• " العراق ما بعد داعش : المعالجات والاحتمالات المستقبلية"

    يواجه العراق في مرحلة ما بعد داعش تحديات كبيرة على مختلف المستويات وذلك نتيجة لسيطرة تنظيم داعش على المحافظات العراقية لمدة تقارب ثلاث اعوام، وبالرغم من نجاح الحكومة العراقية من تحرير معظم المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش الارهابي بمساعدة وتعاون التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية، بيد ان المحافظات المحررة  تواجه مجموعة تحديات ومشكلات على مختلف المستويات بسبب الانعكاسات السلبية التي افرزتها مرحلة داعش في العراق، والتي ادت الى تدمير البنى التحتية للمحافظات العراقية واستنزاف مواردها وامكاناتها الاقتصادية، الى جانب المشكلات التي ظهرت في الاطار الاجتماعي والمتمثلة بانتشار مظاهر العنف والتطرف والآثار والممارسات السلبية التي تؤدي الى التأثير في مستقبل التنشئة الاجتماعية وانهيار منظومة القيم الاخلاقية فضلاً عن انتشار البطالة والتخلف وتدهور المستوى التعليمي.

     وتمثل خلاصة النقاشات والدراسات التي تبلورت عند نخبة من الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي المشاركين في الندوة العلمية  "عراق ما بعد داعش: المعالجات والاحتمالات المستقبلية" والتي تناولت عدة محاور منها مستقبل الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة والدور المستقبلي للحشد الشعبي في المحافظات المحررة ، ومستقبل الخيار الفدرالي في تلك المحافظات ، ويمكن القول ان الحشد الشعبي الذي تشكل بناءً على فتوى المرجعية الدينية بالجهاد الكفائي بعد احتلال داعش للمحافظات العراقية والذي ظهر للوهلة الاولى على شكل مقاتلين متطوعين غير منتظمين، ثم ما لبث ان تحول الى مجموعة فصائل مسلحة مرتبطة بالأحزاب والمؤسسات والحركات السياسية الشيعية والذي اضحى فيما بعد مؤسسة حكومية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة، من خلال تشريع صادر عن مجلس النواب يتيح له حرية الحركة والانتشار، ونتيجة لهيمنة احدى دول الجوار على المشهد السياسي العراقي فقد تمكنت من توظيف ذلك لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي بإخضاع العراق كجزء اساسي من مد النفوذ الايراني الى المنطقة العربية والشرق الاوسط عبر ما اصطلح عليه "الهلال الشيعي" او "الحزام الجيوبوليتيكي"، فعلى الرغم من الجهود التي بذلت من مقاتلين الحشد الشعبي في تحرير المناطق المحتلة من قبل داعش، بيد ان ذلك لم يمنع التوجهات  الاستراتيجية الايرانية من توظيف ذلك لتحقيق عدة وظائف عسكرية وامنية واقتصادية، منها الاستغلال في عمليات التغيير الديموغرافي التي تجري في المناطق المحررة، الى جانب السيطرة على الطريق الحيوي الذي يربط النفوذ الايراني بسوريا من خلال منطقة النخيب ومنفذ الوليد دون المرور بالطريق الدولي الذي قطعه تنظيم داعش، فضلاً عن استعماله لتهديد الامن القومي السعودي عبر نشر قواته بالقرب من الحدود السعودية مع محافظة كربلاء واحكام طوق الحدود الشيعية التي تحاول ايران فرضه على السعودية من خلال حدود شيعية للسعودية من جهة اليمن واخرى من العراق.

    اما فيما يتعلق بالجدل حول مستقبل الخيار الفدرالي في المحافظات المحررة فأنه يستمر مستقبلاً بسبب اصرار القوى السياسية في هذه المحافظات على المطالبة به بالرغم من الموقف الايراني الرافض التي تعبر عنه القوى السياسية الشيعية المهيمنة على القرار السياسي العراقي، فالمشروع وفقاً لوجهة نظر مؤيده لا يزال يجد دعماً شعبياً واسعاً من ابناء هذه المحافظات الذين واجهوا ويلات تنظيم داعش والحروب التي تلتها، فضلاً عن عدم ثقتهم بمصداقية الحكومة لفرض دعائم الامن والاستقرار في مرحلة ما بعد داعش، الى جانب وجود تعهدات اقليمية من دول عربية وخليجية وقوى دولية بمساعدة هذه المحافظات في عمليات الاعمار واعادة البناء، لاسيما في ظل سياسات الانفتاح العربية التي تحاول القوى العربية الفاعلة الدخول في المشهد السياسي العراقي لإحداث توازن مع التدخل الايراني – التركي في العراق، وعلى الجانب الاخر فإن الرفض الايراني لمشروع الاقليم السني يعود لمجموعة دوافع بعضها يتعلق بالعامل الجيوبوليتيكي لان الاقليم السني سيكون حاجزا طبيعيا عن حلفاء ايران في سوريا ولبنان، وعامل اخر يتعلق بالداخل الايراني لان منح السنة اقليم اداري خاص بهم يشجع النزعة الانفصالية لدى السنة والكرد في ايران ويحدث خللاً بينياً في الدولة الايرانية، فضلاَ عن عامل استراتيجي اخر يتمثل في محاولة ايران السيطرة على العراق بشكل كامل لان ايران تريد عراقاً ضعيفاً مفككاً وليس على شكل اقاليم اثنوغرافية يصعب السيطرة عليها.

    اما فيما يتعلق بالانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لسيطرة تنظيم داعش على المحافظات العراقية، فتظهر لنا مجموعة تحديات اجتماعية مركبة ومعقدة منها على سبيل المثال لا الحصر : (انتشار الفكر المتطرف – الارتداد عن الدين والمذهب – تغليب ثقافة العنف على الحوار- هجرة الكفاءات والنخب – الهجرات الجماعية – ظهور الجرائم والانحرافات في المجتمع – النزاعات العشائرية بين معارضي داعش والمتعاطفين معهم - تدني الثقافة المجتمعية – الفساد الاخلاقي وانهيار القيم والقدوات- انهيار التعايش السلمي- فقدان  الاقليات الثقة في الاندماج بالمجتمع....... وغيرها)، وتظهر في الجانب الاخر انعكاسات وتحديات اقتصادية تتمثل في ( تدمير البنى التحتية – تغيير الوظائف الاقتصادية لبعض المحافظات مثل سرقة وتدمير مصفى بيجي والذي تتهم به جهات طائفية متنفذة - الخسائر في رأس المال البشري – صعوبات اعادة الاعمار – ارتفاع نسبة البطالة.....وغيرها)، ويمكن القول ان ابرز التحديات التي تواجه مستقبل امن واستقرار المحافظات المحررة هي مسألة الدوافع و المحفزات التي تساعد في ظهور تنظيم داعش من جديد، وليس المقصود تنظيم داعش نفسه، وانما بتسميات اخرى وانما ظهور  اجيال جديدة من الفكر التطرف في هذه المحافظات ومن الاسباب التي تؤدي الى ذلك : ((غياب روح التعاون وانعدام الثقة بين المدنيين والاجهزة الامنية - ضعف الولاء الوطني لدى الاجهزة الامنية- انتشار السلاح داخل المجتمع وتوزيعه لمجاميع وكيانات خارج ارادة المنظومة الحكومية- الاستمرار في تدوير شخوص العملية السياسية الفاسدين- ارتفاع معدلات البطالة والفقر والجوع- تصاعد معدلات الفساد المالي والاداري- ضعف دور المؤسسة الدينية ومؤسسات التربية والتعليم عن القيام بدورها في التوجيه والنصح والارشاد، وفي ترسيخ ثقافة التسامح وحب الوطن والولاء له - ضعف الدور الرقابي للمؤسسات الاعلامية، وتظليل اتجاهات الرأي العام وفقاً  لمصلحة الجهات التي تمولها- تهاون القضاء في محاسبة المجرمين والفاسدين والتستر على جرائمهم)) .

     

    في المقابل تبرز ازاء ذلك مجموعة من التوصيات والمعالجات التي يجب ان تسهم في القضاء على هذه التحديات ومنها : ((ان ضرورات المرحلة القادمة تتطلب بروز قيادةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، تحمل فكر بناء دولة وتعمل على إرساء مفاهيمٍ سياسيةٍ جديدة،ولكي تنجح في عملها وتثبت صدق ولائها وانتمائها لمحفظتها، عليها ان تبتعد عن النزعة المصلحية وتعمل على تحشيد كل الطاقات وتكثف جهودها بالتنسيق مع الحكومة المركزية من اجل ان تحصد اكبر قدر من العوائد- المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية مطالبة بمضاعفة جهودها وتسخير كل طاقاتها من اجل زرع روح المواطنة وخلق روح الانسجام والتعايش السلمي بين اطياف مجتمع المحافظات المحررة- يجب ان تكون هناك خطط متكاملة وليست اقتراحات فقط وأفكاراً ترقيعية لإعادة بناء وتأهيل الدمار في المناطق المدمرة، لأجل الاستفادة من المبالغ وأن لا تدخل في ابواب الهدر والسرقات المالية وكسب ثقة الدول المحيطة في اعطائها لتلك المنح المالية- ان يتم دمج الجهد الحكومي للوزارات مع القطاع الخاص بالإضافة الى الشركات الاستثمارية التي تدخل من قبل الدول المانحة لإعادة اعمار المناطق المتضررة- ضرورة تعاقد صندوق اعمار المحافظات المتضررة مع شركة دولية متخصصة في مجال تقييم الاضرار من اجل كسب ثقة الدول التي ستقوم بدعم العراق، لأن ارقام تلك الشركة ستكون دقيقة ومعتبرة لدى الجهات الدولية فضلا عن كونها جهة محايدة- ينبغي فسح المجال أمام ابناء المحافظات المحررة للانخراط في الاجهزة الامنية ولكي يمارسوا دور اكبر في عملية الحفاظ على امن واستقرار مدنهم. 

  • "معركة إدلب": تفاهمات أمنية حذرة وأدوار محلية مطلوبة

    تتسارع الأحداث والترتيبات باتجاه اقتراب بدء النظام وحلفائه فتح معركة إدلب؛ وتتباين فيها السيناريوهات المتوقعة بحكم اختلاف المقاربات الأمنية لفواعل الاستانة من جهة؛ واحتمالات المشهد العسكري وانزلاقاته المتوقعة من جهة ثانية؛ لذا يستعرض تقدير الموقف هذا السياق السياسي والعسكري المفضي لهذه المعركة؛ ويتلمس ويختبر ملامح التفاهم ما بين دول الأستانة وحدوده وأثره على تغليب إحدى السيناريوهات؛ كما يوضح هذا التقدير في هذا السياق المتسارع ملمح الخيار الأنجع للقوى والفواعل المحلية والمتمثل في تمتين الجبهة المحلية عبر الانتقال من صيغ الإدارة المحلية إلى صيغ الحكم المحلي المنضبط

  • إيران .. قبضة حديدية في مواجهة احتجاجات مطلَبية!

    مـدخــل

    لم تكن إيران لتنظر للاحتجاجات الشعبية التي واجهتها منذ منتصف تشرين ثاني (نوفمبر) على أنها مجرد اندفاعات مطلَبية تحركها دوافع معيشية واقتصادية، وإنما تندرج في سياق الضغط على النظام، ومحاولات واشنطن تقويض قدراته الأمنية والعسكرية والسياسية.

    وقد جاءت احتجاجات الإيرانيين متزامنة مع تصاعد المظاهرات والاعتصامات في لبنان والعراق، والتي استهدفت أيضاً حلفاء طهران وأذرعها في البلدين، وهو ما يعطي دلائل على عمق الأزمة التي يواجهها النظام الإيراني في المناطق التي اعتبرها خاضعة لنفوذه وتؤمن له إمكانية المناورة والدفاع عن نفسه خارج حدوده.

    اندلعت أعمال الاحتجاج إثر رفع الشركة الوطنية للنفط أسعار البنزين (في ١٥ تشرين ثاني ٢٠١٩) بنسبة ٥٠ في المائة حتى حصة٦٠ لتراً في الشهر، وبنسبة ٣٠٠ في المائة لمن يتجاوز هذه الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة، ضمن حزمة إجراءات تستهدف الحدَّ من الدعم الحكومي (٦٣ مليار دولار سنوياً) لمواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما استنفر الطبقة الفقيرة في إيران، التي تتسع بشكل متزايد، وسبق لأغلب المناطق الإيرانية أن شهدت أعمال احتجاج متفرقة بسبب الأزمات المعيشية وإخفاق النظام فـي إيجاد حلول لها، لكنَّها لم تحظ باهتمامٍ إعلامي كاف.

  • إيران والضربة العسكرية الأمريكية لسورية..... الدكتور نبيل العتوم

    ما حدث بعد  (خان شيخون) كان بمثابة مناسبة  غير سارة ومزعجة  للإيرانيين  بعد انتهاء الاحتفالات بعيد (النوروز)،  حيث  بات يستشعر النظام الإيراني  خطر ما يجري عليه مباشرة، أو على حلفائه ووكلائه؛ ولا سيّما (حزب الله) الذي صدرت له الأوامر بإعادة الانتشار والابتعاد عن الأنظار، لقد كانت حادثة (خان شيخون)  شبيهة بلعنة حلّت على النظام السوري وحلفائه، وفخ نصبته إدارة (ترامب) بعد إعلاناته وتصريحاته المتكررة التي فُهم منها نأي هذه الإدارة بنفسها عن  الأزمة السورية، وعدم الانخراط بها  بشكل مباشر، بل  والحياد عن الجدل في بقاء النظام أو رحيل رئيسه، وترك مهمة ذلك؛ ليقرره (بوتين)  وحلفاؤه .

          لقد حاولت طهران  -فيما سبق الضربة الصاروخية الأميركية – بكل الوسائل  والطرق قلب ميزان القوى على الأرض السورية من خلال الدفع لمشاركة حلفائها بكثافة في أسرع وقت ممكن للاستثمار سياسياً في الموضوع ،  على مبدأ أن قلب الوضع الميداني لصالح النظام سيصب في صالح إيران والميليشيات المسلحة التابعة لها، خصوصاً بعد التهليل لانتصارات حلب، ومما زاد في  رفع معنوية الإيراني  لدفع النظام السوري لتصعيد الأمور واستخدام الكيماوي مع بقاء فرضية تزويد طهران  لنظام (بشار الأسد) واردة جداً، هو  نأي إدارة (ترامب) بنفسها عن مواجهة نظام الأسد،  وانشغالها بملف مكافحة الإرهاب من خلال قيام واشنطن بزيادة عدد قواتها في الشمال السوري تمهيداً لمعركة الرقة، الأمر الذي اعتبرته طهران بمثابة غض الطرف عن جرائم النظام وعملياته العسكرية، و تغيراً في السياسة الأميركية إزاء سورية من خلال النظر لهذه الأزمة من منظور  الاستعداد لمقارعة  الإرهاب فقط، واعتبار قوات الأسد بيدق  لتحقيق هذا الهدف، مع التسليم بحقيقة  استحالة  الضربة العسكرية الأميركية، التي ستؤدي إلى الصدام  العسكري  الأميركي – الروسي، مما أغرى  طهران دفع الأسد  من أجل  التصعيد، واستخدام الكيماوي  في خان شيخون .

        وهذه التنبؤات الإيرانية كانت   تتقاطع أيضاً مع إعلان فرنسا وبريطانيا أنها معنية بموضوع مكافحة الإرهاب أولاً  في سوريا،  وبات الإيراني  يُعيد رسم إستراتيجيته وفق تصعيد  التدخل العسكري مستفيداً مما جرى في روسيا، ولا سيّما بعد العمليات  التي  ضربت المترو في  (سان بطرسبرغ)، وهو ما سيدفع موسكو بقوة إلى تقديم الدعم لجيش النظام السوري  لارتكاب المزيد  من المجازر والمذابح .

    الضربة الصاروخية  الأميركية : رؤية إيرانية :

          تعتقد طهران سياسياً  أن المنطقة  باتت في  حالة حرب وتصعيد نوعي في الأحداث، حيث وصفت  وسائل الإعلام الإيرانية- على لسان مسؤوليها –  أن هذه العملية تُمثل حرب (ترامب) الأولى، ملمحين إلى وجود حروب أخرى في الطريق، مع التركيز على أبعد من كون العملية  الأميركية هي مجرد  امتصاص للضغوط  الداخلية، ومحاولة للهروب وتوجيه الأنظار للخارج؛ مع عزائها بأن  (ترامب) قد اختار عملية  عسكرية محدودة تختلف عن  الاقتراح الذي كان أمام أوباما الذي  كان  بحجم حرب تدمير للبنى التحتية العسكرية والإستراتيجية في كل سوريا، مع التنبؤ بأن العمل العسكري الذي تبناه (ترامب) لن يكتفي بعملية واحدة؛ بل إن مسار العمليات ستتجه نحو  التصعيد في المستقبل القريب، وربما سيطال إيران بشكل مباشر ، لهذا طالبت بعض الأصوات الإيرانية بتوفير إجراءات جديدة لحماية المصالح والأهداف الإيرانية في سوريا كالبعثات الدبلوماسية، وأمن المستشارين العسكريين، وحماية القطاعات الإيرانية الحيوية، وعدم الزج بها لتكون في الواجهة …… .

        تعتقد إيران بأن الولايات المتحدة قد دخلت إلى بوابة المفاوضات السياسية  بشأن الحل في سوريا من خلال المسار العسكري، الذي سيؤهلها للجلوس على المقعد الأول مقابل الروسي فقط، وهنا بيت القصيد الذي تخشاه طهران، من أن يؤدي ذلك إلى تسوية روسية أميركية بعيداً عن أنظار طهران، ولا يلامس مصالحها.

        الموقف الرسمي الإيراني كان متشائماً، واعتبر الضربة  العسكرية  الأميركية عمل  “غير مسؤول وخطير”، وأنها  ستؤدي إلى تقوية الإرهابيين وتشريد مزيد من الشعب، وستؤدي  إلى  إضعاف المبادرات الشاملة لإنهاء الإرهاب والتطرف في سوريا، ولاسيّما الإجراءات التي يتم العمل عليها في الأمم المتحدة، وسيقود إلى تأزم الأوضاع في سوريا والمنطقة كافة، وستكون فاتحة لتوتر كبير وخطير على مستوى المنطقة، وستزيد من تعقيد الأوضاع على مستوى العالم، وبهذا تقاطعت رؤيتها مع البيان الذي أصدره حزب الله  تعليقاً على الضربة الصاروخية .

     

    خطوط إيران الحمراء بعد الضربة الصاروخية الأميركية :

            لا شك بأن قراءة  طهران العسكرية للضربة الصاروخية الأميركية مضطربة وضبابية، حيث أنها لم تستهدف المنشآت الحيوية العسكرية السورية، وقواعد  النظام الإستراتيجية، هذا ما عدا أن دبلوماسية الخط الساخن قد تمّ توظيفها للتواصل الأميركي مع الجانب الروسي دفعاً لأية مواجهة، حيثُ تمّ  إبلاغ الجانب الروسي بها، والذي قام بدوره بإعلام إيران وحلفائها  بها، مما مكن  النظام السوري من سحب جزء كبير من قوته من هناك . 
         حسب الرؤية  العسكرية والاستخباراتية الإيرانية، ما جرى   لا يعني أن  لا تسعى إدارة (ترامب)  لشن غارات جوية جديدة  ضد  جيش  النظام السوري أو حتى قياداته، أو حتى حلفائه، وفي مقدمتهم إيران ومليشياتها ، ولكن السؤال هل ستقوم موسكو بتوفير غطاء  من خلال   أنظمة الدفاع الجوي  الروسي  لحماية حلفائها في سوريا ؟.

         بالمقابل تتحسب إيران من  استخدام  واشنطن لطائرات الشبح مثل F-22 وB-2 سبيريت لمحاولة الهروب من الدفاعات الجوية الروسية، وتوجيه ضربات للنظام  وحلفائه، وهنا نقصد إيران ومليشياتها .

    السيناريوهات المرعبة  بالنسبة لإيران : إنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا 
         تتحسب طهران  بعد  الضربة الصاروخية الأميركية من فرض واشنطن  لمناطق حظر جوي على قوات النظام وحلفائه، ولكن هذا  الأمر يتوقف بشكل كبير على التوافق الروسي الأميركي  أولاً، والتوافق  مع الدول التي تشترك بجبرية جغرافية مع الأزمة السورية، وتوفر الدعم المالي الخليجي والدولي لإنشائها .

         تُراهن طهران على استحالة تحقيق التوافق الأميركي – الروسي ضمن الظروف والمتغيرات الحالية، وبقائها ضمن مربع الصراع والتوتر ، وبالتالي استحالة تحقيق هذا السيناريو ، مما يدفع طهران ومليشياتها  القيام بعمليات عسكرية واسعة لتحقيق أكبر مكاسب على الأرض استباقاً لمثل هكذا سيناريو . 
    العمل على إنشاء مناطق آمنة :
         أحد  السيناريوهات المتوقعة ، وهو يقوم أساساً على  احتمالية إعلان الولايات المتحدة عن  إنشاء عدد من المناطق الآمنة؛ خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي(ريكس تيليرسون )، إن الإدارة تدعم فكرة وجود مناطق استقرار مؤقتة داخل سوريا حيث  يستطيع اللاجئون التحرك  إليها،  لكن  – حسب الرؤية الإيرانية – فإن إنشاء هذه المناطق  تتطلب الدفاع  الجوي عن تلك المناطق،  ما قد يؤدي إلى تأزم  الأوضاع، و يثير احتمالات  الاشتباك العسكري مع روسيا، وتضع في الحسبان صعوبة التوافق الروسي الأميركي بشأنها في القريب العاجل، واحتمالية الاشتباك المباشر، والكلف العسكرية والمالية الضخمة لإنشاء مثل هكذا مناطق، مع صعوبة تدمير تنظيم الدولة وفق مثل هكذا سيناريو، وأهمية التعاون والتنسيق مع إيران لضمان نجاحها  .

    إرسال القوات  العسكرية البرية” التحالف السني ” إلى سوريا :
         غالباً ما تشير التسريبات الإعلامية الإيرانية عن إرسال  واشنطن بالفعل لقوات  خاصة أمريكية، ومارينز، ورينجرز إلى  بعض المناطق في  سورية،  للاستعداد الفعلي  لشن هجوم  واسع النطاق على محافظة الرقة، عاصمة تنظيم “داعش”، فعلياً تدرك  طهران تماماً أن القضاء على تنظيم الدولة سيتبعه استهداف للقوات والمليشيات التابعة لإيران، بعد تعهد (ترامب) بالقضاء على النفوذ الإيراني في سورية أولاً والعراق ثانياً . 

        طبعاً مع  استبعاد “إيران “ أن تقوم أمريكا بعملية برية  واسعة النطاق هناك مثلما قامت في العراق  في العام 2003م، بل ستعتمد على قوات تركية، سعودية، أردنية ….” الحلف السني “ لمواجهة إيران، مما سيتطلب من طهران ضرورة تبني إستراتيجية  مستعجلة لمواجهة ذلك، وهو ما سنبحثه في المقالة القادمة .

  • إيران واليهود وقصة الإنقاذ .... د.نبيل العتوم

    رفض وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) بقوة غير مسبوقة  مزاعم  بنيامين نتنياهو،  والتي لجأ  فيها إلى قلب الحقائق وتحريف التوراة، حيث نوَّه (ظريف)  إلى أن الشعب الإيراني أنقذ اليهود( 3) مرات عبر التاريخ.
     جاء ذلك في تغريدة للوزير (ظريف) نشرها مساء الأحد في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي ‘تويتر’ ، وتمَّ نقلها عبر صحيفة (مردم سالارى) اليومية المحسوبة على التيار الإصلاحي، وجاء في نص ما نشرته أن (ظريف ) عبَّر عن امتعاضه من المزاعم الأخيرة التي ساقها (نتنياهو) خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا والذي ادَّعى فيها بأن الإيرانيين سعوا قبل ( 2500 ) عام للقضاء على اليهود لكنهم فشلوا في ذلك.
     وقد علق (ظريف) بقوله أن  نتنياهو يُحرّف الحقائق المعاصرة وحقائق التاريخ  الماضي،  وهو يُحرّف الكتاب المقدس (التوراة) أيضًا, ومما يدعو للأسف –حسب ظريف-  اتهام الشعب  الفارسي الذي أنقذ اليهود ثلاثة  مرات في تاريخه.
     هذا وقد سرد  وزير الخارجية الإيراني (ظريف) كيف أنقذ الفرس اليهود عبر التاريخ،  واستعرض الدلائل على ذلك، حيث وضح  أن (كتاب استر) يُبين كيف أنقذ الملك (خشايار) اليهود في مثل هذا اليوم من مؤامرة هامان؛ ومرة أخرى أنقذ ملك إيران (كوروش) اليهود من أسر بابل؛ وخلال الحرب العالمية الثانية حيث كان اليهود يُقتَلون في أوروبا، وفّر الإيرانيون لهم الملاذ الأمن .

    ظريف -وهو حقاً ظريف -توقف عند هذا السرد، لكنه نسي أن يسرد لنا  كيف أن المناهج التعليمية في إيران  تُؤطر لعلاقة  قوية مع اليهود  لكنها بالمقابل تحتقر العرب، وتحطُّ من شأنهم، وتروج لذبحهم، حيث لا تعتبر ضمناً أن  إسرائيلَ عدوٌّ، إذ تنظر إلى  أن  فلسطين ليست أرضاً ذات قُدسية، فالقدسية هي للكعبة المشرفة، والأكثر منها هو للنجف الأشرف .

    يعودُ مردُّ عدم قدسية فلسطين – حسب الزعم الإيراني – أساساً إلى أن وجود المسجد الأقصى هو محض خيال؛ فهو غير موجود في واقع الأمر، حيثُ تمَّ  رفعه إلى السماوات العلا قبل أكثر من ألفِ عام ٍ.

    النتيجة أن إيران تزاود،  وتُتاجر بالقضية الفلسطينية، وأن العداء  مع إسرائيل ما هو إلا مجرد  مسرحية رديئة الإخراج، أبطالها أزلام الثورة البائسة، من أجل التغلغل في الجسد  العربي ونخره  إلى جانب تحقيق أجندات داخلية؛ لتثبيت سلطة الولي الفقيه المهترئة  .

    نسي الوزير “المفوه ” ظريف  كذلك أن يسرد لنا  كيف أن  الدستور الإيراني لا يعترف بالطائفة السنية ولا بوجودهم، ولكنه يعترف باليهود، ويدافع عن حرياتهم، ويعتبرها مصونة لا تُمس ، إلى جانب السماح  لهم ببناء  الكُنس ودور العبادة وممارسة شعائرهم، كذلك يحرص زعماء دولة (ولي الفقيه) الالتقاء بهم، والحوار معهم وتلبية مطالبهم .

    فعلياً فإن  إيران  اليوم تعتبر أكبر دولة تضم تجمعات كبيرة لليهود خارج “إسرائيل”، لديهم التجار المحميين من  الدولة الإيرانية، سألت أحد الصيارفة الذين كنا نتعامل معهم في شارع (فردوسي)  أثناء دراستي في إيران : ما يبقيك في إيران ؟، ولماذا لا تعود إلى إسرائيل ؟

    – أجابني : إنها أفضل  من إسرائيل .

     قلت له : لماذا ؟

     قال لي :كيف لا ، وهي  هي أرض “كورش” مخلِّصنا، وفيها ضريح “استرومردخاي” المقدس، و أرض القداسة التي نحجُّ  فيها إلى  “بنيامين” شقيق نبيّ الله يوسف، ثمّ ابتسمَ  بسخريةٍ، وقال : الأهمُّ من ذلك أن الشيعة الإيرانيين يؤمنون بفكرة التحالف مع اليهود لتحقيق الخلاص الإنساني .

     من هنا كنت أتمنى أن يتحدث لنا ظريف عن  تحالف  إمام زمانهم “المهديّ”  وكيف  سيشق الغبارَ مُتجهاً نحو فلسطين، ليتحالف هناك مع اليهود، ولينقذهم من العرب الكافرين، بعد أن يُظهر لهم عصا سيدنا موسى خضراء يانعة؛ ليشهدوا أنه مخلصهم وقائدهم، وليخوضوا تحت رايته الحرب الإلهية القادمة لذبح العرب، والاقتصاص منهم .

    ____________

  • إيران وفوز ترامب.... د. نبيل العتوم

    استحوذت قضايا الشرق الأوسط و إيران حصّة الأسد من مواقف ترامب  الخارجية  وتصريحاته الاستفزازية، سواءً لناحية وصفه للاتفاق النووي مع طهران  بالأمر المشين وأنه سيسعى لتمزيقه ، أو لناحية الهجوم على إيران حيث اعتبرها دولة إرهابية ، تسعى لتقويض الأمن الإقليمي، وركز على دعم طهران لإنشاء وتدريب الشبكات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، متوعدا بمواجهة هذه الشبكات ، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني ، ومطالبا بضرورة فرض العقوبات على إيران ، وتجميد أرصدتها المالية لكبح جماحها وتغولها في الإقليم  ، و قد وصلت حدة تصريحات ترامب إلى أهمية مواجهة إيران عسكريا ، مستشهداً بتهديداتها المتكررة للبحرية الأميركية في مياه الخليج العربي ، ومؤكدا على ضرورة تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة المشروع الإيراني ..

    ترامب في الإعلام الإيراني:

    وقد عبرت الصحف الإيرانية   عن صدمتها من  فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية ، وتناولت مواقفه  بحذر وتشاؤم غير مسبوق، حيث عبر العديد من المسئولين والنخب السياسية والعسكرية والأكاديمية   عن عدم تفاؤلهم بالمرحلة المقبلة التي قد تدفع إيران  إلى التعديل في سياساتها وسلوكها الخارجي الإقليمي والدولي  ، لاسيّما بعد التهديد  الذي عبر عنه  ترامب حول السلوك الإيراني العدواني ، الأمر الذي دفع بالرئيس روحاني ، ووزير خارجيته ، لتحذير ترامب من مغبة عدم الالتزام الأميركي بالاتفاق النووي واعتباره اتفاقا تم  إبرامه بضمانة دولية ، مُذكّرة ترامب بوقوف حلفاء أميركا الأوروبين  إلى جانب  هذا الاتفاق .

    الخشية الإيرانية من ترامب

    هناك عدّة أسباب تفسّر الخشية الإيرانية ، الرسمية والإعلامية ، من وصول ترامب إلى سدّة الحكم، أبرزها التالي

    أولاًلا شك بأن وصول ترامب اليمني – حسب الرؤية الإيرانية – يأتي  في ظل مناخ أمريكي ودولي يميل إلى اليمين المتشدد ، الأمر الذي  يعني تعزيز اليميني المتطرّف على حساب اليسار المعتدل في أوروبا، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد  إلى بروز أصوات مطالبة بالتشدد تجاه  طهران ، ، ما يعني انهيار جبهة الاعتدال المهادنة لإيران  بشكل كامل.

    ثانياًلا تخفي بعض التحليلات الإيرانية  خشيتها من التقارب الأمريكي الروسي الذي سيكون على حساب العلاقات بين موسكو وطهران  ، و تلميح إيران  إلى ضرورة بناء استراتيجيات جديدة  لبناء  تحالفات بديلة مع الاتحاد  الأوروبي، مستغلين تصريحات ترامب النارية ضد  أوروبا.  

    ثالثاًتحاول طهران اللعب بورقة انسحاب  بريطانياً ” اليمينية المحافظة ” من الاتحاد الأوروبي، ومحاولة الترويج لفكرة مفادها من  أن خروجها من الاتحاد يعني انسحابها نحو أمريكا و الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب ، وأن من شأن ذلك أن يكون على حساب الحلفاء ؛ حيث تروج طهران  إلى  حاجة الاتحاد الأوروبي إلى حليف  إقليمي قوي كإيران في ظل تقارب تركي مفترض مع أميركا ، وهذا ما ظهر من خلال خطاب ترمب الذي أشاد بالدور التركي.

    رابعاًلا تقتصر الخشية على  إيران  من سياسة ترامب على العلاقات الثنائيّة حسب ، بل برزت من موقف الأخير من القضايا الساخنة كالحرب على الإرهاب ، واعتباره لها دولة إرهابية ، إلى جانب عدم الوضوح إزاء الأزمة السورية  والعراقية والموضوع اللبناني ” حزب الله ” ، واعتبار كل ذلك يشكل تهديدا للسياسة الإيرانية ولأمن إيران القومي.

    خامسا:يدرك الإيرانيين تماماً التصاق الجمهوريين بالحروب،وبسياسة المجابهة الانتقائية ، وأن سياساتهم هي المسئولة عن  إشعال فتيل الأزمات، والذي خدم إيران ، وسهل لها بناء مجال حيوي غير مسبوق من حيث القدرات ، و ليتحول  المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط بصورة دراماتيكية نحو مسرحية تهديد الأمن القومي الأمريكي، ما تلبث أن تندلع الحروب ؛ لتكون طهران من أول المستفيدين

  • اتفاق وقف إطلاق النار "أسبابه ومآلاته"..... د. سامر عبد الهادي علي

       بعد نحو خمس سنوات من الحرب الدائرة بين الشعب السوري ونظام استبد في حكمه، ومارس عليه مختلف أنواع القهر والظلم، لم يستطع هذا النظام طيلة الفترة السابقة القضاء على ثورته بالرغم من كل أساليب القتل والتدمير التي مارسها بحق هذا الشعب. هذه الوحشية غير المسبوقة دفعت الشعب السوري -مجبراً - حمل السلاح دفاعاً عن نفسه، واستطاع تحرير مساحات واسعة من البلاد، وطرد قوات النظام منها، وقد شهدت قواته تراجعاً كبيراً في أعدادها نتيجة الانشقاقات الكبيرة في صفوفها من جهة، ومقتل الكثير منها على أيدي قوات الثورة السورية من جهةٍ أخرى. هذا النقص الحاد والاستنزاف المتواصل لقوات النظام دفعته للاستعانة بحلفائه من الخارج، دولاً وميليشيات، في مقدمتهم إيران وروسيا والميليشيات الشيعية من لبنان "حزب الله" والعراق وإيران وعدد من الدول الآسيوية، رغم ذلك لم يتراجع الشعب السوري عن أهدافه في إسقاط هذا النظام.

       لذلك فإنّ أهم ما يمكن ملاحظته هو أنّ صمود النظام السوري إلى هذا اليوم لم يكن ممكناً لولا الدعم الدولي له من جهة، وتضارب المصالح الدولية فيما بينهما من جهةٍ أخرى، وهذا ما انعكس رغبةً دوليةً على عدم إسقاط النظام، والحفاظ عليه أطول فترة ممكنة، يدخل في هذا السياق قيام روسيا بالتدخل المباشر في سورية، وإرسال قواتها للدفاع عن النظام السوري، ومحاولة الحصول على مكاسب على الأرض من خلال القيام بحملة جوية ضد مواقع الثوار، إلا أنّ ذلك لم ينفعها في تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة سوى في بعض المناطق، كريف حلب وريف اللاذقية، وأدركت روسيا مؤخراً أن استمرارها في حملتها العسكرية سيكون لها تداعيات كبيرة على الداخل الروسي، خاصة بعد هبوط أسعار النفط بشكل حاد، والعقوبات الغربية المفروضة عليها، مما زاد في تراجع الاقتصاد الروسي الهش أصلاً.

       هذه التطورات المتسارعة سورياً وإقليمياً ودولياً، دفعت بعض الدول العربية والإقليمية باتجاه ضرورة اتخاذ موقف موحد حيال ما يتعرض له الشعب السوري من قتل وتشريد وتدمير وإرهابٍ متواصل منذ خمس سنوات، وبدأ يتنامى التعاون السعودي التركي لمواجهة التنظيمات الارهابية داخل سورية، وفي المنطقة عامة، وقد وصل مؤخراً هذا التعاون إلى درجة عالية من التنسيق نتج عنه تشكيل تحالف إسلامي تقوده السعودية بمشاركة فعالة من تركيا، وعدد كبير من الدول العربية والإسلامية، وتأتي مناورات رعد الشمال التي يجريها التحالف الإسلامي في السعودية منذ نحو أسبوع استعراضاً مقصوداً للقوة العسكرية التي يمكن استخدامها في سورية عندما تحين الفرصة لذلك، هذا الاستخدام للقوة أكده، ولا يزال، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنّ على الأسد أن يرحل عن سورية، إما بعملية سياسية، أو سيكون العمل العسكري الحل الوحيد لذلك.

       كل هذه الأسباب دفعت روسيا مؤخراً لمناقشة إمكانية البدء بحل سياسي وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية، ومشاركة فعالة لجميع الأطراف في هذه العملية، لذلك طرحت روسيا وأمريكا، كخطوة أولى لبدء العملية السياسية، مشروعاً إلى مجلس الأمن لوقف فوري لجميع الأعمال القتالية في سورية، باستثناء داعش والنصرة، وقد وافق مجلس الأمن على الهدنة بالإجماع. ويمكن استعراض أهم بنود الهدنة وهي:   

    - يسري وقف الأعمال العدائية في عموم البلاد على أي طرف مشترك حاليًا في عمليات قتالية، عسكرية أو شبه عسكرية، ضد اية أطراف أخرى باستثناء "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة"، وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي.

    - مسؤوليات المعارضة السورية المسلحة مبينة في الفقرة 1 أدناه. ومسؤوليات القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وجميع القوى الداعمة لـ أو المرتبطة بالقوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية مبينة في الفقرة 2 أدناه.

    - للمشاركة في وقف الأعمال العدائية، ستؤكد مجموعات المعارضة المسلحة - للولايات المتحدة الأمريكية أو لروسيا الاتحادية، اللتين ستشهدان على هذه التأكيدات لبعضهما البعض بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا، في موعد لا يتعدى الساعة 12.00 ( بتوقيت دمشق) من يوم الـ 26 من فبراير/شباط 2016 - التزامها وقبولها بالشروط التالية:

    1- التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم اعتماده بالإجماع في الـ 18 من ديسمبر/كانون الأول 2015، بما في ذلك الاستعداد للمشاركة في عملية المفاوضات السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.

    2- وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضد القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأي قوات مرتبطة بها.

    3- وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي من قبل القوات الجوية التابعة للجمهورية العربية السورية والقوات الجوية الفضائية الروسية، ضد مجموعات المعارضة المسلحة ( بحسب ما سيتم تأكيده للولايات المتحدة أو لروسيا الاتحادية من قبل الأطراف المشاركة في وقف العمليات العدائية).

    4- التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار.

    5- السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل في جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرة عملياتها والسماح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها.

    6- الاستخدام المتناسب للقوة (أي ما لا يزيد عما هو مطلوب للتصدي لتهديد مباشر) إذا وعندما يكون الرد في حالة دفاع عن النفس.

    7- تتعهد جميع الأطراف بالعمل على الإفراج المبكر عن المعتقلين، وخصوصًا النساء والأطفال.

    - تؤكد الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بصفتهما الرئيسين المشاركين بأن تتم مراقبة وقف الأعمال العدائية بطريقة حيادية وشفافة وتحت تغطية إعلامية واسعة.

       وبعد نحو عشرة أيام من بدء تطبيق وقف إطلاق النار، يبدو هناك هشاشة في تنفيذ هذا الاتفاق، فقد شهدت خلالها العديد من الخروقات في مختلف المناطق السورية، أهمها في ريف اللاذقية وحلب وبعض مناطق إدلب، ومناطق متفرقة من المحافظات والمناطق السورية الأخرى، إلا أنه رغم ذلك لا يزال الاتفاق سارياً، وتسعى الكثير من الدول المحافظة على استمراره، كونه الفرصة الأخيرة في مسار الحل السياسي الأخير، ومن خلال ذلك يمكن قراءة ما يجري على أنه محاولة جادّة من المجتمع الدولي، وفي مقدمته أمريكا وروسيا، على الوصول إلى النتائج المرجوة من هذا الاتفاق، وتفعيله بشكلٍ أكبر، خاصةً بعد اعلان روسيا اليوم عن أن الاتفاق غير محدد بمدّة زمنية، وسيبقى سارياً كخطوة مهمة في إطار الحل السياسي المنشود.

       يبقى هذا الاتفاق في النهاية مرهوناً بالتزام جميع الأطراف بتطبيقه، وخاصةً من جانب النظام وحلفائه، ولن يتم ذلك إلا من خلال استمرار الضغط الروسي على حليفها الأسد باستمرار الالتزام بهذا الوقف، ليتسنى لروسيا الإيفاء بتعهداتها الدولية، ولو ظاهرياً، كونها لم تعد تحتمل الهجوم المستمر عليها إعلامياً وسياسياً من جهة، والتكلفة الباهظة التي دفعتها في تدخلها السافر والمباشر في الأزمة السورية.

       من جهةٍ أخرى، سيبقى الشعب السوري مستمراً بمطالبه العادلة والمحقّة بالوصول غلى سورية من دون الأسد، وصموده هذا سيحقق له أهدافه التي خرج من أجلها، لن يثنيه عن ذلك كل مؤامرات الداخل والخارج.   

  • استراتيجية الإبتزاز الإيرانية وفشل استراتيجية الردع

    تقدير موقف

    د. عبادة التامر - المركز السوري سيرز

    أظهر الهجوم الذي وقع في 14 أيلول الحالي، وضرب أحد أكبر المجمعات النفطية في العالم في بقيق وخريص السعوديتين الوجه الواضح لاستراتيجية الابتزاز الإيرانية (blackmail strategy)، وبالرغم من إتباع إيران هذه الاستراتيجية لفترات طويلة إلا أنها لم تصل في السابق إلى حد الاستهداف المباشر لأسواق النفط العالمية وتكبيدها خسارة تقدر بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً.

    وقد أظهر تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماع حكومته في 18 أيلول الحالي الوجه الواضح لاستراتيجية الابتزاز حيث قال " إنه ينبغي على السعودية أن تنظر للهجوم الذي وقع السبت على منشآتها النفطية باعتباره تحذيراً لإنهاء الحرب في اليمن".

    مارست إيران استراتيجية الابتزاز ولعبت على مسار حافة الهاوية بوضوحٍ ووتيرةٍ متزايدة منذ تبني الولايات المتحدة الأميركية لسياسة الضغط المتدرج، ومن ثم الضغط الأقصى على إيران. كما أنها مارست أدواراً مؤثرة في تطويق الدول الإقليمية عبر دعم الحركات والمليشيات المندرجة ضمن فضاءها الفكري والمذهبي، بدءً بالعراق واليمن والبحرين لعزل وابتزاز دول الخليج العربي، مروراً بسوريا لتطويق وتحجيم دور منافسها الجيوبوليتيكي الأساسي (تركيا).

    وقد ساعد إيران على إظهار تأثيرها في الشرق الأوسط عاملان أساسيان: الأول يتعلق بطبيعة نظام الحكم فيها والقائم على مركزية مذهبية تتيح لها تبني سياسات التدخل المباشر رغم الخسائر المتوقعة المادية والبشرية، والثاني يرتبط باستجابات الدول الإقليمية المعنية لهذه التدخلات المباشرة فمعظم الاستجابات كانت مرتبكة أو محدودة أو تفتقر إلى المقاربات الحازمة.

    كما سمح واقع النظام الدولي الحالي لإيران بلعب أدوارٍ أكثر حدة وتحدياً، ويأتي ذلك نتيجة تراجع الاستجابة الدولية لعددٍ من التطورات الهامة والتي كان أولها غزو روسيا لجورجيا عام 2008 والذي يعد الحدث الأساسي الذي أعطى الانطباع بنمو دور روسيا عالمياً، ومن ثم التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا عام 2015 وضم شبه جزيرة القرم والحرب مع أوكرانيا عام 2014. هذه التطورات المتتالية في بنية النظام الدولي وعدم الاستجابة الواضحة والحازمة لها أعطى الانطباع لإيران بأن استخدام الأدوات العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية يمكن التغاضي عنه إذا ما كانت تكلفة ردعه كبيرة.

    تفترض بعض نظريات السياسة الخارجية أن استخدام القوة لا يعد السياسة الأولى التي يتم اختيارها لتحقيق الأهداف، وهذا الأمر ينطبق على الدول التي تمتلك أدوات متنوعة لتنفيذ ملف (Portfolio) سياستها الخارجية، فهذه الدول تمتلك أدوات متنوعة يمكنها إحلالها (Substitutability)محل بعضها وفق محددات الكفاءة والفاعلية لتحقيق الأهداف. أما في حالة إيران فإن المبادرة بإثارة النزاع وتصعيد الموقف لحافة الحرب واستخدام المليشيات الموالية لها فيعتبر الأداة الوحيدة الموجودة لديها. وفق هذه الاعتبارات فإن استمرار إيران في اتباع استراتيجية الابتزاز والمبادرة بإثارة النزاع سيستمر وخصوصاً إذا ما تعزز موقفها باستجابة تراها إيجابية من قبل الأطراف التي تحاول ابتزازهم. وينطبق هذا السلوك في السياسة الخارجية على سلوك العصابات، حتى أن بعض المراقبين والسياسيين يرون في إيران دولة عصابة (Gang state)، أو دولة مارقة (Rogue State) على أقل تقدير.

    وفي هذه الحالة فإن الاستجابة المتوقعة من قبل الدول القوية التي تملك أدوات تأثير متعددة كـ (الاقتصاد – النظام المالي- العمليات الدعائية- العمليات السرية) للسلوك المثير للنزاع من قبل إيران سيتجنب الرد على إثارة النزاع بالدخول في نزاع مباشر لأنه يمتلك أدوات أخرى ولتكلفة الأداة العسكرية. في حين أن الدول الضعيفة التي تحاول إيران ابتزازها ستتجنب الرد بالمثل لأسباب بنيوية تتعلق بتركيبة وبنية نظام الحكم فيها أو لعدم قدرتها على تحمل الخسائر الناتجة عن المواجهة المباشرة أو الرد بالمثل.

    هذه الوضعية المعقدة والخطرة ستزداد خطورة أيضاً في ظل تقارب الاستراتيجيات بين روسيا وإيران، وهو الأمر الذي دعا له الجيوبوليتيكي الروسي ألكسندر دوغين والذي حض صناع القرار في موسكو على إطلاق ما أسماه " محور موسكو-طهران" والذي يُعمل عليه حالياً بوتيرة متزايدة. فالهدف الروسي وفق تعبير دوغين هو " إقرار السلام الإيرانيPax Persia"" وإقامة تحالف جيوبوليتيكي معها باعتبارها الجزء الجنوبي من خريطة التحالفات الجيوبوليتيكية الروسية، الأمر الذي يمكّن روسيا أيضاً من الوصول إلى المياه الدافئة واختراق ما أسماه ماكندر بإقليم الحافةRimlandأو ما أسماه أحمد داوود أوغلو بالحزام الاستراتيجي.

    في هذه الحالة فإن خطر استراتيجية الابتزاز الإيرانية سيتضاعف ولن يقف عند حدود ابتزاز دول الخليج والمنطقة العربية، بل سيؤدي إلى تطويق تركيا وفضاءها الثقافي الجيوسياسي، وابتزازها استراتيجياً ودفعها لتكون بين فكي الكماشة الروسية في الشمال والإيرانية في الجنوب.

    إن خطر استراتيجية الابتزاز الإيرانية، ومحور موسكو- طهران الجيوبوليتيكي يعد خطراً مهدداً للمنطقة، ومؤثراً على طبيعة التوازن الدولي الحالي. ولذلك فإن التعامل معه وفق صيغٍ وسياسات تقليدية أثبت حتى الآن عدم نجاحه. وبالرغم من أن استراتيجية الضغط القصوى التي تتبعها الولايات المتحدة مع إيران قد أثرت على الاقتصاد الإيراني والقدرة الإيرانية على التسلح وتمويل أذرعها في دول الجوار، إلا أن هذه الاستراتيجية تعتبر قاصرة، فهي ستؤخر وتحد من قدرات إيران فقط.

    إن إتباع استراتيجية مركبة تمزج بين استراتيجية الضغط الأقصى واستراتيجية تقطيع الأطراف، والعمل على تغيير بنية وسلوك نظام الحكم في إيران يعتبر الاستراتيجية المثلى لمواجهة استراتيجية الابتزاز الإيرانية.

    ولذلك فإن على الدول الاقليمية في البداية إتباع مجموعة من الاجراءات التي تكفل تقطيع أطراف المشروع الإيراني بدءً من اليمن مروراً بسورية والعراق.

    وهذه الاجراءات يجب أن تشمل تغيير طريقة واستراتيجية مواجهة المشروع الحوثي في اليمن وبنية التحالف القائم لمواجهته.

    كما تشمل هذه الإجراءات أيضاً تبني الثورة السورية باعتبارها طرفاً فاعلاً يمكنه مواجهة أبرز أذرع إيران في أكثر الساحات تعقيداً وحساسية.

    كما تتطلب هذه الاستراتيجية المقترحة إدراك الدول الإقليمية أن استراتيجية الابتزاز الايراني لن تقف عند حدود دولة بعينها بل ستمتد إذا ما نجحت الآن في تحصيل بعض المكاسب نتيجة عدم تطوير استراتيجية لمواجهتها، لتصل إلى نطاقٍ أوسع، ولتشمل دولاً أخرى.

     

     

  • الآفاق المستقبلية لـ”صفقة القرن“ الأمريكية

    بقلم الدكتور وليد عبد الحي.

    يناقش هذا التقدير الاستراتيجي الجهود الأمريكية للإعلان عما عُرف بـ"صفقة القرن" خلال سنة 2019، كما يستعرض التحديات التي تواجهها، وإمكانات إفشالها، كما يستعرض الآفاق المستقبلية المحتملة للصفقة.

    ملخص

    يظهر أن الإدارة الأمريكية تسير نحو الكشف الرسمي عن بنود "صفقة القرن" خلال سنة 2019. وبالرغم من أن ما تسرَّب من هذه البنود لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به أي طرف فلسطيني، بمن في ذلك الأطراف المؤيدة لمسار التسوية السلمية، إلا أن الطرف الأمريكي سيسعى جاهداً إلى إيجاد ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذراً؛ بينما ستظل الاستجابة للمتطلبات والشروط الإسرائيلية هي جوهر الصفقة.

    ومع ذلك، فإن الصفقة تواجه تحديات كبيرة، وإمكانات إفشال حقيقية، وعلى رأسها الرفض الفلسطيني لها، وتراجع البيئة الرسمية العربية الراغبة في التجاوب معها، وعدم حماسة المجتمع الدولي وخصوصاً الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لها؛ بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التي يواجهها ترامب، والمشاكل الداخلية التي يواجهها نتنياهو؛ مع احتمالات تصاعد المقاومة الفلسطينية، وحدوث انفجارات في البيئة الإقليمية التي تتميز بحالة من التوتر واللا استقرار.

    مقدمة: منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 عن أن لديه "صفقة" لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، تتابعت النشاطات الأمريكية على الجبهات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في هذا الإطار، دون الإعلان الرسمي عن "نص رسمي" لبنود هذا المشروع الذي أصبح معروفاً "بصفقة القرن".[1] ونتيجة لذلك، اعتمدت التحليلات السياسية لمشروع صفقة القرن، غير المعلن رسمياً حتى الآن، على بُعدين هما:

    1. التسريبات الصحفية وبعض الإشارات العامة التي ترد على لسان الفريق السياسي الذي أوكل له ترامب جهود إدارة هذا المشروع.
    2. الممارسة السياسية الميدانية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط واعتبارها مؤشرا على المضمون الفعلي الذي ينطوي عليه ذلك المشروع.

    ويبدو أن إخفاء بنود الصفقة حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من سنتين على أول إشارة لها، يستهدف إيجاد بيئة سياسية مواتية في المستوى المحلي (الفلسطيني والإسرائيلي)، والمستوى الإقليمي (العربي بشكل خاص) والدولي (بشكل عام)، من خلال إقناع الأطراف بالبنود واحداً تلو الآخر، ثم الإعلان عن الصفقة بعد ضمان قدر كافٍ من الترويج لها بين القوى الأساسية في المستويات الثلاثة السابقة الذكر، وتكشف تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو Michael Pompeo عن الترابط بين الظروف السياسية من ناحية وبين الإعلان عن الصفقة من ناحية أخرى، فقد ذكر في 23/1/2019 أنه لن يتم الإعلان عن بنود المشروع إلا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9/4/2019.[2]

    التسريبات الصحفية لبنود الصفقة:

    يمكن تحديد البنود الأكثر ترداداً في التسريبات الصحفية أو الإشارات العامة التي ترد على لسان مسؤولين من ذوي العلاقة بالموضوع في البنود التالية:[3]

    1. ترك موضوع إقامة دولة فلسطينية إلى جانب "دولة إسرائيل"، أو التوجه نحو دولة واحدة لطرفي النزاع ليقررا ما يناسبهما في هذا الشأن، أي عدم التمسك بالضرورة بحل الدولتين.
    2. إن الكيان الفلسطيني، أياً كان شكله النهائي، سيقوم على مساحة تتراوح بين 40-60% من مساحة الضفة الغربية؛ غير أن تسريبات جديدة تحدثت مؤخراً عن 90% من مساحة الضفة.
    3. أن تكون بعض ضواحي القدس الشرقية هي عاصمة للكيان الفلسطيني، بينما القدس بكاملها عاصمة لـ"إسرائيل".
    4. تقع مناطق المقدسات الإسلامية في القدس ضمن السيادة الإسرائيلية، على أن تترك "إدارتها" لدول إسلامية مثل الأردن وتركيا والسعودية.
    5. يتم تقديم مساعدات دولية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يتواجدون فيها، ومساعدة هذه الدول المضيفة للاجئين من خلال الاستثمارات وغيرها من الأدوات الاقتصادية لتحسين فرص دمج هؤلاء اللاجئين في هذا الاتجاه.
    6. ربط الأجزاء التي يقوم عليها الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية بقطاع غزة، وتقديم مساعدات دولية لتحسين الظروف الاقتصادية في كل من شقَي الكيان الفلسطيني المقترح.
    7. سيكون الكيان الفلسطيني المقترح منزوع السلاح ويقتصر على أجهزة أمنية بتسليح يتناسب مع مهمات الحفاظ على الأمن الداخلي.
    8. ضم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الرئيسية في الضفة الغربية لـ"إسرائيل"، بينما يتم تفكيك المستوطنات "العشوائية" أو إخلائها أو خضوعها لسلطة الكيان الفلسطيني.
    9. منح الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية التي سيتم ضمها لـ"إسرائيل" الجنسية الإسرائيلية.
    10. تواجد عسكري إسرائيلي على طول نهر الأردن من الجانب الغربي للنهر.
    11. الاعتراف الفلسطيني بـ"إسرائيل" كـ"دولة يهودية".

    المنظور الأمريكي لتحقيق الصفقة

    يمكن تحديد عدد من المؤشرات التي تشكل البيئة التي يسعى الرئيس الأمريكي ترامب لصنعها لتوفر النجاح لمشروعه، وتتمثل هذه المؤشرات في جوهرها في إيجاد ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذراً من ناحية، واعتبار الأمن الاسرائيلي هو الدالة المركزية للصفقة من ناحية ثانية.

    ولضمان البُعدين السابقين (ميزان القوى والأمن الإسرائيلي) اعتمد ترامب على ما يلي:

    أولاً: فريق الصفقة:

    فقد تمّ اختيار فريق أمريكي للعمل يؤمن بالمبدأين السابقين ويعمل على صياغة وطرح وتنفيذ الصفقة، ويضم هذا الفريق كلاً من:

    1. مايك بومبيو Mike Pompeo: وهو أول شخص في التاريخ الأمريكي ينتقل من رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) Central Intelligence Agency (CIA) إلى منصب وزير الخارجية الأمريكي، ويتم تصنيفه بين صقور الإدارة الأمريكية الحالية، وهو من أكثر المسؤولين الأمريكيين انتقاداً لعمليات الطعن التي يقوم بها المقاومون الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهو صاحب الدعوة الواضحة الأبعاد بأن تكون "إسرائيل" هي "النموذج المحتذى" لدول الشرق الاوسط.[4] كما أنه الاكثر رفضاً بين المشرعين الجمهوريين لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما Barack Obama تجاه إيران لا سيّما في موضوع الاتفاق النووي.[5] وكان من بين أكثر الدعاة لإبقاء سجن جوانتنامو مفتوحاً، وهو الأكثر دفاعاً عن استخدام السي آي إيه التعذيب.[6]
    2. جاريد كوشنير Jared Kushner: على الرغم من أنه، طبقاً للصحافة الإسرائيلية، الأقل خبرة بالشرق الأوسط، فقد تمّ اختياره لمهمة تسوية الوضع في الشرق الاوسط،[7] وتشير كل من صحيفة نيويورك تايمز The New York Times الأمريكية والأندبندنت The Independent البريطانية،[8] ووسائل إعلام غربية أخرى، إلى أن كوشنير ينتمي لأسرة يهودية قدمت مؤسساتها "الخيرية" 38 ألف دولار لمساعدة مستوطنة بيت إيل Beit El اليهودية في الضفة الغربية سنة 2013، وهي المستوطنة نفسها التي قدمت لها مؤسسة ترامب 10 آلاف دولار سنة 2003، ويحظى كوشنير بشعبية كبيرة بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس.[9]
    3. ديفيد فريدمان David Friedman: السفير الأمريكي في "إسرائيل"، وهو يترأس مجموعة لمساندة مستوطنة بيت إيل السابقة الذكر وهي مجموعة الأصدقاء الأمريكيين لمؤسسات بيت ايل American Friends of Bet El Institutions fundraising group،[10] وكان مستشاراً لترامب في حملته الانتخابية، وهو أول من أعلن قبيل تنصيب ترامب رئيساً أن الولايات المتحدة لا تعتبر إقامة دولة فلسطينية مسألة حيوية للمصالح الأمريكية، وهي مسألة متروكة لتقديرات "إسرائيل"، كما أن ترامب لن يعارض ضم "إسرائيل" لأجزاء من الضفة الغربية لها، كما أن المصلحة الأمريكية هي ضمان أمن "إسرائيل"، وأي سياسة تؤثر سلباً على ذلك يجب تجنبها، وهو يرى أن نموذج غزة وما آلت له الأمور فيها لا يشجع على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.[11]
    4. جيسون جرينبلات Jason Greenblatt: وهو الممثل الخاص للرئيس في المفاوضات الدولية منذ كانون الثاني/ يناير 2017 (بما في ذلك الشرق الاوسط). وهو مستشار ترامب للشأن الإسرائيلي، وهو من خصوم أي دور للأمم المتحدة United Nations في فرض حلّ الدولتين ويدعو لترك ذلك للطرفين المعنيين، وهو لا يرى أن المستوطنات تشكل عائقاً أمام "السلام"، وهو يعارض قرارات اليونسكو United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) الخاصة بالقدس،[12] وتشير بعض المراجع أن مصادر معلوماته عن المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي يتلقاها بشكل رئيسي من مصدرين هما رسائل البريد الإلكتروني القادم من اللوبي اليهودي المعروف بالآيباك American Israel Public Affairs Committee (AIPAC)، وبرنامج إذاعي يشرف عليه رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا، وهو من المعتقدين أن أنسب طريقة لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات هو الضغط الاقتصادي.[13]
    5. جون بولتون John Bolton: وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي منذ 2018، ويعد من أعتى صقور الإدارة الأمريكية الحالية، فهو معارض شرس لدور الأمم المتحدة في تسوية الصراع، كما أنه من معارضي حلّ الدولتين في الموضوع الفلسطيني، ناهيك عن تأييده لتغيير الأنظمة المعارضة بالقوة، وهو من أشد المؤيدين لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما أنه من دعاة إعادة قطاع غزة للسيادة المصرية والضفة الغربية للأردن.[14]

    إن ما تمّ عرضه من آراء الفريق الأمريكي الذي يتولى العمل على صياغة وطرح بنود "صفقة القرن" يدل على أنه فريق يتبنى أفكاراً تتسق والنقاط سابقة الذكر التي تسربت لوسائل الإعلام، وقد تظهر بعض الاختلافات في التفاصيل لكن جوهر الاتجاه العام للصفقة سيبقى هو ذاته، خصوصاً إذا اضفنا لها مواقف الرئيس الأمريكي ذاته لا سيّما نقله السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهو ما توقعناه في دراسة سابقة،[15] ناهيك عن توجهاته العامة تجاه الصراع والتي تقوم على:[16]

    1. أولوية ربط عدم الاستقرار الإقليمي بالدور الإيراني، وليس بانعكاسات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وهو ما يتضح في تزايد التنسيق الأمريكي العربي ضدّ إيران على حساب التنسيق الإقليمي العربي ضدّ "إسرائيل".
    2. أولوية التطبيع العربي مع "إسرائيل" على التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وهو ما تعززه وفود التطبيع وزيارات المسؤولين الإسرائيليين للدول العربية.
    3. أولوية البُعد التجاري المالي على البعد السياسي في العلاقات مع الدول العربية.

    ثانياً: تشكيل البيئة السياسية للصفقة قبل طرحها:

    من الضروري العودة إلى التحليل النفسي لشخصية ترامب خصوصاً في أدائه التفاوضي، فقد أجمعت التقارير العلمية الأمريكية المتخصصة في هذا المجال على أن ترامب "شرس في توظيف كل أدوات القوة التي لديه من بداية التفاوض، ولا يعرف تأنيب الضمير لما يصيب الآخرين من خسائر في التفاوض".[17]

    وتتجلى خطوات الإدارة الأمريكية الحالية في إعداد البيئة التفاوضية في عدد من المؤشرات التي سيكون لها انعكاسها على نتائج أي تفاوض:

    1. تشكيل فريق تفاوضي أمريكي يتبنى توجهات الرئيس كما يتضح من المواقف التي أشرنا لها أعلاه.
    2. الضغط الدبلوماسي والمالي المتواصل على كل من السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وهو ما يتجلى في الترتيبات التالية:
      • إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2019.[18]
      • قطع المساعدات الأمريكية عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA) والتي بلغت 359.3 مليون دولار (سنة 2017) ثم تراجعت إلى 65 مليون دولار سنة 2018 قبل التوقف عن تقديمها، ووقف مساعداتها لمشروعات الوكالة والتي تصل الى 30% من مجموع مشروعات الوكالة في المنطقة.[19]
      • إعادة النظر في المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية في ضوء سلسلة من التشريعات التي أصدرها الكونجرس الأمريكي Congress ومصادقة الرئيس ترامب عليها، وتشمل إعادة توجيه بعض المساعدات التي كانت تقدم للسلطة الفلسطينية إلى جهات أخرى، والعمل على منع وصول المساعدات لأيّ جهة أو فرد فلسطيني ممن لهم صلة بـ"الأرهاب" (أي تنظيمات المقاومة)، وحجب المساعدات عن أيّ حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حركة حماس، وربط المساعدات بامتناع السلطة الفلسطينية عن التقدم بأيّ دعاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحجب المساعدات عن أيّ جهود تستهدف حصول السلطة على عضوية أي من وكالات الأمم المتحدة، ومنع المساعدات عن كل رجال السلطة العاملين في غزة، وعن هيئات الإعلام الفلسطيني، ناهيك عن مراقبة كل النشاطات المالية للسلطة، واستثنت كل هذه القرارات المساعدات الأمريكية ذات الصلة بنشاطات التنسيق الأمني بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.[20]
    3. تشجيع الدول العربية خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي على التحلل من ربط المقاطعة العربية لـ"إسرائيل" بتسوية الموضوع الفلسطيني،[21] ولا يشترط جرينبلات قبول العرب للصفقة بل يكفي دعمهم ويقول حرفياً "أعتقد جازماً أن شركاءنا الإقليميين هم لاعبون أساسيون في جهودنا، وقد أجرينا معهم مشاورات مكثفة، ولدينا أمل في الاعتماد على دعمهم لنا، وأنا استعمل كلمة "دعمهم" support بدلاً من موافقتهم approval.[22]

    4. عرقلة القرارات الدولية في مجلس الأمن الدولي باستخدام الفيتو Veto ضدّ القرارات التي تعترض عليها "إسرائيل" كما جرى في القرار الخاص بالقدس في 18/12/2017، والقرار الخاص بغزة والقدس في 1/6/2018.
    5. تأجيل الكشف عن نصوص "الصفقة" إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/ أبريل القادم لعدم التأثير على احتمالات فوز بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu بالسلطة مرة أخرى، خصوصاً إذا تضمنت الصفقة تنازلات "ما" من الطرف الإسرائيلي.

    الآفاق المستقبلية للصفقة

    ثمة مجموعة من العوائق التي تواجه نقل الصفقة إلى حيز التطبيق:

    1. المشكلات الداخلية التي يواجهها ترامب لا سيّما في ظلّ استئناف التحقيقات عن علاقات انتخابه بدور روسي وعن دور مهم لكوشنير في هذا الموضوع، خصوصاً في ظلّ التوتر القائم بينه وبين الكونجرس في موضوعات عديدة أخرى مثل موضوع الجدار مع المكسيك، وموضوع التحقيقات في علاقات مالية مشبوهة على إثر التحقيقات بموضوع الصحفي السعودي جمال خاشقجي...إلخ.
    2. المشكلات الداخلية التي يواجهها نتنياهو (الفساد) إلى جانب ضعف الأغلبية له في الكنيست Knesset (مقعد واحد فقط)، ناهيك عن منافسين له أكثر يمينية منه في موضوع التسوية مع الفلسطينيين.
    3. صعوبة قبول أي طرف فلسطيني بالمشاركة العلنية في التفاوض على هذا الأساس، بالإضافة إلى أن ثمة إجماع فلسطيني شعبي على رفضها. وقد تسعى الإدارة الأمريكية لإيجاد مخرج لهذا الموضوع إما بمفاوضات سرية أو تفاوض عربي بديل للفلسطينيين، خصوصاً أن رئيس السلطة الفلسطينية في وضع صحي "مقلق" من ناحية وفي وضع داخلي مأزوم بسبب مواقف أغلب التنظيمات الرئيسية من سياساته الداخلية والخارجية.
    4. احتمالات تفجر مواجهة غقليمية بين "إسرائيل" وإيران أو في غزة أو على الجبهة اللبنانية أو السورية.
    5. الشقاق الداخلي في مجلس التعاون الخليجي يجعل الدور الخليجي أقل من المأمول أمريكياً، لا سيّما مع المشكلات الداخلية لدول الخليج وانشغالاتها المحلية.
    6. عدم حماس المجتمع الدولي خصوصاً الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لـ"صفقة القرن"، وهو ما اتضح في توجهات هذه القوى في الأمم المتحدة.

    وفي ضوء المنظور الواقعي الذي عبَّر عنه جرينبلات بضرورة التعامل على أساس الواقع القائم على الأرض لا على أساس "ما يجب أن يكون"، وهو ما يتبناه الفريق الأمريكي المسؤول عن إدارة الصفقة بمن فيهم الرئيس ترامب، يمكن تصور الملامح التالية:

  • الأزمة الخليجية الرابعة (حصار قطر) الأطراف الفاعلة .. (تقدير موقف)

    مجموعة التفكير الإستراتيجي بالتعاون مع ملتقى العدالة والديمقراطية

    الأزمة الخليجية الرابعة (حصار قطر) الأطراف الفاعلة .. (تقدير موقف)

    الأحد 2/7/2017

    المقدمـــــة:

    في مشهد أقرب للصدمة ومع بداية صيف ساخن، وفي الخامس من يونيو 2017 في الذكرى الـ50 لاحتلال أجزاء من أراضي ثلاث دول عربية فيما أشتهر بنكسة 67 على يد "إسرائيل"، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين، ومصر وتبعها دول غير ذات صلة مباشرة بالأزمة مثل المالديف وموريتانيا ثم اليمن بعد ذلك، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية كافة منها وإليها، ومنع دخول أو عبور القطريين إلى بلادهم "لأسباب أمنية".

    "وروجت الدول المقاطعة لقرارها بأنه جاء نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة سرًا وعلنًا طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الخليجي، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة ومنها (جماعة الإخوان المسلمين) و(حماس) و(داعش) و(القاعدة)".

    الأسباب والإدعاءات ذاتها ساقتها الإمارات والبحرين وتبعهما مصر وحكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية، وحتى الحكومة الليبية المؤقتة لبرلمان طبرق، وزادت على ذلك الإمارات بمنع دخول القطريين إليها، وأمهلت المقيمين والزائرين القطريين 14 يوماً لمغادرة البلاد لأسباب أمنية.

    كما أعلنت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن إنهاء مشاركة قطر في هذا التحالف "بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب"، على حد تعبيرها. وقالت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية إنها "قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها القاعدة وداعش وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن".

    وتصاعدت الأزمة ولم تقف قطر مكتوفة الأيدى بل تحركت دبلوماسياً على كافة المستويات الاقليمية والدولية لتفنيد اتهامات دول الحصار والرد على المطالب التي مررت إليها عبر الوسيط الكويتي ثم دخلت تركيا على خط الأزمة بتفعيل اتفاقية تعاون أمني مشترك عبر إرسال قوات إلى قطر استباقا إلى أى تدخل عسكرى محتمل من دول الحصار، وتعددت أطراف الأزمة تباعاً لتدخل أمريكا وبريطانيا وروسيا و ألمانيا وأخيراً فرنسا ومن قبلها الاتحاد الأوروبي.

     ومن أجل الوقوف على طبيعة ما يحدث والخروج بتقدير موقف للحالة أقامت مجموعة التفكير الاستراتيجى بالتعاون مع ملتقى العداله والديمقراطية في إسطنبول ورشة عمل وذلك يوم الأحد 2 / 7 /2017 للخروج بتقديراً موقف استراتيجي للأزمة التى مازلت تتجاذبها أطرافها دون الوصول إلى قرار أو مبادرة حاسمة تنهي وقائعها المفتعلة حسب الكثير من المراقبين.

    طبيعة العلاقات الخليجية في مجلس التعاون الخليجي:

    • أدى الاختلاف في الرؤى للأحداث في فترات متقدمة من تأسيس مجلس التعاون الخليجي إلى خلاف في السياسات والمواقف وحتى التحالفات.
    • ازدادت هذه الخلافات بعد ثورات الربيع العربي وانقسمت الدول الخليجية إلى:

    أ‌.  موقف معارض لنتائجها والعمل على مواجهتها بشراسه وإنهاء آثارها (كالسعودية والإمارات والبحرين).

    ب‌. موقف مؤيد لنتائجها وداعم نسبياً لها كقطر.

    ج‌. موقف محايد أو مساير للكتلة الأكبر في مجلس التعاون (كعمان والكويت).

    • الموقف الإقليمي اشتبك مع مواقف الدول الخليجية وسياساتها، فبعضاً منها أيد سياسات دول الخليج في موقفها من الثورات كإيران مثلاً حيث أيدت الموقف الخليجي تجاة (مصر وليبيا وتونس) ومعارضاً (كما في البحرين واليمن)، وبعضها مؤيداً ومتفقاً معها في (سوريا واليمن) ومختلفاً معها في (ليبيا ومصر وتونس) كتركيا .

    أما إسرائيل فقد كانت الكاسب الأكبر مع توافق سياسات بعض دول الخليج في مواجهة نتائج الثورات (كمصر وسوريا والبحرين).

    الموقف من الاستقرار الداخلي لدول الخليج:

    • يعتبر الاستقرار الداخلي لدول الخليج هو الأولوية لهذه الدول، وقد سبب طبيعة الافتراق أو الانسجام، وكذلك الطموح الشخصي والنفسي أحياناً بين بعض رموز السلطات في بعض هذه الدول إما تبايناً أو توافقاً انعكس في بعض المواقف وانسحب على مجمل السياسات العامة تجاه العلاقات الخاصة وكذلك التعامل مع الملفات الخارجية.
    • وقد أدى انحياز أطراف من السلطة في هذه الدول لدعم طموح أطراف تتنافس على السلطة في بعض دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات متبادلة لإيقاف تدخل كل طرف في معادلة استفزاز السلطة داخلياً، وقد ازدادت حدة التوتر في السنوات الأخيرة لتتحول إلى معارك إعلامية وتحركات سياسية واتخاذ إجراءات التموضع للسلطة داخلياً وكذلك اتخاذ إجراءات على المستوى الإقليمي الخليجي بين دول الخليج للحد من هذه التدخلات انفجرت في آخرها في ازمة حصار قطر.
    • كما أدى تعارض سياسات هذه الدول في الملفات الساخنة في المنطقة العربية بشكل عام إلى انعكاس ذلك فيما يتعلق بالموقف من استقرار السلطة داخلياً في كل بلد خليجي.
    • ونتيجة لذلك فقد تغيرت أولويات وتحالفات بعض الدول الخليجية على ضوء تلك الخلافات فهناك تحالف بين الرياض وأبوظبي وتعتبر المنامة تابع لهذين الحليفين، وانفردت الدوحة بموقف خاص في حين أن الكويت ومسقط لم تتدخلا في معادلة استقرار السلطة في تلك الدول ونأتا بنفسهما عن هذا الخلاف.
    • وبالرغم من الاختلاف في تبني المذهب العقدي أو الفقهي ما بين الوهابية والصوفية والأباضية أو الحنابلة والمالكية في دول الخليج فإن تلك الاختلافات التي استمدت منها بعض دول الخليج شرعيتها الدينية تاريخياً، وعلى الرغم من هذا الخلاف المستمر فإن ذلك لم يؤثر على طبيعة التحالفات السياسية لاستقرار السلطة في السعودية والإمارات وقطر.

    لذلك: فإن أزمة حصار قطر تمثل سعياً واضحاً للسيطرة على قرارها والضغط عليها للانسجام مع السياسات للتحالف الأكبر في دول الخليج.

    الأزمة دولياً

    الولايات المتحدة:

    • أدت سياسات ترامب وأجندته الخاصة بدول الخليج إلى السعي لتصعيد ازمة قطر و الاستفادة منها في إبقاء الأزمة معلقة والاستفادة منها قدر الإمكان.
    • ظهور الانقسام في إدارة ترامب (سواء كان حقيقيا أم مصطنعا) جعل دول الحصار وقطر في مأزق وضبابية الحل وتعليق الأزمة وتصاعدها واستمراراً في الخسائر الاقتصادية والسياسية وتعميق جذور الخلاف لاستنزاف جميع الأطراف.

    أوربياً:

    • يعتقد الأوربيون أن أزمة الخليج الرابعة (حصار قطر) مفتعلة ولا تخدم الحرب على الإرهاب، وأن المستفيد الأكبر هو ترامب، فضلا عن الأطراف الإقليمية والدولية التي ستقف مع قطر خصوصاً حول ما تم تسريبه من اكتشافات لحقول الغاز الضخمة في قطر وسعياً لعدم استئثار الولايات المتحدة بهذه الفرصة ومحاولة تلك الدول الاستفادة من الوضع الإستراتيجي الأضعف لقطر لاستثمار الأزمة.
    • لذا، فالموقف الأوربي يدعو إلى التهدئة وإلى الحل السياسي ويعارض بشكل عام مطالب المحاصِرين.
    • وهذا ما يمثله الموقف البريطاني والألماني بشكل واضح، و الموقف الفرنسي بشكل أقل وضوحا.

    الموقف الإسرائيلي:

    • كعادة إسرائيل فإنها تعيش أفضل وضع أمني وجيواستراتيجي بعد نجاح فاعلية الثورات المضادة وتحطيم وتدمير سوريا والعراق.
    • فهي أيدت دول الحصار لأن الأزمة في النهاية تصب لمصلحتها ضد القضية الفلسطينية وقطاع غزة ومواجهة حماس.
    • وهي فاعل في تأجيج الأزمة.

    الموقف التركي:

    • تمثل الموقف التركي في دعم وإسناد قطر لوجستياً ومعنوياً وعسكرياً.
    • وفي نفس الوقت لم تهاجم السعودية.
    • وعرضت إقامة قاعدة تركية لحماية المنطقة لم توافق عليها السعودية.
    • ودعا أردوغان الملك سلمان لرعاية حل سياسي.
    • ودعمت وساطة الكويت وفتح علاقات إستراتيجية معها.

    الموقف الإيراني:

    • أيدت الموقف القطري.
    • وعرضت دعمها اللوجستي والغذائي والملاحي.
    • ودعت إلى حل الأزمة بالحوار السياسي.


    السيناريوهات المتوقعة

    السيناريو الأول: تعديل وتغيير سلوك قطر بالحل العسكري

    وضع قرار قطر السياسي وقدراتها تحت سيطرة سلطة دول مجلس التعاون الخليجي وذلك باحتياح عسكري.

    مع التأكيد بأن مشروع الاجتياح العسكري لازال مطروحا ولكنة ليس مرجحاً في الوقت الراهن، حيث كان الاعتقاد بأن قطر ستخضع مبكراً للضغوط المفروضة عليها من الدول المحاصرة.

    وقد تم نقل قوات مصرية إلى البحرين تماشياً مع هذا السيناريو، وربما تخطط دول الحصار لإجراءات أخرى تكتيكية عسكرياً لنجاح هذا السيناريو.

    وهذا السيناريو مؤجل حالياً لعدم توفر فرص نجاحه.

    وقد أسهمت تركيا بشكل كبير في تأجيل سيناريو عملية الاجتياح العسكري عندما بادرت بتفعيل الاتفاقية العسكرية بينها وبين قطر حيث أسرعت بارسال العديد من القوات والعتاد العسكري إلى القاعدة العسكرية التركية المتواجدة بقطر في رسالة سياسية بالأساس أن تركيا لن تتخلى عن دعم قطر في مواجهة أية تهديدات عسكرية.

    السيناريو الثاني: استمرار الأزمة بسبب تصاعد مواقف الطرفين:

    ستستمر دول الحصار في إطالة الحصار بالإجراءات الاقتصادية والسياسية الأكثر تشدداً والدفع في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي والضغط على الكويت للانضمام إلى دول المقاطعة لإخضاع قطرواجبارها للموافقة على جميع الشروط المطروحة عليها.

    ولا شك أن الموقف التركي كان أحد الأسباب المهمة في ترجيح سيناريو استمرار الأزمة في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي بعد تضاؤل احتمالات التدخل العسكري، فمجرد إعلان الرئيس أردوغان وتركيا إرسال قوات عسكرية تركية إلى قطر أسهم بشكل كبير في مواقف العديد من الدول في المجتمع الدولي والإقليمي، هذا بالإضافة إلى الموقف الألماني والإيراني الرافض لتلك الإجراءات من البداية.

    ولا شك أن السير في اتجاة  سيناريو التصعيد السياسي والاقتصادي ربما سيوفر لقطر فرصة أفضل لاكتساب مؤيدين و داعمين لموقفها، و للدفاع عن صورتها و إظهار الأطراف المقاطعه بمظهر سلبي، ومن الممكن الدفع  بوجود مراقبيين دوليين (ألمان وفرنسيين) بالتعاون مع تركيا للحفاظ على استقرار الحدود بين أطراف الأزمة الخليجية.

    السيناريو الثالث: تفويت الفرصة بمكاسب قليلة:

    وفقا لهذا السيناريو ستقوم قطر بإطالة أمد الأزمة وتدويلها وإدخال أطراف جديدة في المعادلة وإظهار الموافقة على عدد من المطالب غير المؤثرة و غير المتعارضه مع قرارها السيادي، والتنفيذ على فترات بعيدة مما يعطي مكاسب شكلية لدول الحصار، وستضطر قطر في هذة الحالة إلى تغيير عدد من إستراتيجياتها المستقبلية تجاة العديد من قضايا المنطقة وعلى رأسها تغيير استراتيجية وأداء قناة الجزيرة الإعلاميةو لو بشكل جزئي.

    ويعزز ذلك السيناريو رغبة العديد من الدول الكبري عدم دخول المنطقة في صراع، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهم المشتركة في المنطقة خاصة في ظل وجود ما يقارب من 35 الف جندي أجنبي بمنطقة الخليج موزعة على عدد من القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة في المنطقة، وحجم التواجد الإيراني أيضا في المنطقة، هذا بالإضافة إلى حجم التجارة الكبير المتبادل بين كلاً من أوروبا ودول الخليج وحجم الاسثمارات الأجنبية المرتفع في عدد من  دول الخليج العربي، وكذلك تأمين مصادر الطاقة والنفط والحفاظ على خطوط الملاحة البحرية بالمنطقة.


    تقديــر الموقــف

    إنه، ومن مصلحة جميع الأطراف في المنطقة فإن الموقف يقتضي
    الدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة بأقل خسائر ممكنة لجميع الأطراف الخليجية، وتفويت الفرصة لعوامل الاجتياح العسكري، أو لعدم استمرار الأزمة لاستنزاف دول المنطقة إقتصادياً، وللمحافظة على وحدة بقاء مجلس التعاون الخليجي كمنظومة عربية قوية موحدة تجاه الأخطار المحدقة في المنطقة مع عدم تدويل الأزمة، واستثمار وساطة أمير دولة الكويت لوضع اتفاقيات جديدة بين دول منظومة الخليج العربي تؤكد حق السيادة لدولها وحرية اتخاذ قرارتها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لجميع الأطراف والمحافظة على وحدة وحقوق شعوب المنطقة، مع وضع إستراتيجيات موحدة تجاه التحديات والأخطار، ووضع أساسيات للخطاب الإعلامي الخليجي لمصلحة الدول الخليجية وشعوبها، والاستفادة من توفر فرصة للتعاون الإستراتيجي مع تركيا، وفرصة فتح الحوار حول إصلاح الوضع السياسي في مصر بما يخدم مصالح الأمن الخليجي والأمن العربي مع تحديد سياسة تعريف الإرهاب وحق المقاومة؛ ليتم التوافق عليها بين الدول الخليجية والعربية.
    ولذلك تأتي أهمية التواصل بين الأتراك والألمان للتنسيق من أجل وجود موقف تركي أوروبي داعم لإنهاء الأزمة وتخفيف حدة التوتر في منطقة الخليج بالوصول إلي تفاهمات تحفظ الاستقرار و مصالح جميع الدول، مع الحفاظ على سيادة واستقلالية جميع دول المنطقة، ومن الممكن الدفع في اتجاة تعزيز الدور العماني المحايد تجاة الأزمة الخليجية بما يخدم مصلحة الموقف بشكل عام.
  • الأزمة الخليجية الرابعة (حصار قطر) الأطراف الفاعلة .. (تقدير موقف)

    مجموعة التفكير الإستراتيجي بالتعاون مع ملتقى العدالة والديمقراطية

    الأزمة الخليجية الرابعة (حصار قطر) الأطراف الفاعلة .. (تقدير موقف)

    الأحد 2/7/2017

    المقدمـــــة:

    في مشهد أقرب للصدمة ومع بداية صيف ساخن، وفي الخامس من يونيو 2017 في الذكرى الـ50 لاحتلال أجزاء من أراضي ثلاث دول عربية فيما أشتهر بنكسة 67 على يد "إسرائيل"، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين، ومصر وتبعها دول غير ذات صلة مباشرة بالأزمة مثل المالديف وموريتانيا ثم اليمن بعد ذلك، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية كافة منها وإليها، ومنع دخول أو عبور القطريين إلى بلادهم "لأسباب أمنية".

    "وروجت الدول المقاطعة لقرارها بأنه جاء نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة سرًا وعلنًا طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الخليجي، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة ومنها (جماعة الإخوان المسلمين) و(حماس) و(داعش) و(القاعدة)".

    الأسباب والإدعاءات ذاتها ساقتها الإمارات والبحرين وتبعهما مصر وحكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية، وحتى الحكومة الليبية المؤقتة لبرلمان طبرق، وزادت على ذلك الإمارات بمنع دخول القطريين إليها، وأمهلت المقيمين والزائرين القطريين 14 يوماً لمغادرة البلاد لأسباب أمنية.

    كما أعلنت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن إنهاء مشاركة قطر في هذا التحالف "بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب"، على حد تعبيرها. وقالت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية إنها "قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها القاعدة وداعش وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن".

    وتصاعدت الأزمة ولم تقف قطر مكتوفة الأيدى بل تحركت دبلوماسياً على كافة المستويات الاقليمية والدولية لتفنيد اتهامات دول الحصار والرد على المطالب التي مررت إليها عبر الوسيط الكويتي ثم دخلت تركيا على خط الأزمة بتفعيل اتفاقية تعاون أمني مشترك عبر إرسال قوات إلى قطر استباقا إلى أى تدخل عسكرى محتمل من دول الحصار، وتعددت أطراف الأزمة تباعاً لتدخل أمريكا وبريطانيا وروسيا و ألمانيا وأخيراً فرنسا ومن قبلها الاتحاد الأوروبي.

     ومن أجل الوقوف على طبيعة ما يحدث والخروج بتقدير موقف للحالة أقامت مجموعة التفكير الاستراتيجى بالتعاون مع ملتقى العداله والديمقراطية في إسطنبول ورشة عمل وذلك يوم الأحد 2 / 7 /2017 للخروج بتقديراً موقف استراتيجي للأزمة التى مازلت تتجاذبها أطرافها دون الوصول إلى قرار أو مبادرة حاسمة تنهي وقائعها المفتعلة حسب الكثير من المراقبين.

    طبيعة العلاقات الخليجية في مجلس التعاون الخليجي:

    • أدى الاختلاف في الرؤى للأحداث في فترات متقدمة من تأسيس مجلس التعاون الخليجي إلى خلاف في السياسات والمواقف وحتى التحالفات.
    • ازدادت هذه الخلافات بعد ثورات الربيع العربي وانقسمت الدول الخليجية إلى:

    أ‌.   موقف معارض لنتائجها والعمل على مواجهتها بشراسه وإنهاء آثارها (كالسعودية والإمارات والبحرين).

    ب‌. موقف مؤيد لنتائجها وداعم نسبياً لها كقطر.

    ج‌.  موقف محايد أو مساير للكتلة الأكبر في مجلس التعاون (كعمان والكويت).

    • الموقف الإقليمي اشتبك مع مواقف الدول الخليجية وسياساتها، فبعضاً منها أيد سياسات دول الخليج في موقفها من الثورات كإيران مثلاً حيث أيدت الموقف الخليجي تجاة (مصر وليبيا وتونس) ومعارضاً (كما في البحرين واليمن)، وبعضها مؤيداً ومتفقاً معها في (سوريا واليمن) ومختلفاً معها في (ليبيا ومصر وتونس) كتركيا .

    أما إسرائيل فقد كانت الكاسب الأكبر مع توافق سياسات بعض دول الخليج في مواجهة نتائج الثورات (كمصر وسوريا والبحرين).

    الموقف من الاستقرار الداخلي لدول الخليج:

    • يعتبر الاستقرار الداخلي لدول الخليج هو الأولوية لهذه الدول، وقد سبب طبيعة الافتراق أو الانسجام، وكذلك الطموح الشخصي والنفسي أحياناً بين بعض رموز السلطات في بعض هذه الدول إما تبايناً أو توافقاً انعكس في بعض المواقف وانسحب على مجمل السياسات العامة تجاه العلاقات الخاصة وكذلك التعامل مع الملفات الخارجية.
    • وقد أدى انحياز أطراف من السلطة في هذه الدول لدعم طموح أطراف تتنافس على السلطة في بعض دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات متبادلة لإيقاف تدخل كل طرف في معادلة استفزاز السلطة داخلياً، وقد ازدادت حدة التوتر في السنوات الأخيرة لتتحول إلى معارك إعلامية وتحركات سياسية واتخاذ إجراءات التموضع للسلطة داخلياً وكذلك اتخاذ إجراءات على المستوى الإقليمي الخليجي بين دول الخليج للحد من هذه التدخلات انفجرت في آخرها في ازمة حصار قطر.
    • كما أدى تعارض سياسات هذه الدول في الملفات الساخنة في المنطقة العربية بشكل عام إلى انعكاس ذلك فيما يتعلق بالموقف من استقرار السلطة داخلياً في كل بلد خليجي.
    • ونتيجة لذلك فقد تغيرت أولويات وتحالفات بعض الدول الخليجية على ضوء تلك الخلافات فهناك تحالف بين الرياض وأبوظبي وتعتبر المنامة تابع لهذين الحليفين، وانفردت الدوحة بموقف خاص في حين أن الكويت ومسقط لم تتدخلا في معادلة استقرار السلطة في تلك الدول ونأتا بنفسهما عن هذا الخلاف.
    • وبالرغم من الاختلاف في تبني المذهب العقدي أو الفقهي ما بين الوهابية والصوفية والأباضية أو الحنابلة والمالكية في دول الخليج فإن تلك الاختلافات التي استمدت منها بعض دول الخليج شرعيتها الدينية تاريخياً، وعلى الرغم من هذا الخلاف المستمر فإن ذلك لم يؤثر على طبيعة التحالفات السياسية لاستقرار السلطة في السعودية والإمارات وقطر.

    لذلك: فإن أزمة حصار قطر تمثل سعياً واضحاً للسيطرة على قرارها والضغط عليها للانسجام مع السياسات للتحالف الأكبر في دول الخليج.

    الأزمة دولياً

    الولايات المتحدة:

    • أدت سياسات ترامب وأجندته الخاصة بدول الخليج إلى السعي لتصعيد ازمة قطر و الاستفادة منها في إبقاء الأزمة معلقة والاستفادة منها قدر الإمكان.
    • ظهور الانقسام في إدارة ترامب (سواء كان حقيقيا أم مصطنعا) جعل دول الحصار وقطر في مأزق وضبابية الحل وتعليق الأزمة وتصاعدها واستمراراً في الخسائر الاقتصادية والسياسية وتعميق جذور الخلاف لاستنزاف جميع الأطراف.

    أوربياً:

    • يعتقد الأوربيون أن أزمة الخليج الرابعة (حصار قطر) مفتعلة ولا تخدم الحرب على الإرهاب، وأن المستفيد الأكبر هو ترامب، فضلا عن الأطراف الإقليمية والدولية التي ستقف مع قطر خصوصاً حول ما تم تسريبه من اكتشافات لحقول الغاز الضخمة في قطر وسعياً لعدم استئثار الولايات المتحدة بهذه الفرصة ومحاولة تلك الدول الاستفادة من الوضع الإستراتيجي الأضعف لقطر لاستثمار الأزمة.
    • لذا، فالموقف الأوربي يدعو إلى التهدئة وإلى الحل السياسي ويعارض بشكل عام مطالب المحاصِرين.
    • وهذا ما يمثله الموقف البريطاني والألماني بشكل واضح، و الموقف الفرنسي بشكل أقل وضوحا.

    الموقف الإسرائيلي:

    • كعادة إسرائيل فإنها تعيش أفضل وضع أمني وجيواستراتيجي بعد نجاح فاعلية الثورات المضادة وتحطيم وتدمير سوريا والعراق.
    • فهي أيدت دول الحصار لأن الأزمة في النهاية تصب لمصلحتها ضد القضية الفلسطينية وقطاع غزة ومواجهة حماس.
    • وهي فاعل في تأجيج الأزمة.

    الموقف التركي:

    • تمثل الموقف التركي في دعم وإسناد قطر لوجستياً ومعنوياً وعسكرياً.
    • وفي نفس الوقت لم تهاجم السعودية.
    • وعرضت إقامة قاعدة تركية لحماية المنطقة لم توافق عليها السعودية.
    • ودعا أردوغان الملك سلمان لرعاية حل سياسي.
    • ودعمت وساطة الكويت وفتح علاقات إستراتيجية معها.

    الموقف الإيراني:

    • أيدت الموقف القطري.
    • وعرضت دعمها اللوجستي والغذائي والملاحي.
    • ودعت إلى حل الأزمة بالحوار السياسي.

    السيناريوهات المتوقعة

    السيناريو الأول: تعديل وتغيير سلوك قطر بالحل العسكري

    وضع قرار قطر السياسي وقدراتها تحت سيطرة سلطة دول مجلس التعاون الخليجي وذلك باحتياح عسكري.

    مع التأكيد بأن مشروع الاجتياح العسكري لازال مطروحا ولكنة ليس مرجحاً في الوقت الراهن، حيث كان الاعتقاد بأن قطر ستخضع مبكراً للضغوط المفروضة عليها من الدول المحاصرة.

    وقد تم نقل قوات مصرية إلى البحرين تماشياً مع هذا السيناريو، وربما تخطط دول الحصار لإجراءات أخرى تكتيكية عسكرياً لنجاح هذا السيناريو.

    وهذا السيناريو مؤجل حالياً لعدم توفر فرص نجاحه.

    وقد أسهمت تركيا بشكل كبير في تأجيل سيناريو عملية الاجتياح العسكري عندما بادرت بتفعيل الاتفاقية العسكرية بينها وبين قطر حيث أسرعت بارسال العديد من القوات والعتاد العسكري إلى القاعدة العسكرية التركية المتواجدة بقطر في رسالة سياسية بالأساس أن تركيا لن تتخلى عن دعم قطر في مواجهة أية تهديدات عسكرية.

    السيناريو الثاني: استمرار الأزمة بسبب تصاعد مواقف الطرفين:

    ستستمر دول الحصار في إطالة الحصار بالإجراءات الاقتصادية والسياسية الأكثر تشدداً والدفع في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي والضغط على الكويت للانضمام إلى دول المقاطعة لإخضاع قطرواجبارها للموافقة على جميع الشروط المطروحة عليها.

    ولا شك أن الموقف التركي كان أحد الأسباب المهمة في ترجيح سيناريو استمرار الأزمة في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي بعد تضاؤل احتمالات التدخل العسكري، فمجرد إعلان الرئيس أردوغان وتركيا إرسال قوات عسكرية تركية إلى قطر أسهم بشكل كبير في مواقف العديد من الدول في المجتمع الدولي والإقليمي، هذا بالإضافة إلى الموقف الألماني والإيراني الرافض لتلك الإجراءات من البداية.

    ولا شك أن السير في اتجاة  سيناريو التصعيد السياسي والاقتصادي ربما سيوفر لقطر فرصة أفضل لاكتساب مؤيدين و داعمين لموقفها، و للدفاع عن صورتها و إظهار الأطراف المقاطعه بمظهر سلبي، ومن الممكن الدفع  بوجود مراقبيين دوليين (ألمان وفرنسيين) بالتعاون مع تركيا للحفاظ على استقرار الحدود بين أطراف الأزمة الخليجية.

    السيناريو الثالث: تفويت الفرصة بمكاسب قليلة:

    وفقا لهذا السيناريو ستقوم قطر بإطالة أمد الأزمة وتدويلها وإدخال أطراف جديدة في المعادلة وإظهار الموافقة على عدد من المطالب غير المؤثرة و غير المتعارضه مع قرارها السيادي، والتنفيذ على فترات بعيدة مما يعطي مكاسب شكلية لدول الحصار، وستضطر قطر في هذة الحالة إلى تغيير عدد من إستراتيجياتها المستقبلية تجاة العديد من قضايا المنطقة وعلى رأسها تغيير استراتيجية وأداء قناة الجزيرة الإعلاميةو لو بشكل جزئي.

    ويعزز ذلك السيناريو رغبة العديد من الدول الكبري عدم دخول المنطقة في صراع، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهم المشتركة في المنطقة خاصة في ظل وجود ما يقارب من 35 الف جندي أجنبي بمنطقة الخليج موزعة على عدد من القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة في المنطقة، وحجم التواجد الإيراني أيضا في المنطقة، هذا بالإضافة إلى حجم التجارة الكبير المتبادل بين كلاً من أوروبا ودول الخليج وحجم الاسثمارات الأجنبية المرتفع في عدد من  دول الخليج العربي، وكذلك تأمين مصادر الطاقة والنفط والحفاظ على خطوط الملاحة البحرية بالمنطقة.

    تقديــر الموقــف


    إنه، ومن مصلحة جميع الأطراف في المنطقة فإن الموقف يقتضي
    الدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة بأقل خسائر ممكنة لجميع الأطراف الخليجية، وتفويت الفرصة لعوامل الاجتياح العسكري، أو لعدم استمرار الأزمة لاستنزاف دول المنطقة إقتصادياً، وللمحافظة على وحدة بقاء مجلس التعاون الخليجي كمنظومة عربية قوية موحدة تجاه الأخطار المحدقة في المنطقة مع عدم تدويل الأزمة، واستثمار وساطة أمير دولة الكويت لوضع اتفاقيات جديدة بين دول منظومة الخليج العربي تؤكد حق السيادة لدولها وحرية اتخاذ قرارتها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لجميع الأطراف والمحافظة على وحدة وحقوق شعوب المنطقة، مع وضع إستراتيجيات موحدة تجاه التحديات والأخطار، ووضع أساسيات للخطاب الإعلامي الخليجي لمصلحة الدول الخليجية وشعوبها، والاستفادة من توفر فرصة للتعاون الإستراتيجي مع تركيا، وفرصة فتح الحوار حول إصلاح الوضع السياسي في مصر بما يخدم مصالح الأمن الخليجي والأمن العربي مع تحديد سياسة تعريف الإرهاب وحق المقاومة؛ ليتم التوافق عليها بين الدول الخليجية والعربية.
  • الأزمة السورية ومصائب دي مستورا السبعة... د. نبيل العتوم

    يبدو أن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية ( دي مستورا )  قد أخذ إجازته الصيفية مبكراً  هذا العام ؛ وبات  أقرب ما يعيش  فترة نقاهة من الأزمة السورية التي ألمت به  إلى أجل غير مسمى  ،  بعد أن أسهم بشكل جاد وفاعل في  تشويه أسس مفاوضات جنيف وفينا بأجزائها المثيرة للجدل ،  وأسهم في خلق وزرع الأ لغام  ؛ بحيث لم يعد هناك أية قيمة فعلية بالنسبة  لمسار العملية السياسية برمته .فمصائب مبعوث السلام غير النزيه دي مستورا باتت واضحة لأي متابع ، وبشكل أصبح  معه دور هذا الوسيط الأممي مشكوك به .

    المصيبة الأولى : أن مبادرة والسلوك التفاوضي ل" دي مستورا" يبدو  غير واضح  وتحوي مفاهيم مطاطة يمكن تحويرها بمعاني متعددة ،   و هي بالتالي لا تقدم حلولاً سياسية لإنهاء معاناة الشعب السوري الأعزل ؛ وهذا يظهر من خلال تعاطيه بازدواجية بشان  الوفد الممثل  للنظام السوري  والمعارضة ، إضافة إلى عدم الجدية في رفع الحصار والقتل  عن المناطق التي تم تجويعها  من جانب جيش النظام وإيران ومليشياتها و حزب الله ،وهذا  يؤكد انحيازه  الواضح –بما لا يدع مجالاً للشك – ضد الشعب السوري ومعارضته . واللافت أن تحرك دي ميتسورا يأتي  بشكل بطيء  ومتردد  أثناء تصاعد عمليات النظام والإيرانيين والروس بهدف منحهم فرصة لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض لغرض دعم أوراقهم التفاوضية ، وهي من المفارقات الغريبة العجيبة .

    المصيبة الثانية : أن أغلب مساعي وجهود  دي مستورا  كانت تهدف إلى إعادة تأهيل  نظام  بشار الأسد ومحاولة تسويق فكرة  الاعتراف الدولي به، وجعله شريكًا  أساسيا و مهماً وفاعلاً في الحرب على داعش ، طبعاً إلى جانب إيران ، التي حاول  مغازلتها والنفاق المتكرر لها ؛ وهي  التي تمارس اليوم  الإرهاب والعنف  بأبشع صوره  وأشكاله في سورية و العراق و اليمن و دول المنطقة .

    المصيبة الثالثة  : لم تراعي مساعي وجهود  دي مستورا   في حساباتها موقف المعارضة ولا الشعب السوري منها ، ونكاد نجزم أنهم  لم يُستَشاروا لا من قريب ولا من بعيد  حول هذه المبادرات والطروحات  ، وكل ما  كان على المعارضة  هو تنفيذ ما يريده المبعوث الأممي  فقط  ، الذي كان ولا زال يتعامل مع المعارضة بشكل فوقي ، وما كان يريده  فعلاً هو وقف القتال ضد النظام  وإيران ومليشياتها و حزب الله دون أي مقابل، بحجة أن  الضرورة  تستلزم  من المعارضة  قتال داعش أولاً .

    المصيبة الرابعة: أن جهود  دي مستورا  تلتقي مع  محاولات روسيا وإيران وأمريكا   الساعية  في ضرورة إعادة تأهيله نظام الأسد، ، وهذا يفسر حالة النشوة والاسترخاء التي يعيشها شخص بشار الأسد ،  لذلك بات هم دي مستورا ومن والاه   إعادة تأهيل  هذا النظام بأي شكل ؛ وبات يعلن في  أكثر من مناسبة أن المسار السياسي لحل الأزمة السورية  يجب أن يسير بالتوازي مع مسألة محاربة الإرهاب التي باتت تعزف عليها  بعض  الدول العظمى  ، وهذا ما يفسر كلام "دي مستورا" للمعارضة وسلوكه الفعلي الذي  كان يسعى من خلالها  في إعادة تأهيل نظام الأسد  و ذلك عبر إدخاله في مفاوضات ترمي إلى إعادة الاعتراف به، وتوحيد الجهود لمحاربة داعش الذي أوجدها النظام السوري وإيران .

    المصيبة الخامسة: أسهم  دي مستورا من خلال مساعيه  ومبادراته في تلميع صورة  ما تقوم به إيران و مليشياتها وحرسها الثوري  الإرهابي ، بعد أن توفر لها  شروط ومقومات البقاء و الاستمرار من خلال عدم السعي لاستصدار قرارات دولية توقف مذابحها، وهذا ما كان من المفروض أن يسعى باتجاهه دي مستورا ، وفي هذا السياق  لم  يوجه مجرد انتقاد   لسياسات  طهران  العدوانية ضد الشعب السوري ؛ والذي تمثل في  إرسال ميليشيات إيران  من الحرس الثوري  إلى كافة التراب السوري،  وتجهيز  و دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح  كي تُعمل ذبحاً وقتلاً بالشعب السوري ؛ بهدف تعزيز أوراقها ومكاسبها التفاوضية . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل  تحدث دي مستورا نفسه  مرات عديدة عن موقف إيجابي من طرف طهران ، مع توجيه الانتقادات وكيل الاتهامات للمعارضة السورية .

    المصيبة السادسة : لا شك أن دي مستورا انتهج سياسة شيطانية  سعى  من خلالها نحو ترتيب  الأولويات التفاوضية ، وبشكل باتت تتزامن مع  خلط الأوراق العسكرية الميدانية لصالح النظام وأعوانه . 

     المصيبة  السابعة : لا شك أن  دي ميتسورا  قد  تبنى منذ توليه لمنصبه إستراتيجية  خطيرة  تركزت على إدماج الأطراف التي تمارس الإرهاب كأطراف فاعلة في طاولة المفاوضات  ؛ وعدم النظر إلى  قضية محاربة الإرهاب  التي أوجدها النظام السوري نفسه كسبب  أساسي لأزمات المنطقة ؛ من هنا حاول  دي مستورا لفت أنظار المجتمع الدولي  للتركيز على حرب تنظيم الدولة الإسلامية  ؛  كي يسهم في تحويل  مسار الأنظار السياسية ، وكل الجهود نحو هذه الحرب؛  بمعنى أنه سعى للفت الأنظار عن جرائم نظام بشار الأسد وإيران وروسيا نحو خطر داعش بمعزل عن القضايا الأخرى ، وأما  دي مستورا يدرك تماماً أن أي طرف من الأطراف السابقة  لم  يخض أي معركة حقيقية ضد داعش حتى الآن ،  بل إنه حين كانت فصائل المعارضة السورية  تخوض معارك ضد هذا التنظيم كانت  جهود النظام السوري وإيران تقوم بمساعدة هذا التنظيم بشكل كبير ، وهذا اتضح من خلال إعطاء الضوء الأخضر لروسيا بتدمير البنى التحتية مستهدفة المعارضة و المدنين بالتعاون مع إيران و ميليشياتها و حزب الله  مما سهل لتنظيم داعش سيطرته على العديد من المناطق ، ووفر لها الدعم والإسناد الجوي والأرضي ؛ وفي هذا السياق لماذا لا يقوم  دي مستورا  بتقديم تفسير واقعي لحقيقة ما يجري فعلاً ؟

    وعلى أساس هذا الفهم يمكن قراءة   مرتكزات وأهداف دي مستورا من مجريات الأزمة السورية ونظرته لحلها ، وهو يدرك في قرارة نفسه أن النظام السوري لم يرسل وفده للتفاوض ؛ بل لكي يراوغ ويماطل ويسوف ، ويحقق مزيداً من كسب الوقت لتحقيق انتصارات عسكرية  على الأرض بدعم روسي.

    النتيجة أنه لا  يمكن لعاقل أن يتصور  أن  دي مستورا سيعالج الأزمة السورية  بغير هذا التصور  ، بعد أن حاول  حثيثاً التسويق لفكرة الشراكة الدولية مع النظام السوري لمكافحة الإرهاب ، ووفق هذه الرؤية والتصور تحول التعامل مع الشعب السوري  من كونهم  بشر وضحايا لنظام  إرهابي مجرم  ودموي إلى  معارضين إرهابيين يستحقون الإبادة ، ومطلوبين بتهمة الإرهاب .

  • الأزمة القطرية : رؤية إيرانية ..... د.نبيل العتوم

    ما هي السياسة الخارجية التي تبنتها  إيران إزاء الأزمة الخليجية الحالية ؟؟ وما هو شكل الموقف الإيراني المتوقع إزاء ما سبق ؟

     وماذا جنت طهران من مكاسب جراء تفجّر الخلافات البينية الخليجية ؟ وما هي أبرز السيناريوهات المتوقعة لشكل هذه الأزمة ومسارها، ونتائجها المتوقعة على إيران ؟.

           لرصد مسارات وتوجهات الموقف الإيراني إزاء قطر، لا بدّ من  إجراء ومسح دقيق ومتابعة للتحليلات الإيرانية، فضلاً عن التصريحات الرسمية، في مقاربة لفهم السياسة والتفكير الإيراني.

            شعرت طهران  بعد تولي (ترامب) مقاليد الرئاسة في واشنطن، ومع حالة الاصطفاف الإقليمي والدولي الذي تشكل ضدها، والانتقال السياسي السلس في الرياض، بأن ساعة الحقيقة  لمواجهة إيران قد اقتربت  .

           الموقف الأمريكي الجديد وتطوراته  لم تذهب بعيداً، وتبنى علناً فكرة  دعم الخيار السعودي لمواجهة المشروع الإيراني علناً، وسط ذلك نشطت الجهود السعودية لمحاولة بناء تحالف إسلامي عريض، هدفه الأساس إيجاد مقاربة جديدة لتحجيم الدور الإيراني، وتصاعد معها  وتيرة  خطاب المواجهة والتحدّي والتلويح بالردّ، في المقلب الآخر، بقي النفس الإيراني  في الرد على قرارات  قمم الرياض الثلاث مضبوطاً بالخطاب السياسي والتصعيدي البعيد عن دبلوماسية حافة الهاوية التي تجيدها طهران باحتراف، ما عكس عدم رغبة أو لنقل عدم قدرة إيرانية على المواجهة  مع  الاصطفاف الإقليمي الذي تشكل؛ إلا ضمن السجال والوعيد  الذي يندرج في إطار توجيه الرسائل للداخل  على مقياس  متعدد الدرجات، كما عودتنا عليه الماكينة الإعلامية الإيرانية .

                        نفسّر الأمر  – لغاية الآن وقبيل اندلاع الأزمة الخليجية – بأن “إيران”  تعلم أنها  باتت لا تملك مساحة مناورة كبيرة، أمام هذا الاصطفاف الإقليمي  والدولي؛ خاصة الموقف الأميركي المندفع، وغير المسبوق  الذي بات يُطالب علناً، وبشكل رسمي  بتغيير النظام السياسي الإيراني، وعلى لسان وزير الخارجية (تيلرسون) .

              في المقابل، وأمام توصيف هذه الحالة، أدركت طهران تقلص هامش المواجهة  والمناورة، وكذلك  الرضوخ للإملاءات والطلبات التي كانت  السعودية، والتحالف الوليد يريدان تحقيقها من طهران، والذي تشكل ضدها بعد أن قضت عقوداً، تروج لثورتها، وتسعى لبناء مجال حيوي مؤثر، وتسوّق لنفسها بصفتها دولة إقليمية فاعلة ومؤثرة في صناعة القرارات، ومحاولة إدارة أزمات المنطقة دون تحدّي  .

               من جهة ثانية، تحسبت إيران من قضية خطيرة بعد حالة الاصطفاف التي تحققت، وهي أن تسعى السعودية ومن والاها  من الدول إلى محاولة كسب تأييد الحركات الإسلامية السنية والفاعلة، وتوظيفها في حلف المواجهة الذي  تشكل؛ مما قد يخلق تياراً شعبياً مناوئاً لإيران ولسياساتها الطائفية، ومن شأن ذلك في حال نجاحه أن يخلق أزمة كبيرة لإيران، خاصة مع الشعوب العربية والإسلامية  التي راهنت عليها إيران الدولة والثورة طويلاً، وقد تخلق  أرضية داعمة  لتأييد أي مشروع لمواجهتها .

             على الأقل  كانت  الدولة الإيرانية تراهن دوماً على عدم خسارة الرأي العام في العالم العربي والإسلامي؛ حيث كانت تدرك تماماً بأن  الأنظمة السياسية العربية وبعض الإسلامية  سيقفون ضد إيران،  أما الشعوب والأحزاب الإسلامية  سيقفون إلى جانب إيران .

    الأزمة الخليجية : طوق النجاة لإيران :

              لا نبالغ إذا قلنا : إن  الأزمة  الخليجية المتفجرة تكاد لا تفارق  الإعلام  الإيراني بتقسيماته وتفريعاته منذ  اندلاعها في 5 يونيو/حزيران الماضي.

                بداية لا شك بأنها أزمة فاجأت الدولة الإيرانية  من حيثُ المضمون والتوقيت،  فدعت  على لسان مسؤوليها الرسميين إلى تغليب لغة الحوار والدبلوماسية لحل المشاكل البينية داخل المنظومة الخليجية  على لغة التهديد والحصار، ولجأت إلى تبني دبلوماسية مكوكية خاصة تجاه الطرف التركي، حيث حثت  أنقره  على استخدام علاقاتها الايجابية  للوساطة من أجل التوصل إلى حلول إيجابية سلمية للخلافات الخليجي  .

               ردُّ الفعل الرسمي الإيراني الأولي قد اتسم بالدعوة إلى التهدئة، أما الجالب في الأمر أن رد الفعل الإعلامي  في البداية قد  اتسم بمحاولة التسخين  لجهة الهجوم على السياسة القطرية، واعتبارها شريكة للسعودية في دعم الحركات المتطرفة، وتحميل المسؤولية كاملة لشخص الأمير( تميم)؛ معتبرة أن الخلافات البينية الخليجية هي مجرد سحابة صيف عابرة، وأن على طهران أن لا تعول عليها كثيراً؛ لأن قطر  في نهاية المطاف كانت،  ولا زالت جزءاً من معادلة القوة  التي  خططت، وهددت أمن إيران ومصالحها في سوريا، والعراق، واليمن، والمطالبة  بعدم الوقوف إلى جانبها؛ لأنها ما زالت  تدعم الإرهاب الوهابي والتكفيري.

            أدركت طهران فيما بعد  من أن قائمة المطالب الـ13 المسربة لدول الحصار بأن الأزمة خطيرة،  وباتت مفتوحة على كل الاحتمالات؛ خاصة مع تضارب المواقف والتصريحات الأميركية، وأن المشكلة  البينية الخليجية ليست مجرد أزمة علاقات عابرة  بين دول الحصار وقطر،  سببها (قناة الجزيرة)، والعلاقات مع إيران، وإنما هي أعقد من ذلك، حيثُ هناك توجه  سعودي  مع العهد الجديد بعد تسلم الأمير (محمد بن سلمان) مقاليد ولاية العهد لإدخال نمط جديد من الوصاية والهيمنة في العلاقات  الخليجية أولاً ، والإقليمية  ثانياً على حساب سيادة الدول وللتأثير في قرارتها الداخلية والخارجية، ما جعل  طهران تؤّول كل ما يجري على أنه تحول دبلوماسي خطير  سيستهدف قطر أولاً، وسلطنة عمان ثانياً، والكويت ثالثاً، ثم الخروج من المنظومة البينية الخليجية للتأثير على  الدول العربية والاسلامية الأخرى؛  لتحقيق فكرة الوصاية بأساليب، وأدوات، وطرق جديدة، مما يُشكل تهديداً خطيراً يستهدف إيران أولاً .

              هذه الرؤية الإيرانية جعلت طهران تتحسب لعدم الوقوف بشكل عاجل مع قطر ضد السعودية، وتعلن بشكل واضح أن المطالب الخليجية من قطر غير عادلة، ولا تتوافق مع القانون والأعراف السياسية الدولية، وتشكل انتهاكاً صارخاً  للتدخل في القرارات السيادية للدول الأخرى، والتحذير من خطورة ذلك على الأمن والسلام الإقليمي والدولي .

              لهذا بادرت إيران على الفور، مستغلة هذه الفرصة التاريخية  من خلال الأزمة التي نشأت في العلاقات البينية الخليجية،  لتوفير  البديل العاجل لقطر،  ففتحت حدودها البحرية والجوية، أمام  الجارة  المستهدفة،  والضحية قطر، وأعلنت استعدادها لمدها بمستلزماتها من الدواء والغذاء وكل ما تحتاجه، وفي محاولة واضحة لتوسيع التمرد الخليجي على السياسات السعودية  إن أمكن؛ خاصة لسلطنة عمان المستاءة من سياسات الرياض، وأبوظبي، والترويج عن إحباطها محاولات للإطاحة بالسلطان قابوس .

    ماذا   حققت (إيران)  من مكاسب على ضوء تطورات الأزمة الخليجية :
    – المكسب  الأول:
     فرط عرى التحالف الخليجي أولاً والإقليمي ثانياً المناهض لإيران :

             أسهمت هذه الأزمة البينية الخليجية – حسب الرؤية الإيرانية –  في فك عرى  المحور الخليجي  المناهض لإيران، بعد أن تفجرت الأزمة البينية الخليجية  بشكل علني،  وانتقلت الخلافات إلى الشعوب والنسيج الاجتماعي الخليجي، حيث تمكنت إيران من استغلال هذه الأزمة، وتوظيفها للعبور لجهة  خلق محور إيراني – قطري –  عماني، مناوئ للمحور السعودي –الإماراتي- البحريني، مع بقاء الكويت على الحياد؛ مما يعتبر أكبر ضربة لمجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه ولغاية اليوم، وينذر بتفككه وزواله . 

    المكسب الثاني : نهاية وصاية الأخ الأكبر : ترى طهران أن أولى نتائج الأزمة الخليجية هو أفول الدور المحوري والفاعل والمؤثر السعودي داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، حيثُ وقفت بعض الدول الخليجية  أولاً، والعربية  ثانياً، والإسلامية ثالثاً، والدولية رابعاً، ضدّ الرغبات والإملاءات السعودية  إما  من خلال المشاركة في عملية  الحصار على قطر، أو اتخاذ إجراءات عملية ضدها، مما وضع مصداقية وفاعلية الدور السعودي على المحك، وتقول طهران : إن  هذه الأزمة قد ضربت مصداقية ولي العهد السعودي الجديد في أول مهمة سياسية خارجية  يتولاها، بعد رفض الجار القطري المطالب الـــــ13 التي تقدمت بها دول الحصار الأربع للدوحة .

             وفي رأي إيران أن هذه الأزمة ستكون بداية مبشرة لنهاية مجلس التعاون الخليجي، وضعف مركزية الدور السعودي؛ خاصة الإقليمي.

      المكسب الثالث : تعتقد إيران أن الأزمة الخليجية، واتهام جماعة الإخوان المسلمين، وحماس بالإرهاب قد دعم الموقف الإيراني، وعزز من مصداقية سياستها الخارجية، وجرّد السعودية من أحد الأوراق التي قد يتم استخدامها في المواجهة مع طهران، نظراً لما تتمتع به حركة الإخوان المسلمين، وحركة حماس من ثقل سياسي واجتماعي فاعل، وشعبية  في العالم العربي والإسلامي، إلى جانب كون تنظيم الإخوان المسلمين  مشاركاً في العملية السياسية بعد أن وائم بين مرجعيته الفكرية ، وطبيعة الأنظمة السياسية في عدد من الدول حتى التي تمتع بعلاقات ايجابية مع السعودية مثل الكويت، المغرب، الأردن، تونس … وبالمقابل سيسهم قرار اعتبار الرياض جماعة الإخوان تنظيماً ارهابياً بنتائج ايجابية على الشعب البحريني في الاستقلال، والحرية، والانعتاق .

               النتيجة ترى طهران  بأن مسار التطورات البينية الخليجية  باتت تصب في صالحها، بعد أن كشفت هشاشة المحور الذي تقوده  السعودية في مواجهة إيران، وبدأت تهلل  لسقوط ما يعرف بالناتو العربي، الذي تعتبره قد ولد ميتاً.

               وهذا سيقلل حجم التحديات التي كان يشكلها هذا التحالف، مما يفتح الباب أمام إيران لإعادة قراءة المشهد من جديد، وفق المقاربة  السياسية والأمنية التي تشكلت، ورسم إستراتيجيات وسياسات جديدة تتناسب مع المرحلة، وسقوط ما يسمى “إيرانوفوبيا” والتحذير من سياسة ” السعودية فوبيا “، والمفرح أيضاً أنه وبسبب الأزمة الخليجية،  لم تعد إيران تتصدر اهتمامات الصحافة والفضائيات العربية   وسجالاتها  كما كانت في السابق، ، بل أصبح الخلاف الخليجي – الخليجي يتصدر المشهد الإعلامي، وتنشغل به النخب ومؤسسات صنع القرار السياسي والأمني الخليجي، ويشغل هذا الموضوع حيزاً كبيراً من الجهد الدبلوماسي السعودي والاماراتي على الصعيد الدولي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سجل  موضوع  الخلاف الخليجي – الخليجي حالة غير مسبوقة للسجال والتطاحن على وسائل التواصل الاجتماعي، وأسهم   في إيجاد بيئة خصبة  للانقسام العامودي والأفقي لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي . 

     المكسب الرابع : الترويج الإيراني بأن إسرائيل هي  المستفيد الأكبر من حصار قطر :

            ترى إيران   أن حصار قطر تندرج في اطار التغطية على عملية التطبيع مع “إسرائيل “، والتجهيز لـ”صفقة القرن”، والتي أساسها تصفية القضية الفلسطينية وتطبيع شامل مع إسرائيل، و ما يجري مع قطر يعتبر مقدمة للإجهاز على محور الممانعة .

             من هنا بدأ الترويج الإعلامي  الإيراني  التسويق لفكرة إعادة بناء المحاور والاصطفاف الإقليمية  من جديد، مع  أهمية التحسب لأمرين :

    الأول : خطورة الوجود التركي العسكري في قطر، وتداخل السياسي مع الأمني في التأثير على إيران ومصالحها، مع اعتبار الوجود التركي ذا قيمة مؤقتاً، لمنع ابتلاع السعودية لقطر

    الثاني : التوجس  والخشية من الدعايات التي تتحدث عن اتفاق بحريني مع مصر؛ لإنشاء قاعدة عسكرية مصرية في البحرين، وتداعيات ذلك المحتملة على إيران ومصالحها في الخليج   .

    المكسب  الخامس:  ايجابية ديمومة  الصراع  الخليجي – الخليجي : لا شك بأن أكثر ما تتحسب له إيران هو استخدام الخيار العسكري في الأزمة الخليجية، رغم قناعتها باستحالة هذا الخيار، وترجيح توظيف الجهد الاستخباري – كأسوأ الخيارات-  لمحاولة تشجيع القيام بانقلاب داخلي قطري، لكن التسريبات الإيرانية تشي بأن قطر قد اتخذت خطوات عسكرية وأمنية ولوجستية والكترونية لإفشال مثل هكذا مخطط .

            تعتقد طهران بأن استمرار هذه الأزمة وبنفس المنوال سيكون حتماً لصالحها في حال عرفت كيف توظف ذلك  جيداً، خاصة مع رفض دول عظمى كبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين تأييد مطالب السعودية، إلى جانب قوى إسلامية مهمة كتركيا، وباكستان، وأندونيسيا، وماليزيا ….

           أمّا الأهم فهم حلفائها داخل المنظومة الخليجية  والعربية .  إضافة إلى ما سبق  فإن  استمرار هذه الأزمة سيسهم في استنزاف القدرات السعودية السياسية والأمنية… ، ويشغلها عن التعاطي مع الملف الإيراني، إلى جانب أن هذه التطورات ستؤدي إلى  انكشاف السعودية، وتعرية دورها الوظيفي، وإضعاف درجة تأثيرها من خلال  الأزمات الإقليمية، ولا سيما الأزمة السورية، وما سيجلبه ذلك من منافع حيوية لإيران .

    ________________

  • الأزمة بين السعودية وإيران – مآلات وسيناريوهات

    أقامت مجموعة التفكير الاستراتيجي / اسطنبول

    بالتعاون

    مع مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA  ) / أنقره

    ورشة عمل بعنوان

    ( الأزمة بين السعودية وإيران – مآلات وسيناريوهات )

    وذلك يوم الأحد 17 يناير 2016 بمقر مركز سيتا بمدينة اسطنبول / تركيا

    حيث شارك بورشة العمل العديد من مراكز البحوث والدراسات والتفكير الاستراتيجي، ولفيف من الباحثين والمفكرين والأكاديميين والسياسيين من أقطار مختلفة.

    وتباحث الحضور (خلال أربع جلسات) حقيقة الصراع، وتداعيات المشهد الحالي على الحالة الجيواستراتيجية بالمنطقة، وكذلك الموقف التركي من الحدث، وأثر تطور العلاقات الاستراتيجية وتموضعها في الموقف الجديد، وأيضا تأثير الأزمة على المشهد المصري، والسوري، والعراقي، واليمني.

    وتناول الحضور تأثير الأزمة على الوضع الاقتصادي بالدولتين، وكذلك الموقف الدولي من الحدث، والسيناريوهات المتوقعة لتطور الصراع بين الدولتين. 

    وخلص الحضور إلى العديد من السيناريوهات والتوصيات، وصولا إلى تقدير موقف للأزمة.

    السيناريوهات:

    1- سيناريو التصدي غير المباشر: هدفه منع إيران من النفوذ المشُرْعَن في الخليج، وتقويض نفوذها في اليمن، وتحجيمه في سوريا ولبنان، وإرباكه في العراق، ومشاغلته في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، باستخدام سلَّة مؤثرات سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية ودينية (الاقتصاد مقابل الدعم السياسي، تنشيط الدبلوماسية الشعبية، إعادة تنظيم الإعلام الخارجي، العلاقة مع مراكز دينية وإسلامية في العالم).

    2. سيناريو الإبطاء من الداخل: هدفه إبطاء الاندفاع الإيراني وزيادة خسائره، وصولاً إلى دفعه لإجراء مراجعات داخلية، والتمييز بين تيارين داخل إيران تتناقض مصالحهما بشكل متزايد بعد الاتفاق النووي، وحصر المواجهة مع تيار المحافظين والحرس الثوري، مع فتح قنوات مع التيار الإصلاحي الذي يمثله روحاني وظريف، واختبار محاولات التوصل إلى تفاهمات في ساحات محددة، مثل اليمن ولبنان، بينما تصرُّ إيران على مفهوم الصفقة الشاملة، يضمن نفوذها في شرق الخليج. (يمكن دمجه مع السيناريو الأول في مرحلة لاحقة)

    3. سيناريو الحوار والتفاهم:  تتبناه واشنطن "ظاهريا" وتدعو إليه، وهدفه دفع الطرفين السعودي والإيراني إلى التعامل الدبلوماسي مع الأزمة، والتوصل إلى صفقة "لا غالب ولا مغلوب"، ولكن معوقاته كبيرة، ولا يبدو أنهما جاهزان لحوار يمكنه إنجاز اتفاق مقنع لكليهما، خاصة في ظل تصعيد تيار المحافظين في إيران للأزمات الخارجية، ومنها اليمن وسوريا والعراق وشرق الخليج، سعياً لإبقاء تأثيره في الداخل.

    4. سيناريو المواجهة المباشرة: دخول الطرفين في مواجهة مباشرة؛ جزئية أو شاملة؛ ومن غير المستبعد أن تدفع نحوها قوى كبرى لها مصلحة في إنهاك الطرفين، واستنزافهما عسكرياً واقتصادياً، كما حصل في حرب العراق وإيران (1980 – 1988)، وهذا السيناريو لا يمكن استبعاده إذا استمرت المواجهة بين الطرفين على مستوى صراع الطاقة، واتهامات طهران للرياض بتحمل المسؤولية الأهم عن انخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع أن يتواصل انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون 20 دولاراً العام الجاي 2016، وتحت 10 دولارات عام 2017، مما يعني إصابة اقتصاد إيران بنكسة قد تدفع قيادتها إلى مغامرة عسكرية في الخارج.

      يمكن من خلال استقراء السيناريوهات الأربع، اعتبار السيناريو رقم 4 امتداداً للسيناريو رقم 1، حيث يمكن أن تقود عملية التصدي غير المباشرة إلى مواجهة شاملة، مما يعني حاجة المملكة العربية السعودية، لعلاقات واضحة وذات فاعلية مع القوى السياسية العربية والإسلامية المناوئة للتوجه الإيراني، وتحالفات مع دول عربية وإسلامية تستند إلى أرضية صُلبة، وشبكة علاقات سياسية ذات بنية اقتصادية متماسكة مع دول أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية، تشكل قاعدة إسناد لنجاح السعودية في أي مواجهة شاملة مع إيران.

    تقدير الموقف:

    ( التصعيد غير المنسحب للحرب )

    تواجه المملكة العربية السعودية وتركيا ودول الخليج تحديات خطيرة في المنطقة وأهمها التدخل الإيراني العسكري المباشر وغير المباشر، والتدخل الروسي في سوريا، ونظرا لقيام إيران بالتصعيد المباشر بحرق السفارة السعودية بطهران، فإنه يتوجب على المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتركيا القيام بمجموعة من السياسات والإجراءات من أجل التصدي لهذا التصعيد بنفس الفاعلية والقوة واستخدام الأدوات والآليات والاستراتيجيات المتاحة دون الانجرار نحو الحرب في المنطقة، ومن أهمها تعزيز التحالف السعودي التركي، وتوحيد الموقف الخليجي، واستثمار الأخطاء والممارسات اللاإنسانية التي تقوم بها إيران وحلفاؤها، وكذلك استثمار حالة الرفض الشعبي للمارسات الإيرانية، واستثمارالتفاهم مع الحاضنة الشعبية الوطنية والإسلامية لمواجهة المشروعات الدولية والإيرانية في المنطقة.

    وقد أوصى الحاضرون لتنفيذ هذا الموقف بما يلي:

    التوصيات:

    1- أكد الحضور أهمية أن تقوم المملكة العربية السعودية بإعادة ترتيب تحالفاتها الخارجية مع الدول والشعوب والحركات بالمنطقة، خاصة في الدول التي تشهد حالة من الصراع.

    2- أكد الحضور أهمية أن تقوم المملكة العربية السعودية وتركيا بتعميق التحالف الاستراتيجي بينهما من أجل التصدي للمشاريع المناوئة بالمنطقة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح للمنطقة.

    3 – يعتقد الحضور بأهمية التواصل المباشر وفتح قنوات للحوار والتعارف بين حكومة المملكة العربية السعودية والحركات الإصلاحية والإسلامية والوطنية فى العالمين العربي والإسلامي، وتقديم تفاهمات

    إيجابية لحركات التغيير الوطنية والإسلامية الشعبية بدول المنطقة، خاصة أن السعودية في حاجة إلى وقوف تلك الحركات بجوارها في مواجهة التحديات بالمنطقة ومواجهة المشروع الإيراني.

    4- كما أكد الحضور أهمية التواصل والحوار مع المراكز والجمعيات الخاصة بالأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي في أوروبا وأمريكا وغيرها، واستثمار ذلك التواجد العربي والإسلامي في العالم الغربي لتشكيل جماعات ضغط ( لوبيات ) للتأثير على صناع ومتخذي القرار في تلك الدول.

    5- توصل الحاضرون إلى أهمية التعامل بفاعلية وتوازن في التعاطي مع ميادين الصراع الحالية في المنطقة العربية وعدم تهميش ملفات على حساب ملفات أخرى في الصراع، مع الحفاظ على المرونة في التنقل بين الملفات حسب الأولوية والحاجة.

    6- يوصي الحاضرون جميع الأطراف بتجنب الدخول في حرب وصراعات مفتوحة غير معروفة النتائج.

    7- اعتبر الحضور أن الخطاب الديني ذو أهمية بالغة في هذه المرحلة، ما يؤكد على دور المملكة العربية السعودية في ضرورة تجديد الخطاب الديني بما يناسب المرحلة وطبيعة الإسلام المعتدل والمنفتح.

    8- كما نوه الحاضرون إلى ضرورة إعادة تأهيل الإعلام العربي من خلال التعرض للمشاكل والأزمات الحالية، ووضع حلول جذرية لها، ومحاولة تجنب لغة المذهبية والطائفية والاستهلاكية في مواجهة التحديات الكبرى،  والتأكيد على الدفاع عن الحقوق، ورفض التدخل الإيراني، وتدخل الدول الكبرى في شئون المنطقة.

    9- وفي هذا السياق شدد المشاركون على ضرورة إنشاء قنوات إعلامية تتبنى إيجابية الفكر الوسطي، لمخاطبة شعوب المنطقة بمختلف لغاتها، وخصوصا الإثنيات المتنوعة في إيران.

    10- شجع الحاضرون دول الخليج على المراجعة والاستفادة من نماذج التنمية المتبعة، والنماذج الناجحة في العالم، مع ضرورة إحياء مشروع التكامل الاقتصادي العربي للقيام بدوره في تغطية العجز الاقتصادي لمواجهة التحديات بالمنطقة.

    11-  تشجيع دور المجتمع العربي للقيام بدوره في مواجهة التحديات ومواجهة المشروع الإيراني ببناء وحدات ومجموعات فاعلة من مؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية.

    12- توظيف الخلل في البنية الاجتماعية الإيرانية من خلال العمل على دعم الحقوق المشروعة للإثنيات في إيران، واستثمار المعارضة الإيرانيه في الخارج في تشكيل جماعات ضغط لدعم حقوقها المشروعة.

    13- يمثل النموذج السياسي في المغرب وتونس حالة إيجابية في الوطن العربي، لذا يجب الاستفادة من تلك التجربة ومحاولة نقلها إلى دول المشرق العربي.

    14- دعوة المملكة العربية السعودية لدعم التحالفات واختيار الشركاء والحلفاء الفاعلين للتركيز على حسم المعركة في اليمن.

    15- محاولة إيجاد حل للأزمة السياسية في مصر، وطرح حلول تساعد مصر على استرجاع دورها الإقليمي والاستراتيجي في المنطقة.

    16- ملاحقة إيران وحلفائها وميليشياتها فيما يخص قضايا انتهاك حقوق الإنسان في المحافل الدولية ونشر المعلومات عما يجري من انتهاكات حقوقية في إيران وسوريا والعراق. 

    17- البدء بمشروع احتضان الشيعة العرب في المنطقة، ودعم  تيار شيعي عربي معتدل يكون مناوئا للتيار الشيعي المتطرف في المنطقة.

  • الانقلاب العسكري في تركيا: وجهة نظر إيرانية.... د. نبيل العتوم

    ربما كان الحدث التركي مفاجئاً للإعلام الإيراني الذي هلل - بمجمله -  بقوة  في الساعات الأولى لهذا الانقلاب للمحاولة الانقلابية ، حيث كان يتمنىنهاية أكثر ايجابية من خلال الرهان على الإطاحة باردوغان وحكومته  التي تعتبرها طهران  تمثل تحدياً كبيراً لها .

     ذهبت  الكثير من وسائل الإعلام الإيراني  في أولى ساعات هذا  الحدث إلى التأكيد بأن هذه هي  النهاية الطبيعية  لحكومة حزب العدالة والتنمية ،  وشخص أردوغان ؛ وهذا ما برز من خلال العناوين التي أطلقها  : “نهاية اردوغان”" سقوط الوالي أردوغان " نهاية حزب العدالة والتنمية " " تركيا تتمزق " " نهاية السلطان أردوغان "  .... ، وفعلا كانت سيطرة الانقلابيين في الساعات القليلة على  بعض مرافق سلطة الدولة الاساسية ، لحظة حاسمة ومغرية كي تتضح صورة إيران الحقيقية ، وموقفها من حكومة العدالة والتنمية ونخبها  ، وموقفها الفعلي مما يجري من أحداث جسيمة على الساحة التركية  ،  وقد أسهمت  التطورات  المتسارعة المعاكسة التي  أعادت أردوغان إلى المشهد الإعلامي بعد إطلالته  عبر سكايبي  وليس عبر شاشة الفضائيات الرسمية التركية  لتزيد من قناعة الإيرانيين  هذه  بأن أردوغان وحكمه قد باتا بحكم المنتهي .

    لا شك بأن تحليلات ومواقف الإعلام الإيراني على اختلاف أطيافه كثيرة ومتناقضة فما بين الترويج لفكرة انتهاء حكم أردوغان ، والانتقال إلى التحليل بأن هناك مسرحية أردوغانية هزيلة سوف يستغلها حزب العدالة والتنمية لكنس خصومه ، وما بين التحول  والقناعة بأن  هناك “انقلاب فعلي  ضخم”  يجري على الأرض ، نتيجة الانقسام  الداخلي  الحاصل ، والذي سيكون نتيجته الحتمية تفتت تركيا وتمزقها.

    بدأت الماكينة الإعلامية الإيرانية غير مصدقة لما يجري ، بعد هذا الانقلاب الذي عتبت عليه بأنه كان غير احترافي ؛ حيث ترى طهران أن المحاولة الانقلابية  التي جرت في تركيا لم يكتب لها النجاح ، وبدأت بتقديم وصفتها ، حيث كان يعوزها التخطيط  السليم والإستراتيجية الناجعة  للتنفيذ من قبل من قاموا بالانقلاب، إذ   كان على الانقلابيين السيطرة  بشكل سريع على مؤسسات الدولة  الحساسة التي تشكل مفاصل الدولة ، هذا بالإضافة إلى أهمية  التخطيط  بصورة ناجعة للسيطرة على وسائل الإعلام، والأهم من ذلك كله فشل  اعتقال اردوغان  بشكل سريع ؛ مما أتاح لاردوغان التواصل  مع بعض وسائل الإعلام ، والتي تمكن من خلالها إلى دعوة  الشعب التركي إلى النفير العام للنزول إلى الشوارع ومقاومة الانقلاب العسكري، مما أسهم في إعاقة تحرك الآليات العسكرية في ميادين اسطنبول وأنقره .وعندما شعر الأتراك بأن  الرئيس وقادة الدولة – حسب رؤية الاعلام الإيراني -  ليسوا معتقلين من قبل جيش الانقلاب  ارتفعت معنوياتهم وتوافدوا إلى الشوارع للتنديد بما جرى ، وهذا ما ساهم في إفشال المخطط  الانقلابي .

    كذلك كان من الملفت تصوير  الإعلام الإيراني اختزال  الخلاف  بين الجيش وأردوغان على كرسي الحكم فقط .

    ما لفت نظر طهران  إلى أن أردوغان قد توجه  إلى الشعب التركي من خلال قناة" سي ان ان تورك"، وهي محطة إعلامية عرف عنها معارضتها الشديدة لسياسات اردوغان الداخلية والخارجية وهذه القناة التي كثيرا ما انتقدت اردوغان وحزبه لكنها وقفت بجانبه أثناء ساعات الانقلاب العسكري ؛ مما يثير دهشة واستغراب الإعلام الإيراني  . ومما لفت نظر الإعلام الإيراني أن جميع أطياف الشعب التركي قومية وعلمانية وإسلامية وقفت ضد الانقلاب ؛ لكنها اعتبرت ذلك حالة مؤقتة ، و أن ذلك لن يدوم ؛ طبعاًمع  تقديم الأسباب ؛ حيثتعتقد طهران بأنتبعات ومحاولات  الانقلاب العسكري ستستمر؛ لأنها نابعة من تهديد داخلي ودولي   وأن عمليات الاعتقال الجارية في جميع أنحاء تركيا من العسكريين والمدنيين ممن  تورطوا  في الانقلاب العسكري ؛ لن تكون ذا فائدة على المستوى البعيد ، نظراً لانتمائهم  لأجندات خارجية ،  وأن أطياف الشعب التركي ستدرك زيف الشعارات التي تطرحها  حكومة أردوغان التي ورطت تركيا في الأزمات والحروب الخارجية ، من هنا  يستنتج الإعلام الإيراني أن تركيا باتت الآن تعيش  في أزمة حكم ، حتى لو نجح أردوغان في  إفشال الانقلاب  .

    ولمزيد من التفسير لما سبق  تباكي الإعلام الإيراني على ما أحدثته“محاولة الانقلاب” ، ومحاولة وصف المشهد الداخلي التركي  بشكل يتقاطع مع الرؤية الأميركية والغربية وحتى الإسرائيلية  ؛ باتهام أردوغان بأنه  بات ينتهج سياسة “تطهير” واسعة واعتقالات وإقالات كبيرة في هجوم ضخم على معارضي اردوغان ؛ واختزال ما يجري في تركيا وكأنه موضوع خلافات شخصية بين الرئيس ومعارضيه  ، إضافة إلى محاولة تفسير الحدث التركي  بأنه  مسرحية مدبرة منه للقضاء على معارضيه ، والتمهيد لإجراء تعديلات في الدستور والقوانين تتيح لأردوغان تعزيز صلاحياته الرئاسية للامساك بمفاصل الدولة وتعزيز صلاحياته ؛ كل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن القومي التركي، وضمان عدم عودة الانقلابين .

    خلص الإعلام الإيراني أن حملة الاعتقالات والإقالات تلك  تدلل علىشرخ كبير داخل الدولة التركية ومؤسساتها ، وتدلل على  انقسام كبير جراء  سياسات اردوغان وحكومته ، وأن المعارضة الداخلية لأردوغان وحكومته في تصاعد مستمر ؛ لهذا فإن خطر الانقلابات سوف تستمر وبوتيرة متصاعدة .

    المضحك والمثير أن الإعلام الإيراني تنبأ بعودة تركيا إلى مرحلة القمع   و لذلك فهو يطالب أردوغان بالتسامح ، والتحذير  منعواقب الإجراءات  التعسفية التي تقوم بها حكومة العدالة والتنمية ، ووقف الحملة غير المسبوقة على المعارضة ،  وممارسة المزيد من ضبط النفس .

    لا شك بأن إيران كانت تأمل بنجاح الانقلابيين في تركيا ، وهذا يتضح أيضاً من خلال إطلاقبعض المواقع الإخبارية الإيرانية استطلاعات لقياس الرأي العام الإيراني   ة حول تأييد أو معارضة الشعب الإيراني  بأن يحقق الانقلاب العسكري أهدافه ؛ فكانت النتيجة تأييد  أكثر من 50% من المستطلعين للانقلاب .

    .

    ومن الأمور اللافتة تحذير  الإعلام الإيراني جراء سياسات  رد الفعل التي تولدت لدى الرئيس أردوغان  كردة فعل على المحاولة الانقلابية  ، حيث تنبأت بأن ذلك سيؤدي إلى  تبعات وآثار خطيرة  ،  معتبرين  الحدث التركي لم يعد شأناً داخلياً على ضوء هذه التطورات  ، مع محاولة تعزيز  الترويج لأزمة داخلية تركية سوف تخرج عن السيطرة  وفي طريقها للانفجار ، ، إذ سيكون لها تبعات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي، وكأن  طهران تريد تصوير أن  تركيا باتت كبرميل بارود ، الأمر الذي يستدعي تدخلاً دولياً  لحمل الرئيس أردوغان على التراجع عن استهداف معارضيه..

    المشهد الداخلي التركي  بحسب الإعلام  الإيراني  بات على صفيح ساخن ؛ مما يوحي بأن الانقسامات الداخلية  ، وأن الانفجار هو  سيد الموقف ،  وأن على العالم أن  يتنبه   إلى استغلال  أردوغان للتفويض الذي منحه الشعب  التركي  لتوسيع صلاحياته  الداخلية ، إضافة  إلى توقع  قيامه باستدارة  في سياسات تركيا الخارجية ، قد تؤدي إلى تهديد مصالح إيران   وأمنها القومي . 

  • التقارب التركي الإماراتي: الأبعاد والدلالات...... يمنى سليمان

    بعد انتهاء فعاليات القمة الإسلامية التي شهدتها مدينة إسطنبول التركية، بين 10 و15 أبريل 2015، قام المسؤولون الأتراك بعدد من الزيارات للدول الخليجية، فكانت زيارة وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو" للمملكة السعودية (الأحد 24 أبريل 2016)، ومنها انتقل لزيارة الإمارات العربية المتحدة (الإثنين 25 أبريل)، بجانب زيارة رئيس الوزراء التركي "داوود أوغلو" إلى قطر (الأربعاء 27 إبريل).1

    التغير النوعي هنا يتمثل في زيارة وزير الخارجية التركي للإمارات، لأن علاقات الدولتين شهدت الكثير من التوترات، وتم سحب السفير الإماراتي من أنقرة منذ 2013، نتيجة لاختلاف وجهات النظر حول الانقلاب العسكري في مصر الذي دعمته الإمارات بينما اعترضت عليه تركيا.

    ومن هنا تأتي أهمية الوقوف على دلالات هذه الزيارة المفاجئة، والإعلان عن عودة السفير الإماراتي إلى أنقرة في السابع من مايو 2016:

    أولاً: دوافع التقارب التركي ـ الإماراتي:

    اتسمت العلاقة بين البلدين قبل الثورات العربية بالقوة والنمو المتسارع لاسيما من النواحي الاقتصادية والعسكرية، ولكن مع تداعيات الانقلاب العسكري في مصر، وتعارض السياسات، شهدت العلاقات تدهورًا كبيرًا وصل إلى حد التراشق اللفظي، وتداول تقارير تتحدث عن تسريبات عن سعي الإمارات للإعداد لانقلاب علي الرئيس التركي أردوغان، ولكن برزت مؤشرات على احتمالات التقارب مع تصريحات الرئيس أردوغان حول على العلاقات مع دول الخليج والإمارات على وجه التحديد، وتأكيده على أن هناك علاقات على مستوي منخفض ولكنه يسعي لحل الأزمة وتحسين العلاقات معها، وتجنب الخلاف حول الوضع في مصر بالطرق الدبلوماسية، كما أظهرت الإمارات رغبتها مؤخرًا في التقارب مع تركيا.

    وهنا تأتي أهمية الوقوف على دوافع الطرفين نحو هذا التقارب:

    1ـ الدوافع التركية:

    (أ) تركيا منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نوفمبر 2016، وفوز حزب العدالة والتنمية وتمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا تورطت في العديد من الصراعات الإقليمية وتحولت من سياسة تصفير المشكلات والاعتماد على القوة الناعمة كأساس حاكم لعلاقاتها الخارجية إلى الاعتماد على مزيد من القوة الصلبة العسكرية. ونتج عن هذا تورطها في الصراع مع روسيا بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، كما تورطت في الداخل السوري كذلك. بالإضافة إلى فقدان حلفائها التي كانت تعول عليهم من بعد ثورات الربيع العربي في المنطقة في مصر وتونس كحلفاء استراتيجيين مما أدي إلى حصرها نسبيا وربما عزلها عن أقرب شركائها.2لذلك هي بحاجة إلى تكوين تحالفات جديدة، ولو مؤقتة، لتجنب العزلة التي خلقها حولها محيطها الإقليمي وما يفرضه عليها وضعها الجيوسياسي.

    (ب) تمدد تنظيم داعش في المنطقة ولاسيما في الجوار التركي والذي يمثل خطر على أمنها القومي بل ويصيبها بالعديد من الاعتداءات بين الحين والآخر، لذا فالحاجة لدول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات اللتان تتفقان معها في الموقف من داعش قد يساعدها على مواجهة التنظيم بشكل أكثر فاعلية.

    (ج) التوصيات الأمريكية في المنطقة بضرورة العمل على القضاء على تنظيمي داعش والقاعدة والتي أكدت عليها زيارة أوباما لدول الخليج وزيارات كيري في المنطقة في الفترة الأخيرة؛ مما يدفع تركيا للتنسيق مع دول المنطقة وفقًا للخطة المتبناة للقضاء على تلك التنظيمات.

    (د) الملف الإيراني وتصاعد نفوذه في المنطقة واعتبار أن دول الخليج هي الداعم الأكبر لها نظرا لتقارب وجهات النظر بشكل كبير مع الأخذ في الاعتبار أن مجرد الخطاب السياسي التركي في هذا الاتجاه يمثل الكثير للمجتمع التركي بسبب طبيعة إدراك الأتراك لهذا البعد.

    (هـ) العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله في السياق التركي فالإمارات تعد ثاني أكبر سوق في الشرق الأوسط وتاسع أكبر سوق للتصدير بالنسبة للاقتصاد التركي حيث تقدر حجم الصادرات التركية للإمارات بـ 4.6 مليار دولار من السلع والخدمات سنويًا والتي لا تستطيع تركيا تحمله في ظل تراجع صادرتها.3 بجانب حجم الاستثمارات الاقتصادية التي يمكن أن تقوم بها الإمارات في تركيا أو تعتمد فيها على الخبرات التركية.

    (و) أن الإمارات تمثل سوقاً واسعاً للأسلحة التركية بما يساهم في تدعيم الصناعات الحربية التركية وتوسيع إنتاجها.

    (ز) تركيا أوشكت على الوصول لتعاون متكامل وتطبيع مع السعودية في العلاقات الثنائية وهناك جهود تركية إسرائيلية لتحقيق هذا ولكن الدور المصري سيبقى الحائل دون ذلك أو على الأقل عقبة والتقارب مع دولة كالإمارات أو السعودية في ظل تأثير دول الخليج على التوجهات المصرية قد يساهم في تسهيل الترتيبات المصرية التركية.

    2ـ الدوافع الإماراتية:

    (أ) كادت الإمارات تفقد أوراقها وحلفائها في المنطقة ولاسيما بعد كشف الكثير من الأبعاد حول ممارساتها في المنطقة بداية من ليبيا وتورطها مع المبعوث الأممي ليون، ثم تونس وإعلان المرزوقي أن الإمارات تتدخل في الشأن التونسي وتضر بمصالحه، ثم اليمن وما حدث من عزل بحاح وتعيين الأحمر الموالي للسعودية، وتبع هذا صمت إماراتي ربما كمحاولة لترتيب أوراقها من جديد. فالتقارب مع تركيا يكسبها حليف قوي في المنطقة يعوضها عن ما فقدته من أوراق.

    (ب) أن هذا التقارب من شأنه أن يهدئ من العلاقات مع السعودية وهو ما تحتاجه الإمارات حاليًا ولا سيما مع الوضع المضطرب سياسيًا في مصر، خاصة وأن علاقات الإمارات مع السعودية شهدت بعض التوترات لاسيما في ملف اليمن وسوريا، بجانب العلاقات الإماراتية الإيرانية والروسية والتي قد تثير حفيظة السعودية لذا ربما تسعى الإمارات إلى إعادة التموضع في المعادلات الجديدة.4

    (ج) أن السعودية الآن تمثل مصدر جذب للإمارات ولاسيما في إطار الوضع في مصر والقمة الخليجية الأمريكية بجانب أن السعودية أصبحت على تقارب من إسرائيل ولاسيما بعد دخولها ضمن اتفاقية كامب ديفيد بعد ضم جزيرتي تيران وصنافير إليها.5

    (د) المواجهة الإماراتية مع تنظيمي داعش والقاعدة واتفاقها في ذلك مع تركيا مما قد يجمعهما على التنسيق بينهما، في ظل التوجيه الأمريكي الأخير، وخاصة أن تركيا تمثل مركز قوة في القضاء على هذه التنظيمات من قربها من الحدود السورية وإحكامها السيطرة في الفترة الأخيرة وسماحها لقوات البشمرجة بالمرور من أراضيها مما أضعف من هذه التنظيمات بجانب النفوذ العسكري التركي في العراق والذي يدعم موقفها في ردع هذه التنظيمات.

    (هـ) أن التقارب الإماراتي مع تركيا، بجانب الدوافع الأخرى، يمكن أن يساعد الإمارات في تحسين صورتها في على المستوى الإقليمي، بعد كل الممارسات التي تورطت فيها.

    ثانياً: دلالات التوقيت:

    إن معظم هذه الدوافع ليست جديدة على مشهد العلاقات بين البلدين لكن هناك منها ما قد يعد المفسر لتوقيت التقارب الحالي:

    1ـ قمة التعاون الخليجي الأمريكي وزيارة جون كيري للمنطقة وما تبعها من توجهات تستهدف القضاء على توغل وتمدد تنظيم داعش والقاعدة في المنطقة مما يقتضي تحالف دول الخليج مع تركيا لتكوين جبهة موحدة تستطيع إنجاز المهمة. والتي أعقبها الضربات العسكرية السعودية الإماراتية بمساعدة الجيش اليمني على القاعدة في منطقة حضرموت باليمن والتي أسفرت عن مقتل 800 عنصر من تنظيم القاعدة.6

    2ـ الضغط السعودي المتزامن مع تصاعد أوراقها في الوقت الحالي بالنسبة للإمارات.

    3ـ التحالف الإماراتي مع فواعل دولية هامة منها روسيا وفرنسا والرباعي اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.

    4ـ الوضع غير المستقر في مصر واحتمالية تغيير رأس النظام وما يمكن أن تنتج عنه من تداعيات على المنطقة. لذا فقد تري الإمارات ضرورة إيجاد بدائل للحلفاء جديدة.

    ثالثاً: سيناريوهات التقارب التركي ـ الإماراتي:

    في إطار الدوافع والدلالات السابقة، تبرز عدة سيناريوهات:

    الأول: سيناريو التقارب المتدرج:

    يرى البعض أن تقاربًا تدريجيًا بين الإمارات وتركيا يبدو في الأفق يبدأ بالزيارات الرسمية على المستوي الوزاري كما كان في زيارة وزير الخارجية تمهد لمزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين. ويرجح هذا الرأي أن عدم التوافق على عدة ملفات بين البلدين إلى جانب الرواسب التي يشعر بها المجتمع التركي والنظام التركي تجاه التسريبات التي أشارت إلى تورط الإمارات في دعم انقلاب على النظام التركي؛ فالمخاوف لم تزل تمامًا من الجانب التركي حتى لو على المستوى الشعبي لذا فالتدريج سيكون أوقع.

    الثاني: سيناريو التقارب النوعي:

    ويقوم على أن تركيا ستتقارب من الإمارات في الملفات المشتركة فقط كمحاربة داعش من قبل تركيا في مقابل الاستثمارات الإقتصادية على سبيل المثال. أي أن التقارب سيكون نوعي في بعض المجالات وليس كلها. ولاسيما بعد معرفة السعي الإماراتي في زيارة "جاويش أوغلو" إلى محاولة طلب تسليم المعارضين الإماراتيين المقيمين بتركيا والرفض التركي للطلب لأنه يتناقض مع المبادئ التركية والقوانين الدولية ومعاهدات الأمم المتحدة. بالإضافة إلى عدم تطرق الإمارات للحديث عن الملف المصري أثناء الزيارة.7لذا من المتوقع أن يتم تجنب الشأن المصري وملف الإخوان المسلمين في مصر ودعم ثورات الربيع العربي.

    الثالث: سيناريو التعاون ضمن آلية حاكمة:

    أي تحول التقارب إلى تعاون بين البلدين وترسيخ التعاون باعتماد آلية حاكمة كعقد اتفاقيات للتعاون العسكري أو مذكرات تفاهم. فكما قامت تركيا بتوقيع اتفاقيات للتعاون العسكري مع قطر في العام الماضي وإنشاء مجلس تنسيقي سعودي تركي مؤخرًا فإن تركيا ستسعى في إطار تقاربها مع دول الخليج وتشكيل جبهة حلفاء من الدول العربية والإسلامية كظهير لها في المنطقة بجانب الرغبة الإماراتية في الفترة الحالية وضمن إطار التوجهات الأمريكية في المنطقة. أو ربما يكون هناك تغير قريب في المشهد المصري الداخلي تحدث معه انفراجة في الأزمة ويتم فيها تغيير السيسي بواجهة أخري ويتحقق بها بعض من شروط تركيا فيما يتعلق بخروج المعتقلين وإلغاء أحكام الإعدام وبذلك يحدث تغير في معطيات الأمور مما يرفع عن تركيا أي قيود مبادئية وضعتها على نفسها وتعلي من شأن مصالحها مع الإمارات.

    والرأي المرجح أن تركيا ستفصل ما بين تقاربها من الإمارات الذي تأخر طويلًا لقرابة السنتين وستنحي قضايا الخلاف جانبًا وتبدأ نوع من التقارب النوعي الذي في الأغلب سيتزايد تدريجيًا فيما بعد وفقًا لمعادلة المصالح المشتركة بين البلدين. هذا التدريج ربما ينتهي بمزيد من التعاون بين البلدين أي أن سيناريو التقارب النوعي سيكون بداية التقارب ووفقًا للمعطيات الجديدة ربما تساق العلاقات إلى السيناريوهين الآخرين. أما عن سيناريو عودة تدهور العلاقات مرة أخري فليس متوقعاً في الفترة الحالية على الأقل، فالمشهد يبدو تقاربيًا أكثر من كونه تباعديًا.

    -----------------------------------------

    الهامش

    (1) وزير الخارجية التركي يزور الإمارات تلبية لدعوة رسمية، الخليج أونلاين، 25 إبريل 2016، الرابط، تاريخ الزيارة: 25 إبريل 2016.

    (2)SENEM AYDIN-DÜZGIT, “Turkey has given up on democracy outside its borders, Too”, Foreign Policy, 12 April 2016,URL,Date of access: 26 April 2016.

    (3)Ufuk Sanli, “How Turkey is losing a top trade partner”, Almonitor, 25 Jan 2016,URL,Date of access: 26 April 2016.

    (4) الدور الإقليمي للإمارات وآليات التعامل مع الصحوة السعودية"، شؤون خليجية، 21 إبريل 2016،الرابط، تاريخ الزيارة: 25 إبريل 2016.

    (5) محمد بن سلمان التقى نتنياهو في الأردن، مصر العربية، 19 إبريل 2016،الرابط، تاريخ الزيارة: 28 إبريل 2016.

    (6) التحالف العربي يقصف تجمعات للقاعدة غرب حضرموت"، شؤون خليجية، 28 إبريل 2016،الرابط، تاريخ الزيارة: 28 إبريل 2016.

    (7) مقابلة مع مصدر خاص قريب من دوائر صنع القرار التركي رفض الإفصاح عن ذكر اسمه.