• التقدير الاستراتيجي (92): الانتخابات المحلية الفلسطينية .. السياق وسيناريوهات ما بعد التأجيل

    تقدير استراتيجي (92) – تشرين الأول/ أكتوبر 2016.

    ملخص:

    بالرغم من أن الإعلان عن الانتخابات المحلية الفلسطينية فتح أبواب الأمل نحو الانفراج السياسي وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إلا أن قرار محكمة العدل العليا في رام الله بإيقاف الانتخابات في قطاع غزة، جاء قراراً مسيساً، وشكَّل عقبة جديدة في مسيرة الإصلاح الداخلي الفلسطيني. وأياً تكن المسارات المحتملة سواء بإجراء الانتخابات لاحقاً في الضفة والقطاع، أم بإجرائها في الضفة فقط، أم بإلغائها، فإن مآلات الانتخابات المحلية الفلسطينية تشير إلى أهمية إعادة التمعن في وظيفة الانتخابات في السياق الفلسطيني، وضرورة بناء توافق وطني على هذه الوظيفة كي لا يتحول ما يعتقد أنها فرصة إلى تهديد.

    وهو سياق يؤكد أولاً، أن ضعف الحالة الفلسطينية يعزز قدرة الاحتلال على تحويل التهديد إلى فرصة تخدم سياسته. كما يظهر ثانياً، أن غياب التوافق الوطني على متطلبات وأسس إنهاء الانقسام السياسي قد يجعل الانتخابات المحلية، كما العامة، مدخلاً لتعميق الانقسام، أو إدارته في أحسن الأحوال.

    مقدمة:

    توضح التطورات المتلاحقة بين قرار الحكومة الفلسطينية الصادر في 21 حزيران/ يونيو الماضي بإجراء الانتخابات المحلية، وقرارها الصادر في 4 تشرين الأول/ أكتوبر بتأجيلها لمدة أربعة أشهر، كيف تحولت هذه الانتخابات من فرصة إلى تهديد؛ من فرصة لتحدي سياسة الاحتلال في تجزئة الفلسطينيين إلى تهديد بتحول الانقسام إلى انفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن احتفالية بـ”عرس ديموقراطي” إلى مأتم، بل وفتح المجال أمام تهديدات جديدة تمس النسيج المجتمعي والسلم الأهلي، بعد قرار محكمة العدل العليا بعدم قانونية القضاء والمحاكم في القطاع، وما قد يترتب عليه من تشكيك في آلاف الأحكام الصادرة عنها خلال السنوات التسع الماضية.

    ويُعدّ قرار التأجيل بمثابة مسح شامل للمشهد الانتخابي السابق، تسجيلاً وترشحاً وطعناً، وعودة إلى نقطة الصفر لبدء مشهد جديد ينطوي على تحديات لا تقل خطورة عن المشهد السابق، الذي تشكل نقطة النهاية فيه نقطة البداية ذاتها في المشهد الجديد من حيث اللجوء إلى إجراءات “قانونية” لتحقيق أغراض سياسية، انطلاقاً من حيثيات ومبررات قرار محكمة العدل العليا الذي استثنى قطاع غزة من الانتخابات على أساس عدم قانونية القضاء والمحاكم هناك.

    لم يكن الوصول إلى هذه النتيجة مفاجئاً، وخصوصاً من حيث استدعاء جهاز القضاء لتأدية وظيفة سياسية بغطاء قانوني. بل يرى البعض أن المفاجئ كان قرار الحكومة الفلسطينية بإجراء الانتخابات المحلية، إذ بدا كمحاولة لاقتناص الفرصة من أجل “تجديد شرعية” السلطة في الضفة، ولو على مستوى الهيئات المحلية، قبل أن يتضح أن قرار حركة حماس بالموافقة على إجراء الانتخابات يعني أن مجمل إجراءات العملية الانتخابية في قطاع غزة تضفي “شرعية” طالما رفضتها فتح على مؤسسات مدنية وأمنية وقضائية تسيطر عليها حماس، حتى ولو حققت فتح فوزاً في عدد من الهيئات المحلية في القطاع.

    المثير أن حسابات الكلفة جاءت عقب صدور قرار إجراء الانتخابات، وليس قبله، في مشهد يعكس استمرار التفرد بصناعة القرار بعيداً عن التشاور مع الكل الوطني، بل وحتى مع اللجنة المركزية لحركة فتح هذه المرة. وفي هذه الحسابات، كان واضحاً أن كلفة اتخاذ قرار رسمي بإلغاء أو تأجيل الانتخابات أعلى من كلفة خسارة قوائم فتح في هيئات محلية رئيسية، وخصوصاً في الضفة. وهو الأمر الذي كان يتطلب البحث عن وسائل أخرى لطي صفحة الانتخابات، ولو إلى حين، باللجوء إلى القضاء، على الرغم من أن كلفة تسييس القضاء قد تكون أعلى من الكلفة في حالتي إصدار قرار رسمي بالتأجيل، أو خسارة فتح.

    سياق الانتخابات:

    منذ البداية، أثار قرار إجراء الانتخابات خلافات بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، وإن تباينت مبررات الرفض والتأييد، غير أن سيناريو الإلغاء أو التأجيل كان يزداد ترجيحاً مع الاقتراب من لحظة التوجه إلى صناديق الاقتراع، ليعزز من الآراء التي حذرت من وجود عوامل قد تحوّل الانتخابات المحلية من نعمة إلى نقمة. ويمكن تلخيص هذه العوامل بالآتي:

    أولاً: العامل الإسرائيلي والضغط الخارجي:

    لقد تمّ تجاهل دور الاحتلال بالرغم من تزامن الإعلان عن قرار إجراء الانتخابات مع اتساع دور ما يسمى “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال في تطبيق خطة ليبرمان لتشجيع بروز قيادات محلية في الضفة الغربية، ما يعني الحرص على أن تخدم أي انتخابات محلية هذه الخطة لا أن تشكل حاجز صدّ أمامها.

    ونقل محلل الشؤون الفلسطينية في موقع واللا الإلكتروني، آفي يسخاروف، أن منسق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الجنرال يوءاف مردخاي، “حذّر قيادة السلطة من أن الذهاب إلى انتخابات قد يكون رهاناً خطيراً”. وقال المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، إن مسؤولين إسرائيليين حذروا نظراءهم في السلطة من أنهم “مبتهجون أكثر مما ينبغي” بإمكانية الفوز في الانتخابات، وأن حماس قد تستغل الانتخابات وتعزز تأثيرها السياسي في الضفة وتقوض بشكل أكبر مكانة السلطة ورئيسها المسن” (موقع عرب 48، 1/9/2016).

    في ضوء هذه المخاوف، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن سلطات الاحتلال وضعت خطة للتعامل مع الانتخابات المحلية، دون الكشف عن تفاصيلها، غير أن أليكس فيشمان، المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن السؤال المركزي الذي كان يطرح في مداولات هيئة الأركان ووزارة الحرب الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي، يتمثل في معرفة ما إذا كان سيتوجب على “إسرائيل” التدخل أم السعي للعمل على إلغاء الانتخابات الفلسطينية وتأجيل موعدها؟ (موقع فلسطين اليوم، 30/8/2016).

    في كل الأحوال، كان هناك ما يكفي من مؤشرات على سعي الاحتلال للتأثير على مدخلات ونتائج العملية الانتخابية والمس بمدى توفر بيئة تتيح حرية الترشح والانتخاب، باعتبارها أحد أهم شروط نزاهة الانتخابات. فقد قامت سلطات الاحتلال باعتقال العديد من المرشحين أو الناشطين في الحملات الانتخابية في الضفة الغربية، كما تلقى عدد آخر تهديدات من ضباط الاحتلال تطالبهم بالانسحاب أو مواجهة الاعتقال.

    وإلى جانب تأثير العامل الإسرائيلي، ترددت أنباء في وسائل الإعلام عن ضغوط مارستها دول عربية وأجنبية لإلغاء أو تأجيل الانتخابات المحلية. وقال النائب في المجلس التشريعي حسن خريشة إن “قرار تجميد إجراء الانتخابات (من محكمة العدل العليا) نجم عن ضغوطات خارجية وداخلية مورست على الرئيس عباس بعد تعبير العديد من الجهات الخارجية عن خشيتها من تكرار سيناريو عام 2006” (شبكة قدس الإخبارية، 8/9/2016).

    ثانياً: الانقسام الداخلي:

    بالرغم من التحذيرات من تأثير العامل الإسرائيلي على حرية ونزاهة العملية الانتخابية، إلا أنه لم يكن العامل الحاسم في وقف إجراء الانتخابات، ومن ثم اتخاذ محكمة العدل العليا قراراً في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر يقضي باستكمال إجراء انتخابات في الضفة، وتعليق إجرائها في القطاع، لحين إصدار قرار من مجلس الوزراء لتحديد إجرائها في غزة، “لعدم قانونية المحاكم في القطاع”. فقد طغى التنافس بين حركتي فتح وحماس على ترميم “شرعية” المؤسسات التي تسيطر عليها كل منهما في الضفة والقطاع على ما سواه من عوامل مؤثرة في البيئة المحيطة بالانتخابات.

    وأشارت تقديرات إلى أن حماس بموافقتها على قرار إجراء الانتخابات والمشاركة فيها كانت ستكون الرابح الأكبر في سباق ترميم “الشرعية”، حتى وإن لم تحقق فوزاً جديراً بالاحتفاء في الانتخابات، لو قدر لها أن تجرى وفق الترتيبات السابقة، إذ كانت ستنتزع إقراراً غير مسبوق من السلطة في رام الله بشرعية المؤسسات المدنية والأمنية والقضائية في قطاع غزة، بقبول إشرافها على العملية الانتخابية هناك، عقب سنوات من الانقسام وصفت خلالها هذه المؤسسات باعتبارها مؤسسات “الانقلاب” على “شرعية السلطة”. كما انتزعت إقراراً بشرعية نشاطها السياسي المعلن في الضفة الغربية بالرغم من الانتهاكات التي تعرض لها نشطاؤها وعدد من المرشحين المحسوبين عليها.

    إن حصر وظيفة الانتخابات المحلية بالتنافس على ترميم “شرعية” المؤسسات القائمة في ظلّ الانقسام، بدلاً من اعتبارها “بروفة” لإعادة بناء شرعية النظام السياسي الفلسطيني على أساس برنامج سياسي مشترك ومؤسسات وطنية موحدة، لعب دوراً في تأجيج الصراع على “شرعية” كل من طرفي الانقسام. وهو ما أدى إلى ممارسة الأجهزة الأمنية التابعة لكل منهما، في الضفة والقطاع، للعديد من الانتهاكات، وتبادُل الطرفين الاتهامات بشأن ممارسة ضغوط عبر الاعتقال، والتهديد، والاعتداء بالضرب، قبل وبعد تشكيل القوائم الانتخابية.

    ثالثاً: الخلاف الفتحاوي:

    خلافاً للاعتقاد بعدم جاهزية حركة فتح في قطاع غزة لخوض الانتخابات المحلية بقوائم موحدة بسبب الصراع الداخلي مع تيار عضو اللجنة المركزية المفصول محمد دحلان، جاء النجاح في تحقيق توافق فتحاوي داخلي على تشكيل قوائم موحدة في القطاع مفاجئاً للكثيرين، وبضمنهم حركة حماس التي راهنت على عدم وحدة صفوف فتح كأحد العوامل المعززة لفرص فوزها في معظم البلديات في قطاع غزة.

    في المقابل، لم تتمكن فتح من تشكيل قوائم موحدة في عدد من المواقع في الضفة الغربية، وهددت قيادة الحركة بإجراءات صارمة بحق من يترشح خارج القوائم الرسمية للحركة، وهو ما حدث بفصل ثلاثة كوادر من عضوية فتح بقرار رئاسي، هم: رئيس بلدية أريحا السابق اللواء حسن صالح، ووزير الحكم المحلي خالد فهد القواسمة، ونائب رئيس بلدية الخليل جودي أبو اسنينة.

    وقد بدا كأن هناك تهدئة داخلية في حركة فتح، على الأقل من جانب تيار دحلان الذي كان على علم مسبق بخطة عربية لتحقيق مصالحة داخلية في فتح، معتقداً أن الرئيس محمود عباس لن يستطيع التملص منها. وسرعان ما انقلبت إشارات التهدئة الداخلية إلى خلاف أشد من السابق مع الكشف عن خطة اللجنة الرباعية العربية (مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات) التي نشرتها وسائل الإعلام في الرابع من أيلول/ سبتمبر الماضي، وتحدد خريطة طريق تبدأ بتحقيق مصالحة فتحاوية أساسها عودة دحلان إلى عضويته في اللجنة المركزية، وإعادة المفصولين من فتح والسلطة إلى مواقعهم السابقة.

    غير أن تصريحات الرئيس عباس في الثالث من أيلول/ سبتمبر الماضي، التي تحدث فيها عن عواصم عربية تتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، وكذلك تصريحات بعض قادة حركة فتح، أظهرت رفضاً مطلقاً لعودة دحلان وفق خطة “الرباعية العربية”، حتى ولو كان الثمن حدوث ضرر على المدى القصير في العلاقة مع بعض الدول العربية. وترافق ذلك مع أنباء عن ضغوط عربية لتأجيل الانتخابات المحلية إلى ما بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، أي المصالحة الفتحاوية.

    وربما تقدم رغبة الرئيس في إجهاض هذا الحراك العربي، تفسيراً للمسارعة نحو اعتماد خريطة طريق بديلة هدفها إحباط الخطة العربية، على أن تبدأ بعقد المؤتمر العام لحركة فتح قبل نهاية السنة، وانتخاب لجنة مركزية جديدة تغلق الطريق مرة وللأبد، أمام أي ضغوط لعودة دحلان إلى عضويتها، ومن ثم التحضير لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع استئناف حوارات المصالحة برعاية قطرية، أملاً بالتوصل إلى اختراق في ملف المصالحة يتيح التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال ستة أشهر، أو التوافق على التوجه مباشرة إلى الانتخابات في حال تعذر الاتفاق على تشكيل الحكومة. ولو تحقق ذلك، يكون الرئيس عباس قد قلب أولويات خريطة الطريق وفق الخطة العربية رأساً على عقب.

    رابعاً: تسييس القضاء:

    كشف قرار إجراء الانتخابات المحلية، والتداعيات التي رافقت التحضير لها، عن تأثير الانقسام السياسي والمؤسساتي على الجهاز القضائي في الضفة والقطاع، والمخاطر الكارثية لتوظيف أحكامه لأغراض سياسية، فضلاً عن الملاحظات الانتقادية لدور نقابة المحامين في هذا السياق.

    وقد تعرض اتفاق لجنة الانتخابات المركزية مع حركة حماس على البت في الطعون من قبل القضاء ومحاكم البداية في القطاع، لانتقادات من أوساط سياسية وقانونية مقربة من فتح، باعتباره يضفي الشرعية على محاكم “غير قانونية”، وهو ما دفع فتح إلى رفض بتّ المحاكم في القطاع بالطعون المقدمة إليها، وتشجيع اللجوء من قبل محامين محسوبين على فتح إلى محكمة العدل العليا بدعوى طعنت في شرعية المحاكم التابعة لحركة حماس في القطاع، وطلبت في ضوء ذلك إلغاء الانتخابات.

    في المقابل، قدمت طعون بحق عدد كبير من قوائم فتح في القطاع، ما أدى إلى إسقاط تسع قوائم في خطوة عدَّها الناطق باسم فتح في غزة فايز أبو عيطة “مجزرة من قبل محاكم حركة حماس ضدّ قوائم فتح” (وكالة معاً الإخبارية، 8/9/2016).

    أما فيما يتعلق بموقف نقابة المحامين الذي استند إليه الطعن المقدم إلى محكمة العدل العليا، فقد فنّد مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية دعوة النقابة لإرجاء الانتخابات وفق الحيثيات الواردة في بيان النقابة المنشور يوم 24 آب/ أغسطس الماضي، وأهمها “الفراغ القانوني” في القطاع، المتمثل في الرقابة على العملية الانتخابية من الناحية القانونية ونتائجها، و”استثناء مدينة القدس من إجراء الانتخابات فيها، واستثناء المقدسيين من المشاركة في العملية الانتخابية برمتها”، لا سيّما أن هذا البيان جاء بعد ما يزيد على شهرين من قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 حزيران/ يونيو الماضي بإجراء الانتخابات المحلية، ودون أن يوضح “سبب سكوت النقابة” طيلة هذه الفترة، قبل المطالبة بالتأجيل في خضم العملية الانتخابية، حسب بيان أصدره المجلس في 25 آب/ أغسطس.

    كما وجهت عدة مؤسسات حقوقية رسالة إلى الرئيس عباس، شددت فيها على “ضرورة صيانة استقلالية القضاء وإبعاده عن أية تجاذبات أو تأثيرات سياسية”، وطالبت بالالتزام بإجراء الانتخابات المحلية وتذليل أيّ عقبات يمكن أن تعترض إجراءها (وكالة معاً الإخبارية، 20/9/2016).

    ويعتقد بعض المراقبين والقانونيين أن تسييس القضاء واستخدامه لتأجيل الانتخابات، حتى ولو استدعى ذلك نزع قانونية المحاكم في قطاع غزة، أحد أخطر التداعيات التي يمكن أن تنجم عن الصراع الداخلي، وخصوصاً من حيث تأثيره السلبي على وحدة النسيج المجتمعي في قطاع غزة. إذ إن نزع الشرعية عن أحكام القضاء والمحاكم، وهو الأمر الجوهري في قرار محكمة العدل العليا، يعني التشكيك في المراكز القانونية التي ترتبت على هذه الأحكام، وفتح المجال أمام المتضررين لإعادة الطعن فيها لاحقاً. ويدور الحديث عن آلاف الأحكام في قضايا تتعلق بحياة ومصالح الناس، بدءاً من النزاعات حول الأراضي والملكيات والحقوق وليس انتهاء بعقود الزواج والطلاق.

    كما أن التداعيات المستقبلية لقرار المحكمة سوف تلقي بظلالها على فرص التوافق على اقتراح حركة فتح ذاتها بالتوجه مباشرة إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في حال تعذر الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، طالما بقيت المؤسسات المدنية والأمنية على حالها من انقسام، حتى ولو تمت معالجة قضية المحاكم بحصر صلاحيات النظر في الطعون بمحكمة خاصة بقضايا الانتخابات. إذ سوف تبقى إمكانية الطعن بمدى قانونية إشراف المؤسسات المدنية والأمنية في القطاع على الانتخابات العامة مشكلة مستعصية الحل في ضوء ما شكله قرار محكمة العدل الأخير من سابقة “قانونية” قابلة للقياس عليها مستقبلاً.

    ماذا بعد قرار التأجيل؟

    إن اللجوء إلى محكمة العدل العليا لتحقيق أغراض سياسية فئوية يبدو كالصعود إلى قمة الشجرة، ويفتح الباب أمام مخاطر جمة لجهة تحويل حالة الانقسام في المؤسسات إلى انفصال بينها، الأمر الذي يتطلب دراسة السيناريوهات المتعلقة بمصير الانتخابات المحلية بقدر عال من المسؤولية الوطنية، والعمل على إنجاح السيناريو الأكثر خدمة للشعب الفلسطيني ولهدف إنهاء الانقسام.

    وبالرغم من أن تطورات عدة مرشحة للحدوث بشكل يؤثر على محاولة التنبؤ اليوم بمآلات الانتخابات المحلية بعد أربعة أشهر، إلا أن استقراء العوامل ذات العلاقة يتيح إمكانية الاجتهاد في تحليل السيناريوهات الرئيسية الآتية:

    السيناريو الأول: إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع:

    ينسجم هذا السيناريو مع قرار الحكومة “بإجراء انتخابات الهيئات المحلية في كافة أرجاء الوطن في يوم واحد، إيماناً منا بوحدة الوطن، ووحدة الشعب، وحرصاً على استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، وتوحيد مؤسسات الوطن في إطار الشرعية والقانون” (وكالة معاً الإخبارية، 4/10/2016). لكن تحويل هذا الإيمان والحرص إلى واقع لا يبدو ممكناً دون توفير متطلباته عبر التوافق بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل، وهو أمر صعب في ضوء حيثيات قرار المحكمة العليا التي رفضتها حماس.

    وكان قد جرى التداول بشأن عدة مخارج قبل صدور هذا القرار، منها سحب الدعوة أمام محكمة العدل، والاتفاق على موعد جديد، على أن يتم سحب قوائم لكل من الحركتين في بعض المواقع. وقد صرح المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري بأن الحركة رفضت عرضاً من فتح، عن طريق وسطاء، يقضي بتنازل حماس عن قائمة خانيونس مقابل تنازل فتح عن قائمة طولكرم، وبناء على ذلك يتم إجراء الانتخابات بعد شهر من موعدها المحدد سابقاً في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، معتبراً ذلك “دليلاً على تسييس قرار وقف الانتخابات” (موقع فلسطين اليوم، 25/9/2016).

    وهناك من طرح مخرجاً آخر قوامه الاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات مع تأجيلها في خانيونس، حيث قدمت معظم الطعون ضدّ قوائم فتح، على أن تعاد مجمل إجراءات العملية الانتخابية في خانيونس، بما في ذلك إعادة تشكيل وتسجيل القوائم الانتخابية.

    أما المخرج الآخر، فكان يتمثل بالتوافق على إلغاء الانتخابات برمتها، ومن ثم إصدار قرار جديد بإجرائها، بما يشمل إعادة مجمل الإجراءات، بدءاً من إعداد ونشر سجل الناخبين وتسجيل القوائم والاعتراض وصولاً إلى الاقتراع، مع إمكانية تعديل القانون بالتوافق، بما يتيح تشكيل محكمة خاصة بقضايا الانتخابات المحلية.

    وبالرغم من أن سيناريو إجراء الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع هو المفضل، إلا أنه لا يبدو الأكثر ترجيحاً حتى الآن. فالتحضير لإجراء الانتخابات بعد أربعة أشهر بات يتطلب الالتزام بحيثيات قرار محكمة العدل، وخصوصاً “توفير البيئة القانونية لإجراء الانتخابات”، كما ورد في نصّ قرار الحكومة بتأجيل الانتخابات. والمقصود بذلك إيجاد مخرج لا يضفي “شرعية” على المحاكم في قطاع غزة، مما يعني إصدار مرسوم بتشكيل محكمة خاصة بقضايا الانتخابات تتولى صلاحية البت في الطعون، بعد إدخال تعديلات على قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية الذي ينص على أن تُقدم الطعون أمام المحكمة المختصة، وهي محكمة البداية في كل محافظة.

    ربما كان يمكن لحركة حماس أن تدرس الموافقة على كل ذلك قبل صدور قرار المحكمة العليا، لكن سوف يكون من الصعب عليها، إن لم يكن من المستحيل، أن توافق على ذلك بعد قرار المحكمة، لأن الموافقة تعني إقراراً ضمنياً بالسياق الذي يندرج ضمنه هذا القرار، وهو “نزع الشرعية” عن القضاء والمحاكم في القطاع.

    ولو تمّ افتراض قبول حماس بتضحية كهذه، فلا توجد ضمانات بأن لا يتم استدعاء محكمة العدل العليا لاحقاً لتقديم دعوى جديدة تطعن بشرعية إشراف المؤسسات المدنية والأمنية في القطاع على عملية الانتخابات المحلية، مع إمكانية انسحاب ذلك على الانتخابات العامة في حالة التوافق على إجرائها.
    لذلك، فإن تحقق سيناريو إجراء الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع، يبقى مرهوناً بالاستجابة لدعوة القوى الوطنية والإسلامية، في ختام اجتماع لها في غزة عقب صدور قرار تأجيل الانتخابات، “لإطلاق حوار وطني فلسطيني جاد مسؤول يقود إلى إنجاز المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية، ومعالجة أزمة النظام السياسي الفلسطيني برمته”. أي بالتوافق الوطني على خريطة طريق لإنهاء الانقسام، تشمل تشكيل حكومة وطنية قادرة على الشروع بعملية إعادة توحيد المؤسسات المدنية والأمنية والقضائية، بما يساعد على إيجاد مخارج لمعالجة المشكلات التي أعاقت —وما تزال— إجراء الانتخابات.

    السيناريو الثاني: إلغاء الانتخابات:

    وهو احتمال وارد في حالة قيام الرئاسة والحكومة بإدخال تعديلات على قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية لا تحظى بتوافق وطني، وتثير موجة من الانتقادات في أوساط الفصائل والمنظمات الحقوقية والأهلية، وتؤدي إلى توسيع دائرة المقاطعة الوطنية والشعبية لإجراء الانتخابات، إضافة إلى رفض حماس تأجيل الانتخابات، وتمسكها بـ”استكمالها من حيث انتهت”، كما صرح أبو زهري، الذي عدَّ قرار التأجيل “نوعاً من التخبط والتهرب من الاستحقاقات الانتخابية، خدمة لمصالح فتح الفئوية”، مؤكداً رفض “أيّ مساس بشرعية المؤسسات القائمة في غزة” (وكالة سما الإخبارية، 4/10/2016).

    ويُعدُّ هذا السيناريو أسوأ الاحتمالات في ضوء تداعياته على فرص إنهاء الانقسام، وعلى المكانة القانونية للقضاء والمحاكم في قطاع غزة بحكم الأمر الواقع. إذ إن عدم إمكانية إجراء الانتخابات في قطاع غزة بسبب مقاطعة حماس، وإمكانية تطور مواقف تطالب بالمقاطعة من قبل فصائل أساسية ومنظمات أهلية، قد تفضي للجوء إلى خيار تأجيل الانتخابات إلى أجل مسمى دون إعلان موعد محدد، ما يعني عملياً إلغاء الانتخابات.

    هناك عوامل أخرى قد تدفع باتجاه سيناريو إلغاء الانتخابات، وخصوصاً خطر الانزلاق “المقصود” نحو حالة من الفوضى والفلتان الأمني في الضفة. وهو خطر قد يدفع باتجاهه الاحتلال، أو أصحاب المصلحة في عدم إجراء الانتخابات. فقد حذرت بعض التقارير الإعلامية من مخاطر تطور التدخل الإسرائيلي إلى حدّ إثارة حالة من الفوضى “المسيطر عليها” عشية إجراء الانتخابات المحلية، من خلال إشاعة الفوضى والتقاتل الداخلي، لا سيّما في البلدات والقرى الواقعة في المنطقتين ب وج (موقع فلسطين اليوم، 30/8/2016).

    كما أن حالة الفوضى قد تتطور نتيجة لاحتدام الصراعات على مواقع القوة والنفوذ في الضفة، وانتشار السلاح بأيدي العائلات في العديد من المناطق. ولعل ما يعزز المخاوف من هذا الخطر المواجهات بين فينة وأخرى بين قوى الأمن ومسلحين تعدُّهم مطلوبين لها في نابلس وغيرها، والخشية من تطور الصراع الداخلي في فتح على خلفية تفاقم الخلافات مع تيار دحلان، وصعوبة إعادة تشكيل قوائم موحدة لحركة فتح في المستقبل، لا سيّما أن الانتخابات المحلية سوف تجرى وفق قرار الحكومة بعد المؤتمر العام السابع لحركة فتح الذي تجري ترتيبات لعقده قبل نهاية السنة على أساس إقصاء دحلان والمؤيدين له، ما يهدد باحتدام الصراع على مواقع القوة والنفوذ، وخصوصاً في الضفة.

    السيناريو الثالث: إجراء الانتخابات في الضفة:

    ثمة أصوات تطالب بإجراء الانتخابات في الضفة الغربية فقط، لا سيّما أن ذلك كان الهدف من قرار إجراء الانتخابات المحلية في ضوء الرهان على رفض حماس لإجرائها في القطاع. ويرى أصحاب هذا الرأي أن قرار محكمة العدل العليا يتيح إجراء الانتخابات في الضفة، مع إمكانية تأجيلها في القدس إلى مرحلة لاحقة كإجراء يتيحه القانون، أو حتى تجزئة إجراء الانتخابات على مراحل كما حدث في المرة السابقة، بما يتيح إجراء الانتخابات في المواقع التي تضمن فتح الفوز فيها، وتأجيلها بانتظار توفر شروط الفوز في مواقع أخرى.

    يبدو هذا السيناريو مرجحاً لعدة أسباب، من أهمها:

    – رفض حماس لقرار محكمة العدل العليا من الأساس، وصعوبة قبولها المشاركة في عملية انتخابية تتأسس على المساس بشرعية المؤسسات المدنية والأمنية والقضائية القائمة في القطاع، مما يعني أن فرصة السماح بإجراء الانتخابات في القطاع تبدو شبه معدومة.

    – عدم وجود مؤشرات على إمكانية تحقيق اختراق ذي مغزى في ملف المصالحة خلال الأشهر الأربعة القادمة يتيح تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات، أو التوافق على التوجه مباشرة إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا سيّما أن أولويات حركة فتح تنصب على عقد المؤتمر العام وحسم الخلاف مع دحلان، في حين تنشغل حماس بانتخاباتها الداخلية وقضية خلافة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل.

    – عدم وجود ضمانات تحول دون إعادة استدعاء القضاء كلما دعت الحاجة لإقصاء الخصوم والمنافسين، مما يبقي سيف تسييس القضاء مشهراً في وجه أيّ عملية انتخابية، حتى ولو تراجعت حماس عن موقفها وقبلت بإجراء الانتخابات في القطاع.

    – الحاجة إلى تجديد الشرعيات المتآكلة للسلطة في الضفة، ولو على مستوى الهيئات المحلية، وحاجة حركة فتح لإظهار وجود التفاف حولها عبر عملية انتخابية لا منافسين جديين لها في الضفة، وهي حاجة يتوقع أن تزداد في حالة النجاح في عقد المؤتمر العام للحركة كأداة لحسم الخلافات الداخلية، وقطع الطريق على فرص تجدد تدخل “الرباعية” العربية.

    – إمكانية تفاقم الخلافات الداخلية في فتح، لا سيّما في قطاع غزة، حيث يتمتع تيار دحلان بثقل يهدد فرص نجاح قوائم الحركة الرسمية في حالة تشكيلها، على قاعدة إقصاء مرشحين مؤيدين لدحلان في ضوء نتائج المؤتمر العام القادم. وهو ما قد يشجع على إجراء الانتخابات في الضفة فقط.

    من شأن تطور فرص تحقق هذا السيناريو، في ضوء توقع تزايد وزن وتأثير العوامل السابقة، أن يطيح بالرهان على إمكانية أن تشكل الانتخابات خطوة باتجاه إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بل وأن يهدد بتحويل الانقسام إلى انفصال مؤسساتي.

    استنتاجات وتوصيات:

    تؤكد تداعيات قرار إجراء الانتخابات المحلية، ومن ثم توظيف القضاء كوسيلة لتأجيلها وإلغاء جميع الترتيبات السابقة، إلى أهمية إدراك وظيفة الانتخابات في البيئة والظرف الفلسطيني، من حيث استحالة إجراء انتخابات محلية أو عامة حرة ونزيهة تحت الاحتلال، إلا إذا ضمن أن نتائجها ستخدم أهدافه وسياساته. كما أن الانقسام الداخلي لا يمكن أن يوفر أجواء تتسم بالحرية والنزاهة لأي عملية انتخابية قبل إعادة توحيد المؤسسات المدنية والأمنية للسلطة في الضفة والقطاع على أساس برنامج سياسي واحد وقيادة موحدة. ويمكن في هذا الإطار تسجيل الاستنتاجات والتوصيات الآتية:

    – عندما يتعلق الأمر بالانتخابات المحلية، لا يمكن الفصل بين وظيفتها الوطنية والخدماتية، وخصوصاً عندما تتراوح خيارات الاحتلال ما بين التدخل لإلغاء الانتخابات أو التدخل لتطويع نتائجها لخدمة خطة ليبرمان. ويقتضي ذلك استعادة سياق الانتخابات المحلية سنة 1976، التي كانت محطة ضمن المعركة الوطنية لإحباط أهداف الاحتلال في فرض هيئات محلية شبيهة بروابط القرى العميلة، بالرغم من دفع الفائزين ضمن التيار الوطني ثمناً باهظاً وصل إلى درجة تعرض بعضهم لمحاولات اغتيال. وترافقت هذه المعركة مع نهوض وطني مماثل في الفترة ذاتها في أراضي 1948، كانت من أبرز محطاته معركة يوم الأرض في 30/3/1976. وإن تعذر إجراء الانتخابات على قاعدة استعادة سياق سنة 1976، يمكن استعادة سياق النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي في التعامل مع البلديات وفق مبدأ التعيين، مع الاستفادة من دروس تلك التجربة، وفي مقدمتها ضرورة تعيين المجالس البلدية والمحلية بالتوافق الوطني في غياب القدرة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

    – لا تشكل الانتخابات المحلية أو العامة مدخلاً لإنهاء الانقسام، بل قد تؤدي إلى تعميقه أو إدارته، ما لم يتم التوافق أولاً على رؤية وطنية شاملة لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وليس تحقيق المصالحة بمفهومها الضيق بين حركتي فتح وحماس، مع توافق على آليات ومراحل تحقيق ذلك. ويعدُّ التوافق على برنامج سياسي مشترك الحجر الأساسي في هذه العملية، من أجل استعادة إطار التحرر الوطني لكفاح الشعب الفلسطيني. ولكي لا تتحول الانتخابات المحلية من فرصة إلى تهديد، ينبغي أن تشكل محطة تخدم إعادة بناء المؤسسات الوطنية الموحدة على مستوى منظمة التحرير والسلطة.

    – إن السيناريو المفضل، وإن لم يكن مرجحاً، هو إجراء الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع، وهو أمر ممكن في حالة التوافق على تذليل العقبات التي برزت خلال الفترة الماضية. وينبغي تركيز الجهود على تحويل هذا السيناريو إلى خيار يقدم من خلاله الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ومنظماته الأهلية نموذجاً على أن التوافق ممكن، بل وضروري، إذا توفرت الإرادة السياسية، بما يفتح الطريق أمام تعميم هذا النموذج ليشمل التوافق على معالجة مختلف ملفات الانقسام، وبضمنها توحيد جهازي القضاء والنيابة العامة.

    – يُعدُّ تسييس القضاء من أخطر تداعيات حالة الانقسام، ومن شأن توظيف أحكامه لأغراض سياسية فئوية، أن يفتح الباب أمام مخاطر تهدد النسيج المجتمعي، لا سيّما في ضوء نزع الشرعية عن القضاء وأحكامه بما يمس بالمراكز القانونية المترتبة على هذه الأحكام في قطاع غزة. إن معالجة الخلاف السياسي ينبغي أن تتم عبر معادلة الصراع والحوار على قاعدة الوحدة، بعيداً عن تطويع القانون لخدمة الصراع السياسي. كما أن اللجوء إلى الأجهزة الأمنية للضغط على المرشحين والناشطين في العملية الانتخابية في الضفة والقطاع لا يعني سوى توسيع حالة عدم الثقة بأهليتها في توفير الحماية لمجمل مراحل العملية الانتخابية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ خليل شاهين مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) في رام الله بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (92): الانتخابات المحلية الفلسطينية .. السياق وسيناريوهات ما بعد التأجيل Word (15 صفحات، 89 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (92): الانتخابات المحلية الفلسطينية .. السياق وسيناريوهات ما بعد التأجيل  (15 صفحات، 987 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 6/10/2016

  • الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    Cover_PSR-14-15_Summaryيسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن يصدر الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2014-2015، كما يتضمن المسارات المتوقعة لسنتي 2016-2017. والتقرير قام بتحريره د. محسن محمد صالح، الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز.

    يعالج التقرير، الذي سيصدر قريباً للسنة العاشرة على التوالي، القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول التقرير استشراف المسارات المحتملة للقضية الفلسطينية.  ويتألف التقرير من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية؛ حيث عالج استمرار حالة التأزم والانقسام الفلسطيني، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. وكان من أبرز ما يتضمنه التقرير تغطيته لمسار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال صيف 2014.

    وقد شارك في إعداد التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: أ. د. إبراهيم حسن أبو جابر، ود. جوني منصور، وأ. حسن ابحيص، وأ. زياد ابحيص، ود. سعيد الحاج، وأ. د. طلال عتريسي، وأ. عبد الله عبد العزيز نجّار، وأ. مؤمن محمد بسيسو، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. هاني المصري، وأ. وائل سعد، وأ. د. وليد عبد الحي.

    ومن الجدير بالذكر أن التقرير الاستراتيجي الذي يصدر كل سنتين يحرص على تقديم مادة علمية في إطار موضوعي تحليلي بمعايير ومناهج البحث العلمي، كما يتضمن عشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية، والتي توفر معطيات إحصائية تهم الباحثين والمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. وفي هذا الإطار يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يوفر نسخة للتحميل المجاني من الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2014-2015.

    للاطلاع على الملخص التنفيذي، اضغط على الرابط التالي:

     

    >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015  (41 صفحة، 15.2 MB)

    >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015  (41 صفحة، 2 MB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 5/4/2016

  • مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    English_Versionيسر مركز الزيتونة أن يقدم للقارئ الكريم التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015 الذي يصدر للمرة التاسعة على التوالي. ويعالج التقرير القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول استشراف المسارات المحتملة.

    ويُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية التي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطورات القضية الفلسطينية على مدار عامين كاملين، مع التزامه بدقة بالمعايير العلمية والمهنية، بالإضافة إلى غناه بالمعلومات والإحصاءات المحدّثة الدقيقة، وتدعيمه بعشرات الجداول والرسوم البيانية، فضلاً عن الرؤى الاستراتيجية والاستشراف المستقبلي للأحداث.

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 392 صفحة
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016
    – السعر: 20 $
    – ردمك: 9-49-572-9953-978
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

      PSR-14-15_Ar-Cover-3d

     

    وجاء تقرير هاتين السنتين في 392 صفحة من القطع المتوسط. وقد شارك في كتابته 12 باحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وأشرف على مراجعته أربعة مستشارين، وقام بتحريره د. محسن محمد صالح. ويتألف من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/6/2016


     >> للاطلاع على ”الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015“، اضغط هنا

     

  • مقال: الإخوان المسلمون الفلسطينيون ونشأة فتح (1)

    بقلم: أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    تشير الدلائل إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت الحاضنة الأولى لنشأة حركة فتح، وخصوصاً بين أفرادها من أبناء قطاع غزة. ويظهر أن عامة الإخوان كانوا يعدُّونها في البداية جزءاً منهم، أو على الأقل رصيداً لهم، غير أن الطرفين اتخذا خط الانفصال والتمايز عن بعضهما منذ صيف 1962.

    اطلعنا في مقال سابق على التنظيم العسكري السري، الذي أنشأه الإخوان في القطاع. والدارس لنشأة حركة فتح في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين يلاحظ، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن كثيراً من قادة هذا التنظيم وأعضائه، أصبحوا من الجيل المؤسس لحركة فتح. ويظهر أن عدداً كبيراً من هؤلاء قد أصابهم الإحباط نتيجة قيام عبد الناصر بضرب جماعة الإخوان سنة 1954، وتحَوُّلها إلى حركة مطاردة محظورة، وبعد أن تم تشويه صورتها وشيطنتها في الإعلام المصري. وبالتالي فالصورة المتميزة للإخوان كجماعة أدت أدواراً بطولية في حرب 1948، وكقوة شعبية كبيرة لها احترامها ونفوذها الواسع في قطاع غزة، وكحاضنة للعمل المقاوم، تضررت بدرجات مختلفة في أوساط الناس. بينما لم يعد كوادر الحركة أو “التنظيم الخاص” يجدون بيئة مناسبة للتجنيد ولا للعمل المقاوم، بعد أن أصبح اسم الإخوان مدعاة للخوف، إن لم يكن مدعاة للنفور. وبالتالي، لم يكن أمام هؤلاء الشباب الذين تملؤهم الحماسة للعمل لفلسطين ولمشروع المقاومة؛ إلا أن يحاولوا إيجاد مسارات أخرى مناسبة، حتى وإن ظلّ كثير منهم على حبه واحترامه للإخوان.

    ويظهر أن النقاشات التي تلت تعطُّل العمل المقاوم للإخوان الفلسطينيين، أوصلتهم إلى قناعة بضرورة إنشاء ما عرف لاحقاً بفتح. غير أن بؤرة هذا النقاش تركزت على ما يبدو وسط طلاب الإخوان في الجامعات المصرية سنة 1956 وبدرجة أقل في قطاع غزة، حيث نجد هناك أسماء أعضاء من الإخوان أصبحوا قيادات بارزة في فتح، أمثال خليل الوزير وسليم الزعنون ورياض الزعنون وغالب الوزير وسعيد المزين وعبد الفتاح حمود ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وفتحي بلعاوي وأسعد الصفطاوي وصلاح خلف.

    * * *
    المؤسسان أبو جهاد وأبو عمار:

    حسب خالد الحسن، أحد أبرز قادة فتح، فإن أبا جهاد خليل الوزير هو الذي بدأ حركة فتح، وهو رأي يؤكده عدد من رموز وقيادات الإخوان الفلسطينيين، ممن كانوا على احتكاك ومعرفة بأبي جهاد في تلك الفترة، أمثال محمد الخضري، وخيري الأغا، وسليمان حمد. وكان أبو جهاد من قادة التنظيم الإخواني السري العسكري الذي نظم عدداً من العمليات الفدائية في النصف الأول من الخمسينيات. وبحسب خليل الوزير، ففي هذه الأجواء بدأ التفكير بحركة “فتح” في منتصف الخمسينيات، وممن شاركه هذا التفكير كمال عدوان، الذي كان معه في الإخوان وفي العمل العسكري الخاص. وفي العام الذي قضاه خليل الوزير في مصر (الفترة 1955/1956) بقي على صلته بجماعة الإخوان الفلسطينيين في مصر، واحتفظ بموقع قيادي حسبما يشير الإخوان الذين عايشوه؛ لكنه على ما يبدو كان يُنضج مع زملائه فكرة فتح، كما توطدت علاقته بياسر عرفات (بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في أواخر شباط/ فبراير 1955)، الذي أخذ يشاركه الأفكار والتوجهات نفسها، في ضرورة إطلاق عمل فلسطيني مقاوم يأخذ صبغة وطنية.

    أما ياسر عرفات، فثمة شبه إجماع بين الإخوان الذين التقينا بهم على أنه لم يكن عضواً في جماعة الإخوان، ولكنه كان قريباً منها. وتلقى تدريباً عسكرياً في معسكرات الإخوان ضمن طلبة الجامعات في فترة المقاومة المصرية للإنجليز في قناة السويس 1951-1954، وفاز على قائمة الإخوان برئاسة رابطة الطلبة الفلسطينيين في مصر أكثر من مرة. أما الشخصان اللذان خالفا هذا الإجماع فهما منير عجور، وخيري الأغا. إذ يذكر خيري الأغا أن عرفات انضم لفترة محدودة للإخوان، وأن كمال السنانيري (من قيادات الإخوان المصريين) عينه مسؤولاً عن متابعة الإخوان الفلسطينيين، وأن نائبه كان قنديل شاكر (من قيادات الإخوان في الأردن لاحقاً)، وكان ذلك سنة 1952. غير أن الأغا نفسه، يشير إلى أن عرفات لم يستمر في الإخوان. وإذا ما صحت هذه الرواية، فلعل نفي الآخرين لانتظامه السابق بالإخوان يعود سببه إلى أنه انتظم لفترة قصيرة، وأنه لم يستمر بعد الضربة التي تلقاها الإخوان سنة 1954؛ وبالتالي فكل من التقاه بعد ذلك لم يجد له ارتباطاً بالإخوان. كما أنه لم يكن من مصلحته في تلك الفترة كشف أي علاقة سابقة له بالإخوان.

    إرهاصات فتح:

    أعاد الإخوان في قطاع غزة تنظيم أنفسهم أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع (31 تشرين الأول/ أكتوبر 1956-6 آذار/ مارس 1957) باتجاه العمل المقاوم. وبالنسبة لأبي جهاد، فقد عَدّ العدوان الثلاثي مرحلة جديدة في النضال، فبدأ التفكير بالحاجة إلى التنظيم والقيادة، والتوسع في النشاطات “والتوجه نحو تنظيم أوسع”. وهي عقلية تميل إلى تجاوز القيود الحزبية إلى أطر وطنية أوسع؛ بما يشير إلى بدايات تَشكُّل القاعدة النظرية لفكرة فتح. ومما يدل على ذلك أنه في أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع قدَّم ثلاثة من الإخوان، هم كمال عدوان وغالب الوزير وسعيد المزين (وثلاثتهم صاروا لاحقاً من قيادات حركة فتح) مقترحاً إلى قيادة الإخوان من عشرين صفحة، للتعاون مع القوميين واليساريين في العمل الشعبي وفي المجالات السياسية والإعلامية والعسكرية. غير أن قيادة الإخوان قررت عدم التعاون مع الشيوعيين (لرغبة الشيوعيين بالاقتصار على المقاومة المدنية فقط)، والعمل بشكل منفصل، والتجهيز للعمل العسكري ضد الاحتلال.

    وبعد ذلك ببضعة أشهر، وتحديداً في صيف 1957، قدَّم أبو جهاد تصوراً إلى قيادة الإخوان المسلمين في قطاع غزة؛ يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، وإنما يحمل شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح، ويقوم بالإعداد لذلك. ونوَّه أبو جهاد في مذكرته إلى أن هذا التنظيم سيفتح الأبواب المغلقة بين الإخوان والجماهير، وسوف يفكُّ حصار نظام عبد الناصر للإخوان، وسوف يُبقي قضية فلسطين حية، ويجبر الدول العربية على خوض الحرب.

    ويبدو أن قيادة الإخوان في غزة لم تأخذ المذكرة مأخذ الجد، فأهملتها ولم تردَّ عليها. وعلى ما يظهر فإن التوجه العام للقيادة كان يميل نحو التريث، والسلوك الأمني الحذر، والتركيز على التربية، والمحافظة على الذات، في أجواء ملاحقة النظام المصري (بعد عودته لإدارة القطاع). وربما انعكست طبيعة القيادة والتي تميل لعدم الدخول في مغامرات تراها غير محسوبة، في بيئة غير مواتية، على النظرة السلبية للمشروع. وعزز ذلك، أن أبا جهاد ورفاقه المتحمسين للفكرة كانوا يتصرفون بشيء من عدم الانضباط في نظرها، حسب معايير الترتيبات السرية الجديدة التي اتخذتها قيادة إخوان غزة.

    ولعل سبب هذه النظرة الحذرة من القيادة أن المجموعة الإخوانية التي مالت لإنشاء فتح، كان لديها استعدادات كبيرة للانفتاح الشعبي والسياسي والحركي، والتعبير عن نفسها من خلال لافتة وطنية، وبالتالي كانت أكثر جرأة وأكثر قدرة على التواصل مع البيئة الخارجية، بأسلوب “عملي” فعال؛ مقابل القيادة التي ركّزت على لملمة الصف، والحفاظ على الذات، والتركيز على التربية والإعداد المُتأنِّي، بانتظار فرصة أفضل لإطلاق “المشروع الإسلامي لفلسطين”.

    التأسيس في الكويت:

    عندما قدم ياسر عرفات إلى الكويت سنة 1957، عمل مهندساً في دائرة الأشغال العامة، ثم لحقه خليل الوزير الذي عمل مدرساَ في إحدى مدارس وزارة التربية، حيث أخذا ينشران فكرة فتح في الوسط الإخواني (وهو وسطهما الطبيعي). وكانا على معرفة بمعظم الخريجين من شباب الإخوان الذين وفدوا إلى الكويت.

    وكان لوجود اثنين من قيادة التنظيم الإخواني الخاص (هما يوسف عميرة ومحمد أبو سيدو) ممن سبقا خليل الوزير في القدوم للكويت، أثر كبير في تهيئة الظروف المناسبة لنشأة فتح في الوسط الإخواني الفلسطيني في الكويت. فقد كان يوسف عميرة يدير أسرة مجموعة قدماء الإخوان في الكويت، وكان ممثّل الفلسطينيين لدى الجهات الإخوانية في الكويت، وهو الذي عَرَّف سليمان حمد بياسر عرفات وبخليل الوزير سنة 1957. أما محمد أبو سيدو فكان على علاقة قوية بخليل الوزير، من خلال الدور القيادي الذي لعبه في التنظيم الخاص. وهؤلاء الثلاثة انضموا لفتح منذ تأسيسها. وقد أسهم ذلك في إيجاد بيئة إخوانية مناسبة للتجاوب مع حركة فتح، ولذلك نلاحظ أن معظم الإخوان الفلسطينيين البارزين الذين جاؤوا للكويت في تلك الفترة انضموا لحركة فتح، أمثال موسى نصار، وأبو أيمن حسن المدهون، وأبو عودة حسين الثوابتة، ومنير عجور.

    ومن الشخصيات التي أشار يزيد صايغ، في دراسته، إلى انتمائها السابق للإخوان؛ عادل عبد الكريم، وهو ممن قدم مبكرا ً للعمل في الكويت. وبالتالي فإن ثلاثة من الخمسة الذين حضروا اللقاء التأسيسي لفتح، حسبما ذكر خليل الوزير (الوزير وعميرة وعادل عبد الكريم)، كانوا ذوي خلفية إخوانية إضافة إلى عرفات وتوفيق شديد. وبعد اعتذار شديد منذ اللقاء التالي، تابع قيادة فتح هؤلاء الثلاثة الذين اختاروا عرفات المقرّب من الإخوان رئيساً لهم.

    في قطاع غزة:

    يبدو أن قيادة الإخوان في قطاع غزة، التي تمكنت من إعادة ترتيب التنظيم بعد ضربة عبد الناصر للإخوان كانت أكثر صرامة في ضبط عناصرها ومعايير التزامهم. فقد تعاملت مع العديد من العناصر التي أسست فتح في القطاع كعناصر غير منضبطة، ولم تُدخلها في بُنية التنظيم، باعتبار أن انضمامها كعناصر مكشوفة يمثل خطراً على “سرية” التنظيم؛ ولكنها أبقت على التعامل معها كإخوان في الإطار “الأخوي” الاجتماعي العام. ويبدو أن هذا السلوك القيادي، أدى ضمناً وعملياً، إلى اندفاع هذه العناصر بشكل أكبر تجاه المضي بإنشاء فتح.

    ويعترف أبو عزة الذي كان في قيادة إخوان غزة، أن طرح عناصر فتح كان “منطقياً، وتتولاه عناصر قيادية إخوانية موثوقة”. وأنه خلال ثلاث سنوات (1957-1960)، وقبل أن تتوصل قيادة إخوان غزة إلى إجابات وتصورات واضحة، في مقابل طرح فتح، كان الإخوان قد فقدوا أفراداً من أفضل عناصرهم؛ وإن “موثوقية وقيادية دعاة فتح في الإخوان، سهَّلت عليهم اقتناص أفراد كثيرين وممتازين من الإخوان”.

    ومن أبرز الشباب ذوي الخلفية الإخوانية الذين أسسوا فتح في قطاع غزة؛ سليم الزعنون الذي عَمِل وكيل نيابة بعد تخرجه وعودته للقطاع، وصلاح خلف وأسعد الصفطاوي اللذان عملا بعد تخرجهما في مدرسة خالد بن الوليد قرب مخيم النصيرات، وكذلك سعيد المزيَّن (أبو هشام)، وغالب الوزير، وفتحي بلعاوي. كما كان معهم في التأسيس الشيخ هاشم الخزندار، الذي كان نائباً لرئيس المكتب الإداري لإخوان غزة، ورئيساً لشعبة الرمال، قبل قيام عبد الناصر بحل جماعة الإخوان. كما انضم رياض الزعنون لقيادة فتح في غزة، بعد تخرجه من كلية الطب في القاهرة.

    يتبع/ المقال القادم حول بدايات فتح في مصر والضفة الغربية والأردن وقطر ولبنان وسوريا.

  • مقال: المعوقات العشر للمصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    English_Version

    مرت في شهر مايو/أيار الأخير ذكرى مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وبمشاركة باقي الفصائل الفلسطينية، بعد ثلاث سنوات من النقاشات الممهدة له.

    ولكن السؤال الملح لماذا يستغرق مشروع المصالحة هذا الوقت الطويل دون أن يجد طريقه للتنفيذ رغم الحاجة الملحة إليه وتعثر المشروع الوطني الفلسطيني بسببه؟

    مرجعيات وأولويات متباينة
    من الناحية العملية، نحن أمام شريكين متشاكسين اضطرا للدخول في المصالحة في ظل اختلافات حادة بينهما.. هناك عدد من الأسباب والمعوقات التي تتسبّب في تعطيل المصالحة، وهي تتباين في درجات تأثيرها وأهميتها، غير أنها تتلخص فيما يلي:

    1- المرجعية الفكرية والأيديولوجية: لا توجد مرجعية فكرية وأيديولوجية واحدة مشتركة تحدد ما هو ثابت وما هو خطوط حمراء لا تقبل التنازل والمساومة، وما هو خاضع للتقدير السياسي والظروف الذاتية والموضوعية وموازين القوى. فمثلا، ترفض التيارات الإسلامية -أساسا لأسباب دينية- الاعتراف بـ”إسرائيل“ أو التنازل عن أي جزء من فلسطين، بينما تربط تيارات أخرى الأمر بالاعتبارات الواقعية وبالمصلحة والتكتيك والعمل المرحلي.

    وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى أمرا يمكن التعايش معه، غير أن التجربة العملية في الحالة الفلسطينية أثبت وجود عقبات حقيقية لا يستهان بها. فحماس -وعلى أسس إسلامية مبدئية- ترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“ وحقها في 77% من أرض فلسطين، بينما تتقبلها قيادة منظمة التحرير والسلطة وفتح، باعتبار ذلك استحقاقا سياسيا نتيجة اتفاق أوسلو الذي تشكلت على أساسه السلطة الفلسطينية، وانبنى عليه حلم تحويل السلطة إلى دولة فلسطينية.

    أما حماس فتريد أن تمارس حقها في خدمة شعبها وإدارة السلطة، دون أن تعترف بإسرائيل، ودون أن تتخلى عن المقاومة، ودون أن تعترف بالاتفاقيات التي وقعتها المنظمة؛ أي أن حماس تريد أن تفرض شروطا جديدة لإدارة اللعبة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركيون.

    ومن الناحية التطبيقية يطالب محمود عباس ومعه قيادة المنظمة وفتح بتشكيل حكومة ترفع الحصار؛ غير أن إسرائيل وأميركا ترفضان رفع الحصار دون الاستجابة لشروط الرباعية الدولية التي وُضعت بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006، والتي كان على رأسها شرط الاعتراف بإسرائيل، وهو ما لا يمكن لحماس القبول به.

    2- تحديد الأولويات والمسارات: وقد انعكست النقطة السابقة على البرنامج الوطني لكلا الطرفين، وكيفية تحديد الأولويات، وما يمكن تقديمه من تنازلات، ورؤية الطرفين الإستراتيجية والتكتيكية لمشروعي المقاومة والتسوية، وأيهما يأخذ الأولوية.

    وبرزت تساؤلات من قبيل ما إذا ما كانت الأولوية يجب أن تُعطى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات، أم لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، أم لإصلاح الأجهزة الأمنية، أم للبرامج الاقتصادية، أم لرفع الحصار وإعادة الإعمار، أم لتحقيق الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، أم لقضية اللاجئين، أم لمواجهة برامج التهويد، خصوصا في القدس. وكيف يمكن تحديد الوزن النوعي لكل قضية، وعلى أي أساس يتم تقديم أو تأخير أي من هذه القضايا، وما هي القضايا التي يمكن الانشغال بها في وقت واحد؟

    3. عدم وجود مرجعية مؤسسية يحتكم إليها الطرفان، وتُحدّد أولويات المشروع الوطني، وآليات اتخاذ القرار، وتمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وآليات التداول السلمي للسلطة.

    ومع أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة التي عليها القيام بهذا الدور، إلا أن حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي وشرائح فلسطينية واسعة ليست أعضاء في المنظمة، بينما تحتكر حركة فتح قيادة المنظمة منذ أكثر من47 عاما (فبراير/شباط 1969)؛ وبالتالي، لم تعد المنظمة تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني، وليس هناك الآن بيت سياسي فلسطيني واحد يجمع كل الفلسطينيين، يتدارسون فيه أوضاعهم، ويضعون فيه برنامجهم الوطني والسياسي، ويحددون من خلاله أولوياتهم وبرامجهم.

    تعطلت دوائر منظمة التحرير ومؤسساتها وفقدت فعاليتها، وتضاءلت أو اندثرت مع ”تغوّل“ السلطة الفلسطينية عليها. ولم يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة حقيقية منذ سنة 1991، إلا اجتماعا واحدا سنة 1996 -على ما فيه من ثغرات- تم فيه تعطيل أو إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني بما يتوافق مع استحقاقات اتفاقية أوسلو؛ أي أن هذا المجلس لم يقم طوال 25 عاما بمهامه الحقيقية، وكان فقط رهن ”الاستدعاء“ لتمرير رغبات قيادة المنظمة؛ بما في ذلك تغيير الهوية الأصلية لمنظمة التحرير والمهام الأساسية التي نشأت من أجلها.

    ورغم أن اتفاق المصالحة ينص على إصلاح منظمة التحرير ومشاركة كافة الفصائل الفلسطينية فيها، فإن السلوك السياسي والعملي لقيادة المنظمة كان عادة ما يُعطل الاستحقاقات المرتبطة بإصلاح المنظمة وإعادة بناء مؤسساتها. كما أن السلوك السياسي لحماس والجهاد الإسلامي وعدد من الفصائل، لا يسعى فقط للشراكة في قيادة المنظمة، وإنما في إعادة بناء أولويات المشروع الوطني الفلسطيني على أسس ترفض التنازل عن الأرض وتحمي خيار المقاومة، وهو ما يعني إعادة النظر في الاتفاقات التي وقعتها المنظمة وربما إلغاء أو تعديل عدد منها، وهو ما قد يكون محط اعتراض شديد من قيادة فتح التي قد تسعى لقطع الطريق على تغييرات كهذه.

    الأدوار الخارجية
    4- التأثير العربي: لا يخفى دور مصر وسوريا والأردن والسعودية على صانع القرار الفلسطيني، وتلعب مصر عادة دورا أساسيا في إعطاء الغطاء للقيادة الفلسطينية، وفي ترتيبات البيت الفلسطيني، وكانت سابقا وراء إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وتعيين الشقيري رئيسا لها، كما أعطت الغطاء لإزاحته وحلول فتح في قيادة المنظمة، واستمرار هيمنتها عليها، فضلا عن الغطاء الذي وفرته لمسار التسوية السلمية لقيادة المنظمة.
    كما كانت مسؤولة (قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011) إلى حد كبير عن شكل التعامل مع حماس، ومحاولة عزلها وإضعافها وإفشالها. وفي المقابل فإن سوريا (قبل الأحداث التي تشهدها حاليا)، شكلت حاضنة لحماس وقوى المقاومة، وكان لذلك تأثيره في مواجهة ما يسمى بمحور الاعتدال.

    وتتحمل الدول العربية، وخصوصا دول الطوق، مسؤولية تاريخية في تعميق أزمة المشروع الوطني الفلسطيني بسبب تضييقها أو منعها للعمل المقاوم، وللنشاط السياسي والشعبي الفلسطيني، وعدم قدرة الشعب الفلسطيني على تنظيم نفسه بحرية في تلك الدول، وتعطيل عقد الانتخابات أو المجالس الوطنية الفلسطينية، وعدم السماح بذلك أو بعضه إلا بأثمان سياسية باهظة.

    5- التأثير الإسرائيلي: من الناحية الإسرائيلية، فإن دخول منظمة التحرير (ومن ثمّ السلطة الفلسطينية) في ”عصر أوسلو“ وما نتج عنه من ترتيبات على الأرض منذ 1993، جعل الجانب الإسرائيلي هو ”الحاضر الغائب“ في كثير من الأحيان في صناعة القرار لدى قيادة المنظمة وقيادة السلطة؛ إذ إن اتفاقية أوسلو أدت إلى انتقال قيادات ”المقاومة“ للإقامة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقطاع، وألزمت المنظمة بعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، وبإقامة سلطة وطنية يتحكم الإسرائيليون بمدخلاتها ومخرجاتها، وبوارداتها وصادراتها، وتحويل أموالها وانتقال أفرادها وقياداتها.

    وتستطيع إسرائيل تدمير البنى التحتية، واحتلال مناطق الحكم الذاتي، واعتقال من تشاء، وخنق الاقتصاد، والاستمرار في التهويد، وفرض العقوبات التي تريد، كوسائل ضغط وابتزاز وتركيع سياسي واقتصادي وأمني. كما تستطيع تعطيل الانتخابات التشريعية، واعتقال مؤيدي تيار المقاومة مثل وزراء حماس ونوابها في المجلس التشريعي، مما يؤدي إلى تعطيل آليات عمل السلطة الفلسطينية.

    وقد منح ذلك الإسرائيليين فرصا واسعة لاستخدام أدوات ضغط هائلة على القيادة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني، بحيث أصبح السلوك الإسرائيلي المحتمل، محددا أساسيا في نقاشات ومفاوضات المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

    6- التأثير الدولي: وبالتأكيد، فإن الموقف الغربي وخصوصا الأميركي له تأثيره الذي لا يستهان به على المسار الفلسطيني، إذ إن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل وتوفير الغطاء الدائم لاحتلالها وانتهاكاتها وممارساتها ضدّ الشعب الفلسطيني، وكذلك التدخل لفرض شروط الرباعية على حماس وقوى المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل ووقف المقاومة المسلحة، والاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها المنظمة، بما فيها اتفاقيات أوسلو، شكل تدخلا سافرا في محاولة تحديد مسارات وخيارات الشعب الفلسطيني ومواقفه. كما سعت أميركا وحلفاؤها لإسقاط حماس وعزلها، واعتبارها حركة ”إرهابية“، ونزع الشرعية عنها، بالإضافة إلى معاقبة الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي الحر لحماس.

    من جهة أخرى، أسهم السلوك الأميركي المتحيّز في إفشال مسار التسوية السلمية، وفي انسداد أية آفاق لتحصيل الحقوق الفلسطينية أو بعضها من خلال مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، وأسهم في إدخال المشروع السلمي الذي تحمله القيادة الفلسطينية الحالية في أزمة حقيقية.

    وكان جزء أساسي من نقاشات المصالحة الفلسطينية منصبا على طريقة تكييف تشكيل الحكومة الفلسطينية مع شروط الرباعية ومع ”الفيتوات“ الأميركية والإسرائيلية المحتملة، وهو ما ينطبق أيضا على إجراء الانتخابات وعلى إصلاح الأجهزة الأمنية وغيرها.

    أبعاد نفسية وثقافية
    7- أزمة الثقة بين فتح وحماس، أو بين تيار المقاومة وتيار التسوية، التي تعمقت بين الطرفين في السنوات الماضية، زادت من تعقيد الأمور. فقد تكرست من خلال العلاقات الفصائلية وخصوصا بين فتح وحماس، وطوال ربع قرن، أزمة كبيرة في الثقة. فمن لغة الاتهام القاسية بين الطرفين بالفشل والعمالة، إلى حملات المطاردة الأمنية والاعتقالات والإقصاء التي قامت بها السلطة بقيادة فتح خلال الفترة 1994-2000، في مقابل عمليات المقاومة التي كانت تقوم بها حماس وفصائل المقاومة، والتي كانت ترى فيها فتح تعطيلا وإفشالا لمسار التسوية المؤدي لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية؛ إلى محاولات الإفشال والإسقاط والتعطيل ونزع الصلاحيات التي قامت بها قيادة السلطة (فتح) في مواجهة المجلس التشريعي الذي فازت حماس بأغلبيته الساحقة، وفي مواجهة الحكومة التي شكلتها حماس، إلى حالة الانقسام التي نتجت عن سيطرة حماس على قطاع غزة وسيطرة فتح على الضفة الغربية، إلى الإجراءات الأمنية المتبادلة التي قام بها الطرفان لضمان سيطرتهما، مع بلوغ التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وبين الطرف الإسرائيلي والأميركي حدودا قصوى في السعي لاجتثاث العمل المقاوم، وتفكيك البنية التنظيمية لتيار ”الإسلام السياسي“ في الضفة.

    كما كان للفلتان الأمني وسيل الدماء بين الطرفين أثره في تعزيز انعدام الثقة بين الطرفين.
    8- البعد الثقافي الحضاري: وهو مرتبط بحالة التخلف وبأمراض المجتمع الفلسطيني، خصوصا تلك المتعلقة بفن إدارة الاختلاف وبالتداول السلمي للسلطة، وبفن التعايش والالتقاء على القواسم المشتركة، والبعد عن الأنانية الفردية والحزبية، ونزعات السيطرة والاستئثار، وتغليب الشك وسوء الظن والمكايدة السياسية على برامج بناء الثقة والعمل المشترك.

    9- أزمة القيادة الفلسطينية: باعتبارها قيادة لم ترتقِ إلى مستوى تطلعات شعبها، والتي وقعت بدرجات متفاوتة في مسالك الإدارة الديكتاتورية الفردية، والحسابات الشخصية، وإضعاف العمل المؤسسي التنفيذي، وعدم احترام السلطات التشريعية، والسلوك الزبائني الأبوي، والمكايدات الحزبية الرخيصة، والانتهازية السياسية، والفساد المالي، وعدم القدرة على توظيف الطاقات الهائلة والأدمغة المذخورة في الشعب الفلسطيني، والفشل في إدارة الاختلاف السياسي.. وغيرها.

    10- التشتّت والتشرذم الجغرافي للشعب الفلسطيني: وهو تشتت أسهم في تعقيد القدرة على الاجتماع والتفاهم وصناعة القرار، إذ لا يجتمع الفلسطينيون في مكان واحد، ولا يحكمهم نظام سياسي واحد. وتختلف ظروفهم من وجود نحو مليونين و900 ألف في الضفة الغربية تحت الاحتلال وتحت قيادة فتح، ووجود نحو مليون و850 ألف في قطاع غزة تحت الحصار الإسرائيلي وتحت قيادة حماس، ووجود نحو ستة ملايين و 150 ألفا موزعين على دول العالم. ورغم تطلع الشعب الفلسطيني كله إلى تحرير فلسطين وتحقيق حلمه في العودة والاستقلال، فإن بيئات الحياة وظروف الحكم المختلفة أثرت في ثقافة الفلسطينيين وطريقة تناولهم وفهمهم للأمور.

    وهكذا، فربما تعين معرفة هذه المعوقات على إدراك أسباب حالة التأخير والتعطل في إنفاذ المصالحة، غير أنه عندما تتوفر الإرادة الحقيقية والجدية اللازمة سيتم إحداث اختراق حقيقي، شرط ألا يقتصر الأمر على ”الآليات“ ، وإنما يتم معالجة ”الأولويات“ والمسارات.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة 10/6/2016

  • مقال: تأجيل الانتخابات المحلية الفلسطينية.. أين المشكلة؟ … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لا يبدو أن البيئة السياسية الداخلية الفلسطينية مهيأة حتى الآن لفكرة التداول السلمي على السلطة، وللقبول بنتائج صناديق الاقتراع مهما كان الفائز، ولإيجاد ظروف وشروط عادلة وشفافة لتنفيذ عملية انتخابية تعكس الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني.

    أحد المسؤولين في السلطة الفلسطينية في رام الله نُقل على لسانه في أغسطس/آب الماضي أن حركة فتح لن تذهب للانتخابات في حال أن المؤشرات تؤكد أنها ستخسر، وقال “نحن لا نريد أن ننتحر”!! فإذا كانت مجرد الخسارة انتحارا، وأن فتح لن تذهب للانتخابات إلا إذا ضمنت الفوز، فمعنى هذا أن فتح التي تتحكم بقيادة المنظمة والسلطة تنوي الإبقاء على هيمنتها على القيادة والقرار الفلسطيني إلى ما لا نهاية!

    وإذا كان الرئيس محمود عباس -وعدد من القيادات الفتحاوية- يفاخر بإجراء الانتخابات التشريعية التي أدت إلى فوز حماس سنة 2006، وباحترام هذه النتائج؛ فإن هناك ما يتعمد إغفاله، وبالذات أنه وقيادة فتح لم يتوقعوا إطلاقا فوز حماس، وأن استطلاعات الرأي وتوقعات أجهزة مخابرات السلطة والمخابرات الإسرائيلية والعربية والأميركية والدولية كلها كانت مطمئنة إلى فوز فتح.

    أما حكاية احترام نتائج الانتخابات فلا يكفي فيها مجرد تشكيل إسماعيل هنية للحكومة، وإنما يجب تَذَكُّر مجموعة الإجراءات التي قام أبو مازن نفسه باتخاذها لإسقاط الحكومة وإفشالها، وتذكُّر الفلتان الأمني الذي تولته الأجهزة الأمنية بتوجيهات من قيادات فتحاوية رافضة للالتزام بتوجيهات الحكومة، وقيام أبي مازن بتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني طوال تسع سنوات ماضية ومنعه من ممارسة دوره الرقابي لمجرد أن حماس تملك أغلبية أعضائه. هذا، مع تشكيل كافة الحكومات طوال هذه السنوات وقيامها بعملها دون الرجوع إطلاقا للمجلس، بالإضافة إلى إصدار عباس للعشرات من المراسيم والقوانين دونما إقرار أو مراجعة من المجلس.

    كان يفترض باتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تمّ توقيعه في أوائل مايو/أيار2011 أن يعالج إعادة بناء البيت الداخلي الفلسطيني، وأن يقوم بإجراءات بناء الثقة باتجاه انتخابات نزيهة شفافة.. لكن خمس سنوات مضت لم تكن كافية لمن بيده السلطة للقيام بذلك. ثم جاء قرار محكمة العدل العليا، الذي لا يمكن استبعاد خلفياته السياسية، بتوقيف الانتخابات المحلية ليزيد حالة الإحباط الفلسطيني.

    ***

    عقدت آخر انتخابات بلدية بمشاركة الفصائل الفلسطينية سنة 2005، وظهر فيها التنافس التقليدي القوي بين فتح وحماس؛ وسارت على أربع مراحل طوال تلك السنة، وشملت 256 مدينة وقرية فلسطينية.

    وأظهرت نتائجها العامة تفوقا لحركة فتح في القرى والبلدات الصغيرة وفي مجموع المقاعد، بينما أظهرت تفوقا لحركة حماس في المدن والبلدات الكبيرة وفي عدد الأصوات. وحققت فتح ما مجموعه 1164 مقعدا (بسبب كثرة البلدات الصغيرة) مقابل 862 مقعدا لحماس. وكان مجموع ما حصلت عليه فتح وحماس يساوي حوالي ثلاثة أرباع مقاعد المجالس المحلية (البلديات). وقد فوجئت فتح بفوز حماس بأغلبية ساحقة وبنسبة 74% في نابلس، أكبر مدن الضفة الغربية. ولذلك قررت قيادة السلطة (فتح) عدم إجراء الانتخابات البلدية في مدينتي الخليل وغزة حيث كانت التوقعات ترجح بقوة فوز حماس.

    ***

    وفي 11/7/2012 قررت حكومة فياض في رام الله إجراء انتخابات بلدية دون ترتيب وتوافق مع حكومة هنية في غزة، مما أدى لمقاطعة حماس للانتخابات وعدم تنفيذها في قطاع غزة. وقد تمت هذه الانتخابات في 20/10/2012 وشملت 93 هيئة محلية وشهدت -في ضوء مقاطعة قوى المقاومة- حالة تنافس وانقسام فتحاوي حاد، أدى إلى مشاركة عناصر وشخصيات فتحاوية مفصولة بقوائم مستقلة في عدد من المناطق ضدّ قوائم فتح الرسمية؛ حيث ظهرت أبرز الخسارات في مدينة نابلس، عندما فازت قائمة غسان الشكعة (المستقيل من فتح) على القائمة الرسمية لفتح التي يرأسها أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح. كما لعب محمد دحلان (بعد فصله من فتح) ومؤيدوه دورا أثَّر على النتائج في عدد من المناطق.

    ***

    أعطى قرار الحكومة الفلسطينية في 21/6/2016 بإجراء الانتخابات للهيئات المحلية بارقة أمل بإمكانية تحريك المياه الراكدة باتجاه ترتيب البيت الفلسطيني. وقد قوبل ذلك بترحيب من حماس ومن الفصائل الفلسطينية المختلفة التي قررت كلها المشاركة (ما عدا حركة الجهاد الإسلامي).

    ومع تأكُّد مشاركة حماس، ومع بدء تشكّل الخريطة الانتخابية ومع رفض قوى اليسار الفلسطيني الدخول مع فتح في قوائم موحدة.. ومع ظهور نزاعات وحالات تنافس داخلي بين أعضاء حركة فتح، ودخول دحلان ومؤيديه على خط تشكيل القوائم الفتحاوية وبناء التحالفات، بدأت تظهر أصوات من داخل قيادة فتح، ومن دول عربية فاعلة في الشأن الفلسطيني، تدعو لتأجيل الانتخابات خصوصا وأن حماس قررت المشاركة على نطاق واسع وغير مباشر في الضفة الغربية، من خلال دعم قوائم مستقلة، لقطع الطريق على مطاردات الإسرائيليين وأجهزة أمن السلطة لها، وبما يعطيها فرصا أفضل للفوز. كما أن الاستطلاعات أخذت ترجح فوز القوائم التي تؤيدها حماس في المدن الرئيسية، وبأعداد كبيرة من الأصوات تؤكد حضورها القوي في المشهد السياسي الفلسطيني.

    تزايد الضغط على عباس بعدم إجراء الانتخابات المحلية منذ أوائل أغسطس/آب حيث طالب عدد من أعضاء اللجنة المركزية لفتح بذلك؛ كما أن الدول العربية التي لها ارتباط خاص بالشأن الفلسطيني لم تكن مرتاحة لإجراء الانتخابات، وحدثت تسريبات تؤكد أن الأردن ومصر تضغطان باتجاه إلغاء أو تأجيل الانتخابات ومعهم في ذلك دول خليجية، حيث يرون أن فتح تعاني من التشتت وعدم الجاهزية.

    كما أن هذه الأنظمة تخشى من أن يؤدي فوز حماس إلى إعادة إحياء تيار “الإسلام السياسي”، وتحديدا “الإخوان المسلمين”، وإعطاء دفعة معنوية لأنصاره، وهو ما سينعكس سلبا على هذه البلدان. كما أن البلدان العربية المنشغلة بمرحلة ما بعد عباس، وخصوصا الإمارات ومصر التي تسعى إلى إيجاد دور رئيسي لمحمد دحلان في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، ترى أن فوز حماس سيعقّد مخططاتها وإجراءاتها.

    الإسرائيليون من جهتهم، وجدوا أنفسهم منشغلين بكيفية مواجهة استحقاقات فوز حماس خصوصا في الضفة الغربية، بعد أن كانوا يفكرون بمرحلة ما بعد عباس؛ حيث تشير تقديراتهم إلى فوز حماس في مدن الضفة الغربية المهمة، ولذلك لم يكونوا مرتاحين لعقد الانتخابات؛ ودخلوا على الخط من خلال اعتقال بعض الفاعلين المحسوبين على حماس، ومحاولة إجبار آخرين على الانسحاب بطرق التهديد المختلفة.

    الرئيس عباس الذي بدا مُصرا على إجراء الانتخابات، وقلقا في الوقت نفسه من التدخل العربي بشأن فرض دحلان على فتح وعلى القيادة الفلسطينية؛ كان لا يزال في أغسطس/آب 2016، يشعر أنه يملك أوراق اللعبة؛ وأنه يمكن أن يؤجل أو يلغي الانتخابات متى ما رأى أن أسهم حماس صاعدة، وأن انتكاسة انتخابية جديدة بانتظار فتح. وعباس الذي لم يكن راغبا في إغضاب المنظومة العربية الداعمة لمسار التسوية والمعادية لتيارات “الإسلام السياسي”؛ كان يسعى في الوقت نفسه لإعطاء رسالة لهذه الأنظمة بأن قرار فتح شأن داخلي، وبالذات فيما يتعلق بفرض خصوم أو منافسين له.

    من ناحية أخرى، لم يخل الأمر من اتهامات متبادلة بين رام الله وغزة بمحاولة التأثير على مجرى الانتخابات باستخدام الأجهزة الأمنية، واستغلال التأثير على الهيئات القضائية.

    ***

    ثمة شبه إجماع في الساحة الفلسطينية أن قرار محكمة العدل العليا في 8/9/2016، بوقف مؤقت لقرار مجلس الوزراء بإجراء الانتخابات المحلية، كان قرارا مسيسا وإن أخذ غلافا قانونيا. فقد تصاعدت الضغوط الداخلية والخارجية على عباس، مع تزايد المؤشرات على تحقيق القوائم التي تؤيدها حماس نتائج عالية، ومع استمرار الخلافات الداخلية في فتح، وعدم نجاحها في تشكيل قوائم موحدة مع قوى اليسار الفلسطيني.

    ويظهر من الإجراءات المتعلقة بالدعوى المرفوعة للمحكمة أن حركة فتح نفسها هي من يقف وراءها، فالقوائم الانتخابية الثلاث المعترضة هي قوائم فتحاوية. وما كان لها أن ترفع دعاواها دون ضوء أخضر من القيادة الفتحاوية، وخصوصا عباس. كما أن المنطق الذي استخدمته محكمة العدل العليا كان منطقا غريبا عندما استندت في قرارها إلى حرمان القدس وضواحيها من الانتخابات، وإلى الشك في النظام القضائي في قطاع غزة وفي قانونية قراراته.

    وبغض النظر عما إذا كان قانون الانتخابات يعطي أي صفة أو اختصاص للمحكمة العليا في النظر في الاعتراضات الانتخابية؛ فقد أقحمت هذه المحكمة نفسها في جوهر الخلاف السياسي الفلسطيني، عندما أشارت إلى مقاطعة (قطاع غزة) لا تتمتع بالاعتراف القضائي والقانوني. لأن المحكمة نفسها تتواجد في مناطق تديرها قيادة سياسية تُعطل المؤسسة التشريعية الفلسطينية، ولم تحظَ حكوماتها كلها بأي شرعية أو ثقة من المجلس المنتخب. وكان الأولى بالمحكمة أن تبني على التوافقات الأساسية في اتفاق المصالحة، باتجاه إعادة بناء البيت الفلسطيني.

    من ناحية ثانية فقد كان استخدام حجة حرمان الأحياء الخاضعة لبلدية الاحتلال في القدس وضواحيها من الانتخاب مثيرا للاستغراب، خصوصا أنه جاء من قِبل جهات (فتحاوية) وافقت أو سكتت على هذا الاستثناء قبل ذلك في انتخابات 2005 و2012. وهي جهات تعلم أن استخدام هذه الحجة يعني عدم إجراء الانتخابات بشكل مفتوح، طالما أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إجراءها في منطقة القدس.

    المؤشر الثالث جاء من قيادة السلطة نفسها عندما دفعت النائب العام الذي يمثلها للطلب من محكمة العدل العليا تأجيل البت في القضية إلى 2016/10/3، مع علم السلطة أن ذلك سيؤدي عمليا إلى تعطيل الانتخابات.

    وبالتالي، فقد دلَّت المؤشرات أن عباس وقيادة فتح ليسا راغبين في إجراء الانتخابات المحلية. وهو ما أثار استياء حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.

    ***

    على أي حال، ليس هناك الكثير مما تبكي عليه حماس والفصائل الفلسطينية، بسبب تأجيل الانتخابات المحلية. فالاحتلال الإسرائيلي الجاثم في الضفة الغربية بما يقوم به من قتل وأسر وتدمير وتعطيل وإفشال، ومنظومة السلطة الفلسطينية بما تعانيه من ضعف وترهل وفقدان اتجاه.. كلها تجعل من إمكانية نجاح عمل المجالس المحلية أمرا بالغ الصعوبة.

    ومن جهة أخرى، فالانتخابات المحلية لا تعطي مؤشرا سياسيا دقيقا على شعبية الفصائل الفلسطينية وأحجامها في الساحة. إذ تدخل الحسابات العائلية والعشائرية والخدماتية بشكل قوي في العملية الانتخابية خصوصا في القرى والأرياف، حيث كان يُفترض أن يتم انتخاب 272 مجلسا قرويا من أصل 414 مجلسا بلديا. ومع ذلك، فإن حساسية الوضع الفلسطيني، ومحاولة الجهات المختلفة أخذ مؤشرات سياسية وشعبية لهذه العملية الانتخابية أعطى لها طعما خاصا.. وأوزانا أكبر من حقيقة حجمها.

    وأخيرا، فإن تجربة الإعلان عن الانتخابات المحلية، ثم الإعلان عن تعطيلها، يؤكد مدى صعوبة المضي في عملية ترتيب البيت الفلسطيني، وفي برنامج المصالحة الوطنية، ويشير إلى تأثير الاحتلال والبيئة العربية والدولية على منظومة العمل الفلسطيني.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 29/9/2016

  • مقال: حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يبدو أن حماس حريصة على ألا تكون طرفا معوقا لانعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح المقرر في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ويظهر ذلك من رسائل الطمأنة العديدة التي صدرت عن قيادات في حماس والتي تؤكد الحرص على وحدة فتح واستعادتها لعافيتها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، وعدم دعم طرف على حساب طرف آخر، وكذلك السماح لأعضاء فتح المقيمين في قطاع غزة بالسفر والمشاركة في مؤتمر فتح.

    ترتيب البيت الفلسطيني

    لعل إحدى المهمات الرئيسية لمؤتمر فتح السابع هي مناقشة الوضع الداخلي الفلسطيني، وسبل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبالتالي لا بد من التعرض لموضوع العلاقة مع حماس وإنفاذ اتفاق المصالحة الموقع عليه منذ مايو/أيار 2011، وكيفية إدماج حماس وقوى المقاومة في المؤسسات القيادية والتشريعية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، غير أن ذلك لن يكون مهمة سهلة ما لم تحدث مراجعات جذرية لأسس الاختلاف بين الطرفين.

    فبين فتح وحماس تاريخ طويل من التنافس والصراع وانعدام الثقة، ورغم أنهما يمثلان عمودي الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ويحصدان عادة أكثر من 80% من أصوات الناخبين الفلسطينيين، فإنهما لم ينجحا حتى الآن في إدارة خلافاتهما ضمن بنية مؤسسية واحدة، ولا من الاتفاق على أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، ولا من تنفيذ الاتفاقات التي يوقعانها. وأدت حالات الشد المتبادل بين الطرفين في أحيان عديدة إلى نتائج سلبية على العمل الفلسطيني، وإلى تعطيل كل طرف لمسار الآخر بحجة المصلحة الوطنية.

    وتعود محاولات الاتفاق بين فتح وحماس إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإلى بدايات صعود حركة حماس كحركة مقاومة وطرف رئيس في المعادلة الفلسطينية، فكانت لقاءات في اليمن وتونس والخرطوم والقاهرة في الفترة 1990-1995. وتكررت لقاءات القاهرة في الفترة 2002-2005 التي تُوِّجت باتفاق القاهرة في 17/3/2005 الذي هيأ لتوقف انتفاضة الأقصى وللانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولإطلاق مشروع إعادة بناء منظمة التحرير، ثم تكررت الاتفاقات في وثيقة الحوار الوطني (وثيقة الأسرى) 2006، واتفاق مكة 2007، وصولا إلى اتفاق القاهرة 2011.

    وليس من الصحيح تبسيط الخلاف بين فتح وحماس في مجرد الصراع على السلطة، فالمرجعية الإسلامية الأيديولوجية لحماس تمنعها من عقد اتفاقات تؤدي إلى التنازل عن أجزاء من فلسطين أو الاعتراف بـ”إسرائيل”، والمرجعية العلمانية الواقعية لفتح لا تمنعها من عقد اتفاقات كاتفاق أوسلو برنامجا مرحليا للعمل الوطني.

    ومن ناحية أخرى فإن أولوية العمل الوطني لدى فتح مرتبطة بمسار التسوية السلمية كمعبر لإنشاء الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بينما تكمن أولوية العمل الوطني لدى حماس في مسار المقاومة المسلحة باعتبارها الأداة العملية الصحيحة لدحر الاحتلال. ولذلك تجد محمود عباس يتحدث عن عبثية عمليات المقاومة وصواريخها، بينما تجد حماس تتحدث عن عبثية مسار التسوية السلمية.

    وفي الوقت الذي تتهم فيه فتح حماس بالتسبب في الانقسام والانقلاب والخروج على الشرعية، وفرض السيطرة على قطاع غزة، فإن حماس تتهم فتح بالديكتاتورية واحتكار القرار الفلسطيني، والهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطيل مؤسساتها وإغلاق الباب في وجه الشراكة الحقيقية لحماس والقوى الفاعلة في المنظمة، كما تتهمها بتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، فضلا عن اتهامها لفتح بالتسبب في الانقسام نتيجة الدخول في مسار أوسلو وفرضه على الشعب الفلسطيني، وعدم اكتراثها بوجود قوى معارضة واسعة (الفصائل الفلسطينية العشر) لهذا المسار.

    ولا يخلو الأمر من اتهامات متبادلة بين الطرفين بتعطيل مسار المصالحة، حيث تتهم فتح حركة حماس بعدم الجدية في إنفاذ المصالحة وتسليم المؤسسات في قطاع غزة، بينما تتهم حماس حركة فتح بعدم الجدية، لأن فتح هي التي تمسك بمفاتيح المصالحة من خلال سيطرتها على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والدعوة لاجتماعات الإطار القيادي المؤقت، ولأن فتح تستقوي على حماس من خلال التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، ومن خلال الاستقواء بالبيئة العربية والدولية المخاصمة أو المعادية لحماس ولتيارات “الإسلام السياسي”.

    مشاركة ممثلي فتح بغزة

    بالرغم من البرود الذي تتسم به علاقة حماس بفتح، وبالرغم من تصاعد درجات التوتر بين الطرفين في الأشهر الماضية، حيث تتهم حماس قيادة فتح بالتراجع (تحت عباءة محكمة العدل العليا) عن إجراء الانتخابات البلدية، وبالاستمرار في التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي، وبمطاردة عناصر المقاومة، وبعدم تفعيل ملف المصالحة، وبعدم حل مشكلة الموظفين الذين عينتهم حكومة هنية، إلا أن قيادة حماس صرحت بأنها لن تقف عائقا أمام مشاركة ممثلي حركة فتح في المؤتمر من أبناء قطاع غزة.

    وكانت حكومة هنية قد أعاقت مشاركة هؤلاء الممثلين في مؤتمر فتح السادس الذي انعقد في رام الله في صيف 2009، في خطوة اعتبرتها ردا على حملات الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية في الضفة ضد عناصر حماس وقوى المقاومة، بينما قوبل هذا الإجراء بالسخط من قبل فتح التي رأت في ذلك محاولة لإفشال مؤتمرها أو إضعاف مصداقيته التمثيلية.

    قضية دحلان

    في اللقاء الذي جمع أبو مازن مع خالد مشعل برعاية قطرية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2016، كان أبو مازن مسكونا بمشكلته مع محمد دحلان أكثر من أي شيء آخر، وحتى من ملف المصالحة نفسه، وعبَّر عن انزعاجه الشديد من الضغوط الكبيرة التي تعرض لها بشأن المصالحة مع دحلان وإعادته إلى حركة فتح. وفي هذا اللقاء، كما في غيره، تلقى تطمينات من قيادة حماس بعدم دعمها لدحلان، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لحركة فتح.

    وكانت ثمة مخاوف لدى قيادات من فتح من تدخل حماس في محاولة للتأثير على مؤتمر فتح ومخرجاته من خلال “اللعب” بورقة دحلان، خصوصا مع ملاحظتهم لنشاط عناصر مؤيدة لدحلان في قطاع غزة، وإدخالهم لأموال لدعم بعض المشاريع التي تحمل ظاهرا “خيريا” غير أن استخدام دحلان للمال السياسي ومحاولة استجلاب الدعم والتأييد لا تقتصر على القطاع، فهو ينشط في أوساط كوادر فتح نفسها، وفي مناطق الضفة الغربية حيث تسيطر فتح، وفي مخيمات اللاجئين في الخارج.

    وكان دحلان المعروف بطموحه للوصول إلى قيادة فتح والسلطة قد انتخب لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح سنة 2009، ودخل في خلافات كبيرة مع محمود عباس، انتهت بفصله من اللجنة المركزية ومن حركة فتح في يونيو/حزيران 2011، وبتوجيه اتهامات إليه بالفساد واستغلال سلطاته، وهو ما اضطره للجوء إلى الإمارات حيث عين مستشارا لمحمد بن زايد.

    وعلى ما يبدو، فإن مشكلة حماس مع دحلان لا تقل عن مشكلة عباس معه، إذ تُحمِّل قطاعات واسعة من حماس دحلان مسؤولية الانفلات الأمني في قطاع غزة ومحاولة الانقلاب على حكومة إسماعيل هنية وإيصال الأوضاع إلى الحسم العسكري الذي قامت به حماس في القطاع صيف 2007. وتنظر حماس بارتياب تجاه دور دحلان الكبير في السعي لإفشال وضرب تيارات “الإسلام السياسي” وقوى المعارضة في المنطقة، كما تضع كثيرا من علامات الاستفهام على علاقاته الإسرائيلية والغربية.

    وقد أكد عدد من قادة حماس طوال الشهور الماضية على النأي بالحركة عن خلافات فتح الداخلية، وربما لمّح بعضهم إلى أن عباس -رغم أدائه السيء تجاه حماس- فإنه يظلّ خيارا أهون بالنسبة لهم من دحلان.

    وعلى سبيل المثال، فقد ذكر صلاح البردويل أن حماس لا يسرها رؤية فتح “مفتتة ومدمرة، لأن تفتت فتح قنبلة نووية، ستشوِّه سمعة الشعب الفلسطيني، وتبدد طاقاته” (جريدة الرسالة، فلسطين، 16/5/2016). وقال البردويل في تصريح آخر إن حماس ليست جزءا من الخلاف بين عباس ودحلان، ولا مصلحة لها إطلاقا فيه، وإن الذين يتحدثون عن تقارب بين حماس ودحلان يريدون الهرب من مسؤولياتهم السياسية، ويحمّلون غيرهم المسؤولية عن فشلهم في إدارة خلافاتهم (قدس برس، 23/10/2016). كما نفى خليل الحية وجود صفقة بين حماس ودحلان، وأكد أن الخلافات الفتحاوية تؤثر سلبا في القضية الفلسطينية، وأن استعادة فتح لعافيتها وقوتها يشكل قوة للشعب الفلسطيني (الاستقلال، غزة، 6/10/2016).

    من جهة أخرى، فإن كشف السلطات في قطاع غزة عن خلية سرية ترتبط بالطيراوي ودحلان (الجزيرة نت 3/5/2016؛ وعرب 48، 4/5/2016) تسعى لشيطنة قطاع غزة وحماس في عيون الفلسطينيين والمصريين والعالم، قد أثار قلقا متزايدا لدى حماس من الدور الخطير الذي يلعبه دحلان. والخلية التي أعلن البردويل عنها كانت تخطط لاغتيال شخصيات فتحاوية (محسوبة على عباس) أمثال أحمد نصر، ومأمون سويدان، وجمال كايد، وعماد الآغا، وجميعهم محافظون عينهم عباس.

    والخلية متهمة بتسجيل مقاطع فيديو تتضمن تهديدات للنظام المصري ولعباس باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويظهر أن القبض على هذه الخلية، وتسليم حماس عددا من الوثائق المتعلقة بالخلية إلى عباس، عبر عن سعي حماس لإظهار مصداقيتها، ولعله أيضا كان مصدر طمأنة لعباس.

    ***

    وأخيرا، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه فتح لا يتعلق بحماس، وإنما يتعلق بثلاث أزمات أساسية: الأولى مرتبطة بالرؤية والمسار السياسي وإعادة عمل مراجعة جادة لمسار التسوية السلمية وتجربة المنظمة والسلطة لإعادة توجيه البوصلة باتجاه خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.

    والثانية مرتبطة بالبنى الداخلية والتنظيمية لفتح ومعالجة ما أصابها من ترهل وفساد.

    والثالثة مرتبطة بالقيادة وما تحتاجه من تجديد ودماء شابة وعلاج مرحلة ما بعد عباس.

     

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 21/11/2016

  • مقال: مبادرة حركة الجهاد بفلسطين.. قراءة في المضامين والإشكالات … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    المبادرة التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على لسان أمينها العام د. رمضان عبد الله شلح حاولت الارتقاء بالنقاش الدائر في الساحة الفلسطينية حول المصالحة وآلياتها إلى مراجعة المشروع الوطني وإعادة توجيه البوصلة لخدمة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوفير الأسس السليمة لتجديد الانطلاقة نحو مشروع التحرير.

    والملاحظ أنه بعد نحو شهر من إطلاقها لم تحظ حتى الآن بما تستحق من نقاش وحوار، وبقدر ما تحاول رفع سوية الوضع الفلسطيني، بقدر ما تواجه من مخاطر التغييب والتجاهل، والتحول إلى وثيقة تنضم إلى سابقاتها من وثائق طواها الماضي.

    ****

    تدعو المبادرة المكونة من عشر نقاط إلى إلغاء اتفاق أوسلو، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، باعتبار هذا الاعتراف أم الكبائر والمصائب في التاريخ الفلسطيني. وتدعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير لتصبح الإطار الوطني الجامع الذي يضم كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني. وتؤكد أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة تحرر وطني، وبالتالي فالأولوية هي لمقاومة الاحتلال ودحره. وتدعو المبادرة إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء وجود سلطتين في رام الله وغزة. كما تؤكد على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وأن الشعب الفلسطيني شعب واحد في الداخل والخارج.

    وتدعو المبادرة الأطراف العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين وقضيتها، بما في ذلك سحب المبادرة العربية، ووقف التطبيع، وقيام مصر بدورها في فك الحصار عن قطاع غزة وفي إعماره. وطالبت المبادرة قيادة المنظمة بملاحقة الكيان الصهيوني وقادته أمام المحكمة الجنائية الدولية، ودعت إلى تفعيل حركة المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني، كما طالبت في نقطتها العاشرة والأخيرة بإطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد.

    ****

    من الواضح أن حركة الجهاد الإسلامي سعت إلى تقديم مبادرتها في إطار وطني، وبما يتوافق مع قناعاتها، وبما يبحث عن المشترك لدى القوى الفلسطينية الأخرى؛ مع الحرص على تجنب الصيغ الأيديولوجية الإسلامية التي تعبر عن انتماء الحركة، والتي يكفي اسمها ليعبر عن طبيعتها وبرنامج عملها.

    ومع ذلك فإن المستهدف أساسا بدفع استحقاقات هذه المبادرة والقيام بخطوات تاريخية جذرية هو حركة فتح؛ أما حركة حماس فإنها قد وافقت على المبادرة، كما أيدتها بشكل عام باقي الفصائل الفلسطينية، بما فيها فصائل منظمة التحرير وتحديدا الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية.

    ****

    يدعو جوهر المبادرة إلى إنهاء مسار التسوية السلمية، وإلى العودة إلى مربع المقاومة المسلحة، وإلى برنامج وطني ودعم عربي وإسلامي مبني على هذا الأساس. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فما هو الجديد في الأمر؟! إذ إنه منذ اللحظة الأولى لدخول فتح وقيادة المنظمة والسلطة في نفق التسوية واتفاقيات أوسلو.. كانت هناك معارضة فلسطينية واسعة لهذا المسار وتشكل تحالف الفصائل العشر، والذي كانت الجهاد الإسلامي أحد أعضائه، والذي دعا إلى الأفكار نفسها التي دعت إليها المبادرة، قبل نحو 23 عاما، دون أن يجد ذلك صداه، طيلة السنوات الماضية، لدى قيادة فتح التي هي قيادة السلطة وقيادة المنظمة التي تابعت مسار التسوية وملاحقة قوى المقاومة، بينما وقفت عاجزة عن تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، وعن وقف برامج الاستيطان والتهويد وتغيير هوية الأرض والبشر والحجر في فلسطين المحتلة.

    غير أن المبادرة تكتسب أهميتها في أنها حاولت أن تعيد وضع القضية الفلسطينية في مسارها الصحيح، وأن تعيد الحوار الفلسطيني إلى القضية الأساس وهي المقاومة والتحرير. إذ إن القوى الفلسطينية استغرقت في السنوات الماضية في متابعة المصالحة وآليات تنفيذها، ودخلت في تفاصيل تشكيل الحكومة في الضفة الغربية والقطاع وإجراء الانتخابات وإصلاح أجهزة السلطة ودفع رواتب الموظفين، بينما كانت الإشكالية الكبرى في جوهر السلطة الفلسطينية وبنيتها وسقفها الوطني.. وليس في مجرد آليات عملها.

    ويدرك المتابعون أن ثلاثة من بنود المصالحة الخمس يستطيع الطرف الإسرائيلي أن يعطل تنفيذها دونما صعوبة، وهي قيام الحكومة بعملها وإجراء الانتخابات التشريعية وإصلاح الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.. وبالتالي أصبح “الحاضر الغائب” في الأمر. وكان لا بد من آلية تخرج الفلسطينيين من مأزق عدم القدرة على إنفاذ برنامج المصالحة، ليكون المنطلق من إعادة بناء منظمة التحرير على أساس برنامج وطني جامع.

    ومن جهة أخرى، يدرك المتابعون أن مأزق التسوية السلمية قد وصل إلى مداه وأن ثمة حالة إحباط شاملة تجاهه، وأن الجانب الصهيوني قد قضى عمليا على خيار الدولتين، وأن جماهير الشعب الفلسطيني تلتف بشكل أكبر حول خيار المقاومة. ولذلك يأتي طرح هذه المبادرة كمخرج من المأزق الراهن.

    ***

    بالرغم من اللغة الحاسمة التي لا تحتمل اللبس تجاه اتفاق أوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني وإعادة بناء المنظمة، فإنها استخدمت لغة “فضفاضة” تجاه مستقبل السلطة وتجاه الأرض التي يتم دحر الاحتلال منها، وتجاه تفعيل البعد العربي والإسلامي تجاه فلسطين. كما استخدمت لغة دبلوماسية مع “الأخ الرئيس أبو مازن” ومع “الشقيقة مصر” ونظامها السياسي.. وذلك سعيا لأن تقدم المبادرة خطابا واقعيا مع الأطراف التي تستهدفها.

    اللغة الفضفاضة تحدثت عن “تعزيز وتطوير انتفاضة القدس لتصبح انتفاضة شاملة وقادرة على هزيمة الاحتلال ودحره من أرضنا بلا قيد أو شرط”. والفعل الانتفاضي لدحر الاحتلال.. يُفهم منه في اللغة السياسية المتداولة منطقة الضفة الغربية.. وهو هدف يمكن الالتقاء فيه مع فتح. غير أن الفعل الانتفاضي لن يكون فاعلا ولا كافيا لدحر الاحتلال من “أرضنا” المحتلة سنة 1948، وهو الهدف الإستراتيجي الذي تسعى إليه الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما.

    وتحدثت المبادرة في بندها الخامس عن إنهاء الانقسام وعن إعداد إستراتيجية شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق أوسلو، وإنهاء وجود سلطتين في غزة ورام الله. غير أن المبادرة لم تُشر ما إذا كان إنهاء وجود السلطتين سيعيد الوضع إلى سلطة فلسطينية واحدة، أو سينهي السلطة ويحلها أو سيعيد تعريف السلطة بما يجعلها سلطة مقاومة. ربما أرادت حركة الجهاد أن يكون ثمة “غموض بناء” غير أن اشتراطها التحلل من اتفاق أوسلو وتبني إستراتيجية المقاومة، لا يعني في نهاية المطاف إلا إنهاء السلطة بشكلها الحالي.. إن لم يكن على يد الفلسطينيين، فمبادرة من الاحتلال الإسرائيلي الذي لن يسمح بإنشاء سلطة مقاومة تحت احتلاله.

    ما يعنينا هو أن نشير هنا إلى أن “أوسلو” ليست مجرد اتفاق ولكنها “منظومة”؛ فإذا ما أردنا التخلي عن “أوسلو”، فيجب أن تَحل “منظومة” جديدة مكان المنظومة القديمة. فاتفاق أوسلو واستحقاقاته قزمت تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله، وهمشت دور فلسطينيي الخارج، وقزمت منظمة التحرير وحولتها إلى دائرة من دوائر السلطة، وضخمت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.. كما أن اشتراطات أوسلو والسلوك الإسرائيلي تجاه السلطة والأداء البائس لقيادة المنظمة والسلطة.. قد حول هذه السلطة إلى جسم مترهل ينخره الفساد، ويعتمد في نحو 80% من دخله على الدعم الخارجي وعلى عائدات الضرائب التي يجمعها الإسرائيليون.. وارتبط “ثوار الأمس” بمنظومة حياة جديدة وبشبكة مصالح مرتبطة ببقاء السلطة.. كما ربطوا معهم أسباب المعيشة لنحو 175 ألف موظف يُعيلون أكثر من مليون فلسطيني.. وهي منظومة تستوعب معظم كوادر فتح ومن يدور في فلكها.

    وهنا يأتي سؤال “واقعية” المبادرة بالنسبة لحركة فتح، فمن ناحية أولى فإن “براغماتية” فتح لن تجعلها تقفز من سفينة التسوية السلمية، ما لم تجد خيارات “واقعية” أفضل، تجيب على أسئلة انهيار السلطة المحتمل، وفقدان مصادر الدخل لعشرات الآلاف من الكوادر، وسحب الاعتراف الدولي من منظمة التحرير، وعودتها إلى دائرة “الإرهاب” وفق التصنيف الأميركي الغربي، واستياء منظومة “الاعتدال” العربي المتبنية لمسار التسوية وعلى رأسها النظام المصري.. مع عدم وجود آفاق واضحة لخط المقاومة في بيئة عربية ودولية لا مبالية أو مخاصمة أو معادية، وبالتالي فإن فتح ستتعامل مع المبادرة عمليا باعتبارها “مغامرة” غير مضمونة العواقب.

    من ناحية ثانية، فإن فتح نفسها تعاني من حالة من الترهل القيادي والتنظيمي، وحالة من تشابك المصلحة مع السلطة وبناها ومؤسساتها.. بما يجعل القرار الفتحاوي باتجاه إستراتيجية المقاومة المسلحة أمرا مستبعدا لدى القيادة الحالية.. حتى وإن كانت هناك قواعد وكوادر فتحاوية تدفع باتجاه مشروع المقاومة.

    من ناحية ثالثة، فإن السلوك العام لقيادة المنظمة والسلطة وفتح بعد نحو عشر سنوات من الانقسام الفلسطيني لم يتمكن من استيعاب مخرجات فوز حماس في الانتخابات التشريعية.. ولم يستخدم مفاتيح المصالحة التي يملكها (قيادة المنظمة والسلطة والدعوة للإطار القيادي المؤقت) في تفعيل برنامج المصالحة.. بل وقام بتعطيل الانتخابات المحلية.. وهو يقوم بإدارة المصالحة أكثر مما هو منشغل بإنفاذها.

    وبالتالي فإذا كانت المصالحة لم تجد طريقها للتنفيذ بعد أكثر من خمس سنوات على توقيع اتفاقها، بالرغم من أن متطلباتها أقل بكثير من متطلبات مبادرة الجهاد الإسلامي.. فمن باب أولى أن تجد مبادرة الجهاد مصاعب أكبر.

    أما الأصوات الفتحاوية الإيجابية التي أشادت بالمبادرة فهي لا تعكس حقيقة القرار الفتحاوي، ودورها يقتصر على التعبير عن أشخاصها، أو عن امتصاص الضغوط المحتملة والتساؤلات التي أثارتها المبادرة. كما أن محمود عباس لم يكلف نفسه حتى مجرد التعليق على المبادرة طيلة الشهر الماضي بحسب كل متابعاتنا وبحثنا. ولذلك يبقى تصريح أمين سر المجلس الثوري لفتح أمين مقبول بأن المبادرة “مبالغ فيها وغير واقعية” هو التصريح الأقرب لصانع القرار الفتحاوي.

    ***

    من ناحية أخرى، فإن المبادرة دعت في نقطتها الثامنة إلى الاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية لتحمل مسؤولياتها التاريخية، وركزت على دور مصر في إنهاء الحصار.. وهذا بالتأكيد أمر مطلوب، غير أن حقائق الواقع لا تبشر بسلوك عربي إسلامي يرتقي للمستوى المأمول. والنظام المصري الذي يعلم تماما أن قطاع غزة لا يمثل إطلاقا خطرا على أمنه القومي، وأن الخطر الحقيقي على مصر يكمن في المشروع الصهيوني ودولة الاحتلال.. ما زال مُصرا على متابعة الحصار، لأسباب يرى أنها مرتبطة باستقراره كنظام سياسي، سواء بسبب عدائه لتيارات “الإسلام السياسي”، أم بسبب حاجته للدعم الأميركي الغربي والرضا الإسرائيلي لضمان استقراره الداخلي.

    وكنا نتمنى لو أن المبادرة ركزت بشكل أكبر على دور الشعوب العربية والإسلامية كحاضنة أساسية لمشروع المقاومة وكسد أساسي في وجه التطبيع.. في مقابل الأنظمة العربية والإسلامية الفاسدة المستبدة التي لم يعد بالإمكان المراهنة عليها.

    ***

    وأخيرا، فإن مبادرة الجهاد الإسلامي تستحق التقدير، وتستحق أن تأخذ حقها من النقاش والتفاعل البناء، وتستحق أن يتم البحث عن خطوات وإجراءات فعلية، وتوفير الآليات المناسبة لإنزالها على أرض الواقع.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 3/12/2016

  • مقال: ”لعبة“ المصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لست متفائلاً بنجاح المصالحة الفلسطينية بالشكل الذي هي عليه، وإن كنت من أشد الراغبين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية؛ وفي جمع طاقات الشعب الفلسطيني ضمن برنامج عمل جاد موجّه ضدّ العدو الصهيوني، ويوقف استنزاف طاقاتهم في نزاعاتهم الداخلية.

    محمود عباس وقيادة حركة فتح يديرون المصالحة ”كلعبة“، تهدف في النهاية إلى تطويع حماس تحت قيادتهم للشعب الفلسطيني، وتحت سقف التزاماتهم السياسية والأمنية وفق اتفاق أوسلو.

    وفكرة ”الإدارة“ وليس ”الحل“ مشابهة إلى حدٍّ كبير لعملية إدارة ”إسرائيل“ للعبة التسوية السلمية مع عباس وفتح، لتطويعهم في النهاية لإرادة الاحتلال وتصوراته للحكم الذاتي الفلسطيني.

    ويبدو ”هجوم المصالحة“ الحمساوي في الآونة الأخيرة ”حباً من طرف واحد“، سيحرج قليلاً قيادة فتح (التي هي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لكنها ستقوم باستيعابه.

    ثم يتم تحقيق ما يمكن من مكاسب على الأرض بناء عليه، مع إفراغ المصالحة القائمة على الشراكة الوطنية من محتواها؛ ثم إعادة تصعيد الأزمة بحشر حماس في زاوية عدم الاستجابة لمتطلبات جديدة للمصالحة حسبما ترتئيها قيادة فتح.

    والذين هللّوا لنجاح المصالحة هذه المرة… ربما استعجلوا كثيراً، لأن الأمر بدا من ناحية وكأن حماس كانت هي العقبة وأن إجراءاتها ستحل المشكلة، ولأنهم من ناحية ثانية لم يعطوا التقدير الحقيقي لجوهر الخلاف الفلسطيني.

    ***

    يبدو موضوع المصالحة وكأن شخصين اتفقا مضطرين على ركوب سيارة واحدة، واضطر أحدهما للتسليم للآخر بأن يجلس خلف مقود السيارة، غير أن السيارة لم تستطع التحرك لأن كلاً منهما اختار اتجاهاً لمسار السيارة معاكساً لمسار زميله؛ ورأى كل منهما أن الموافقة على تحرك أي منهما بالاتجاه الذي يريده تعني دمار السيارة وضياع الوقت والفرص.

    واختلفا في الدليل ”المانيول“ الذي يمكن الرجوع إليه، كما اختلفا في قوانين السير التي سيلتزمان بها في تحرك السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية على الطريق، واختلفا إن كانا سيعبئانها بالبنزين أو بالديزل؛ كما اختلفا في من يمكنه أن يركب معهما.

    وعندما حانت لحظة الركوب، اختلفا على نوع السيارة إن كانت صناعة وطنية أم إقليمية أم أجنبية. كما اختلفا على كيفية تغطية تكاليفها، ومن الجهة التي ”سترعاها“ وستقوم ”بصيانتها“، ومن أين سيحصلون على قطع غيارها!!

    إن أخطر ما في الأمر أن اختلاف الاتجاه يفقد أي شخصين ابتداء مبرر ركوب سيارة واحدة؛ وكذلك فإن اختلاف الاتجاه في المصالحة، يفقد الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مشروع وطني جاد.

    هذا النوع من شراكات ”الضرورة والاضطرار“ يسهل نسفه وإفشاله، في أي فرصة يشعر فيها أي طرف بعدم حاجته للطرف الآخر، أو عندما تحين له الفرصة للاستقواء بقوى خارجية لتركيع وتطويع وتهميش شريكه.

    وهذا النوع من الشراكة يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس القضايا الجوهرية والكبرى. فإذا كانت ثمة رغبة في إدارة من هذا النوع، فلتتم مصارحة الفلسطينيين والعالم بذلك، حتى نخفض سقف التوقعات، ولنتعامل مع الأمر ”كإدارة أزمة“ وليس ”كإدارة شراكة“.

    ***

    يُبَسِّط عدد من المحللين الخلاف الفلسطيني في كونه ”صراعاً على السلطة“؛ ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني؛ مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.

    إذ لو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكنت تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة ”المتصالحة“ بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والشورية… والتداول السلمي للسلطة.

    جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني)، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي إدارة الأطر الوطنية الكبرى.

    ومما يعقد المشكلةَ التدخلُ الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يُعقِّدها عدم وجود الجميع تحت بنية مؤسسية جامعة يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.

    هناك اختلاف على الثوابت نفسها وأولها تعريف فلسطين نفسها؛ فقيادة فتح تنازلت عن نحو أربعة أخماس فلسطين التاريخية واعترفت بـ”إسرائيل“ وشرعيتها، وبنت برنامجها على أساس حل الدولتين؛ بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“.

    وبناء على ذلك، دخلت فتح في اتفاقيات أوسلو التي فرضت عليها التزامات حقيقية مرتبطة بالتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ومحكوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالشروط الإسرائيلية الأميركية الغربية.

    فقد أملت حركة فتح من ذلك تحويل هذا الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في بضع سنين، لكنها تجد نفسها بعد 24 عاماً تدير سلطة تخدم أغراض الاحتلال أكثر مما تخدم تطلعات الشعب الفلسطيني.

    وفي الوقت نفسه، فإن قيادة فتح وأنصارها أعادوا إدارة حياتهم ”النضالية“ ضمن سقف السلطة في رام الله، وتكونت طوال سنوات شبكة من المصالح وطريقة حياة اجتماعية اقتصادية تحت هذا السقف.

    أما حماس ومعها باقي الفصائل العشر فقد رفضت اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها، وتابعت المقاومة المسلحة؛ وعندما اضطرت للتعامل أو التعايش مع السلطة الفلسطينية حاولت السعي ”لتثويرها“ أو تطوير دورها في خدمة الشعب الفلسطيني دون دفع استحقاقات أوسلو.

    وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركان وحلفاؤهم… الذين يضعون الالتزام بشروط الرباعية الدولية الأربعة (وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ووقف المقاومة، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير بشأن مسار التسوية السلمية).

    وهو ما يضع حماس أمام طريق مغلق في قيادة السلطة أو في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم، حيث ستُتخذ إجراءات الحصار والإسقاط والإفشال ضدها.

    وهو ما يعني أن برنامج المصالحة أو الشراكة الذي سينزل على الأرض يجب أن يتضمن قبولاً -ولو ضمنياً- من حماس بأن الأمور المرتبطة بالقيادة والعمل التنفيذي والأجهزة الأمنية والعلاقات السياسية، هي أمور من تخصص فتح أو مَن يَقبل بما قبلت به فتح. أي أن المطلوب في النهاية أن تبقى حماس على الهامش مهما كان حجمها وشعبيتها، إذا أرادت لمسار المصالحة الحالي أن يسير.

    إن إدارة حماس لملف المقاومة ومتابعته سيعني بالنسبة لفتح خرقاً لالتزاماتها كقيادة للسلطة، وستَعدُّ المقاومة معوقاً لمسارها السياسي الوطني في الوصول إلى اتفاقيات تؤدي إلى تطبيق حل الدولتين، وبالتالي ستسعى إلى تفكيك المقاومة وضربها تحت ستار ”سلطة واحدة… قرار واحد… أمن واحد“؛ فالسلطة في جوهرها هي عملية احتكار للقوة.

    أما استمرار فتح في مسار التسوية السلمية فسيعني بالنسبة لحماس استمراراً في ”المسيرة العبثية“ لاتفاق أوسلو، وتضييعاً للحقوق والثوابت الفلسطينية، وتمكيناً للاحتلال من فلسطين؛ وبالتالي فإن حماس لن تتخلى عن مقاومتها وسلاحها.

    وعلى ذلك، لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه فتح -بعد استلام إدارة قطاع غزة- إلى محاولة السيطرة على الجوانب الأمنية والعسكرية وتفكيك العمل المقاوم؛ كما لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه حماس لتوسيع وتقوية وتنشيط العمل المقاوم في الضفة الغربية، وهو ما سيؤدي -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهات وأزمات تقود إلى إفشال المصالحة.

    ***

    منذ نحو خمسين عاماً (صيف 1968) وحركة فتح تحتكر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسلوك قيادتها على الأرض لا يقدم نموذجاً مشجعاً لديمقراطية شفافة أو شراكة أكفاء.

    وعندما وقعت قيادة فتح اتفاق أوسلو لم تعبأ بالمعارضة الفلسطينية الشعبية والفصائلية الواسعة لها (الفصائل العشر)، وقامت باحتكار قيادة السلطة الفلسطينية وإدارتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية منذ إنشائها. وعندما فازت حماس في انتخابات 2006 لجأت قيادة فتح إلى نزع صلاحيات أساسية من المجلس التشريعي ومن الحكومة، فضلاً عن تعطيل وإفشال حكومة حماس.

    ومنذ حصول الانقسام وسيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على القطاع سنة 2007؛ وقيادة فتح تعطي الشرعية لرئاسة السلطة وللحكومة التي يشكلها رئيس السلطة. أما المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية للحكومة ويحاسبها ويسقطها، فإنها تمنع انعقاده منذ عشر سنين.

    وذلك لمعرفتها مسبقاً أيّ حكومة ستأخذ الشرعية وأي حكومة ستسقط، وأي حكومة سيُقرر أنها حكومة ”انقلاب أسود“، وأي أجهزة أمنية سيحاسب ويضبط معاييرها ومسارها، وأي مدراء ومسؤولين وموظفين سيضع معايير تعيينهم أو إنهاء خدماتهم. وبالطبع فإن قيادة فتح تستفيد من بيئة عربية ودولية داعمة لها، بسبب التزامها بأوسلو واستحقاقاته.

    بالنسبة لقيادة فتح وللدول العربية والأجنبية الممسكة بالملف الفلسطيني، فإن فوز حماس في الانتخابات القادمة لا يعني سوى إعادة إنتاج للأزمة من جديد بالحصار والإفشال والتعطيل.

    وبالتالي فمن المرجح ألا تُجرى انتخابات لا تضمن فتح الفوزَ فيها، بعد أن تعلمت الدرس من الانتخابات السابقة؛ لأن المطلوب من الانتخابات هو نزع شرعية التمثيل الشعبي من حماس وخط المقاومة، وليس ”إعادة إنتاج الأزمة“ مرة أخرى. وهذه هي خلفية تأجيل الانتخابات البلدية السنة الماضية.

    وحكومة عباس/ رامي حمد الله تريد تسلُّم قطاع غزة بصلاحيات كاملة، وهو ما وافقت عليه حماس مؤخراً؛ ولكن حكومة عباس لم تقدم شيئاً في إطار الشراكة الحقيقية. والعقلية نفسها تحكم إدارة منظمة التحرير، وعلى حماس ألا تتوقع شراكة حقيقية فيها حتى لو فازت في الانتخابات القادمة.

    لقد تعاملت قيادة فتح ببرودة مع تنازلات حماس في قطاع غزة، وهي ترى أن هذه التنازلات إنما جاءت بسبب نجاح إجراءاتها (هي وحلفائها) في خنق قطاع غزة ووضعه في حالة انهيار اقتصادي، وبعد أن تستقر لها الأمور وتشعر بأنها في وضع أقوى ستقوم لاحقاً بالسعي للسيطرة على الأجهزة الأمنية وتفكيك العمل المقاوم.

    ***

    لن تكون هناك مصالحة حقيقية ما دامت عقليات كهذه تدير القيادة الفلسطينية، وما دامت تستفيد من بيئة عربية ودولية وإسرائيلية تتوافق أو تتقاطع معها في التعامل مع حماس وقوى المقاومة.

    وبالتالي، لن تكون هناك مصالحة حقيقية إذا لم يحدث تقدُّم حقيقي في الاتفاق على:

    – مرجعية ومبادئ وأسس تحكم الأطراف (ميثاق وطني مثلاً).

    – برنامج سياسي تُبنى عليه أولويات المرحلة، ويتم التعامل فيه بمعايير واضحة تجاه مسار التسوية ومسار المقاومة.

    – آلية حقيقية لاستيعاب جاد لكافة القوى الفلسطينية بالداخل والخارج في منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتهم في تفعيلها وإعادة بنائها، وعلى أسس تعكس أوزان القوى الحقيقية، وتستفيد من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني.

    – استعداد جاد من كافة الأطراف لإدارة الاختلاف بشكل حضاري تحت سقف واحد، وبما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويمنع التدخل الخارجي وخصوصاً الإسرائيلي الغربي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

    وهذا من الناحية العملية يستحيل أن يكون تحت سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته، ودون مراجعة تجربة السلطة الفلسطينية وإعادة توجيهها وتوظيفها بشكل يخدم إرادة الشعب الفلسطيني، وليس إرادة الاحتلال الإسرائيلي.

    ***

    في مقابلة قائد حماس في غزة مع شباب القطاع؛ قال -حسبما نقلته وكالة ”سما“- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جداً من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون ”صاعقاً ومفاجئاً أكبر من الذي قبله“؛ وقال إنه ”سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس أو غيرها“.

    لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبّر بدقة عن قرار حماس المؤسسي، إلاّ أنها تصريحات تبرز مدى جدية حماس في تحقيق المصالحة. غير أن ما نخشاه وما نرجو ألا يحدث هو أن يجد السنوار -في نهاية المطاف- أن الطرف الذي يحتاج إلى كسر عنقه (لأنه يعوق المصالحة كما يفهمها) هو الطرف نفسه الذي سيقدم له تنازلات كبيرة جداً!! وأننا قد نعود إلى المربع الأول من جديد.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 2/10/2017