• إيران .. قبضة حديدية في مواجهة احتجاجات مطلَبية!

    مـدخــل

    لم تكن إيران لتنظر للاحتجاجات الشعبية التي واجهتها منذ منتصف تشرين ثاني (نوفمبر) على أنها مجرد اندفاعات مطلَبية تحركها دوافع معيشية واقتصادية، وإنما تندرج في سياق الضغط على النظام، ومحاولات واشنطن تقويض قدراته الأمنية والعسكرية والسياسية.

    وقد جاءت احتجاجات الإيرانيين متزامنة مع تصاعد المظاهرات والاعتصامات في لبنان والعراق، والتي استهدفت أيضاً حلفاء طهران وأذرعها في البلدين، وهو ما يعطي دلائل على عمق الأزمة التي يواجهها النظام الإيراني في المناطق التي اعتبرها خاضعة لنفوذه وتؤمن له إمكانية المناورة والدفاع عن نفسه خارج حدوده.

    اندلعت أعمال الاحتجاج إثر رفع الشركة الوطنية للنفط أسعار البنزين (في ١٥ تشرين ثاني ٢٠١٩) بنسبة ٥٠ في المائة حتى حصة٦٠ لتراً في الشهر، وبنسبة ٣٠٠ في المائة لمن يتجاوز هذه الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة، ضمن حزمة إجراءات تستهدف الحدَّ من الدعم الحكومي (٦٣ مليار دولار سنوياً) لمواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما استنفر الطبقة الفقيرة في إيران، التي تتسع بشكل متزايد، وسبق لأغلب المناطق الإيرانية أن شهدت أعمال احتجاج متفرقة بسبب الأزمات المعيشية وإخفاق النظام فـي إيجاد حلول لها، لكنَّها لم تحظ باهتمامٍ إعلامي كاف.

  • استراتيجية الإبتزاز الإيرانية وفشل استراتيجية الردع

    تقدير موقف

    د. عبادة التامر - المركز السوري سيرز

    أظهر الهجوم الذي وقع في 14 أيلول الحالي، وضرب أحد أكبر المجمعات النفطية في العالم في بقيق وخريص السعوديتين الوجه الواضح لاستراتيجية الابتزاز الإيرانية (blackmail strategy)، وبالرغم من إتباع إيران هذه الاستراتيجية لفترات طويلة إلا أنها لم تصل في السابق إلى حد الاستهداف المباشر لأسواق النفط العالمية وتكبيدها خسارة تقدر بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً.

    وقد أظهر تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماع حكومته في 18 أيلول الحالي الوجه الواضح لاستراتيجية الابتزاز حيث قال " إنه ينبغي على السعودية أن تنظر للهجوم الذي وقع السبت على منشآتها النفطية باعتباره تحذيراً لإنهاء الحرب في اليمن".

    مارست إيران استراتيجية الابتزاز ولعبت على مسار حافة الهاوية بوضوحٍ ووتيرةٍ متزايدة منذ تبني الولايات المتحدة الأميركية لسياسة الضغط المتدرج، ومن ثم الضغط الأقصى على إيران. كما أنها مارست أدواراً مؤثرة في تطويق الدول الإقليمية عبر دعم الحركات والمليشيات المندرجة ضمن فضاءها الفكري والمذهبي، بدءً بالعراق واليمن والبحرين لعزل وابتزاز دول الخليج العربي، مروراً بسوريا لتطويق وتحجيم دور منافسها الجيوبوليتيكي الأساسي (تركيا).

    وقد ساعد إيران على إظهار تأثيرها في الشرق الأوسط عاملان أساسيان: الأول يتعلق بطبيعة نظام الحكم فيها والقائم على مركزية مذهبية تتيح لها تبني سياسات التدخل المباشر رغم الخسائر المتوقعة المادية والبشرية، والثاني يرتبط باستجابات الدول الإقليمية المعنية لهذه التدخلات المباشرة فمعظم الاستجابات كانت مرتبكة أو محدودة أو تفتقر إلى المقاربات الحازمة.

    كما سمح واقع النظام الدولي الحالي لإيران بلعب أدوارٍ أكثر حدة وتحدياً، ويأتي ذلك نتيجة تراجع الاستجابة الدولية لعددٍ من التطورات الهامة والتي كان أولها غزو روسيا لجورجيا عام 2008 والذي يعد الحدث الأساسي الذي أعطى الانطباع بنمو دور روسيا عالمياً، ومن ثم التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا عام 2015 وضم شبه جزيرة القرم والحرب مع أوكرانيا عام 2014. هذه التطورات المتتالية في بنية النظام الدولي وعدم الاستجابة الواضحة والحازمة لها أعطى الانطباع لإيران بأن استخدام الأدوات العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية يمكن التغاضي عنه إذا ما كانت تكلفة ردعه كبيرة.

    تفترض بعض نظريات السياسة الخارجية أن استخدام القوة لا يعد السياسة الأولى التي يتم اختيارها لتحقيق الأهداف، وهذا الأمر ينطبق على الدول التي تمتلك أدوات متنوعة لتنفيذ ملف (Portfolio) سياستها الخارجية، فهذه الدول تمتلك أدوات متنوعة يمكنها إحلالها (Substitutability)محل بعضها وفق محددات الكفاءة والفاعلية لتحقيق الأهداف. أما في حالة إيران فإن المبادرة بإثارة النزاع وتصعيد الموقف لحافة الحرب واستخدام المليشيات الموالية لها فيعتبر الأداة الوحيدة الموجودة لديها. وفق هذه الاعتبارات فإن استمرار إيران في اتباع استراتيجية الابتزاز والمبادرة بإثارة النزاع سيستمر وخصوصاً إذا ما تعزز موقفها باستجابة تراها إيجابية من قبل الأطراف التي تحاول ابتزازهم. وينطبق هذا السلوك في السياسة الخارجية على سلوك العصابات، حتى أن بعض المراقبين والسياسيين يرون في إيران دولة عصابة (Gang state)، أو دولة مارقة (Rogue State) على أقل تقدير.

    وفي هذه الحالة فإن الاستجابة المتوقعة من قبل الدول القوية التي تملك أدوات تأثير متعددة كـ (الاقتصاد – النظام المالي- العمليات الدعائية- العمليات السرية) للسلوك المثير للنزاع من قبل إيران سيتجنب الرد على إثارة النزاع بالدخول في نزاع مباشر لأنه يمتلك أدوات أخرى ولتكلفة الأداة العسكرية. في حين أن الدول الضعيفة التي تحاول إيران ابتزازها ستتجنب الرد بالمثل لأسباب بنيوية تتعلق بتركيبة وبنية نظام الحكم فيها أو لعدم قدرتها على تحمل الخسائر الناتجة عن المواجهة المباشرة أو الرد بالمثل.

    هذه الوضعية المعقدة والخطرة ستزداد خطورة أيضاً في ظل تقارب الاستراتيجيات بين روسيا وإيران، وهو الأمر الذي دعا له الجيوبوليتيكي الروسي ألكسندر دوغين والذي حض صناع القرار في موسكو على إطلاق ما أسماه " محور موسكو-طهران" والذي يُعمل عليه حالياً بوتيرة متزايدة. فالهدف الروسي وفق تعبير دوغين هو " إقرار السلام الإيرانيPax Persia"" وإقامة تحالف جيوبوليتيكي معها باعتبارها الجزء الجنوبي من خريطة التحالفات الجيوبوليتيكية الروسية، الأمر الذي يمكّن روسيا أيضاً من الوصول إلى المياه الدافئة واختراق ما أسماه ماكندر بإقليم الحافةRimlandأو ما أسماه أحمد داوود أوغلو بالحزام الاستراتيجي.

    في هذه الحالة فإن خطر استراتيجية الابتزاز الإيرانية سيتضاعف ولن يقف عند حدود ابتزاز دول الخليج والمنطقة العربية، بل سيؤدي إلى تطويق تركيا وفضاءها الثقافي الجيوسياسي، وابتزازها استراتيجياً ودفعها لتكون بين فكي الكماشة الروسية في الشمال والإيرانية في الجنوب.

    إن خطر استراتيجية الابتزاز الإيرانية، ومحور موسكو- طهران الجيوبوليتيكي يعد خطراً مهدداً للمنطقة، ومؤثراً على طبيعة التوازن الدولي الحالي. ولذلك فإن التعامل معه وفق صيغٍ وسياسات تقليدية أثبت حتى الآن عدم نجاحه. وبالرغم من أن استراتيجية الضغط القصوى التي تتبعها الولايات المتحدة مع إيران قد أثرت على الاقتصاد الإيراني والقدرة الإيرانية على التسلح وتمويل أذرعها في دول الجوار، إلا أن هذه الاستراتيجية تعتبر قاصرة، فهي ستؤخر وتحد من قدرات إيران فقط.

    إن إتباع استراتيجية مركبة تمزج بين استراتيجية الضغط الأقصى واستراتيجية تقطيع الأطراف، والعمل على تغيير بنية وسلوك نظام الحكم في إيران يعتبر الاستراتيجية المثلى لمواجهة استراتيجية الابتزاز الإيرانية.

    ولذلك فإن على الدول الاقليمية في البداية إتباع مجموعة من الاجراءات التي تكفل تقطيع أطراف المشروع الإيراني بدءً من اليمن مروراً بسورية والعراق.

    وهذه الاجراءات يجب أن تشمل تغيير طريقة واستراتيجية مواجهة المشروع الحوثي في اليمن وبنية التحالف القائم لمواجهته.

    كما تشمل هذه الإجراءات أيضاً تبني الثورة السورية باعتبارها طرفاً فاعلاً يمكنه مواجهة أبرز أذرع إيران في أكثر الساحات تعقيداً وحساسية.

    كما تتطلب هذه الاستراتيجية المقترحة إدراك الدول الإقليمية أن استراتيجية الابتزاز الايراني لن تقف عند حدود دولة بعينها بل ستمتد إذا ما نجحت الآن في تحصيل بعض المكاسب نتيجة عدم تطوير استراتيجية لمواجهتها، لتصل إلى نطاقٍ أوسع، ولتشمل دولاً أخرى.

     

     

  • استقالة ظريف وكذبة الدور المناط بوزارة الخارجية

    كما رأينا في الحكومات السابقة، وكما شاهدنا في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، هو أن السياسة الخارجية لإيران يتم رسمها في مطبخ خاص بعيدا عن وزارة الخارجية، وفيه تتخذ القرارات الإستراتيجية الكبرى، لعله مكتب المرشد والحرس الثوري. لكن ما هي الظروف الجديدة التي جعلت وزير الخارجية “ظريف” يقرر الاستقالة اليوم، وإظهار نوع من ردة الفعل بعد مرور 67 شهراً على توليه موقع الخارجية؟ وهل هو مرتبط بالزيارة الأخيرة للرئيس “بشار الأسد”، وعدم معرفة “ظريف” عن هذه الزيارة إلا من وسائل الإعلام؟ أم أن هناك أسبابا أخرى أكثر عمقا دفعته لتقديم الاستقالة؟

      المؤكد في التاريخ الإيراني قبل الثورة “الإسلامية” أو بعدها، لم يكن لوزارة الخارجية أي دور في أي نوع في القرارات العملية والأساسية للسياسة الخارجية؛ سواء في زمن الشاه، أو في زمن قائد الثورة، “خميني” و”خامنئي”، لكن كان هناك أدوار مزدوجة يلعبها المرشد دوماً، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالاتفاق النووي؛ فقد لعب “خامنئي” منذ البداية دوراً مزدوجا، حيث كان يظهر هدوءه في بعض المواقف ويؤيد الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه كان يثير الأسئلة والشكوك حول نية الولايات المتحدة في الالتزام ببنود الاتفاق النووي، بين كل هذا كان “ظريف” هو الوجه البارز في محادثات الاتفاق النووي يترأس الوفد الإيراني، ويوزع الابتسامات، ويعقد المؤتمرات الصحفية، بسبب طلاقته في اللغة الإنجليزية ومعرفته بالعالم الغربي، وخاصة بسياسة الولايات المتحدة التي عاش فيها أكثر من 25 عاما.

    6

      

     

     

     

     

    اليوم، وفي النهاية تم التوقيع على الاتفاق، وخرج علينا الرئيس روحاني ليبشر العالم بأن كل ما جرى لم يكن ليتم لولا توجيه المرشد ومتابعته، و عندما قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، بدأ “خامنئي” بإلقاء اللوم وطرح أسئلة مفادها من المسئول عن توقيع الاتفاق النووي، ولأن “ظريف” كان رمزا في المفاوضات، ومع أنه لم يكن صاحب القرار في التوقيع لكنه اليوم يخضع للانتقادات،بسبب فشل الاتفاق النووي في تحقيق الأهداف الإيرانية، من المؤكد أن “ظريف” كان ضحية “خامنئي” وشركائه” اللذين باتوا ينظروا له ككبش فداء (قربان) سيتم تقديمه للرأي العام لتحميله خطيئة هذا الاتفاق.

    7

     

     

     

     

     

     

    المؤكد الثاني: أن التيار المحافظ  الذي عارض المفاوضات النووية، قد تقمّص دور المعارض لتوقيع الاتفاق النووي، فعارض مجموعة العمل المالي مع أوروبا، FATF، طبعاً دون تقديم بدائل، فهم اليوم يحاولون ممارسة سياسة تشتيت الانتباه حول الأسباب الحقيقية لاستقالة  “ظريف”، ويتحدثون عن اختلافات خطيرة مردها إلى انعدام الكفاءة في حكومة  “روحاني”، والترويج بأن قبول استقالة “ظريف”، يعني استقالة وزير النفط  “زنغنه”، كما أن هناك آخرون ينوون الاستقالة وفي مقدمتهم محافظ البنك المركزي الإيراني؛ والتحذير من أن “ظريف” ينوي الهروب مع عائلته إلى الخارج، وقد نعته المتشددون من خلال “جبهة الصمود بالخيانة، وإذا كان ما نقلته وكالة أنباء آريا عنه صحيحا، حول قول المرشد: بأنه يريد أن يضع وزارة الدفاع بدلًا من وزارة الخارجية مما دفع “ظريف” للاعتراض.

    8

      

     

     

     

     

    ربما ستكشف استقالة ظريف ما كان مستورا لمدة أربعين عاما؛ ألا وهو أن المرشد والحرس الثوري وآخرون، هم الذين يقررون مسار السياسة الخارجية، ولكن هذه الانعكاسات السلبية على هذه السياسة يجب أن يتم تسجيلها على الخارجية وعلى الحكومة الإيرانية، يعني هناك جهات أخرى تتخذ القرارات الكبرى والمصيرية ذات الطابع الدولي، وفي نهاية المطاف على الرئيس “روحاني” أن يتعرض للمسائلة، كما أن على “ظريف” المثول أمام مجلس الشورى للاستجواب، فالاعتقاد السائد بأن الخلاف الرئيسي يكمن في قيام الحرس الثوري والآخرون باتخاذ القرارات المتعلقة بوزارة الخارجية، ولكنهم غير مستعدين لتحمل أية مسؤولية.

  • الساعة تدقّ في إدلب.. على روسيا أن تقرر ما الذي تريده

    د.ياسين أقطاي

    إن استهداف قوات النظام السوري للجنود الأتراك وسقوط 8 شهيدًا من الجنود، يُعتبر من كل الزوايا بمثابة لحظة تصدّع من شأنها إعادة ترتيب جميع الأوراق في القضية السورية. العساكر الأتراك الذين سقطوا شهداء كانوا في مهمة تقوية لنقاط المراقبة التي أقيمت في إدلب كمنطقة خفض تصعيد، والتي نتجت عن اتفاق سوتشي وأستانة بين تركيا-روسيا-إيران والنظام السوري. منذ فترة من الوقت وروسيا إلى جانب قوات النظام السوري، يحاولان انتهاك تلك الاتفاقية في إدلب، وتحويل نقاط المراقبة التركية إلى حالة من الشلل.

    إنّ تركيا تدرك المحاولات الرامية لفرض أمر واقع وتحويل نقاط المراقبة إلى أداة مشلولة، وإنها تعترض على ذلك.

    من الواضح للغاية أنّ هجمات النظام السوري على إدلب، برفقة القوات الروسية وتحت حمايتها ورعايتها، كانت قبل أي شيء محاولات متغطرسة للتجاهل والانتهاك الصريح لجميع الجهود الدبلوماسية التي انطلقت منذ وقت طويل تحت سقف سوتشي وأستانا.

    إن تركيا كما هو الحال في كل الملفات، فإنها كذلك في الملف السوري تتعقب -إلى آخر درجة- سياسةً تقوم على أمل إحياء حل سياسي، سواء مع روسيا أو إيران أو حتى النظام السوري. هناك نظام دموي وإجرامي تسبب بهجرة 12 مليون سوري سواء في داخل وطنهم أو خارجه. والطريقة الوحيدة التي يجيدها هذا النظام في التعامل مع معارضيه، هي القتل والتهجير وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها. وبيد أن هذا النظام من المفترض أن لا يكون له مكان في هذا العالم، فإنه مع الأسف يتلقى الدعم تلو الدعم من روسيا وإيران.

    في الحقيقة، إن تركيا جلست على طاولة المفاوضات في أستانا وسوتشي مع كل من روسيا وإيران اللتين هما المسبب الرئيسي لمأساة القرن الإنسانية التي تعيشها سوريا؛ سعيًا منها في إيقاف نزيف الدم السوري. وهذا السعي قد ولّد توقعات عاجلة لدى البعض الذين رأوا فيه اتفاقًا وتحالفًا دوليًّا جديدين. على الرغم من ذلك، كانت الأولوية بالنسبة لتركيا كما هو الحال دائمًا، الوقوف إلى جانب المنحى الإنساني.

    لم يكن الشعب السوري يريد الكثير من الأسد، بل كان يريد العيش بشكل إنساني فقط. إلا أن الأسد كان يرى ذلك كثيرًا على شعبه، ولم يجد ردًّا مناسبًا على هذا المطلب الإنساني البسيط إلا من خلال الإبادة الجماعية. ولا تزال آثار تلك الإبادة حاضرة: 12 مليون مهجر من وطنه ومنزله، مليون ضحية، ملايين المعتقلين والمصابين.

    لقد كان الموقف التركي واضحًا للغاية منذ البداية ضد ما يحصل، ولقد تم اتهامها بسبب هذا الموقف. تم اتهامها بأنها طرف من أطراف الصراع السوري. إلا أن الطرف الذي تبنّته تركيا هو الجانب الإنساني. إن الذين ينصحون تركيا حتى الآن بالتفاهم مع الأسد، إن لم يكونوا قد استوعبوا درسًا مما يحصل في إدلب، على الرغم من وجود اتفاقات أستانة؛ فإنهم مصابون بعمى الأبصار وقد خُتم على قلوبهم.

    في الحقيقة لقد اتفقت تركيا مع المعارضة السورية لضبط الأوضاع من أجل الاتجاه نحو حل سياسي، وذلك خلال مرحلة تفاهمات أستانة، مع روسيا وإيران اللذين كانا الحامي الرئيسي للنظام السوري. لقد رسخت تلك الاتفاقيات أن المعارضة في ظل مواجهة عشرات المجازر والإبادات من طرف النظام؛ قد باتت تمتلك أحقية لا يمكن التنازع حولها، كما أن معارضي نظام الأسد لا يمكن اعتبارهم إرهابيين. إن الاضطهاد والظلم والعنف الذي يقوم بها النظام قد بات حقيقة واضحة، والوقوف بوجه هذا الظلم يعتبر حقًّا مشروعًا، وبالتالي لا يمكن توجيه التهم لمن يستخدم هذا الحق. بل على العكس، إن المتهم الأول والأخير هو النظام الذي يستخدم كل منشآت الدولة وإمكانياتها، من أجل مواجهة مواطنيه العزل وقمعهم.

    في الأصل، حينما نتحدث عن هجرة جماعية بهذا الحجم، فإن هؤلاء المهاجرين قد ضربوا بأحقية ومشروعية هذا النظام. هناك 8 ملايين سوري على الأقل خارج بلدهم، يشهدون على أنهم لم يكونوا في دولة، بل في بنية يحكمها سفاح مجرم إرهابي.

    لقد اعتادت روسيا والنظام شنّ الهجمات في إدلب تحت ذريعة وجود نشاطات إرهابية، إلا أن ما يبدو الآن هو استهداف المدارس والمشافي والأفران حيث تتعرض ولا تزال للقصف الجوي، إلى جانب قتل المدنيين. هناك الآن مليون إنسان على الأقل اضطروا لأن يتوجهوا نحو الحدود التركية هربًا من حملات القصف العنيف. ولو استمر الوضع بهذا الشكل، فإن مصير إدلب كما هو بقية المناطق السورية الأخرى، ستضحي تحت سيطرة النظام بعد تحويلها لمدينة أشباح، إلا أنّ تدفق الناس من هناك، يعني حملًا على عاتق المسؤولية بالنسبة لتركيا.

    إن ارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك اتفاقيات مع تركيا جريمة أخرى أيضًا.

    في ضوء ذلك يتضح إذن، أن المسألة بالنسبة لروسيا لا تعني وجود أناس، بل تراهم كآلات تتنفس. ومن أجل السيطرة على منطقة ما، لا يوجد أهمية لما يحصل إثر ذلك من قتل وتهجير ومآسي إنسانية. ويمكن من ذلك أن نتصور لأي درجة من الخطورة قد وصلت الإنسانية عبر القتل بدم بارد من هذا النوع. لا يوجد لديها متسع من الوقت ولا تريد أن تتعب نفسها، بل همها هو السيطرة على هذه المنطقة وتلك. ومن أجل القضاء على معارض واحد بين آلاف من المدنيين، فإنها مستعدة أن تضحي بآلاف المدنيين من أجل ذلك. حتى ولو أن السيطرة على سوريا تكلف قتل مئات ومئات الآلاف، فلا مشكلة بالنسبة لها بل هي على أهبة الاستعداد.

    إنها لا تقوم بدفع أي فاتورة مقابل ممارساتها غير الإنسانية تجاه المعارضة التي هي حسب معايير روسيا مجرد إرهابيين، بل إن الفاتورة يدفعها المدنيون وتركيا فحسب.

    إن مشهد مليون إنسان مدني قرب الحدود التركية، فيهم الأطفال والنساء، لا يوحي بأية حال إلى أنها حرب ضد الإرهاب، بل مجرد إبادة جماعية وحشية.

    لا يمكن لتركيا أن تبقى متفرجة على ذلك. ولن تبقى. لقد بدأت مرحلة العمل.

  • العرب بين معزوفة أرب أيدل ومطرقة القواعد البحرية الإيرانية في المنطقة .... نبيل العتوم

      أ كد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، أن إيران باتت  بحاجة  ملحة إلى قواعد بحرية في اليمن وسوريا..

    وأضاف “أن امتلاك قواعد خارج الحدود هي أقوى بعشر مرات من القوة النووية ، واعترف  أن  لدى إيران قدرة نووية ، مكنتها  من  الوصول  إلى  التخصيب بنسبة  95 بالمائة ، وبهذا تمكنت من  اجبار العالم على أن يجلس معنا على طاولة التفاوض.

    لا شك بأن  الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 9نيسان/إبريل عام 2003م، وما أعقب ذلك  من تداعيات دراماتيكية مدمرة بعد  الأزمات في المنطقة بدءا من مصر ، تونس ، ليبيا ،  سوريا ، اليمن …..مما شكل  فرصة تاريخية لإيران لتوسيع نفوذها وامتداد إخطبوطها الشيطاني في المنطقة ، بعد أن نجحت عنوة ورغم أنف الجميع في تحويل الإقليم إلى ساحة لتبادل إطلاق النار وسحق الخصوم  ، لتمارس  بعدها بسط هيمنتها ونفوذها وتأثيرها على المنطقة وبناء مجالها الحيوي  دون مقاومة رسمية عربية تذكر ، حيث سعت طهران إلى بلورة مشروعها  بما ينسجم مع هندستها  لأمنها القومي، ومرتكزاً لتعزيز نفوذها الإقليمي، إذ أضحى العراق وسوريا ولبنان  منطقة مثلى لتحرك إيران ، ومحاولة فرض شروط الاستسلام  على الدول العربية، والسؤال المهم والمحوري  كيف يمكن للدول العربية والإقليمية مواجهة إيران من خلال مداخل الأزمات الإقليمية  مع  حالة الضعف والانحطاط العربي ، ومحاولات إيران للاستفراد  بمن تبقى  ؟ الإجابة على هذا التساؤل باتت أصعب من أي وقت مضى ،  لأن ما يجب القيام به لمواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم مع  حالة السيولة الدولية المقصودة وغير المسبوقة صارت بعيدة المنال بعد أن تشعب السرطان الإيراني في الأزمة العراقية والسورية واليمنية واللبنانية …….

    بأمانة نقول أننا نعيش حالة كوما ” غيبوبة ” عربية غير مسبوقة ، في وقت ارتكزت إستراتيجية النفوذ الإيرانية بناء  التحالفات والمحاور  وتعزيز مقومات قوتها الذاتية  ، مما مكنها للتحدث بوقاحة عن عزمها بناء   قواعد بحرية داخل العمق العربي ، وكأن الأرض العربية باتت  إقليم جغرافي مشاع لها ولغيرها لتستبيحه ، فنشطت في إنشاء المليشيات والخلايا النائمة وزرعتها في جسد الأمة العربية الواهن أصلاً  ، وزرعت قنابلها الطائفية  التي تريد إحداث  أكبر عملية  تغيير ديموغرافي لصالح تعزيز فكرة القيمومة على شيعة الشتات ، وإعادة   هندسة مشروع توزيعهم ،و ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي  وإستراتيجي غير مسبوق  في ظل حالة الصدع المذهبي الذي نجحت في خلخلته أصلاً ، وبالتالي تعزيز السيادة على شيعة الشتات وفق رؤية مذهبية لن تبقي ولن تذر . الأمر الثاني أن طهران  أعادة رسم  التعامل  في بناء التحالفات   بهدف  الاستفادة منها وتوظيفها  لتشكيل المؤسسات الناشئة  في  اليمن وسوريا مستقبلا  كما حدث معها في العراق، فبدأنا نشهد الندوات  تلو الندوات في طهران التي تتحدث عن سوريا ويمن المستقبل والدور المناط بإيران للقيام به  ، لتعزيز مقومات بقائها ، وأهمية التحالف مع الأحزاب والتنظيمات  المختلفة لتوسيع خياراتها وضمان أمنها ومصالحها القومية .

    المثير أن إستراتيجية طهران  تحولت إلى فكرة بناء المليشيات العابرة للحدود لتكون أدوات إيران  الجديدة الضاربة في المنطقة ، وقد تمثل ذلك من خلال نجاحها في بناء الحشد الشعبي الطائفي الذي بات اليوم خارج المساءلة القانونية والجنائية ببركة دولة الولي الفقيه ، واستعداده للاندفاع  بكامل طاقته و قوته نحو أراضي السعودية والكويت والبحرين ، حيث تعهد الحرس الثوري  وفيلق القدس” التابع له ، بتسليح وتدريب وتمويل هذه  المليشيا الدموية، حتى بأسلحة الدمار الشامل – كما ذكر آية الله محمد مصباح يزدي –   والتي لعبت دوراً بارزاً في تأسيس للطائفية والمذهبية وتقسيم العراق ، وابادة أهل السنة ، والحبل على الجرار.

           من المؤكد أن إيران ماضية على قدم وساق إلى  وضع آليات  جديدة مبتكرة لتنفيذ استراتيجة النفوذ  الجديدة من خلال حشد  جُل امكاناتها وطاقاتها  وعبر توظيف كل مؤسساتها، ومحاولة توظيف مراجع إيران والعراق  في كل مكان يذكر فيه اسم طائفة شيعية لتدمير العرب  .

               في الوقت الذي  أسست فيه طهران  القنوات الطائفية  الناطقة بالعربية  باللغة العربية للسيطرة على عقول وقلوب الشيعة  وتعبئتهم ضد يزيدي العصر في كل مكان ، وقد عكست هذه القنوات سياسة إيران الإعلامية وما ترغب ترويجه للشيعة  بشكل خاص  لذبح الأمة السنية من الوريد إلى الوريد ، تنشغل فضائياتنا العتيدة بآرب أيدل لاختيار أعذب صوت  وأجل إطلاله ، والتبشير بعرض موسم جديد من ستار أكاديمي ، وكأننا أصبحنا أمام مؤسسات وأنظمة  رسمية عربية  ترعى العهر والرذيلة وتتفنن بها  ، لتسهيل مهمة إيران للإجهاز علينا .

             ولم يقف الأمر عند ذلك ، فقد  وفرت بعض الدول العربية عن عمد  المقومات الفعلية والعملية لضمان نجاح مرتكزات وآليات إستراتيجية النفوذ الإيرانية في المنطقة أهمها: على الجانب الاقتصادي أصبحت بعض الدول العربية  من الشركاء الرئيسين  التجاريين لإيران؛ مما ساهم بتخفيف حدة العقوبات الدولية ، لتتمكن طهران من بناء برنامجها النووي ، الذي سيكون وبالاً عليهم ، ولم يقف الأمر عند ذلك فقد  قامت بتسهيل حركة السيولة وتدوير أموال الخمس وغسيل الأموال  من إيران وإليها لذبح سنة العراق وسوريا واليمن ولبنان….  ، وباتت اللغة الفارسية  اللغة  الرسمية الثالثة فيها.  أضف إلى ذلك  أن بعض الدول العربية الأخرى  قد  فتحت موانئها وأجوائها  لتخفيف الضغط عن النظام الإيراني ، بل و الالتفاف على خط العقوبات الدولية  لانعاش الاقتصاد الإيراني  ، أما   البعض  الأخر  فقد  سابق الخطى للدخول على خط الوساطة وتلطيف الأجواء بين طهران وواشنطن حتى لا ينهار نظام الملالي .  
         في حين انشغلت بعض الدول العربية بنسج خيوط للعلاقات السياسية بالسر والعلن ، تحت حجة محاربة الإرهاب ، وفي هذا فحدث ولا حرج ،و يمكن أن نلمس مؤشراته بوضوح في تصريح رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشورى أول  أمس  بأن علاقات إيران الخارجية ستشهد تحالفات إستراتيجية مع بعض الدول العربية المحورية ، ويا لها من بشارة .

             بعد اليوم بات  لا مكان للحديث عن بناء مشروع عربي لمواجهة المشروع الإيراني

    ولو من باب المجاملة ، وكفانا كذباً واستهتاراً بعقول الغلابى والمستضعفين والمقهورين والمكلومين والثكالى من الأمهات والأطفال والشيوخ …كفانا …. باختصار لأن مواجهة دولة ولي الفقيه من الشعوب وقواه الحيه  تبدأ وإليه تنتهي، عظم الله أجركم في أنظمتنا العربية  . وحسبنا الله ونعم الوكيل .

  • المشهد العراقي بعد اغتيال قاسم سليماني

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

         المشهد العراقي، كما لا يخفى كان مسرحًا للعملية الأمريكية ضدّ إيران، فإنه من المتوقع أن يستمر كساحة للحرب بالوكالة بين (طهران، وواشنطن) في الوقت الذي يزداد فيه احتمال نشوب عمليات أخرى وضربات جديدة، وخاصة في ظلّ تمركز العديد من القوات الأمريكية هنالك، واستمرارها بالوعيد والتهديد لإيران وقوات الحشد الشعبيّ.

         لقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، فجر يوم جمعة 3/1/2020، مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” في بغداد، بناء على توجيهات من الرئيس دونالد ترامب مباشرة، في مؤشر لتغيير قواعد اللعبة، بحسب “مارك أسبر” وزير الدفاع.

        ويعتبر اغتيال سليماني تغييراً ملحوظا في قواعد الاشتباك، حيث اتّخذت الولايات المتّحدة قرارها السياسي بقتل سليماني، وهو القيادي الإيراني الأبرز، ومدير عمليات إيران خارج حدودها.

           جاء اغتياله بعد تصعيد حادّ بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران والفصائل المدعومة من قِبلها في العراق من جهة أخرى، في أعقاب مقتل مقاول عسكري أميركي في هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في كركوك / العراق، فحمَّلت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عنه، وردَّت الولايات المتحدة بهجوم جويّ على فصائل حزب الله العراقي المدعومة من إيران، وهاجم أنصار الحزب السفارة الأمريكية في بغداد، على إثره.

         ولكن لابد من سائل يسأل لماذا هذا الإعلام والضجة والصراخ على مقتل قاسم سليماني؟ فكم يقتل أبرياء في ساحات الاعتصام السلمية ولم نسمع صوتا واحدا؟!! ولم يحضر رئيس الوزراء إلى مجلس النواب بالرغم من طلبه لأكثر من مرة؟ فهل هانت دماء العراقيين لهذا الحدّ فليس لها حرمة ولا قيمة؟!!!

    من هو قاسم سليماني؟

         أحيط هذا الرجل بهالة كبيرة من خلال الدعم والصلاحيات والثقة العالية التي منحه إياها ما يسمى ب (ولي الفقيه)، حيث أصبح العقل المدبر للعمليات الإرهابية التي ينفذها فليق القدس، وهو المسؤول الأول عن تفتيت المنطقة برمتها! يستمد أهميته في الساحة الإيرانية من خلال قدرته على خلق تحالفات جديدة وغريبة لخدمة أهدافه، فهو بارع في التمدّد وحياكة المؤامرات، من خلال استخدام الرشاوي المالية لاستمالة السياسيين واستئجار المرتزقة وتخويف الخصوم أو المترددين في تنفيذ رغباته، وإنشاء المليشيات وتسليحها، وتنفيذ الاغتيالات…

           تبنّى سليماني الطائفية في العراق ووظف الخلافات الشيعية السنية في صالح السياسة الإيرانية، كما استثمر الانشقاقات لإحكام السيطرة على الجماعات المختلفة، وقد نجح بالفعل في تحقيق تلك الاستراتيجية بل وفي تطويرها من خلال حصوله على الدعم المالي الغير محدود من الدوائر الإيرانية، لدرجة تصفه تقارير إعلامية غربية بأنه الحاكم الفعلي للعراق، فقد أرسل في مطلع عام 2008 رسالة إلى الجنرال “ديفيد بترايوس” عندما كان قائد القوات الأمريكية في العراق على هاتفه الشخصي يقول فيها: ( أنا قاسم سليماني أتحكم في السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق، ولبنان، وغزّة، وأفغانستان، والسفير الإيراني لدى بغداد، وأنا عنصر من فليق القدس، والسفير الذي سيحل محله عنصر آخر).

          شكّل وصول محمود أحمدي نجاد علامة فارقة في نفوذ سليماني الذي سعى منذ تسليمه قيادة فيلق القدس إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران، من خلال منحه الصلاحيات الواسعة ومنها التفرّد في الملف العراقي، وأصبحت وزارة الأمن تابعة له وفق أوامر المرشد دون أن تكون منافسة للحرس لثوري.

          تمكّن سليماني من إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار أسد من الانهيار، من خلال وضع استراتيجية التصدّي للانتفاضة المسلحة التي اندلعت عام 2011، واستطاع خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من قلب موازين المعركة ودحر المعارضة السورية، إذ ساعد دعمه العسكري، مضافًا إلى الدعم الجوي الروسي على قلب دفة القتال ضدّ القوى الثورية لصالح الحكومة السورية، وسمح لها في استعادة العديد من المدن والبلدات الرئيسة، ووفقا للمعلومات فهو يدير المعركة من مبنى محصّن في سوريا، وقد أعدّ سلسلة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب في الميدان، بينهم قادة سوريون، وقادة من حزب الله، وقادة من المليشيات العراقية…

         ولم تقتصر عملياته على الشرق الأوسط، فبين عامي 2012 -2013 قام بأكثر من ثلاثين عملية نوعية في كل من نيو دلهي، لاجوس، وتمكّن من نقل الرجال والمواد المتفجرة عبر تايلاند، ونيروبي، وساعد القاعدة على الدخول إلى إيران والخروج منها، واستثمارها لأهدافه!

          يتمتع سليماني بنفوذ واسع داخل إيران ويعد ثاني شخصية بعد المرشد وله دور كبير في قمع كل التظاهرات داخل إيران، وكل ذلك كان تحت سمع أمريكا وبصرها.

         وقد بلغت عملية التلميع الممنهج نوعًا من الاستعراض المسرحي للتفوق الإيراني، فطهران تصدّره كبطل عسكري ورجل يمكن الاعتماد عليه في مواجهة المستقبل. ويُعد قاسم سليماني أقوى شخصية عسكرية في إيران وهو العقل الاستراتيجي الذي يقف وراء طموحات إيران في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الحقيقي في شؤون الحرب والسلم.

    فلماذا قتل سليماني؟

          رصدت الولايات المتحدة تحركات قاسم سليماني في كلٍّ من: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) منذ عام 2007، وقد اتهمته بأنه كان وراء الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية بعد احتلال العراق، وصنفت: (قوات الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس كمنظمات إرهابية في ابريل عام 2019، وقالت إدارة ترامب: إن فيلق القدس قدّم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات إلى جماعات في الشرق الأوسط تُصنفها الولايات المتحدة بأنها منظمات إرهابية أجنبية، بما في ذلك حزب الله اللبناني، وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة، وفي بيان للبنتاغون يقول: إن سليماني ” دبّر بفعالية خططا لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة ” وأضاف البيان أن “الجنرال سليماني، وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل المئات من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف وجرح الألاف منهم”

           وما تسرّب من معلومات عن السيناريو الذي كان يقوده سليماني قبل أسبوعين، حيث اتفق الإيرانيون على سيناريو جديد في العراق للقيام في انقلاب عسكري والسيطرة على الحكومة بعد أن عجزت الأحزاب الحاكمة عن فرض مرشحيها لرئاسة الوزراء، وأن سليماني ذهب لدمشق لإبلاغ بشار أسد بالخطة وبعدها غادر لبغداد لإكمال الترتيبات التالية:

    • اغتيال المسؤولين العراقيين الرافضين لترشّح الأحزاب الحاكمة إلى رئاسة الوزراء.
    • إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
    • قمع الانتفاضات الشعبية وإحكام القبضة الأمنية والسياسية على البلاد.
    • اختطاف رهائن من السفارة الأمريكية والتعامل مع الأمريكان بسيناريو سنة ١٩٧٩ وهذا الأمر يساهم بخسارة فادحة للرئيس ترامب في الانتخابات القادمة ويحقّق انتصارات للديمقراطيين، وأن يتم إطلاق سراحهم بعد سقوط ترامب كرسالة تعاون بين الإيرانيين والديمقراطيين كما حدث مع الرئيس ريغان واتفاقية الجزائر عام ٨١ 19م. وصلت إلى ترامب له هذه المعلومة قبل أسبوع حين تمّت محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد.

         إن توقيت عملية الاستهداف كان ذكياً جداً، جاء في “الوقت الذي يثور فيه العراقيون في جنوب العراق ووسطها على التدخل الإيراني، فضلا عن استمرار المظاهرات في لبنان بشكل أو بآخر ضدّ سطوة حزب الله المؤتمِر بأوامر إيران، وكذلك بعد عدّة مظاهرات جرت في 29 محافظة إيرانية (مؤخراً)، وهي قابلة للاشتعال في أي وقت لاحق”.

         إن عملية مقتل سليماني تأتي تنفيذاً لتهديد الرئيس الأميركي الذي وجّه لإيران تصريحاته الأخيرة بأنها ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة اقتحام السفارة الأمريكية، وشدّد في تصريحه بأن كلامه تهديد وليس تحذير، واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أنه من غير الصحيح أنّ قائد فيلق القدس قاسم سليماني كان في بغداد بزيارة دبلوماسية، مؤكداً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قرارًا بقتل سليماني بناء على معلومات استخبارية. تهدف الضربة الأمريكية لردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية.

    البرلمان العراق وقرار إخراج القوات الأجنبية:

          على إثر ذلك تحرّكت الأحزاب الموالية لإيران وطلبت عقد اجتماع مجلس النواب العراقي وناقشت يوم الأحد الموافق 5/1/2020م مشروع خروج القوات الأمريكية من العراق باعتبار أنها تجاوزت السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدّة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارسه دون العودة للحكومة العراقية. ويشير البعض إلى أن هذا المشروع ربما كان السبب في تعجيل هذه العملية التي ربما تعيد رسم خريطة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. واقر مجلس النواب بحضور رئيس الوزراء السابق؛ إخراج القوات الأجنبية من العراق، حضر الاجتماع نواب الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران فقط ولم يحضر أحد من نواب السنة أو الأكراد. فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت في البرلمان أنه لم يصدر قانونياً ملزماً بهذا الشأن بل كان مجرد قرار غير ملزم عكس طبيعة القانون.

          وردّت الولايات المتحدة الأميركية، على قرار البرلمان بإلزام الحكومة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، حيث هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باحتمال فرض عقوبات على العراق تفوق تلك المفروضة على إيران، وهو ما أكّدته تقارير صحافية أميركية، وهذا ما أكده مسؤولون في البيت الأبيض حيث قالوا: إنهم أعدّوا قائمة للعقوبات المحتملة على العراق، وهذه العقوبات ستكون مؤذية بشكل كبير للعراق الذي يمرّ بظروف استثنائية”. حيث يمر بوضع هوا الأسوأ منذ زمن الحصار في التسعينيات، فإنّ الشعب العراقي يُعرّض صدره للرصاص، ويموت من أجل لقمة العيش، فعلينا أن نتصوّر المأساة التي ستحلّ بالعراقيين إذا فُرضت عليهم عقوبات أخرى وهم يمرّون بهذه الظروف الصعبة.

          أريد بهذا القرار أن  تستفرد إيران بالعراق من خلال هذه التعابير الفضاضة، والمقصود هنا في القوات الأجنبية هي القوات الأمريكية بالتحديد لأن هذه العبارة لا تعني التواجد الإيراني، فالقوات الأمريكية متواجدة وفق اتفاقيات تحدّد أسلوب العمل ومدّة البقاء وشروط إنهائه وأماكن تواجدها معلوم، أمّا التواجد الإيراني فهو موجود في كل مفاصل الدولة العراقية من خلال الأحزاب الموالية لإيران، ومن خلال المليشيات المسيطرة على الجانب الأمني ودون أي اتفاق أو ضوابط، فالمطوب هو إخراج التواجد الإيراني أولا، والذي لا يمكن إخراجه إلا بمساعدة دولية، وبعد ذلك يتم التفكير في إخراج الأمريكيين، أو تقليص نفوذهم وفق بنود الاتفاق، وإلا كيف يمكن إخراج القوات الأمريكية التي تحقّق نوعًا من الموازنة ! لأن خروج أمريكا يعني ترك العراق لإيران.

          والسؤال الأهم للبرلمان أليس دخول قاسم سليماني وخروجه وقتما يشاء وكيفما يشاء إلى إيران، وسوريا، ولبنان، وبدون تأشيرة خرقا للسيادة؟ وأين مجلس النواب من اختراق السيادة العراقية؟ فإيران تطلق 22 صاروخا على أرض العراق أليس هذا خرقا للسيادة؟ أليس هذا إعلان حرب على العراق فلماذا لم يجتمع البرلمان؟

    الردّ الإيراني:

            لا تجرؤ إيران على ضرب القواعد الأمريكية في الكويت، وقطر، والإمارات، وعمان، والسعودية، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا، وجميع هذه الدول لها حدود مشتركة معها لكنها تضربها في العراق فقط لكثرة الذيول فيه، وحكومته عميلة ذليلة، ونقلت “اندبندنت العربية”، ومصادر دبلوماسية عراقية، أن الأيام الماضية التي أعقبت تنفيذ الولايات المتحدة هجوماً بالطيران المسير، أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس في “الحرس الثوري” الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، شهدت حراكاً دبلوماسياً متسارعاً في المنطقة، شارك فيه العراق، أسفر عن توافق بين واشنطن وطهران بشأن الردّ، ويتضمن التوافق تنفيذ إيران هجوماً صاروخياً محدوداً على عدد من المواقع التي تضمّ قوات أميركية داخل العراق، بما يضمن عدم سقوط قتلى من جيش الولايات المتحدة، وهذا ما حدث بالفعل، وفقاً للمعلومات الأولية، كبالون إعلامي لإعادة ماء الوجه لإيران ولإيهام الشعب الإيراني بردّ مزلزل، إن هذا ما اتفقت عليه كافة الأطراف بشأن الضربة الصاروخية تجاوزا للازمة…

           وهكذا تمخضت كل التهديدات المرعبة عن زوبعة في فنجان. وهذ ما توقعناه في مقالنا السابق: (ثورة الكرامة تنتصر رغم صراع أمريكا وإيران على أرضها)

           لم يفاجئ القصف الإيراني القاعدتين التي تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق فبعد التصعيد الكلامي الذي تبادلته واشنطن وطهران عقب مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية في بغداد. وتبدو الضربات الجوية الإيرانية على قاعدتي عين الأسد الجوية، ومدينة أربيل من النظرة الإيرانية كانتقام لمقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني. ومباشرة بعد القصف الإيراني للقاعدتين في العراق بدأت الحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة وإيران فيما تؤكد واشنطن أن القصف لم يخلف ضحايا بشرية.

          فتصريحات معظم المسؤولين الإيرانيين بعد القصف هي الأخرى تدفع للحديث عن ضربة رمزية بهدف حفظ ماء الوجه داخليًا وعلى مستوى المنطقة، حيث أشار وزير الخارجية جواد ظريف في تصريحاته أن هذا القصف يأتي في إطار إجراءات متكافئة للدفاع عن النفس بموجب المادة: 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن بلاده لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب. كما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن إيران لا تسعى للحرب مع الولايات المتحدة. إلى جانب هذا، بقاء الصمت الذي تلتزم به واشنطن بعد القصف الإيراني، حيث اكتفى ترامب بكلمة واحدة على تويتر “كل شيء على ما يرام”. وثمة معطيات أخرى تشير إلى أنّ القصف الإيراني رمزيا، منها:

    1. القواعد العسكرية المستهدفة في العراق:

    تعدّ قاعدة عين الأسد الجوية ثاني أكبر القواعد الجوية بالعراق والتي تستخدمها القوات الأمريكية. ومنذ الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بغداد ومقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني الجمعة، حول الجيش الأمريكي في العراق كل قواته إلى قاعدة عين الأسد، وشدّد الإجراءات الأمنية حول المنشأة العسكرية، ما يجعل القاعدة محصنة بشكل كبير، ولذلك اختيرت لتوجيه الضربة لعدم وقوع خسائر.

    1. 2. صمت واشنطن:

        أكد المسؤولون الأمريكيون أن القصف الإيراني للقاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في العراق لم يسبب خسائر بشرية لأن الصواريخ البالستية سقطت في محيط القواعد وفي مناطق غير مأهولة من قاعدة عين الأسد، وغياب الردّ المباشر من الرئيس الأمريكي المعروف بتهوره في مثل هذه المواقف خاصة، وأنه هدّد بالردّ السريع على أي استهداف للمصالح الأمريكيين في المنطقة من طرف إيران.

    1. 3. الحرب الإعلامية:

        مباشرة بعد بدء القصف الإيراني للأهداف الأمريكية، انتهجت طهران سياسة إعلامية دعائية كبيرة، حيث تمّ وصف هذه العملية بالثأر الذي وعدت به إيران من الولايات الأمريكي لمقتل قاسم سليماني. فالإعلام الرسمي الإيراني بث صور القصف ووزعه على كافة وسائل الإعلام العالمية، كما سارعت وسائل الإعلام الإيرانية إلى الحديث عن وقوع عدد كبير من القتلى بهدف حفظ ماء الوجه، في الجانب الأمريكي وهو الأمر الذي نفاه الأمريكيون.

    1. 4. تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين

      :

        سارع المسؤولون الإيرانيون بعد القصف مباشر لجملة من التصريحات تراوحت ما بين النبرة الحادّة داخليا والتطمين على المستوى الدولي، وقال وزير الخارجة ظريف: إن “رد طهران على اغتيال الجنرال سليماني انتهى، نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا ضدّ أي عدوان.

    1. 5. أثبت الخبراء من خلال الحطام أن الصواريخ برؤوس فارغة لا يوجد فيها رئس حربي أي (بدون مواد متجرة).

    فما هي تبعات مقتل سليماني؟

    1. كان التصور العام أن إيران قويّة داخل العراق بوجود سليماني، ونائبه أبو مهدي المهندس، الشخصية التي أصبحت تأمر وتنهى، أما بعد مقتلهما فقد اهتزت تلك الصورة، وأظهرت ضعف إيران ذات المخالب المتوزعة على أكثر من بلد، حيث دفعت الثمن غاليا مقابل الأحجار التي رمتها على السفارة الأميركية.

     2.من ناحية أخرى فإن الدعم الإيراني للميليشيات في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان ستشهد انحسارا خلال الأيام المقبلة… وسوف تحاول إيران إعادة تنظيم نفسها من جديد بعد سليماني الذي كان المدبر الأساسي لجميع أنشطة الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة”.

    1. إن مقتل سليماني قد يحرّر بشار الأسد أكثر من ذي قبل، فسليماني كان الرجل المتابع للملف السوري منذ 9 سنوات وكان يشكّل ضغطاً على القرار السوري، وبعد مقتله سيتحرر بشار أسد من سطوته وتحكّمه”.
    2. الجغرافية العراقية لم تعد تحتمل الأمريكان والإيرانيين كلاهما، ولا بد من خروج أحدهما، ويبدو أن سليماني كان يخطّط من خلال أذرعه لإجبار أمريكا على الانسحاب من العراق… فإيران بدأت تخسر العراق وإن هي ردت رداً حقيقياً على مقتل سليماني فهذا يعني إعطاء ذريعة لأمريكا باستهداف الأراضي الإيرانية بعمليات عسكرية، وهناك بنك أهداف موجود لدى واشنطن، وهذا قد يعطي أيضا ذريعة للشعب الإيراني للثورة ضد نظامه”.
    3. لا ردّ حقيقي من قبل إيران، إلا أنه لم يستبعد حدوث عمليات “عشوائية وغير مخطط لها” من فصائل الحشد الشعبي العراقي “وهذا لا يمكن التكهن به”، وأن الأمريكيين حريصون جداً على حفظ التوازنات في العراق، وسوريا، وعدم الإخلال بها وعدم الاحتكاك مع الروس، وإعطائهم مبرر للتدخل بالملف العراقي، واللبناني”.
    4. وفي إطار متصل فإن العملية تلك ربما تقضي على ما تبقى من أمل في إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا منفردة عام 2018، فالاتفاق الذي كان ميتًا سريريًا بعد انسحاب واشنطن، في ظل مساعٍ أوروبية لبث الروح فيه من جديد، بات اليوم بعد التصعيد الأخير ميتًا بصورة شبه رسمية، فقد طالب الرئيس الامريكي الدول بالانسحاب من الاتفاق، وسط احتمالات للتوصّل إلى اتفاق جديد وهذا ما تطلبه أمريكا.

    هل ستغادر القوات الأمريكية؟

         احتلت الولايات المتحدة الأمريكية القواعد العراقية بعد احتلال العراق عام 2003، وقامت بتطويرها فيما يتناسب مع قواتها، وأصبح عدد القواعد المشغولة 12 قاعدة موزعة بشكل دقيق بما يؤمن إحكام السيطرة على كل العراق، وتعتبر العراق مركز الشرق الأوسط الذي ينبغي السيطرة عليه لأحكام السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، ولذلك فإن القوات الأميركية تعتزم إنشاء مطار دولي عملاق بمواصفات عالمية، لطائرات “بي 52” العملاقة، في قاعدة عين الأسد الجوية بناحية البغدادي، في قضاء هيت غربي محافظة الأنبار وفي حال تمّ إنشاء هذا المطار، فإنه سيكون “من أهم المطارات في العالم”، كونه مخصّص لـطائرات “بي 52″، كالمطار الموجود في بريطانيا.

             ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها».

            اعتبرت السفارة الأمريكية في بغداد يوم الجمعة 10/1/2020 أن الوجود العسكري لبلاده في العراق هو لموصلة القتال ضدّ تنظيم داعش، وأعلنت أمريكا بأنها لا نفكر في الانسحاب من العراق، ولن تناقش هذا الموضوع!!!

    الاحتمالات المستقبلية:

            مع كل ما ذكر آنفا فلا تزال إيران تواجه الاحتمالات الكارثية فما لحق بها أمر شديد الوطأة أيّا كانت المقاييس، لذا فإن تجاوز الأزمة بالتهدئة أو المقايضة أمر أقرب إلى التحقّق فيما يبقى أمر الردّ على العدوان كابوسا مخيفا فعواقبه ستجعل إيران اليوم شيئًا من الأمس البعيد… واغتيال سليماني رسالة أمريكية قد وصلت إلى إيران،  وفهمت بأن ترامب يريدّ التفاوض، وليس من الحكمة النفخ في كير الحرب، وليس من الحكمة المسارعة في الاصطفاف فيها، وهم منذ أربعين عاما متفقون على تدمير دولنا العربية، ومحو هويتنا، واستنزاف طاقاتنا وثرواتنا، ومنذ عشرين عاما ذهبوا معًا بعراقنا ودمروا كل شيء ، وقبل سبعة أعوام دمروا سوريا، واليمن …

         لقد أعرب دونالد ترامب عن هذا التخادم في قوله: “تدمير داعش الذي هو عدو طبيعي لإيران يصبّ في مصلحتنا، ويجب أن نعمل سويًا على هذا الأمر وغيره من الأمور المشتركة”.” أَدعوا قادة إيران إلى التعاون معنا ضدّ داعش”.

          فكلّ ما حدث لا يعدو أن يكون سوى تحذير أمريكي لإيران كي لا تخرج عن النص فواشنطن أرادت تنبيهها إلى ضرورة البقاء داخله، وفي هذا السياق يفهم مقتل سليماني. وهذه هي اللعبة القذرة بين إيران وأمريكا والمتضرر الأكبر منها، هو العراق.

         أقول سوف تقلّم أمريكا أذرع إيران ومعهم مليشيات العراق وتغدر بهم لأنهم خونه ومن يخن بلده يسهل عليه خيانة الآخرين. وستجلس أمريكا وإيران للتفاوض من جديد حول:

    1. الملف النووي بما لا يهدّد أمن إسرائيل
    2. تقاسم كعكة النفوذ في المنطقة.

        واستمرار تظاهرات ثورة الكرامة بهذه الصورة المدهشة، وراء مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ستقولون كيف؟

        أقول إن تلك التظاهرات كانت أحد أهم أسباب تحرّك قاسم سليماني بكتائب حزب الله العراق لضرب القاعدة الأميركية، ثم الهجوم الأميركي ومقتل قياديين من الكتائب، ثم ما حصل ضدّ السفارة الأميركية بعد اجتياح المنطقة الخضراء، وبأمر بطبيعة الحال من قاسم سليماني مباشرة، وبالفعل تمّت التغطية تمامًا على التظاهرات خلال الأيام الماضية.

       عاش العراق موحدا حرًا مستقلًا، وأسأل الله الرحمة لكل شهداء ثورة الكرامة شهداء ثورة العراق، والشفاء التام لجرحى الكرامة، ونسأل الله العودة الكريمة لكل المغيبين قسرًا في سجون الميليشيات إلى أهلهم وذويهم.

  • ثورة العراق تنتصر رغم المكر الإيراني والصمت العربي

    د. ناجي خليفه الدهان-مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

           منظر رهيب تقشعر منه أبدان العصابات الحاكمة وهم يشاهدون المظاهرات المليونية في ساحة العز والكرامة، ساحة التحرير وقد امتلأت بالأحرار الذين يهتفون: (منصورة يا بغداد). وبات يمكننا القول: إن الحكومة الفاسدة والميليشيات المجرمة قد سقطوا جميعًا بشكل فعلي. ولا نحتاج سوى الإعلان عن حكومة إنقاذ وطني على يد الأحرار.

           ويمكننا القول: مبروك للشعب العراقي الثائر الذي تحمّل الظلم طويلًا وتجرّع الويلات من الخونة الذين باعوا ضمائرهم وشرفهم لإيران والأجنبي...

           فهذا الرفض الشعبي لكلّ الأحزاب الإرهابية فضلا عن العصابة الحاكمة التي مازالت تقتل بالشعب حتى وصل عدد الشهداء إلى أكثر من ٨٠٠ شهيدًا وأكثر من ١9٠٠٠ جريحًا أغلبهم في حالة خطره، فضلًا عن مئات المخطوفين الذين يُعاملون بطريقة وحشية يندى لها جبين الإنسانية.

           إن قطرة دم من عراقي واحد هي أغلى من إيران كلها ومن أذنابها، وإن الانتفاضة المباركة التي استمرّت أكثر من أربعين يومًا قد ميزّت الصفوف إلى فريقين؛ فريق يمتلك (المال والسلطة والسلاح والمكر والخداع...) لكنه عار من الوطنية والانتماء للعراق، وفريق ثان: لا يمتلك سوى الإرادة الوطنية في التحرر من الظلم والقهر والحرمان...

           يتحدث القتلة والفاسدون في مؤتمراتهم ومن خلال وسائل الإعلام عن إجراء انتخابات مبكّرة وتشكيل حكومة جديدة واختيار البديل المناسب، وهذا يعني بقائهم في السلطة! وبقاء هؤلاء القتلة يعني بقاء المحاصصة الطائفية، وبقاء الفساد مستشريًا في مفاصل الدولة، وبقاء التمييز العنصري والطائفي، وبقاء الفقر والتهميش والاقصاء وكبت الحريات، وبقاء ألوف الأبرياء في السجون...

         والثورة ما جاءت إلا للقضاء على كل هذه الممارسات الجائرة والعناوين الباطلة، فإجراء انتخابات أو تشكيل حكومة في هذه المرحلة ستكون في صالحهم وستشكّل على مقاسات تلك الأحزاب الطائفية العميلة وهذا يعني أنّ كل شيء منذ الاحتلال عام 2003 وحتى يومنا هذا سيبقى على وضعه، وبالتالي ستستمر المأساة والمهزلة والمعاناة، ويستمر التجهيل والاستخفاف بحقوق الشعب المشروعة. إن أهداف الثورة واضحة كالشمس ولا محيد منها، وفي مقدمتها طرد كافّة الأحزاب الطائفية التي قادت البلاد والعباد إلى الدمار والخراب والفتن...

       فالاحتلال الأمريكي هو من سلّم العراق لإيران وفتح الأبواب مشرعة لها وللصوص ومبدّدي المال العام، ما شجع الذين كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على تلك الأموال حيث وفرّ لهم نظام المحاصصة الطائفية الحماية اللازمة. إن فشل الحكومات التي أنتجها الاحتلال وإصرارها على المشروع الطائفي والتقسيمي أضعف العراق وأهدر ثروته مما أدى إلى هذا الاصطفاف الوطني المتسامي فوق الطائفية والعرقية.

           إن الإصرار على استخدام القوة وفتح النار على المتظاهرين يعكس هلع السلطة السياسية وخوفها الشديد بعد فشل حكوماتها المتعاقبة في تلبية حاجات العراقيين من أمن واستقرار وحفاظ على أموالهم التي نهبت.

           منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول مِن تشرين الثاني الماضي وحتى الآن، والقتل مستمر وكأن ساحات الاحتجاج أرض المعارك الكبرى، لكنها معركة غير متكافئة، إنها مبارزة المسلّح مع الأعزل!!!

       إن ما يعانيه العراق من ضائقة مالية، وعجز في الميزانية حيث عجزه عن سداد ديونه التي قاربت 145 مليار دولار وبالتالي توقفت مشاريع البناء والإعمار نتيجة حتميه لضياع تلك الاموال التي كان من المفترض أن تحمي العراق من أي أزمة طارئه!!!

           هناك محاولات من إيران وأذنابهم للالتفاف على جهود الشباب المنتفضين من خلال إسقاط حكومة عادل عبد المهدي مقابل قيامهم بتشكيل حكومة تضم الثلة المجرمة نفسها، بحيث يتم التضحية بعادل عبد المهدي ليكون كبش فداءٍ، وتأتي ببديل من أعضاء نادي المحاصصة، وبالتالي سيكون الحلُّ كالمستجير من الرمضاء بالنار!

         لقد جربت إيران عن طريق أذنابها اختراق الثورة في محاولات كثيرة، ولكن يقظة الشباب الثائر أفشلت كل تلك المحاولات. ومن هذه المحاولات:

         1. حاول التيار الصدري دخول التظاهرة رغم الرفض الشعبي ليعتلي أكتاف الشعب ويسقط التظاهرات، وإذا جوبه بالرفض الشعبي سيغير الخطة للإطاحة بالحكومة وتسلم رئاسة الوزراء وتمييع كافة مطالب الشعب لتبقى مخططات إيران مستمرة! ولكن يقظة الشباب الثائر أفشلت هذا المخطط الماكر.

         2. واستخدموا الطرف الثالث الذي يقتل المتظاهرين السلميين باستخدام قنابل الغاز والقنص والرصاص الحي وهم المليشيات الولائية (الخرساني والنجباء وكتائب حزب الله العراقي) التي تتبع نظام ولاية المرشد الإيراني وتلتزم بأوامر قاسم سليماني قائد فيلق القدس فقنابل الغاز القاتلة إيرانية الصنع. بل إن عادل عبد المهدي، ونجاح الشمري وباقي أعضاء حكومته مجرد بيادق وصناعة إيرانية ليس لهم لاحول ولا قوة!

           3. أرسلوا مندسين يستخدمون السلاح الأبيض لطعن المتظاهرين من الخلف، لكن تم كشف نواياهم وجوبهوا بالصمود والإصرار على استمرا الثورة.

           4. وأخيرااستخدموا مسلحين ملثمين يستقلون سيارات مدنية رباعية الدفع، قد فتحوا النار بشكل عشوائي من مسافات قريبة على المحتجين، الجمعة 6/11، لتخيم حالة من الهلع على أجواء المتظاهرين في ساحة الخلاني، القريبة من جسر السنك.وارتفعت حصيلة ضحايا احتجاجات الجمعة إلى 25 قتيلا و130 مصابا، وفق ما ذكرت مصادر عراقية.

           لقد جربوا كل هذه الأعمال الإجرامية ضد الشباب الأعزل الذي يطالب في إعادة السيادة للعراق والكرامة للمواطن العراقي... لكن كيدهم لم يثني الشباب الثائر عن مطالبه بل زاده إصرارًا!!

           فانتقلت إيران إلى محاولة الالتفاف من خلال استخدام أذنابها في البرلمان عن طريق التشريعات القانونية لاحتواء الثورة في تعديل بعض القوانين والتشريعات الترقيعية ظنًا منها أنها ستنطلي على الثوار!!! تحاول إيران استغلال تعديل الدستور، لصالحهاولتعزيز نفوذها. فدستور العراق وثيقة مزورة فهو مليء بالألغام والمطبات، ومراجعة الدستور العراقيمن أجل طمأنة المحتجين الغاضبين مطبّ كبير تريده إيران كي تضعف سيادة العراق.وهناك شك في رغبة النخبة العسكرية الإيرانية -التي ترى العراق مجرد جزء من مشروع جيوسياسي- في استغلال تعديل القانون الأساسي العراقي.

         تجدر الإشارة إلى أن المطلب الأساسي للمتظاهرين ليس هو الإصلاح الدستوري، إنما الغاء العملية السياسية برمتها لعدم شرعيتها.

         وفعلا فقد باشرت أذرع إيران في البرلمان في إصدار بعض التشريعات حيث أصدر البرلمان العراقي، خلال جلسته التي عقدت الإثنين 28 أكتوبر 2019، قرارات جديدة وصفت بـ "غير المسبوقة"، وأنها ما كانت لتتم لولا ضغط التظاهرات على الحكومة والبرلمان، ومختلف الكتل السياسية في البلاد، وتهدف في مجملها إلى تهدئة الاحتجاجات التي تصاعدت بشكل خطير منذ انطلاق ثورة تشرين.

         ومن أهم هذه القرارات المضي بإجراءات تعديل الدستور، وحلّ مجالس المحافظات، وإلغاء الامتيازات المالية للرئاسات الثلاث وكبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم النواب في البرلمان والوزراء ووكلاؤهم والمدراء العامون ورؤساء الهيئات. وأخيرا قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وقانون الانتخابات الجديد المزمع إصداره في الأسبوع القادم.

         والسؤل الذي يطرح نفسه أين كانت الحكومات المتعاقبة خلال 16 عاما منذ الاحتلال البغيض إلى اليوم لتصدر عشرات القرارات خلال أيام لإرضاء الثوار؟

         إلى الشباب الذين اتخذوا ساحة التحرير وساحات المحافظات مكاناً ليعبروا فيه عن رأيهم، إلى المحرومين والمعذبين، إلى كل من أنهكه الجوع والحرمان والحاجة، إلى كل المهمشين؛ (لا تتراجعوا).

           نعم؛ للأحزاب الحاكمة سطوة، وللفساد عند أصحابه نشوة، لكن كونوا على يقظة وحذر لا تغرنكم بعض العمائم التي نزلت إلى الساحة، لا تنخدعوا ولا تنجروا وراء شعارات رنانة بل انظروا إليها بعين الحذر.لا تحاوروا الحكومة فهي غير شرعية كونها شاركت في قتل المتظاهرين وخطفهم...

    ولا تحاوروا البرلمان الذي ساند الحكومة وخدع الشعب بقرارات لا تطبق وليس لها سند قانوني.

           لا تحاوروا رئاسة الجمهورية لأنها ساندت الحكومة والبرلمان وكان كلامها انشائيا للتسويق الإعلامي وتسويف مطالب المتظاهرين.

           المطلوب لإنقاذ العراق وإعادة سيادته وكرامته؛ إلغاء العملية السياسية بالكامل، وطرد الوجود الإيراني و طرد عملائه من كل أرض العراق، فالعلاج الناجع للداء المستفحل ليس في توفير الأمصال واللقاحات، وإنما في ردم المستنقع الحاضن للجراثيم: ردم مستنقع المحاصصة، وإقامة حكومة إنقاذ وطنية مؤقتة تمهيدا لإجراء انتخابات نزيهة بإشراف دولي، وإعادة كتابة الدستور الذي يحفظ للعراق سيادته وكرامته، وفتح ملفات الفساد والسرقات الخرافية، وعدم السماح للمشبوهين بمغادرة العراق بغية محاكمتهم لإيقاع العقاب اللائق بجرائمهم واستعادة ما سرقوه...

         هذا ما يجري على أرض العراق من تأمر على الشعب والوطن، أمام أنظار كل العالم ولكن عتبي على الدول العربية، التي باعت العراق بل ساهمت في احتلاله، وكأنهم لم يكتووا بحقد إيران!

         ويبقى السؤال المحير: لماذا تقف الدول العربية صامتة إزاء ما يجري في العراق؟ لماذا لا تقف صراحة وعلنا في وجه كل هذا الإرهاب الإيراني المباشر وما تخطط له من جرائم؟ لماذا لا تنصر الشعب العراقي وتدعم انتفاضته الوطنية العربية؟

           هل تنتظر الدول العربية حتى تنفذ إيران مخططها الإجرامي فعلا وتذبح شعب العراق، ثم تكتفي بالإدانة بعد ذلك؟ الجواب متروك للإيام وسيجب عنه شباب العرق قريبا ان شاء الله، وما النصر الا صبر ساعة.

    د . ناجي خليفه الدهان: دكتوراه علوم سياسية / علاقات دولية، باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية.

  • دراسة علمية محكّمة (12): الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية 2011-2018

    تهدف الدراسة إلى التعرف إلى الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتطورات على الجبهة الشمالية. فمع اندلاع الأزمة السورية وجدت "إسرائيل" نفسها أمام واقع استراتيجي جديد، فرض عليها تحديات أمنية جديدة، ووضعها أمام متطلبات عملية لتحسين وضعها الاستراتيجي؛ خصوصاً مع دخول لاعبين دوليين وإقليميين على مسرح الأحداث، مما أدى إلى وجود حالة صراع إرادات من كافة الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، في محاولة لحصد المكاسب، ولا يغيب ذلك عن أعين القيادة الإسرائيلية التي حاولت توظيف كافة الإمكانات والعلاقات للحصول على بعض المكاسب، أو على الأقل منع تأثيرات الواقع الجديد على الأمن القومي الإسرائيلي؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتموضع الاستراتيجي لإيران وحزب الله في سورية.

    وتحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية من خلال:

    1. رصد تطورات الأزمة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي الإسرائيلي.

    2. تناول الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتهديدات في الساحة السورية.

    3. إماطة اللثام عن الطريقة التي أدارت "إسرائيل" العلاقات مع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.

    وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الاستراتيجية الإسرائيلية واجهت عقبات عدة، بسبب إما محدودية القدرات الإسرائيلية في التعامل مع الأزمة، أو بسبب طبيعة العلاقة والمصالح والتشابكات التي نشأت فيما بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. كما أن هناك حالة عدم يقين حول ما يمكن أن تكون تل أبيب قد حققته في الحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في سورية، سواء في منع أو إفشال التموضع العسكري هناك أم في منع وصول الأسلحة النوعية إلى مخازن حزب الله في لبنان

  • سورية..... مواجهة من نوعٍ آخر

    المركز السوري سيرز - د. سامر عبد الهادي علي

    13 حزيران 2020

     منذ تدخل روسيا العسكري في سورية نهاية أيلول/ سبتمبر 2015 حتى اليوم كانت سورية ساحة اللعب الرئيسية للقيصر الروسي "فلاديمير بوتين"، سياسياً من خلال الإمساك بخيوط القرار السياسي للنظام السوري، والتفاوض بدلاً عنه في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة، واتخاذ القرارات الداخلية والخارجية، وكذلك عسكرياً من خلال قيادة عمليات ميليشيات النظام ومرتزقته في المعارك ضد الشعب السوري وقواه الثورية. واستطاعت روسيا فرض إرادتها السياسية والعسكرية في الملف السوري إلى حدٍّ بعيد رغم مواجهتها لمعارضة تركيّة منعتها من الوصول لأهدافها بالسيطرة على ما تبقى من ريفي حماة وإدلب، وإصرار أمريكي على البقاء في شرق وشمال شرق سورية، حيث الموارد النفطية الرئيسية في البلاد، وخزان الزراعات الاستراتيجية فيها.

    ولم يدع قيصر روسيا محفلاً إلا وأظهر فيه عنجهيته السياسية والعسكرية، وتفوقه في سورية على بقية اللاعبين في هذه الساحة الدموية. إلا أنّ روسيا "الغبيّة تاريخياً" في دعم الطغاة والمستبدين لم تتعلم من دروس الماضي حيث سقط كل الطغاة الذين دعمتهم على شاكلة النظام السوري، وخسرت بسقوطهم سنوات من الدعم بأشكاله المختلفة، ولم تجنِ سوى الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي أدّت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 انهياراً مدوّياً.

      واليوم.... وصلت روسيا في سورية إلى نهاية الطريق ذاته الذي سلكته سابقاً، فبالرغم من الدعم اللامحدود الذي قدّمته للنظام السوري لإعادة بسط سيطرته العسكرية على البلاد، وإعادة تعويمه سياسياً في الداخل والخارج إلا أنها فشلت في ذلك تماماً، فهي لم تستطع إعادة بسط سيطرة النظام على أهم مناطق سورية الاقتصادية والاستراتيجية من جهة، كما لم تستطع إعادة جزءاً من سمعته السياسية على المستوى الخارجي، وبقي منبوذاً عربياً وإقليمياً ودولياً.

     كانت روسيا تعتقد أنّ النظام السوري سيكون أكثر قوةً وشرعيةً فيما إذا تمكّن من السيطرة وإعادة التحكم بالبلاد أو بأجزاء واسعة منها، هذا الاعتقاد فشل هو الآخر بعد أن أصبحت المناطق الخاضعة له الأكثر فقراً ومعاناةً، لتزداد الأوضاع سوءاً مع الانهيار المتسارع للعملة السورية، رافقها غلاء غير مسبوق في المعيشة، ما جعل الحاضنة الشعبية له تعيش حالة غير مسبوقة من التذمر والغليان نتيجة فشل حكومة النظام في إيجاد حلول مرضية توقف التدهور الحاصل على الأصعدة كافة.

     بالرغم من كل ذلك..... إلا أنّ ما لم تتوقعه روسيا وقيصرها بوتين أن تكون الضربة الأقسى لأطماعه ومشروعه التوسعي في سورية من خلال قانون أمريكي "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات غير مسبوقة على النظام السوري برجالاته ومؤسساته وجميع داعميه "أفراد ومؤسسات ودول" في مقدمتها روسيا وإيران.

       نعم..... قانون قيصر الذي عملت عليه نخبة من السوريين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع مؤسسات أمريكية ذات صلة بعد أن قام "قيصر" السوري بتسليم الولايات المتحدة عشرات آلاف الصور لسوريين معتقلين قتلهم النظام بأبشع الطرق والوسائل التي لم يعرف التاريخ الحديث والمعاصر مثيلاً لها.

     هذا القانون هو التحرك السياسي والحقوقي والإنساني الأهم منذ عام 2011 حتى اليوم، بما يخص الملف السوري والصراع مع النظام وداعميه، وقد بدأت آثاره بالظهور سريعاً مع اقتراب موعد دخول حزمة العقوبات الأولى حيّز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو الجاري، فبدأ الصراع داخل الدائرة الضيقة للنظام من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الأموال المنهوبة مع استشعار رجالات النظام لخطر قيصر من جهة، وإرضاءً لحلفاء جمعهم الهدف وفرّقتهم المصالح "روسيا وإيران".

     الخلاف الأهم ما ظهر للعلن مؤخراً بين أقوى شخصية اقتصادية ومالية في النظام "رامي مخلوف" مع رأس النظام "بشار الأسد وزوجته". هذا الخلاف انعكس على الحاضنة المؤيدة للنظام، حيث بدأ التصدع والخلاف بينها، بين مؤيد للأسد وآخر لمخلوف، وهو ما لم يحصل طوال تسعة أعوام من الثورة.

     نعم..... نحن اليوم أمام مواجهة من نوعٍ آخر بين قيصر روسيا الذي استشعر الخطر الحقيقي، وقيصر سورية الذي شكّل ضربة غير متوقعة لروسيا والنظام وجميع داعميه. مواجهة بدأتها روسيا بمقاربة جديدة في تعاملها مع الملف السوري، بحيث تسعى لتلافي السقوط غير المحسوب للنظام، وبالتالي سقوط جميع أحلامها ومطامعها ومصالحها في سورية وخارجها، وهي اليوم أمام خيارين، الأول: استمرار دعمها غير المجدي للنظام السوري المتهالك، ما يعني خسارة محتّمة لها ما بعد قيصر القانون. والثاني: أن تقود روسيا بنفسها وضمن تفاهمات إقليمية مع تركيا، ودولية مع الولايات المتحدة الأمريكية، عملية إنهاء حكم الأسد الهزيل، وقيادة مرحلة انتقالية يجري فيها تجميع حكومة ائتلافية ما، أو مجلس عسكري- مدني يوقف في النهاية تطبيق قانون قيصر وتبعاته على مصالحها في سورية، وهو الاحتمال الأقرب للواقع. لذلك يأتي تعيين سفير روسيا في سورية "ألكسندر يفيموف" ممثلاً رئاسياً لبوتين في سورية في 25 أيار/ مايو الماضي أولى الخطوات الروسية في هذا الطريق، ما يعني أنّ سورية "الأسد" أصبحت تحت الانتداب الروسي المباشر، والمفاوض على حاضر ومستقبل سورية.

     وبين قيصر روسيا وقيصر سورية "الأمريكي" تبقى سورية الدولة والوطن، ويبقى الشعب السوري بأطيافه كافة الخاسر الأول والأخير في جميع المواجهات السابقة، وهذه المواجهة اليوم.

  • سياسة الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية

    أحمد عبد القادر*

    مقدمة

    مع بداية ثورات الربيع العربي ازداد التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، مما شكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، فسعت الأخيرة إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال مجموعة من الإجراءات منها تجديد العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني في عام 2018م مروراً بالغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سورية ثم اغتيال قاسم سليماني " قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني " في 3 يناير 2020م، لاحقاً ردت إيران بقصف صاروخي لقاعدة " عين الأسد" الأمريكية في 8 يناير 2020م.

    فإلى أي مدى يمكن أن يشكل ازدياد النفوذ الإيراني خطراً على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

    وماهي الوسائل المحتملة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية؟

    أولاً: التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط:

    تقع إيران ضمن قائمة الأنظمة المارقة - حسب الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الأمريكية لعام 2018م- التي تهديد مصالح الولايات المتحدة على المستوى الدولي والمستوى الإقليمي بشكل خاص، ويظهر ذلك من خلال سعيها المستمر للحصول على السلاح النووي والتي ترى فيه الولايات المتحدة خطراً وجودياً على إسرائيل حليفها الاستراتيجي، وكذلك من خلال دعمها الواضح والكبير لجماعات تصنفها الولايات المتحدة " منظمات إرهابية" ، وتطويرها لمنظومة صواريخ بعيدة المدى، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فضلاً عن بسط نفوذها الكامل في دول أخرى[1]. يضاف إلى ذلك سعيها لبناء نظام أمني إقليمي تكون هي دولة المركز فيه وذلك لن يتأتى لها إلا من خلال مزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز" الذي يمر عبره ثلث الإنتاج النفط العالمي"[2]، وبناءها تحالف مع روسيا الاتحادية المنافس التقليدي للولايات المتحدة، محاولة تصديرها لنظام" الولي الفقيه" تحت مسمى تصدير الثورة الإيرانية وهو نظام استبدادي لا يتفق مع المبادئ الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة.

    ثانياً: أدوات الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية عدد من الوسائل والأدوات التي من الممكن استخدامها في تقليص النفوذ الإيراني بدايةً من استخدام القوة العسكرية المباشرة وصولاً إلى استخدام العقوبات الاقتصادية مروراً بتوظيف الوسائل والأدوات الإقليمية والمحلية ومن هذه الأدوات:

    1. دعم فصائل الثورة السورية

      بدأ الدعم الأمريكي لفصائل الثورة السورية في عام 2013م بهدف إسقاط النظام السوري ومن خلفه النفوذ الإيراني من خلال غرفة تنسيق الدعم لقوات المعارضة" الموك" ومن أهم الفصائل التي تلقت الدعم الأمريكي "جبهة ثوار سورية، وحركة حزم" إلا أن الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة السورية قد توقف في عام2017م بعد فشلها في مواجهة تنظيمات تصنفها الولايات المتحدة" منظمات إرهابية".

    2. دعم تنظيم قوات سورية الديمقراطية" قسد"

      بدأت الولايات المتحدة في دعم قوات سورية الديمقراطية "قسد" مع بداية تشكيلها في عام 2015م بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تقديم الاستشارات العسكرية ،ثم من خلال التدريب وتقديم الأسلحة والذخائر والمشاركة بالعمليات الميدانية من خلال القصف الجوي، وكانت مشاركتها الأكبر في معركة عين العرب، وتعمل الولايات المتحدة على توظيف دعمها لهذه القوات للسيطرة على منطقة الجزيرة السورية والتي تمر فيها أغلب الطرق البرية بين سورية والعراق وبخاصة بعد سيطرتها على المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات بين الرقة ودير الزور، مانعةً بذلك إيران من السيطرة على هذه المنطقة.

    3. القواعد العسكرية

      • قاعدة التنف: تعتبر قاعدة التنف العسكرية من أهم القواعد الأمريكية في سورية وقد تم إنشاءها في العام 2014م، وكانت قد استخدمتها بداية إنشاءها لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ولاحقاً لتقليص النفوذ الإيراني من خلال سيطرتها على الطريق بين دمشق وبغداد، والذي تستخدمه الميليشيات التابعة لإيران كخط امداد رئيسي لقواتها المتواجدة في سورية[3]، وتعتمد هذه القاعدة على التواجد المباشر للقوات الأمريكية إضافة إلى بعض التشكيلات التابعة لقوات المعارضة السورية*. تاركةً القوات الإيرانية تستخدم طريق البو كمال -تدمر والذي يتعرض بشكل متكرر لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

      • قاعدة الرميلان: تم إنشاؤها في عام 2015م وتعتبر القاعدة المركزية في منطقة الجزيرة السورية وتحتوي على مهبط للطائرات[4]، وتشكل مع مجموعة من القواعد الأخرى* حزام حمائي للطريق الدولي M4على طول المناطق الممتدة من الحدود السورية العراقية عند معبر اليعربية وصولاً منبج في ريف حلب الشرقي، وبذلك تحرم الميليشيات الإيرانية من استخدام هذا الطريق الاستراتيجي.

    4. الغارات الجوية على المواقع العسكرية

      بدأ الطيران الأمريكي باستهداف الميليشيات التابعة لإيران في أوائل العام 2018م واستمر خلال العام 2019م، وتركز القصف في دير الزور حيث استهدفت الأرتال الإيرانية ومواقع القيادة والذخائر أكثر من مرة وازدادت هذه الهجمات بعد مقتل "قائد لواء القدس" قاسم سليماني بغارة أمريكية في العراق.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل أدوات تقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    1. استمرار الاعتماد على الأدوات السابقة: من خلال القواعد العسكرية المتواجدة في التنف ومنطقة الجزيرة السورية ، والحفاظ على مستوى دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن دعم هذه القوات قد يلقى معارضة شديدة من قبل تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو، وكذلك الحفاظ على مستوى الدعم المحدود لفصائل المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف والتي ليس بمقدورها تحقيق مهمات كبيرة في تقليص النفوذ الإيراني بسبب قلة عددها وطبيعة المنطقة التي تتواجد فيها، واستخدام الغارات الجوية بين الحين والأخر، وكل ذلك قد لا يسهم بشكل فعّال في تحقيق هدف تقليص النفوذ الإيراني.
    2. زيادة الاعتماد على الأدوات السابقة: وهو السيناريو المرجح، ويمكن للولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال زيادة دعم ونفوذ قواعدها العسكرية بهدف تحقيق السيطرة المطلقة على طرق امداد الميليشيات الإيرانية، أو من خلال زيادة دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن ذلك قد يواجه بموقف تركي رافض لهذا الدعم ، ويمكن كذلك زيادة الغارات الجوية والتركيز على استهداف قيادات في الميليشيات الإيرانية وحلفائها وهو ما ظهر في استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري في وتوسيع نفوذه في الدول العربية ، وزيادة دعم فصائل المعارضة وبخاصة بعد تقدم النظام وحلفائه في إدلب واحتمال فقدان المعارضة أخر معاقلها في ظل دفع إيران أعداد كبيرة من ميليشياتها إلى جبهات إدلب ، وبالتالي قد يكون زيادة دعم قوات المعارضة لمنع إيران من الاستفادة من هذا التقدم عن طريق دعم فصائل جديدة متواجدة في إدلب إضافةً إلى الفصائل الموجودة في قاعدة التنف.
    3. تقليص دعم الأدوات السابقة: يمكن للولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في سورية من خلال الحرب المباشرة مع ما يرافقها من تقليص دعم الأدوات السابقة ولكن يبقى هذا السيناريو مستبعداً بسبب التكلفة الباهظة العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب المباشرة، وكذلك حاجة الحرب إلى تأييد داخلي واستعداد شعبي لتحمل هذه التكاليف، فضلاً عن حشد التأييد الدولي وقد يزيد ذلك من حدة التنافس مع روسيا والصين.

    *طالب علوم سياسية في جامعة شام العالمية

    [1] ضرار الخضر، ملخص الاستراتيجية الدفاعية الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية2018، مركز نورس للدراسات،2019م.

    [2] بالخرائط: قراءة لواقع النفط في الشرق الأوسط، ن بوست، 23\12\2014م، http://bit.ly/2PWGXaA، أخر تحديث 7\3\2020م

    3] واشنطن بوست تكشف عن الأهمية الاستراتيجية لقاعدة التنف، أورينت نت، 24\10\2018، http://bit.ly/2vDGIKU، أخر تحديث 7\3\2020م

    *ومن أهم التشكيلات العسكرية لقوات المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف فصيل" مغاوير الثورة"

    [4] سوريا مكتظة بالقواعد الأجنبة .. تعرف عليها، الجزيرة نت، 1\3\2018م، http://bit.ly/3cFINGI، أخر تحديث 7\3\2020م

    *تل تمر، تل السمن، صباح الخير، حرب عشق

  • قراءة في تداعيات الأزمة الأمريكية الإيرانية على الوضع الفلسطيني

    تقديم

    شكًل اغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، حيزًا لتفاعلاتٍ واسعة في المنطقة، حيث بدت عملية الاغتيال كنقطة تحول، أو عتبة فارقة، فيما يتعلق بالعديد من مسارات الصراع، والأطراف المنخرطة فيه، بما فيها الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وذلك بشكل ربما فاق التأثيرات المباشرة للأزمة على طرفيها المباشرين، الولايات المتحدة وإيران.

    ومما يسهم في دعم قراءة التفاعلات الناجمة عن هذه العملية بهذا الاتجاه، إرهاصات عملية الاغتيال، والتداخل المباشر لدولة الاحتلال في هذه الأزمة، وتداخل مختلف المسارات والملفات في هذه المنطقة. فإعلان الجيش الأمريكي مسؤوليته عن تنفيذ الاغتيال في بيان رسمي[1]، وما قابله من مواقف صدرت عن الجهات المسؤولة في إيران، والقوى المتحالفة معها [2]، تؤكد التفاعلات المحتملة في المنطقة.

    وهذا أيضا ما عبرت عنه تصريحات المسؤولين الأمريكيين إثر عملية الاغتيال. ولعل أبرزها تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مايك إسبر، بحديثه عن قواعد جديدة للصراع، وقوله إن “قواعد اللعبة تغيرت. نحن على أتم الاستعداد لفعل ما هو ضروري للدفاع عن عناصرنا، ومصالحنا، وشركائنا في المنطقة”.

    الموقف الإيراني أيضا، أعطى الحدث بُعدًا استراتيجيًا، وذلك بتبني المسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم، لهدف إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كعنوان للمرحلة الجديدة[3]، إلى جانب تأكيدهم، وعلى لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، على ضرورة حدوث رد إيراني مباشر، وبأيدٍ إيرانية، الأمر الذي يعني بوضوح، تجاوز ضوابط الاشتباك غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران.

    محدودية الرد الإيراني المباشر[4]، الذي اقتصر على تنفيذ هجمات بالصواريخ البالستية متوسطة المدى، على المقرات الأمريكية في قاعدة عين الأسد العسكرية في العراق، وامتناع الولايات المتحدة عن التصعيد، سمح للطرفين بتفادي الدخول في مواجهة عسكرية واسعة النطاق حاليا، ويبقى الباب مفتوحا لزيادة التصعيد وزيادة التأزم بين إيران والولايات المتحدة، وانعكاس ذلك على المشهد الفلسطيني.

    عوامل تأثير الأزمة في الوضع الفلسطيني

    يعتبر سليماني، كقائد لقوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، عنوانًا مركزيًا لسياسة إيران تجاه الملف الفلسطيني. وكان للرجل دور أساس في خلق نقلة نوعية في تطوير العلاقة مع قوى المقاومة، التي تنسب له أدوارًا هامة في دعمها، وتطوير قدراتها.[5]

    هذه الأدوار وضعته في موضع اتهام من قبل “إسرائيل”، وجهات غربية عدة، أبرزها الولايات المتحدة، التي اعتبرته مصدر تهديدٍ لمصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة. وقد كان أبرزها الاتهام الإسرائيلي له بالمسؤولية المباشرة عن تدريب خلية خططت لهجوم على “إسرائيل” بالطائرات المسيرة، وتوجيهها وقيادتها انطلاقا من سوريا في آب/ أغسطس الماضي[6]، وهو ما يعني مزيدًا من التماس بين الرجل وحدود الأمن الإسرائيلي، ومزيدًا من التواصل مع الساحة الفلسطينية، ودعم فصائل المقاومة فيها، وإمدادها العسكري، الحيوي بالنسبة لوجودها، وقدرتها على الاستمرار.

    شكّل اغتيال سليماني نقلة نوعية في سياق الصراع بين القوى المعادية لإسرائيل في فلسطين والمنطقة، وبين “إسرائيل” وحلفائها. فقد تمت عملية اغتيال سليماني بذات التقنية والأسلوب المتبع من قبل “إسرائيل”، على مدار العقدين الأخيرين في فلسطين ولبنان. كما أن الاغتيال شكل ضربة مباشرة لجملة القوى المعادية لـ “إسرائيل” إقليميًا، إلا أن الأخيرة لم تكن ملزمة بدفع الثمن، وما كان عليها إلا أن تعبر عن سعادتها، والتأكيد على كون العملية أمريكية خالصة.

    لا يخفى أن المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، تبلور لديها تصور أمني استراتيجي، يرتكز على وجود درجة عالية من الصلة والتداخل بين ساحات المواجهة، بما يتجاوز حدود فلسطين المحتلة ودول الطوق. يبرز هذا التوجه من خلال توسع  الحيز العملياتي لنشاطها العسكري في المنطقة، بما يجعلها ترى في عملها ضد إيران، أو الحشد الشعبي العراقي، جزءًا من مساعيها لقطع خطوط الإمداد عن فصائل المقاومة الفلسطينية، وحزب الله اللبناني.

    وفي إطار سعيها لتسويق هذا التداخل في ميدان العمليات، وتأكيد المصالح بينها وبين الولايات المتحدة، وحلفائها العرب في المنطقة، لم تدَّخر “إسرائيل”جهدًا في الإعلان عن المواجهة مع إيران، والقوى المتحالفة معها، وذلك على غرار إعلانها عن إفشالها لعملية قادها سليماني بشكل مباشر، وإعلانها عن غاراتها على أهداف تابعة للحشد الشعبي العراقي في تشرين أول/ أكتوبر 2019، أو في منطقة البوكمال[7]. يأتي هذا الفعل الميداني إلى جانب رسائل واضحة، سعت “إسرائيل” من خلالها لتثبيت سردية جديدة، وذلك عبر تصريحات رئيس أركان جيشها، التي أعلن فيها عن توقع مواجهة قريبة مع إيران، وأكد على نية جيشه العمل ضد عمليات نقل السلاح الإيراني إلى العراق، معتبرًا ذلك تهديدًا للأمن الإسرائيلي.[8]

    ولأسباب قد يطول سردها، لا يمكن اعتبار القرار الأمريكي بتنفيذ الاغتيال، انصياعًا لرغبة ومصلحة إسرائيلية، لكنه يأتي مكملًا للهجمات الإسرائيلية، حيث استهدفت “إسرائيل” الحشد الشعبي العراقي أولًا، ثم تبعتها الغارات الأمريكية على مواقع الحشد الشعبي. ولكن بخلاف الغارات الإسرائيلية التي مرت دون رد،  فتحت الغارة الأمريكية الباب لرد عراقي، تمثل في محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد، وتهديد فصائل الحشد بإخراج القوات الأمريكية من العراق، حتى وصلت ذروة الأزمة إلى اغتيال سليماني.

    تمارس كل من الولايات المتحدة وإيران، سياساتٍ نشطة تجاه الملف الفلسطيني، لا تقتصر على دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، وسياساتها ضد الفلسطينيين، ولا على الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية، فكل من الطرفين ذو صلة بالاصطفافات الفلسطينية منذ انطلاق عملية التسوية في مؤتمر مدريد عام 1991، حيث إن الولايات المتحدة هي راعي عملية التسوية، فيما تمثل إيران واحدة من أشد دول الإقليم معارضة لهذا الخيار، لا سيما في الفترة اللاحقة لاتفاق أوسلو، وتوافقت، هي والعديد من حلفائها، مع القوى والفصائل الفلسطينية المعارضة لهذا الخيار.

    بعد قيام الولايات المتحدة، وبشكل وثيق، بعملية إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهندسة عقيدتها وفقا لمتطلبات التنسيق الأمني مع الاحتلال، خاصة بعد مؤتمر أنابوليس عام 2007 [9]، جعل منها طرفًا في كل حدث فلسطيني، ومنحها بشكل مباشر، ومن خلال جنرالاتها المنتدبين، مهمة الإشراف على التنسيق الأمني بين الطرفين. وفي المقابل، كانت إيران، حسب الفصائل الفلسطينية، حاضرة في تعزيز الخيار المضاد للسياسات الأمريكية بشأن الفلسطينيين.

    وهنا يمكن الإشارة أيضا، إلى اتهام إيران من قبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح، بمسؤوليتها عن عرقلة اتفاقيات التسوية، ودورها في استمرار الانقسام الفلسطيني، وهي اتهامات تزايدت منذ دعم إيران للحكومة التي شكلتها حركة حماس عام 2006، مقابل عمل الإدارة الأمريكية، والرباعية الدولية، على عزلها ومقاطعتها.[10]

    إقليميًا، شكلت الثورة الإيرانية منذ قيامها، هاجسًا كبيرًا للأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة، التي لم تألُ جهدًا في تضخيم هذا الهاجس. وبدا هذا واضحًا في اعتبار تعامل أي طرف، أو مجموعة عربية، مع إيران، كاختراق للمجال العربي والنفوذ الأمريكي، أو كطابور خامس. وبالطبع، تشمل هذه النظرة، علاقة فصائل المقاومة الفلسطينية مع إيران، وكثيرا ما ضغطت هذه الدول على فصائل المقاومة، بهدف دفعها لقطع هذه العلاقة.[11]

    اتسعت دائرة العداء لإيران، فما كان يقتصر غالبا على النظم العربية ونخبها، تحول ليشمل قطاعًا واسعًا من الجمهور العربي. فمنذ بدايات الربيع العربي، وتحديدًا بعد اندلاع الثورة السورية، وتدخّل إيران عسكريا في سوريا بشكل مباشر، ومن خلال حلفائها، وأبرزهم حزب الله اللبناني، تأثرت العلاقة بين حركة حماس من جهة، وإيران من جهة ثانية، وذلك بفعل الخلاف حول الأزمة السورية، وخروج حركة حماس من سوريا.

    من الطبيعي أن تكون هذه التعقيدات المرتبطة بالموقف العربي من إيران، حاضرة في الأزمة الحالية، وأن تزيد التعقيدات أمام فصائل المقاومة الفلسطينية، فيما يخص علاقتها مع إيران، وما يمليه التقاطع معها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

    الأزمة كمدخل لاستعادة الاصطفافات

    شكلت عملية الاغتيال والتفاعلات التالية لها، بيئة مناسبة لتظهير مجموعة من المواقف، والإزاحات في المواقف والتحالفات السياسية، أنضجتها عوامل وتراكمات سابقة على الأزمة. كما أفصحت عملية الاغتيال عن درجة كبيرة من التداخل بين ملفات المنطقة، ومواقف الأطراف المختلفة فيها، وفي مقدمتها الموقف من الوجود الأمريكي في المنطقة، الذي يسعى إلى أهداف عديدة، منها دعم دولة الاحتلال، والشراكة معها. لقد جاء موقف فصائل المقاومة الفلسطينية، المتضامن مع إيران ضد عملية الاغتيال، وكذلك إعلان إيران نيتها العمل على إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كتظهير للضرورات والدوافع الذاتية، المحفزة لكل من هذه الأطراف، على العمل المشترك في مواجهة التحالف الإسرائيلي الأمريكي. ورغم أن العلاقة لم تنقطع بين إيران وفصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، حتى في ذروة الأزمة السورية، والخلاف حول الموقف منها، فقد شهدت هذه العلاقة تطورًا مضطردًا خلال الأعوام الأخيرة، باتجاه استعادة هذه العلاقة لعافيتها. في هذا السياق، جاءت عملية الاغتيال، باعتبارها عدوانًا خارجيًا استهدف شخصية إيرانية رسمية، وذات صلة وثيقة بدعم المقاومة الفلسطينية، لتدفع الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، لإظهار درجة عالية من التضامن مع إيران، فاق في تعبيراته التضامن الذي بلغ ذروته في سنواتٍ سابقة بين الطرفين[12]، وعلى نحو يوحي بإمكانية المزيد من التكامل بين إيران وحلفائها من جهة، وبين قوى المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وما يعنيه ذلك من ضغط على المحور الإسرائيلي الأمريكي، ومخططاته في المنطقة.

    وإذا كانت الدول التي تربطها علاقات إيجابية مع حركة حماس، قد أظهرت مواقف تضامنية مع إيران، وهي تواجه أزماتٍ أخرى مع المحور الإماراتي السعودي المصري، المتقارب مع “إسرائيل”، فإن ذلك يُظهر اتجاه المواقف الإقليمية، لإعادة الاصطفاف على شكل محاور تتجانس مواقف أطرافها بشأن معظم قضايا المنطقة، بما فيها الموقف من القوى الفلسطينية، والقضية الفلسطينية، ومحاولات تصفيتها من خلال ما يسمى بـ “صفقة القرن”.

    تداعيات الأزمة على الوضع الفلسطيني

    1- انخراط “إسرائيل” في الحدث

    إثر عملية الاغتيال، شدد نتانياهو على المسؤولين الإسرائيليين، بعدم الإدلاء بأي تصريح يتعلق باغتيال سليماني. أما على الأرض، فقد وضعت “إسرائيل” قواتها في الجولان السوري المحتل، في حالة التأهب، خوفًا من أن تطالها ردود فعل، خاصة في ضوء ما أشار إليه الحرس الثوري الإيراني، من إمكانية استهداف “إسرائيل”، في حال قيام الولايات المتحدة بأي عمل عسكري، بعد القصف الإيراني لقاعدة عين الأسد. من الواضح أن الإجراء الإسرائيلي، يدل على إدراك “إسرائيل” لمدى تداخلها مع الحدث، لا كحليف للولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضا كجزء من المصالح الأمريكية المرشحة للاستهداف في ضوء التصعيد الأخير، وإمكانية عمل إيران ضد المصالح الأمريكية. هذا الإدراك الذي يعني إمكانية الانخراط في معركة شاملة ومتعددة الساحات، أظهره قيام “إسرائيل” بعدوان جديد، من خلال غارة نفذتها على منطقة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، بعد عملية الاغتيال.

     2- تصعيد عربي ضد فصائل المقاومة الفلسطينية

    رأت العديد من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، أن اغتيال سليماني يأتي في سياق صراعها مع إيران، وأنه يفعّل دورًا كانت الولايات المتحدة تطالب بالقيام به في مواجهة إيران. وفي المقابل، اعتبرت هذه الدول، موقف فصائل المقاومة الفلسطينية، انحيازًا لإيران، وقابلته بحملات تحريض شنتها وسائل إعلام وجهات مقربة منها[13]. فيما تحدثت مصادر إعلامية عن توجه مصري بضغوط سعودية، لإغلاق معبر رفح، ووقف أي تسهيلات كانت مصر قد قدمتها لحركة حماس وقطاع غزة مؤخرا، في إطار تفاهمات التهدئة مع “إسرائيل”[14]. يأتي ذلك في ظل توجه السياسة السعودية، نحو التضييق على حركة حماس ومقاطعتها، بما في ذلك من اعتقالات واسعة لفلسطينيين مقيمين على أراضيها، بتهمة العلاقة مع الحركة.

    3- جدل واسع حول العلاقة مع إيران

    أثار الموقف التضامني مع إيران، الذي اتخذته فصائل المقاومة الفلسطينية، ردود فعل متباينة، لدى الجمهور والنخب العربية المتعاطفة مع الربيع العربي. فبينما بدت نبرة احتجاجية حادة في خطاب المحسوبين على المعارضة السورية، والمؤيدين لها، وتجاوزت بعض أقلامها حدود الغضب من موقف الفصائل الفلسطينية، إلى نوع من الترويج المعلَن والمبطن، لمواقف تدعو للتطبيع مع “إسرائيل”، نكاية في موقف الفصائل، أو في إطار رؤية تعتبر ذلك مصلحة لقوى الثورة، والمعارضة السورية، وجمهورها، فإنه يُلحظ أن مركز النقاش كان في موضع آخر، حيث يمكن تسجيل جملة من التطورات الهامة في هذا الجانب، أبرزها تراجع مساحة المواقف المعارِضة لتقارب الفصائل الفلسطينية مع إيران، باستثناء مواقف الأوساط السورية. لقد أظهرت قطاعات واسعة من الجمهور العربي، تفهمًا لضرورات هذه العلاقة بالنسبة للفصائل الفلسطينية[15]، في ظل تراجع دور الخطاب الطائفي في هذا الجدل. أما داخليًا، فقد أظهرت قواعد حركة حماس، تفهمًا أكبر لموقف حركتهم، وانخراط العديد منهم في الدفاع عنه، وإدانة الهجوم على الحركة. لقد بدا هذا السلوك الجمعي على نقيض الجدل الحاد، والاستقطابات التي كانت تثيرها مثل هذه المواقف في أوساط الجمهور الفلسطيني، وجمهور حركة حماس، خاصة خلال الأعوام الماضية، حيث دار جزء أساسي من الجدل، حول حدود العلاقة مع إيران، وضوابطها، وليس حول وجود هذه العلاقة بحد ذاته، وذلك باستثناء المواقف التي تتبنى مواقف الأنظمة العربية، أو مواقف ذات بعد طائفي، صادرة عن جهات ذات توجهات عقائدية محددة، اعتادت بناء مواقفها وخطابها في إطار هذه التوجهات.

    الفرص والتحديات المرتبطة بالأزمة

    1- تزايد التهديدات على دولة الاحتلال

    يبدو أن تبلور موقف واضح لدى إيران وحلفائها الإقليميين، بشأن إخراج الأمريكيين من المنطقة، وإمكانيات انخراط حلفائها في مواجهات متعددة الساحات مع القوات الأمريكية، والدول الحليفة لها[16]، يرفع أكثر من أي وقت مضى، إمكانية توسع رقعة المواجهة المستقبلية مع الأمريكيين، لتصل إلى حدود فلسطين المحتلة، وتطال دولة الاحتلال، خاصة في ظل تزايد التدخل الإسرائيلي في الساحات الإقليمية، سواء عبر القصف المباشر، كما هو الحال في العراق وسوريا، أو عبر دعم الخصوم وإسنادهم، كما هو الحال في ملفات إقليمية أخرى.

    وإلى جانب إمكانية دخول قوى إقليمية جديدة في الصراع المباشر مع “إسرائيل”، فإن إضعاف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، أو اهتزاز مظاهر الهيمنة الأمريكية عليها، من شأنه إلحاق ضرر كبير بالغطاء الذي تمنحه الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، عسكريا وسياسيا، وزيادة قدرة الفلسطينيين على مواجهتها. كما أن التقارب بين قوى المقاومة في المنطقة وإيران، يشير إلى إمكانية تشكل جبهة موحدة، تحظى بتأييد جماهيري من عدة تيارات وشرائح، تستطيع تعطيل محاولات فرض صفقة القرن التصفوية على الفلسطينيين.

    لكن في المقابل، قد تتجه الأمور نحو سياقات سلبية، مثل احتمال تعرض الفصائل الفلسطينية للاستهداف من عدة أطراف، أو انشغال إيران عن الملف الفلسطيني، أو انشغال دول الإقليم والمجتمع الدولي بملفات أخرى، مما يمنح “إسرائيل” الفرصة لمزيد من التغول على الفلسطينيين.

    2- تزايد احتمالات التقارب العربي مع دولة الاحتلال

    تسعى العديد من الأنظمة العربية، إلى التقارب مع دولة الاحتلال. وإزاء تزايد احتمالات المواجهة مع إيران، فإن هذه الدول، ترى في “إسرائيل” حليفًا محتملًا يمكن التقاطع معه في مواجهة إيران، لا سيما أن ذلك يلبي رغبة أمريكية، ويتقاطع مع مساعيها لفرض تسوية بين الدول العربية و”إسرائيل”، تتجاوز الحقوق الفلسطينية، وتصفي القضية الفلسطينية، وتنهي المواقف المعادية لـ “إسرائيل”، والسياسات الأمريكية في المنطقة. وإذا كان العنوان السياسي الشائع لهذه التوجهات هو “صفقة القرن”، فإن الرؤية الأمريكية ترتكز في جوهرها، على تأسيس “ناتو” شرق أوسطي يضم “إسرائيل” والدول العربية[17]، حيث يبدو أن احتمالات المواجهة مع إيران، ورغبة هذه الدول في الحصول على الحماية الأمريكية، أو على الدعم السياسي الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يلعب دورًا في مضي عدة دول عربية، بهذا الاتجاه.

    3- انسجام الرؤية الأمنية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”

    أفصحت مجريات المواجهة الحالية، وما سبقها، عن أن انزياح الموقف الأمريكي المتطابق مع الرؤية الإسرائيلية من الناحية السياسية، بات يصاحبه انزياح مماثل في الرؤية الأمنية الأمريكية للمنطقة، بما في ذلك التناغم مع التقدير الإسرائيلي لمصادر التهديد، وآليات العمل ضدها. وقد عبّر اغتيال سليماني، كما الغارات الأمريكية على الحشد الشعبي العراقي، عن انتقال هذا التناغم في الرؤى والتقديرات، إلى حيز الإجراءات التنفيذية والعملياتية، بكل ما يعنيه ذلك من انفتاح للاحتمالات على انخراط أمريكي مباشر، في استهداف فصائل المقاومة الفلسطينية بأشكال متعددة، قد تشمل حتى الاستهداف العسكري أو الأمني، بما يتجاوز أي حدود سابقة لإجراءات أمريكية من هذا النوع.

    من جانب آخر، فإن محدودية الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني، وعلى الغارات الإسرائيلية المتكررة في سوريا والعراق، يفتح “شهية” الولايات المتحدة و”إسرائيل”، لمزيد من عمليات التصفية المحتملة، وعلى امتداد رقعة المنطقة، بما يطال شخصيات فلسطينية كانت تعتبر محصنة رمزيًا أو سياسيًا، أو محصنة بسبب إقامتها في بعض البلدان، وذلك في ضوء تعبير الولايات المتحدة، ومن قبلها “إسرائيل”، عن نيتها استئناف عمليات اغتيال، مماثلة لعملية اغتيال سليماني.

    4- إشكالية التحولات الإيرانية الداخلية

    لا شك أن تطوير فصائل المقاومة الفلسطينية لعلاقتها مع إيران، يوفر لها فرصًا للحصول على مزيد من الدعم والمساندة، من حليف قوي وحاضر في العديد من ساحات المنطقة. لكن ذلك يبقى مرهونًا بما تستطيع إيران تقديمه في هذه المرحلة، في ضوء الحصار الخانق الذي تعاني منه، والتغيرات في بناها الداخلية، وطبيعة الأولويات التي تتبناها القوى الصاعدة داخلها. فقد أظهرت المواجهة الأخيرة، استقطاباتٍ إيرانية داخلية حول الأولويات، وحدود المواجهة الممكنة مع الولايات المتحدة، وآليات هذه المواجهة، وهو أمر فاقمته مأساة إسقاط الطائرة الأوكرانية، وما خلقه ذلك من سخط شعبي داخلي، وحرج دولي لإيران.[18]

    5- الانقسام الفلسطيني بين التجاذبات والتحالفات

    أظهرت سنوات الانقسام الفلسطيني، تأثير الأحداث الإقليمية على العلاقة بين أطراف المشهد الفلسطيني. ففي ضوء التصعيد المحتمل للتجاذبات الإقليمية، حول الموقف من السياسات الأمريكية في المنطقة، فإن الحالة الفلسطينية تبدو مرشحة لمزيد من التجاذب، واستعادة الجدل حول الموقف من محاور الإقليم، وما يلحق ذلك من تبعات واستحقاقات.

    وفي ضوء احتمال عودة أطراف إقليمية ودولية، أبرزها الولايات المتحدة، للاستثمار في العلاقة مع السلطة الفلسطينية في مواجهة حركة حماس، وعلاقتها المتقدمة مع إيران، فإن ذلك قد يعني انفتاح الساحة الفلسطينية على ترتيبات جديدة ومختلفة.

    المسارات الأساسية المحتملة

    1- تجاوز الأزمة وتداعياتها

    في ظل وجود مصلحة لمختلف الأطراف في تفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة، وفي ظل وجود رغبة أمريكية وإيرانية بالتفاوض، وفقا لشروط معينة يرغبها كل من الطرفين، فإن هناك فرصة حقيقية لتجاوز الأزمة، والحد من تداعياتها على المنطقة، وهو ما يعني انحسار الكثير من تأثيرات الحدث، وتداعياته على المشهد الفلسطيني الداخلي، أو على مستوى الصراع مع الاحتلال، والعلاقات الناجزة مع بعض الدول العربية، مثل مصر، التي ترتبط سياساتها تجاه الملف الفلسطيني عامة، وقوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خاصة، برؤية خاصة بمصالحها، ورغبة في تعزيز دورها، من خلال إدارتها لعدد من الملفات المهمة، الخاصة بقطاع غزة.

    2- انعكاسات سلبية على الوضع الفلسطيني

    قد تسفر هذه الأزمة عن إلحاق مزيد من الضرر بالوضع الفلسطيني، وذلك بناء على انحيازات حادة محتملة من دول عربية مركزية ضدهم، أو بسبب حدوث اشتباك مباشر بين دول عربية وإيران، حيث إن هذا يعني أعباءً وضغوطًا إضافية، سيتحمل الفلسطينيون نصيبهم منها. يترافق مع هذا السيناريو، ازدياد التأهب الأمريكي لمزيد من العمل على تصفية الحقوق الفلسطينية، والاستعداد لضرب قدرات المقاومة الفلسطينية، من خلال إلحاق ضرر بخطوط إمداد المقاومة الفلسطينية، كما بحلفائها، ومنهم إيران. هذا إلى جانب مخاطر الانشغال الدولي والإقليمي، التي تتيح لـ “إسرائيل” مزيدًا من التغول ضد الفلسطينيين.

    3- انعكاسات إيجابية

    في الغالب، تخلق المواجهة مع القوى الغربية في المنطقة، أجواء من التوحد والتضامن بين شعوبها. وإذا ما تم تجاوز صعوبات المرحلة السابقة، المرتبطة بالاستقطاب الطائفي والصراعات الداخلية، فقد يشكل إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، هدفًا تلتقي عنده العديد من القوى والتيارات الجماهيرية، خاصة إذا ما ترافق مع ذلك تشكيل ضغط حقيقي على أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني تعطيلًا جزئيًا، أو كليًا، لقدرة الاحتلال على المبادرة، وزيادة قدرة الفلسطينيين على المواجهة.

    خلاصة

    من المؤكد أن دخول إيران وحلفائها في مفاوضات “مسلحة” مع الأمريكيين، دفاعًا عن نظامها السياسي ودورها الإقليمي، يشكل فرصة للفلسطينيين، قد تفوق ما تحمله من المخاطر التي وردت ضمن المسارات المحتملة أعلاه.

    ومع ذلك، يبدو أن سيناريو التداعيات السلبية للأزمة على الوضع الفلسطيني، هو السيناريو الأقوى، وذلك  لتوفر عناصره في المشهد الفلسطيني المأزوم، وفي المحيط العربي، وخاصة الانحيازات الحادة المحتملة من دول عربية مركزية لصالح التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، أو بسبب حدوث اشتباك مباشر بين دول عربية وإيران.

    هذه العناصر لا يمكن ربطها بالموقف الفلسطيني من الأزمة، بل بسياسات متجذرة حفرت مساراتها وفقا لتركيبة أنظمة الحكم القائمة، وتحالفاتها، وتطلعاتها، والتي تجعلها تمضي في خطوات متسارعة نحو تفكيك الموقف العربي من “إسرائيل”، بما يعزز فرص الأخيرة في الهيمنة على المنطقة.

    وهذه السياسات ترجمها العداء لفصائل المقاومة الفلسطينية، والضغط المستمر على القيادة الرسمية للفلسطينيين، تماشيًا مع الرغبة والرؤية الأمريكية.

    إن الاستفادة الفلسطينية العامة من هذا الوضع،  تبقى مرهونة باقتناع الجمهور الفلسطيني أولا، والعربي ثانيا، بجدية المواجهة وجدواها، ورفع استعدادهم لتحمل مخاطرها، وبناء مواقف واستراتيجية وطنية جامعة، تتعلق بهذه المواجهة.

    [1] أول بيان من الجيش الأمريكي يؤكد قتل سليماني، موقع سي إن إن، 3 كانون ثاني/يناير 2020  arabic.cnn.com/middl

    [2] خمنائي يشارك شخصيا في بلورة الرد الإيراني، موقع روسيا اليوم، 3 كانون ثاني/يناير 2020   https://arabic.rt.com/

    [3] إيران تستنفر حلفاءها من بغداد إلى بيروت، موقع بي بي سي، 15 كانون ثاني/يناير 2020  https://www.bbc.com/

    [4]خمنائي: الضربة الصاروخية صفعة لأمريكا لكنها غير كافية، موقع الجزيرة نت، 8 كانون ثاني/ يناير 2020   www.aljazeera.net/

    [5] فصائل فلسطينية تنعى سليماني والمهندس، موقع عربي 21، 3 كانون ثاني/ يناير 2020  https://arabi21.com/

    [6] الأركان الإسرائيلية: قاسم سليماني أشرف شخصيا على خطة أفشلناها في سوريا، موقع روسيا اليوم، 25 آب/ أغسطس 2019، www.arabic.rt.comا

    [7]إسرائيل وراء الغارات الجوية على البوكمال السورية، موقع روسيا اليوم، 10 كانون ثاني/ يناير 2020  https://arabic.rt.com/world/

    [8]رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: إيران تنقل أسلحة للعراق ولن نسمح بذلك، موقع قناة الحرة، 25 كانون أول/ ديسمبر 2019 https://www.alhurra..com

    [9] الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية: أمن مَن؟ شبكة السياسات الفلسطينية، 16 أيار/ مايو 2017  al-shabaka.org

    [10] فتح تتهم إيران بتدبير «انقلاب غزة»… وطهران وحماس تنفيان، موقع صحيفة الأخبار اللبنانية، 25 حزيران/ يونيو 2007  al-akhbar.com

    [11] حماس تشكر إيران علنا والسعودية تشن حربا ضد الحركة، المونيتور، 26 حزيران/ يونيو 2019  www.al-monitor.com

    [12]هنية زار منزل سليماني: شهيد القدس، موقع  قناة الميادين، 6 كانون ثاني/ يناير 2020:  shorturl.at/hEP56

    [13]على خطى الخراب .. حماس تعزي إيران في سليماني، موقع صحيفة عكاظ، 3 كانون ثاني/ يناير2020، www.okaz.com.

    [14]طبيعة علاقات حماس مع مصر بعد مقتل سليماني، موقع نورث برس عربي، 11 كانون ثاني/ يناير 2020  npasyria.com

    [15]اغتيال سليماني يزيد من تقارب حماس وإيران، موقع وكالة الأناضول، 9 كانون ثاني/ يناير 2020، www.aa.com.tr

    [16]هددت بتوسيع دائرة الانتقام لحيفا ودبي.. إيران تعلن مقتل 80 جنديا أمريكيا بالعراق وترصد 100 هدف بالمنطقة، موقع الجزيرة نت، 8 كانون ثاني/ يناير 2020 ،www.aljazeera.net

    [17]واشنطن تستعيد “ناتو” الشرق الأوسط وتقرير إسرائيلي يفصل، موقع عربي 21، 29 نيسان/ إبريل 2017   arabi21.com

    [18] بعد اعتراف إيران.. مساعٍ لبدء تحقيق دولي في حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، موقع الجزيرة نت، 11 كانون ثاني/ يناير 2020 www..aljazeera.net

  • قوات إيرانية ووحدات عسكرية من حزب الله اللبناني تتمركز في اليمن وتتولى مهمة زرع الألغام المغناطيسية وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ، باتجاه السعودية و مياه الخليج العربي.

    د.نبيل العتوم                                   

    رئيس وحدة الدراسات الإيرانية               

    مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية  

          الهجوم على ناقلات النفط…. إستراتيجية  إيرانية تريد إيران التوسل بها ضمن سياق دبلوماسية حافة الهاوية ، طبعاً طهران متورطة ، والبصمات واضحة للعيان ،  ربما أن تكون هذه  هي الرغبة الإيرانية في إظهارها للعيان دون مواربه ، و لا ترغب طهران في إزالتها. إن الهجمات المتزامنة التي استهدفت ناقلات النفط، يوم الخميس  الماضي 13 يونيو (حزيران)، ناقلة  كبيرة  في مياه بحر عُمان، فضلا عن الهجوم الصاروخي بصواريخ توم هوك المجنحة   بتخطيط وتمويل وتزويد إيراني ، نفذته الحركة الحوثية  على مطار أبها في المملكة العربية السعودية، سبقه  هجوم نوعي بالطائرات المسيرة على  مخازن أرامكو  بالقرب  من الرياض ، الغريب العجيب أنه  سيكون من السهل  لأي جهاز استخباراتي مبتدىء توجیه أصابع الاتهام لطهران في شن هذه الهجمات، والإعداد لها. وعلى الرغم من إعلان  حكومة روحاني عدم مسئولية إيران عن هذه الهجمات، ومن المؤكد أنه ليس لديه معلومات  عما يجري ، وما تخطط له الدولة الصلبة في إيران والتي يقودها المرشد والحرس الثوري ومؤسسات الدولة الاستخباراتية ، و الجناح المتطرف الموجود  في أعلى  هرم السلطة السياسية في إيران، واللذين یعتبرون أن التوسل بدبلوماسية حافة الهاوية لجهة تحسين شروط التفاوض ، وتعزيز غريزة  الانتقام من أجل رفع تكاليف الأزمة الحالية لحلفاء الولايات المتحدة هي سياسة أكثر  فعالية من اللجوء إلى التهدئة  والقبول بمفاوضات غير متكافئة مع الولایات المتحدة. وبدلاً من تحمل  كلفة الوضع الحالي والرهان على عامل الوقت والصبر الإستراتيجي حتى نوفمبر من العام 2020 والذي قد يؤدي إلى تغيير في الإدارة الأميركية .

     

          الشعب الإيراني يعاني بشكل  كبير ، ويقاسي شظف وحرقة الأسعار، وارتفاع حدة لهيبها الناجم عن الحظر المفروض على صادرات النفط، وإغلاق طرق التجارة الخارجية المدعومة من الولايات المتحدة، يبدو أن طهران مصممة على الخروج من الموقف الدفاعي وإظهار القوة أمام الخصم، إلى محاولة المواجهة بالردع  وهي خطوة یمکنها أن تغیر بسرعة الأزمة الحالية إلى خطوات انتقامية متبادلة، للوصول إلى آفاق جديدة. لقد تم توجیه تهمة المشاركة في تنسيق وتنفيذ هجمات 12 مايو (أيار)، ضد أربع ناقلات تحمل أعلام النرويج والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالقرب من المياه الاقتصادية  للفجيرة، وقد تم توجيه الاتهامات ضمناً إلى  طهران، والتي تم استخدام  الألغام المغناطيسية من نوع “لیمیت” التي تنتجها إيران .

          وتم التوصل إلى معلومات استخبارية  حول  كيفية تركيبها في جسم الناقلة، والتي لا يمكن توقعها إلا من قوات ذات خبرة ومدعومة بقدرات  لوجستية واستخبارية تنفیذیة لإحدى الدول، ولیس من جماعة إرهابية صغيرة،  ووفقا للأدلة الأولية، خلال الهجوم البحري الأخير على الناقلات ، فقد تم استخدام الطوربيد أيضا، والذي كان بدوره علامة على  نمو التهديدات بصورة متزايدة  وتعدده في الحرب الجديدة التي تشن علی ناقلات النفط. وبالتزامن مع هجوم 12 مايو (أيار) على أربع ناقلات نفط، تعرض أحد خطوط أنابيب النفط السعودي لهجوم من قبل الحوثي، والذي كان يحمل بدوره رسالة انتقام واضحة إلی المملكة العربية السعودية، حيث  لم يتم نسيان نصيب المملكة العربية السعودية من خلال  الهجوم على مطار أبها، بالرغم من اختلافه  عن الهجمات السابقة واللاحقة ، طبقا للأدلة الأولية، تم استخدام صواريخ كروز المجنحة – كما ذكرنا سابقاً – في الهجوم؛ وهو السلا ُح الذي لم تنشر، حتى الآن، تقاریر واضحة عن أن الحركة الحوثية  قد حصلوا عليه  ، ومن الممكن أن هناك وحدات صاروخية ايرانية أو تتبع لحزب الله اللبناني هي من تطلق تلك الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة من الأراضي اليمنية ، لأن استخدام هذه الأسلحة وتوجيهها بحاجة إلى قدرات عسكرية وفنية عالية وخبرات في هذا المجال وهو ما لا يتوفر لدى حركة أنصار الله الحوثي لغاية اللحظة.

          هذه الاعتداءات تزامنت مع زيارة رئيس وزراء اليابان إلى طهران، و بعد ساعات قليلة  قامت طهران بتنفيذ الهجوم ، حيث تشير الدلائل الأولية للهجمات البحرية والصاروخية في المنطقة، يوم الخميس، إلى أن الزيارة التي استغرقت يوما واحد لرئيس الوزراء الياباني إلى إيران لم تكن نتائجها أكثر  من زيارة هایکو ماس، وزير الخارجية الألماني  الفاشلة لطهران. وعلى الرغم من تفضيل حكومة روحاني  تجنب تصعيد الأزمة الحالية في العلاقات الخارجیة للبلد، فإن علي خامنئي والمتشددین في هرم السلطة الإيرانية ، تبنوا  إستراتيجية حافة الهاوية  المتدرجة ، بغض النظر عن التکالیف المحتملة، بما في ذلك المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وهي سياسة ستنتج “خطأ في الحسابات”، ويمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة في منطقة الخليج .