• التعاطي التركي الجديد بعد حادثة مقتل الجنود الأتراك في إدلب

    طرح الرئيس التركي في خطابه الأخير بعد مقتل الجنود الاتراك في إدلب جملة من الرسائل يمكن وصفها "بالحازمة" وتدل على توجه جديد للتعاطي التركي في سورية على رأسها "تغيير قواعد الاشتباك"؛ واستهداف ممنهج لقوات النظام في منطقة خفض التصعيد؛ إلا أن هذا التوجه يعتريه العديد من العقبات مما يجعل السيناريو الأكثر توقعاً في ظل عدم إنجاز اتفاق جديد مع الروس هو استمرار التصعيد العسكري الذي سيكون مليئاً بمؤشرات الانزلاق لمواجهة كبرى.

    أولاً: رسائل أردوغان: طروحات سياسية حاسمة

    من خلال استعراض نقاط حديث الرئيس التركي الأخير بتاريخ 29 شباط 2020، يمكن استنباط أربعة محاور:

    1. "لا كلام قبل الفعل": لم يخطب أردوغان إلا بعد أن وجه الجيش التركي عدة رسائل حاسمة، منها الرد القوي على نقاط تمركز النظام وتكبده خسائر قاسية، ومنها أيضاً إظهار فعالية السلاح التركي النوعي والذي قادر على تجاوز قضية تغييب سلاح الجو التركي. (قتل اكثر 2000 عنصر من المظام وتدمير 300مركبة ومدارج طيران ومخازن أسلحة كيميائية).
    2. "دولة وشعباً: النظام عدو": على الرغم من عدم إقفال طرق المفاوضات مع الروس إلا أن ما أفرزته الأستانة من تغييب للمحددات السياسية لصالح التطبيقات الأمنية قد انتهى؛ فالدولة التركية تصنف النظام عدو وتجعله هدفاً رئيسياً؛ وبالتالي قواعد الاشتباك في الشمال السوري قد تغيرت.
    3. "الكل شريك في تحمل مسؤولياته في إدلب": تريد تركيا أن تعيد انخراط المجتمع الدولي في إدلب ضاغطة على الاتحاد الأوربي في مسألة اللاجئين وعلى الناتو في تكوين موقف واضح من دعم الجيش التركي، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية في قضية المنطقة الآمنة.
    4. "انخراط مستدام في إدلب": فبعد الأحداث الأخيرة تقدمت "إدلب" من بوابة دفاع متقدمة عن الهواجس الأمنية التركية المركبة إلى ساحة هجوم؛ ومنافسة الروس على قضية شرعية التواجد وربطها بالطلب والدعم الشعبي.

    ثانياً: ملامح التوجه التركي الجديد

    1. إعادة تعريف العلاقة مع روسيا وفق ثنائية (إصبع على الزناد، وإصبع في المفاوضات)؛ إذ أنه بعد التطورات الأخيرة وإدراك تركيا للرضا والمعرفة الروسية بقتل جنودها، فإن تركيا لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس لكن ستعمل على توسيع هوامش قواعد الاشتباك سواء عبر مزيد من التنظيم للمعارضة المسلحة أو تزويدها بسلاح نوعي أو حتى بانخراطها بحرب مباشرة مع النظام لكن ضمن حدود منطقة خفض التصعيد.
    2. محاولة العودة إلى شبكة التحالفات القديمة عبر فتح مسار يعيد أولوية مبدأ التوازن للعلاقات الخارجية التركية؛ وهو ما سيساعدها على إدارة الملفات الخارجية مع روسيا بظهير أمريكي ناتوي؛ وهو ما سيتطلب التماهي مع المحددات الأمريكية خاصة بالتدرج كالتوافق على المسار السياسي وألوية جنيف، وفتح مساحة نقاش بخصوص اتفاقات شرق النهر.
    3. إدلب: (هدف تركي استراتيجي): وستعمل تركيا على تحصيلها سلماً عبر انتزاع اتفاق جديد مع روسيا، أو عبر الاستمرار في ضرب بنى النظام العسكرية في تلك المنطقة وقد يكون الأولويات العسكرية الجديدة آخذة بالتشكل والتوقع هنا أنها ضمن مفهوم تمتين خطوط الدفاع عن المنطقة الآمنة المتخيلة وإيقاف تقدم النظام على المجال الحيوي الأمني.

    ثالثاً: معوقات هذا التوجه

    1. الكلفة الباهظة لسيناريو الانزلاق لحرب الاصلاء في الشمال السوري؛ خاصة في ظل الموقف الأمريكي والأوروبي الناعم، واحتمالية عدم تماسك الجبهة الداخلية.
    2. تعقد وتضارب الملفات التي يتطلبها مبدأ التوازن في إدارة العلاقات الدولية التركية فمن جهة قطعت تركيا أشواطاً مهمة مع روسيا ومن جهة ثانية تتبدى في إدارة ترامب الفرصة الاستراتيجية لانتزاع مصالح تركية أكثر إلا أن هذه الفرصة ستبقى معلقة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة أو بقبول تركيا التعامل مع قسد وإنجاز تفاهم جديد.
    3. ضريبة تأخر تغيير قواعد الاشتباك؛ فالنظام بات مسيطراً على أجزاء واسعة من إدلب وكامل ريف حلب الغربي والجنوبي، أي نفذ عبر الدعم الروسي تحركاً بات فيه قاب قوسين أو أدنى من استعادة الطريقين؛ ومواجهة هذا التمدد فيها العديد من الألغام التي تجعل قد سيناريو الانزلاق سيناريو حتمي.
    4. التعامي الروسي عن متطلبات تركيا: فالروس بعد اتفاقات آستانة وسوتشي استعاد السيطرة بشكل وبآخر على جل مناطق المعارضة مؤجلاً إدلب؛ لكن وفي ظل أولوية الحل الصفري المتحكمة بالذهنية الروسية وفي ظل عدم الاستجابة الروسية المطلوبة لإنجاز اتفاقات جديدة في إدلب، فإن روسيا ستفرض على تركيا مساراً تفاوضياً طويلاً إما أن يفرز تثبيتاً للواقع بشكل مؤقت أو لا يفرز شيئاً.

    رابعاً: السيناريو الأكثر توقعاً

    • انتهاء مسار آستانة وإلغاء اتفاقية سوتشي بحكم انتهاء صلاحيتها.
    • استمرار العمليات العسكرية التركية واستهداف بنى النظام مباشرة في الشمال السوري
    • استمرار معارك إعادة السيطرة يقابله استمرار لقضم النظام للعديد من المناطق جنوب إدلب. أي الامر متروك للميادين في الآونة الراهنة.
    • سلسلة مفاوضات مارثونية قد تفضي بمكان لما لمنطقة آمنة بعمق 30 كم.
    • بدء التقارب مع حلف شمال الأطلسي.
    • توقف السير في استكمال شراء منظومة صواريخ اس 400.
  • التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط

    تقدير استراتيجي (94) – كانون الأول/ ديسمبر 2016.

    ملخص:

    تسعى روسيا تحت قيادة بوتين إلى استعادة جانب من دورها ونفوذها الدولي، الذي فقدته إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. وتحاول الاستفادة من عدم الرغبة الأمريكية في التدخل المباشر في صراعات المنطقة، غير أنها تعلم أنه من الصعوبة بمكان تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، التي ترى في الشرق الأوسط منطقة لنفوذها. وما زال سقف تدخلها في سورية وغيرها مراعياً لهذه الخطوط، ومتجنباً لأي صراع مباشر مع الأمريكان. وفي هذا الإطار تنسج روسيا علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع إيران، وتركيا، وسورية، والعراق، ومصر، وغيرها. ومن المحتمل أن يتطور الدور الروسي ضمن أفضل ما يستطيع الروس تحقيقه. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    مقدمة:

    انتهت الحرب الباردة التي استمرت عقوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بهزيمة الأخير بل وتفككه، وورثت روسيا الاتحادية تركة الاتحاد السوفياتي بجميع استحقاقاته ومكتسباته. وعلى خلاف الاتفاق الذي كان بين الرئيسين السوفياتي غورباتشوف والأمريكي بوش والذي كان يبدو في ظاهره أنه اتفاق بين ندّين، شعر الروس بأن الغرب يعاملهم بغطرسة شديدة وأن تسوية ما بعد الحرب الباردة ليست عادلة، بل واصل الغرب الضغط على روسيا لإنهاكها داخلياً واقتصادياً وضمّ ساحات النفوذ التاريخية التابعة لها لنفوذه، خصوصاً تدخل الناتو في حرب كوسوفا ثم جمهوريات آسيا الوسطى وجورجيا فيما بعد، مما عُدَّ مساساً بالأمن القومي الروسي، وأوجد شعوراً عاماً عند النخبة الروسية بأن روسيا لا يمكن أن تكون مجرد دولة أوروبية ذات وزن إقليمي؛ فهي إما أن تكون دولة عظمى —بالرغم من قلة إمكاناتها— وفي موقع الشريك مع الغرب، أو أنها ستنهار.

    كان مجيء بوتين للسلطة في روسيا نقطة تحول رئيسية في التوجهات السياسية، وقد عبر عن ذلك في خطابه السنوي في المجلس التشريعي الروسي (الدوما) في سنة 2005، حيث قال بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان ”كارثة جيوسياسية كبيرة“، وبأن الغرب لم يحسن التصرف بعد نهاية الحرب الباردة، وأنه أخطأ عندما ظنّ بأن روسيا ستستمر في الانحدار.

    إن هذا المدخل مهم جداً لشرح معظم الدوافع والتوجهات الروسية في منطقة الشرق الأوسط، واستشراف المدى الذي من الممكن أن يتطور إليه الدور الروسي، والذي لا يمكن حصره في التدخل العسكري في سورية وإن كان هذا التدخل يمثل العنوان الرئيسي.

    أولاً: دوافع روسيا في الشرق الأوسط:

    من حيث الأهمية في التسلسل الهرمي التقليدي للسياسة الروسية الخارجية يأتي ترتيب الشرق الأوسط تالياً لأمريكا وأوروبا والصين ودول آسيا الصاعدة، لكن بما أن موسكو قد حددت توجهاتها بأنها يجب أن تعود كقوة عالمية، عظمى، وأن تنهي النظام العالمي أحادي القطبية، فلا يمكن لها أن تتجاهل هذه المنطقة بما تمثله من موقع جغرافي فريد وثروات طبيعية هائلة. ورأت في حالة الاضطراب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط فرصة لاستعادة مناطق نفوذها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالتالي اكتسبت تلك المنطقة صفة ”منطقة اختبار“، تختبر فيها روسيا قدرتها في العودة للساحة العالمية كشريك أساسي ومؤثر.

    وفق هذا التصور، يصبح الدافع الجيو-سياسي هو الدافع الرئيسي —وليس الوحيد— لاهتمام روسيا في المنطقة العربية، وهو المنطلق الأساسي الذي على أساسه تَنسج شبكة علاقاتها بدءاً من التدخل العسكري في سورية، والتحالف مع إيران، وعقد اتفاقات مع تركيا، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع ”إسرائيل“، وليس انتهاءً بالسعي لإقامة علاقات مع العراق ومصر ودول الخليج، وهو دافع مرتبط بالأمن القومي الروسي.

    وبطبيعة الحال ليس هذا هو الدافع الوحيد، فبالإضافة لذلك يوجد الدافع الاقتصادي وهو حاضر بقوة خصوصاً عند الحديث عن العلاقات الروسية التركية، أو العراقية، أو الإيرانية، فالتبادل التجاري بين روسيا وهذه الدول في مستوى عالٍ، وتسعى روسيا لمزيد من الاستثمار، خصوصاً في مجال الطاقة البديلة، والنفط، والغاز، وصفقات السلاح.

    كما يبرز هدف أساسي ثالث وهو محاربة ما يُسمى التطرف والإرهاب، وما يمثله من تهديد أمني على الداخل الروسي، حيث تشير تقارير متفاوتة بوجود ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ”جهادي“ يحملون الجنسية الروسية وينتمون لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو التنظيمات الجهادية الأخرى. وحسب المفهوم الروسي، لا تقتصر التنظيمات الإرهابية على تنظيم الدولة، بل هو مفهوم واسع يشمل جميع الفصائل الإسلامية المسلحة التي تقاتل النظام السوري.

    ولتنظيم الدولة حضور إعلامي قوي في مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالروسية، وهناك قناعة روسية بأن انتشار التطرف الإسلامي يعزز النزعات الانفصالية في داخل روسيا، ويشكل ثغرة يمكن أن يستغلها الغرب لتهديد الأمن القومي الروسي، حيث تزيد نسبة المسلمين في روسيا عن 17% من السكان.

    ثانياً: كيف تتحرك روسيا؟

    تاريخياً كانت روسيا تنظر لنفسها من موقع ”الدولة ذات الرسالة“ فهي القيصرية الروسية حامية الكنيسة الأرثوذكسية، أو هي الاتحاد السوفياتي صاحب الرسالة العالمية الشيوعية؛ بينما تطرح نفسها حالياً من موقع براجماتي تسعى لتحقيق مصالح مشتركة مع دول المنطقة، وتعمل على الحفاظ على استقرارها، وتحرص على تكوين شبكة علاقات متوازنة مع الجميع.

    ومن خلال خبرتها مع الثورات التي حدثت في المجال الحيوي لروسيا؛ في أكرانيا وجورجيا…، في العقد الماضي، ترى موسكو أن ثورات الربيع العربي لم تكن عفوية وإن كانت في البداية عفوية، لكن استطاع الغرب أن يتحكم بها ويوظفها لخدمة مصالحه، وأن الموقف الأمريكي كان مهادناً لها لدرجة أنه تخلى عن أقرب حلفائه وهو الرئيس المصري المخلوع مبارك. وكانت الضربة الكبرى هي تدخل الناتو في ليبيا. وفي خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2015، انتقد الرئيس الروسي السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وحمَّلها نتيجة الفوضى الحادثة فيها، وأن تلك الحالة ناتجة عن تجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن في إجراءاتها، وفي تدخلها في الصراعات بشكل مباشر، مما نتج عنه ظهور تنظيم الدولة وأزمة اللاجئين في أوروبا. ووجه سؤاله للأمريكان قائلاً: ”هل تدركون ما فعلتم الآن؟“

    ثالثاً: الفرص الروسية في المنطقة:

    1. التدخل في سورية:

    بطبيعة الحال، يُعدُّ النفوذ الروسي في سورية هو العنوان الرئيسي لنفوذها في المنطقة ومنذ البداية حرصت روسيا على أن يكون تدخلها شرعياً بالاتفاق مع النظام الحاكم في سورية والمعترف به دولياً. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة تتخذ موسكو موقفاً استباقياً وتتدخل بهذا الشكل المباشر في الأزمات الدولية، واستطاعت روسيا بتدخلها العسكري أن توقف تدهور قوات النظام السوري وأعادت له زمام المبادرة، وقامت بمناورات عسكرية حقيقية، وأعادت تقييم جاهزية قواتها المسلحة، واحتفظت بقاعدتها البحرية العريقة في طرطوس، وأنشأت قاعدة جوية في حميميم في اللاذقية، ونشرت منظومة الدفاع الجوي أس 400 المتطورة، وحمت نفسها في الوقت ذاته من تورط قواتها البرية في المستنقع السوري. وبالتالي نستطيع أن نقول بأن روسيا حققت الجزء الأكبر من أهدافها في سورية، وفرضت نفسها كلاعب دولي أساسي لا يمكن تجاوزه.

    وتتلخص الرؤية الروسية للأزمة السورية في:

    • ليس من حقّ أي دولة أن تتدخل لقلب النظام الحاكم في أي دولة أخرى، ولا تغيير حدودها الجغرافية، لذلك فروسيا مع وحدة الأراضي السورية، وأن مصير الشعب السوري يحدده الشعب دون إملاءات خارجية.

    • الأولوية لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة وفق التصنيف الروسي الذي لا يقصرها في تنظيم الدولة والنصرة.

    • حلّ الأزمة السورية هو حلّ سياسي ولا يمكن حسم المعركة عسكرياً، لذلك كان هدف الحملة العسكرية الروسية هو فرض واقع جديد ثم الدعوة للحوار السياسي.

    • وغاية ما تطمح له الديبلوماسية الروسية هو الجلوس من موقع الشريك مع الولايات المتحدة للتوصل إلى حلّ سلمي، الأمر الذي تقابله الإدارة الأمريكية بعدم اعتبار روسيا لاعباً دولياً بل هي لاعب فوق إقليمي، حسب تصريح الرئيس أوباما.

    2. التحالف مع إيران:

    لروسيا علاقات وثيقة جداً مع إيران على مختلف المستويات بالرغم من وجود ثغرات في الثقة المتبادلة بينهما، فالتدخل الروسي في سورية ما كان ليتم لولا الغطاء البري من إيران والقوات المتحالفة معها. وبالرغم من تشابك المصالح بين الدولتين، إلا أن هناك جواً من الحذر في التعامل فيما بينهما، فإيران من مصلحتها المزيد من الانخراط الروسي في المعارك في سورية، بينما تحرص روسيا على الاكتفاء بالضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة. لكن مستوى مقبولاً من التناغم قائم بينهما فيما يتعلق بالأزمة السورية وفيما يتعلق بمواجهة السياسة الأمريكية. وأظهرت روسيا قدراً كبيراً من القدرة على التفاهم مع إيران على الرغم من تصويتها في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي، لأنها تتعامل مع هذه المسألة وفق محددين، أولهما: تأييد حقّ إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، وثانيهما: رفض امتلاك إيران أسلحة نووية.

    3. اتفاقيات مع تركيا:

    استطاعت الدولتان تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية والمضي في التعاون الاقتصادي بالرغم من الخلافات السياسية الجوهرية بين البلدين فيما يتعلق بسورية، لكن تعامل الطرفين ببراجماتية عالية أدى إلى تطور على الأرض أيضاً، فعلى مدى سنوات كانت أنقرة تُسوِّق لمشروعها القاضي بإيجاد منطقة آمنة على حدودها السورية، الأمر الذي كانت ترفضه واشنطن. لكن بعد التفاهم مع الروس تمكن الأتراك من التوغل في الأراضي السورية، وفرض أمر واقع جديد في مواجهة القوات الكردية. غير أن العنوان الأبرز للعلاقات الروسية التركية هو الاقتصاد، خصوصاً في مجالات الطاقة، والغاز، والزراعة، والبناء.

    4. العلاقة مع العراق:

    نتيجة لعلاقاتها الجيدة مع إيران، تحظى روسيا بعلاقات جيدة مع العراق وتسعى للحصول على صفقات في مجال التسليح والطاقة، كما أنها في الوقت نفسه على علاقات تاريخية مع الأحزاب الكردية.

    5. السعودية وغياب الثقة:

    لم تكن العلاقات بين السعودية وروسيا مميزَّة في يوم من الأيام. ويوجد تضارب في وجهات النظر فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات المنطقة بما في ذلك العلاقة مع إيران، ومستقبل سورية ونظام الحكم فيها. كما تنظر روسيا إلى ما تُسمِّيه ”الفكر الوهابي“ الذي تتبناه السعودية نظرة ريبة، وبأن انتشاره بين مسلمي روسيا يهدد الأمن القومي الروسي. لكن شهدت الآونة الأخيرة اتصالات مكثفة بين الجانبين، وتريد روسيا من السعودية التفاهم حول أسعار النفط، ومن مصلحة السعودية انتهاج سياسة التنويع في العلاقات الخارجية، لذلك من المتوقع استمرار الاتصالات بين الجانبين.

    6. تحسن العلاقات مع مصر:

    تاريخياً، كانت مصر تمثل عماد المصلحة الجيو-سياسية السوفياتية في المنطقة، قبل أن تتحول باتجاه الولايات المتحدة. تحسنت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير بعد وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، والرئيس بوتين ينظر إليه باعتباره الشخص القادر على استعادة الاستقرار في أكبر بلد عربي. ومن خلال التمويل السعودي حصلت مصر على صفقة أسلحة روسية كبيرة، الأمر الذي نُظر إليه على أنه شراء موقف، لأن الجيش المصري يعتمد بشكل أساسي على الأمريكان في التسليح والتدريب.

    7. روسيا و”إسرائيل“:

    يشكل الناطقون بالروسية في دولة الاحتلال خمس السكان، كما أنه يوجد حضور معتبر لليهود في روسيا، والعلاقات بين البلدين جيدة، على الرغم من أن روسيا ليست على اتفاق مطلق مع ”إسرائيل“ وتتبنى حلّ الدولتين، وتختلف مع وجهات النظر الإسرائيلية في الموقف من إيران وحزب الله وحماس، وهي بالتالي تنتهج نهجاً مرناً يخالف النهج الأمريكي، الذي يُعدّ حليفاً تقليدياً لدولة الاحتلال.

    رابعاً: عقبات تحد من القدرة الروسية:

    1. المُحدِّد الأمريكي: تُعد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام منطقة نفوذ أمريكي ضمن التقسيمات التقليدية في فترة الحرب الباردة (ثنائية القطبية الأمريكية الروسية). وبالرغم من محاولات الروس الدائمة لإيجاد موطئ قدم ودوائر نفوذ وتحالفات، إلا أن الأمريكان ظلوا اللاعب الأكبر في المنطقة. وبغض النظر عن الأسلوب الذي أدار به أوباما السياسة الأمريكية في المنطقة، وما بدا وكأنه تراجعٌ في الدور الأمريكي، إلا أنه لم يحصل تغير على جوهر السياسة الأمريكية، بالرغم من سعي الأمريكان لتخفيض التكاليف والنأي عن التدخل المباشر. ولا يظهر أن التحرّك الروسي مسَّ حتى اللحظة المصالح الحيوية الأمريكية وخطوطها الحمراء، بغض النظر عن انزعاج عدد من الأنظمة الصديقة لأمريكا من طريقتها في إدارة النزاعات.

    ويبدو أن التدخل الروسي في سورية لم يتعارض مع السياسة الأمريكية في استمرار استنزاف الحكومة والمعارضة السورية، وتغذية الصراع بما يمزّق النسيج الاجتماعي السوري طائفياً وعرقياً، ويدمر الاقتصاد؛ وبما يؤدي لإضعاف الدولة المركزية في سورية لصالح الانقسامات الداخلية التي قد تنشأ في أي ترتيبات مستقبلية؛ وهي ترتيبات ما تزال لأمريكا يدٌ دولية طُولى فيها مقارنة بالروس. كما أن النظم الحاكمة في المنطقة ما تزال أكثر ميلاً في علاقاتها مع الأمريكان مقابل الروس لأسباب مختلفة. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    2. ضعف الإمكانيات المادية الروسية، بسبب الأزمة المالية الكبيرة التي تتعرض لها موسكو، بسبب تراجع أسعار النفط، والعقوبات الاقتصادية الأوروبية.

    3. احتمال تمدّد الحرب في سورية واتساعها، وفي هذه الحالة ستتعرض روسيا لاستنزاف شديد تحاول تجنبه، لأن الثمن الذي سيدفع حينها سيكون باهظاً جداً إذا قورن بالمكتسبات، وسيعيد ذكريات حرب أفغانستان إلى الرأي العام الروسي. وحتى الآن فالعملية العسكرية الروسية في سورية ما تزال محدودة التكاليف، وهي تقارب تكلفة أي مناورة كبيرة.

    4. التعاون الوثيق مع إيران، كما أنه يمثل فرصة لروسيا، إلا أنه أيضاً يمثل عقبة تُقِّيد يدها في المنطقة. فعلى سبيل المثال تحتاج روسيا إلى إيران في مدَّ علاقات اقتصادية قوية مع العراق.

    5. تشابك مصالحها مع نقيضين في المنطقة، وهما ”إسرائيل“ وإيران، مما سيؤثر على مصالحها في حالة حدوث صراع بين الطرفين، لذلك تتعامل روسيا مع المسألة بحذر شديد.

    6. العامل الداخلي الروسي، وهو العامل الأهم لكنه عامل بعيد المدى، مرتبط بفشل روسيا في التحول لدولة مؤسسات، وبالتالي هناك خشية من مرحلة ما بعد بوتين.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل:

    من خلال استعراض الحراك الروسي في المنطقة، يظهر أن موسكو تحاول إيجاد صورة اللاعب الواقعي وغير العقائدي، الذي يمتلك الخبرة والقوة بما فيه الكفاية، ويمثل الشريك الذي يمكن الوثوق به، والقادر على التأثير في الوضع من خلال ثنائية الديبلوماسية والقوة. روسيا تطرح نفسها كقوة عالمية كبرى مستعدة لتقديم شراكة لجميع الذين يشتركون معها في الرؤية لعالم متعدد الأقطاب. وفي هذا الإطار يبرز أمامنا سيناريوهان:

    السيناريو الأول: سيناريو استمرار تمدد الدور الروسي:

    وهو سيناريو يدعمه ما شهدناه من القدرة على نسج شبكة علاقات متنوعة ومتشابكة تتفاوت من التحالف الاستراتيجي إلى العلاقات الاقتصادية، مستفيدة في ذلك من التحولات الدولية والإقليمية، والمهارة في التعامل مع الأحداث مثل المبادرة بالتدخل الاستباقي في سورية ومنع سقوط النظام، واحتواء حادثة إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء، واستخدام سياسة التصعيد المدروس في احتواء الأزمة مع تركيا إثر إسقاط الطائرة.

    السيناريو الثاني: سيناريو انحسار الدور الروسي:

    وهو مرتبط بسير المعارك في سورية، وقدرة ورغبة الدول الداعمة لقوات المعارضة السورية على إحداث تغير استراتيجي في الميدان، وهو أمر لم تتضح بوادره حتى هذه اللحظة، كما أنه مرتبط بتفكك التحالف الإيراني – الروسي، ولا يوجد أي مؤشر على خلافات جوهرية بين الطرفين.

    سادساً: توصيات:

    من خلال الاستعراض السابق، يظهر لنا أن هناك دوراً متنامياً للروس في تفاعلات المنطقة، وتبدو القوى الشعبية الإسلامية منها والوطنية في موقف المناهض للدور الروسي، الأمر الذي يستدعي:

    1. مزيداً من الفهم للعقلية الروسية وللمصالح الروسية في المنطقة، وأنها مصالح جوهرية تمس الأمن القومي الروسي وتتجاوز أمر التطلعات الشعبية فيها.

    2. فلسطينياً تتميز السياسة الروسية بأنها تحتفظ بعلاقة جيدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لا تتبنى جميع مواقفها، ولا تصنف الحركات المقاومة تصنيفاً إرهابياً، الأمر الذي يوفر هامشاً للمناورة.

    3. تنشيط الديبلوماسية الشعبية، من خلال الانفتاح أكثر على الرأي العام الروسي لا سيّما وأن 17% من المواطنين الروس هم مسلمون، ولهم دورهم ومكانتهم في الحياة الروسية، وكان لموقف مفتي روسيا دور إيجابي في تحسين العلاقات الروسية التركية إثر إسقاط الطائرة الروسية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ علي البغدادي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط Word (12 صفحة، 95 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط  (12 صفحة، 546 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/12/2016

  • الحرب في سوريا انتهكت كل المعايير والقواعد الدولية المقدّسة

    كريم شاهين     

              نهاية العقد: لقد دمّر الصراع في سوريا كل هذه الخرافات التي طورناها عن أنفسنا كمجتمع دولي- حيث لم نظهر التعاطف اللازم، ولم نتعامل معها بالجديّة المطلوبة، ولم نتحمل المسؤولية الملقاة على عواتقنا في حماية المدنيين!

           كانت الأيام الماضية مروّعة في سوريا. حيث فرّ عشرات الآلاف من المدنيين إلى المناطق الحدودية خوفًا من تقدّم النظام. فهناك احتمال كبير في أن يقوم النظام بذبح جماعي مرة أخرى لسكان هذه المناطق.

            لقد فُرض حظر على المساعدات الإنسانية التي تَعْبر الحدود من تركيا إلى ثلاثة ملايين مدني محاصرين داخل صندوق للقتل في الشمال الغربي، وهو واحد من الجيوب القليلة المتبقية الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تعيش تحت قصف المدافع والرشاشات والطائرات المقاتلة. لقد دُمرت مدينة معرّة النعمان بشكل كامل في ظل الصمت العالمي والتقاعس الدولي.

            إنه لأمر محزن ولكنه ذو طابع كلّي. فمنذ عقد من الزمن تمّ تدمير كل القواعد الأخلاقية في هذه الحرب بشكل ممنهج، فالحرب في سوريا لم تُراعَ فيها أخلاق الحرب إطلاقًا.

            قبل عشر سنوات، كان الرئيس السوري بشار الأسد ممتلئًا بالثقة، حيث أعلن في مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال أن الانتفاضات التي اجتاحت الدول العربية الأخرى لا يمكن أن تحدث في سوريا لأن الحكومة السورية كانت تتماشى مع مواطنيها عند حدّ قوله.

            بالطبع، تمّت السيطرة الواضحة على المواطنين من خلال القبضة الحديدية متمثلة بشبكات واسعة النطاق من المخبرين، ومقرّات الأمن، والمخابرات، والسجون. والقبض كذلك على الاقتصاد حيث سُمح للفاسدين العبث بمقدرات الناس، والسيطرة على كل جوانب الحياة العامة والمجتمع المدني.

             ومع ذلك، كانت سوريا الأسد تتمتّع بثمار الانفتاح الواسع على الغرب وجيرانها العرب والترك.

             لقد نجحت دمشق في انتهاز الفرصة لإصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة على خلفية مشكلة خلقتها وهي: -تحريك الخلايا الإرهابية والسماح لها أن تعبر الحدود العراقية لمحاربة القوات الأمريكية- واستثمرت العلاقات التجارية والدبلوماسية فضلا عن الجهود المبذولة لعزل إيران.

           لقد حضر الزوجان السوريان الأولان بشار وأسماء الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتفالا يوم الباستيل مع ساركوزي في فرنسا.  فجذبوا اهتمام الناس عندما تحدّثوا بأريحية إلى المراسلين الغربيين حول الطموحات الديمقراطية المبذولة، وأظهروا لهم كيف تناولوا الطعام مع الجماهير في المطاعم الشعبية في مديني حلب ودمشق.

            كل شيء كان سرابًا، لقد أدّت عقود من الفوضى بقيادة حزب البعث المعروف بسوء الإدارة وعدم المساواة وتفشي المحسوبيات… إلى تراجع البلاد وضعف الاقتصاد… وبخاصة قطاع الزراعة، ما تسبب بهجرة سكان الأرياف إلى المدن.

          وكان لدى الجميع قصّته محزنة عن قريب حميم اختفى قسرًا في دهاليز المخابرات، ففي كل صباح تنفّذ أجهزة المخابرات عملية اعتقال للمشتبه بهم، ولا يُعرف مصيرهم إلا بعد إنفاق الأموال الطائلة من الرشاوي على السماسرة لدى الأفرع الأمنية.

            محمد محي الدين أنيس أبو عمر 70 عاماً، يدخن الغليون، وهو يجلس في غرفة نومه المدمّرة، يستمع إلى الموسيقى على مشغل فينيله الحاكي، في حي الشعار الذي كان يسيطر عليه الثوار في حلب سابقًا.

           وكان احتجاز المراهقين عام 2011م الذين كتبوا شعارات مناهضة للأسد على حائط مدرستهم. وكان اعتقالهم وتعذيبهم بمثابة الشرارة الأولى للحراك الشعبي، وتلاها احتجاج مدني سرعان ما انتشر في جميع أنحاء البلاد.

            في البداية طالب المحتجون بإصلاحات جزئية صغيرة، وكان ردّ الحكومة عنيفًا، فطالبوا بالإطاحة الصريحة بالنظام! فقابلهم النظام بوحشية كبيرة، ورفض الدخول في حوار جديّ معهم فاستمرّ الحراك الشعبي حتى يومنا هذا.

            قام النظام بإطلاق سراح الإرهابيين المدانين في محاولة منه لعسكرة المعارضة ولوضع المجتمع الدولي أمام خيارين: إما الرئيس الأسد بتاريخه الدموي الفظيع أو مواجهة المتطرّفين.

            لقد توقفت الأمم المتحدة في نهاية المطاف عن حساب عدد القتلى الذي بلغ 400000، في عام 2016. ومن المؤكد أن الأعداد أكثر من نصف مليون شخصا.

           تم تهجير نصف سكان البلاد، معظمهم داخل سوريا، وأجبر العديد منهم على ترك منازلهم عدّة مرات خلال الحرب التي استمرت تسع سنوات. فالملايين الذين فروا إلى الخارج غيّروا بشكل جذري في شخصية البلاد المجاورة وسياستها، وأولئك الذين تحدّوا البحار ليعبروا إلى الشواطئ الأوروبية، هرباً من الموت وطمعًا بحياة كريمة لأطفالهم، استخدموا كتكتيك مهزوم من قبل الزعماء الشعبويين في جميع أنحاء العالم لدفعهم. وساهموا في عودة اليمين المتطرف إلى السياسة الأوروبية والأمريكية.

          وهذا التحول العميق أدى إلى تغييرات كبيرة وإعادة تنظيم تكتونية، سواء في الخارج أو على المستوى الإقليمي، حيث لبست موسكو الوشاح الذي تخلّت عنه واشنطن، فتدخلت في الحرب لإنقاذ الأسد مما بدا في ذلك الوقت هزيمة لا مفر منها. وتركت تركيا، الغاضبة من الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية ذات التطلعات لإقامة الدولة، وتخليها عن تحالفها مع الناتو لصالح التعاون الوثيق مع روسيا، مما زاد من تقويض نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.

    قافلة من الناس يفرون من معرة النعمان في شمال إدلب

           استفادت داعش من فراغ السلطة، ومن الظلم العميق في الحرب لإقامة ما يسمى بالدولة التي تغطي أجزاء من سوريا والعراق، وهو مشروع مزين بفظائع الوحشية الخطيرة مثل الاستعباد المنتظم للأقلية اليزيدية فضلا عن اغتصاب نسائهن، وطرده للمسيحيين من وطنهم وإعدام الآلاف من المدنيين بطرق مروّعة ومتعددة.

          خلال هذا الوقت، تم تدمير سوريا بشكل ممنهج. اتبع النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة لمحاصرة مناطق المعارضة. فأمطرها بمئات البرميل المتفجرة ما جعل هذه المناطق غير صالحة للسكن.

           تحتاج سوريا إلى 200 مليار دولار على الأقل لإعادة الإعمار، وربما ضعف هذا المبلغ، ولكن هذه المساعدات تمنعها الدول الغربية بسبب غياب الإصلاحات السياسية الحقيقية.

           ربما يكمن إرث سوريا الدائم في كيفية تفكيكها النظام الدولي القائم على القواعد الأخلاقية، على مدى عقد من الحرب والتدمير بشكل ممنهج، تم ّخلالها انتهاك كل المعايير الدولية التي كانت تعتبر ذات يوم مقدسة!!!!

          إنه تناقض صارخ للرسالة التي خرج بها العالم بعد عمليات الإبادة الجماعية في يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، -شعار “لم يسبق له مثيل” في قاعات المحاكم الدولية. وبمرور الوقت، تلاشت شيئا فشيئا دورات الفظائع التي أعقبها الغضب والعجز في المبادئ التي قررنا أنها تشكل سلوكًا حضاريًا في الحرب وشؤون الدولة شيئًا، وكانت إنسانيتنا تتآكل باستمرار!!

          فهذه الانتهاكات العديدة تستحق التوضيح لأنها توضّح إلى أي مدى سقطنا. استخدمت في سوريا الأسلحة الكيماوية مرارًا وتكرارًا ضدّ المدنيين في محاولة ناجحة إلى حدّ كبير لإرهابهم وإخضاعهم، دون أي عقاب!! ثم الحصار والتجويع بشكل متكرر كسلاح حرب من قبل السيد الأسد وميليشياته في الحملة الشرسة المسعورة لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.

    مهجرّة معمّرة من النعمان في شمال غرب محافظة إدلب

            القصف الممنهج للمدنيين بأسلحة غير دقيقة مثل البراميل المتفجرة، والتي يعتبر استخدامها جريمة حرب فعلية، فضلا عن الاعتقالات التعسفية على نطاق واسع، والاختفاء القسري لعشرات الآلاف من المدنيين، واستهداف المستشفيات واستخدام المساعدات الإنسانية ومساعدة الأمم المتحدة كأدوات سياسية لصالحهم… جعلت الحياة لا تطاق.

           من الصعب التنبؤ بالسنوات القليلة القادمة في سوريا لأن النزاع دمر كل الخرافات التي زرعناها عن أنفسنا – مدى تعاطفنا، ومدى جديتنا وتحملنا المسؤولية كمجتمع دولي لحماية المدنيين، وإيماننا الجماعي بالعدالة وفي المصير المشترك.

           لقد دمرت سوريا كل ذلك من خلال سحق أحلام شعب بأكمله ومنعه من حقوقه في العيش بكرامة وسلام ورخاء.

          حتى مع استمرار الجدل حول الرماد، فإن إرث العقد الماضي سيستمر. لقد نحتت سوريا مثال الضمير الجماعي للمجتمع الدولي.

  • الحملة العسكريّة على إدلب.. قراءة في مراحل الطرق الدوليّة

    لم تكن الحملة العسكرية التي بدأها نظام الأسد وحلفائه في 19 كانون الأول /ديسمبر 2019 على ريف محافظة إدلب
    مفاجئة أو غير متوقعة، سواء لناحية التوقيت أو الشكل، إذ تأتي ضمن سلسلة من المراحل بدأها النظام على المحافظة
    منذ مطلع العام 2019 ، كان آخرها الريف الجنوبي. إضافة إلى أن بوادر الحملة العسكرية الحالية قد لاحت قبل عملية
    "نبع السلام" وما تخللها من قرار أمريكي بالانسحاب الجزئي ومن ثم التراجع عنه، والذي غيّر أولويات النظام وموسكو
    ً
    عسكريا باتجاه شرق الفرات، لاستغلال تردد الإدارة الأمريكية وما أتاحه من هوامش لإعادة رسم خرائط النفوذ في
    المنطقة، عبر اتفاق النظام مع "قسد" ب وساطة روسية وآخر روس ي-تركي استطاع النظام من خلاله العودة إلى الحدود،
    لتعود بعد ذلك أ ولوية النظام وحلفائه إلى إدلب، خاصة ريفها الجنوبي الشرقي.

  • الساعة تدقّ في إدلب.. على روسيا أن تقرر ما الذي تريده

    د.ياسين أقطاي

    إن استهداف قوات النظام السوري للجنود الأتراك وسقوط 8 شهيدًا من الجنود، يُعتبر من كل الزوايا بمثابة لحظة تصدّع من شأنها إعادة ترتيب جميع الأوراق في القضية السورية. العساكر الأتراك الذين سقطوا شهداء كانوا في مهمة تقوية لنقاط المراقبة التي أقيمت في إدلب كمنطقة خفض تصعيد، والتي نتجت عن اتفاق سوتشي وأستانة بين تركيا-روسيا-إيران والنظام السوري. منذ فترة من الوقت وروسيا إلى جانب قوات النظام السوري، يحاولان انتهاك تلك الاتفاقية في إدلب، وتحويل نقاط المراقبة التركية إلى حالة من الشلل.

    إنّ تركيا تدرك المحاولات الرامية لفرض أمر واقع وتحويل نقاط المراقبة إلى أداة مشلولة، وإنها تعترض على ذلك.

    من الواضح للغاية أنّ هجمات النظام السوري على إدلب، برفقة القوات الروسية وتحت حمايتها ورعايتها، كانت قبل أي شيء محاولات متغطرسة للتجاهل والانتهاك الصريح لجميع الجهود الدبلوماسية التي انطلقت منذ وقت طويل تحت سقف سوتشي وأستانا.

    إن تركيا كما هو الحال في كل الملفات، فإنها كذلك في الملف السوري تتعقب -إلى آخر درجة- سياسةً تقوم على أمل إحياء حل سياسي، سواء مع روسيا أو إيران أو حتى النظام السوري. هناك نظام دموي وإجرامي تسبب بهجرة 12 مليون سوري سواء في داخل وطنهم أو خارجه. والطريقة الوحيدة التي يجيدها هذا النظام في التعامل مع معارضيه، هي القتل والتهجير وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها. وبيد أن هذا النظام من المفترض أن لا يكون له مكان في هذا العالم، فإنه مع الأسف يتلقى الدعم تلو الدعم من روسيا وإيران.

    في الحقيقة، إن تركيا جلست على طاولة المفاوضات في أستانا وسوتشي مع كل من روسيا وإيران اللتين هما المسبب الرئيسي لمأساة القرن الإنسانية التي تعيشها سوريا؛ سعيًا منها في إيقاف نزيف الدم السوري. وهذا السعي قد ولّد توقعات عاجلة لدى البعض الذين رأوا فيه اتفاقًا وتحالفًا دوليًّا جديدين. على الرغم من ذلك، كانت الأولوية بالنسبة لتركيا كما هو الحال دائمًا، الوقوف إلى جانب المنحى الإنساني.

    لم يكن الشعب السوري يريد الكثير من الأسد، بل كان يريد العيش بشكل إنساني فقط. إلا أن الأسد كان يرى ذلك كثيرًا على شعبه، ولم يجد ردًّا مناسبًا على هذا المطلب الإنساني البسيط إلا من خلال الإبادة الجماعية. ولا تزال آثار تلك الإبادة حاضرة: 12 مليون مهجر من وطنه ومنزله، مليون ضحية، ملايين المعتقلين والمصابين.

    لقد كان الموقف التركي واضحًا للغاية منذ البداية ضد ما يحصل، ولقد تم اتهامها بسبب هذا الموقف. تم اتهامها بأنها طرف من أطراف الصراع السوري. إلا أن الطرف الذي تبنّته تركيا هو الجانب الإنساني. إن الذين ينصحون تركيا حتى الآن بالتفاهم مع الأسد، إن لم يكونوا قد استوعبوا درسًا مما يحصل في إدلب، على الرغم من وجود اتفاقات أستانة؛ فإنهم مصابون بعمى الأبصار وقد خُتم على قلوبهم.

    في الحقيقة لقد اتفقت تركيا مع المعارضة السورية لضبط الأوضاع من أجل الاتجاه نحو حل سياسي، وذلك خلال مرحلة تفاهمات أستانة، مع روسيا وإيران اللذين كانا الحامي الرئيسي للنظام السوري. لقد رسخت تلك الاتفاقيات أن المعارضة في ظل مواجهة عشرات المجازر والإبادات من طرف النظام؛ قد باتت تمتلك أحقية لا يمكن التنازع حولها، كما أن معارضي نظام الأسد لا يمكن اعتبارهم إرهابيين. إن الاضطهاد والظلم والعنف الذي يقوم بها النظام قد بات حقيقة واضحة، والوقوف بوجه هذا الظلم يعتبر حقًّا مشروعًا، وبالتالي لا يمكن توجيه التهم لمن يستخدم هذا الحق. بل على العكس، إن المتهم الأول والأخير هو النظام الذي يستخدم كل منشآت الدولة وإمكانياتها، من أجل مواجهة مواطنيه العزل وقمعهم.

    في الأصل، حينما نتحدث عن هجرة جماعية بهذا الحجم، فإن هؤلاء المهاجرين قد ضربوا بأحقية ومشروعية هذا النظام. هناك 8 ملايين سوري على الأقل خارج بلدهم، يشهدون على أنهم لم يكونوا في دولة، بل في بنية يحكمها سفاح مجرم إرهابي.

    لقد اعتادت روسيا والنظام شنّ الهجمات في إدلب تحت ذريعة وجود نشاطات إرهابية، إلا أن ما يبدو الآن هو استهداف المدارس والمشافي والأفران حيث تتعرض ولا تزال للقصف الجوي، إلى جانب قتل المدنيين. هناك الآن مليون إنسان على الأقل اضطروا لأن يتوجهوا نحو الحدود التركية هربًا من حملات القصف العنيف. ولو استمر الوضع بهذا الشكل، فإن مصير إدلب كما هو بقية المناطق السورية الأخرى، ستضحي تحت سيطرة النظام بعد تحويلها لمدينة أشباح، إلا أنّ تدفق الناس من هناك، يعني حملًا على عاتق المسؤولية بالنسبة لتركيا.

    إن ارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك اتفاقيات مع تركيا جريمة أخرى أيضًا.

    في ضوء ذلك يتضح إذن، أن المسألة بالنسبة لروسيا لا تعني وجود أناس، بل تراهم كآلات تتنفس. ومن أجل السيطرة على منطقة ما، لا يوجد أهمية لما يحصل إثر ذلك من قتل وتهجير ومآسي إنسانية. ويمكن من ذلك أن نتصور لأي درجة من الخطورة قد وصلت الإنسانية عبر القتل بدم بارد من هذا النوع. لا يوجد لديها متسع من الوقت ولا تريد أن تتعب نفسها، بل همها هو السيطرة على هذه المنطقة وتلك. ومن أجل القضاء على معارض واحد بين آلاف من المدنيين، فإنها مستعدة أن تضحي بآلاف المدنيين من أجل ذلك. حتى ولو أن السيطرة على سوريا تكلف قتل مئات ومئات الآلاف، فلا مشكلة بالنسبة لها بل هي على أهبة الاستعداد.

    إنها لا تقوم بدفع أي فاتورة مقابل ممارساتها غير الإنسانية تجاه المعارضة التي هي حسب معايير روسيا مجرد إرهابيين، بل إن الفاتورة يدفعها المدنيون وتركيا فحسب.

    إن مشهد مليون إنسان مدني قرب الحدود التركية، فيهم الأطفال والنساء، لا يوحي بأية حال إلى أنها حرب ضد الإرهاب، بل مجرد إبادة جماعية وحشية.

    لا يمكن لتركيا أن تبقى متفرجة على ذلك. ولن تبقى. لقد بدأت مرحلة العمل.

  • العالم وجائحة«كورونا»/مستقبل المنطقة العربية/

    مقدمة

    لم يشهد العالم مثيلاً للتطورات الراهنة منذ تاريخ بعيد في ظل الانتشار العالمي السريع لجائحة فيروس «كورونا» المستجد (covid - 19) والوباء المترتب على انتشاره عالمياً، وبرغم ما تتخذه الحكومات والدول من إجراءات لمنع انتشار الوباء في الجانب الصحي، وكذلك الحد من تبعاته المختلفة وخاصة على الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته، فإن الأمر ما زال خطيراً وقاب قوسين أو أدنى من الخروج عن السيطرة.

    إن الانتشار المتدرج والسريع للفيروس من المحلية للعالمية سيعمق التأثير الذي ربما يطال معظم المجالات في بنيتها المادية والوظيفية وتأثيرها في رؤية العالم والتصورات الخاصة بالحياة والوجود والمصير الإنساني.

    يمر العالم والمجتمعات البشرية المختلفة بلحظات تاريخية فارقة وهي تواجه جائحة «كورونا»؛ مما يجعلها موضوعاً قابلاً للبحث والتحليل، وتقود هذه الأزمة إلى إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، ولا سيما المرتبطة بدور الدولة والمجتمع والأداء الاقتصادي وأساليب أداء العمل والإنتاج وإعادة صياغة مفهوم العولمة ليناسب ما بعد مرحلة جائحة كورونا التي ستترك العالم بشكل وهيئة وطبيعة مختلفة عما كان عليها من قبل، وسوف تحدد تلك الأزمة مفاهيم جديدة للعالم قبل أن تتركه وترحل.

    وفي ظل الوتيرة المتسارعة لتفاقم الأزمة عالمياً، وغياب ملامح الجهوزية لمواجهة الأزمة بشكل آني وفعَّال؛ فيصعب حالياً التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية عالمياً التي تعتمد بشكل كبير على سرعة وقدرة الحكومات والدول لمواجهة انتشار الفيروس وتبعاته على الأصعدة المختلفة.

    حيث قامت مجموعة التفكير الإستراتيجي ومقرها إسطنبول في تركيا بدورها بدعوة مجموعة من المفكرين والخبراء لورشة عمل امتدت إلى ما يقارب الشهرين، وما انبثق عنها من فرق عمل للعمل على تحليل وتوصيف الجائحة ومسار انتشارها وتأثيراتها المختلفة على عدد من الملفات؛ مثل الملف الاقتصادي، والجيوسياسي، والجيوستراتيجي، والمنطقة العربية والإقليم، والقوى المجتمعية الحية.. وغيرها.

    وعملت المجموعة على تحليل الظاهرة والوقوف على السيناريوهات المتوقعة لانتشار الجائحة، حيث اقترحت فرق العمل ثلاثة سيناريوهات مختلفة، معتمدة على مدة انتشار واستمرار الوباء، إن احتمالية السيطرة على الفيروس في فترة وجيزة لا تتخطى ستة أشهر قد لا تؤثر بشكل كبير على كثير من الملفات والقضايا في المدى البعيد أو القصير، في حين أن امتداد فترة السيطرة على الفيروس لما يقارب 12 شهراً ربما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة والعالم والنظام الدولي، أما إذا امتد الأمر إلى ما بعد ذلك؛ فإن العالم مقبل على مرحلة خطيرة ربما يخرج فيها عن السيطرة ونرى نظاماً عالمياً جديداً.

    وقد تبنت مجموعة التفكير الإستراتيجي السيناريو المتوسط (السيطرة على الجائحة خلال عام من انتشارها) وتأثيرات ذلك على العديد من الملفات المحلية والإقليمية والدولية، مرتكزة على مخرجات الحوار بين المفكرين والخبراء المشاركين بورشة العمل، وكذلك عدد من الأوراق البحثية المرفقة، بالإضافة إلى استطلاع للرأي (focusgroup).

    وفي خلاصة، فإن العالم العربي والمنطقة والإقليم سيشهد عديداً من المتغيرات، ربما تتزايد الضغوط المالية والاقتصادية والاجتماعية داخل المنطقة، ومع ذلك؛ فإن قوى التغيير السياسي والاجتماعي أمام فرصة لتوحيد جهودها من أجل بناء وحدة وطنية داخل كل قُطر ولتدعيم العمل المشترك العابر للأقطار، وهذا دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية التي يفترض أن تعيد بناء التصورات والمضامين وطرق العمل، لتشكل قوة ضغط على السلطات العمومية في مسار الموازنة بين الوطني والعابر للأوطان، والمدخل هو خلق الثروة وتبادل المنافع وتحقيق السيادة، كما أن المنطقة ستكون في مفترق طرق بين استعادة الرضا في المنظومة الجديدة بموقع يشابه الموقع السابق، أو انتهاج سياسات جريئة قوامها الإنتاج وتثمين الموارد الذاتية والتكامل متعدد الأوجه والصيغ أمام وإعادة بناء منظومة العمل المشترك وفقاً لمقاربة عقلانية تستفيد من ارتباك الأطراف الدولية المؤثرة ومن تقييم تجارب العقود السابقة.

    كما أن ثمة تداعيات اقتصادية واجتماعية لجائحة «كورونا» على مختلف مناطق العالم، ولكن وطأة التداعيات على المنطقة العربية قد تكون كبيرة بسبب حالة التبعية التي تعيشها الاقتصاديات العربية للخارج، منذ بداية العولمة الاقتصادية الرأسمالية، التي انطلقت في عام 1990م.

    كما أن عمق الأثر للفيروس قد يختصر الزمان والمكان وكثيراً من المحطات بشكل سيعقد عملية التكيف مع متغيراته ومعطياته اليومية؛ مهدداً بإضعاف وتفكك المؤسسات الدولية بشقها الاقتصادي والسياسي وتوزيع القوى والتحالفات الدولية فيها.

    وإذ تثمن مجموعة التفكير الإستراتيجي جهود الكثير من المؤسسات التي تبحث كيفية مواجهة هذه الجائحة، فإنه يسعدها أن تقدم اجتهادها في هذا التقرير لتستفيد منه جميع المستويات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص وقوى المجتمع.

    كما تتقدم المجموعة بكل الشكر والتقدير لجميع الزملاء المشاركين في ورشة الحوار، وفرق العمل، ومعدي الأوراق البحثية والمنسقين الفنيين لورشات العمل على مشاركتهم وجهدهم، آملين أن تزول هذه الجائحة، وأن يكون هناك مستقبل أفضل وجديد للعالم والبشرية.

    أ. محمد سالم الراشد

    رئيس مجموعة التفكير الإستراتيجي

     

    الملخص التنفيذي

    للسيناريو المتوقع للعالم العربي

    إلى نهاية ديسمبر 2020م

    تعرض مجموعة التفكير الإستراتيجي (STG) في هذا التقرير تقدير موقف لسيناريو تداعيات جائحة «كورونا» على العالم العربي، في أفق ديسمبر2020م، وقد انطلقت في ذلك من فرضيّة تفيد باحتمال مرجّح لاستيعاب زخم الأزمة في حدّ أقصاه نهاية عام2020م، أو القدرة على التعايش الواقعي معه، وبقاء بعض الارتدادات التي يمكن امتصاص أثرها لاحقاً.

    وتوسّل فريق العمل في بناء السيناريو بمنهجية علمية تقوم على:

    1 - تحديد مجال التركيز الجغرافي لتداعيات الجائحة.

    2 - اعتبار العامل الصحي والعامل الاقتصادي المحركين الرئيسين لتداعيات الجائحة، واعتبار الزمن العامل الحرج لكليهما؛ لذلك تم اعتماد خط زمني يحكم مدة كل سيناريو.

    3 - أنجز فريق العمل استطلاعاً للرأي شارك فيه30 متخصصاً وباحثاً من دول عربية مختلفة؛ حيث تمّ الاسترشاد بنتائجه في رسم توجهات السيناريو المرجّح.

    4 - اعتمدت الدراسة على استطلاع آراء مجموعة مختارة من المختصين وأصحاب الرأي وفق تقنية المجموعة البؤرية (Focusgroup) بلغ عدد أفرادها30 مختصاً وخبيراً من دول عربية مختلفة.

    5 - يغطّي السيناريو الفترة الزمنية الممتدّة إلى نهاية شهر ديسمبر من عام2020م، ونرجّح أن تكون البشرية إلى ذلك الحين قد استطاعت التحكّم نهائياً في الجائحة، أو وصلت إلى حالة من التعايش الواقعي معها.

    6 - تعريف المخاطر والفرص الناجمة عن الجائحة.

    يعتبر فريق العمل أنّ درجة عدم اليقين المرتفعة لتوقع التداعيات في مدى أبعد من نهاية السنة الحالية وفي أحسن الحالات الثلاثي الأول من السنة المقبلة، تجعلنا نكتفي باعتماد سيناريو واحد يتابع تأثيرات الجائحة على المنطقة العربية في المستويات الجيوسياسية والجيوستراتيجية والاقتصادية والصحية والمجتمعية، ويتأكّد لدينا هذا المنزع حين نضع هذا الاحتمال في سياق منطق حجر الدومينو الاقتصادي، وفي ضوء ما توفّر من معطيات وبيانات حول الجائحة التي يمكن أن نطمئنّ لصلابتها وثباتها النسبي.

    أهمّ التأثيرات المتوقعة لجائحة «كورونا» على العالم العربي:

    1 - رغم تباين صيغ تعامل الدول العربية مع الجائحة، فإنّ منظومات الصحة العربية عموماً تأقلمت مع الظرفية الجديدة، ولكنّ التقرير يرجّح ألا تكون هذه المنظومات قادرة على تحمّل فرضية انتكاس الوضع الوبائي وتعرضه لموجة ثانية من الفيروس.

    2 - يرى أنّ ما حدث بفعل الجائحة هو صدمة اقتصادية مزدوجة وغير اعتيادية، صدمة في الطلب وصدمة في العرض؛ مما يدفع نحو انخفاض في الاستهلاك وفي الاستثمار وفي التصدير، وفي الوقت نفسه؛ يدفع إلى حصول ارتفاع في البطالة وانخفاض في إنتاجية العمل وفي عائدات رأس المال؛ وهو ما سيتولّد عنه دائرة من الركود والتضخم، وكنتيجة لهذا يُتوقع أن تحصل تغييرات في إعادة تموقع الأنشطة الاقتصادية ومراجعة وضع الصين في بنية الاقتصاد العالمي خاصة بالنسبة إلى القطاعات الإستراتيجية وصناعات الأدوية والاتصالات، وهو ما يفترض بالنسبة إلى الاقتصادات العربية أن تستعدّ لهذه التغييرات بمراجعة موقع شركائها في سلسلة النشاط الاقتصادي المحلّي، وإعادة رسم سلسلة النشاط الاقتصادي في مستوى الإنتاج وفي مستوى التوريد.

    3 - يتوقع التقرير أن تحدث تغيُّرات سياسية محدودة حتى نهاية العام الحالي، ولكنّها تحمل في طياتها بذوراً لتشكّل تحولات مستقبلية متوسطة وبعيدة المدى، ومن التغيرات المرتقبة تقدم قيادة إدارة النظام الصحي في الدولة على حساب الأولويات السياسية، وتحوّل إدارة الدولة إلى نظام إدارة الأزمات.

    4 - يستبعد التقرير أن يحدث تغيير سياسي كامل في الأنظمة السياسيّة في المنطقة العربية في مدى هذه الدراسة، وستسعى الدول إلى استيعاب الصدمة والتأقلم معها؛ من خلال اتخاذ إجراءات صحية واقتصادية وأمنية تضمن استقراراً نسبياً للوضع، وهو ما سيشكل -على الأرجح- شبكة حماية كافية من الانهيار أو التغيير الشامل في هذه المدة.

    ويرى أنّ الدول العربية في هذا الشأن تنقسم إلى ثلاثة أصناف:

    أ- صنف يعيش شبه انتقال ديمقراطي مع تماسك في المنظومة السياسية، وفرص هذه البلاد في أن تتخطى تداعيات الجائحة قائمة.

    ب- صنف تتصف بنية الحكم فيه بالتماسك وتتوفّر على شروط ذاتية وموضوعية لاستدامة سلطانه على بلدانه في حدود الأفق الزمني المخصّص للتقدير، وربما أيضاً في حدود آفاق متوسطة نسبياً.

    جـ- صنف ثالث يتصف نظامه السياسي بهشاشة بنية الحكم وبلوغها حدودها، وهو ما من شأنه أن يجعل احتمالات تطور الأوضاع فيهما تكون في اتجاه الرغبة في التغيير أو الفوضى؛ لذلك نرجح أن تتخلّق فيها من جديد ديناميات الاحتجاج وبكلفة بشرية واجتماعية عالية.

    5 - عمّقت أزمة ارتفاع النفط من الآثار الاقتصادية على منظومة الإنتاج العالمي، ولكن بشكل أكبر على بنية اقتصادات الدول النفطية في المنطقة العربية؛ ممّا حدا بالبعض منها إلى أن يتخّذ إجراءات مؤلمة، تمثلت في رفع الأداء على القيمة المضافة، وإلغاء بدل المعاشات، والتخطيط للذهاب إلى الاقتراض.

    6 - لذلك؛ يرجّح التقدير أن يكون لتراجع الاستثمار واختلال الميزان التجاري بشكل غير مسبوق وارتفاع عدد العاطلين عن العمل وتضرّر الطبقة الوسطى وازدياد شريحة الفئات الاجتماعية الهشّة تأثيرات بنيوية على الاقتصادات العربية وعلى خياراتها الاجتماعية وعلى سياساتها في إعادة الانطلاق الاقتصادي في مرحلة ما بعد رفع الحجر الصحي.

    7 - يتوقع التقرير أن تحصل تبعاً لذلك تداعيات مهمة على القوى غير الحكومية في البلاد العربية في مستوى هيكلتها وإستراتيجيات عملها؛ ممّا يمنحها فرصة أكبر للتأثير والمفاوضة، كما يمكن أن يولّد هذا الضغط الاجتماعي مفاعيل سلبية باتجاه انتشار الميول الفئوية والجهوية والطائفية التي من شأنها أن تغذّي التوترات وتدفع إلى حصول حالات تصدّع مجتمعي.

    8 - قام التقرير قبل أن يتناول الحالة العربية بذكر توقعاته حول الجائحة وتداعياتها في العالم، ولاحظ ارتفاع مستوى التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بما نقل الأزمة من تداعياتها الصحية إلى تداعياتها الاقتصادية والسياسية؛ وما سيترتب عن ذلك من تفاعلات جيوستراتيجية؛ وهو ما ينذر باحتمال دخول العالم مرحلة من الاستقطاب الدولي والإقليمي قد تشارك فيها قوى طامحة كالهند وتركيا وباكستان وإندونيسيا على المدى المتوسط والبعيد.

    9 - كما أشار إلى ما ظهر من ضعف ومحدودية منظومات إقليمية ودولية وارتباكها في مجابهة الجائحة، وكيف أن البعض منها قد استطاع أن يتدارك آثار الصدمة الأولى وأبدى مرونة في التأقلم مع مقتضيات الأزمة بما جعلها تستعيد شيئاً من الثقة أمام منظوريها، وتتخذ سياسات مناسبة خاصة في المستوى الاقتصادي والمالي على غرار ما حصل مع الاتحاد الأوروبي.

    من نحن؟

    جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي هي جمعية غير ربحية وتعمل تحتها منصة مجموعة التفكير الاستراتيجي التي هي إطار تنسيقي مستقل وغير ربحي، وتتشكل منصة مجموعة التفكير من جهود تنسيقية بين مراكز معلومات ودراسات وأبحاث وبيوت خبرة واستشارات في التفكير الاستراتيجي وخبراء ومفكرين وباحثين، للتعاون فيما بينها ومع غيرها من الكيانات المشابهة لدعم وتنمية وتطوير التفكير الاستراتيجي وتقديم المبادرات وبناء الشراكات في مجال اختصاصها، والمقر الرئيس للجمعية والمجموعة في إسطنبول بتركيا.

    الرؤية والرسالة

    الرؤية

    الجمعية ومنصتها مجموعة رائدة في التفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية، وتسعى للتقدم كشريك دولي في التفكير الاستراتيجي.

    الرسالة

    تقدم الجمعية ومنصتها مجموعة التفكير الاستراتيجي الاستشارات اللازمة لمعالجة الأزمات، وتقدير الموقف بشكل عام لمختلف الجهات الرسمية والأهلية، وتسعى لإدارة برامج دراسات عليا في التفكير الإستراتيجي للشباب، وتنسق جهود مراكز التفكير الأعضاء لتطوير مستوى التفكير الاستراتيجي في المنطقة، وتتطلع إلى تفعيل العلاقة بين مراكز التفكير ومؤسسات الرأي في المنطقة وصناع السياسات فيها للارتقاء بالوعى والتفكير الاستراتيجي والوصول إلى تفاهم مشترك لحلول الأزمات الراهنة والمستقبلية.

    الأهداف

    دعم التفكير الاستراتيجي واقتراح السياسات والمبادرات وتقدير الموقف.

    تعزيز التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات، وتوجيه الإنتاج المعرفي بين مراكز الدراسات الأعضاء فى المجموعة وإيجاد حالة من التشبيك بين تلك المراكز، وإبرام الاتفاقات مع المؤسسات ذات الصلة.

    بناء شراكات إقليمية ودولية مع مراكز الدراسات والجامعات وخبراء وباحثين.

    دعم وإسناد مشاريع المراكز الأعضاء.

    تنمية التفكير الاستراتيجي لجيل الشباب المفكرين، وتنفيذ برامج الدراسات العليا.

    إنشاء مبادرات في سبيل تطوير التفكير والتخطيط والإدارة الاستراتيجية.

    الآليات والوسائل

    إنجاز مشاريع مشتركة ذات صلة بأهدافها.

    تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل.

    تقديم الاستشارات وتقدير المواقف.

    إدارة وتنسيق الإنتاج العلمي بين أعضاء المجموعة.

    إبرام الاتفاقيات مع المؤسسات والأطراف ذات الصلة باختصاص الجمعية.

    إنشاء موقع إلكتروني وصفحات تواصل اجتماعي.

    تصميم نظام اتصال مرن وفعال بين الأعضاء.

    إنشاء برنامج الدراسات العليا في التفكير والتخطيط الاستراتيجي.

    وأي وسائل أخرى مناسبة لتحقيق الأهداف.

  • ترجمات الزيتونة (81): الموقف التركي المتمثل بإنشاء القواعد العسكرية المتقدمة

    سلسلة ترجمات الزيتونة (81) – آب/ أغسطس 2017.

    مقدمة المترجم:

    ترتكز أهمية هذه الدراسة على أنها تبحث بالتفصيل توسّع تركيا، الدولة الإقليمية المتزايدة النفوذ، عبر قواعدها المتقدمة. وقد تختلف هذه القواعد في أجندتها السياسية والعسكرية، إلا أنها تعكس طموحات تركيا الإقليمية في العشرينيات القادمة من هذا القرن، من خلال عمليات الانتشار خارج البلاد، والتي ستبني من خلالها علاقات ثقافية استراتيجية قوية مع الدول المضيفة.

    هذه الدراسة هي من إعداد الدكتور جان كسب أوغلو من مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إستانبول، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من ”معهد الأبحاث الاستراتيجية“ في ”الكلية العسكرية التركية“. وهي تبحث بالتفصيل عمليات الانتشار المتقدمة لتركيا في الصومال، وقطر، وقبرص الشمالية، جنباً إلى جنب مع قواعد العمليات المتقدمة في شمال العراق، والوحدة العسكرية المتنامية المتمركزة في مدينة الباب السورية، بالإضافة إلى مشروع منصة هبوط طائرات الهليكوبتر أو ما يعرف بمفهوم ”القاعدة العائمة“.

    تأتي هذه الدراسة وسط تزايد في حدة الصراع في المنطقة، حيث نشهد المزيد من التقلبات في المواقف والتحالفات. وبالتالي ستساعد الباحثين والمتابعين لشؤون المنطقة على فهم خلفيات ومفاعيل القواعد المتقدمة التركية، ومآلات انتشارها وانعكاسها على دوائر النفوذ.

     

    للاطلاع على الترجمة، اضغط على الرابط التالي:

    >> ترجمات الزيتونة (81): الموقف التركي المتمثل بإنشاء القواعد العسكرية المتقدمة  (48 صفحة، 1.7 MB)

    * * *

    العنوان الأصلي: Turkey’s Forward-Basing Posture
    المؤلفون: د. جان كسب أوغلو Dr. Can Kasapoğlu
    المصدر: مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية Center for Economics and Foreign Policy Studies (EDAM)
    تاريخ النشر: تموز/ يوليو 2017

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/8/2017

     

  • تركيا تذهب إلى ليبيا لأجل السلام لا الحرب

    د.ياسين أقطاي

    منذ دعوة أردوغان وبوتين الأطرافَ في ليبيا إلى وقف إطلاق النار، أعلنت حكومة الوفاق الشرعية استجابتها للدعوة على الفور، بينما رفضتها إدارة المعتدي حفتر. هناك أمران غريبان، الأول في الدعوة ذاتها ولقد تحدثنا عن ذلك، والثانية في ردة فعل حفتر.

    دعوة الأطراف في ليبيا لوقف إطلاق النار

    أما الغرابة في دعوة الأطراف في ليبيا لوقف إطلاق النار؛ هو أنه لا طرفين متساويين يتصارعان في ليبيا، بل الموضوع عبارة عن وجود طرف عدواني يشن عدوانه. وفي الحقيقة كان على تلك الدعوة أن تتوجه نحو الطرف المعتدي وهو حفتر، وفي حال لم ينصع لهذه الدعوة، فالخطوة الأخرى المفترضة من المجتمع الدولي والضمير أ الحقوق، هو التحرك ضده وفرض عقوبات تردعه.

    على الرغم مما سبق، يبقى أن الوجود التركي في ليبيا بالتأكيد ليس لأجل الحرب، بل لإظهار أنها مستعدة لحماية حقوق الليبيين وأمنهم واستقرارهم، ولأجل ذلك قامت بدعوة حتى الطرف المعتدي حفتر، لوقف إطلاق النار تلبية لهذه الهدف.

    أما الغرابة الثانية في القضية، فقد كانت رفض حفتر بداية الأمر، لدعوة إيقاف النار التي صدرت عن روسيا التي هي تدعمه أصلًا. حينما رفض ذلك بماذا كان يثق يا ترى؟ فالسلاح الذي بين يده ليس له أصلًا، هل بإمكانه أن يخرج عن سياق النص الذي يرسمه من يدعموه بالسلاح؟.

    دعونا لا نتسرّع بالحكم، ربما قد فكر للحظة ما أنه يمكنه فعل ذلك، لكن عندما أمعن بالأمر فمن المؤكد أنه أدرك أن ليس بالإمكان الاستمرارية بذلك. إن حفتر لا يمكن له أن يستمر خطوة واحدة، دون الدعم المادي الإماراتي، والتقني الروسي، وما تقوم به فرنسا من دعم عبر نشاطاتها في الاتحاد الأوروبي.

    على صعيد تركيا، إنها لا تبحث عن شيء آخر سوى تهيئة الجو لحوار سياسي، يمكن من خلاله إيقاف هدر المزيد من الدماء في ليبيا، وتوفير الاستقرار للبلد والسلام لعموم الشعب الليبي. وهذا بدوره يمثل نصرًا كبيرًا وكافيًا بالنسبة لتركيا. ليس لتركيا عين في ليبيا ولا في أرض أي دولة أخرى، ولو أن كل دولة في الأصل كانت تُدار من قبل شعبها، وتسعى على الدوام لجلب مزيد من الاستقرار والحرية لهم، فإن هذا التأكيد لم يكن ليسبب إزعاجًا لتركيا.

    وبينما الحال كذلك، نرى الإعلام العربي وبخاصة المصري، قد أطلق حملة دعاية سوداء مكثفة، تتهم تركيا بأنها قد جاءت إلى ليبيا من أجل الحرب مع العرب. إنهم يعزفون على النغمة نفسها التي يعزف عليها حلفاؤهم من الشعب الجمهوري هنا.

    لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة التي جعلتهم يطمسون أعينهم؛ سواء الشعب الجمهوري بتركيا، أو أصحاب الدعاية السوداء في مصر: لم تطلب تركيا إلا وقف إطلاق النار ليس إلا، ولقد نجحت بذلك عبر الطرق الدبلوماسية المكثفة، وعبر علاقاتها الجيدة مع روسيا.

    لو كان هدف تركيا الحرب فعلًا، فإنها كانت تستطيع أن تحارب الطرف المعتدي “حفتر”، الذي لا يمتلك أي شرعية، لكنه للأسف يمتلك قوة. ومن الواضح جدًّا أن لا حظ لحفتر في هذه المعركة أمام تركيا، إلا أن هذا النجاح العسكري الذي ستحققه تركيا لا شك أن له فاتورة على حساب الشعب الليبي.

    إن تركيا لم تدخل إلى ليبيا عبر قوة عسكرية فحسب، بل دخلت عبر أواصر تاريخية وثقافية وثيقة، وبالطبع الأهم من ذلك هو لأجل مستقبل ليبيا، وعبر رؤية تكمن في توفير مستقبل آمن لجميع الليبيين. لا يوجد رؤية بديلة لهذه الرؤية، ولا يوجد أرضية أصلية يمكن أن تحل مكانها على الصعيد الأخلاقي والسياسي.

    ألا يمكن أن تكون ليبيا محل فرصة للعلاقات المصرية-التركية؟

    حينما كانت الحملة الإعلامية في مصر تتحدث عن أن تركيا قادمة إلى ليبيا من أجل محاربة مصر، قلنا وأوضحنا أن تركيا لا يمكنها أن تحارب أي دولة عربية أو مسلمة، بل على العكس من ذلك؛ هي تريد إيقاف تلك الحرب المشتعلة في ليبيا، والأهم أنها جاءت إثر دعوة رسمية من حكومة شرعية.

    إن دوافع التعاون فيما بين مصر وتركيا تفوق بحد ذاتها وبشكل كبير، وجود دوافع لإشعال حرب بين البلدين. إلى جانب الوضع المتأزم والخارج عن السيطرة، الذي نشأ إثر انقلاب السيسي الذي يقوم بانتهاك حقوق شعبه كل يوم، فإن الانقطاع فيما بين تركيا ومصر قد ولّد بدوره فرصًا كبيرة بالنسبة للآخرين، كما أنه كان مكلفًا للغاية على البلدين والعالم الإسلامي بأسره. لكن على الرغم من ذلك، فإن البلدين ليس لهما مفرّ من التعاون والتضامن فيما بينهما، وسيتعين عليهما فعل ذلك في النهاية.

    إن الاتفاق التركي-الليبي بدوره، يعيد الحقوق المصرية في حدود المنطقة الاقتصادية المنحصرة التي ضاعت بسبب الاتفاق الذي تم فيما بين مصر واليونان. كما يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وطرح هذا السؤال؛ لماذا لا يمكن عقد اتفاقية مع مصر أيضًا، على غرار اتفاقية ليبيا؟، إن اتفاقية من هذا النوع في شرق المتوسط، بين تركيا وليبيا ومصر، ألا يعني تعزيزًا وحماية لحقوق شعوب تلك الدول؟.

    من الذي يدفع مصر كي تلعب ضد مصر، وتلجأ إلى عقد اتفاقيات من تلك النوع ليس معها، بل مع دول كاليونان وإسرائيل؟.

    وفي النتيجة، لم يتم ذكر حتى مجرد اسم مصر، في الاتفاقية التي تم عقدها فميا بين اليونان وإسرائيل وجنوب قبرص. ألا يكفي تحييد مصر من هذه الاتفاقية على الرغم من مناوئتها تركيا؛ أن يكون رادعًا ومنبّهًا بما فيه الكفاية؟.

    لقد لاقت هذه الدعوة التي نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي صدى واسعًا؛ تجسد في الآلاف من الرسائل وردود الفعل، إيجابية كانت أو سلبية، ما يعني أن هذه الدعوة قد لاقت بالفعل صداها.

    من يعلم؟ ربما قد حان الوقت فعلًا للتفكير بجدية حول ذلك.

     

  • تركيا: الأبعاد الاستراتيجية لصفقة S400 الروسية ....... د. سعيد الحاج

    أولى العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم في تركيا عام 2002 بملفين افتقدتهما تركيا قبل عهده أهمية بالغة في السنوات الأخيرة لما لهما من آثار استراتيجية على مستقبلها، وهما أمن الطاقة والتسلح.

    فيما يتعلق بملف التسلح الذي اعتمدت أنقرة فيه على مدى عشرات السنين بشكل كامل على الخارج وخصوصاً المنظومة الغربية، سارت حكومات العدالة والتنمية في مشروع يتكون من مسارين متوازيين: الاستيراد والتصنيع المحلي، وقد قطعت في ذلك أشواطاً متقدمة بحيث صنّعت محلياً حتى الآن دبابات ومدرعات وسفناً حربية ومروحيات عمودية وطائرات بدون طيار وغيرها.

    بعد أشهر من المفاوضات الثنائية، أعلن الرئيس التركي قبل أيام إتمام صفقة شراء منظومة S400 الدفاعية الجوية من روسيا، وهو ما أكدته المصادر الروسية أيضاً. بل قال اردوغان إن الدفعة الأولى من الصفقة أو "العربون" قد دفعت فعلاً ما يعني أن الخطوة المقبلة هي التوافق على آلية النقل والنشر على الأراضي التركية.

    استدعت الخطوة بطبيعة الحال تحفظات غربية باعتبار أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يعتبر روسيا أكبر تهديد/عدو له، رغم أن التصريحات الرسمية لاحقاً أكدت على أن أي دولة عضو في الحلف هي من تقرر مصدر أسلحتها بنفسها دون تدخل من الحلف أو دوله الأعضاء.

    وتعتبر S400 روسية الصنع من أفضل أنظمة الدفاع الجوي في العالم إن لم تكن أفضلها فعلاً، وهي نظام مطور عن S300 الروسية أيضاً وتتميز عنها بأنها متوسطة -بعيدة المدى (3500 كلم) وقادرة على رصد وتدمير الأهداف على بعد 400 كلم، وتشمل أهدافها الطائرات بما فيها تلك المسماة "الشبح" والصواريخ البالستية وصواريخ كروز وغيرها. ولأهميتها، ورغم إبداء عدد كبير من الدول رغبتها في شرائها، إلا أن موسكو لم تقدم على هذه الخطوة إلا مع الصين ثم تركيا اليوم.

    وفق هذا السياق، يتخطى الأمر معنى شراء دولة سلاحاً من دولة أخرى إلى أبعاد استراتيجية، أهمها:

    الأول: تحصين تركيا نفسها جوياً:

    وهي التي تفتقر إلى منظومة للدفاع الجوي والصواريخ البالستية بما جعلها في مرحلة سابقة عرضة لهجوم صاروخي محتمل من خصومها في الأزمة السورية (النظام، طهران، موسكو) وأدى إلى نشر الناتو بطاريات صواريخ باتريوت على أراضيها، تلك التي سحبتها الدول الأوروبية لاحقاً بذرائع مختلفة.

    اليوم، تعول أنقرة على ما هو أكثر من امتلاكها هذا السلاح الدفاعي شراءً، وهو نقل التقنية وتوطينها بما يتناغم مع مشروع التصنيع الدفاعي المحلي، وهو أمر كان متعذراً مع دول الناتو التي حاولت سابقاً الشراء منها، بينما اتفقت مع روسيا في هذه الصفقة على تحقيقه مستقبلاً.

    الثاني: دعم مسار التعاون التركي – الروسي:

    إعطائه زخماً غير مسبوق، فلم يعد الحديث اليوم مقتصراً على التعاون الاقتصادي والتجاري واستيراد الغاز الطبيعي (%55 من حاجة تركيا يأتي من روسيا)، ولا عن المشاريع العملاقة مثل محطة "أك كويو" للطاقة النووية ومشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الطبيعي، ولا حتى تلاقي المصالح أو المهددات المشتركة في سوريا مثلاً. ما نحن بصدده اليوم هو تعاون ذو بعد استراتيجي واضح يشمل سلاحاً غير عادي لم تقدم موسكو حتى الآن على بيعه إلا للصين التي تجتمع معها على حالة التنافس و/أو الخصومة مع المنظومة الغربية، وهذه إشارة مهمة لموقع تركيا في المنظور الاستراتيجي الروسي مستقبلاً إن لم يكن حالياً.

    الثالث: هزة عنيفة للعلاقات التركية – الأطلسية:

    فقد بقيت أنقرة طوال الحرب الباردة بمثابة قاعدة متقدمة للناتو في مواجهة التمدد السوفياتي وفق خطة مارشال، بينما تسعى في السنوات القليلة الأخيرة -مع العدالة والتنمية -لنوع من الاستقلالية النسبية والعلاقات الندية مع "حلفائها" الغربيين، الأمر الذي لم ولا يروق لهم.

    تعيش تركيا اليوم إحدى أكثر الفترات توتراً في علاقاتها الغربية، مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، حتى وصل تدهور العلاقات إلى تصويت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار/توصية بتجميد ملف عضوية تركيا في الاتحاد، وحديث ميركل عن نيتها تفعيل هذا المسار في تشرين الثاني/أكتوبر القادم، ودعوة وزير خارجيتها إلى وقف تصدير السلاح تماماً لتركيا، وتصاعد أصوات لإعادة النظر في عضوية تركيا في حلف الناتو نفسه.

    لطالما اشتكت تركيا أنها تخضع لقرار حظر بيع سلاح غير معلن من الدول الغربية التي يفترض أنها حليفة لها، وخصوصاً في ملف المنظومة الدفاعية، حيث كانت عروض تلك الدول مماطلة وباهظة الثمن فضلاً عن رفض فكرة نقل التقنية لتركيا، ما دفع الأخيرة إلى التفاوض مع الصين أولاً ثم مع روسيا.

    مسار التباعد بين أنقرة وحلفائها الغربيين وتقاربها مع موسكو ليس جديداً، فهو حصيلة سنوات من خطوات متدرجة شملت طلب عضوية منظمة "شنغهاي" التي تقودها روسيا والصين في مواجهة الناتو. تعرض هذا المسار لانتكاسة شديدة مع أزمة إسقاط المقاتلة الروسية (نوفمبر 2015)، لكنه استؤنف لاحقاً ليصل اليوم إلى مستوى شراء S400 ، وإذا ما قدر له التطور أكثر فسيكون محطة فارقة في العلاقات التركية -الغربية وبوصلة السياسة الخارجية التركية، وربما ينبغي أن يسجل كعلامة نجاح كبيرة لتركيا أولاً ثم لروسيا التي تسعى منذ سنوات إلى احتوائها بعيداً عن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.

    المشكلة الرئيسة بالنسبة للناتو فيما يتعلق بالمنظومة الدفاعية S400 أنها غريبة عن منظومته وبالتالي فلا يمكن دمجها معه أو التنسيق بينهما. أكثر من ذلك، فهذا النوع من الأسلحة الاستراتيجية يعمل على تصنيف الأهداف إلى "صديقة" و"عدوة". وعليه فالمشهد هو أن روسيا "العدوة" أو مصدر الخطر بالنسبة للناتو ليست كذلك بالنسبة لتركيا عضوة الحلف، والعكس بالعكس.

    يعني ذلك تحديات معينة بالنسبة لتركيا نفسها وحاجتها -كما يتحدث بعض الخبراء الاستراتيجيين -لمنظومة أخرى مكملة لها لتشمل كافة الأهداف "المعادية" المحتملة من الشرق والغرب. لكن التحدي الأبرز لشراء أنقرة لهذه المنظومة يتعلق بخياراتها بين الناتو وروسيا والرؤية الاستراتيجية لسياستها الخارجية على المدى البعيد.

    تؤكد أنقرة أن هذه الصفقة حق سيادي لها لتأمين مصالحها والدفاع عن نفسها، وهذا صحيح. وتقول أيضاً إن الأمر تقني أو إجرائي بحت ولا يشكل خطراً على الناتو أو تغييراً في علاقاتها معه، وهذا أمر قابل للنقاش وأعتقد أنه سيكون مناط جدل كبير في أروقة الحلف ولقاءاته الثنائية مع الساسة الأتراك من الآن فصاعداً. والسؤال هو: هل ستتنبه الولايات المتحدة والدول الأوروبية لخطورة خسارة تركيا لصالح روسيا فتحاول الاستدراك، أم إن مسار "التوقع ذاتي التحقق" سيفرض نفسه تباعداً أكثر بين الطرفين، أم إن تركيا قد حسمت أمرها فعلاً وأن التحول إلى نوع من التوازن مع الشرق (روسيا والصين) مجرد مسألة وقت وإن طال؟

  • روسيا وتركيا والصراع على إدلب

    توران قشلاقجي

    تركيا منذ الحرب العالمية الأولى، للمرة الأولى تواجه صعوبات كبيرة مثل هذه. الغرب هو الغرب نفسه في موقفه، وروسيا هي روسيا نفسها التي لا تهتم بالاتفاقيات. الغرب وروسيا وإيران والعديد من الدول الأخرى الموجودة في سوريا. قبل أن ندخل في تحليل المشكلة في إدلب، دعونا نلقي نظرة سريعة على العلاقات التركية الروسية.
    حتى الأمس القريب، كانت روسيا وتركيا تقعان في فضاءين استراتيجيين مختلفين، أيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا، واحدة تتزعم حلف وارسو الاشتراكي، والأخرى جزء فاعل في حلف الناتو الغربي. ومع أن العلاقات بين الجانبين بدأت تتحسن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، غير أنها لم تصل إلى المستوى الإيجابي، إلا من بوابة الملف السوري، بحكم الضرورات الملحة التي فرضت نفسها على العاصمتين. ومع ذلك، فعلى الرغم من الاتفاقات والتفاهمات الروسية ـ التركية في سوريا (مسار أستانة، درع الفرات، غصن الزيتون، سوتشي، شرق الفرات)، يعتبر الملف السوري جزءا من سياق أعم للمجال التداولي الاستراتيجي بين الدولتين، يحكمه الموقف من الغرب.
    على مدار القرون الثلاثة الماضية، تعاونت الدولتان معا لمواجهة الهجمات الغربية، وظهر هذا التعاون بشكل جلي في مواجهة التوسع الفرنسي بقيادة نابليون نهاية القرن الثامن عشر، وظهر ثانيا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، مع توقيع اتفاقية أونكيار ـ إسكيليسكي، التي التزمت روسيا بمقتضاها تقديم الدعم العسكري لتركيا بعد عصيان محمد علي باشا في مصر. لكن في ذاك العصر نفسه، وقعت صراعات بين روسيا وتركيا، ففي عام 1768 عبر أسطول روسي مضيق جبل طارق للمرة الأولى نحو المتوسط، وخاض معركة بحرية كبرى ضد الأسطول العثماني، بسبب الصراع على شبه جزيرة القرم. وبعد ذلك بأربعة أعوام، قصف الأسطول الروسي المدن السورية الساحلية، في مشهد يشبه ما يحدث اليوم. باختصار، يمكن القول إن الخلافات الروسية ـ التركية في منطقة أوراسيا والقوقاز، كانت سببا في صراعهما، في حين كان التهديد الغربي سببا في تعاونهما.
    ما يحدث في إدلب الآن يلخص طبيعة العلاقات بين الدولتين طوال القرون الثلاثة الماضية. تشترك الدولتان بوجود حالة من فائض القوة لديهما في وقت تدخل علاقتهما مع الولايات المتحدة بمرحلة فتور، وقد برز فائض القوة الروسي والتركي بشكل جلي في سوريا: الأولى أصبحت اللاعب العسكري الدولي الرئيسي، فيما أصبحت الثانية اللاعب الإقليمي الرئيسي.
    شكلت الأزمة السورية نوعا من المفارقة في تاريخ العلاقة بين البلدين: اختلاف استراتيجي حيال الموقف من الثورة، ومن النظام، ومن مستقبل سوريا السياسي، غير أن هذه الخلافات الحادّة، وبفعل تعقد المشهد السوري بسبب كثرة الفاعلين الإقليميين، دفعت الطرفين إلى الاقتراب من بعضهما بعضا، وتقديم تنازلات متبادلة فرضتها مجريات الأمور. يمكن النظر إلى التعاون والصراع الروسي ـ التركي في إدلب من خلال بعدين اثنين:
    الأول، تكتيكي مرتبط بمفاعيل الترتيبات العسكرية في الجغرافية السورية، وفي هذا المستوى ثمة تفاهمات بين الدولتين، وثمة خلافات حول السيطرة على بعض المناطق في محافظة إدلب.

    الثاني، استراتيجي أبعد وأشمل من الجغرافية السورية، ويمكن تلمس أبعاده في أوكرانيا مع زيارة أردوغان إليها مؤخرا، والتوجه التركي إلى البحر المتوسط والوصول إلى الشاطئ الليبي، وقبلها التلاقي التركي ـ الأمريكي في شرق الفرات، وهذا المستوى هو الأهم، كونه من يحدد مسار العلاقات بين الجانبين.
    مشكلة روسيا، أنها لم تنظر إلى تركيا من خلال موقعها الاستراتيجي في المنطقة، بقدر ما نظرت إليها من البوابة السورية فقط، ومن هنا اعتقد الروس أن السماح للأتراك بالبقاء في إدلب والحصول على أراض في ريف حلب الشمالي الغربي، كفيل بإبعادهم عن الولايات المتحدة وأوروبا. لكن صناع القرار في الكرملين، لم يدركوا أن موقع تركيا في قلب العالم يضعها على تماس مع قارات ثلاث، ما يجعل خياراتها واسعة جدا، بحيث يصعب اختزالها في الشرق وحده أو الغرب وحده. عند هذه النقطة الرفيعة نشهد ارتفاع التوتر بين الجانبين، لكن من المهم التأكيد على أن العلاقة بينهما لن تصل إلى نقطة الصفر السياسي والعسكري، فتركيا تتحمل خسارة بعض الأراضي في إدلب من إجل الإبقاء على علاقتها مع روسيا، والأخيرة أيضا تتحمل بقاء بعض المناطق تحت سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا، لأجل السبب نفسه. وعليه، لن تنخدع أنقرة بالوعود والتصريحات الأمريكية، ومهما حاول جيمس جيفري دغدغة مشاعر الأتراك بالتحدث باللغة التركية، ووصفه الجنود الأتراك بالشهداء، فلن ينجح في دفع تركيا للوقوع في الفخ الأمريكي، وهو توتير العلاقة مع روسيا. هذه اللعبة يعيها صناع القرار في أنقرة جيدا، لكنها كانت مفيدة لتركيا، لأنها تخيف الروس الذين سارعوا عبر سفارتهم في أنقرة إلى القول إن التصريحات الأمريكية حيال تركيا كاذبة.
    الاستراتيجية التي يرسمها الرئيس أردوغان واضحة: تركيا قادرة ومستعدة لتحمل ثمن دورها التاريخي في سوريا، وعلى الروس أن يفهموا ذلك. التصعيد التركي بدا واضحا على الأرض، من خلال ارتفاع أعداد الجنود الأتراك في سوريا من ألف جندي إلى عشرة آلاف جندي، مع نحو ألفي مركبة عسكرية. وترافق التصعيد العسكري مع خطوط حمر وضعها أردوغان في وجه النظام السوري ومن ورائه الروس: ضبط حركة طيران مقاتلات النظام السوري في المحافظة، وأي اعتداء على الجيش التركي من قبل النظام السوري، سيرد عليه مباشرة في عموم الجغرافية السورية، بما يتجاوز منطقة اتفاق سوتشي في إدلب. ويمكن رؤية مدى جدية الموقف التركي من خلال عبارتين ذكرهما الرئيس أردوغان لأول مرة، «أي كفاح لا نقوم به اليوم داخل سوريا سنضطر للقيام به لاحقا في تركيا»، والثانية «إذا تركنا المبادرة للنظام السوري والأنظمة الداعمة له فلن ترتاح تركيا». يبدو أن الروس قد فهموا جدية الموقف التركي، فبعد المحادثة الهاتفية بين بوتين وأردوغان، أعلن الكرملين أن المطلوب هو تنفيذ اتفاق سوتشي، بمعنى أن روسيا لن تذهب إلى ما هو أبعد من هذا الاتفاق، وقد تم التعبير عن هذا الموقف أيضا بإعلان وزارة الدفاع الروسية مساء الأربعاء الماضي، أن السيطرة على الطريق السريع دمشق ـ حلب M5 سمح بإنشاء المنطقة الآمنة المنصوص عليها في المذكرة الروسية التركية. نتيجة لذلك قال رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون: «الحرية والتحرير، نضال الشعب السوري هو جزء لا يتجزأ، البقاء على قيد الحياة، والأمن القومي لتركيا، لا يمكننا السماح للأراضي السورية بأن يسيطر عليها مجرمون وإرهابيون. من واجبنا محاربة هذه العناصر، سواء في حدودنا أو في منطقتنا.»

  • زيارة وفد مجموعة التفكيرالإستراتيجي إلى البرلمان التركي في أنقرة

    جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي

    نظمت جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي زيارة ميدانية إلى البرلمان التركي بالعاصمة التركية أنقرة الخميس ٥ ديسمبر حيث كان الأستاذ الدكتور / مصطفى شانتوب رئيس البرلمان في استقيال وفد الضيوف والممثل من عدد من الجاايات العربية المختلفة بتركيا

    هذا وقد قام السيد . محمد سالم الراشد رئيس جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي بإلقاء كلمة الجمعية حيث قدم الشكر للدولة التركية والبرلمان التركي على مواققهم المتميزة تجاة قضايا الأمة العربية والإسلامية. كما استعرض دور مجموعة التفكير الاستراتيجي في السعي لتنمية الوعي في مجال التفكير والتخطيط الاستراتيجي لدى شريحة الشباب من خلال عدد من البرامج المتخصصة وختم كلمتة بالإشارة إلى أهمية تضافر الجهود التركية مع الدول المحيطة في بناء استراتيجية موحدة للارتقاء والتقدم بالمنطقة إلى الأمام

    كما قام السيد الدكتور / مصطفى شانتوب بإلقاء كلمة البرلمان مرحبا بالوفد الزائر ومشيرا إلى أهمية دور التفكير والتخطيط الاستراتيجي والدور الذي تقوم بة المجموعة

    ثم تعرض للعديد من القضايا المشتركة والتي من شأنها أن تعزز العلاقات المشتركة بين تركيا والعديد من الدول في المنطقة. ثم تعرض للدور المهم الذي تلعبة الدولة التركية في التخفيف من حدة الأزمات في المنطقة
    كما قام الوفد بزيارة إلى المقر المركزي لحزب العدالة والتنمية حيث كان في استقبال الوفد - الأستاذ الدكتور / ياسين أكتاي.. مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية والذي اصطحب الوفد في زيارتة إلى مقر البرلمان التركي

    وقد تعرض في كلمتة إلى أهمية بناء الشراكات المختلفة بين الدولة التركية ودول المنطقة مثنيا على دور الجاليات العربية في التنمية الاقتصادية للدولة التركية

    وفي كلمتة ايضا بمقر الحزب حيث اجتمع بوفد الجمعية وتعرض للعديد من القضايا الاستراتجية المشتركة وأهمية الدور التركي الذي تلعبة الدولة التركية بالمنطقة

    هذا وقد اختتمت الزيارة بتبادل الهدايا بين الطرفين حيث قدم الأستاذ محمد سالم الراشد رئيس مجموعة التفكير الاستراتيجي درع الشكر والتقدير لكلا من د. مصطفى شانتوب رئيس البرلمان التركي والسيد ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية
    كما قام رئيس البرلمان بإهداء درع البرلمان للسيد محمد سالم الراشد رئيس جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي

    هذا وقد حظيت الزيارة بمشاركة العديد من الشباب من مختلف الدول العربية
    وتأتي تلك الزيارة ضمن برنامج المجموعة في تنمية مجال التفكير والتخطيط الاستراتيجي لدى شريحة الشباب بالمنطقة

  • سياسة الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية

    أحمد عبد القادر*

    مقدمة

    مع بداية ثورات الربيع العربي ازداد التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، مما شكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، فسعت الأخيرة إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال مجموعة من الإجراءات منها تجديد العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني في عام 2018م مروراً بالغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سورية ثم اغتيال قاسم سليماني " قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني " في 3 يناير 2020م، لاحقاً ردت إيران بقصف صاروخي لقاعدة " عين الأسد" الأمريكية في 8 يناير 2020م.

    فإلى أي مدى يمكن أن يشكل ازدياد النفوذ الإيراني خطراً على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

    وماهي الوسائل المحتملة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية؟

    أولاً: التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط:

    تقع إيران ضمن قائمة الأنظمة المارقة - حسب الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الأمريكية لعام 2018م- التي تهديد مصالح الولايات المتحدة على المستوى الدولي والمستوى الإقليمي بشكل خاص، ويظهر ذلك من خلال سعيها المستمر للحصول على السلاح النووي والتي ترى فيه الولايات المتحدة خطراً وجودياً على إسرائيل حليفها الاستراتيجي، وكذلك من خلال دعمها الواضح والكبير لجماعات تصنفها الولايات المتحدة " منظمات إرهابية" ، وتطويرها لمنظومة صواريخ بعيدة المدى، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فضلاً عن بسط نفوذها الكامل في دول أخرى[1]. يضاف إلى ذلك سعيها لبناء نظام أمني إقليمي تكون هي دولة المركز فيه وذلك لن يتأتى لها إلا من خلال مزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز" الذي يمر عبره ثلث الإنتاج النفط العالمي"[2]، وبناءها تحالف مع روسيا الاتحادية المنافس التقليدي للولايات المتحدة، محاولة تصديرها لنظام" الولي الفقيه" تحت مسمى تصدير الثورة الإيرانية وهو نظام استبدادي لا يتفق مع المبادئ الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة.

    ثانياً: أدوات الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية عدد من الوسائل والأدوات التي من الممكن استخدامها في تقليص النفوذ الإيراني بدايةً من استخدام القوة العسكرية المباشرة وصولاً إلى استخدام العقوبات الاقتصادية مروراً بتوظيف الوسائل والأدوات الإقليمية والمحلية ومن هذه الأدوات:

    1. دعم فصائل الثورة السورية

      بدأ الدعم الأمريكي لفصائل الثورة السورية في عام 2013م بهدف إسقاط النظام السوري ومن خلفه النفوذ الإيراني من خلال غرفة تنسيق الدعم لقوات المعارضة" الموك" ومن أهم الفصائل التي تلقت الدعم الأمريكي "جبهة ثوار سورية، وحركة حزم" إلا أن الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة السورية قد توقف في عام2017م بعد فشلها في مواجهة تنظيمات تصنفها الولايات المتحدة" منظمات إرهابية".

    2. دعم تنظيم قوات سورية الديمقراطية" قسد"

      بدأت الولايات المتحدة في دعم قوات سورية الديمقراطية "قسد" مع بداية تشكيلها في عام 2015م بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تقديم الاستشارات العسكرية ،ثم من خلال التدريب وتقديم الأسلحة والذخائر والمشاركة بالعمليات الميدانية من خلال القصف الجوي، وكانت مشاركتها الأكبر في معركة عين العرب، وتعمل الولايات المتحدة على توظيف دعمها لهذه القوات للسيطرة على منطقة الجزيرة السورية والتي تمر فيها أغلب الطرق البرية بين سورية والعراق وبخاصة بعد سيطرتها على المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات بين الرقة ودير الزور، مانعةً بذلك إيران من السيطرة على هذه المنطقة.

    3. القواعد العسكرية

      • قاعدة التنف: تعتبر قاعدة التنف العسكرية من أهم القواعد الأمريكية في سورية وقد تم إنشاءها في العام 2014م، وكانت قد استخدمتها بداية إنشاءها لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ولاحقاً لتقليص النفوذ الإيراني من خلال سيطرتها على الطريق بين دمشق وبغداد، والذي تستخدمه الميليشيات التابعة لإيران كخط امداد رئيسي لقواتها المتواجدة في سورية[3]، وتعتمد هذه القاعدة على التواجد المباشر للقوات الأمريكية إضافة إلى بعض التشكيلات التابعة لقوات المعارضة السورية*. تاركةً القوات الإيرانية تستخدم طريق البو كمال -تدمر والذي يتعرض بشكل متكرر لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

      • قاعدة الرميلان: تم إنشاؤها في عام 2015م وتعتبر القاعدة المركزية في منطقة الجزيرة السورية وتحتوي على مهبط للطائرات[4]، وتشكل مع مجموعة من القواعد الأخرى* حزام حمائي للطريق الدولي M4على طول المناطق الممتدة من الحدود السورية العراقية عند معبر اليعربية وصولاً منبج في ريف حلب الشرقي، وبذلك تحرم الميليشيات الإيرانية من استخدام هذا الطريق الاستراتيجي.

    4. الغارات الجوية على المواقع العسكرية

      بدأ الطيران الأمريكي باستهداف الميليشيات التابعة لإيران في أوائل العام 2018م واستمر خلال العام 2019م، وتركز القصف في دير الزور حيث استهدفت الأرتال الإيرانية ومواقع القيادة والذخائر أكثر من مرة وازدادت هذه الهجمات بعد مقتل "قائد لواء القدس" قاسم سليماني بغارة أمريكية في العراق.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل أدوات تقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    1. استمرار الاعتماد على الأدوات السابقة: من خلال القواعد العسكرية المتواجدة في التنف ومنطقة الجزيرة السورية ، والحفاظ على مستوى دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن دعم هذه القوات قد يلقى معارضة شديدة من قبل تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو، وكذلك الحفاظ على مستوى الدعم المحدود لفصائل المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف والتي ليس بمقدورها تحقيق مهمات كبيرة في تقليص النفوذ الإيراني بسبب قلة عددها وطبيعة المنطقة التي تتواجد فيها، واستخدام الغارات الجوية بين الحين والأخر، وكل ذلك قد لا يسهم بشكل فعّال في تحقيق هدف تقليص النفوذ الإيراني.
    2. زيادة الاعتماد على الأدوات السابقة: وهو السيناريو المرجح، ويمكن للولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال زيادة دعم ونفوذ قواعدها العسكرية بهدف تحقيق السيطرة المطلقة على طرق امداد الميليشيات الإيرانية، أو من خلال زيادة دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن ذلك قد يواجه بموقف تركي رافض لهذا الدعم ، ويمكن كذلك زيادة الغارات الجوية والتركيز على استهداف قيادات في الميليشيات الإيرانية وحلفائها وهو ما ظهر في استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري في وتوسيع نفوذه في الدول العربية ، وزيادة دعم فصائل المعارضة وبخاصة بعد تقدم النظام وحلفائه في إدلب واحتمال فقدان المعارضة أخر معاقلها في ظل دفع إيران أعداد كبيرة من ميليشياتها إلى جبهات إدلب ، وبالتالي قد يكون زيادة دعم قوات المعارضة لمنع إيران من الاستفادة من هذا التقدم عن طريق دعم فصائل جديدة متواجدة في إدلب إضافةً إلى الفصائل الموجودة في قاعدة التنف.
    3. تقليص دعم الأدوات السابقة: يمكن للولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في سورية من خلال الحرب المباشرة مع ما يرافقها من تقليص دعم الأدوات السابقة ولكن يبقى هذا السيناريو مستبعداً بسبب التكلفة الباهظة العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب المباشرة، وكذلك حاجة الحرب إلى تأييد داخلي واستعداد شعبي لتحمل هذه التكاليف، فضلاً عن حشد التأييد الدولي وقد يزيد ذلك من حدة التنافس مع روسيا والصين.

    *طالب علوم سياسية في جامعة شام العالمية

    [1] ضرار الخضر، ملخص الاستراتيجية الدفاعية الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية2018، مركز نورس للدراسات،2019م.

    [2] بالخرائط: قراءة لواقع النفط في الشرق الأوسط، ن بوست، 23\12\2014م، http://bit.ly/2PWGXaA، أخر تحديث 7\3\2020م

    3] واشنطن بوست تكشف عن الأهمية الاستراتيجية لقاعدة التنف، أورينت نت، 24\10\2018، http://bit.ly/2vDGIKU، أخر تحديث 7\3\2020م

    *ومن أهم التشكيلات العسكرية لقوات المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف فصيل" مغاوير الثورة"

    [4] سوريا مكتظة بالقواعد الأجنبة .. تعرف عليها، الجزيرة نت، 1\3\2018م، http://bit.ly/3cFINGI، أخر تحديث 7\3\2020م

    *تل تمر، تل السمن، صباح الخير، حرب عشق

  • عملية نبع السلام وكشف اللثام عن وجوه اللئام

    د. حسين إبراهيم قطريب – المركز السوري سيرز

    16/10/2019م

    أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان عملية نبع السلام المشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري في منطقة شرق الفرات من سورية مساء يوم الأربعاء 9/10/2019م، من أجل محاربة الإرهاب وإنشاء منطقة آمنة للسوريين الهاربين من جحيم الحرب، بعد صبر مضن وحوار عقيم جرى مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية والشرقية الفاعلة في الساحة السورية والمحتلة لأرضها، المدمرة لبنيتها، القاتلة لشعبها، ولكن دون جدوى، وتهدف العملية إلى تحقيق أهداف عدة أهمها ما يلي:

    1. إزالة ممر الإرهاب الذي أنشأته عصابات(pkk & pyd)الكردية الانفصالية الإرهابية في منطقة شرق الفرات السورية، واستبداله بإدارة مدنية محلية مكونة من جميع أبناء المنطقة ومكوناتها.
    2. إنشاء منطقة آمنة في الأرض السورية تمتد في شرق الفرات من جرابلس ومنبج غرباً حتى المالكية شرقاً، بعمق يتراوح بين 30 – 35 كم، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها.
    3. تنمية المنطقة الآمنة المذكورة في مختلف المجالات، الخدمية والزراعية والتعليمية والصحية، وإعادة إعمارها بالمدن والقرى، لاستيعاب اللاجئين السوريين الذين لجأوا من منطقة شرق الفرات إلى تركيا بفعل إرهاب النظام وداعش والمليشيا الكرديةالإرهابية على التوالي، وهم أكثر من مليون سوري منهم حوالي ثلاثمائة ألف كردي.
    4. تأمين الموارد المالية لتغطية احتياجات الثورة السورية والجيش الوطني والحكومة المؤقتة وخدمات المناطق المحررة من الموارد النفطية والزراعية المتوفرة في المنطقة.

    وبهذه الأهداف ذات الأبعاد المختلفة، الأمنية والإنسانية والتنموية، تقاطعت مصالح تركيا الشقيقة مع مصالح الشعب السوري وقواه الثورية الحرة بتحرير جزء مهم من الأرض السورية التي سيطرت عليه عصابات(pkk & pyd) العنصرية الانفصالية الإرهابية، وهددت الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية، ولهذا تكتسب عملية نبع السلام شرعية قانونية تستند إلى مبررات مختلفة إنسانية وقانونية وأمنية، ويمكن توضيحها بما يلي:

    1-  لتركيا الشقيقة حدود برية مع سورية يزيد طولها على 850 كم، وتاريخ مشترك معها لقرون، وإن عوامل الجوار الجغرافي، والتداخل الأمني والاجتماعي والثقافي على جانبي الحدود، تحتم على تركيا نصرة الشعب السوري وتعطيها حق التدخل في الأزمة السورية أكثر من جميع الأطراف التي جاءت من وراء البحار والفيافي والقفار، كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران وفرنسا وبريطانية وجهات أخرى كثيرة خفية الأصابع، وجعلت من الأرض السورية ساحة لتصفية الحسابات وحروب المصالح بالوكالة بينها.

    2-  لتركيا كامل الحق القانوني بمحاربة العصابات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي عبر الحدود السورية بموجب اتفاقية أضنة التي أبرمتها مع النظام السوري في أضنة عام 1998م، ونصت الاتفاقية على إعطاء تركيا الحق بملاحقة العصابات الإرهابية وتتبعها للقضاء عليها في داخل الأراضي السورية.

    3-  إن تأييد الشعب السوري وقواه الثورية الحرة لعملية نبع السلام، ومشاركة الجيش الوطني فيها بحوالي خمسة عشر ألفاً، وتأهب عشرات الآلاف الآخرين من مقاتليه للمؤازرة، يعد من أهم المرتكزات الشرعية وأكثرها قيمة اعتبارية في إضفاء الشرعية على العملية.

    4-  إن عصابات (pkk & pyd)الإرهابية باسم قوات سورية الديمقراطية (قسد) لا تمثل الشعب الكردي في سورية، ومارست على مكوناته السياسية الاضطهاد والاقصاء، كما مارستهما على جميع المكونات السورية الأخرى من العرب والتركمان وغيرهما.

    5-  وتعتبر عصابات(pkk & pyd) الإرهابية العنصرية الانفصالية قوى احتلالية لمنطقة شرق الفرات في سورية،وإن ما سمته بالإدارة الذاتية الكردية وفرضتها قسراً بقوة السلاح على حوالي 19% سكان سورية، وحوالي 37% من مساحة سورية، وهي تنتسب في المنطقة لأقل من 15% من سكانها سورية، وأقل من 10%من سكان سورية،مما يدعو للسؤال عن نوع الشرعية التي تنسبها لنفسها بإدارة هذا الاقليم؟ والحق الذي يخولها بالتصرف بمعظم مقدرات سورية الموجودة في هذا الاقليم وتقدر بـ 64% من الموارد الاقتصادية لسورية.

    وفي المقابل فإن تحليل المنطلقات العدائية والذرائع الواهية لأصحاب المواقف الذين شكلوا أنفسهم في دائرة الرفض والادانة لعملية نبع السلام إقليمياً ودولياً، والتي تتمثل في دعوى الاعتداء على السيادة السورية خارج إطار القانون الدولي، وإمكانية عودة تنظيم داعش الإرهابي للظهور في المنطقة من جديد.

    وإن الكم اللامعقول وغير المبرر للعقوبات السريعة التي قررتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول ضد تركيا وبعض المسؤولين الأتراك، كشف اللثام عن ضعف مبادئ هذه الدول، وعن حقدها التاريخي، وعن ضعف الجدوى من أية علاقة استراتيجية وتحالف معها، علماً بأن تركيا هي حليف استراتيجي لها وعضو فعال في حليف الناتو معها منذ عشرات السنين، وعلى أية حال يمكن أن نميز بين منطلقين أساسيين لأصحاب المواقف السلبية من عملية نبع السلام هما:

    أولاً- منطلق العداء الاستراتيجي لشعوب المنطقة ودولها، والرغبة في إبقائها منطقة ضعيفة تعاني من الإرهاب وعدم الاستقرار، وتابعة مستنزفة القدرات، ويقف في مقدمة هؤلاء كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والعديد من دول الاتحاد الأوربي الأخرى، ولم تشفع لتركيا عند هؤلاء عضويتها في حلف الناتو، كما لم تشفع للشعب السوري وقواه الثورية الحرة عدالة القضية الانسانية ضد اجرام النظام وحلفائه، وإجرام المليشيا الطائفية والكردية الانفصالية الإرهابية (pkk & pyd).

    ثانياً- منطلق العداء والكيد لتركيا والتشويش على دورها في سورية والمنطقة العربية ونهضتها الحديثة، وفي مقدمة هؤلاء الأنظمة الاستبدادية الفاشلة في مصر والخليج العربي ولبنان والعراق والجزائر، ولم يشفع لتركيا عند هؤلاء وقوفها مع الشعب السوري وقواه الثورية الحرة، ولا علمهم علم اليقين بأن العصابات الكردية الإرهابية تعمل على تقسيم سورية، والمضحك المبكي أن هؤلاء الكائدون يتذرعون باختراق تركيا لسيادة سورية، وقد عمو وصمو من قبل لسنوات عن اختراق السيادة السورية وتدميرها وقتل شعبها من قبل إيران وروسيا والمليشيا الطائفية متعددة الجنسيات، بل نراهم يسعون راضخين لعلاقة استراتيجية مع روسيا وحوار مع إيران بعد كل ما ارتكبتاه من اجرام في سورية.

    كتب الله الحفظ لتركيا والنجاح لعملية نبع السلام، والخلود لشهدائها وشهداء الثورة السورية، والشفاء العاجل لجرحاها، والعودة الآمنة الكريمة لمن تشرد من سورية، والخزي والعار للأعداء وأصحاب الكيد.

    إن عملية نبع السلام ستستمر حتى تحقيق أهدافها برغم كل الماكرين والكائدين، وإن مسارها الصحيح والمغيظ للكثير من الأطراف التي وقفت ضدها من منطلقات عدائية كيدية حاقدة، وبغض النظر عما ستسفر عن نتائج سلبية غير محسوبة بفعل التأثيرات الطارئة على مجرياتها، وستحملون وزرها التاريخي من غدر وكاد لها وليس تركيا التي رسمت مسارها النظيف، وشعوب المنطقة تعي من شوش على سيره وجعل له ارتدادات تصب في مصلحة النظام السوري المجرم، فإن مختصر وصف مسار العملية كما هو وكما يلي:

    1-  إنها عملية تحرير لجزء كبير من الأرض السورية تحتله عصابات إرهابية انفصالية.

    2-  إنها عملية حرب على إرهاب عصابات انفصالية وحفاظ على وحدة الأرض السورية.

    3-  إنها عملية إنسانية لإعادة لاجئين سوريين هُجِروا قسرا من قبل عصابات إرهابية انفصالية، وهم من المنطقة نفسها ومن جميع المكونات العربية والكردية وغيرهما.

    4-  إنها عملية تحمل في طياتها أبعاداً مختلفة، وتهدف إلى تنمية المنطقة وتأمين الأمن والاستقرار فيها.

  • عملية نبع السلام/ أهدافها ومآلاتها

    د. حسين إبراهيم قطريب – المركز السوري سيرز

    مسرح العملية وأهم أهدافها:                                                  

    أمر الرئيس أردوغان ببدء عملية نبع السلامفيمساء يوم الأربعاء الموافق 9/10/2019م، بعد استكمال كافة الاستعدادات العسكرية والإجراءات اللوجستية من قبل الجيشين التركي والوطني السوري، وتهيئة الأجواء الداخلية والدولية لشن هذه العملية العسكرية في منطقة شرق الفراتمن سورية.

    وأهم ما يلفت النظر من الناحية الدبلوماسية أنها بدأت بعد التفاهم مع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتن وإقناعهما بالموافقة عليها من قبل الرئيس أردوغان، وهما من أهم اللاعبين المؤثرين على الساحة السورية، وتأكدت موافقتهما بتصريحات لهما، وبموقف دولتيهما في مجلس الأمن اللتين رفضتا إدانة العملية بموجب اقتراح تقدمت به خمس دول أوربية في اليوم الثاني لبدء العملية.

    ويشمل مسرح الأنشطة العسكرية لعملية نبع السلامكامل الشريط الحدودي لتركيا مع سورية في منطقة شرق الفرات بعمق حوالي (30) كم، وامتداد حوالي 460 كم من منطقة عين العرب في الغرب إلى منطقة المالكية في الشرق، مروراً بمنطقتي تل أبيض ورأس العين، وضمن هذا الامتداد نحو الشرق والعمق نحو الجنوب يقع معظم إقليم انتشار الأكراد في شمال شرق سورية، وأهم مناطقهم التي يشكلون فيها أغلبية سكانية من الغرب نحو الشرق هي: منطقة عين العرب، وناحيتا عمودا والدرباسية، ومنطقة القامشلي، ثم ناحيتا القحطانية والجوادية، ومنطقة المالكية.

    وتتركز المعارك الآن في المرحلة الأولى من العملية في شمال محافظة الرقة بمنطقتي تل أبيض ورأس العين، وهاتان المنطقتان تسكنهما أغلبية عربية ومكونات أخرى من التركمان وغيرهم، وتم تهجير معظم سكانهما بالقوة بعد السيطرة عليها من قبل عصابات(pkk & pyd) الإرهابية.

  • قراءة في الموقف التركي في إدلب

    محمد أديب عبد الغني* – تقدير موقف
    المركز السوري سيرز
    مقدمة
    أعلنت تركيا في 2020\3\1م عن انطلاق عملية "درع الربيع" في منطقة إدلب السورية بهدف استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام السوري في الآونة الأخيرة، والتخفيف من حدة موجة اللجوء تجاه الحدود التركية التي تسببت بها هذه الحملة، وقد سبق إعلان انطلاق العملية ارتفاع حدة المواجهات بين الجيش التركي وقوات النظام، حيث سيطر الجيش الوطني السوري بدعم من أنقرة على مدينة سراقب الاستراتيجية وتمكن من قطع الطريقين الدوليينM4 وM5 تلى ذلك استهداف قوات النظام بتاريخ 27- فبراير- 2020 رتلاً من القوات التركية مما تسبب بمقتل عدد من الجنود الأتراك، والذي أدى بدوره إلى التسريع في بدأ العملية التركية.
    تتضارب الآراء حول تفسير هذه العملية بين مشكّك في مصداقيتها وبين من يراها خطوة متأخرة، فكيف يمكن تفسير السلوك التركي في إدلب وأسباب إعلان انطلاق العملية في هذا التوقيت وماهو المدى المحتمل لنطاق العملية؟
    أولاً: مراحل تصاعد الموقف التركي في إدلب
    بدأ النفوذ التركي في إدلب بالانحسار لصالح قوات النظام السوري مدعوماً بالقوات الروسية مع بدأ الحملة العسكرية التي تسببت بحصار نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بتاريخ 2019\8\20، تبعها حصار عدة نقاط تركية" الصرمان- تل الطوقان- العيس- سراقب- شير مغار" وظهرت تركيا عاجزة عن الحفاظ على مناطق خفض التصعيد بوصفها ضامن في اتفاقية استانا وسوتشي، ويمكن تقسم المواقف التركي من هذه الأحداث إلى مرحلتين أساسيتين
    1. مرحلة استخدام الأدوات الدبلوماسية: استخدمت تركيا هذه الأدوات بعد سيطرة النظام على منطقة ريف حماه وحصار نقطة المراقبة في مورك حيث عقدت تركيا مع روسيا عدة لقاءات بهدف تثبيت وقف إطلاق النار بين قوات المعارضة من جانب وقوات النظام السوري من جانب أخر نتج عنها الهدنة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية في 12 كانون الثاني (يناير) ،ولم تنجح هذه الهدنة في تحقيق أهدافها بسبب خرق قوات النظام المستمر لها، أصرت أنقرة على المحافظة على تواجد نقاطها على الرغم من حصار هذه النقاط وتعرضها للقصف عدة مرات، ويمكن تفسير سلوك تركيا في هذه المرحلة واقتصارها على الأدوات الدبلوماسية في رغبتها بالالتزام ببنود اتفاقية وقف التصعيد وتجنباً للتكلفة الباهظة التي يمكن أن تحدثها الأدوات العسكرية.

    2. مرحلة النزاع العسكري: يعتبر استخدام القوة العسكرية الأداة الأخيرة التي تلجأ إليها الدولة لتحقيق أهدافها وبعد استنفاذ استخدام الوسائل الدبلوماسية بسبب ارتفاع تكلفة الأداة العسكرية لتحقيق أي هدف تغييري. وتقسم هذه المرحلة إلى:
    أ‌- مرحلة مراكمة القوة العسكرية والتهديد باستخدامها: بدأت هذه المرحلة بعد سيطرة قوات النظام السوري على منطقة معرة النعمان أواخر شهر يناير من العام الحال حيث ظهر الموقف التركي في هذه المرحلة أكثر حدة، وتجلى ذلك بدفع عدد كبير من القوات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية و إنشاء عدد جديد من النقاط العسكرية خارج اتفاقية خفض التصعيد*، ترافق ذلك من تصريحات تركية باستخدام القوة لإعادة النظام السوري إلى خطوط خفض التصعيد مع عقد لقاءات جديدة مع المسؤولين الروس لحثهم على وقف العمليات العسكرية ومع سيطرة قوات النظام السوري على أرياف حلف الجنوبية والغربية زادت تركيا من وتيرة إرسالها للأرتال العسكرية ونصب منظومة دفاع جوي للتشويش على طائرات النظام وتزويد قوات المعارضة بصواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف ونشر عدد من القوات التركية داخل بعض المدن ووضع القوات في مواجهة قوات النظام السوري.

    ب‌- مرحلة استخدام القوة العسكرية: انتهجت أنقرة سياسة الرد بالمثل عند أي استهداف تتعرض له نقاط المراقبة التركية مطلع الشهر المنصرم حيث قصفت المدفعية التركية 46 هدف لقوات النظام السوري وقتلت 35 عنصر من قوات النظام رداً على استهداف نقطة المراقبة شرق إدلب ومقتل 4 جنود أتراك وإصابة تسعة أخرين ، تلى ذلك إسقاط عدد من طائرات النظام في إدلب وريف حلب الغربي ثم بدأت بدعم تركي عملية تحرير قرية النيرب ومدينة سراقب الاستراتيجية، وبعد مقتل 33 جندي من القوات التركية أعلنت تركيا عن انطلاق عملية " درع الربيع".
    ثانياً: التحديات التي تواجه عملية "درع الربيع"
    بالرغم من إعلان تركيا عن انطلاق العملية إلا أن هناك عدد من التحديات التي يمكن أن تواجها وذلك بسبب غموض موقف حلف شمال الأطلسي " الناتو" الذي اكتفى بتقديم الدعم الإعلامي للعملية تارةً والتصريح بإمكانية المساعدة بتقديم المعلومات الاستخباراتية تارةً أخرى ، مقابل موقف روسي أكثر حزماً في دعم النظام السوري.
    أعلنت تركيا عن هدف العملية المتمثل بتحقيق حالة الاستقرار في منطقة خفض التصعيد وإعادة قوات النظام إلى خلف خطوط نقاط المراقبة وحماية المدنيين في إدلب، يمكن لتركيا إيقاف العملية إذا ما استطاعت تحقيق هذه الأهداف من خلال الوسائل الدبلوماسية بالاتفاق مع الجانب الروسي بسبب ارتفاع تكلفة الوسائل العسكرية مقارنةً بالوسائل الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك الأثر السلبي الكبير الذي يمكن أن يترتب على فشل العملية وامتداده إلى الدور التركي في الملف السوري إجمالاً.

    ثالثاُ: السيناريوهات المتوقعة لنطاق العملية
    1. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل الموقف الحالي للناتو: وهو أكثر السيناريوهات ترجيحاً ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق بفعل إصرار تركيا على تحقيق استعادة كاملة لمنطقة خفض التصعيد ويستند ذلك إلى التصريحات المتكررة للمسؤولين الأتراك وتلاحم الجبهة الداخلية لتركيا خلف هذا الموقف بعد مقتل 34جندي من الجيش التركي، وإمكانية حدوث أثر سلبي على الموقف الداخلي لحزب العدالة والتنمية في حال العجز عن تحقيق الهدف من العملية، أو بإمكانية التوصل لتفاهم تركي روسي يقضي بإنهاء وجود قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد والحفاظ على المصالح الروسية مع تركيا والتي قد تتعدى تمسك موسكو بالوجود العسكري لقوات النظام داخل منطقة خفض التصعيد مع تخوف روسيا من خوضها حرب مباشرة مع تركيا في ظل الخسائر الفادحة لقوات النظام السوري.

    2. استعادة جزء من منطقة خفض التصعيد: قد يحدث هذا السيناريو إذا ما استمرت روسيا في تقديم الدعم لقوات النظام أو اشتراك قوات روسية بشكل مباشر في العمليات العسكرية وهذا ما قد يدفع تركيا للتوافق مع روسيا على حدود جديدة لمنطقة خفض التصعيد ويرتبط هذا السيناريو بالموقف المحدود للناتو ورغبة أنقرة بوضع حد للتصعيد العسكري مع موسكو، ويعزز هذا السيناريو مجريات العمليات الميدانية فإلى الآن لم تشهد المواجهات بين تركيا والنظام تصعيداً خارج حدود غرب الطريق الدولي M5.

    3. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة وبعض المناطق الأخرى: ويستند هذا السيناريو لما تروج له بعض المنصات الإعلامية عن رغبة تركيا في بسط سيطرتها على مدينة حلب استناداً لعوامل تاريخية وثقافية ومنطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية استناداً لعوامل عرقية ويشترط تحقق هذا السيناريو دعم العمليات التركية من قبل الولايات المتحدة أو حلف الناتو رغبةً منهم بتقليص النفوذ الإيراني - خصوصاً بعد أن استهدفت القوات التركية مليشيات حزب الله في إدلب وضباط إيرانيين جنوب حلب مما يشير لإمكانية اشتراك أنقرة في أي عملية عسكرية ضد النفوذ الإيراني في سوريا - ويضاف إلى ذلك رغبة الولايات المتحدة في إعادة الروس لمسار جنيف للحل في سوريا.

  • كم نصيحة تقدّمها كورونا؟

    د.ياسين أقطاي

    لقد وصل أخيرًا فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تركيا، بعد أن بدأ في مدينة واهان الصينية، لينتشر في عموم بلاد العالم بشكل سريع، ولا شك أن تركيا افتقدت الآن رفاهية مراقبة هذا المرض عن بعد كما السابق، ولا شك أيضًا أن أولئك الذين كانوا مهووسين بالسؤال حول لماذا تأخر وصول كورونا إلى تركيا بينما ضرب كل مكان؛ يشعرون الآن بالراحة.

    وربما يعود ذلك في الحقيقة إلى التدابير الاستثنائية والفعالة حقيقة، التي اتخذتها وزارة الصحة التركية حتى الآن. بغض النظر عما يقوله هذا أو ذاك؛ من الممكن القول بأن قضية كورونا أظهرت قوة وقدرة النظام الصحي الذي نجحت تركيا بتأسيسه منذ 18 عامًا، حيث كان ذلك اختبارًا حقيقيًّا له. كما أظهرت بدورها الفارق بين تركيا وبين دول العالم المتقدمة وغير المتقدمة. ربما ينسى البعض ذلك الفارق الذي تتمتع به تركيا منذ 18 عامًا، لكن لحسن الحظ يبدو أن المعارضة وأخيرًا باتت تعترف اليوم بهذا الفارق.

    إن التدابير التي تم الإعلان عنها عقب اجتماع تم في المجمع الرئاسي في أنقرة، برئاسة أردوغان، اظهرت بوضوح كيف أن فيروس كورونا بات يؤثر على مجريات حياتنا، على الرغم من أن حالات الإصابة لم تتعدّ شخصًا واحدًا –في ذلك الوقت-، ولم تصل لدرجة الوباء المنتشر.

    إن فيروس كورونا وانتشاره في الوقع بدأ يلفت انتباهنا لبديهيات كانت عادات بالنسبة لنا خلال الحياة العصرية التي نعيشها، ربما لم نكن ننتبه لها أو لم نكن نراها أو لم ندركها.

    بقدر ما قدمته العولمة للبشرية من تراكم معلوماتي، وسهولة في التداول بأنواعه، وسرعة رهيبة في الاتصال والمواصلات؛ بقدر ما أظهرت لنا مدى عجز الإنسان عن المخاطر التي تشكلها تلك الأشياء..

    في الواقع إن الإمكانيات والتسهيلات التي قدمتها العولمة، تساهم بطريقة ما في ازدياد هذا الخطر. إن السرعة الرهيبة لانتشار هذا الفيروس الذي بدأ في مدينة صينية، ومن ثم جاب كل أنحاء العالم خلال مدة قصيرة، من الممكن اعتبار ما وفرته العولمة من سرعة وسهولة في المواصلات؛ سببًا لذلك.

    لطالما كانت هذه الدنيا مطرحًا مليئًا بالمخاطر والمهالك؛ الزلازل، العواصف، السيول والفيضانات، والكوارث الطبيعية… وعلى مدى التاريخ كان ولا يزال الإنسان يتخذ التدابير لمواجهة هذه المخاطر. لقد حاول الإنسان إنشاء الأبنية المقاومة للزلازل، وعمل على اتخاذ التدابير التي تمنع حدوث موت أو تدمير حال وقوع زلزال ما. بل قد ذهب العمل الإنساني الحديث إلى أبعد من ذلك بقليل من حيث اتخاذ التدابير ضد الكوراث الطبيعية التي غالبًا ما تظل محصورة داخل المناطق ذاتها. لقد اعتمد الإنسان على تأسيس عالم آمن خالٍ من الزلازل والفيضانات والكوارث الطبيعية دون توقف. كانت أبرز نجاحات هذا العصر هو أبنية لا تتأثر بالزلازل، ومدن لا تعجزها الفيضانات، وأمراض يتم التغلب عليها قبل أن تخرج من حدود المكان المُصاب.

    كان من المفترض أن العقل العلمي سيكون مكتفياً بذاته في خلق عالم آمن ضمن تسلسل السببية. على الرغم من ذلك، استند نظام “التأمين الصحي”، على فكرة تم تطويرها من أجل عدم انهيار النظام بأكمله بسبب تعطل قسم منه، أو أن التطورات المحتملة التي ليست بالحسبان لا يمكن أن تؤثر على الهيكل بأكمله، وصولًا إلى حالة يتم فيها ضمان النظام بأكمله وعدم تضرره من شيء ولو كان قابلًا للتطور.

    في الواقع وكما كان متوقَّعًا، إن أكثر التطورات التي جعلتنا نشعر بحقيقة العولمة؛ هي الكوارث العابرة للحدود، فضلًا عن سهولة تداول الأموال والبضائع وتنقلها وسهولة الاتصال والتنقل والتحرك. ولهذا السبب كانت كارثة تشيرنوبل والإيدرز من أبرز الأمثلة على ذلك. لم يكن تأثير انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي على حدود روسيا فحسب، بل على كل البلدان المحيطة بها ولسنوات طويلة، وهذا بدوره يظهر مدى تأثير العولمة من جانب آخر. في السياق ذاته يبدو مرض الإيدز، الذي لم يظل حبيس حدود داخلية في مكان ما، بل سرعان ما انتشر عابرًا للحدود حول العالم، مما يظهر أيضًا المخاطر الكبيرة التي تحويها العولمة.

    إن الإنسان عبر الأنظمة التي يتفاخر بها، فإنه غالبًا ما يقع في غفلة عن المخاطر التي قد تحويها الأنظمة ذاتها. إن ما يُقال ويُسطّر حول تأثير وقوة وعقل وقدرات الإنسان في العالم الذي نعيشه اليوم، تغطي من جانب آخر الستار على تجاهل حقيقة أن هذا الإنسان عاجز عن مواجهة فيروس. ولذلك، فإن فيروس كورونا الذي يأسر العالم بأكمله شيئًا فشيئًا، يذكرنا بموقعنا في هذا العالم.

    سواء ما يتم إنتاجه في المختبرات أو ما يتم تطويره بشكل طبيعي، فقد أثبت فيروس كورونا حدود الحضارة التي ينتجها الإنسان. ما نوع تلك الثقة التي كان يختزنها ذلك الإنسان الكائن البشري حتى يضمن أنه بمأمن حتى من تلك الغيوم بأنها لن تسقط يومًا ما فوق رأسه؟ أو كيف حاول الاعتماد على الأشخاص الآخرين أو الكائنات أو قانون الطبيعة، من أن تقع الجبال وتنهار فوق رأسه، أو تنشق الأرض لتبتلعه؟

    أي درس يمكن أن يخبرنا أن الخبز والماء والراحة وأشياء أخرى نعتقد أنها تفضلنا على الفقراء أو اللاجئين أو المساكين الذين يطرقون بيوتنا؛ هي بالأساس ليست عائدة إلينا في الواقع؟.

    يمكن أن يكون كورونا فيروسًا أنتجه الفاسدين الذين خنقوا العالم بفسادهم، يمكن أن يكون كورونا مصيبة حلت فوق رؤوسنا بسبب تسلّطهم. على أي حال، إن هذه الكارثة التي لا تميز بين غني وفقير، وغربي وشرقي، وشمالي وجنوبي، وحاكم ومحكوم وأي شخص آخر؛ ربما تكون بمثابة ألف نصيحة للبعض، أو تزيد من ضلالة البعض الآخر.

  • ما هي وعود مؤتمر برلين من أجل ليبيا؟

    د.ياسين أقطاي

    إن المؤتمر الذي سيعقد في برلين بمبادرة من ألمانيا، من أجل تحقيق وقف إطلاق النار في ليبيا والمساهمة في توفير حل سياسي؛ كان من الممكن أن يكون مؤتمرًا بلا قيمة وكغيره من المؤتمرات السابقة، لو أن حفتر لم يمتثل لوقف إطلاق النار في اللحظة الأخيرة. لأن حفتر الذي يشن هجماته على طرابلس وقد كاد أن ياخذها، لا يريد طرفًا آخر يفاوضه ويحكم معه ليبيا.

    إن حفتر يريد السيطرة على ليبيا كاملة بعيدًا عن أي نوع من الحوار، ولولا دخول تركيا إلى هناك لكان اليوم ربما قد حقق ما يريده بالفعل. لا يوجد حتى سبب واحد لتبرير ما يشنه حفتر من عدوان، بل السبب الوحيد الذي يجعله ماضيًا بهذا العدوان هو قوة السلاح الذي بين يديه فحسب.

    الدور التركي في ليبيا

    في السياق ذاته أيضًا، لو ان تركيا لم تقم بعقد اتفاقية مع حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا، لكن قد تحقق لحفتر فعلًا ما يريد، دون الحاجة لمؤتمر برلين وغيره.

    أما الآن فإن الاجتماع في برلين من أجل ليبيا هو أمر منطقي. لأن حفتر يعلم أنه الآن أمام قوة لا يمكنه تجاوزها، ومنذ هذه الساعة هو يعلم أنه لن يتمكن أصلًا من تدميرها. إذن لا احتمال لعدم مشاركته في مؤتمر برلين، هذا فضلًاعن أنّ تركيا له بالمرصاد في حال خروج الأمر عن سياقه وطريقه الصحيح.

    لقد غيرت تركيا جميع الموازين على الساحة، عبر دخولها. كان المجتمع الدولي يتباكى بدموع التماسيح مكتفيًا بمشاهدة حكومة طرابلس التي اعترف بها، وهي تُدمّر من قبل قوة غير معترف بها أصلًا. بل على الرغم من إعلان حفتر كمجرم حرب من قبل الأمم المتحدة، فإنها لم تقم بفعل شيء يمنعه من الاستمرار بإجرامه. وحتى المساعدة التي طلبتها حكومة الوفاق من تركيا، كانت قد طلبتها أيضًا من الأمم المتحدة، إلأ أنها أي الأمم المتحدة حينما توانت عن تقديم الدعم اللازم لحكومة الوفاق، لبّت تركيا ذلك النداء على الفور.

    إن أعلى ممثل للقيم والأخلاق الدولية في برلين ستكون تركيا. ما تريده فقط هو إيقاف عدوان حفتر، وتسليم ليبيا لليبيين. وحين توجيه نداء حول خروج كل القوى الأجنبية من ليبيا، فإن أول دولة ستدعم هذا النداء هي تركيا، بشرط قبوله بشكل حقيقي من كل الدول.

    أريد أن أسرد هذه الحقيقة كنوع من التذكير للإدارة المصرية، التي تقول أن حدودها الطويلة مع ليبيا تفرض عليها أن تكون حاضرة بشكل مباشر: إن وجود حدود طويلة مع دولة ما لا يمنحك الحق أبدًا باحتلال تلك الدولة، وإن ذلك بالتأكيد لا يمنحك الحق أبدًا بتصدير نموذج الانقلاب الذي تحكمين به نحو تلك الدولة.

    حين التصرف من قبل الإدارة المصرية على هذا النحو، فإن السيسي يكون قد اشترك في الجريمة مع حفتر، ذلك المجرم الذي يقوم بارتكاب أنواع الجرائم ضد شعبه. إن النموذج الذي يسعى لفرضه في ليبيا على يد حفتر، لا يحمل أي قيمة بالنسبة للشعب، حيث يقومون بتنفيذ المجازر بحقه على مرأى ومسمع، فضلًا عن اعتقاله ومطاردته واحتلال أراضيه.

    الجلوس مع السيسي والأسد على الطاولة؟

    حينما نقول لوسائل الإعلام المصرية التي اتخذت ذريعة من الاتفاق التركي-الليبي، لشنّ حملة عداء غير مسبوقة ضد تركيا؛ “إن تركيا ليست عدوًّا لأي دولة عربية أو مسلمة أيًّا كانت، وليس هناك بالأصل أسباب تقتضي وجود عداء بين البلدين، والاتفاق الذي تم بين تركيا وليبيا، تصوّروا أنه ذاته قد تم مع مصر”؛ فإننا نقصد الإشارة من ذلك للموقف غير العقلاني للنهج الذي يحكم مصر. ولو كان هناك فعلًا إدارة عاقلة في مصر، لما راحت تتفق مع الروم واليونانيين، فقط من أجل غاية واحدة؛ هي النكاية بتركيا، على حساب الإضرار بالمصالح المصرية. إن النظام المصري الآن يقوم بعقد اتفاقات مع الآخرين على الرغم من أنها تضر بمصالح مصر، نكاية بتركيا فحسب. إن هذا لن يفيد مصر في شي على الإطلاق، بل يضرها.

    علاوة على ذلك، إن الاتفاق التركي-الليبي، يعيد الحقوق التي تم سلبها من المصريين، عبر الاتفاق الذي تم عقدهم باسم بلدهم مع اليونان وقبرص الرومية.

    حينما قلنا ما سبق، قفز العديد متحدثًا عن أننا نادمون على سياساتنا السابقة حتى الآن، وأننا أمام منعطف تام. بل لم يتم الاكتفاء بهذا فحسب؛ بل هناك من قدّم التوصية والنصحية بالجلوس حتى مع الأسد، بما أن المنعطف موجود وباب التوبة لا يزال مفتوحًا.

    كم يقدّمون قرابين من الأرواح من أجل الجلوس مع ديكاتوريين تتقاطر الدماء من أيديهم؟

    ما قلته سابقًا حيال مصر، فإنني قصدت مخاطبة الإعلام المصري وكذلك الشعب المصري. وما نقوله باسم تركيا، لا يحمل أي شعور عدائي تجاه الشعوب سواء في مصر أو ليبيا، بل إنه عبارة عن تذكير بالإرث التاريخي المشترك، والمصالح المشتركة أيضًا. لكن مع الأسف، يبدو أن النظام المصري لا يمثّل مصالح الشعب المصري إطلاقًا. إن الموقف التركي من السيسي والأسد، لا يعني أنه بأي شكل من الأشكال ضد الشعب المصري والسوري.

    أيّ طاولة سيتم الجلوس عليها مع الأسد، ذلك الظالم الذي لا تزال يديه تقطر دمًا، الذي قام ولا يزال يقوم حتى اليوم بارتكاب المجازر تلو المجازر بحق شعبه وأبناء جلدته، على أي شيء سيتم التفاوض معه، وماذا سيُطلب منه أصلًا؟.

    كذلك الانقلابيّ السيسي الذي لا توجد مكيدة ضد تركيا إلا وكان شريكًا فيها، والذي لا يثق بوعوده حتى مؤيدوه؛على ماذا ستتفاوض معه تركيا ولماذا؟

    الذين يدعوننا للجلوس مع السيسي من حين لآخر، ألا يعلمون أنه لا يمكن الوثوق بأي شكل من الأشكال، بأحد قام بقتل رئيسه الشرعي المنتخب قتلًا بطيئًا وهو في السجن، وارتكب مجازر بحق شعبه، وسجن ما يقرب من مئة ألف معتقل سياسي حتى الآن، يذوقون كل يوم كل أنواع التعذيب؟ إنْ كانوا هم يثقون بكلام ذلك الشخص، فإنهم قد وضعوا أنفسهم في موضع عدم ثقة.

    حيث يكونون بذلك فقط، قد تعرّوا مظهرين بؤسهم الضميري والإنساني والأخلاقي.