• مركز الزيتونة يصدر النسخة الإنجليزية من كتاب ”حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة“ ويوفره للتحميل المجاني

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت النسخة الإنجليزية من كتاب ”حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة“، وقد شارك في كتابته نخبة من الأساتذة المتخصصين في القضية الفلسطينية والفكر الإسلامي وخمسة من كبار قادة حماس. ويقع هذا الكتاب في 704 صفحات من القطع الكبير. وهو من تحرير الدكتور محسن محمد صالح.

    يمكّن هذا الكتاب القارئ الغربي من الاطلاع على رؤية وتجربة حركة حماس بكافة جوانبها؛ ويتميز الكتاب بالتزامه بأمرين أساسيين، الأول: الالتزام بمناهج البحث العلمي وكل ما يتطلبه ذلك من دقة وموضوعية وتوثيق؛ والثاني: محاولة تقديم حماس كما هي، سواء من خلال باحثين متخصصين مُطلعين على حماس وتجربتها، أم من خلال قيادات من حماس نفسها، بحيث غطَّت عدداً من الجوانب المهمة وسدَّت العديد من الثغرات الضرورية لاستكمال الصورة؛ خصوصاً عندما لا تكون الأدبيات المنشورة كافية لتبيين النقاط محلِّ البحث، وتحديداً للقارئ والباحث الغربي الذي أصبح يهتم بفهم جوانب الصراع المتعلقة بالقضية الفلسطينية؛ والتي أصبحت فيه حركة حماس رقماً أساسياً فيه خلال العقد الأخير.

      لتحميل الكتاب كاملاً باللغة الإنجليزية، اضغط على الرابط التالي:
    كتاب حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة (باللغة الإنجليزية)  (706 صفحات، حجم الملف 4.2 MB )
    Islamic Resistance Movement-Hamas: Studies of Thought and Experience 

    معلومات النشر:

    – العنوان: 
    حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة
    – اللغة: الإنجليزية

    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 706 صفحات
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2017
    – السعر: 30 $
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت



     
      للاطلاع على الفيديو التعريفي الخاص بالكتاب، اضغط على الرابط التالي:
    Infographic Video about “Islamic Resistance Movement-Hamas: Studies of Thought and Experience” Book

     

    يتوزع الكتاب على جزأين، الأول: دراسات علمية حول حماس وتجربتها، وهو يشمل 11 دراسة؛ حيث قدم الفصل الأول من الكتاب استعراضاً تاريخياً لنشأة الحركة وتطورها من خلال قراءة خلفية النشأة لحركة حماس، والتي أتت امتداداً لعمل جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين بشكلها المنظم منذ سنة 1945. ومن الملفت في هذا الفصل أنه يقدم خلفية للأحداث التي تعكس حجم مشاركة الإخوان في نشاطات العمل الجهادي والدعوي، بالإضافة إلى علاقتهم بإنشاء حركة فتح ومشاركة بعض رجالات الإخوان في تأسيسها. ويغوص هذا الفصل بشكل أعمق في المراحل التي مرت بها حماس خصوصاً في الفترة 1987-2005.

    أما الفصل الثاني فقد وضع بين يدي القارئ رؤية حركة حماس السياسية، فتناول فيه مصادر فكر حماس السياسي، ومقاربة حركة حماس للدين والدولة، والدين والدستور والقانون، ورؤيتها للوطنية والعلمانية والديموقراطية، وأخيراً تناول حقوق الأقليات في فكر حركة حماس. من الواضح بأن محاور هذا الفصل غنية بالإجابات التي قد يطرحها أي مهتم في معرفة فكر هذه الحركة، خصوصاً أننا لا نكاد نجد ما يعبر عن أدبياتها الفكرية بهذه الصورة الكاملة، إلا من خلال بعض المقابلات غير الشاملة للموضوعات المطروحة في هذا الكتاب.

    وفي الفصل الثالث نغوص في رؤية حماس للأخر، وهو المقصود فيه نظرة حماس إلى اليهودية واليهود، والصهيونية والصهاينة، وإلى ”إسرائيل“، وهو ما يعد تأصيلاً لفهم خلفيات الصراع ومستقبله، وإجابة عن السؤال هل مقاومة حماس وصراعها مع الاحتلال هو صراع ديني؟

    ويكمل الكتاب في الفصلين اللاحقين الرابع والخامس في تناول علاقة حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، وموقف حماس من الحركات الإسلامية، ويتعرض هذا الفصل لموقف حماس من الجماعات الصوفية والسلفية وحزب التحرير وحركة الجهاد الإسلامي، ويبين نقاط اتفاقها واختلافها مع هذه الحركات والجماعات، وتستند دراسة هذ الفصل على تحليل الفكر النظري لحماس ولسياساتها على أرض الواقع، من خلال مراجعة المصادر الأساسية المتعلقة بالموضوع.

    يأتي الفصل السادس ليسلط الضوء على قضية مهمة وهي عملية التسوية السلمية، فمن الطبيعي أن يتساءل القارئ كيف تقارب حماس أفعالها وفكرها مع عملية التسوية السلمية، فيرصد الكاتب في هذا الفصل مراحل تطور الموقف السياسي لحماس من العملية السلمية سواء من الناحية النظرية والمنظومة الفكرية للحركة، أم فيما يخص الممارسة العملية للحركة.

    يقدم الفصل السابع بعنوانه رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين، وتفاصيل رؤية هذه الحركة في مشروعها الإصلاحي؛ انطلاقاً من مجموعة من المبادئ التي ألزمت بها نفسها ومنها، تمسكها بالحريات السياسية للجميع، وتمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني. ولا يقتصر الإصلاح السياسي على الجانب الفلسطيني الداخلي بل يتعداه إلى العلاقات الخارجية وخصوصاً في العلاقة مع المحيط العربي والإسلامي. بالإضافة إلى رؤيتها في الإصلاح الاجتماعي القائم على مكافحة الفقر كمدخل للتنمية والإصلاح الشامل.

    أما الفصلين الثامن والتاسع فقد استعراضا بشيء من التفصيل علاقات حركة حماس العربية والإسلامية، من خلال قراءة محددات علاقات حماس وأهدافها وأبعادها، والنظر في رؤية حماس لما عُرف ”بالربيع العربي“، بالإضافة إلى علاقة حماس مع كل من تركيا وإيران ومراحل تطور هذه العلاقة.

    وتناول الفصل العاشر تجربة حماس في الحكم، والتي تلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية سنة 2006. وقد هدف هذا الفصل، إلى نقاش إشكالية النظام السياسي الفلسطيني لمعرفة البيئة التي تعمل فيها حماس، وإلى تحليل التحديات التي واجهت حماس، وأخيراً إلى تقييم الأداء السياسي لحركة حماس في الحكم خلال الفترة 2006-2012.

    يختم الفصل الحادي عشر القسم الأول من الكتاب بقراءة حماس في الدراسات والأدبيات الغربية، وقد هدف هذا الفصل بشكل أساسي بالإجابة على السؤال التالي: إلى أي مدى نجحت هذه الدراسات والأدبيات الغربية في فهم حماس على حقيقتها؟

    أما الجزء الثاني من الكتاب، فيشمل إسهامات لخمسة من كبار قادة حماس في الإجابة عن العديد من التساؤلات في مواضيع متنوعة حول الحركة. وتتضمن مشاركة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل تحت عنوان ”حماس: معالم في الفكر والتجربة“. ومشاركة لإسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس (لاحقاً رئيس المكتب السياسي) ورئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، تحت عنوان ”حماس: قراءة في الرؤية وتجربة الحكم“. كما تضمن إسهاماً للدكتور موسى أبو مرزوق، القيادي الكبير في الحركة والرئيس السابق لمكتبها السياسي بعنوان ”حماس: قراءة وتقييم للتجربة“. بالإضافة إلى إسهام أسامة حمدان بمشاركة حول ”العلاقات الدولية لحركة حماس“. كما تضمن هذا القسم ورقة عمل أعدها سامي خاطر، عضو المكتب السياسي لحماس، حول ”رؤية حماس لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني“.

    وختم الكتاب بعرض مجموعة لأبرز الوثائق المتعلقة بحماس وتجربتها؛ منذ صدور البيان الأول لحماس سنة 1987 حتى نصّ بيان إنفاذ اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس (اتفاق الشاطئ) سنة 2014، مروراً بالعديد من الوثائق المهمة التي صدرت خلال تلك الأعوام.

    ***

    Islamic Resistance Movement-Hamas: Studies of Thought and Experience
    حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة
             
    الفصل
    العنوان إعداد باللغة الإنجليزية  باللغة العربية 
             
    الصفحات الأولى (فهرس المحتويات والمقدمة …) اضغط هنا اضغط هنا
             
    الأول حركة المقاومة الإسلامية (حماس): قراءة في رصيد التجربة 1987-2005 د. محسن محمد صالح اضغط هنا اضغط هنا
             
    الثاني الرؤية السياسية لحماس أ.د. يوسف رزقة اضغط هنا اضغط هنا
             
    الثالث رؤية حماس للآخر أ.د. مصطفى أبو صُوَي اضغط هنا اضغط هنا
             
    الرابع موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها أ.د. أحمد سعيد نوفل
    ود. محسن محمد صالح
    اضغط هنا اضغط هنا
             
    الخامس موقف حماس من الحركات الإسلامية الفلسطينية أ. سميح حمّودة اضغط هنا اضغط هنا
             
    السادس حماس وعملية التسوية السلمية د. رائد نعيرات اضغط هنا اضغط هنا
             
    السابع رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين د. حافظ الكرمي اضغط هنا اضغط هنا
             
    الثامن علاقات حركة حماس مع العالم العربي د. عدنان أبو عامر اضغط هنا اضغط هنا
             
    التاسع حماس والعالم الإسلامي: تركيا وإيران نموذجاً أ.د. طلال عتريسي اضغط هنا اضغط هنا
             
    العاشر حماس في الحكم: دراسة في الأيديولوجيا والسياسة 2006-2012 د. إشتياق حسين
    وأ. بلال الشوبكي
    اضغط هنا اضغط هنا
             
    الحادي عشر حماس في الدراسات والأدبيات الغربية أ. يوسف أبو السعود اضغط هنا اضغط هنا
             
    الثاني عشر حماس: معالم في الفكر والتجربة أ. خالد مشعل اضغط هنا اضغط هنا
             
    الثالث عشر حماس: قراءة في الرؤية وتجربة الحكم أ. إسماعيل هنية اضغط هنا اضغط هنا
             
    الرابع عشر حماس: قراءة وتقييم للتجربة د. موسى أبو مرزوق اضغط هنا اضغط هنا
             
    الخامس عشر رؤية حركة حماس لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني أ. سامي خاطر اضغط هنا اضغط هنا
             
    السادس عشر العلاقات الدولية لحركة حماس أ. أسامة حمدان اضغط هنا اضغط هنا
             
    ملحق الوثائق اضغط هنا اضغط هنا
             
    الكتاب كاملاً حركة المقاومة الإسلامية حماس:
    دراسات في الفكر والتجربة
      اضغط هنا اضغط هنا
             


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 16/8/2017

  • مركز الزيتونة يصدر كتاباً جديداً بعنوان ”اليوميات الفلسطينية لسنة 2016“ ويوفر فصوله للتحميل المجاني

    صدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاب ”اليوميات الفلسطينية لسنة 2016“. ويقع هذا الكتاب في 572 صفحة من القطع المتوسط. وهو من إعداد وتحرير د. محسن محمد صالح، وربيع محمد الدنان، ووائل عبد الله وهبة.

    وهذا هو الإصدار الثالث من مجلد ”اليوميات الفلسطينية“، الذي يُعدُّ أحد أهم الكتب الدورية التي يصدرها مركز الزيتونة، معتمداً آلية دقيقة في اختيار الأخبار، من خلال التعامل مع عشرات المصادر اليومية والدورية، مع مراعاة أهميتها ودورها في تشكيل خريطة الأحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

    ويعرض هذا الكتاب أبرز الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية خلال سنة 2016؛ ويوثِّق يومياتها، التي تُعبر عن طبيعة المرحلة، أو تعكس التحولات في المسارات السياسية، وتحديداً مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.

    معلومات النشر:

    – العنوان: اليوميات الفلسطينية لسنة 2016
    – إعداد وتحرير: د. محسن محمد صالح، وربيع محمد الدنان، ووائل عبد الله وهبة
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت
    – عدد الصفحات: 572 صفحة
    – الطبعة الأولى: 2017
    – السعر: 25$
    – ISBN: 978-9953-572-62-8

      Book_The-Palestine_Daily-Chronicle_2016

    ويعرض الكتاب للمعلومات والإحصائيات ذات الدلالة المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما يرتبط بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

    وتتضمن المعلومات فلسطينياً مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي وأداء المقاومة والوضع الداخلي… وغيرها.

    كما يغطي ما يتعلق بـ”إسرائيل” اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً، وما يتعلق بالاستيطان وبرامج التهويد والاعتداء على القدس والمقدسات، ومسار التسوية السلمية.

    وتبرز أهمية مجلد ”اليوميات الفلسطينية“ في إسهامه بإغناء المكتبة العربية بمرجع يخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، بالإضافة إلى الجامعات ومراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات.

    للحصول على نسخة كاملة من هذا المجلد، يرجى التواصل مع قسم التسويق في المركز.

    كما يسر المركز أن يوفر فصول هذا الكتاب (الموزعة على أشهر السنة) للتحميل المجاني، حسب الجدول التالي:

    اليوميات الفلسطينية 2016
    الشهر للتحميل 
    فهرس المحتويات + المقدمة اضغط هنا (8 صفحات، 868KB)
    كانون الثاني/ يناير اضغط هنا (52 صفحة، 1.03MB)
    شباط/ فبراير اضغط هنا (48 صفحة، 983 KB)
    آذار/ مارس
    اضغط هنا (48 صفحة، 1.03 KB)
    نيسان/ أبريل اضغط هنا (52 صفحة، 1.02 KB)
    أيار/ مايو
    اضغط هنا (55 صفحة، 1.05 KB)
    حزيران/ يونيو
    اضغط هنا (48 صفحة، 992 KB)
    تموز/ يوليو اضغط هنا (44 صفحة، 950 KB)
    آب/ أغسطس اضغط هنا (46 صفحة، 962 KB)
    أيلول/ سبتمبر
    اضغط هنا (42 صفحة، 928 KB)
    تشرين الأول/ أكتوبر اضغط هنا (46 صفحة، 981 KB)
    تشرين الثاني/ نوفمبر
    اضغط هنا (46 صفحة، 938 KB)
    كانون الأول/ ديسمبر
    اضغط هنا (50 صفحة، 1.05 MB)
    إصدارات المركز
    اضغط هنا (8 صفحات، 868 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017/4/4

  • مقال: أبرز الإخفاقات والنجاحات في تاريخ القضية الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    بينما يحتفل الصهاينة اليهود وحلفاؤهم بذكرى مرور سبعين عاماً على إنشاء “إسرائيل”، مع مشاعر الزهو بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ فإن مرارة النكبة لم تمنع مئات آلاف الفلسطينيين من المشاركة -في الوقت نفسه- في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة 1948.

    كما لم تمنعهم من التضحية بعشرات الشهداء وآلاف الجرحى، ليؤكدوا حيوية الأمة وإصرارها على المضي في كافة أشكال المقاومة، وليثبتوا للمشروع الصهيوني أن “اللعبة” لن تنتهي إلا بهزيمته واندحاره.

    سبعون عاماً مرَّت على النكبة، اعترتها إخفاقات ونجاحات، وحالات هبوط وصعود، ومدٍّ وجزرٍ، لكن الصراع لم يتوقف والملف لم يُغلق.

    ويحاول هذا المقال تقديم كشف حساب مختصر ومكثف لأبرز الإخفاقات والنجاحات في تاريخ قضية فلسطين. وسنبدأ بالإخفاقات، حيث ما زلنا نعيش ذروة العلو الصهيوني والاستضعاف الفلسطيني العربي الإسلامي.

    أبرز الإخفاقات والسلبيات

    أولاً: كارثة حرب 1948؛ حيث أخفق الفلسطينيون والعرب في مواجهة المشروع الصهيوني المدعوم دولياً، وتمّ استصدار قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين(القرار رقم 181) سنة 1947 يعطيه نحو 55% من أرضها، مع أن ملكية اليهود -التي استُحصل معظمها تحت الاحتلال البريطاني- كانت حوالي 6%.

    وقد أدت الحرب إلى سيطرة الكيان الصهيوني على 77% من فلسطين (20,770 كم2)، وإلى تشريد 57% من الشعب الفلسطيني (نحو 800 ألف من أصل مليون و400 ألف)؛ بينما نجح الصهاينة في تثبيت كيانهم الذي أسسوه وهو “إسرائيل”.

    ثانياً: كارثة حرب 1967؛ حيث أخفقت الأنظمة العربية في الدفاع عما تبقى من فلسطين، فاحتل الصهاينة الضفة الغربية وقطاع غزة؛ كما احتلوا سيناء المصرية والجولان السورية، وتمّ تهجير نحو 330 ألف فلسطيني تمكَّن جزء منهم من العودة بعد ذلك.

    ثالثاً: الفشل العربي والإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني، وتراجع البعد العربي والإسلامي الرسمي للقضية الفلسطينية؛ وتحوُّلها مع الزمن إلى قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، وقيام الدول العربية في البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة بمنع العمل المقاوم عبر الحدود، مع منع شعوبهم وقواهم الحية من المشاركة الفاعلة في مشروع تحرير فلسطين.

    رابعاً: نموّ المشروع الصهيوني وتجذّره وتصاعد قوته، وتمكنه من تشكيل لوبيات صهيونية عالمية قوية، وتمتعه بغطاء دولي يدعم بقاءه، وخصوصاً من القوى الكبرى وعلى رأسها أميركا؛ وفرض نفسه كدولة فوق القانون؛ وتحوله إلى شرطي للمنطقة، ونجاحه في بناء جيش حديث مستند إلى منظومة صناعات عسكرية فعالة، وإلى أسلحة غير تقليدية تشمل أكثر من 200 قنبلة نووية.

    ونجاحه في استجلاب أكثر من ثلاثة ملايين و230 ألف يهودي منذ سنة 1948 وحتى نهاية 2017، بحيث أصبح يتجمع في كيانه نحو 46% من يهود العالم (نحو ستة ملايين و560 ألفاً)؛ وارتفاع دخل الفرد لديه إلى نحو 40 ألف دولار أميركي سنوياً، وهو ما يوازي الدخل في بعض دول غربي أوروبا.

    خامساً: ضعف وفشل النظام السياسي الفلسطيني، خصوصاً في السنوات الخمس والعشرين الماضية، وتضعضع وتقزُّم منظمة التحرير الفلسطينية، واهتراء وعجز مؤسساتها، وتحوّلها إلى دائرة من دوائر السلطة الفلسطينية.

    وفشل منظمة التحرير في استيعاب “الكلّ” الفلسطيني وخصوصاً قوى المقاومة، ووجود فصائل وتيارات وشرائح واسعة -لا يقل تمثيلها عن نصف الشعب الفلسطيني- غير ممثلة في هذه المنظمة. والتراجع الهائل والفشل الكبير لدى المنظمة في التعامل مع الخارج الفلسطيني وتفعيل دوره، في الوقت الذي يمثل فيه الخارج نحو نصف الشعب الفلسطيني.

    تُضاف إلى ذلك حالةُ الانقسام الفلسطيني وتنازع تياريْ التسوية والمقاومة، ومعاناة المنظومة السياسية الفلسطينية من إشكالية الرؤية، وإشكالية القيادة، وإشكالية البناء المؤسسي، وإشكالية تحديد الأولويات والمسارات والبرامج.

    سادساً: فشل القيادة الفلسطينية -التي راهنت على اتفاق أوسلو 1993 طوال ربع قرن- في تحقيق “حلّ الدولتين”، وفي تحويل سلطة الحكم الذاتي التي أنشأتها إلى دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على الأرض المحتلة سنة 1967.

    وفي الوقت نفسه؛ تمكّن الاحتلال الصهيوني من “إدارة” مسار التسوية، واستخدمه كغطاء لتهويد الأرض والمقدسات، ومضاعفة أعداد المستوطنين من نحو 280 ألفاً (سنة 1993) إلى أكثر من 800 ألف مستوطن (مطلع 2018).

    كما نجح في تحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطة تخدم أغراض الاحتلال، وتمكن من تحويل الاستعمار الصهيوني إلى “استعمار نظيف” وإلى استعمار “خمس نجوم”!!

    سابعاً: نجاح المشروع الصهيوني في الاختراق التطبيعي الرسمي في المنطقة مع عدد من الأنظمة العربية، وعمل اتفاقيات تسوية سلمية أخرجت هذه الأنظمة من حالة الصراع مع العدو؛ بينما قامت أنظمة عربية وإسلامية أخرى باتصالات سياسية شبه رسمية، أو عمليات تطبيع وتبادل اقتصادي فوق الطاولة وتحت الطاولة.

    كما أن منظومة العجز والفشل العربي أصبحت ترى في الكيان الصهيوني مدخلاً لرضا “السيِّد الأميركي”، وحليفاً محتملاً في صراعاتها الإقليمية.

    ثامناً: الفشل في إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم التي أُخرجوا منها، رغم صدور قرارات دولية تؤكد حقَّهم في ذلك؛ وهي قرارات تكررت وجرى تأكيدها نحو 130 مرة.

    تاسعاً: ولعله الأهم؛ الفشلُ في إطلاق وإنجاح مشروع نهضوي وحدوي، خصوصاً في البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين، يُحقِّق التكافؤ أو التفوق الإستراتيجي في مواجهة العدو الصهيوني، ويُطلق طاقات الإنسان العربي والمسلم الإبداعية في مجالات الحياة ومسارات النهوض، ويتجاوز العقليات القُطرية والعصبيات الطائفية والعرقية، ويفرض نفسه في المعادلة الدولية.

    ***

    بعد كل جوانب الفشل والإخفاقات هذه، هل ثمة نجاحات أو مؤشرات تبعث على الأمل في هذه البيئة المليئة بالاستهداف والاستضعاف؟!

    أبرز النجاحات والإيجابيات

    أولاً: النجاح في إبقاء قضية فلسطين قضية حية طوال المئة سنة الماضية، والقضية المركزية للعالم العربي والإسلامي، وقضية مركزية عالمية. وكلما جرت محاولات لتهميشها وإغلاق ملفاتها عادت لتفرض نفسها مجددا، لتكشف في كل مرة حالة “المظلومية” الفلسطينية، ومدى قبح وتَوحُّش الاحتلال الصهيوني، ومدى نفاق المجتمع الدولي وقواه الكبرى.

    ثانياً: صمود الشعب الفلسطيني على أرضه؛ فبرغم وجود نصف الشعب الفلسطيني في المنافي والشتات؛ فإنه ما زال هناك نحو ستة ملايين ونصف مليون فلسطيني داخل فلسطين التاريخية.

    وقد تمكنوا مطلع سنة 2018 من تجاوز أعداد اليهود في فلسطين، وذلك بعد مرور أكثر من 120 عاماً على المشروع الصهيوني و70 عاماً على إنشاء الكيان الصهيوني. ورغم كافة أشكال الاحتلال والقهر والمعاناة فإن ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه، ما زال يسبب مشكلة وجودية للمشروع الصهيوني.

    ثالثاً: فشل “إسرائيل” في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة، واستمرار النظرة إليها ككيان سرطاني غريب؛ والفشل الذريع لكافة أشكال التطبيع الشعبي معها، وانزواء التطبيع مع “إسرائيل” في القشرة الرسمية لبعض الأنظمة العربية. وبالتالي اعتماد “إسرائيل” في بقائها على منظومة غطرسة القوة والغطاء الدولي، وهو ما لا يمكن ضمانه على المستوى البعيد.

    رابعاً: تعمّق قضية فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي والإنساني، باعتبارها قضية حقّ وعدل، فشلت كافة المحاولات الصهيونية والدولية (وكذلك محاولات حلفائهم في المنطقة) في عزلها وتشويهها وإطفاء لهيبها.

    خامساً: استمرار وتطور المقاومة الفلسطينية بأشكال مختلفة طوال المئة سنة الماضية، فمن انتفاضات وثورات موسم النبي موسى 1920، ويافا 1921، والبراق 1929، وانتفاضة 1933، وإعلان عز الدين القسام الجهاد 1935، والثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939، وحرب فلسطين 1948، وانطلاقة العاصفة 1965، والعمل الفدائي الفلسطيني عبر الحدود خصوصاً في أواخر ستينيات وطوال سبعينيات القرن العشرين.

    ثم جاءت الانتفاضة المباركة 1987-1993، وانتفاضة الأقصى 2000-2005، وحروب غزة مع العدو 2008-2009 و2012 و2014…، وانتفاضة القدس 2015-2017؛ وصولاً إلى مسيرات العودة 2018؛ إنه جهاد ونضال وإبداع لا يتوقف. وهو جهاد وصمود فرض على الاحتلال الانسحاب من قطاع غزة سنة 2005.

    ورغم حصار غزة وتنسيق سلطات رام الله الأمني مع الاحتلال؛ فإن العمل المقاوم نما وطوَّر إمكاناته النوعية، وليس من المستبعد في المستقبل الوسيط أن يصل إلى إمكانات وقدرات تؤرِّق المشروع الصهيوني، وتفرض معادلات جديدة في إدارة الصراع.

    كما أن العدو الصهيوني أُجبر على الانسحاب من جنوب لبنان سنة 2000 تحت ضربات المقاومة، وفشل في حربه التي خاضها ضدّ لبنان في 2006، وتمكنت المقاومة من فرض معادلتها ولم يعد قادراً ولا راغباً في التوسع في لبنان.

    وبشكل عام، فإن البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين تحمل في مستقبلها تحديات كبيرة للمشروع الصهيوني.

    سادساً: رغم الحالة “المزرية” الراهنة للمنظومة السياسية الفلسطينية؛ فقد حافظ الشعب الفلسطيني على هويته الوطنية طوال المئة عام الماضية، وشكّل مؤسسات تُمثله وتعبّر عن تطلعاته، ابتداء من المؤتمر العربي الفلسطيني 1919-1934، ومروراً باللجنة العربية العليا 1936-1946، والهيئة العربية العليا 1946-1964، ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ 1964.

    ونظم تشكيلاته ومؤسساته وفصائله ونقاباته بروح الشعب الواحد، المتجاوز للحدود الجغرافية المفروضة عليه؛ فكان لمعظمها امتدادات في الداخل والخارج، وظلت القدس وفلسطين والقضية والاهتمامات والتطلعات المشتركة تجمع أبناء فلسطين.

    سابعاً: نجح فلسطينيو الخارج في المحافظة على هويتهم الفلسطينية على مدى السبعين عاماً الماضية، رغم الشتات ورغم الأغلبية العددية للجيلين الثالث والرابع للنكبة. وما زال نحو 75% من فلسطينيي الخارج يقيمون في الأرض المحيطة بفلسطين (الأردن وسوريا ولبنان).

    وما زال الجميع متمسكين بحق العودة إلى البيوت والقرى والمدن التي أُخرجوا منها. كما أن فلسطينيي الخارج كان لهم دورٌ ريادي في قيادة العمل الوطني الفلسطيني، وفي تأسيس معظم فصائله الفاعلة على الأرض؛ وتولَّوا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية نحو ثلاثين عاماً 1964-1994؛ كما تركز العمل المقاوم المسلح في الخارج معظم الفترة التي سبقت انتفاضة 1987 المباركة بالداخل الفلسطيني.

    وها هم فلسطينيو الخارج الآن ينشطون لتحقيق التكامل الفعَّال مع إخوانهم في الداخل الفلسطيني، عبر مناشطهم السياسية والإعلامية والخيرية والثقافية وغيرها. ويبرز ذلك في الفعاليات المتصاعدة لمؤسسات العودة وحقوق اللاجئين، وإطلاق المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج.

    ثامناً: ما زالت القدس وفلسطين هي القضية التي تجمع العرب والمسلمين وتوحدهم، مهما كانت الخلافات والنزاعات فيما بينهم. وما زالت المظاهرات تخرج دعماً لفلسطين من طنجة إلى جاكرتا، وما زالت البوصلة تتجه إلى فلسطين رغم محاولات البعض لحرفها.

    وما زال كثير من السياسيين يتعاملون مع قضية فلسطين (أو يستخدمونها) كوسيلة لرفع شعبيتهم، وما زالت معادلة أن فلسطين والقدس ترفع من يرفعها وتخفض وتفضح من يخذلها معادلة قائمة.

    ***

    ربما يُظهر المشهد العام الحالي لقضية فلسطين صورة مؤلمة ومحبطة، في واقع فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي بئيس.

    لكن علينا قراءة المشهد في ضوء حركة التاريخ، وفي ضوء سنن التدافع والتداول، وفي ضوء حالات التشكُّل وإعادة التشكُّل، التي تشهدها البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين، وفي ضوء صمود الشعب الفلسطيني، وثبات العمل المقاوم، وفي ضوء الطاقات المذخورة في الأمة، وفي ضوء أزمة المشروع الصهيوني.

    فكل ذلك يشير إلى أن وجود أمتنا الحالي في حالة الجزر -أو في قعر الموجة- لا يمنع من توفر العناصر المُهيِّئة لانطلاقة موجة جديدة أكبر وأقوى فاعلية من الموجات التي سبقتها؛ إن شاء الله.. وإن غداً لناظره قريب.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 16/5/2018

  • مقال: المخيمات الفلسطينية.. شواهد النكبة ونكبة الشواهد … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. English_Version

    حتى أيامنا هذه يقف 64 مخيما فلسطينيا شاهدا على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني سنة 1948، عندما اقتلعت العصابات الصهيونية أكثر من 57% من شعب فلسطين من أرضه.

    ومن هذه المخيمات هناك 58 مخيما مسجلة رسميا لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تتوزع على 19 مخيما في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة في الأردن وتسعة في سوريا 12 في لبنان. وهناك ثلاثة مخيمات في الأردن وثلاثة أخرى في سوريا غير معترف بها لدى الأونروا. كما أن هناك أربعة مخيمات كانت قائمة في لبنان تمّ تدمير ثلاثة منها، بينما تم نقل سكان الرابع وإغلاقه.

    ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حاليا نحو خمسة ملايين 400 ألف لاجئ، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.

    أما عدد اللاجئين الحقيقي فهو يصل في مطلع سنة 2017 إلى نحو ثمانية ملايين و490 ألفا يمثلون نحو 66.8% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 12 مليونا و700 ألف نسمة؛ إذ أضيفت إلى لاجئي 1948 أعداد كبيرة من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة “النازحين” المقيمين خارج فلسطين التاريخية وغير القادرين على العودة إلى بيوتهم. كما أن هناك نحو 150 ألفا ممن هُجِّروا من أرضهم ولكنهم ظلوا مقيمين في مناطق فلسطين المحتلة 1948.

    ***

    منذ البداية ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على نكبة الشعب الفلسطيني، وشواهد حية على الجرائم الصهيونية بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، برزت كأحد أكبر معالم الصبر والصمود والعطاء الفلسطيني، والإصرار على أن اللجوء مؤقت بانتظار العودة إلى فلسطين. غير أن هذه المخيمات، خصوصا في الشتات، أصبحت عرضة للنكبات، بينما كان هناك من تَتسبَّبُ ممارساتُه بتشويهها، ومحاولة حرفها عن رسالتها ومهمتها النضالية.

    لا يسكن كل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في هذه الأيام، فمنذ بداية اللجوء تدبر الكثير منهم أمورهم خارجها، كما انتقل الكثير من سكان المخيمات، مع مرور الزمن، إلى أماكن معيشة أخرى مع تحسّن ظروف حياتهم أو انتقالهم إلى أماكن عمل مختلفة داخل هذه البلدان أو خارجها، أو بسبب تعرض مخيماتهم لهجمات عسكرية وظروف أمنية أجبرتهم على الرحيل. ولذلك فنسبة المقيمين في المخيمات إلى عدد اللاجئين المسجلين هي نحو 51% في لبنان، و42% في قطاع غزة، و30% في سوريا، و24% في الضفة الغربية، و17% في الأردن؛ وبمعدل عام 28.7% وفق بيانات الأونروا.

    في بدايات اللجوء، رفض الكثير من الفلسطينيين تحويل الخيام التي يسكنونها إلى أبنية، غير أن طول المعاناة فرضت نفسها على واقعهم، فاضطروا للتكيّف التدريجي مع أوضاعهم.. فاتخذت المخيمات شكل أبنية بسيطة مكتظة، تفتقر للتنظيم المدني والبنى التحتية والخدمات، لتصبح نسخة محدَّثة من المعاناة اليومية المستمرة.

    في لبنان مثلا تضاعفت أعداد الفلسطينيين في المخيمات دون أن تسمح السلطات بتوسيع حدودها، فاضطر الفلسطينيون لتكثيف البناء داخل المخيمات، فأصبحت ثُلث البيوت لا تدخلها الشمس، وأصبحت الكثير من الأزقة لا تتسع لمرور السيارات، ولا حتى لنقل الأثاث الذي لجأوا لنقله من فوق أسطح المنازل، بينما هي تسمح بالكاد لمشي شخصٍ أو شخصين يسيران بشكل معتاد من تحت لفائف من أسلاك الكهرباء، التي تنقطع لساعات طويلة لا يقل معدلها عن 12 ساعة يوميا. وفي الوقت نفسه، يعيش نحو ثلاثة أرباع اللاجئين تحت خط الفقر، بينما تمنع السلطات اللبنانية الفلسطينيين من معظم مجالات العمل، كما تمنعهم من حقوق التملُّك.

    وبالرغم من أن المخيمات شكلت بؤر “فقر وقهر”، فإنها شكلت في الوقت نفسه بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه للعودة. ولذلك كانت المخيمات الفلسطينية حاضنة أساسية للثورة الفلسطينية وللعمل المقاوم، وكان أبناء المخيمات من أكثر المبادرين وأسرعهم في المشاركة في مجالات العمل الوطني، وخصوصا المقاومة المسلحة.

    ***

    في سنة 1974 دمر الطيران الحربي الصهيوني مخيم النبطية بالكامل، وتسبب في تشريد نحو ثلاثة آلاف من سكانه. وفي صيف 1976 حاصرت القوات الانعزالية الكتائبية وحلفاؤها مخيم تل الزعتر حتى انتهى الأمر بتدميره بعد صمود دام 52 يوما، واستشهاد ثلاثة آلاف من أبنائه معظمهم مدنيون، وتم تهجير نحو عشرين ألفا ليدخلوا في لجوء جديد. وفي أيلول/ سبتمبر 1982 وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا على يد المليشيات الانعزالية نفسها، وبإشراف وغطاء إسرائيلي، مما أدى لاستشهاد نحو ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني؛ لتصبح هذه المذبحة أحد الشواهد البارزة على مأساة الإنسان الفلسطيني في مواطن اللجوء.

    انعكست الأوضاع الداخلية العربية والأجندات السياسية للأنظمة على الجاليات الفلسطينية المقيمة التي وجدت نفسها بعد عشرات السنوات من الإقامة في مخيمات لجوء وترحيل مؤقتة. كما حدث مع النظام الليبي الذي تعامل مع الفلسطينيين بعد اتفاقات أوسلو كـ”مادة بشرية” تُستخدم في الضغط السياسي والمناكفة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. فوضع الآلاف من الفلسطينيين في السفن والشاحنات لطردهم.. ونشأ مخيم السلوم القريب من الحدود المصرية، والذي سماه النظام الليبي “مخيم العودة”؛ بينما سماه الفلسطينيون “مخيم العار”.

    وفي العراق دفع الفلسطينيون أثمانا هائلة إثر الاحتلال الأمريكي سنة 2003، وإثر تصاعد الاضطراب السياسي والأمني والصراع الطائفي؛ ليجدوا أنفسهم بسبب دعايات وتحريض إعلامي أَسود يُشردون ويُقتلون على الهوية، بينما نشأت مخيمات لجوء لهم، معظمها على الحدود مع الأردن وسوريا، مثل مخيمات العودة، والرويشد، والكرامة، وطريبيل، والهول، والتنف، والوليد. وتضاءلت أعداد الفلسطينيين من نحو 44 ألفا قبيل الاحتلال الأمريكي، إلى نحو ستة آلاف بعد ذلك بثلاث سنوات.

    أما مخيم نهر البارد الذي كان ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كان يقطنه نحو أربعين ألفا سنة 2007، فقد تعرض للتدمير نتيجة مشكلة لم يكن هو نفسه سببها. ففي ظروف تحمل علامات استفهام كثيرة دخلت جماعة “فتح الإسلام” التي انفصلت عن “فتح الانتفاضة” إلى المخيم.. وكان من بين أفرادهم أعضاء من جنسيات لبنانية وسورية وعربية أخرى.. وقد أدى سلوكهم إلى اعتصام شعبي لأهالي المخيم طالبوا فيه برحيل هذه العناصر.

    وعندما قام عناصر “فتح الإسلام” بمهاجمة عناصر الجيش اللبناني، لم تحدث عملية معالجة سياسية أمنية قضائية للتعامل مع مرتكبي الجرائم فقط، ولكن تطور الأمر إلى معالجة عسكرية تحمّل فيها المخيم وزر دخول هذه المجموعة، مما أدى إلى تدمير المخيم حيث خسر نصف سكانه، بينما تعرض نحو 3200 منزل لتدمير كلي أو جزئي، بعد معارك استمرت 106 أيام، ولم يكن أهل المخيم جزءا منها.

    وحتى الآن لم تحدث مساءلة حقيقية عن المسؤول الفعلي عن هذه المأساة، ومن هي الجهات التي سهَّلت أو سكتت عن دخول هذه العناصر إلى لبنان وعن تموضعها في المخيم، ولماذا لم يتم حتى الآن -بعد نحو عشر سنوات- إعمار المخيم إلا جزئيا بالرغم من توفر التمويل اللازم لذلك؟!

    ***

    وفي سوريا، يبرز مخيم اليرموك في ضواحي دمشق كأحد أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها. فهذا المخيم الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يقيم فيه نحو 144 ألفا وفق تقديرات الأونروا، لم يعد يقيم فيه سوى بضعة آلاف (ثلاثة آلاف فقط وفق متخصصين). لقد عانى أبناء هذا المخيم بشكل هائل نتيجة الصراع الداخلي في سوريا، ووُضعوا أمام استحقاقات صعبة بسبب حالة الاستقطاب بين النظام السوري وحلفائه وبين فصائل المعارضة بكافة أشكالها، وكذلك بين القوى الفلسطينية المختلفة.. وحتى منتصف أبريل/ نيسان 2015 كان المخيم قد عانى من 628 يوما من الحصار المستمر، ومن 728 يوما من انقطاع الكهرباء، ومن 218 يوما من انقطاع الماء.

    وفي أجواء الصراع في سوريا، نُكِبت المخيمات الأخرى في سوريا أيضا بدرجات متفاوتة، فمثلا تعرض مخيم درعا لتدمير 70% من مبانيه، كما تعرضت مخيمات الرمل وعين التل (حندرات) والسبينة.. لعمليات تهجير ومنع عودة.

    ونتيجة للأوضاع في سوريا فمن بين نحو 600 ألف فلسطيني اضطر 175 ألف فلسطيني للهجرة خارج سوريا، كما اضطر نحو 225 ألفا للجوء إلى مناطق أكثر أمنا داخل سوريا نفسها. وحتى منتصف شباط/ فبراير 2017 كان قد استشهد نحو 3440 فلسطينيا في سوريا، وفق إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.

    ***

    ومنذ بضع سنوات، يتزايد احتمال انفجار كبير للأوضاع في مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأحد أكبر رموزها في الشتات الفلسطيني. وكانت الاشتباكات التي حدثت في أواخر فبراير/ شباط 2017 أحد المظاهر لتوترات وأحداث عنف يشهدها المخيم بين فترة وأخرى.

    والمخيم الذي يسكنه نحو سبعين ألف فلسطيني لا تزيد مساحته عن كيلومترين مربعين، ويعاني من بنى تحتية مهترئة، ورعاية صحية وتعليمية سيئة، ومعدلات فقر وبطالة عالية. ولأن السلطات اللبنانية لا تمارس صلاحياتها الأمنية والإدارية عليه، ولأن من يتحكم فيه من داخله فصائل وقوى فلسطينية مختلفة ومتنازعة، فقد أصبح مكانا للاستقطاب والتجاذب، وحاولت أن تستخدمه جهات إقليمية ومحلية ساحة لتصفية الحسابات و”تبادل الرسائل”، كما أصبح مكانا تأوي إليه عناصر كثيرة مطلوبة للسلطات اللبنانية وغيرها، وفي الوقت نفسه فرض الجيش طوقا أمنيا حوله يتحكم في الدخول والخروج إليه.

    وحتى هذه اللحظة، نجح الفلسطينيون في تجنيب المخيم الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، والتي تنعكس عليه بدرجات متفاوتة بحسب القوى والفصائل المتنافسة داخله، وبحسب الجهات التي تدعمها وتمولها. غير أن المخيم يعيش على “برميل بارود” يهدد بالانفجار، في ظل استمرار وضع أمني هش، نتيجة عدم قدرة القوى داخل المخيم على إنهاء أزمة إدارته وضبط أمنه، ونتيجة عدم رغبة السلطات اللبنانية حاليا في بسط سيطرتها عليه لأنها لا تريد تحمل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة باللاجئين، وبسبب الأثمان الكبيرة وغير المضمونة النتائج لمحاولة اقتحام المخيم والسيطرة عليه. (لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى التقدير الاستراتيجي الذي نشره مركز الزيتونة في آذار/ مارس 2017 حول مخيم عين الحلوة).

    من جهة أخرى، فإن نكبة “شواهد النكبة” في لبنان تزداد مع وجود من يسعى إلى تشويه صورة المخيمات النضالية، ليس فقط من خلال تقديمها كـ”بؤر أمنية” ومعاقل للمطلوبين و”الفارين من القانون”، ولكن كبؤر لانتشار المخدرات.. حيث أخذت بعض مظاهره تزداد في السنوات الأخيرة في بعض المخيمات، وهو ما يستدعي علاجا سريعا وحكيما وحاسما.

    ***

    وأخيرا، فإن كل ما سبق يفرض مسؤولية كبرى على القوى والمؤسسات والفصائل الفلسطينية للقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني ومخيماته، وتجنيبه الدخول في المشاكل الداخلية للدول المضيفة، والإبقاء على الصورة النضالية المشرقة والصامدة للمخيمات. والسعي الحثيث لدى الجهات الرسمية لتوفير ما تحتاجه من دعم ورعاية وبنى تحتية وفرص عمل، وخدمات صحية وتعليمية؛ وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم في العمل والتملك لتجنيبهم الوقوع فريسة البطالة والإحباط وتيارات التطرف، ومنع استغلال حاجتهم المادية من القوى المختلفة التي تسعى لخدمة أجنداتها الخاصة.

    ولعل القائمين على المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي تشكَّل مؤخرا، يولون اهتماما خاصا بمخيمات الشتات وأوضاعها، والسعي للارتقاء بها ودعم صمودها.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 8/4/2017

  • مقال: حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يبدو أن حماس حريصة على ألا تكون طرفا معوقا لانعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح المقرر في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ويظهر ذلك من رسائل الطمأنة العديدة التي صدرت عن قيادات في حماس والتي تؤكد الحرص على وحدة فتح واستعادتها لعافيتها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، وعدم دعم طرف على حساب طرف آخر، وكذلك السماح لأعضاء فتح المقيمين في قطاع غزة بالسفر والمشاركة في مؤتمر فتح.

    ترتيب البيت الفلسطيني

    لعل إحدى المهمات الرئيسية لمؤتمر فتح السابع هي مناقشة الوضع الداخلي الفلسطيني، وسبل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبالتالي لا بد من التعرض لموضوع العلاقة مع حماس وإنفاذ اتفاق المصالحة الموقع عليه منذ مايو/أيار 2011، وكيفية إدماج حماس وقوى المقاومة في المؤسسات القيادية والتشريعية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، غير أن ذلك لن يكون مهمة سهلة ما لم تحدث مراجعات جذرية لأسس الاختلاف بين الطرفين.

    فبين فتح وحماس تاريخ طويل من التنافس والصراع وانعدام الثقة، ورغم أنهما يمثلان عمودي الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ويحصدان عادة أكثر من 80% من أصوات الناخبين الفلسطينيين، فإنهما لم ينجحا حتى الآن في إدارة خلافاتهما ضمن بنية مؤسسية واحدة، ولا من الاتفاق على أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، ولا من تنفيذ الاتفاقات التي يوقعانها. وأدت حالات الشد المتبادل بين الطرفين في أحيان عديدة إلى نتائج سلبية على العمل الفلسطيني، وإلى تعطيل كل طرف لمسار الآخر بحجة المصلحة الوطنية.

    وتعود محاولات الاتفاق بين فتح وحماس إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإلى بدايات صعود حركة حماس كحركة مقاومة وطرف رئيس في المعادلة الفلسطينية، فكانت لقاءات في اليمن وتونس والخرطوم والقاهرة في الفترة 1990-1995. وتكررت لقاءات القاهرة في الفترة 2002-2005 التي تُوِّجت باتفاق القاهرة في 17/3/2005 الذي هيأ لتوقف انتفاضة الأقصى وللانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولإطلاق مشروع إعادة بناء منظمة التحرير، ثم تكررت الاتفاقات في وثيقة الحوار الوطني (وثيقة الأسرى) 2006، واتفاق مكة 2007، وصولا إلى اتفاق القاهرة 2011.

    وليس من الصحيح تبسيط الخلاف بين فتح وحماس في مجرد الصراع على السلطة، فالمرجعية الإسلامية الأيديولوجية لحماس تمنعها من عقد اتفاقات تؤدي إلى التنازل عن أجزاء من فلسطين أو الاعتراف بـ”إسرائيل”، والمرجعية العلمانية الواقعية لفتح لا تمنعها من عقد اتفاقات كاتفاق أوسلو برنامجا مرحليا للعمل الوطني.

    ومن ناحية أخرى فإن أولوية العمل الوطني لدى فتح مرتبطة بمسار التسوية السلمية كمعبر لإنشاء الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بينما تكمن أولوية العمل الوطني لدى حماس في مسار المقاومة المسلحة باعتبارها الأداة العملية الصحيحة لدحر الاحتلال. ولذلك تجد محمود عباس يتحدث عن عبثية عمليات المقاومة وصواريخها، بينما تجد حماس تتحدث عن عبثية مسار التسوية السلمية.

    وفي الوقت الذي تتهم فيه فتح حماس بالتسبب في الانقسام والانقلاب والخروج على الشرعية، وفرض السيطرة على قطاع غزة، فإن حماس تتهم فتح بالديكتاتورية واحتكار القرار الفلسطيني، والهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطيل مؤسساتها وإغلاق الباب في وجه الشراكة الحقيقية لحماس والقوى الفاعلة في المنظمة، كما تتهمها بتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، فضلا عن اتهامها لفتح بالتسبب في الانقسام نتيجة الدخول في مسار أوسلو وفرضه على الشعب الفلسطيني، وعدم اكتراثها بوجود قوى معارضة واسعة (الفصائل الفلسطينية العشر) لهذا المسار.

    ولا يخلو الأمر من اتهامات متبادلة بين الطرفين بتعطيل مسار المصالحة، حيث تتهم فتح حركة حماس بعدم الجدية في إنفاذ المصالحة وتسليم المؤسسات في قطاع غزة، بينما تتهم حماس حركة فتح بعدم الجدية، لأن فتح هي التي تمسك بمفاتيح المصالحة من خلال سيطرتها على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والدعوة لاجتماعات الإطار القيادي المؤقت، ولأن فتح تستقوي على حماس من خلال التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، ومن خلال الاستقواء بالبيئة العربية والدولية المخاصمة أو المعادية لحماس ولتيارات “الإسلام السياسي”.

    مشاركة ممثلي فتح بغزة

    بالرغم من البرود الذي تتسم به علاقة حماس بفتح، وبالرغم من تصاعد درجات التوتر بين الطرفين في الأشهر الماضية، حيث تتهم حماس قيادة فتح بالتراجع (تحت عباءة محكمة العدل العليا) عن إجراء الانتخابات البلدية، وبالاستمرار في التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي، وبمطاردة عناصر المقاومة، وبعدم تفعيل ملف المصالحة، وبعدم حل مشكلة الموظفين الذين عينتهم حكومة هنية، إلا أن قيادة حماس صرحت بأنها لن تقف عائقا أمام مشاركة ممثلي حركة فتح في المؤتمر من أبناء قطاع غزة.

    وكانت حكومة هنية قد أعاقت مشاركة هؤلاء الممثلين في مؤتمر فتح السادس الذي انعقد في رام الله في صيف 2009، في خطوة اعتبرتها ردا على حملات الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية في الضفة ضد عناصر حماس وقوى المقاومة، بينما قوبل هذا الإجراء بالسخط من قبل فتح التي رأت في ذلك محاولة لإفشال مؤتمرها أو إضعاف مصداقيته التمثيلية.

    قضية دحلان

    في اللقاء الذي جمع أبو مازن مع خالد مشعل برعاية قطرية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2016، كان أبو مازن مسكونا بمشكلته مع محمد دحلان أكثر من أي شيء آخر، وحتى من ملف المصالحة نفسه، وعبَّر عن انزعاجه الشديد من الضغوط الكبيرة التي تعرض لها بشأن المصالحة مع دحلان وإعادته إلى حركة فتح. وفي هذا اللقاء، كما في غيره، تلقى تطمينات من قيادة حماس بعدم دعمها لدحلان، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لحركة فتح.

    وكانت ثمة مخاوف لدى قيادات من فتح من تدخل حماس في محاولة للتأثير على مؤتمر فتح ومخرجاته من خلال “اللعب” بورقة دحلان، خصوصا مع ملاحظتهم لنشاط عناصر مؤيدة لدحلان في قطاع غزة، وإدخالهم لأموال لدعم بعض المشاريع التي تحمل ظاهرا “خيريا” غير أن استخدام دحلان للمال السياسي ومحاولة استجلاب الدعم والتأييد لا تقتصر على القطاع، فهو ينشط في أوساط كوادر فتح نفسها، وفي مناطق الضفة الغربية حيث تسيطر فتح، وفي مخيمات اللاجئين في الخارج.

    وكان دحلان المعروف بطموحه للوصول إلى قيادة فتح والسلطة قد انتخب لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح سنة 2009، ودخل في خلافات كبيرة مع محمود عباس، انتهت بفصله من اللجنة المركزية ومن حركة فتح في يونيو/حزيران 2011، وبتوجيه اتهامات إليه بالفساد واستغلال سلطاته، وهو ما اضطره للجوء إلى الإمارات حيث عين مستشارا لمحمد بن زايد.

    وعلى ما يبدو، فإن مشكلة حماس مع دحلان لا تقل عن مشكلة عباس معه، إذ تُحمِّل قطاعات واسعة من حماس دحلان مسؤولية الانفلات الأمني في قطاع غزة ومحاولة الانقلاب على حكومة إسماعيل هنية وإيصال الأوضاع إلى الحسم العسكري الذي قامت به حماس في القطاع صيف 2007. وتنظر حماس بارتياب تجاه دور دحلان الكبير في السعي لإفشال وضرب تيارات “الإسلام السياسي” وقوى المعارضة في المنطقة، كما تضع كثيرا من علامات الاستفهام على علاقاته الإسرائيلية والغربية.

    وقد أكد عدد من قادة حماس طوال الشهور الماضية على النأي بالحركة عن خلافات فتح الداخلية، وربما لمّح بعضهم إلى أن عباس -رغم أدائه السيء تجاه حماس- فإنه يظلّ خيارا أهون بالنسبة لهم من دحلان.

    وعلى سبيل المثال، فقد ذكر صلاح البردويل أن حماس لا يسرها رؤية فتح “مفتتة ومدمرة، لأن تفتت فتح قنبلة نووية، ستشوِّه سمعة الشعب الفلسطيني، وتبدد طاقاته” (جريدة الرسالة، فلسطين، 16/5/2016). وقال البردويل في تصريح آخر إن حماس ليست جزءا من الخلاف بين عباس ودحلان، ولا مصلحة لها إطلاقا فيه، وإن الذين يتحدثون عن تقارب بين حماس ودحلان يريدون الهرب من مسؤولياتهم السياسية، ويحمّلون غيرهم المسؤولية عن فشلهم في إدارة خلافاتهم (قدس برس، 23/10/2016). كما نفى خليل الحية وجود صفقة بين حماس ودحلان، وأكد أن الخلافات الفتحاوية تؤثر سلبا في القضية الفلسطينية، وأن استعادة فتح لعافيتها وقوتها يشكل قوة للشعب الفلسطيني (الاستقلال، غزة، 6/10/2016).

    من جهة أخرى، فإن كشف السلطات في قطاع غزة عن خلية سرية ترتبط بالطيراوي ودحلان (الجزيرة نت 3/5/2016؛ وعرب 48، 4/5/2016) تسعى لشيطنة قطاع غزة وحماس في عيون الفلسطينيين والمصريين والعالم، قد أثار قلقا متزايدا لدى حماس من الدور الخطير الذي يلعبه دحلان. والخلية التي أعلن البردويل عنها كانت تخطط لاغتيال شخصيات فتحاوية (محسوبة على عباس) أمثال أحمد نصر، ومأمون سويدان، وجمال كايد، وعماد الآغا، وجميعهم محافظون عينهم عباس.

    والخلية متهمة بتسجيل مقاطع فيديو تتضمن تهديدات للنظام المصري ولعباس باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويظهر أن القبض على هذه الخلية، وتسليم حماس عددا من الوثائق المتعلقة بالخلية إلى عباس، عبر عن سعي حماس لإظهار مصداقيتها، ولعله أيضا كان مصدر طمأنة لعباس.

    ***

    وأخيرا، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه فتح لا يتعلق بحماس، وإنما يتعلق بثلاث أزمات أساسية: الأولى مرتبطة بالرؤية والمسار السياسي وإعادة عمل مراجعة جادة لمسار التسوية السلمية وتجربة المنظمة والسلطة لإعادة توجيه البوصلة باتجاه خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.

    والثانية مرتبطة بالبنى الداخلية والتنظيمية لفتح ومعالجة ما أصابها من ترهل وفساد.

    والثالثة مرتبطة بالقيادة وما تحتاجه من تجديد ودماء شابة وعلاج مرحلة ما بعد عباس.

     

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 21/11/2016