• دراسة علمية محكّمة (12): الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية 2011-2018

    تهدف الدراسة إلى التعرف إلى الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتطورات على الجبهة الشمالية. فمع اندلاع الأزمة السورية وجدت "إسرائيل" نفسها أمام واقع استراتيجي جديد، فرض عليها تحديات أمنية جديدة، ووضعها أمام متطلبات عملية لتحسين وضعها الاستراتيجي؛ خصوصاً مع دخول لاعبين دوليين وإقليميين على مسرح الأحداث، مما أدى إلى وجود حالة صراع إرادات من كافة الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، في محاولة لحصد المكاسب، ولا يغيب ذلك عن أعين القيادة الإسرائيلية التي حاولت توظيف كافة الإمكانات والعلاقات للحصول على بعض المكاسب، أو على الأقل منع تأثيرات الواقع الجديد على الأمن القومي الإسرائيلي؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتموضع الاستراتيجي لإيران وحزب الله في سورية.

    وتحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية من خلال:

    1. رصد تطورات الأزمة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي الإسرائيلي.

    2. تناول الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتهديدات في الساحة السورية.

    3. إماطة اللثام عن الطريقة التي أدارت "إسرائيل" العلاقات مع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.

    وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الاستراتيجية الإسرائيلية واجهت عقبات عدة، بسبب إما محدودية القدرات الإسرائيلية في التعامل مع الأزمة، أو بسبب طبيعة العلاقة والمصالح والتشابكات التي نشأت فيما بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. كما أن هناك حالة عدم يقين حول ما يمكن أن تكون تل أبيب قد حققته في الحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في سورية، سواء في منع أو إفشال التموضع العسكري هناك أم في منع وصول الأسلحة النوعية إلى مخازن حزب الله في لبنان

  • قوات إيرانية ووحدات عسكرية من حزب الله اللبناني تتمركز في اليمن وتتولى مهمة زرع الألغام المغناطيسية وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ، باتجاه السعودية و مياه الخليج العربي.

    د.نبيل العتوم                                   

    رئيس وحدة الدراسات الإيرانية               

    مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية  

          الهجوم على ناقلات النفط…. إستراتيجية  إيرانية تريد إيران التوسل بها ضمن سياق دبلوماسية حافة الهاوية ، طبعاً طهران متورطة ، والبصمات واضحة للعيان ،  ربما أن تكون هذه  هي الرغبة الإيرانية في إظهارها للعيان دون مواربه ، و لا ترغب طهران في إزالتها. إن الهجمات المتزامنة التي استهدفت ناقلات النفط، يوم الخميس  الماضي 13 يونيو (حزيران)، ناقلة  كبيرة  في مياه بحر عُمان، فضلا عن الهجوم الصاروخي بصواريخ توم هوك المجنحة   بتخطيط وتمويل وتزويد إيراني ، نفذته الحركة الحوثية  على مطار أبها في المملكة العربية السعودية، سبقه  هجوم نوعي بالطائرات المسيرة على  مخازن أرامكو  بالقرب  من الرياض ، الغريب العجيب أنه  سيكون من السهل  لأي جهاز استخباراتي مبتدىء توجیه أصابع الاتهام لطهران في شن هذه الهجمات، والإعداد لها. وعلى الرغم من إعلان  حكومة روحاني عدم مسئولية إيران عن هذه الهجمات، ومن المؤكد أنه ليس لديه معلومات  عما يجري ، وما تخطط له الدولة الصلبة في إيران والتي يقودها المرشد والحرس الثوري ومؤسسات الدولة الاستخباراتية ، و الجناح المتطرف الموجود  في أعلى  هرم السلطة السياسية في إيران، واللذين یعتبرون أن التوسل بدبلوماسية حافة الهاوية لجهة تحسين شروط التفاوض ، وتعزيز غريزة  الانتقام من أجل رفع تكاليف الأزمة الحالية لحلفاء الولايات المتحدة هي سياسة أكثر  فعالية من اللجوء إلى التهدئة  والقبول بمفاوضات غير متكافئة مع الولایات المتحدة. وبدلاً من تحمل  كلفة الوضع الحالي والرهان على عامل الوقت والصبر الإستراتيجي حتى نوفمبر من العام 2020 والذي قد يؤدي إلى تغيير في الإدارة الأميركية .

     

          الشعب الإيراني يعاني بشكل  كبير ، ويقاسي شظف وحرقة الأسعار، وارتفاع حدة لهيبها الناجم عن الحظر المفروض على صادرات النفط، وإغلاق طرق التجارة الخارجية المدعومة من الولايات المتحدة، يبدو أن طهران مصممة على الخروج من الموقف الدفاعي وإظهار القوة أمام الخصم، إلى محاولة المواجهة بالردع  وهي خطوة یمکنها أن تغیر بسرعة الأزمة الحالية إلى خطوات انتقامية متبادلة، للوصول إلى آفاق جديدة. لقد تم توجیه تهمة المشاركة في تنسيق وتنفيذ هجمات 12 مايو (أيار)، ضد أربع ناقلات تحمل أعلام النرويج والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالقرب من المياه الاقتصادية  للفجيرة، وقد تم توجيه الاتهامات ضمناً إلى  طهران، والتي تم استخدام  الألغام المغناطيسية من نوع “لیمیت” التي تنتجها إيران .

          وتم التوصل إلى معلومات استخبارية  حول  كيفية تركيبها في جسم الناقلة، والتي لا يمكن توقعها إلا من قوات ذات خبرة ومدعومة بقدرات  لوجستية واستخبارية تنفیذیة لإحدى الدول، ولیس من جماعة إرهابية صغيرة،  ووفقا للأدلة الأولية، خلال الهجوم البحري الأخير على الناقلات ، فقد تم استخدام الطوربيد أيضا، والذي كان بدوره علامة على  نمو التهديدات بصورة متزايدة  وتعدده في الحرب الجديدة التي تشن علی ناقلات النفط. وبالتزامن مع هجوم 12 مايو (أيار) على أربع ناقلات نفط، تعرض أحد خطوط أنابيب النفط السعودي لهجوم من قبل الحوثي، والذي كان يحمل بدوره رسالة انتقام واضحة إلی المملكة العربية السعودية، حيث  لم يتم نسيان نصيب المملكة العربية السعودية من خلال  الهجوم على مطار أبها، بالرغم من اختلافه  عن الهجمات السابقة واللاحقة ، طبقا للأدلة الأولية، تم استخدام صواريخ كروز المجنحة – كما ذكرنا سابقاً – في الهجوم؛ وهو السلا ُح الذي لم تنشر، حتى الآن، تقاریر واضحة عن أن الحركة الحوثية  قد حصلوا عليه  ، ومن الممكن أن هناك وحدات صاروخية ايرانية أو تتبع لحزب الله اللبناني هي من تطلق تلك الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة من الأراضي اليمنية ، لأن استخدام هذه الأسلحة وتوجيهها بحاجة إلى قدرات عسكرية وفنية عالية وخبرات في هذا المجال وهو ما لا يتوفر لدى حركة أنصار الله الحوثي لغاية اللحظة.

          هذه الاعتداءات تزامنت مع زيارة رئيس وزراء اليابان إلى طهران، و بعد ساعات قليلة  قامت طهران بتنفيذ الهجوم ، حيث تشير الدلائل الأولية للهجمات البحرية والصاروخية في المنطقة، يوم الخميس، إلى أن الزيارة التي استغرقت يوما واحد لرئيس الوزراء الياباني إلى إيران لم تكن نتائجها أكثر  من زيارة هایکو ماس، وزير الخارجية الألماني  الفاشلة لطهران. وعلى الرغم من تفضيل حكومة روحاني  تجنب تصعيد الأزمة الحالية في العلاقات الخارجیة للبلد، فإن علي خامنئي والمتشددین في هرم السلطة الإيرانية ، تبنوا  إستراتيجية حافة الهاوية  المتدرجة ، بغض النظر عن التکالیف المحتملة، بما في ذلك المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وهي سياسة ستنتج “خطأ في الحسابات”، ويمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة في منطقة الخليج .

     

  • مقتل سليماني- تداعيات ومآلات

    تقدير موقف12/1/2020

    د. سامر عبد الهادي علي – المركز السوري سيرز

       أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فجر الجمعة 3 كانون الثاني/ يناير 2020 مقتل قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد، بناءً على توجيهات مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، كما قُتل معه في الغارة أبو مهدي المهندس نائب ما يسمى "قوات الحشد الشعبي" العراقي، إلى جانب عشرة آخرين، منهم قياديين في الحشد.

    حدث لم يكن كغيره، وعملية من النوع الدقيق وذات أبعاد تتخطى مسألة التخلص من شخصية ما، كانت عملية تحمل في طياتها أسباباً كثيرة، وتداعيات كبيرة لاحقة، ليس على إيران والعراق والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل على عموم المنطقة بملفاتها المعقدة والمتشابكة.

    *تسلسل أحداث ما قبل العملية:

       يمكن القول أنّ تطورات الأحداث ما قبل عملية اغتيال سليماني قد بدأت من العراق منذ انطلاق التظاهرات العراقية الكبيرة في بغداد ومدن الجنوب العراقي، تحديداً الشيعية منها، وذلك مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضدّ سياسات الحكومة العراقية المتماهية مع السياسات الإيرانية في العراق، التي أوصلت البلاد إلى الانهيار التام في الكثير من القطاعات، خاصةً الاقتصادية منها، وحتى الأمنية.

    هذه المظاهرات التي استمرت، ولا تزال، طيلة أشهر، أدّت إلى شعور إيران بالخطر المحدق بها، لما قد يكون لها من تداعيات ليس فقط على ميليشياتها في العراق، بل حتى على الداخل الإيراني المتأزم كذلك بطبيعة الحال، خاصة وأنّ العراق يقع على حدودها مباشرةً، عكس التظاهرات التي شهدها لبنان أيضاً، فهي ليس ذات تأثير مباشر عليها كما العراق. من هذا المنطلق أوعزت إيران إلى ميليشياتها الطائفية، وتحديداً ميليشيا حزب الله العراقي، لتنفيذ عمليات قنص واغتيال بحق المتظاهرين العراقيين، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى من العراقيين، إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى تراجع التظاهرات، وهو ما وضع الحكومة العراقية الموالية لإيران في مأزق كبير، ما دعاها إلى الاستقالة فعلاً، ليزداد خطر التداعيات على السياسات الإيرانية ومواليها في العراق، لذلك أخذت إيران بالتصعيد أكثر، ومحاولة خلط الأوراق، من خلال قيام ميليشياتها، حزب الله العراقي، بعمليات قصف على مواقع عسكرية عراقية تحوي جنوداً من القوات الأمريكية تحديداً، كان أعنفها القصف الذي طال قاعدة عسكرية في كركوك شمال العراق في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّى إلى مقتل موظف مدني أمريكي في القاعدة، ما اعتبرته الولايات المتحدّة الأمريكية تجاوزاً على مواطنيها وجنودها، وبالتالي على مصالحها القومية، واتهمت حزب الله العراقي بالعملية، وردّت بتنفيذ ضربات جوية على خمسة مواقع تتبع لميليشيا حزب الله، أحدها في سورية، وذلك بعد يومين فقط في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّت إلى مقتل العشرات من الميليشيات.

    تصاعد التوتر في العراق بين إيران وأدواتها من جهة، وبين الولايات المتحدة ومصالحها من جهةٍ أخرى، وهو ما سعت إليه إيران، التي بدأت تجييشها ضد الولايات المتحدة ومصالحها في العراق، وجرت محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء، والوصول إلى السفارة الأمريكية، من قبل متظاهرين موالين لحزب الله العراقي وبدعم إيراني، بالتوازي مع بدء الإعداد لمؤامرة تهدف للسيطرة على المنطقة الخضراء بعملية انقلاب سياسي ستقوم به إيران للسيطرة على ما تبقى من العراق "بمعنى العراق الموالي للسياسة الأمريكية"، وكان التنفيذ يوم وصول قاسم سليماني إلى بغداد قادماً من دمشق، صبيحة الثالث من كانون الثاني 2020، إلا أنّ الولايات المتحدة، بحسب تقارير استخباراتية، اكتشفت الأمر، فصدر أمر مباشر من الرئيس ترامب شخصياً، بتصفية سليماني قبل خروجه من مطار بغداد، وهو ما تم فعلاً.

    *ردود الأفعال على العملية:

       على الرغم من حجم العملية، وتأثيراتها المتوقعة على ارتفاع حدّة التوتر في المنطقة، وإمكانية الرّد الإيراني بشكلٍ أو بآخر، ما ينذر بحرب قد تندلع في أيّ لحظة، إلا أنّ المواقف الإقليمية، وحتى الدولية، لم تكن ذات تباينات كبيرة، حيث اكتفت كثير من دول العالم، بما فيها الإقليمية منها، بالدعوة إلى الحوار ومنع حدوث صراع ما في منطقة لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات، باستثناء العراق الذي رفض العملية، وطالب القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق، بينما اكتفت سورية بالتنديد.

       الولايات المتحدة الأمريكية بررت العملية على أنّ سليماني "كان يعمل على تطوير خطط لمهاجمة دبلوماسيين وموظفين أمريكيين في العراق والمنطقة"، وأنّ هدف الضربة "ردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية"، وتعهدت الولايات المتحدة أنها "ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات لحماية مواطنيها ومصالحها حول العالم".

    أما إيران، فقد توعّدت مراراً على لسان مسؤوليها كافة بالرّد "المزلزل" وغير المتوقع على الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، ليس في المنطقة فقط، بل في كل مكان من العالم. وتوعّد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ"انتقام مؤلم" على خلفية مقتل سليماني. لكن وبعد نحو أسبوع من التهديد والوعيد قامت إيران باستهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بعدّة صواريخ بالستية، وصاروخين قرب أربيل شمالي العراق، ليتبيّن بعد الضربة هذه أنّها لم تكن سوى ضربة متفق عليها لامتصاص غضب الإيرانيين والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، خاصة وأنّ إيران كانت قد أعلمت العراق بالضربة قبل وقوعها، وبالتالي علمت الولايات المتحدة الأمريكية بها، وهو ما ألمح إليه الرئيس ترامب. هذه الضربة التي لم تؤدِّ حتى إلى جرح عسكري أمريكي واحد، أو تتسبب بأي خسائر مادية، ومما زاد الأمر سوءاً استهداف إيران، بالخطأ كما تدعي، لطائرة ركاب أوكرانية خلال تنفيذها للضربة، ما أدى إلى إصابة الطائرة وتحطمها ومقتل 176 مدنياً قرب طهران، وبعد إنكار وتجاهل، اعترفت إيران بأنها من أسقط الطائرة.

    *التداعيات:

       إنّ تداعيات عملية قتل سليماني وأبو مهدي المهندس، وما تلاها من توجيه إيران لضربة إعلامية فاشلة على قاعدة أمريكية في العراق، وإسقاطها للطائرة المدنية الأوكرانية، قد بدأت بالظهور على الصعيد الإيراني من جهة، وعلى صعيد المنطقة من جهةٍ أخرى، أما التداعيات على الصعيد الإيراني:

    1- جاءت نتائج الضربة الإيرانية بنتائج عكسية عليها، فقد أظهرت إيران على حقيقتها من ناحية القوة المزعومة التي تدّعيها، حيث لم تستطع أن تنفذ تهديداتها برد عسكري مؤلم كما ادّعت.

    2- أدت إلى استنفار الشارع الإيراني، لتندلع التظاهرات ضد الحرس الثوري الإيراني والمرشد الإيراني، حيث طالبته بالرحيل الفوري.

    3- أظهرت ضعف ميليشيات إيران في العراق والمنطقة، التي كانت هي الأخرى قد توعدت بالرّد، إلا أنها اكتفت بالتصريحات والخطابات الإعلامية.  

    4- زاد من سوء الوضع الإيراني أمام العالم إسقاطها للطائرة الأوكرانية، ما يعني أنها فقدت أي تعاطف كان من الممكن أن تحصل عليه من جانب أي دولة، ومنها روسيا التي اكتفت بالصمت.

    أما التداعيات على صعيد المنطقة:

    1- ازدياد تعقيدات الداخل العراقي المتأزم أصلاً، خاصة على صعيد الموالين لإيران من قوى سياسية وميليشيات عسكرية، حيث أصبحوا في موقفٍ ضعيفٍ بالتوازي مع بداية بروز تيار سياسي غير موالي لإيران، ستتضح ملامحه في الفترة المقبلة، مع بروز اسم إياد علاوي من جديد.

    2- تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لنفوذها في العراق والمنطقة أكثر من السابق، مع ازدياد إرسال قوات عسكرية إلى قواعدها في العراق والمنطقة، على عكس ما طالبت به كل من العراق وإيران من سحب الولايات المتحدة لقواتها من المنطقة.

    3- ازدياد حدّة التوتر في المنطقة، وتصاعده لدرجة خطيرة، بما يسمى الوصول إلى حافة الهاوية.

    4- قلق خليجي من رد إيراني محتمل عليها، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى إطلاق تصريحات هدفها امتصاص التوتر، من خلال تصريحها بأنها تقف إلى جانب العراق، ورفضها تحويله إلى ساحة لصراعات خارجية.

    أما التداعيات على الملف السوري، فقد تكون الأهم والأكثر وضوحاً، خاصةّ بعد الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي بوتين إلى سورية، قبل يوم واحد فقط من لقاءه الرئيس التركي أردوغان في اسطنبول، ولذلك رسائل عديدة منها: أنّ روسيا هي صاحبة الكلمة العليا في سورية، وليس إيران، بما يعني عدم تفكير إيران باتجاه رد ما على أي طرف انطلاقاً من الأراضي السورية. كذلك رسالة إلى "إسرائيل" بأنّ روسيا لن تسمح لبشار الأسد بأي تحرك من جانبه، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال السماح لوكلاء إيران في سورية، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، بالاعتداء عليها. ورسالة إلى نظام الأسد نفسه بأنّ هناك متغيرات قادمة في المنطقة ما بعد مقتل سليماني، وعليه أن يكون متوافقاً مع ما قد تنجزه روسيا في هذا الشأن في المرحلة المقبلة.

    *المآلات المستقبلية:

       من خلال ما سبق، يمكن الحديث عن سيناريوهات محتملة في المرحلة المقبلة، يمكن أن تذهب الأوضاع العامة في المنطقة باتجاهها، وأرى أننا أمام سيناريوهين فقط:

    الأول: الاتجاه نحو حرب واسعة بين كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون مقتصرةً على الطرفين، عسكرياً وجغرافياً، بل ستشمل أطرافاً ودولاً عدّة في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير واسع، وستكون المنطقة بأكملها الخاسر الأكبر، وليس إيران فقط، وهو ما يحاول الجميع تفاديه، لذلك فإنّ احتمالية هذا السيناريو ضعيفة جداً، وقد تكاد تكون معدومة.    

    الثاني: الذهاب إلى مفاوضات سياسية شاملة لكل ملفات المنطقة، أهمها على الصعيد الإيراني الملف النووي وملف الميليشيات الموالية لإيران وتمددها في المنطقة، وكذلك حول ملفات المنطقة الأخرى وهي الملف السوري والملف العراقي، وهو الاحتمال الأقوى والمتوقع حصوله فعلاً في الفترة المقبلة، حيث بدأت تظهر ملامحه، من خلال دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لإيران للعودة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني ودون شروط مسبقة من أي طرف، وهي دعوة كررتها الدول الأوروبية، كفرصة لإيران للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لكن لذلك تداعيات محتملة أيضاً، حيث ستتنازل إيران عن بعض سياساتها في المنطقة، وقد ترضخ للطلبات الغربية في هذا السياق، ومنها تحجيم دور ميليشياتها وعدم التدخل في شؤون المنطقة، ما يعني إضعاف أذرعها العسكرية، خاصة في سورية التي قد يتم إخراج إيران منها بالكامل، لصالح تفاهمات روسية تركية بدأت تظهر منذ نحو أسبوع عندما تم التوافق بين الطرفين على هدنة جديدة في إدلب، قد تكون طويلة، وربما دائمة، حسب بعض التسريبات، وإمكانية فرضها عن طريق قرار من مجلس الأمن الدولي، مع إمكانية استئناف أعمال اللجنة الدستورية في المرحلة القادمة في حال تم تطبيق جدّي للهدنة في إدلب.

       مما سبق نجد أنّ الخاسر الأكبر في هذه المرحلة وما تضمنته من أحداث ومتغيرات جديدة هي إيران نفسها، التي دفعت أخيراً ثمن سياساتها العنجهية في العدوان على دول المنطقة وشعوبها، ونحن نرى اليوم الاضطرابات التي تشهدها الدول التي تدخلت فيها إيران سواء بميليشياتها العسكرية، أو بأذرعها السياسية، كما يحصل في كل من العراق وسورية ولبنان وحتى اليمن، وهو ما ينذر بمرحلة جديدة ستشهدها المنطقة عموماً، قد تكون أكثر استقراراً من السابق في حال أُنجز هذا السيناريو على المدى المتوسط.