى إلى دور وسائل الاتصالات الحديثة، وشريحة الشباب  في خلق البيئة المناسبة لتواصل امتداد لقيادة الثورات وتوجيهها ([3]).

               كذلك تنبّأتْ معظمْ  صحف الإعلام المحافظ عموماً على عدم قدرة الأنظمة السياسية العربية؛ خاصة ليبيا، الأردن، البحرين، المغرب، اليمن، السعودية على إجراء الإصلاحات الحقيقية التي تحظى برضا شعوبها ، الأمر الذي يعرض بقاء هذه الأنظمة لخطر الانهيار، والتنبؤ بسقوطها تباعا([4])، وتوصّلت إلى نتيجة مؤدّاها  بأنَّ التطورات الثورية التي تجري في العالم العربي سوف تكونُ ضدّ  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ؛ لأنّ الحالة الثورية التي تعيشها بعضُ الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبّرُ عن ضمير هذه  الشعوبِ الرافضةِ لهيمنة قوى الاستكبار الغربي ([5]).

                 ولمحاولة استجلاء تداعيات هذه الثورات على إيران، تكثرُ حالياً في طهران  عقد العديد من الندوات للبحث في مستقبل العلاقات الإيرانية- العربية، بسبب ما تعيشه  وتتعرّضُ له المنطقة، من تطورات دراماتيكية غير مسبوقة وغير متوقعة.  وتجري هذه الأنشطة في أروقة الإدارات المعنية بأقسام العلوم السياسية في الجامعات الإيرانية، ووزارة الخارجية ،ومراكز الأبحاث المتخصصة ؛ومحور كل هذه النقاشات ينصب على بحث ما يجب على إيران القيام به للاستفادة من نتائج هذه الثورات ،والحد من تداعيات بعضها، حيثُ نشرت الصحف المحافظة سيناريوهات لما بعد هذه الثورات على افتراض نجاحها، واحتمالية سقوط بعض أنظمة الحكم العربية، بما فيها بعض الأنظمة الخليجية، واستشراف كيفية تبني إيران لدبلوماسية الاستفادة من هذه الفرص المتاحة؛ خاصّةً من التطورات الحاصلة في العالم العربي عموماً، والدول الخليجية خصوصاً، من حيثُ ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون، وتبديل التهديدات السابقة بفرصٍ واعدة، وهذا ما سيمكّن إيران من أنْ تصبحَ دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط ( [6]).

                  تاريخياً اعتمدت إيران الثورة على التعاون مع نظم حكم عربية، خدمةً لمصالحها، ولتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة العربية، ولطالما اتّهمت بعض الشعوب والحركات السياسية إيران بالازدواجية وتناقض المواقف، فمن ناحية كانت إيران تدعي دعمها للحركات الإسلامية، إلا أنها في الواقع كانتْ تدعمُ حكومات تسلّطية ديكتاتورية  لضرب هذه الحركات كما هي الحال بالنسبة لسوريا  سابقاً والآن .

                 على أساس هذه الرؤية، يمكنُ تصنيف الإستراتيجية الإيرانية للإعلام المحافظ من الثورات العربية – حسب الدول محل الدراسة إلى فئتين:

    الفئة الأولى: موجهةٌ بشكلٍ رئيسي إلى الثورة في اليمن والبحرين؛ إذ أقرّت طهرانُ من خلال صحف التيار المحافظ  بضرورة تغيير النظام  في هاتين الدولتين، وأن أنظمة الحكم فيهما قاما بعمليات إبادة جماعية ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية  مستهدفة شعبيهما، وأنّ بقاءهما أصبح جزءاً من المشكلة، وليس جزءاً من الحل، وقد تمَّ وصف الثورة في هاتين الدولتين، ونعتها بعدة أوصاف: ثورة العدالة والمحرومين([7])، ثورة  الحق والعدالة([8] )، الثورة الحسينية([9])، كربلاء البحرين واليمن ( [10] ) ، ربيع الحرية في البحرين)[11] ( ، ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية([12] )، ثورة الخلاص([13] )، ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين([14])، انتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين([15])، “الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران([16] )، ثورة جنود الإمام  وأحبائه([17])، وقد انتقدتْ صحف التيار المحافظ بشدة  النفاق الأميركي في التعاطي مع الاحتجاجات في البحرين واليمن، والفشل الأميركي في إدانة العنف المستخدم من جانب حكومة هذه البلدين على عكس الحالة السورية  التي انتقدت التدخل الغربية لدعم مطالب المحتجين، وهذا يكشفُ نفاق التيار المحافظ الحاكم في إيران.

                  من خلال تقديم هذه الرؤية نستخلصُ أنّ إيران تحاول  من جهة دعم الثورات الناشئة في اليمن والبحرين وتعبئة شعبيهما مذهبياً، وهذا ما اتضح من خلال النعوت والصفات التي أطلقت على هذه الثورات، ومن جهة المحافظة على مد ودعم  نفوذها التقليدي هناك، وحاولت دعم نفوذها وتعزيزه، إلا أنَّ أهم ما يميّزُ أهداف طهران هو الإطاحة بأنظمة هذه الدول، تمهيداً لقطف ثمار تغيير السياسات في هذه الدول تجاه إيران.

                 فبالنسبة للثورة في البحرين اتهمت إيران أميركا بدعم الملكحمد بن عيسى آل خليفة)، وانتقدت صمت الأميركيين إزاء ما وصفته بوحشية سلطات البحرين في قمع الانتفاضة الشعبية، وإدانة التدخل العسكري السعودي هناك، وقد اعتبرت صحف التيار المحافظ  الثورة في البحرين بأنها  حدث ثوري  فاقت التصورات ، وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم هناك ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم ([18]).

                  وقد أغرقت صحف التيار المحافظ باتهام  الأسرة  الحاكمة في البحرين بالسعي لتنفيذ مخطط خارجي هدفه  زرع الفتنة بين السنة والشيعة، وأن الشعب البحريني قد تدارك الموقف بسرعة، وأجهضَ هذه المؤامرة التي حاكتها الحكومة البحرينية بالتعاون مع قوى الاستكبار العالمي، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ([19])، واعتبار اتهام السلطات البحرينية  للمعارضة بأنها تستمدُّ قوتها من الخارج، قد ثبت عدم صحته، وقد كشفَ مؤامرات هذه الحكومة، ومن يقفُ معها، بإعلان كلينتون، بأنَّ الثورةَ البحرينية قد تشكَّلت  داخلَ البلاد ([20]).

                 يتَّضحُ من خلال ثورة البحرين –حسب رؤية صحافة التيار المحافظ – بأنَّ هذه الأزمة ليستْ في طريقها إلى الحلّ، ويعزّي أسباب ذلك إلى  تصاعد حدّة هذه الأزمة بعد دخول القوات السعودية والإماراتية إلى البحرين، وأنَّ قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربي إرسال قوات إلى البحرين جاء نتيجة الدعم الأمريكي لهذا القرار بهدف قمع انتفاضة الشيعة هناك ، وإنقاذ حكم أل خليفة الذي سيزول عاجلا أم أجلاً، وحماية الأسطول الخامس في البحرين، الذي يبسطُ نفوذه للسيطرة على المياه الإقليمية لدول المنطقة، وتهديد الأمن القومي الإيراني ([21] )، وتحميل دول مجلس التعاون، خاصة السعودية  تبعات ذلك ، لأنها ستدفع ثمن تدخلها في الأزمة البحرينية إن  أجلاً أم عاجلاً([22])، وقد ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ  على ضرورة  وجود إجماع دوليّ وإقليميّ لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني، وتورطها بشكلٍ مباشرٍ في قمع الشعب البحريني الثائر، والساعي إلى إقامته حكومته التي تعبّرُ عن طموحات الشّعبِ البحريني في التحرر، معتبرةً إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة لا تغتفر، مطالبة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلاميّ، وجامعة الدول العربية بإدانتها ([23]) ، ونعتتِ القوّات التي دخلتِ البحرين بالمرتزقة ([24]).

                 وقد حملتْ صحفُ التيّار المحافظ الدولة السعودية مسئولية نشر الأفكار المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، فجاءتْ ردة ُ فعل الشعوب ضدّ حكوماتها كردة فعل على ما أنتجه هذا الفكر من سياسات راديكالية، تبنتها بعضُ الأنظمة السياسية التي حكمت دول المنطقة، وفي مقدمتها النظام الحاكم في البحرين، متهمةً أجهزة  المخابرات السعودية والإماراتية بالتنسيق مع تنظيم القاعدة، والتياراتُ التكفيريّةُ لمواجهة  الشيعة في دول منطقة الخليج ضمن مخطط مدروس ومعدّ له مسبقاً ([25]).

                    والنتيجةُ أنّ  صحفَ التيّارِ المحافظِ حمّلت السعودية مسئولية عواقب التدخل عسكرياً لقمع تظاهرات البحرين، وتحميلها عواقب ونتائج  مسئولية الدماء التي يتم إراقتها، وخلصت إلى أنَّ إيرانَ لن تقفَ مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاءَ ما يحدث هناك ([26])، والتحذير من أنّ السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين، خاصّة أنّ  السعوديةَ تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي، حيثُ أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي، وأن  دماء الشيعة البحرينيون التي يتم سفكها بأسلحة سعودية لن تذهب هدراً ([27]).

                وقامتْ  صحفُ التيّار المحافظ بالمقارنة بالدور الذي قامتْ به السعودية في منطقة صعده اليمنية  لاستهداف الشيعة هناك، ومقارنة ذلك بالدور المماثل لما تقوم به في البحرين حالياً من قمع غير مسبوق للشيعة، وسعي السعودية إلى عقد اتفاقيات دائمة مع آل خليفة لإدارة شؤون البحرين وتأكيد احتلالها للبحرين بشكل رسمي ([28]).

                   وقد علّلتْ صحفُ التيّار المحافظ  قيام السعودية بإرسال قواتها إلى البحرين إلى عدة عوامل من أبرزها : الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها، حيثُ اعتبرتْ أنّ هناك حالة ذعر سرت في مؤسسات الحكم في السعودية، وزادت من حدتها أحداث البحرين ، التي باتتْ تهدّد أسس الأمن والاستقرار في السعودية، خاصّة في ظلّ تناقض الخارطة الديموغرافية والجغرافية  لهذه الدولة ، ورسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوفَ يؤدّي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية، وأشارتْ إلى أنَّ هناك نواة  تحرّك جاهزة للانطلاق  في القطيف والإحساء والتي تشاركُ الشّعبَ البحريني طموحاته المشروعة في التحرّر والانعتاق ([29]).

                وأمّا المثيرُ في مثل هذه التحليلات هو محاولةُ إيجاد قواسم مشتركة- تدفع باتجاه الثورة في المنطقة الشرقية -بين المنطقة الشرقية في السعودية، والأزمة في دولة البحرين تعظم من نجاح مقومات كلا الثورتين من حيث:

    • تشابه النسيج الاجتماعي والثقافي بين المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين .
    • تعظيم دور القواسم المشتركة، ودورها في الثورة؛ مثل وحدة الأصل بينَ القبائل والعشائر، وبالتالي وجود امتداد قبائلي، يعتبر واحداً ومتجانساً، مما سيسهم في انجاز الأهداف والطموحات .

    • الحديث عن وجود وحدةٍ جغرافيةٍ واحدةٍ، وجامعة بين شعب المنطقة الشرقية وشعب البحرين، وقد سهّل الجسر الذي يربط بين المنطقة الشرقية والبحرين من الوحدة الجغرافية بينهما، خاصة في ظل وجود قواسم المشتركة والمعاناة من الظلم، وانتقاص حقوق الشيعة، وحرمانهم من الحريات السياسية والمذهبية

    4- وحدة الخطاب والمشروع الذي يأمل بتحقيقه شعب البحرين والمنطقة الشرقية ([30]).

                 على هذا الأساس تتنبّأ صحفُ التيار المحافظ أنه سيكونُ هناك ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية للإطاحة بنظام حكم كلا الدولتين إنْ  عاجلاً أم أجلاً، حيثُ سيتمخّض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

              ومما سيعزّز من تحقيق هذا الهدف؛ هو الرغبةُ الجامحةُ لشعب المنطقة الشرقية والبحرين في التحرّر، ومما سيدعم تحقيق هذا الهدف سريعاً دور الثورات في العالم العربي في الدفع باتجاه ذلك، خاصّةً بعدَ التدخل الغربي المباشر في هذه الثورات، وهذا ما يتضح من خلال دخول الغرب بشكل مباشر على خط الأزمة الليبية، والذي تمخض عنه دعم حق الشعب الليبي المشروع في تقرير مصيره، وبالمقابل فإنّ عدم التدخل الغربي لدعم حق الشعب الليبي، وعدم دعم شعب المنطقة الشرقية سوف يضع مصداقية الدول الغربية والمنظمات الدولية  على المحك، وسوف يسهم في فضح سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها هذه الدول، الأمر الذي سيثير الشعب البحريني، وشعب المنطقة الشرقية الذي لن يجد بداً من الاعتماد على نفسه وبقوة، أكثر من أي وقتٍ مضى  للاعتماد على نفسه لتحقيق طموحاته  وتقرير مصيره، وسوفَ يزيدُ من إصراره على تحقيق هذا الهدف، خاصّةً مع وجود قوات درع ِالجزيرة على الأراضي البحرينية، والتي سيعتبرُها الشّعب البحريني شريكة ومتواطئة مع الغرب لقمع ثورة الشعب البحريني العادلة، الأمر الذي  سيثير شعب المنطقة الشرقية، وثورتهم، والذي لن يتخلى عن أخوانه وشركائه  في الأصل والمذهب في البحرين لدعمه ونصرته، مما سيؤدي حتماً إلى إجبار السعودية إلى سحب قوات درع الجزيرة لمواجهة الانتفاضة الداخلية في السعودية، والتي لن  تتوقف هذه المرة، مما سيمهد الأرضية لتكون سانحة لشعب البحرين لتصعيد ثورة لإسقاط النظام البحريني الحاكم، ولكن هذه المرة إلى غير رجعه ([31]).

                 وقد رأتْ بعضُ صحفِ التيّار المحافظ عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني؛ فالغربُ قام بدعم الثورات في مصر، وتونس، واليمن، وذلك نتيجة عدم امتلاك هذه الدول لثروات نفطية، على عكس البحرين التي تقعُ في منطقة الخليج الغنيّةِ بالنفط، وبالتالي من مصلحة الغرب  تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لضمان تدفق النفط وبأسعارٍ رخيصةٍ ، وتعلّل الصحفُ المحافظة تدخّل الغرب وبالذات أوربا في الأزمة الليبية بشكلٍ مباشرٍ حفاظاً على مصالحها هناك .أما في البحرين فيخشى الغربُ من وجود نظام ديمقراطيّ جديدٍ قد تؤثر على الدول الخليجية الغير ديمقراطية، الأمر الذي يهدّد معه مصالح الدول العظمى، إضافةً إلى ذلك ترى هذه الصحف أنَّ حصولَ الشيعة على حقوقهم في البحرين سوف يؤدّي إلى إثارة الأقليات الشيعية في الدول الخليجية بمجملها، مما سيثيرُ متاعبَ لا تحمد عقباها بالنسبة للغرب عموماً ([32])، من هنا ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ الإيرانية  على ضرورة  استمرار المظاهرات في البحرين؛ لأنه السبيلُ للرهان على تحقيق عدة أهداف :

    • حدوث انشقاق داخل العائلة المالكة، والتسليم والرضوخ للأمر الواقع، وهذا سيفضي إلى الاعتراف بحقوق الأغلبية الشيعية .
    • استمرار التظاهرات سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة، تؤدّي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة للشيعة .
    • إن استمرار التظاهرات سوف يؤدي إلى إثارة الرأي العام الدولي، وتحفيز المنظمات الدولية للقيام بدورها، وهذا سيجبر حكومات هذه الدول للانصياع لمطالب الشيعة المشروعة في تقرير مصيرهم .

    4- تكثيف مظاهرات الشيعة أمام سفارات الدول الخليجية في الخارج ، لتكثيف الضغوط الدبلوماسية عليهم .

    5-تذكير العالم أن أزمات الشيعة  في دول الخليج العربية عموما، والبحرين خصوصا، هي أزمات سياسية وليست طائفية ([33]).

    • ضرورة استنفار مراجع التقليد العظام في البقاع المقدسة في كل من قم، مشهد، النجف، كربلاء، لبنان، المنطقة الشرقية …  لتذكير العالم كي يتحمل مسئولياته لحماية الشعب البحريني الشيعي المظلوم، وما يتعرض له من جرائم إبادة  جماعية .

    5-الدعوة  إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لدراسة المجازر التي ترتكب ضد المحتجين في البحرين ([34])، ورأتْ صحفُ التيّار المحافظ  أنَّ الحلَّ لخلاص الشّعب البحريني يكمنُ في أنّ  يصعد الشعب البحريني من حدة تضحياته مهما بلغت؛ لأنَّ ارتكاب النظام  الحاكم في البحرين لمزيد من الجرائم، سوف يضعه في خانة النظام الفاقد للشرعية نتيجة ارتكابه للمجازر التي ستعتبر جرائم ضدّ الإنسانية في نهاية المطاف  ، ومن خلال هذه السياسة سيزول  حكم آل خليفة، وقد أسهبتْ صحفُ التيار المحافظ بأنّ الثوار البحرينيين يملكونَ الكثير من الأوراق التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم المشروعة، وعليهم أنْ  يستخدمونها إذا استمرَّ النظام الحاكم  بتجاهل هذه المطالب([35])

                 من خلال هذه الإستراتيجية سيتحققُ الأمنُ والاستقرار والرفاه لشعب البحرين في النهاية، ويستطيعُ الشعب البحريني إقامة دولته بملء إرادته، والربط بين السياسة التصعيدية التي تمارسها الحكومة البحرينية مع المتظاهرين في أنها تمّت بغطاء وبضوء أخضر أمريكي، وتعليل ذلك أنَّ هذه السياسية جاءت بعد زيارة (ويليام غيتس) وزير الدفاع الأمريكي للبحرين ([36])، واعتبار أنَّ  طرح فكرة الحوار الوطني يأتي ضمن سياسة التسويف  التي تمارسها الحكومة  البحرينية ، حيث تعتبر أنه لا جدوى منها على الإطلاق ، لهذا يجب على الشعب البحريني أن يسلك طريق التصعيد ([37]).

    الفئة الثانية: موجهة بشكل مهم ومحوري إلى  دول لا تزال طهران ترجو، وتأمل بقوة الإبقاء على نظم الحكم فيها، والسعي لتقديم الدعم بكافة أشكاله وصورة لها، حفاظاً على نظامها السياسي؛ وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها. ومن هذه الدول: الدولة الحليفة ( سوريا) حيثُ ركّزت طهران في حديثها من خلال صحف التيار المحافظ على ضرورة الوقوف مع سوريا، ووضع مختلف إمكانات الدولة الإيرانية تحتَ تصرّفها للخروج من هذه المؤامرة التي حاكتها لها قوى الاستكبار، وخلافاً لموقف إيران من الثورات في مناطق أخرى من المنطقة العربية، ركّزت صحفُ التيّار المحافظ  على وصف الثوريين وليس الحالة الثورية  في سوريا، ونعتت الثوريين بألفاظ قاسية مثل :  “بشغب الإرهابيون”([38] )،” عملاء الفتنة”([39])،” المأجورون والعملاء”،([40]) أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”([41])،” قوى الشر”([42])، ” الشياطين” ([43])،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية ([44]).

              ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة ([45])”مثيرو شغب”([46] ) “إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،([47])عملاء قوى الشر والظلام ([48]).

                   يلاحظُ أنّ وسائلَ الإعلام المحافظة في إيران  تجاهلت عن  عمد بداية الانتفاضة في سوريا، وركّزت على الأحداث في البحرين واليمن، ثم بدأت تتحدث عن الثورة في سوريا من حيث كونها حركة إرهابية مدعومة  من الخارج للنيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية([49])، واعتبار سوريا ركناً أساسياً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ،وركزت على بث “اعترافات” نقلتها وسائلُ الإعلام الرسميّة السورية لمجموعات وخلايا إرهابية ، وصفت هدفها ضرب استقرار سوريا، قالت : إنها تلقّت أسلحة وأموالاً من عملاء الاستكبار أمريكا و إسرائيل لإرسال معلومات وصور وفيديو للاحتجاجات إلى الخارج، والتنسيق مع المعارضة في الخارج، ومع قوى سلفية تكفيرية متطرفة مدعومة من بعض الدول العربية، ونشرتْ هذه الأخبار في عناوين صفحاتها الرئيسية ([50]).

                   وقد ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على أهمية الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، حيثُ تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة التهدئة التي تقوم بها الحكومة السورية، معتبرةً أنَّ الحكومةَ السورية قد قامت بإجراءات وخطوات متوازنة بهدف تعزيز مسيرة الإصلاح، وتعزيز الأمن ([51])، وأقرت بمراعاة سوريا للسقف الزمني لتحقيها، وعللت أنَّ  هناك فئات خارجة عن القانون قامت بافتعال التظاهرات في سوريا لتعطيل عملية التحول الديمقراطي في سوريا ([52]).

                  وأجمعتْ وسائلُ الإعلام المحافظة على  وجود مخطط دولي مدعوم بقوى إقليمية عربية للنيل من صمود سوريا، عن طريق الاستعانة بالحركات السلفية التي وصفتها بالمتطرفة، وأشارت هذه الوسائل  إلى الحملة الممنهجة التي يتعرض لها صمود الدولة السورية المناضلة ضدّ قوى الغطرسة التي تسعى للنيل منها ([53])، ودلّلتْ على ذلك من  خلال عرض الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس لكشف تاريخ المؤامرة ضدّ سوريا إلى فترة حكومة بوشالتي وضعت إستراتيجية هدفتْ إلى مد جماعات المعارضة استقرار الأوضاع وتوتيرها  في سوريا ([54])، وتحميل  الصحف المحافظة لجماعات المعارضة المسئولية عن تأخر الإصلاحات في سوريا، إضافة إلى تركيز الصحف المحافظة إلى أنّ هناك قوى داخلية سورية قد قاومت سياسة الرئيس السوري بإجراء هذه الإصلاحات باعتراف الرئيس السوري نفسه ([55]) .

                يمكنُ القولُ أنهُ كانَ من الصعب على الحكومة الإيرانية إعلان مبدأ واحد، أو سياسة موحّدة للتعامل مع الثورات في المنطقة العربية، ومحاولة تبني تطبيقه في جميع الحالات، فبعد اتساع نطاق التظاهرات في عدد من الدول العربية، عمدت مؤسسات صنع القرار الإيرانية إلى التعامل مع كل ثورة أو حالة احتجاج على حدة – حسب المصلحة البراغماتية الإيرانية -كما اتضح سابقا؛ ولا شك بأن السلوك الخارجي الإيراني قد عكس بشكل واضح لا لبس فيه هذا الموقف، وهذا ما برز من خلال تحليل محتوى الصحف المحافظ  وما حوته من أخبار ، مقالات وتحليلات  تجاه هذه الأزمات، والذي بات يستند على عدد من الاستراتيجيات من أبرزها :

    أولا : إستراتيجية الحسم والفصل في تأييد الثورة في اليمن والبحرين، خدمة لأهداف سياسية ومذهبية تندرج في إطار حفاظ إيران لبناء مجالها الحيوي المذهبي:

                 قامتِ الصحفُ المحافظة بتأييد الثورات في كل من اليمن والبحرين مباشرة، حيثُ لم تمارسْ مبدأ الانتظار والترقب قبل التسرع بإعلان موقف صريح من كل ثورة، وتبعت ذلك بتكثيف التحليلات الإعلامية لتعظيم الفوائد المرجوة من هذا التغيير؛ وممارسة سلوك تدخلي سافر في هذه الأزمات المشتعلة، وشجّعتْ مطالب المتظاهرين  “بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة في هذه الدول”، وضرورة حدوث تغير حقيقي في سياسات الأنظمة الجديدة على أمل نشأتها في الملفات المهمة الداخلية الخاصة بضرورة إعطاء الشيعية حقوقهم كاملة غير منقوصة على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية في البحرين، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي والديموغرافي في اليمن، وخارجياً ضرورة إحداث تحول حقيقي في سياسة الأنظمة الجديدة تجاه الهيمنة الأمريكية، وطرد الوجود الأجنبي من هاتين الدولتين ” اليمن ، البحرين ،  وضرورة بناء علاقات جديدة  مع إيران.

    فالعلاقةُ بينَ إيران وكبار قادة الثورة- كما عرضته صحف التيار المحافظ – في اليمن والبحرين  ضرورية ومستمرة في فترة الثورة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأنّ هناك قنوات كثيرة مفتوحة بين الثورة  ونظرائهم في اليمن والبحرين، وأنّ هذه القنوات لم تُغلق في أي وقت، ورغم أي ظرف، على عكس علاقاتها الدبلوماسية مع حكومات اليمن والبحرين التي عاشت قبل الثورة وأثناءها  بينَ مدٍّ وجزرٍ . من هنا وفَّرت هذهِ الثوراتُ فرصةً جيّدة للتواصل بين قيادتها ونخبها مع الدولة الإيرانية.

    ثانياً : إستراتيجية التشدد والتعبئة في الوقوف ضدّ الثورة السورية، ووضع مختلف إمكاناتها في خدمة النظام السوري، دعماً لمصالحها، وتعزيزاً لعلاقاتها الإستراتيجية مع هذا النظام :

    لا شك أن الثورة في سوريا تشكل تحدياً خطيراً بالنسبة  لإيران، حيثُ ترى مؤسسات صنع القرار الحاكم الإيرانية أنَّ الثورة السورية سوف  تعرَّض المصالح الإيرانية في المنطقة للخط، و سيكونُ من الصعب جدّاً حماية هذه المصالح مستقبلاً، أو تعويضها؛ خاصّةً في ظلّ التداخل الواسع بينَ  المصالح الإيرانية والسورية في مداخل الأزمات الإقليمية، واعتبار سوريا مدخلاً مهما لإيران للعبور إلى الأزمات في كل من لبنان، فلسطين، وتوظيف إيران لهذه الأزمات كأوراق رابحة تنتظرُ مقايضتها في بناء جسور العلاقات مع الغرب مستقبلاً، والولايات المتحدة خصوصاً، وقد عبّرت عن ذلك  وسائل الإعلام المحافظة بشكلٍ واسعٍ عن أهمية تقديم الدعم اللامحدود للنظام السوري  للقضاء على الثورة هناك ، خاصة أن الإيرانيين لم يتخيلوا أن تصلَ شرارةُ الانتفاضاتِ العربية إلى سوريا،  وكانوا يعتبرونَ أن انتفاضةَ الشّعب السوريّ ضدّ نظام حكمه محضُ افتراء، ولكنها بالمقابل -لا شكّ – أنها وضعتْ عدّة سيناريوهات لكيفية التعامل معَ أيّ حالةٍ جديدةٍ  قد تنشأ في سوريا خلافاً لمصالحها .

     

    جدول رقم (1) يوضّح موقفَ صحف التيار المحافظ من الثورات في كل من البحرين ، اليمن ، وسوريا ([56])

    الموقف من التدخل الغربي نتائج الثورة أهمية الثورة صفة الثورة  والموضوعات التي ركزت عليها في تناولها للثورة الصفات التي أطلقتها عليها صحافة التيار المحافظ الثورة
     

     

    إظهاره بمظهر المتواطئ مع حكومات اليمن والبحرين ، حيث

    انتقدت الموقف الغربي الذي لم يضغط على أنظمة  الحكم  في اليمن والبحرين بضرورة القيام بدعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

    “على الرغم من قيام الغرب عموما بممارسة ضغوط على الحكومتين اليمنية والبحرينية للقيام بسلسلة من الإصلاحات تلبية لطموحات شعبي البلدين،وهذا ما لم يتطرق له  صحف التيار المحافظ

    التطورات الثورية التي تجري في البحرين واليمن سوف تكون ضد  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ، لأن الحالة الثورية التي تعيشها بعض الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبر عن ضمير هذه  الشعوب الرافضة لهيمنة قوى الاستكبار الغربي صحوة إسلامية عظيمة استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثت في العام  1979، وأن النصر الإلهي الذي تمخض عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية، وسوف يدعم علاقات إيران مع هذه الدول،والدعوة لاستشراف  السيناريوهات لكيفية  الاستفادة من نتائج هذه الثورات،و ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون ، وتبديل التهديدات السابقة بفرص واعدة ، وهذه ما ستمكن إيران من أن تصبح دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط وصفت الثورة في اليمن والبحرين بالمشروعة ، وركزت على الجرائم التيار التي ارتكبتها القوات الحكومية في كلا البلدين ، ودور المتغير الخارجي خاصة السعودي الهادف إلى إثارة الفتنة الوطنية ، واستهداف الطائفة الشيعية في هاتين الدولتين، ضمن مشروع دولي مدعوم غربيا  . وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم في البحرين  خصوصا ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم  

     

    أطلقت عليه صفة الثورات :

    ثورة العدالة والمحرومين، ثورة  الحق والعدالة الثورة الحسينية،كربلاء البحرين واليمن،ربيع الحرية في البحرين،ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية ثورة الخلاص ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين، الانتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين، الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران ،ثورة جنود الإمام  وأحبائه

     

    البحرينية واليمنية
    إظهاره بمظهر المتواطئ ضد نظام الحكم السوري، حيث

     

    انتقدت الموقف الغربي الضاغط  الذي طالب النظام السوري  بضرورة دعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

      شكلت صدمة لأركان الحكم المحافظ ،وذلك لخطورة هذه الثورة ، وتداعياتها على الأمن القومي الإيراني، وضرورة تبني إستراتيجية للحد من تداعياتها على إيران وصفت الثورة السورية بالمحرمة شرعا،و

     

    وصفت دعم الثورة ومطالب المحتجين بغير القانوني ، وأنه تدخل سافر بالشئون الداخلية لسوريا ، حيث يستهدف الغرب وبعض الأطراف الإقليمية العربية الانتقاص من الدور السوري ، ضمن مخطط دولي يستهدف  الدور السوري الداعم لقوى التحرر والمقاومة  ، وركزت على الجرائم التي ارتكبتها المتظاهرين من نهب وسلب ، وترويع الآمنين،  ودور المتغير الخارجي خاصة الغربي في إثارة  النعرات بين أبناء الوطن الواحد ،واعتبار النظام الحاكم في سوريا  هو الضمانة الوحيدة لبقاء سوريا وقوتها، ودعم إجراء الإصلاحات التي يعزم النظام السوري على إجرائها، وإلقاء اللوم على قوى خارجية وداخلية أخرت تنفيذ هذه الإصلاحات  .

     

     

    أطلقت عليها تسمية أحداث الشغب ،

    لم  تطلق عليها صفة الثورات بل ركزت على وصف المتظاهرين عموما : شغب الإرهابيون،عملاء الفتنة، المأجورون والعملاء،أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”،” شغب قوى الشر”، ” الشياطين”،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية. ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة”مثيرو شغب” و”إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،عملاء قوى الشر والظلام.

     

     

    الثورة السورية

     

    جدول رقم (2) يوضح موقف صحف التيار المحافظ من الموقف السعودي الخاص بالثورة في البحرين ([57])

     

    إستراتيجية نجاح الثورات واستغلال الموقف السعودي الأسباب التي دفعت السعودية إلى تبني موقفها إزاء الثورات نتائج الموقف السعودي حسب رؤية صحف التيار المحافظ  

     

     

    الموقف من السعودية  

     

    الثورة
    1- استغلال وجود القوات السعودية في البحرين، والتعبئة بهدف استمرار التظاهرات  ، مما سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، في المنطقة الشرقية والبحرين

     

    2- تقديم النصح باستهداف قوات درع الجزيرة   ،فاستمرار التظاهرات سيؤدي إلى  سقوط عدد كبير من الضحايا ، وهذا سيثير الرأي العام الإقليمي والدولي ، وسيسهم في إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، تؤدي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة، حيث سيتمخض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية ، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

    1- الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها ، حيث وصفت الأوضاع في السعودية بغير التي سرت في مؤسسات الحكم في السعودية ، وزادت من حدتها أحداث البحرين  ، التي باتت تهدد أسس الأمن والاستقرار في السعودية 

     

    2-رسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوف يؤدي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية ، و أن هناك نواة  تحرك جاهزة للانطلاق  في المنطقة الشرقية

    3- محاولة إيجاد قواسم مشتركة بين  الثورتين في المنطقة الشرقية والأزمة في دولة البحرين وتعظيم نجاح مقومات كلا الثورتين، ووضعت نتائج مبنية على سيناريو نجاح ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية

    4- عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني  وشعب المنطقة الشرقية ، وضرورة وجود الإرادة وتقديم التضحيات حتى تأتي ثورات الخلاص بثمارها

    1-  إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاء ما يحدث.

     

    2- التحذير من أن السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين ،خاصة أن  السعودية تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي ، حيث أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي.

    3- تحميل السعودية مسئولية مشروع استهداف الشيعة في المنطقة

    4- سعي السعودية لاحتلال البحرين ، وإدارة شئونها بشكل مباشر

    ضرورة  وجود إجماع دولي وإقليمي لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني ، وتورطها بشكل مباشر في قمع الشعب البحريني ،معتبرة إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة ومدانة، مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها  

     

    البحرينية واليمنية

     

     المراجع

    [1] -( روزنامه قدس ، 6 فروردين ، 1390)

    -[2] (رهبر معظم انقلاب در جمع فرماندهان ومسئولان نظامى ، در اينده بيشترى در منطقه روى خواهد داد ، روزنامه جمهورى اسلامى ،16 فروردين   1390

    [3] ( در بخشين نشست ديبلماسى ايران در ال جديد مطرح شد ، عوامل ويزكى هاى جنبش هايى عربى ، روزنامه  كيهان ، 27 فروردين ، 1390)

    -[4] (  اينده سياسى رزيم كشورهايى عربى، روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 ارديبهشت ، 1390، سقوط حكومتهايى منطقه اى عربى ، روزنامه قدس ، 6 ارديبهشت 1390 ، سر مقاله روزنامه كيهان فارسى ، 9 ارديبهشت 1390  )

    [5] (ويزكى هايى جنبشهايى در منطقه عربى ، روزنامه كيهان فارسى، 13 ارديبهشت ، 1390 )

    [6] -(ديبلماسى ايران وتحولات جديد كشورهايى عرب: تبديل تهديدات به فرصتها، روزنامه جمهورى اسلامى ، 12 ارديبهشت ، 1390 .آينده انقلابهايى منطقه اى عربى ،سمينار هفته، روزنامه قدس ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [7] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 6 فروردين ، 1390)

    [8] ( روزنامه قدس ، 3 ارديبهشت ، 1390)

    [9] ( روزنامه كيهان فارسى، 6 ارديبهشت ، 1390)

    [10] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 13 ارديبهشت ، 1390)

    [11] ( روزنامه قدس ، 15 ارديبهشت ، 1390)

    [12] ( روزنامه كيهان فارسى ، 18 ارديبهشت ، 1390)

    [13] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [14] ( روزنامه قدس، 24 ارديبهشت ، 1390)

    [15] ( روزنامه كيهان فارسى، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [16] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 27 ارديبهشت ، 1390)

    [17] ( روزنامه كيهان فارسى ، 28 ارديبهشت ، 1390)

    [18] -(روزنامه رسالت ، آزادى براي ملت بحرين )

    [19] -(البحرين: زبان زور وبركشتن مسئله كفتكو،روزنامه اطلاعات )

    [20] -(روزنامه قدس ، 18 ارديبهشت 1390)

    -[21] (روزنامه قدس ، نكرانى أمريكا در قبال بحران بحرين)

    -[22] ( روزنامه   جمهورى اسلامي ،رهبران اعراب وسياست نا درست )

    -[23]( موضعكيرى ايران در قبال انقلاب بحرين ، روزنامه جمهورى اسلامى ، 16 فروردين ، 1390)

    -[24] ( روزنامه قدس ، 20 فروردين ، 1390 )

    -[25](روزنامه كيهان ، 21 ارديبهشت 1390)

    -[26] ( روزنامه كيهان العربي ، لن نبقى متفرجين على الجرائم ضد الشعوب، 25 فروردين ، 1390)

    [27] -( روزنامه رسالت ، 26 فروردين 1390)

    [28] -(روزنامه كيهان ، 22 ارديبهشت 1390)

    [29] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، 11 ارديبهشت 1390)

    -[30] (حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است ، كيهان ، 23 فروردين ،1390 ، تحولات سياسى در بحرين ،  روزنامه جمهورى اسلامى ، 2 ارديبهشت ، 1390  )

    [31] -(حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است، مرجع سابق . طرح نقشه انقلاب بحرين ، روزنامه قدس،  5ارديبهشت 1390 )

    [32]      -( نقش كشورهايى غربى در انقلابهايى منطقه اى ، روزنامه  كيهان فارسى ،28 ارديبهشت 1390)

    [33] -( قدردانى مردم بحرين از حمايت از ايران ، ياران انقلاب 14 فوريه بر شفاف سازى اذهان ملت هاى ازاده جهان تاكيد مى كند ، روزنامه كيهان ، 24 فروردين ،  1390 . روزنامه قدس ، 13، ارديبهشت ،1390 )

    -[34] (روزنامه كيهان ،9 فروردين 1390، روزنامه قدس فارسى ، 19 فروردين 1390، روزنامه كيهان فارسى ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[35] ( روزنامه رسالت ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[36] ( روزنامه رسالت، 17 فروردين 1390 )

    [37] -(انقلاب در بحرين وآينده رزيم سياسى ،روزنامه جمهورى اسلامى ، 19فروردين 1390)

    -[38] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 17 ارديبهشت ، 1390)

    [39] -(روزنامه رسالت، 18 ارديبهشت ، 1390)

    -[40] (روزنامه قدس ، 19 ارديبهشت ، 1390)

    [41] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 21 ارديبهشت ، 1390)

    [42] -(روزنامه كيهان فارسى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [43] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    -[44] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [45] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 24 ارديبهشت ، 1390)

    -[46] روزنامه رسالت ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[47] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[48] (روزنامه كيهان فارسى ، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [49] -( روزنامه قدس، 17ارديبهشت 1390)

    [50] -(روزنامه قدس ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [51] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، سوريه وآينده اصلاح، 4 ارديبهشت ، 1390)

    [52] -(روزنامه كيهان فارسى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    -[53] (روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [54] -(روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [55] -(روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    ( تم إعداد الجدول  رقم 1من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة )-[56]

     -( تم إعداد الجدول  رقم 2من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة)[57]

  • اتفاق سوتشي بشأن ادلب اتفاق ثنائي تركي – روسي بدعم دولي

    اتفاق سوتشي بشأن ادلب اتفاق ثنائي تركي – روسيبدعم دولي

    د. سامر عبد الهادي علي

    مقدمة:

    عقد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان اجتماع قمة ثنائي في منتجع سوتشي الروسي يوم الاثنين السابع عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري ليس لمناقشة الوضع السوري عامةً، ووضع منطقة خفض التصعيد الأخيرة في إدلب خاصة، بل أيضاً من أجل التوصل إلى اتفاق يرسم مستقبل المنطقة هذه.

    وفي ختام القمة توصل الجانبان إلى اتفاق من بنود عدّة، أهمها إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، وأجزاء من ريفي اللاذقية وحماة، وبالتالي تجنيب المنطقة عملية عسكرية كان النظام السوري وبدعم من روسيا وإيران ينوي القيام بها.

    وجاءت بنود الاتفاق على لسان الرئيسين الروسي والتركي في المؤتمر الصحفي الذي عقداه في ختام القمة، حيث قال الرئيس الروسي بوتين:

    قررنا إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح بين 15 – 20 كم على طول خط التماس ابتداءً من 15 أكتوبر من هذا العام.

    بموجب التفاهمات مع أنقرة سيتعيّن على الفصائل المسلحة “بما فيها جبهة النصرة” الانسحاب من المنطقة.

    المنطقة منزوعة السلاح ستدخل حيّز التنفيذ بحلول الخامس عشر من أكتوبر.

    بموجب الاتفاق سيتم سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة.

    ستقوم دوريات مشتركة من القوات الروسية والتركية بمراقبة الخط الفاصل.

    من جانب آخر قال الرئيس التركي أردوغان: “إنّ مذكرة التفاهم تهدف إلى إرساء الاستقرار في إدلب”.

    وأكدّ الرئيس الروسي أيضاً على أن النظام السوري موافق على هذا الاتفاق.

    وقد أعقب الاتفاق تصريح سريع لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، نقلته وكالة إنترفاكس الروسية قوله: “إنه لن تكون هناك عملية عسكرية في إدلب”.

    إذاً يبدو هذا الاتفاق ظاهرياً على أنه اتفاق ثنائي روسي – تركي، إلا أنّ إلقاء نظرة شاملة للأحداث والاجتماعات التي حصلت بين أطراف دولية كثيرة ربما تغيّر نظرتنا إلى هذا الاتفاق من كونه ثنائياً إلى اعتباره اتفاق دولي أسهمت فيه أطراف متعددة، فهل فعلاً هو اتفاق دولي؟

    أولاً: حيثيات ما قبل الاتفاق “الموقفين الروسي والتركي”:

    كان من أهم نتائج مؤتمرات آستانة بين كل من روسيا وتركيا وإيران هو إنشاء ما سُمّي “مناطق خفض التصعيد”، وهي أربع مناطق “منطقة الجنوب السوري، الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي، إدلب،

  • ازدواجية المعايير الغربية في سياستها تجاه المنطقة العربية (دراسة وثائقية).... د.بشير زين العابدين

    على الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية على دعم الديمقراطيات الناشئة في العالم، وإنفاق الأموال الطائلة على برامج دعم الديمقراطية؛ إلا أنّ تاريخ الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة العربية حافل بالتدخل السافر لدعم الديكتاتوريات العسكرية وتعزيز النظم الانقلابية فيما يتعارض مع المثل والأخلاقيات التي يروّج لها الإعلام الأمريكي.

    يعود تاريخ التدخل الأمريكي لدعم النظم الشمولية في الشرق إلى مرحلة تأسيس الجمهوريات العربية بعد الحرب العالمية الثانية، في شهر مارس عام 1949 تحديداً، عندما ألقت الاستخبارات المركزية الأمريكية بثقلها خلف أول انقلاب عسري في سورية لتفتح بذلك الباب على تدخل الجيش في الحكم من خلال سلسلة انقلابات وقعت في المنطقة العربية خلال فترة الخمسينيات. 

    ففي الساعة الثانية من صباح يوم 30 مارس 1949 ترك رتلان عسكريان مواقعهما في الجبهة السورية الفلسطينية ودخلا مدينة دمشق، حيث زحفت قوات الجيش إلى مدينة دمشق وقامت باحتلال الأماكن الاستراتيجية في العاصمة السورية ومن ثم اعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وغيرهم من أقطاب الحكم المدني. 

    وكان من اللافت للانتباه وقوف الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى جانب قائد الانقلاب حسني الزعيم، الذي تمتع بدعم السفارة الأمريكية في القضاء على الحكم المدني، ويمكن الاطلاع على عدد من التقارير التي كتبها السفير الأمريكي في دمشق آنذاك كيلي تقارير، يؤكد فيها اتصال موظفي السفارة مع قائد الانقلاب واطلاعهم على تفاصيل العملية الانقلابية على الحكم المدني كاملةً.

    وتشير وثائق الخارجية الأمريكية أنّ البعثة العسكرية الأمريكية قد عقدت اجتماعاً مع حسني الزعيم في 7 مارس 1949؛ عرض فيه الزعيم خطته لإحكام السيطرة على البلاد، وأعقبها محادثات الموسّعة بين مدبر الانقلاب حسني الزعيم ومساعد الملحق العسكري الأمريكي الميجور ميد، الذي عمل جاهداً على إنجاح الانقلاب وضمان الاعتراف به بالتنسيق مع لندن وباريس، فبعد خمسة أيام فقط من الانقلاب تحدث السفير الأمريكي في تقرير مفصل عن قيام الزعيم بالاستيلاء على السلطة بطريقة مخالفة للدستور، وتولى جميع السلطات عقب احتجاز رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحل البرلمان ليجد نفسه في وضع غير قانوني، لكنه أكد أنه لا يرى بُداً من حثِّ الإدارة الأمريكية على الاعتراف بسلطة الزعيم معلقاً: “إنني شخصياً لا أحبذ استعمال القوة لأنها تعدُّ انتهاكاً للأعراف الديمقراطية… ولكن يبدو أنّ سياستنا في الاعتراف بالحكومات الجديدة مخالف لوجهة نظري، فلا بد من الاعتراف بأنّ المصالح الأمريكية قد تضرّرت من تسرع الزعيم إذا تأخر اعترافنا به عن القوى الأخرى، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار ما أبداه من حرص على إخبارنا مسبقاً عن نواياه وأهدافه”.

    وتشير الوثائق الأمريكية إلى قيام تنسيق مباشر بين الإدارة الأمريكية وبين الخارجية البريطانية والفرنسية، حيث تمّ الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على توجيه الزعيم للقيام بانتخابات حرة، وأن يتمّ تشكيل حكومة مدنية تُمهّد لتحقيق الاعتراف الدولي بحكمه الجديد.  وعلى إثر ذلك سارع الزعيم إلى إجراء انتخابات رئاسية في السادس والعشرين من شهر أبريل، وفاز فيها بمنصب الرئاسة بنسبة تزيد عن 99 %، وتحتفظ وثائق الأمريكية الخارجية الأمريكية بخطاب موجّه من وزير الخارجية الأمريكي دين آتشيسون إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان بتاريخ 25 أبريل 1949 (أي قبل الانتخابات بيوم واحد!)، يشير فيها الوزير إلى أنه تم الاتفاق مع كل من ممثلي بريطانيا وفرنسا على الاعتراف بنظام الزعيم فور ظهور نتائج الانتخابات.. من جهته بادر الزعيم إلى التعبير عن امتنانه لهذا الدعم الغربي؛ حيث عرض على كيري في مطلع شهر يونيو استعداده لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، بهدف الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. 

    إن النتيجة التي يمكن استخلاصها من خلال وثائق الخارجية الأمريكية، هي أن مندوبي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كانوا يبذلون قصارى جهدهم لدعم انقلاب عسكري للقضاء الحكم المدني، وقمع الحريات العامة في ازدواجية سياسية منقطعة النظر، وكان من الواضح أنّ الإدارة الأمريكية كانت مستعدة لمخالفة سائر الأعراف الدولية، والتدخل المباشر في قلب نظام الحكم الديمقراطي بهدف فرض احترام مصالحها بقوة السلاح، ففي غضون فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهرين كان الزعيم قد أبرم اتفاقية تمديد الأنابيب مع شركة نفط العراق، التي كانت تسعى بريطانيا لتحقيقها، وصادق على اتفاقيـة “تابلاين” التي تخــدم المصالح الأمريكيــة، وبادر إلى إقامة حوار مباشر مع اليهود؛ مِمّا أسفر عن توقيع هدنة كان من المفترض أن تمهد لإبرام معاهدة سلام مع تل أبيب لولا الانقلاب الذي وقع ضده من قبل اللواء سامي الحناوي ومجموعته في أغسطس 1949.

    وعلى الرغم من النهاية الدموية لحكم الزعيم وما تبعها من سلسلة انقلابات عسكرية عصفت بأمن المنطقة واستقرارها؛ إلا أن الوثائق الأمريكية تؤكد وقوف جهاز الاستخبارات المركزية (CIA) خلف العديد من الانقلابات العسكرية ضد الحكم المدني في المنطقة العربية، ففي 13 أغسطس 1957 أعلنت إذاعة دمشق عن اكتشاف مؤامرة تدبرها الاستخبارات الأمريكية للإطاحة بالحكم في سورية واستبداله بحكم موالٍ للغرب، وتمّ على إثرها طرد البعثة الدبلوماسية الأمريكية من دمشق، وسرعان ما تكشفت تفاصيل تلك العملية التي تحدث عنها الضابط العلوي محمد معروف في مذكراته وكشف فيها عن معلومات مثيرة حول الدور الذي قام به مع رفيقه غسان جديد للإطاحة بالحكم المدني عبر تجنيد العلويين من قضائي طرطوس وجبلة ممن خدموا سابقاً في جيش الشرق الفرنسي، ووفقاً لمعروف فقد كانت الخطة تتلخص في أن: “بعض العشائر العلوية ستتحرك لمؤازرتنا في محافظة اللاذقية (عشيرة النميلاتية والمتاورة) عند بداية الحركة، لا سيما عشيرة سليمان المرشد بزعامة ولديه ساجي وفاتح ” .

    وفي حين تعرض إيفلاند في كتابه: “حبال من رمل” باقتضاب للحديث عن دور الاستخبارات الأمريكية في التخطيط لهذا الانقلاب،  فإنّ الوثائق الأمريكية تقدّم معلومات أكثر أهمية مِمّا ذكره إيفلاند عن دور جهاز الاستخبارات المركزية فيما أسمته -آنذاك: “عملية الانتشار”، حيث تشير مراسلات الخارجية إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على قناعة تامة بضرورة الإطاحة بالحكم المدني في سورية، وقامت الحكومة البريطانية بالتنسيق مع الأخوين جون دالاس وزير الخارجية الأميركي وآلن دالاس رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية لوضع خطة تهدف إلى قلب نظام الحكم في دمشق، حيث تكفلت الاستخبارات الأمريكية بتمويل هذه العملية وأرسلت شحنة من الأسلحة التي تم شحنها عن طريق القاعدة البريطانية بالحبانية. وكان من المخطط أن يقوم محمد معروف بإعلان التمرد في اللاذقية، وأن يقوم حسن الأطرش بدعم الحركة الانقلابية في السويداء، بينما تتحرك قطعات مؤيدة للحزب القومي السوري لفرض الأمن في دمشق، والزحف نحو حاميات حمص وحماة وحلب للسيطرة عليها. وتم الاتفاق على تنفيذ الانقلاب أثناء رحلة القوتلي إلى موسكو، التي كانت مقررة في 31 أكتوبر 1956، ولكن العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر دفع غسان جديد لتأجيل موعد الانقلاب إلى ما بعد 1 نوفمبر بسبب الظروف الحرجة، ولكن الفرصة كانت قد فاتت بسبب اكتشاف الاستخبارات السورية المخطط في 3 نوفمبر. 

    ويمكن طرح أمثلة عدّة على التدخل الغربي السّافر في الشأن الداخلي للدول العربية، وضلوع أجهزة الاستخبارات الغربية في قلب نظم الحكم المدني، وفرض ديكتاتوريات عسكرية لا تتوانى عن سفك الدماء وقمع الحريات وإلغاء مؤسسات الحكم المدني في سبيل تحقيق المصالح الغربية في المنطقة.

    وتعيد المواقف الغربية المعاصرة إلى الذاكرة أساليب الاستخبارات في الارتكاز على معايير أخلاقية لدعم أجندات سياسية قذرة، لا تكترث بانتهاك الحقوق الأساسية للشعوب ولا تتوانى عن دعم نظم الحكم الشمولي في سبيل تحقيق مصالحها؛ ففي تكرار لأخطاء الدبلوماسية الأمريكية والازدواجية في معاييرها السياسية والأخلاقية، أعاد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب صياغة الاستراتيجية الأمريكية من منظور أخلاقي، يرتكز على “دعم الديمقراطية” في الشرق الأوسط، بوصفها أحد أهم ركائز الأمن القومي للولايات المتحدة، وذلك في خطاب له عام 2003 قال فيه: “منذ ستين عاماً والدول الغربية، تغض الطرف عن غياب الحريات في الشرق الأوسط، ولكن هذا التغاضي لم يجلب لنا الأمن، لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار على حساب الحرية، وسيكون من غير المقبول بعد الآن القبول بالوضع الحالي في المنطقة”، وسرعان ما أفصحت الإدارة الأمريكية عن رؤيتها لملامح المنطقة في المرحلة المقبلة، فدعت في مطلع 2004 إلى إحداث متغيرات جذرية في بنية الأنظمة العربية وسياساتها الداخلية، لكن المبررات الأخلاقية كانت تخفي في طياتها مشاريع مدروسة لتغيير البنية الجيو-سياسية للشرق الأوسط في مطلع الألفية الثالثة.

    وعلى الرغم من المتغيرات التي طرأت على المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن العنصر الثابت في السياسة الخارجية الأمريكية قد تمثل في إصرار واشنطن على التدخل القسري في الشؤون الداخلية للدول العربية، والعمل على فرض متغيرات في نظم الحكم العربية فيما يخدم الأمن القومي الأمريكي، دون النظر إلى مصالح دول المنطقة وشعوبها؛ ففي غضون السنوات العشر الماضية شنت مراكز البحث المقربة من الإدارة الأمريكية حملة تهدف إلى تقديم أطروحات لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية وإمكانية استعمال القوة العسكرية لتحقيق ذلك؛ منها دراسة الخبير الاستراتيجي بمؤسسة “راند” لوران موريس التي قدمها إلى وزارة الدفاع الأمريكية في شهر يونيو 2002 داعياً إلى تبني حلول عسكرية متشددة إذا فشلت جهود الإصلاح في المنطقة العربية.  

    تزامن ذلك الطرح المتطرف مع نشر تقرير تقدم به مؤسس معهد “هدسون” للدراسات الاستراتيجية ماكس سنجر لوزارة الدفاع الأمريكية (أغسطس 2002) يتلخص في الدعوة إلى إسقاط الأنظمة الملكية في الخليج العربي ودعم المعارضة في الخارج لإنشاء جمهورية مستقلة في شرقي شبه الجزيرة العربية، وذكر المتحدث باسم البنتاغون مايكل هوم أن سنجر قد اجتمع بأندرو مارشال، وهو أحد المقربين من وزير الدفاع الأمريكي الأسبق؛ ودار الحديث بينهما حول إمكانية إنشاء كيان جديد على أسس طائفية في الخليج العربي. 

    وفي الفترة التي ظهرت فيها التقارير الداعية إلى إعادة رسم الخارطة العربية عام 2002؛ كانت الإدارة الأمريكية منهمكة في إعداد خططها لغزو العراق الذي تأسس فيه منذ عام 2003 نظام سياسي يقوم على محاصصة إثنية- طائفية شبه رسمية، وأصبح الانقسام العرقي والطائفي في المحافظات العراقية أمراً لا يمكن تجاهله على أرض الواقع.

    ومنذ ذلك الحين بدأت تتضح ملامح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط، التي ارتكزت على دعامتي: “دعم الديمقراطية” و”تمكين الأقليات”؛ ففي شهر مارس 2003 نشر الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ليسلي غليب مقالاً بعنوان: “العراق، حل الدول الثلاث”، دعا فيه إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أساس عرقي وطائفي، وقد تبنت لجنة بيكر هذا المقترح الذي أيده أبرز أعضاء المجلس، ودعا غليب في مقاله إلى إنشاء دولة جديدة على أسس مذهبية في الخليج العربي بعد إنجاز مشروع تقسيم العراق. 

    وفي شهر أبريل 2006؛ نشر معهد “غلوبال ريسيرتش” الكندي مقالاً لغاري هلبرت تحدث فيه عن وجود مخططات أمريكية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس إثنية وطائفية، وأكدت الدراسة أنّ نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني ونائب وزير الدفاع الأسبق بول ولفويتز كانا من أبرز المؤيدين لفكرة التقسيم، مثل مانشر المعهد تقريراً آخر في شهر نوفمبر من العام نفسه؛ تحدث الكاتب فيه عن إمكانية أن تشهد المرحلة المقبلة بذل جهود استخباراتية لتشجيع الأقليات في المنطقة للمطالبة بكيانات سياسية مستقلة. 

    وتزامن صدور هذا المقال المثير للجدل مع قيام مركز “ستراتفور” للدراسات الجيوسياسية بنشر تقرير يشير إلى اعتزام الإدارة الأمريكية تقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ بحيث يكون القسم الأول وسط العراق وعاصمته بغداد، والقسم الثاني في إقليم “كردستان العراق” الذي يمكن أن يتحول إلى دولة تتمتع بحكم ذاتي، أما القسم الثالث فيقع جنوب العراق وعاصمته البصرة ويقوم على أسس مذهبية بحتة، وورد الحديث عن إمكانية أن يضم القسم الثالث أجزاء من الخليج العربي، وأكد التقرير أن هذه المقترحات قد طرحت للنقاش في لندن مع بعض الساسة العراقيين في شهر يوليو 2005. 

    وتظهر الأمثلة السابقة نماذج للتفاعل بين الحكومات الغربية ومراكز البحث التابعة لها، حول سبل إعادة رسم الخارطة العربية فيما يوافق مع مصالحها دون أي مراعاة لشعوب المنطقة، إلا أنّ حالة الفوضى التي انتابت الجمهوريات العربية عام 2011 قد مثلت الفرصة السانحة للتدخل المباشر في قلب المعادلة الجيو- سياسية لصالح الأقليات على حساب الأغلبية، وإنشاء كانتونات طائفية تدين بالولاء للغرب، وذلك على النمط الذي أسسته فرنسا في الشرق العربي خلال الفترة 1920-1936،  حيث تنامت ظاهرة الولع الغربي بخريطة المنطقة العربية؛ إذ بدأت تظهر رسومات جديدة وخرائط مستحدثة لإعادة تقسيم المنطقة وفق مصالح القوى الدولية المتنافسة، ومثّل المشهد الإنساني المروع للأزمة السورية فرصة لتناول الثورات العربية من منظور جديد؛ ففي محاضرة بمدرسة: “جيرالد فورد للسياسة العامة” طرح عراب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر فكرة تقسيم سورية على أسس اثنية وطائفية؛ قائلاً: “هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، أو انتصار السنّة، أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض وهذه هي النتيجة التي أفضّل رؤيتها تتحقق”. 

    والحقيقة هي أن رؤية كيسنجر لحل الأزمة السورية عبر تقسيم الكيان الجمهوري على أسس إثنية ومذهبية لا تنبع من محض هواجس ذاتية لدى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق؛ بل تأتي ضمن مراجعات تجريها مراكز الفكر الغربية وبعض الجهات الرسمية، التي بدأت تدعو في مرحلة الثورات العربية إلى إعادة فرز القوى السياسية وفق معادلة تفتيتية تقوم على المحاصصة داخل إطار الدولة، حيث أشار الكاتب بصحيفة “نيويورك بوست” أرنولد ألرت إلى ظهور عوامل التحلل على خريطة المنطقة العربية بعد مرور نحو قرن، ساد فيه الحكم الاستعماري ثم العسكري الشمولي، ورأى ألرت أن الصورة الأنسب لضمان استقرار الكيان الجمهوري في سورية، تكمن في تأسيس نظام “ترويكا” تتوزع السلطة فيه بين السنة والأكراد والعلويين، مشدداً على ضرورة وضع المصالح الأمريكية على قمة الحسابات في ترتيبات المرحلة القادمة للبلاد. 

    وفي غضون السنوات الأربعة الماضية يمكن ملاحظة التوظيف الغربي لحزمة من المصطلحات الأخلاقية، من نحو تطبيق الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، بوصفها أوراق ضغط، يتمّ استعمالها في الأروقة الدبلوماسية دون أن يكون لذلك أي أثر يذكر على أرض الواقع، بل تُمْعِن النظم العسكرية والميلشيات الطائفية في ارتكاب أبشع الانتهاكات في حقوق المدنيين دون أن تتحرك القوى الغربية لوقفها.

    وعلى الرغم من تكرار المواقف الغربية المتخاذلة إزاء معاناة الشعوب العربية منذ منتصف القرن الماضي؛ إلا أنّ المعضلة الأكبر تكمن في عجز النخب العربية عن التقدم بأطروحات ناضجة للتعامل مع ازدواجية المعايير الغربية، وتقاعسها عن صياغة حلول وطنية لمعالجة المشاكل المجتمعية وتحديات الإصلاح السياسي، واستعادة الدولة ومؤسسات الإدارة والحكم.

    وفي ظل غياب الدراسات العربية الجادة لمعالجة مشاكل الهوية السياسية في المنطقة العربية ومستقبل الكيانات الجمهورية؛ تنتج مراكز البحث الغربية دراسات تنطلق من تحقيق مصالح الدول التي تتبع لها، وقد تمثلت حالة الانتهازية الصارخة في مقال نشره معهد واشنطن للدبلوماسي الأمريكي دينيس روس في شهر سبتمبر الماضي حول ضرورة التعاون مع النظم الشمولية وتغليب المصلحة على المعايير الأخلاقية في موقف الإدارة الأمريكية تجاه صراعات المنطقة بقوله: “في النهاية، يشكل خط الصدع الجديد في الشرق الأوسط فرصة حقيقية للولايات المتحدة. صحيح أن واشنطن ستواجه تحديات وسيتوجب عليها إدارة الضغوطات ما بين قيمها ومصالحها، إلا أنه ليست هنالك استراتيجية خالية من المخاطر، ولا بدّ للولايات المتحدة من توحيد جهودها مع شركائها التقليديين في سبيل المضي قدماً “.

    اقرأ الدراسة على موقع المركز

  • الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي

    ملخص تنفيذي

    تعد أسئلة التغيير الأمني (منهجاً ووظيفة وبُنية) من أهم الأسئلة التي تنتظر إجابات موضوعية تُراعي الظروف الناشئة وجملة المتغيرات المتسارعة التي تعصف بالجغرافية السورية، ولأنها عملية معقدة فلن تصلح معها – وفق الواقع السوري الخاص – نظريات الإصلاح الجاهزة أو الأطروحات المغيِبة لطبيعة وأهمية الأمن الوطني من جهة، أو المتجاوزة لضرورات التماسك وعدم الانهيار من جهة ثانية، وإنما تتطلب جهداً وطنياً احترافياً، متسقاً مع متطلبات البنية الأمنية المحلية والإقليمية والدولية، ومع الهدف الوطني المتمثل في بناء قطاع أمني متماسك.

    تجد الدراسة أن الدولة السورية لا تملك قطاعاً أمنياً ابتداءً حتى يستوجب الإصلاح، فصنوف العمل الأمني في سورية تقع في مستويين، الأول: أذرع تحكُّم وضبط، فالمخابرات الجوية والعسكرية هي ذراع الجيش والقوات المسلحة، والمخابرات العامة هي ذراع مشترك لمكتب الأمن الوطني (أو القومي سابقاً) وللحزب الحاكم (حزب البعث العربي الاشتراكي)، والأمن السياسي ذراع وزارة الداخلية، والثاني: شبكات عسكرية – أمنية (الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، قوات النمر) ويقع على عاتقها هندسة العملية الأمنية وضبط علاقاتها وقواعدها الناظمة، وضمان أمن النظام والقيام بكافة الإجراءات والعمليات داخل المجتمع في حال بروز أية مؤشرات مهددة لهذا الأمن. وعليه يمكن تحديد مكمن الخلل والانحراف بأمرين، الأول البُنية الأمنية المتشعبة التي ساهمت في تطويق الحركة المجتمعية وحدّت من إمكانية تقدمها وتطورها، والأمر الثاني متعلق بوظيفة هذه الأجهزة التي كانت تتسم بالسيولة واللامحدودية، باستثناء وظيفة تثبيت وتعزيز عوامل استقرار النظام الحاكم، لذا فإن أي عملية إصلاحية لهذه الأجهزة لا بد أن تستهدف البنية والوظيفة في آن معاً.

    إن الضرورة الأمنية وأهميتها - في سياق أي عملية انتقالية (لاسيما في جغرافية كسورية وكونها أحد عناصر معادلة إقليمية ودولية حساسة)، ناهيك عن أنها أهم وظائف "الدولة" سواء على مستوى تحقيق الاستقرار الاجتماعي أو على مستوى تحصن البلاد وصيانة هويتها وثقافتها من أية اختراقات-  تؤكد أن نظريات تفكيك الأجهزة الأمنية وإنهاء عملها نهائياً وعدم إعادة بناء بديل وطني ببُنية متماسكة ووظائف متصلة بطبيعة الفعل الأمني، إنما هو طرح مستبعد وخاصة في المرحلة القادمة من سورية الجديدة التي تنامت فيها المشاريع العابرة للحدود السورية. ومن هنا تبدو الحاجة الأكثر اتساقاً مع ثنائية (رفض السلوك والمنهج / الضرورة الأمنية) هي ضرورة إعادة الهيكلة للمؤسسات الأمنية في المرحلة القادمة لتُجاري أجهزة الأمن الموجودة في الدول المتقدمة والمبنية على أسس صحيحة لخدمة الوطن والمواطن.

    تبين الدراسة أنه ينبغي أن تستند إجراءات إعادة الهيكلة على مبادئ التغيير والانتقال السلس والمتماسك، خشية تداعيات التغيير المفاجئ على تماسك البلاد، وتضمن عودة هذه الأجهزة إلى الإطار الوطني وتكاملها مع مؤسسات الدولة. وأن تأتي هذه الإجراءات كانعكاس لسلسلة تفاهمات سياسية تدلل على الإرادة الحقيقية للتغيير والانتقال السياسي، وأن تخلو من أية حسابات تنافسية أو استحواذية سلطوية، وفي سبيل ذلك تقترح الدراسة ثلاثة مراحل لإتمام عملية التغيير والتطوير، الأولى تتعلق بالمنظومة القانونية التي ستراعي مبادئ الدمج وإعادة التوازن وتغيير الوظيفة وتعزيز المراقبة، والثانية مرتبطة بتطوير البنية سواء البشرية أو الإدارية والفنية، أما المرحلة الثالثة فهي مجموعة إجراءات تهدف لاستكمال بناء قطاع أمني متماسك.

    لقراءة المزيد انقر على الرابط التالي: https://goo.gl/Ns5yYQ

    المصدر مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

  • الأمن القومي العربي2015 .. الواقع و آفاق المستقبل.... محمود المنير

    عشرات القمم الدولية، وأضعافها على مستوى العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول العربية بحثت ملف الأمن القومي العربي ، وما يواجهه من تحديات وتهديدات ، والتي تزداد عاماً بعد عام، حتى وصلت ذروتها كما لم تصل من قبل ، وحري بالذكر قبل أن نتطرق لتهديدات الأمن القومي العربي في 2015 أن نذكر بمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل الذي خلصت إليه مجموعة عمل من الخبراء والمتخصصين تنفيذالقرار اجتماع الجامعة العربية على مستوى القمة الرقم 336 بشأن الأمن القومي العربي المنعقد في القاهرة 18 - 19 يوليو 2007 إلى اقتراح التحديد التالي لمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل:

    حيث انصرف مفهوم الأمن القومي العربي إلى قدرة الدول العربية مجتمعة كليا أو جزئيا على الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتقوية ودعم هذه القدرات بتنمية الإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتقنية استنادا للخصائص الجيوسياسية والسياسية والحضارية التي تتمتع بها أخذا بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لِكُلّ دولة والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي الذي يعتبر الركن الأساسي في الأمن الإقليمي وفي استقرار المنطقة كما إن مفهوم الأمن القومي العربي يعتبر وسيلة للحفاظ على الانتماء القومي وتعزيز الهوية العربية ويمثل عنصرا أساسيا في الربط بين الدول العربية وصيانة مصالحها الوطنية والقومية وتحقيق نمائها.

    متطلبات الأمن القومي العربي

    يتبين من التعريف السابق أنه ينطوي على خلط لمفاهيم أمنية متعددة ومتشعبة لا يمكن معها إعطاء صفة محددة للأمن القومي العربي كما تقتضي الضرورة . ولكن من التعريف السابق يمكن أن نضع أيدينا على متطلبات الأمن القومي العربي التي يجب أن تجد الأنظمة العربية لتحقيقها من خلال ضبط سياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف وهي :

    1.     أن يكون متكاملا و قائما على الوحدة والتعاون.

    2.    أن يكون واقعيا ومنطقيا وقابلا للتطبيق.

    3.    أن يمتلك القدرة على الردع وبسط السيادة .

    4.    أن يمتلك الموارد  والأدوات اللازمة لتحقيقه.

    5.    أن يحمل في داخله قيم الحضارة الاسلامية والانسانية .

    وبالنظر إلى المعايير والمتطلبات السابقة مقارنة بالتعريف الذي سبقها يتبين مدى التفاوت والهوة الكبيرة بين التعريف والمتطلبات التي ينبغي أن يكون عليها المفهوم .

    الأمن العربي بين المفقود والمأمول !!

    بمناقشة المتطلبات السابقة نجد أن الواقعية مثلاً وهي من أهم الخصائص اللازمة للأمن القومي التي ستسهم لو وجدت في بناء أمن قومي عربي . هل الوضع الحالي للأمة العربية بما يشهد من حالة تشرذم وتفكك وسيولة يجعل من الأمن القومي العربي أمراً واقعيا؟ وهل حجم التهديدات الموجهة إليه تجعل من مقاومتها أمرا ممكنا؟ تستدعى الاجابة على هذا السؤال مناقشة أهم المتطلبات اللازمة لصيغة نظرية الأمن القومي العربي وهي:

    1.    مدى توفر وامتلاكالإرادة السياسية.

    2.    تحديد ماهية المصالح القومية العربية.

    3.    الوقوف على طبيعة التهديدات الحقيقية التي تواجهها الدول العربية.

    4.    القرار فيما إذا كان هنالك عدو حقيقي وآخر وهمي ثالث محتمل.

    5.    صياغة التحالفات الممكنة التي تحقق الأمن القومي العربي.

    6.    تحديد المتطلبات ومقارنتها بما يمكن تطبيقه وتحقيقه.

    7.    وضع الخريطة الشاملة لنظرية الأمن القومي العربي.

    العوامل المؤثرة في صياغة نظرية الأمن القومي العربي :

    لاشك أن هناك الكثير من العوامل الايجابية والسلبية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة خريطة شاملة لنظرية الأمن القومي العربي ومنها :

    1.    اتّساع رقعة الدول العربية وكثرتها (22) دولة.

    2.    دول الجوار الجغرافي وتعدد مصالحها وتقاطعها في بعض الأحيان.

    3.    مراعاة البعد الدولي  والاقليمي الحاكم بالوجود الفعلي على الأرض العربية.

    4.    تفاوت الوضع السياسي الداخلي للدول العربية .

    5.    تفاوت الوضع الاقتصادي للدول العربية المعنية بنظرية الأمن القومي العربي.

    6.    اختلافأنماط التحالفات البينية العربية ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا .

    7.    اختلاف أنماط التحالفات الإقليمية والدولية ومدى تعارض هذه التحالفات

    8.    أثر الاتفاقات التي أبرمتها بعض الدول العربية ،مثل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية .

    9.    الاختراق العميق الذي تعرض له الأمن القومي العربي بفعل الاختراقات الصهيونية والأمريكية والإيرانية والروسية وأثره السلبي على صدقية الالتزام القومي العربي ، وليس أدل على ذلك من الموقف العربي السلبي من الحصار (الصهيو- أمريكي) لشعبنا في غزة ، والموقف السلبي من التدخل الروسي والايراني في سوريا .

    10.              مراعاة البعد الطائفي وامتداداته، والحواضن السنية والتيارات الحركية والسياسية وتأثيراتها على الأمن القومي العربي.

    التهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي :

    من خلال استقراء الواقع والحالة التي يعيشها الأمن القومي العربي في 2015 تتمثل أبرز التهديدات التي يواجهها فيما يلي : 

    1.    الإرهاب وأدواته ووسائله وأبرزه تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش).

    2.    التهديد النووي الإيراني بالدرجة الأولى تهديداً أمنياً خطيراً لدول مجلس التعاون الخليجي.

    3.    الاختراق الايراني كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا .

    4.    الحضور الأمني الأمريكي في الخليج العربي.

    5.    التهديد الإسرائيلي الاحتلالي في فلسطين.

    6.    التهديد البيني بالتحالفات المتعارضة بين بعض الدول العربية.

    7.    الاحتراب الداخلي بين مكونات بعض الدول العربية كما في العراق واليمن وسوريا.

    8.    التدخل الروسي العسكري في سوريا.

    9.    تهديد السلم الأهلي بسبب الاحتراب الداخلي كما في مصر وليبيا بسب الثورات والثورات المضادة .

    10.              الجاليات الأجنبية (الأسيوية على وجه التحديد) عنصر تهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى نسبتها العالية إلى عدد السكان ولتباين أصولها وثقافاتها ومرجعيتها.

    11.              الرعب النووي بين الهند وباكستان اللتان تمثلان الجوار المباشر لدول المجلس ومن جهة الجنوب الشرقي.

    12.              التهديد الناجم عن الهجرة وتزايد عدد اللاجئين من أثر الأزمة السورية.

    13.              الفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية التي توجد بها إثنيات عرقية وطائفية.

    14.              الحروب الوشيكة بسبب التنازع على المياه كما في حوض النيل.

    15.               الخلافات على الحدود كما في الخلاف الجزائري - المغربي حول الصحراء فضلاً عن استباحة المياه الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية للمغرب وموريتانيا وعدم قدرتهما على حماية هذه المناطق على بما تيسر لها.

    و هناك العديد من التهديدات الأخرى التي تحتاج لدراسات موسعة وتقسيمات على حسب نوعها وخطرها وطبيعتها .

    والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن ، هل يصلح النظام الأمني العربي الحالي للدفاع عن الأمن القومي العربي؟

    لعل استعراض التهديدات المشار إليها تبين قصور النظام الأمني العربي فاتفاقية الدفاع المشترك وما تمخض عنها لم تعامل بالجدية المطلوبة كما لم تضع الدول العربية نظرية أمنها القومي القابلة للتطبيق .

    وهو ما تسبب في حالة السيولة والاختراق والاحتراب وانتهاك السيادة والتدخل الأجنبي العسكري الذى نشهده وهو ما ينذر بشرق أوسط جديد يُعاد فيه رسم الخرائط من جديد و تقسيم المقسم وتفتيت المفتت !!

    صياغة نظرية الأمن القومي العربي

    وهذا يتطلب إعادة صياغة النظام العربي الاقليمي المهترئ ونظريته الأمنية القومية ، وهناك العديد من الأسباب  والعناصر الدافعة لذلك ومنها :

    1.    وحدة الهوية الحضارية العربية والقيم والمثل والدين والتراث المشترك .

    2.    الموقع الاستراتيجي للأمة العربية في قلب العالم.

    3.    الثروات العربية الهائلة المنهوبة والمستنزفة.

    4.    طبيعة وحجم الأطماع الكبيرة الموجهة للدول العربية.

    5.    عدم ثبات التحالف مع القوى الأجنبية التي تدفعها وتحركها المصالح.

    6.    الخطر الايراني بشقيه النووي والتوسعي في المنطقة.

    7.    التهديد الدائم الذي تمثله (إسرائيل) والذي لن ينتهي حتّى بعد توقيع ما يسمّى باتفاقيات التسوية.

    8.    حالة احتراب الداخلي بين بعض مكونات الدول العربية .

    9.    ضعف معظم الأنظمة العربية وتبعيتها للدول الكبرى في تحالفات متعارضة.

    10.  تغول بعض الأنظمة العربية على شعوبها بعد موجات الثورات العربية منذ 2011. وحتى الآن.

    الآليات والوسائل المقترحة :

    لعل من أسهل الأمور صياغة الحلول النظرية كالتي صاغتها وخلصت إليها عشرات القمم والمؤتمرات العربية ولكنها ظلت حبيسة الادراج في انتظار الإرادة السياسة التي تمتلك الرغبة والقدرة على تحقيقها ومن هذه الوسائل والحلول ما يلى :

    1-   تفعيل دور مجلس الدفاع العربي المشترك وهو المجلس الذي تأسس، بموجب المادة (6) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام (1950).

    2-   إعادة النظر في خريطة التحالفات الاقليمية بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع دول 5+1.

    3-   اتخاذ قرار عربي موحد بشأن الأزمة السورية بما يضمن وحدتها ويوقف التدخل الروسي الايراني في سوريا.

    4-   احتواء الحواضن السنية والتيارات السياسية في المنطقة واتخاذها كدرع واقية منعا لحالة الاحتراب الداخلي وحماية للنسيج والسلم الاجتماعي الداخلي في الدول العربية بدلا من سياسة الاقصاء والتهميش.

    5-   اتخاذ موقف إيجابي لكسر الحصار على قطاع غزة المحاصر ، وإعادة إعماره بعد سلسلة الحروب التي واجهها وسياسة التجويع والحصار الذي ضربت عليه منذ سنوات وإجبار المجتمع الدولي على تحمل مسؤوليته تجاه سياسات الكيان الصهيوني المحتل .

    6-   الاستفادة من تقلبات التوازن الدولي وإيقاعه المتسارع في إفراز قوى دولية ذات نفوذ اقتصادي  وسياسي واستغلال ذلك لخدمة المصلحة العربية وأمام الدول العربية خيارات عديدة لتحديد مسارها واختيار حلفائها ، خاصة دول جنوب شرق آسيا والصين ، للانفكاك تدريجياً من الطوق والعزلة والتخلف الذي فرضه النظام العالمي الحالي.

    7-   تفعيل دور الجامعة العربية والأخذ بالمبادرة لإيجاد آليات تطوير ميثاق الجامعة العربية حتى يتسنى لها القيام بأعمالها على المستوى الدولي والإقليمي لتصبح قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها .

    8-   ضرورة صد المؤامرات السياسية الغربية ووسائل إعلامها في محاولة تشويه الإسلام وربطه بالإرهاب، باعتباره الدرع الذي يحمي الهوية والعروبة ودينها.

    9-   ضرورة إشاعة الديمقراطية والمشاركة السياسية في الأنظمة العربية وإعادة صياغة الخطاب السياسي، وضرورة التصويت على القرارات المصيرية تعتزم السلطات تنفيذها لكي يقول الشعب العربي رأيه فيها.

    10- ضرورة دعم وتطوير وسائل الإعلام العربية ، حتى تكون قادرة على مواجهة الدعايات الغربية التي تستهدف الأمة العربية حضارياً وثقافياً وفكرياً وإعلامياً ودينياً.

    11- التعامل الجدي مع حالة فراغ القوة التي بدأ المجال الإقليمي للعرب يشهده مع بدء تقهقر مشروع السيطرة الأمريكي على المنطقة.

    --------------------------------

    المصادر :

    1-   الشرق أوسطية وتحديات الأمن القومي العربية ، أحمد كخزوم أحمد الرازقي ،http://goo.gl/ues1qY

    2-   تهديدات الأمن القومي العربي ، د. عبد الوهاب القصاب ، المؤتمر القومي العربي التاسع عشر 2008.

    3-   تنامي الدور الايراني وتأثيره على الأمن القومي العربي ،http://goo.gl/KZkbT0

    4-   الأمن القومي العربي في ظل التحولات العالمية الراهنة ، محمد بوبوش ، مجلة دراسات شرق أوسطية ، عدد 53 خريف 2010 السنة الرابعة عشر.

    5-   نحو إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي العربي ومرتكزاته ، منذر سليمان ،http://goo.gl/WUyOQW

    6-   تقرير لجنة بالبرلمان العربي الإنتقالي حول الأمن القومي العربي ،http://goo.gl/ORYyQ8

    7-   التجزئة السياسية العربية والأمن القومي العربي ، البحثية ، محمد ولد دده ،http://goo.gl/CjgRXx

    8-   ندوة حول الأمن القومي العربي لبحث تفعيل الآليات لمجابهة المخاطر التي تهدد المنطقة ،http://goo.gl/x2UscO

    9-   الاختراقات الإسرائيلية للأمن القومي العربي ، محمد قاياتى ، شبكة الأخبار العربية ،http://goo.gl/2hrFnH

     

    10-                   إيران والأمن القومي العربي: خصوصيّات البيئة الإقليميّة ، الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية و نصرة فلسطين ،http://goo.gl/l56ufg

  • الاستيطان يحول الضفة الغربية إلى مكب لنفايات المستوطنين

    يمثل الاستيطان جوهر الاحتلال الصهيوني القائم على ترحيل الفلسطينيين وتشريدهم من ديارهم؛ واحلال المستوطنين الغرباء لأرضهم، وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية خالصة، وقد اعتمد الصهاينة سياسة النفس الطويل والقضم المتدرج واستغلال الظروف الإقليمية والدولية لترسيخ وجودهم الاحتلالي في الضفة الغربية.
    وبالرغم من أن القانون الدولي يؤكد على عدم شرعية الاستيطان، وعلى مخالفته لكل مبادئ حقوق الإنسان، وللمواثيق الدولية المتعلقة بها، إلا أن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية لا يتوقف ولا يهدأ أبدًا، وهو يعمل على مصادرة الأرض وتفريغها من سكانها والتضييق على من تبقى بكل الوسائل والسبل.

     اقرأ على موقع مركز رؤية

  • التدخل الروسي في سورية وآثاره

    يتألف البحث من أربعة محاور تسلط الضوء على أسباب وآثار التدخل الروسي في سورية والذي وصل منذ شهر أيلول سبتمبر 2015 حد الغزو المباشر بالتعاون مع ميليشيات إيران وحرسها الثوري:

     القسم الأول مقدمة توضح النظرة الروسية إلى الشرق الأوسط ككل وخصوصاً سورية منذ عصر القياصرة مروراً بالاتحاد السوفيتي السابق وصولاً لروسيا الحالية، لنستخلص منها مرتكزات النظرة الروسية واستراتيجيتها في المنطقة، وأوجه التشابه والتقاطعات بين هذه الأطوار الثلاثة.

    الثاني يركز على آثار التدخل الروسي على الوضع الداخلي السوري، وما جره الغزو الروسي على الصعد العسكرية وتعميق معاناة السوريين.

    الثالث يبحث في آثار الغزو الروسي لسورية على الصعيد الإقليمي، ومحاولة روسيا إعادة رسم وتحديد موازين القوة في المنطقة وفق المصالح الروسية التي سيتم الحديث عنها في المقدمة.

    الرابع ويبحث في آثار التدخل الروسي في سورية على الصعيد الدولي، ومحاولة روسيا إعادة تعريف نفسها كقوةٍ عالمية وكقطبٍ موازٍ ومنافس للولايات المتحدة الأميركية يدافع بالقوة العسكرية عما يعتبره مناطق نفوذه.  

    وقد أعتمد في هذه الورقة على منهج التحليل الوصفي، عبر المدخل التاريخي لدراسة العلاقات الدولية ومدخل الجيوبوليتيك بغية الوصول إلى أوضح صورةٍ ممكنة لآثار التدخل الروسي في سورية على الأصعدة الثلاث السابق ذكرها، كما لم تهمل الورقة إلقاء الضوء على النسق السلوكي والعقدي الذي تبني من خلاله القيادة الروسية استراتيجياتها في المنطقة.

    أولاً: مقدمة ومدخل تاريخي

    تتضمن المقدمة بعض الأحداث والمواقف والرؤى الروسية علها تكون معيناً لنا في توضيح بعض النقاط لاحقاً.

    يرتبط الطموح الروسي في الشرق الأوسط عموماً بنظرة استراتيجية تستند إلى مناح جيوسياسية ودينية واقتصادية وثقافية، فروسيا تعتبر الشرق الأوسط منطقة جغرافية مجاورة لحدودها الجنوبية تؤثر في أمنها القومي واقتصادها. كما أن روسيا حاولت وتحاول فرض وصايتها على أرثوذكس العالم وترى في موسكو روما الثالثة بعد خسارة الأولى لصالح الكاثوليك وخسارة الثانية (القسطنطينية) لصالح المسلمين. وقد ورد في وصية القيصر بطرس الأكبر " لا تنسوا العمل على السيطرة على البحر الأسود والزحف إلى الجنوب للاستيلاء على القسطنطينية لأن من يحكمها يحكم العالم

    لتحميل الدراسة كاملة من هنا 

  • التدخل الروسي ومعالم التحالفات الاقليمية والدولية

    عاطف الجولاني

    شكّل التدخل الروسي العسكري في سوريا متغيرا سياسيا مهما وتحوّلا مؤثرا

    في البيئة السياسية الإقليمية ولم تقتصر تداعياته وانعكاساته على الوضع السوري. وتتناول هذه الورقة ثلاثة محاور:

    1. تداعيات التدخل الروسي على البيئة السياسية الإقليمية.
    2. السيناريوهات المتوقعة لتأثير التدخل الروسي في الوضع الإقليمي خلال الفترة القادمة.
    3. مقترحات التعامل مع المتغير الجديد.

    أولا: تداعيات التدخل الروسي على البيئة السياسية الإقليمية:

    1. تزايد حضور روسيا في المعادلة السياسية للمنطقة، وبروزها كلاعب مهم وفاعل مؤثر في عدد من الملفات السياسية الإقليمية، في مقدمتها الملف السوري.
    2. زيادة حضور وتأثير العامل الدولي في صراعات الإقليم، ودخول المنطقة مرحلة جديدة من الاستقطاب الدولي وما يشبه أجواء الحرب الباردة. والانتقال من صيغة محاور إقليمية تتحالف مع أطراف دولية، إلى صيغة محاور إقليمية تقودها أطراف دولية.

    حيث تتبلور ملامح محور تقوده روسيا ويضم إيران وسوريا والعراق، مدعوما بحركات كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وهو ما يدفع باتجاه تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وكل من تركيا والسعودية وقطر.

    ومن شأن تزايد بروز العامل الدولي أن يفاقم تعقيدات الملف السوري وأن يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي، حيث غدا مستقبل الصراع في سوريا متعلقا بمصالح الأطراف الإقليمية والدولية وبتناقضاتها، فيما يتراجع وزن العامل المحلي المتعلق بالنظام والمعارضة السورية.

    1. توتّر العلاقات الروسية التركية بفعل تعارض المواقف وتضارب المصالح إزاء الملف السوري، وقد شكل إسقاط تركيا للطائرة الروسية وما تلا ذلك من تصعيد سياسي واقتصادي وأمني، ذروة التأزيم في العلاقة بين البلدين.
    2. توتر العلاقات الروسية مع السعودية وقطر مقابل تقارب في العلاقات الروسية مع مصر والإمارات والأردن.
    3. بروز مؤشرات لتنافس روسي إيراني في سوريا، وكذلك بروز بعض التباينات في الموقف من مستقبل بشار الأسد في العملية السياسية حال التوصل إلى حل سياسي. 

    ثانيا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل التدخل الروسي في سوريا:

    1-      تعزيز روسيا لنفوذها السياسي ووجودها العسكري في سوريا والمنطقة، وتحقيق نقطة مهمة لصالحها في التنافس والاستقطاب الدولي مع الولايات المتحدة، والتأثير في ميزان القوى الميداني في سوريا لصالح النظام.

    2-      تورّط روسيا في الصراع السوري، وتوجّه الولايات المتحدة والسعودية وتركيا لاستنزافها في المستنقع السوري. ومن شأن ذلك أن يبقي الصراع في سوريا مفتوحا ويطيل أمده، وأن يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري.

    3-      الوصول إلى تفاهم وحل سياسي للأزمة السورية ينهي الصراع العسكري ويحفظ مصالح الغرب وروسيا في سوريا والمنطقة.

    ويلاحظ أن روسيا ستخرج مستفيدة حال تحقق أي من السيناريوهين الأول أو الثالث، فمن شأن تعزيز الوجود العسكري وتقوية فرص النظام السوري في البقاء أن يزيد من حضور روسيا وتأثيرها في شؤون المنطقة، وهو ما يتحقق كذلك حال نجاحها بالتوصل إلى حل سياسي يحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

    أما السيناريو الثاني فمن شأنه أن يضفي أعباء سياسية وعسكرية واقتصادية ثقيلة على روسيا ويعرّضها لاحتمالات تكرار سيناريو تورط الاتحاد السوفييتي في المستنقع الأفغاني

    ثالثا: خيارات التعامل مع التدخل الروسي في سوريا وتداعياته في المنطقة:

    1-     الخيار الأول:

    الدفع باتجاه إقامة تحالف تركي سعودي قطري للدفاع عن مصالح الأمة ومواجهة تحديات التدخل الروسي العسكري في المنطقة وأخطار التحالف الروسي الإيراني السوري العراقي.

    -          إيجابيات الخيار:

    • إقامة تحالف سياسي قوي ومؤثر لحماية مصالح الأمة ومواجهة الأخطار التي تتهددها وزيادة فرص إنهاء الفوضى في المنطقة.
    • محاصرة التمدد الروسي والإيراني في المنطقة.
    • زيادة فرص حسم عدد من الملفات الملتهبة في المنطقة.
    • الحيلولة دون مواجهة أطراف التحالف للتهديدات بصورة منفردة.
    • تعزيز القدرة على التحرك المشترك وزيادة حجم التأثير وفاعلية التحرك.
    • المساعدة على بلورة رؤية مشتركة للتعامل مع قضايا الإقليم، وليس التعامل مع كل ملف على حدة.

    -          سلبياته:

    • تكريس سياسة المحاور في المنطقة، والتي من شأنها زيادة حالة الانقسام في الموقف العربي والإسلامي.
    • تقليل فرص التفاهم مع روسيا وإيران إزاء الملفات الخلافية.

    -          متطلباته:

    • بلورة تصوّر لطبيعة التحالف وتقسيم المهام والأدوار بين أطرافه.
    • الدفع باتجاه استنزاف روسيا في المستنقع السوري، وهو ما يتطلب التنسيق مع الولايات المتحدة بهذا الصدد، وتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية.
    • التنسيق مع القوى الشعبية المؤثرة في الإقليم والتي من شأنها أن تضفي مزيدا من القوة على التحالف.

    -          المعوقات:

    • مدى قناعة الأطراف المقترحة لتشكيل التحالف بجدواه.
    • الموقف المتردد لإدارة أوباما في مواجهة تمدد النفوذ الروسي واعتمادها الدبلوماسية الناعمة.
    • الاتفاق النووي بين إيران والأطراف الغربية الذي تعوّل عليه تلك الأطراف في احتواء إيران والتأثير في سلوكها.
    • معارضة بعض الأطراف العربية لهذا الخيار بخاصة الإمارات العربية ومصر.

    2-     الخيار الثاني:

    تعزيز التنسيق والتعاون السياسي بين تركيا والسعودية وقطر بخصوص مواجهة التحديات التي يفرضها التدخل الروسي في سوريا، وهو ما من شأنه أن يفتح المجال لاحقا لبحث صيغ التحالف في سياق عملية تطور طبيعي متدرج.

    إيجابيات الخيار:

    • يبدو واقعيا وممكنا أكثر حال عدم توفّر الشروط الكافية لقيام التحالف.
    • يحافظ على هامش استقلال أكبر للدول ولا يلزمها بمواقف الآخرين وأزماتهم.

    -          سلبياته:

    • صيغة ضعيفة مقارنة بالتحالف الذي يشكل صيغة أقوى وأرقى من مجرد عملية التنسيق على كل ملف بصورة مستقلة.

    3-     الخيار الثالث:

    فتح قنوات التواصل ومحاولة التفاهم مع روسيا وإيران كلا على حدة بخصوص الصراع في سوريا.

    -          إيجابيات الخيار:

    • تجنّب زيادة حدّة التوتر في المنطقة.
    • توفير فرصة للحل السياسي في سوريا تحول إطالة أمد الأزمة.
    • توفير فرصة للعب على تباينات المواقف والمصالح بين روسيا وإيران، ومحاولة تفكيك التحالف المصلحي بين الطرفين.

    -          سلبياته:

    • تقديم مكافأة لروسيا على تدخلها في سوريا تغريها بالتشدد في مواقفها.
    • تقديم خدمة مهمة للنظام السوري من شأنها تعزيز موقفه السياسي.

    -          متطلباته:

    • استعداد روسيا وإيران للوصول إلى تفاهمات سياسية معقولة بخصوص مستقبل الوضع في سوريا.
  • التسلق السياسي على الثورة السورية.....أحمد محمد الخالد

    تستمد الثورة السورية شرعيتها من استبداد النظام وفساده وإجرامه ومصادرته حقوق السوريين ولكن مع ذلك فإن الثورة السورية المباركة كغيرها من ثورات الربيع العربي تحتاج إلى تعزيز شرعيتها ٬ وتحصين ذاتها ٬ وهذا يتعلق بحفاظها على مسارها ٬ وأهدافها السامية، وبتصويب خطاباتها وطرق كفاحها واحترامها إرادة شعبها.

    تستمد الثورة السورية شرعيتها من استبداد النظام وفساده وإجرامه ومصادرته حقوق السوريين ولكن مع ذلك فإن الثورة السورية المباركة كغيرها من ثورات الربيع العربي تحتاج إلى تعزيز شرعيتها ٬ وتحصين ذاتها ٬ وهذا يتعلق بحفاظها على مسارها ٬ وأهدافها السامية، وبتصويب خطاباتها وطرق كفاحها واحترامها إرادة شعبها.

    لم يستطع أي جسم سياسي ثوري سوري أن ينتزع من المجتمع الدولي اعترافاً قانونياً به على غرار الاعتراف الذي يتم بالحكومات الرسمية، والذي يخوله شغل مقاعد الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة والجامعة العربية والمنظمات الدولية التي لا يزال النظام يشغل مقاعدها، ونقل كافة ممتلكات ومرافق وأموال الدولة السورية بما فيها السفارات والقنصليات والبعثات الخارجية والحسابات البنكية التابعة لها إلى الجسم السياسي الثوري.  

    وتجدر الإشارة إلى أن الاعتراف بالدولة لا يعني الاعتراف بشرعية أو مشروعية من يحكمها فسورية معترف بها كدولة في كافة المحافل الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ولكن من يحكمها عصابة اغتصبت السلطة منذ أكثر من أربعين عاماً، وبتعبير آخر هو أن القانون الدولي لا يقيم وزناً للاعتراف بالدول من منظور احترامها للقانون الدولي أو لشرعة حقوق الإنسان فالدولة كيان مستقل عن الأشخاص الذين يحكمونها تتطور وتتغير بتغير الظروف ولكن من الناحية الجيوسياسية تبقى الدول مهما تغيرت الهيئات الحاكمة لها طالما حققت الشروط الواجب توافرها لقيام الدولة (الشعب، الإقليم، السيادة) ولكن الشيء الذي يمكن أن يتغير هو الاعتراف بالهيئات الحاكمة بحيث يمكن نقل هذا الاعتراف من هيئة إلى أخرى كما يحدث عند الاعتراف بالحكومات التي تأتي بعد الانقلابات العسكرية.

    الواقع الدولي أثبت خلال السنوات الأخيرة أن الاعتراف لا يكون بالدول الجديدة فقط، بل يتعداها إلى الاعتراف بأوضاع معينة كالاعتراف بالثائرين، والاعتراف بالمحاربين، والاعتراف بالحكومة الفعلية، ويقول البعض بنوع رابع وهو الاعتراف بالأمة، فالاعتراف إذاً يمكن أن يعطى لكيان سياسي ما ريثما تستكمل الدولة كافة أركانها 

    ​لتحميل كامل الدراسة وقراءتها بصيغة بي دي اف PDF

  • التغيير والنهوض في العالم العربي.. أسئلة في أدوار المثقف وإسهاماته في ديناميكية الثورات العربية .... الحسن حما

    تحاول هذه الدراسة إبراز جوانب من إسهامات المثقف العربي في (ديناميكية) الثورات العربية، من خلال قراءة معرفية لإشكالية التغيير والنهضة في العالم العربي وعلاقتها بالنخبة المثقفة العالمة، لأن الحديث عن أدوار المثقف ووظيفته في بناء التغيير، يقتضي دراسة الإشكالات التاريخية والثقافية، المتجذرة في البنى الاجتماعية والفكرية للمجتمعات العربية، مثل تحديد طبيعة علاقة المثقف بالسلطة، وغيرها من القضايا التي أعيد طرحها مع الثورات العربية.

    ومن أجل فهم سليم لطبيعة إسهامات المثقف في مسار الحراك الاحتجاجي والاجتماعي العربي؛ تنطلق هذه الدراسة من الخلفية الفكرية التاريخية والحضارية لسؤال النهضة والتغيير في العالم العربي، ودراستها وفق معطيات الواقع العربي اليوم مسترشدة بمتاحات علم «اجتماع المعرفة» (Sociology of knowledge). أي دراسة موضوع "أدوار المثقف في ديناميكية الثورات العربية" ضمن سياقه الاجتماعي والسياسي، المتسم بالدينامية، بروح نقدية، سواء المثقف الديني أو الشاعر أو السينمائي، أو الروائي أو الأكاديمي.

  • التهجير القسري من جريمة حرب إلى منحة لشعب - جريمة حصار المدن السورية..... أحمد محمد خالد

    لقد سعى النظام السوري المجرم إلى استخدام سياسة الحصار على المدن السورية منذ بدء الثورة السورية في آذار/مارس 2011 كنوع من العقاب الجماعي للمدن الثائرة ضد النظام، باعتبار أن هذا العقاب هو الأقل تأثيراً على الرأي العام الدولي، بالتوازي مع تأثيره الواسع على السكان.

    محافظة درعا:

    وقد بدأ تطبيق سياسة الحصار الجماعي في سورية منذ الشهر الثاني للثورة، حيث قامت الفرقة الرابعة في الجيش السوري ابتداء من تاريخ 4/5/2011 بفرض حصار كامل على محافظة درعا، ومنعت الدخول والخروج منها، كما قامت بقطع الإمدادات الغذائية والصحية، وقطع إمدادات الكهرباء والماء والهاتف، واستمر الحصار إلى نهاية الشهر التالي، حيث بدأ يخف تدريجياً بعد ذلك.

    وقد أدى حصار درعا آنذاك إلى ردة فعل كبيرة في الرأي العام المحلي والدولي، حيث كانت الحالة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذه السياسة، وانطلقت حملة قادها بعض الفنانين والمثقفين، عرفت باسم "الحليب من أجل أطفال درعا" .

    وبالتوازي مع حصار درعا، فرض حصار آخر على مدينة بانياس، استمر لعشرة أيام تقريباً، ابتداء من 3/5/2011، وفي نهاية الشهر نفسه فرض حصار على الرستن وتلبيسة ابتداء من يوم 29/5/2011.

    مع دخول الشهر السادس للثورة، توسع استخدام سياسة الحصار، وانتقل من الحصار الجزئي لأسابيع إلى الحصار الطويل، ونتيجة لانعدام ردود الفعل الدولية تقريباً تجاه تطبيقها السابق، وللأثر الذي أحدثته في الضغط على المدنيين، وإضعاف مقاومتهم لقواته.

    محافظة اللاذقية:

    ففي يوم 14/8/2011 بدأ حصار مدينة اللاذقية، حيث قطعت الكهرباء والماء عن المدينة، بالإضافة إلى منع الدخول والخروج منها، للأفراد والسلع، وبدأت حملة عسكرية للنظام المجرم استهدفت بشكل أساسي حي الرمل الجنوبي، حيث استخدمت فيها القوات البرية والبحرية، ورغم انتهاء العمليات العسكرية في ذلك الحي، إلا أن الحصار على اللاذقية استمر لعدة أشهر بعد ذلك.

    لتحميل الدراسة وقراءة النص بشكل كامل اضغط هنا

  • الجدار الفاصل على الحدود الأردنية الفلسطينية وأثره على قيام الدولة الفلسطينية

     إنشاء الجدار

     

    منذ بداية هذا العام (2016) و"إسرائيل" تواصل بناء "جدار أمني" على الحدود مع الأردن, وبحسب ادعاءات وزارة حرب الاحتلال فإن "هدف الجدار حماية المواطنين الإسرائيليين من أي تهديد أمني آت من الأردن"، وإن "الجدار الأمني على الحدود الأردنية سيكون مشابهًا للجدار القائم على الحدود المصرية والجولان وسيشمل طرقات وأبراج مراقبة ومراكز عملانية ووسائل أخرى تقنية متطورة، على أن ينتهي البناء في نهاية 2016 ".[1]

     

    يشار في هذا المجال إلى أن هذا الجدار هو رابع "جدار أمني" تشيده "إسرائيل" بعد الجدار الفاصل بين أراضي 48 والضفة الغربية، والجدار القائم في هضبة الجولان المحتلة، والجدار الإلكتروني الذي يمتد على مسافة 240 كلم على طول حدودها مع مصر، وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن أعمال البناء لهذا الجدار مستمرة وقد انتهت المرحلة الاولى، وأن العمل جار لإنجاز باقي المراحل النهائية[2].

     

     

     

    ويعود قرار الاحتلال بإقامة هذا الجدار إلى بداية العام 2012, حيث أعلن رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن "إسرائيل" وبعد الانتهاء من إقامة السياج الأمني لحدودها الجنوبية مع جمهورية مصر سوف تشرع في إقامة جدارين على امتداد حدودها الشرقية والشمالية مع الأردن ولبنان بذريعة منع التسلل ولدواع أمنية، وذلك خلال جلسة لحكومة الاحتلال في الأول من كانون الثاني 2012[3].

    ومن الواضح أن الحدود الشرقية تُمثّل منطقة حيوية للاحتلال الإسرائيلي لعدة اعتبارات أهمها امتدادها الكبير، ولكونها تُمثّل حدًّا طبيعيًّا مثاليًّا من الناحية العسكرية، بالإضافة إلى أن تلك المنطقة غنية بالموارد الطبيعية من أراض زراعية ومصادر مياه، وهو ما يفسّر سعي الاحتلال إلى إحكام السيطرة عليها عبر إقامة المستوطنات والقواعد العسكرية والمناطق العسكرية المغلقة ومنع الفلسطينيين من دخولها والتضييق على التجمعات الفلسطينية المحدودة الموجودة فيها في مجال البناء ومصادرة أراضيهم.

     

    استمرار العمل في الجدار:

     

    وقد بدأت الأعمال الإنشائية للجدار الإسرائيلي من منطقة إيلات جنوبًا (خليج العقبة) لتصل في النهاية إلى هضبة الجولان السورية شمالاً، مرورًا بغور الأردن، بما يشمل ذلك الحدود المشتركة بين الأردن والضفة الغربية، وبذلك فإن "الدولة الفلسطينية" على أراضي الضفة الغربية -بحسب فرضية حل الدولتين المفترض- ستغدو جزيرة معزولة عن محيطها العربي.

     

    ويبدو أن "إسرائيل" بدأت بإنشاء الجدار انطلاقًا من إيلات بعيدًا عن الضفة الغربية من أجل تخفيف حدة الانتقادات الدولية لهذا المشروع الاستعماري, ولكن سكان الأغوار من الفلسطينيين يؤكدون أن عمليات التهيئة لبناء الجدار على الحدود بين الضفة والأردن تجري على قدم وساق، وبحسب رئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية في الأغوار عارف دراغمة: فإن "سكان المنطقة رصدوا أعمال بناء للجدار، وإن آليات الاحتلال قامت بأعمال التأسيس له, حيث أُزيلت الألغام المزروعة من بعض المناطق، كما قامت آليات الاحتلال بأعمال تجريف وتمهيد لبناء الجدار"، ويضيف "أبلغنا المسؤولين الفلسطينيين بالأمر وطلبنا منهم زيارة المنطقة والاطلاع على النقاط التي يجري فيها البناء، ولكن أحدًا لم يحضر للمنطقة".

     

    ويؤكد دراغمة أن هذا الجدار سيتضمن عمليات مصادرة جديدة لأراضي المواطنين التي تقع بين الجدار التقليدي القديم في الحدود مع الأردن والجدار الجديد، وينوه إلى أن مخططات بناء الجدار الحدودي قديمة نسبيًّا، حيث قامت قوات الاحتلال بإزالة الألغام من الأراضي الحدودية وتسليمها للمستوطنين لزراعتها، ثم شرعت قبل أشهر ببناء الجدار في المنطقة[4].

     

    وبالتـأكيد فإن هذا الجدار عند إكماله سيستحوذ على مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية المحاذية للحدود الأردنية، وستكون المناطق المحاذية له على طول امتداده مناطق عسكرية مغلقة سيحظر على الفلسطينيين دخولها إطلاقًا.

    بناء الجدار وتكريس واقع عزل المنطقة الشرقية من الضفة:

     

    الواضح أن بناء هذا الجدار يأتي منسجمًا مع سياسة حكومة الاحتلال في  تكريس الأمر الواقع الذي تخلقه تدريجيًّا في الضفة الغربية, وهي السياسة القائمة على حصر أكبر عدد من الفلسطينيين في أقل مساحة ممكنة من أراضي الضفة, وكل هذا بحجج وذرائع أمنية, وفي هذا السياق فقد فرض الاحتلال عزل منطقة الأغوار الفلسطينية منذ العام 1967 بعد السيطرة على الضفة, حيث قامت "إسرائيل" وبشكل مُمنهج ببسط سيطرتها الفعلية على منطقة العزل الشرقية عبر إعلانها مناطق شاسعة مناطق عسكرية مغلقة يُحظر على الفلسطينيين الوجود فيها والتي باتت تشكل الآن أكثر من نصف إجمالي مساحة المنطقة البالغة 1664 كم² (51% من مساحة المنطقة).

     

    كذلك فقد بدأت "إسرائيل" ومنذ العام 1968 ببناء سلسلة من المستوطنات التي تمتد من مستوطنة "ميخولا" في أقصى شمال منطقة الأغوار في أراضي محافظة طوباس وحتى مستوطنة "متسييه شاليم" على غربي البحر الميت ضمن محافظة الخليل، كما شجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المستوطنين الإسرائيليين على السكن في منطقة العزل الشرقية عبر الحوافز المالية والإعفاءات من دفع رسوم معينة كتلك الخاصة بالتعليم والمواصلات والضرائب بالإضافة إلى تسهيلات القروض بفوائد قليلة[5].

     

     حكومات الاحتلال المتعاقبة – وعبر حوافز مادية عديدة - مكنت المستوطنين من استغلال المناطق الزراعية المحاذية للمستوطنات ومنحتهم السيطرة على أراضي الفلسطينيين بحكم الأمر الواقع، وقد وصلت مساحة المناطق الزراعية التي استولى عليها المستوطنون في منطقة العزل الشرقية 64 ألف دونم، ويوجد اليوم في المنطقة التي تشكل قرابة 30% من إجمالي مساحة الضفة 37 مستوطنة إسرائيلية بُنيت على مساحة قدرها 40 ألف دونم، ويقطنها ما يزيد عن 13 ألف مستوطن بالإضافة إلى 32 بؤرة استيطانية.

     

    كما قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشق طرق التفافية يبلغ طولها 285 كم خاضعة لسيطرة الجيش، وذلك لتسهيل تنقل المستوطنين ما بين منطقة العزل الشرقية وبقية مناطق الضفة الغربية، وفي المحصلة، فإن "إسرائيل" تسيطر فعليًّا وبصورة شبه تامة على معظم أراضي منطقة العزل الشرقية، وتتوزع أساليب السيطرة هذه بين مناطق مزروعة بالألغام، إلى مناطق مصنفة على أنها محميات طبيعية ومناطق تحتلها المستوطنات الإسرائيلية، أو تخضع لنفوذها الأمني، ومناطق تحتلها القواعد العسكرية ومعسكرات التدريب كما تبين الخارطة المرفقة.[6]

     

     

     

     

     

    الفلسطينيون في منطقة العزل الشرقية: اضطهاد وتهميش واستئصال:

     

    يبلغ عدد المواطنين الفلسطينيين في منطقة العزل الشرقية حوالي 59 ألف مواطن موزعين على 43 تجمعًا سكانيًّا، ويعانون ظروفًا مأساوية من حيث الاضطهاد والتهميش والاستئصال، فسلطات الاحتلال تمنعهم من البناء على أراضيهم أو استصلاحها بحجة عدم حصولهم على التراخيص اللازمة من الإدارة المدنية الاحتلالية والتي لا تعطيهم أي تصاريح بحجة وجودهم في مناطق عسكرية مغلقة، أو في أراضي دولة [7].

     

    وتجدر الإشارة إلى أن المواطنين الفلسطينيين القاطنين في منطقة العزل الشرقية يعيشون حاليًّا في ظروف تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية بفعل ممارسات الاحتلال بحقهم, حيث تقوم جرافات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وإزالة تجمعات فلسطينية بأكملها من المنطقة مثل خربة الرأس الأحمر وخربة الحديدية وخربة حمصة وقرية العقبة[8], عدا عن حالات الهدم الفردية المتواصلة, وذلك بهدف تضييق الخناق على السكان لدفعهم إلى الهجرة الطوعية من أراضيهم التي ولدوا وعاشوا فيها قبل الاحتلال الإسرائيلي, لإفساح المجال أمام المخططات التوسعية الإسرائيلية القديمة الجديدة للسيطرة على تلك المنطقة وحرمان الفلسطينيين من العيش في تلك المنطقة الإستراتيجية.

     

     

     

    نظرية الأمن الإسرائيلي والسيطرة على الأغوار:

     

    تعتمد النظرية الأمنية الإسرائيلية في تبرير السيطرة على كامل منطقة الأغوار على ضرورة الحفاظ على العمق الإستراتيجي الحيوي لدولة الاحتلال، وذلك انطلاقًا من أن خضوع "إسرائيل" للتهديد سيزداد كلما ازدادت إمكانية إلحاق الضرر بها نتيجة الطبيعة الجغرافية.

     

    وفي تقدير أجهزة الأمن الصهيونية فإن "إسرائيل" تواجه خطرًا وجوديًّا من الجبهة الشرقية، كونها جبهة طويلة وممتدة، والهدوء الذي تحياه الآن مؤقت، ولا يمكن ضمان استمراره ولا تحديد موعد انتهائه، فاحتمالات تحولها إلى ساحة مواجهة أمر ممكن في كل لحظة، وتخلي "إسرائيل" عن هذه المنطقة يجعلها في موقع "ضعف إستراتيجي"، ولذلك فمن المهم استغلال الجبال لتكون حواجز حماية للدولة المعدومة من العمق الإستراتيجي الحقيقي.

     

    إن الصور التوضيحية التي نشرتها مصادر عسكرية إسرائيلية تبين الأهمية الكبرى التي يعطيها الفكر الصهيوني الأمني الإستراتيجي لمنطقة الأغوار ولضرورة الاحتفاظ بها، وهي تشرح كيف أن منطقة الأغوار تبدو خندقًا طبيعيًّا بإمكانه إعاقة أي تحركات عسكرية قادمة من الشرق، بل والقضاء عليها انطلاقًا من سفوح الجبال الشرقية المواجهة للمنطقة.[9]

     

    ومنذ عام 1967، أصبحت الأغوار الفلسطينية العنصر الأكثر أهمية في الفكر الإسرائيلي حول الحدود الأمنية، وذلك بسبب ميزاته الطبوغرافية الفريدة، حيث يبلغ عرض المنطقة من البحر المتوسط حتى نهر الأردن ما يقارب 40 ميلاً، أما الأغوار وحدها فيبلغ عرضها من 6 إلى 9 أميال ويقع ما يقارب 1300 قدم تحت سطح البحر بجوار المنحدرات الشرقية للضفة الغربية، والتي تصل أعلى نقطة فيها إلى 3318 قدمًا فوق مستوى سطح البحر.

     

    وكانت "إسرائيل" قد وضعت على جميع القمم محطات إنذار مبكر تواجه الشرق، وبالتالي أصبحت الأغوار ذات التعداد السكاني الفلسطيني الضئيل تشكل حاجزًا طبيعيًّا ضد أي هجوم، وأصبح بإمكان الجيش الإسرائيلي الدفاع عن الممرات الخمسة الشرقية والغربية التي يمكن أن يمر الجيش المعادي من خلالها.[10]

     

     

     

     

    خفايا إنشاء الجدار:

     

     تتذرع حكومات الاحتلال بالحجج والمبررات الأمنية التي تسوقها في منطقة غور الأردن والتي تهدف إلى تكريس نهر الأردن حدودًا شرقية لها, وفي هذا المجال تبرز مخططات الجنرال ييغال ألون صاحب المشروع الاستيطاني الأول في الضفة الغربية والذي سعى عبر إقامة سلسلة من المستعمرات العسكرية الزراعية على طول الحدود الشرقية للضفة إلى قطع سبل التواصل السكاني العربي على جانبي نهر الأردن بكتل استيطانية ثابتة تمثّل قلاعًا حدودية لدولة الاحتلال, وهذه المخططات تمثّل جوهر السياسة الإسرائيلية الثابتة في منطقة الأغوار بالرغم من تغير الحكومات الإسرائيلية وتباينها.  

     

     وتحاول حكومة الاحتلال استغلال واقع الثورات العربية وتطورات الأحداث في الإقليم إلى تسريع مخططات ضم منطقة الأغوار الفلسطينية لـ "إسرائيل", وهو ما يمثّل قضاءً على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية, وترسيخًا لواقع بقاء السلطة الفلسطينية مجرد إدارة ذاتية تحقق مطالب الأمن الإسرائيلي دون أي سيادة على الأرض.

     

    وبحسب المحلل السياسي الإسرائيلي أفيخاي بيخور فإن "حدود إسرائيل مع الأردن تُعتبر الأكثر طولاً، ويبدو أن «وهم السلام» جعل الكثيرين يعتقدون أن الهدوء على هذه الجبهة سيدوم إلى الأبد، كما سيبقى النظام هناك إلى الأبد، ولكن عندما ننظر إلى الدول التي هي أقوى من الأردن والتي انهارت، نفهم بأن الأردن يواجه ضائقة، وخطورة الأوضاع هناك تهدد أيضًا إسرائيل، ما يتطلب بناء جدار بأسرع ما يمكن"[11]، وهو كلام يفهم منه أن بناء الجدار الأمني الإسرائيلي وبقية المخططات الاستيطانية في غور الأردن تهدف لتحقيق أهداف الاحتلال السياسية بجعل نهر الأردن حدًّا طبيعيًّا آمنًا.

     

     كما يمكن اعتبار بناء هذا الجدار منسجمًا مع سياسة إسرائيلية تقوم على ضم أجزاء الضفة الغربية بصورة تدريجية لدولة الاحتلال، وهو ما عبّر عنه صراحة رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي زئيف إلكين عندما دعا إلى ضم الضفة الغربية بشكل تدريجي إلى "إسرائيل"، معتبرًا أنه "لا مناص من ضم تدريجي لأجزاء من الضفة الغربية التي يعرف الجميع أنها ستبقى بيد إسرائيل"[12].

     

    ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطون شلحت "إن قرار بناء الجدار مع الأردن يستند إلى رفض مسبق من الاحتلال لأن تكون حدود 1967 هي حدود الحل النهائي مع الفلسطينيين", ويوضح أن "جميع الحكومات والدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية ترى أن حدود 67 لا يمكن أن تشكل حدودًا منطقية لحماية أمنها، وأن نهر الأردن هو الحدود الطبيعية الآمنة، لذلك لا تنازل عن الأغوار وعن السيطرة على الحدود الشرقية في أية تسوية مع الفلسطينيين"[13].

     

     

     

    الخاتمة:

     

     

     

    إن منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت تمثّل قرابة 30% من مساحة الضفة الغربية، وهي احتياطيّ الأراضي الأكبر بالنسبة لسكانها الفلسطينيين، كما تمثّل بوابتهم الحدودية نحو العالم العربي.

     

    ومن المفترض -حسب عملية التسوية التي أفرزتها مؤتمرات مدريد وواشنطن واتفاقية أوسلو والمستندة إلى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن- أن تكون منطقة غور الأردن الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المنتظرة.

     

    ولكن ما يحدث عمليًّا منذ عام 1967 هو أن "إسرائيل" تعمل بكل الطرق من أجل ضمّ هذه المنطقة فعليًّا إلى حدود كيانها؛ فقد أغلقت جزءًا كبيرًا منها بحجج عسكرية، وصادرت أراضيها لصالح معسكرات التدريب ولصالح المستوطنات.

     

    وتمنع "إسرائيل" تطوير البلدات الفلسطينية في المنطقة، وتدمّر بيوت الفلسطينيين بشكل منهجيّ، وتمنعهم من الوصول إلى موارد الماء، وتقيّد حريتهم بالحركة، وإلى جانب هذا، فهي تستغلّ موارد المنطقة لاحتياجاتها الخاصّة، وتخصص للمستوطنات مساحات شاسعة ومعظم مصادر مياه.

     

    كما أنها لم تتوقف لحظة واحدة عن تطبيق مشروع وزيرها ييغال آلون -الذي يُعتبر رائد الاستيطان في الضفة الغربية- والذي يقضي بإقامة استيطان إستراتيجي وسياسي على امتداد الأغوار والسفوح الشرقية لمرتفعات الضفة الغربية، ثم الوصول إلى تسوية إقليمية تتيح لـ "إسرائيل" التخلص من عبء إدارة حياة السكان الواقعين تحت الاحتلال عبر إقامة "إدارة ذاتية" للأراضي الفلسطينية المأهولة، لا تزيد مساحتها عن 40% من مساحة الضفة الغربية،  والمقسمة إلى كانتونات صغيرة معزولة ومحاصرة من جميع النواحي بـ "إسرائيل"، وربما –لاحقًا- إقامة فدرالية أو كونفدرالية فلسطينية أردنية.

     

    وبحسب مشروع آلون فإن حدود "إسرائيل" الدائمة يجب أن تكون قابلة للدفاع، وتعتمد على عوائق طبوغرافية دائمة، وأن تكون حدودًا سياسية، وهو ما يعني ضم أراض بعمق لا يقل عن 15كم على طول وادي الأردن والبحر الميت ومنطقة غوش عتصيون ومنطقة اللطرون.

     

    ويأتي بناء الجدار الحدودي مع الأردن ليرسّخ هذا المشروع بصورة كاملة مترافقًا مع عمليات تغيير ديمغرافية وجغرافية في باقي مناطق الضفة الغربية، وهو ما يعني في النهاية القضاء على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

     

    وهذا الواقع يفرض على صانع القرار الفلسطيني الرسمي إعادة صياغة البرنامج الوطني في ضوء هذه المعطيات، وأن يأخذ بعين الاعتبار استغلال الاحتلال لمسيرة التسوية لتثبيت حقائق جديدة على الأرض تُرسّخ مشروعه الاستيطاني الإحلالي التوسعي، وتُكرّس هيمنته المطلقة على أراضي الضفة الغربية.

     

    المصادر:

     

    نحاس، فادي: إسرائيل والأغوار: بين المفهوم الأمني وإستراتيجيات الضم، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، رام الله - فلسطين، كانون أول – 2012، ص: 77-78-79

     

                             Dayan, Uzi. (n.d.). Defensible borders to secure israel's future. Retrieved from http://www.jcpa.org/text/security/dayan.pdf, Page 26

     

    haaretz newspaper, Israel Approves Plan to Build Fence Along Border With Jordan

     

    http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.663514   

     

    وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، "إسرائيل" تُقرر بناء مرحلة أخرى من السياج الحدودي مع الأردن، https://paltoday.ps/ar/post/275463/%D8%A5%D8D9%8A%D9%84-D8%AA%D9 %A3 %AF%D9%86

     

    PM: Security fence to be built along Jordan border jerusalem newspaper,

     

     http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/PM-Security-fence-to-be-built-along-Jordan-border

     

    وكالة الصحافة الفلسطينية صفا، الجدار مع الأردن ينسف مفهوم دولة على حدود 67،

     

     http://safa.ps/post/118851/%D8%A7%D9%84C% 9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-67

     

    بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، تشجيع الهجرة للمستوطنات، http://www.btselem.org/arabic/settlements/migration

     

    معهد الأبحاث التطبيقية- أريج، السياسات الإسرائيلية تجاه الأراضي في الأغوار،

     

    http://www.poica.org/details.php?Article=2305

     

      بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، السيطرة على الأراضي وإغلاق المناطق أمام استخدام الفلسطينيين لها، http://www.btselem.org/arabic/area_c/taking_over_land

     

    بتسيلم- مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، غور الأردن، http://www.btselem.org/arabic/topic/jordan_valley

     

    الخليج أونلاين، "عقلية القلعة".. إسرائيل تشرع ببناء جدار أمني على حدود الأردن، http://alkhaleejonline.net/articles/1429504778324226D9%82%D9%84 %D8%AF%D9%86/

     

    وكالة معا الاخبارية، تقرير: إسرائيل تمارس سياسة ضم الأراضي المصنفة (ج)، http://www.maannews.net/Content.aspx?ID=823498

     

    جريدة اليوم، خطة «كيري» بنكهة إسرائيلية.. جدار في الأغوار وسيطرة أرضية وجوية، عدد الأربعاء الموافق 25 ديسمبر 2013 العدد 14803، http://www.alyaum.com/article/3111401

     

     

     

     

    [1]  haaretz newspaper, Israel Approves Plan to Build Fence Along Border with Jordan 1316

    http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.663514   

    [2] وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، "إسرائيل" تُقرر بناء مرحلة أخرى من السياج الحدودي مع الأردن، https://paltoday.ps/ar/post/275463/%D8%A5%D8D9%8A%D9%84-D8%AA%D9 %A3 %AF%D9%86

    [3] PM: Security fence to be built along Jordan border jerusalem newspaper,

     http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/PM-Security-fence-to-be-built-along-Jordan-border

    [4] وكالة الصحافة الفلسطينية صفا، الجدار مع الأردن ينسف مفهوم دولة على حدود 67،

     http://safa.ps/post/118851/%D8%A7%D9%84C% 9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-67

    [5] بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، تشجيع الهجرة للمستوطنات، http://www.btselem.org/arabic/settlements/migration

    [6]: معهد الأبحاث التطبيقية- أريج، السياسات الإسرائيلية تجاه الأراضي في الأغوار،

    MONITORING ISRAELI COLONIZATION ACTIVITIES in the Palestinian Territories 

    http://www.poica.org/details.php?Article=2305

    [7]   بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، السيطرة على الأراضي وإغلاق المناطق أمام استخدام الفلسطينيين لها، http://www.btselem.org/arabic/area_c/taking_over_land

    [8] انظر: بتسيلم- مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، غور الأردن، http://www.btselem.org/arabic/topic/jordan_valley

    [9] نحاس، فادي: إسرائيل والأغوار: بين المفهوم الأمني وإستراتيجيات الضم، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، رام الله - فلسطين، كانون أول – 2012، ص: 77-78-79

    [10]                           Dayan, Uzi. (n.d.). Defensible borders to secure israel's future. Retrieved from http://www.jcpa.org/text/security/dayan.pdf, Page 26

    [11] الخليج اونلاين، عقلية القلعة".. إسرائيل تشرع ببناء جدار أمني على حدود الأردن، http://alkhaleejonline.net/articles/1429504778324226D9%82%D9%84 %D8%AF%D9%86/

    [12] وكالة معا الاخبارية، تقرير: إسرائيل تمارس سياسة ضم الاراضي المصنفة (ج)، http://www.maannews.net/Content.aspx?ID=823498

    [13] جريدة اليوم، خطة «كيري» بنكهة إسرائيلية.. جدار في الأغوار وسيطرة أرضية وجوية، عدد الأربعاء الموافق 25 ديسمبر 2013 العدد 14803، http://www.alyaum.com/article/3111401