• التقدير الاستراتيجي (120): السلطة الفلسطينية بين الحلّ وتغيير الوظيفة… السياقات والسيناريوهات

    تزايد الحديث في الأشهر الماضية عن مستقبل السلطة الفلسطينية، وإمكانات حلها أو انهيارها في ضوء توجه القيادة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، وتبني الإدارة الأمريكية للرواية الصهيونية وسعيها لإنفاذ صفقة ترامب التي تنهي عملياً مسار التسوية السلمية القائم على اتفاق أوسلو. واتخذ الحديث شكلاً جدياً مع قرار قيادة السلطة الانسحاب من جميع الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

    ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل السلطة أولاها حلُّ السلطة، غير أنه غير مطروح جدياً لدى قيادة السلطة مع وجود مخاوف من عدم قدرة الجانب الفلسطيني على تحمّل تداعياته. والسيناريو الثاني هو تغيير وظيفة السلطة وهو مطروح بقوة لدى العديد من المثقفين والسياسيين، بحيث تقتصر مهمة السلطة على الجانب الإداري، بينما يتم تحويل الجانب السياسي إلى منظمة التحرير. أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الانتظار والاستمرار في المسار نفسه، وهو ما يظهر أن قيادة السلطة تسير فيه، على الأقل بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية.

  • العبودية ما بين "كونتا كنتي" و"جورج فلويد".. والتعديل "الثالث عشر" (الجزء الأول)

    ذكَّرتني صرخة "جورج فلويد" (George Floyd) -الأمريكي من أصل أفريقي- "لا أستطيع التنفس" التي مات على إثرها، يوم 25 مايو 2020م، خنقاً بضغط على رقبته من قِبَل شرطي أمريكي، ذلك ذكَّرني بالمشهد التلفزيوني في مسلسل "الجذور" بصرخة الأفريقي المسلم "كونتا كنتي": "إني أختنق"، عندما خنقه سيده الأبيض بحبل من أجل أن يرغمه على تغيير اسمه إلى "توبي".

    و"كونتا كنتي" الذي ولد عام 1750م في غامبيا من مدينة "جوفور"، اعتقل وعمره 17 عاماً، في 5 يوليو 1767م، وتم ترحيله إلى أمريكا (أنابوليس) مع 140 شخصاً تم القبض عليهم في الأدغال من قبل تجار العبيد مات منهم 60 في الطريق بالبحر، ووصل إلى أنابوليس ماريلاند في 29 سبتمبر 1767م، ثم تم بيعه إلى عائلة بورجوازية بقيمة 750 دولاراً، يوم 7 أكتوبر.

    وقد حاول الهرب مراراً من سيده الأبيض؛ حيث قام مالكه بقطع رجله، وعالجته امرأة سوداء اسمها "بيل"، وهي طباخة المالك واسمه "ويليام"، وتزوج منها وأنجب طفلة اسمها "كيزي" التي انحدر منها نسله لأجيال إلى الحفيد "أليكس هيلي" الذي تتبع جذور أجداده في قصة سطرت كملحمة في الأدب الأمريكي، وتم عرضها في مسلسل تلفزيوني عام 1976م، توفي "كونتا كنتي" عام 1810م في مقاطعة سبوتسلفانيا.

    هذه القصة رسخت في ذهني منذ أن شاهدتها في حلقات "الجذور" التي عرضت منتصف السبعينيات، ثم تابعت قراءة هذه القصة بعد إصدارها، حيث ألفها رواية أحد أحفاده وهو "أليكس هيلي" (1921-1992م)، مؤلف كتاب الجذور: ملحمة عائلة أمريكية" (Roots: The Saga of an American Family)، نشرت عام 1976، وحاز مؤلفها على جائزة "بوليتزر" عن فئة الجوائز الخاصة، حيث تتبع "أليكس هيلي" تاريخ عائلته إلى جده "كونتا كنتي".

    وعندما تزور مدينة "أنابوليس" التاريخية، ستجد في وسطها النصب التذكاري لـ Kunta Konte – Alex Haly Memorial يصور ماريلاند بالكلمة والرمز وانتصار الروح البشرية.

    إنه النصب التذكاري الوحيد من نوعه في الولايات المتحدة الذي يحتفل بالاسم الفعلي ومكان وصول الأفارقة المستعبَدين.

    إن هذين الحدثين ما بين عام 1767 ومايو 2020م يطوفان بالمرء حول قرون من الاسترقاق والاستعباد لملايين من الأمريكيين من أصل أفريقي، ولتضعنا اليوم إلى فهم جذور ما حدث يوم 25 مايو 2020م، وحجم رد الفعل من المظاهرات والعنف التي ما زالت مستمرة في أغلب الولايات المتحدة الأمريكية.

    وإذا أردت أن تفهم القصة بشكل تحليلي فيمكنك مشاهدة فيلم مختصر من إنتاج "أنجس وول" (Angus Wall)، و "جيسون ستيرمان" (Jason Sterman) الذي يعرض حالياً على موقع "نتفلكس" (Net flex) بعنوان "13th".

    الذي يسرد تاريخياً وتحليلياً من خلال مقابلات لمجموعة من الخبراء والأكاديميين ومناهضي العنصرية وساسة ومحامين جذور مشكلة نهاية عصور الرق والعبودية التي بدأت مع استقدام العبيد في أول مستعمرة وهي "فرجينيا" عام 1619م في سفينة تحمل 20 عبداً أفريقياً.

    فقد قام هؤلاء الخبراء بتوثيق وتحليل مشهد العنصرية المتأصل في المجتمع الأمريكي الذي كان بسبب التعديل الثالث عشر الذي أجري على الدستور الأمريكي الذي أقر كنتيجة للحرب الأهلية (1861 – 1865م)، وانتصار الشمال على الجنوب، ومن أجل إعادة إعمار الجنوب، وتم إقراره؛ حيث ألغى التعديل الثالث عشر في دستور الولايات المتحدة الأمريكية العبودية والاسترقاق الجبري إلا ما يطبق منها كعقوبة على الجرائم، وفي الكونجرس الأمريكي أقر مجلس الشيوخ هذا التعديل في الثامن من أبريل 1864م، وأقره مجلس النواب في 31 يناير 1865م، وكان أحد التعديلات الثلاثة ضمن تعديلات إعادة الإعمار المدخلة بعد الحرب الأهلية الأمريكية على الدستور، وكان انتصاراً لإعلان تحرير العبيد عام 1863م، حيث وصل عدد الولايات المؤيدة 27 ولاية فتم إقرار التعديل.

    ولمواجهة القوانين التي أعطت حقوقاً لتصويت السود، فقد سُنت قوانين الفصل العنصري التي سميت بقوانين "جيم كرو"، وهو "الوصف التحقيري لزنوج أمريكا" خلال فترة إعمار الولايات المتحدة بين عامي 1865 و1877م، حيث قدم القانون الاتحادي حقوقاً مدنية للمعتَقين في الجنوب وللأمريكيين الأفارقة الذين كانوا عبيداً في السابق.

    ولكن بعودة الديمقراطيون البيض للسلطة تدريجياً في الولايات الجنوبية بداية من عام 1870م بالانتخابات، وباستخدام عصابات ترهيب ضد السود "منظمة كو كلوكس كلان" (K.K.K)، وبنجاحهم سحبوا القوات الفيدرالية من الجنوب، وأقرت حكومة الحزب الديمقراطي قانون "جيم كرو" لعزل السكان السود عن البيض.

    وفي عام 1880م، قيدوا عملية الانتخابات للسود، وفي عام 1890م أقروا قوانين رفع الضرائب لمن يريد التصويت، فلم يستطع السود والبيض الفقراء ذلك؛ وبذلك فقدوا قدرتهم عن التمثيل في هيئات المحلفين أو في المكاتب المحلية ولا التأثير في الهيئات التشريعية، فتم تجاهل كل مطالبهم، وأصبح فصل الأمريكيين السود في كل مناحي الحياة وأماكن العمل أمراً مشروعاً، وظل هذا القانون فعالاً ما بين عامي 1890 و1920م، وأصبح فصل السود ثقافة أمريكية.

    ومنع السود عامة من التصويت، في حين أعفي البيض الفقراء من الضرائب والقيود.

    ولكن حدثت نقلة كبيرة مع بداية القرن العشرين، وذلك بواسطة فيلم "Birth of A nation" (ولادة أمة)، وهو الحدث السينمائي والمؤثر الذي حقق مبيعات عالية؛ حيث جسَّد الفيلم النظرة التي أراد الكثير من البيض أن يروها بشأن الحرب الأهلية وتبعاتها لمحو آثار الهزيمة.

    وقد قام الرئيس الأمريكي "وودرو ويلسون"، الرئيس الـ28 آنذاك من عام 1913-1921م، بعرضٍ خاصٍ لهذا الفيلم في البيت الأبيض وقال: إنه "تاريخ مكتوب بالرق".

    حيث خلق هذا الفيلم خيالاً في المجتمع الأمريكي؛ فكل صورة تراها لشخص أسود تصوره على أنه كائن منحط وشبيه بالحيوان، وأنه تهديد للنساء البيض.

    كما أن الفيلم مسؤول عن ولادة جماعة "كو كلوكس كلان" (K.K.K) من جديد التي تأسست في ولاية بولاسكي (تينيسي) عام 1865 على يد 6 ضباط في الجيش، وكان هدفهم معارضة تحرير العبيد التي حدثت بعد الحرب الأهلية الأمريكية، ودُمرت هذه المنظمة على يد الرئيس "غرانت" عام 1871، لكنها عادت للظهور عام 1915 متأثرة من فيلم "ميلاد أمة".

    لذلك فقد تحول الفن إلى واقع بكل معنى الكلمة.

    وكان تأثير الفيلم يمتد أبعد بكثير من مجرد فيلم من مرحلة الأفلام السينمائية الأولى.

    وجاءت موجة جديدة من الإرهاب، وجرت إعدامات من دون محاكمة بين حقبة إعادة البناء والحرب العالمية الثانية، وقتل آلاف الأمريكيين من أصل أفريقي على يد جماعات في ظل فكرة أنهم ارتكبوا جريمة ما.

    في المؤتمر الوطني الديمقراطي في نيويورك عام 1924م، يقرر بأن 350 مندوباً كانوا ينتمون إلى "كلو كلوكس كلان".

    لقد نمت المنظمة وبلغ عدد أعضائها عام 1924م حوالي 6 ملايين، ثم في بداية الثلاثينيات بدأت بالتفكك إلى عام 1940م، حيث تم تفكيك المنظمة وحدثت انشقاقات بين أعضائها، واتجهوا ما بين عامي 1940 و1950م لقتل أعضاء في منظمات حقوق الإنسان إلى عام 1999م، حيث تم الإعلان أنها منظمة إرهابية.

    ولقد تحولت الحالة العنصرية المتأصلة في قطاعات كبيرة من المجتمع الأمريكي إلى حالة جديدة من التلاعب السياسي من أجل تحويل حالة الخوف من الجريمة إلى زيادة فيما يسمى بصناعة السجون في العقود ما بعد حركة الحقوق المدنية التي أطلقت عام 1964م.

    حيث أدى امتزاج الخوف الاجتماعي بالمصلحة السياسية والمنفعة المادية للشركات الكبرى والرأسمالية في المجتمع الأمريكي، وأدى ذلك إلى حالة من التلاعب السياسي والتقنين التشريعي من أجل صناعة السجون المزدهرة التي وضعت أجيالاً من المجتمع الأمريكي الأفريقي في السجون بحجة الجريمة، ولكن في الحقيقة هي إعادة نزع الحرية والاسترقاق والعبودية.

    وللحديث بقية.

    يتبع..

  • سياسة الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية

    أحمد عبد القادر*

    مقدمة

    مع بداية ثورات الربيع العربي ازداد التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، مما شكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، فسعت الأخيرة إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال مجموعة من الإجراءات منها تجديد العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني في عام 2018م مروراً بالغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سورية ثم اغتيال قاسم سليماني " قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني " في 3 يناير 2020م، لاحقاً ردت إيران بقصف صاروخي لقاعدة " عين الأسد" الأمريكية في 8 يناير 2020م.

    فإلى أي مدى يمكن أن يشكل ازدياد النفوذ الإيراني خطراً على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

    وماهي الوسائل المحتملة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية؟

    أولاً: التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط:

    تقع إيران ضمن قائمة الأنظمة المارقة - حسب الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الأمريكية لعام 2018م- التي تهديد مصالح الولايات المتحدة على المستوى الدولي والمستوى الإقليمي بشكل خاص، ويظهر ذلك من خلال سعيها المستمر للحصول على السلاح النووي والتي ترى فيه الولايات المتحدة خطراً وجودياً على إسرائيل حليفها الاستراتيجي، وكذلك من خلال دعمها الواضح والكبير لجماعات تصنفها الولايات المتحدة " منظمات إرهابية" ، وتطويرها لمنظومة صواريخ بعيدة المدى، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فضلاً عن بسط نفوذها الكامل في دول أخرى[1]. يضاف إلى ذلك سعيها لبناء نظام أمني إقليمي تكون هي دولة المركز فيه وذلك لن يتأتى لها إلا من خلال مزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز" الذي يمر عبره ثلث الإنتاج النفط العالمي"[2]، وبناءها تحالف مع روسيا الاتحادية المنافس التقليدي للولايات المتحدة، محاولة تصديرها لنظام" الولي الفقيه" تحت مسمى تصدير الثورة الإيرانية وهو نظام استبدادي لا يتفق مع المبادئ الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة.

    ثانياً: أدوات الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية عدد من الوسائل والأدوات التي من الممكن استخدامها في تقليص النفوذ الإيراني بدايةً من استخدام القوة العسكرية المباشرة وصولاً إلى استخدام العقوبات الاقتصادية مروراً بتوظيف الوسائل والأدوات الإقليمية والمحلية ومن هذه الأدوات:

    1. دعم فصائل الثورة السورية

      بدأ الدعم الأمريكي لفصائل الثورة السورية في عام 2013م بهدف إسقاط النظام السوري ومن خلفه النفوذ الإيراني من خلال غرفة تنسيق الدعم لقوات المعارضة" الموك" ومن أهم الفصائل التي تلقت الدعم الأمريكي "جبهة ثوار سورية، وحركة حزم" إلا أن الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة السورية قد توقف في عام2017م بعد فشلها في مواجهة تنظيمات تصنفها الولايات المتحدة" منظمات إرهابية".

    2. دعم تنظيم قوات سورية الديمقراطية" قسد"

      بدأت الولايات المتحدة في دعم قوات سورية الديمقراطية "قسد" مع بداية تشكيلها في عام 2015م بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تقديم الاستشارات العسكرية ،ثم من خلال التدريب وتقديم الأسلحة والذخائر والمشاركة بالعمليات الميدانية من خلال القصف الجوي، وكانت مشاركتها الأكبر في معركة عين العرب، وتعمل الولايات المتحدة على توظيف دعمها لهذه القوات للسيطرة على منطقة الجزيرة السورية والتي تمر فيها أغلب الطرق البرية بين سورية والعراق وبخاصة بعد سيطرتها على المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات بين الرقة ودير الزور، مانعةً بذلك إيران من السيطرة على هذه المنطقة.

    3. القواعد العسكرية

      • قاعدة التنف: تعتبر قاعدة التنف العسكرية من أهم القواعد الأمريكية في سورية وقد تم إنشاءها في العام 2014م، وكانت قد استخدمتها بداية إنشاءها لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ولاحقاً لتقليص النفوذ الإيراني من خلال سيطرتها على الطريق بين دمشق وبغداد، والذي تستخدمه الميليشيات التابعة لإيران كخط امداد رئيسي لقواتها المتواجدة في سورية[3]، وتعتمد هذه القاعدة على التواجد المباشر للقوات الأمريكية إضافة إلى بعض التشكيلات التابعة لقوات المعارضة السورية*. تاركةً القوات الإيرانية تستخدم طريق البو كمال -تدمر والذي يتعرض بشكل متكرر لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

      • قاعدة الرميلان: تم إنشاؤها في عام 2015م وتعتبر القاعدة المركزية في منطقة الجزيرة السورية وتحتوي على مهبط للطائرات[4]، وتشكل مع مجموعة من القواعد الأخرى* حزام حمائي للطريق الدولي M4على طول المناطق الممتدة من الحدود السورية العراقية عند معبر اليعربية وصولاً منبج في ريف حلب الشرقي، وبذلك تحرم الميليشيات الإيرانية من استخدام هذا الطريق الاستراتيجي.

    4. الغارات الجوية على المواقع العسكرية

      بدأ الطيران الأمريكي باستهداف الميليشيات التابعة لإيران في أوائل العام 2018م واستمر خلال العام 2019م، وتركز القصف في دير الزور حيث استهدفت الأرتال الإيرانية ومواقع القيادة والذخائر أكثر من مرة وازدادت هذه الهجمات بعد مقتل "قائد لواء القدس" قاسم سليماني بغارة أمريكية في العراق.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل أدوات تقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    1. استمرار الاعتماد على الأدوات السابقة: من خلال القواعد العسكرية المتواجدة في التنف ومنطقة الجزيرة السورية ، والحفاظ على مستوى دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن دعم هذه القوات قد يلقى معارضة شديدة من قبل تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو، وكذلك الحفاظ على مستوى الدعم المحدود لفصائل المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف والتي ليس بمقدورها تحقيق مهمات كبيرة في تقليص النفوذ الإيراني بسبب قلة عددها وطبيعة المنطقة التي تتواجد فيها، واستخدام الغارات الجوية بين الحين والأخر، وكل ذلك قد لا يسهم بشكل فعّال في تحقيق هدف تقليص النفوذ الإيراني.
    2. زيادة الاعتماد على الأدوات السابقة: وهو السيناريو المرجح، ويمكن للولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال زيادة دعم ونفوذ قواعدها العسكرية بهدف تحقيق السيطرة المطلقة على طرق امداد الميليشيات الإيرانية، أو من خلال زيادة دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن ذلك قد يواجه بموقف تركي رافض لهذا الدعم ، ويمكن كذلك زيادة الغارات الجوية والتركيز على استهداف قيادات في الميليشيات الإيرانية وحلفائها وهو ما ظهر في استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري في وتوسيع نفوذه في الدول العربية ، وزيادة دعم فصائل المعارضة وبخاصة بعد تقدم النظام وحلفائه في إدلب واحتمال فقدان المعارضة أخر معاقلها في ظل دفع إيران أعداد كبيرة من ميليشياتها إلى جبهات إدلب ، وبالتالي قد يكون زيادة دعم قوات المعارضة لمنع إيران من الاستفادة من هذا التقدم عن طريق دعم فصائل جديدة متواجدة في إدلب إضافةً إلى الفصائل الموجودة في قاعدة التنف.
    3. تقليص دعم الأدوات السابقة: يمكن للولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في سورية من خلال الحرب المباشرة مع ما يرافقها من تقليص دعم الأدوات السابقة ولكن يبقى هذا السيناريو مستبعداً بسبب التكلفة الباهظة العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب المباشرة، وكذلك حاجة الحرب إلى تأييد داخلي واستعداد شعبي لتحمل هذه التكاليف، فضلاً عن حشد التأييد الدولي وقد يزيد ذلك من حدة التنافس مع روسيا والصين.

    *طالب علوم سياسية في جامعة شام العالمية

    [1] ضرار الخضر، ملخص الاستراتيجية الدفاعية الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية2018، مركز نورس للدراسات،2019م.

    [2] بالخرائط: قراءة لواقع النفط في الشرق الأوسط، ن بوست، 23\12\2014م، http://bit.ly/2PWGXaA، أخر تحديث 7\3\2020م

    3] واشنطن بوست تكشف عن الأهمية الاستراتيجية لقاعدة التنف، أورينت نت، 24\10\2018، http://bit.ly/2vDGIKU، أخر تحديث 7\3\2020م

    *ومن أهم التشكيلات العسكرية لقوات المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف فصيل" مغاوير الثورة"

    [4] سوريا مكتظة بالقواعد الأجنبة .. تعرف عليها، الجزيرة نت، 1\3\2018م، http://bit.ly/3cFINGI، أخر تحديث 7\3\2020م

    *تل تمر، تل السمن، صباح الخير، حرب عشق

  • هل اخترق الروس والصينيون التفوق العسكري الصاروخي الأمريكي؟

    بقلم:د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يبدو أن الروس والصينيين قد تمكنوا مؤخراً من تحقيق اختراقات نوعية في مجال الصناعات الصاروخية، وخصوصاً تلك التي تتجاوز سرعة الصوت (Hypersonic)، تجعلهم يملكون قدرات مدمرة، ليس فقط للأساطيل والقواعد الأمريكية في العالم، وإنما في الولايات المتحدة نفسها. وما يجعل الأمريكان أشد قلقاً هو أنهم لا يتوقعون تطوير أسلحة دفاعية مضادة تُدمّر أو تُحيّد الصواريخ الروسية والصينية؛ إلا بعد نحو ست سنوات (منتصف عشرينيات هذا القرن).

    قبل نحو أسبوعين، لفت نظرنا الأستاذ الكبير منير شفيق إلى ذلك في لقاء عام، وهو ما حفّز كاتب هذه السطور للبحث في حقيقة هذا الأمر وتفصيلاته.

    قفزة نوعية روسية:

    طور الروس مؤخراً صاروخ أفانجارد (Avangard)، وهو يستطيع حمل رؤوس نووية، والتحليق بسرعة تصل إلى 27 ضعف سرعة الصوت (أكثر من تسعة كيلومترات في الثانية، أو 551 كيلومتراً في الدقيقة)؛ بحيث يكاد يكون من المستحيل اعتراضه، ويزيد مداه عن 11 آلاف كيلومتر؛ كما يستطيع تغيير مساره وارتفاعه في أثناء طيرانه، بطريقة غير منتظمة (زكزاكZigzag) بما يكاد يستحيل كشف موقعه (حسبما يوضح موقع جلوبال سيكيورتي في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2018). ويتوقع أن يكون أفانجارد في الخدمة في سنة 2020.

    وقد طور الروس صاروخ تسيركون (Tsirkon) الذي يُطلَق من السُفن، وتصل سرعته من ستة إلى ثمانية أضعاف سرعة الصوت (122-163 كم في الدقيقة) ويمكنه ضرب أهداف برية وبحرية، وتمت تجربته بنجاح في كانون الأول/ ديسمبر 2018. ويمكن أن يدخل في الخدمة سنة 2022. وطوروا أيضاً صاروخ كنزال (الخنجر-Kinzhal)، الذي جربوه بنجاح في تموز/ يوليو 2018، ويصل مداه إلى نحو 1,930 كيلومتراً (وذلك وفق تقرير نشرته خدمة أبحاث الكونجرس في 17 أيلول/ سبتمبر 2019).

    قفزة صاروخية صينية:

    أما الصينيون، فقد حققوا قفزة هائلة، بعد أن طوروا صاروخ دونج فينج 41 (ريح الشرق -Dongfeng 41). وهو صاروخ عابر للقارات يستطيع حمل ما يصل إلى عشرة رؤوس نووية. ويستطيع حمل "شراك خادعة" (decoys) أو أجهزة يمكنها تضليل الصواريخ الدفاعية المعترضة، ليتم استهدافها بدلاً من الصاروخ نفسه. ويستطيع هذا الصاروخ التحليق بسرعة تصل إلى 25 ضعف سرعة الصوت (510 كيلومتراً في الدقيقة) ويصل مداه من 12 ألفا -15 ألف كيلومتر، ويستطيع قطع المحيط الهادئ (المسافة بين الصين وأمريكا) في نحو ثلاثين دقيقة. وإلى جانب هذا الصاروخ، طور الصينيون صاروخ دونج فينج 17 (Dongfeng)، الذي يمكنه التحليق على ارتفاع منخفض، بخمسة أضعاف سرعة الصوت؛ وبطريقة يصعب جداً على أجهزة الإنذار الأمريكية كشفه أو اعتراضه. وهناك أيضاً صاروخ دونج فينج 26، وهو صاروخ باليستي بمدى متوسط يصل إلى ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف كيلومتر.

    تحد استراتيجي:

    الصواريخ التي كشف الروس والصينيون عنها تشكل مكافئاً استراتيجياً رادعاً، وتعوض بشكل أو بآخر جانباً من التفوق العسكري الأمريكي في مجالات أخرى. غير أن أهم ما فيها أنها تجعل القواعد وحاملات الطائرات الأمريكية والولايات المتحدة نفسها عُرضة لتلقى ضربات تقليدية أو نووية مدمرة، دون توفر أنظمة دفاعية أمريكية مضادة لخمس أو ست سنوات قادمة. وهو ما يعني أن تجسير الهوة أو الفجوة التكنولوجية العسكرية في المجال الصاروخي بين هذه القوى، سيجعل أمريكا مترددة، وتعيد حساباتها مرات عديدة قبل أن تقرر المضي بما يضر المصالح الاستراتيجية أو الخطوط الحمراء للروس والصينيين. وهو ما يعني أيضاً أن العالم يتجه مرة أخرى نحو تعدد القطبية.

    ويعترف الأمريكان بأن هذه الصواريخ التي تزيد سرعتها عن خمسة أضعاف سرعة الصوت، تعمل في مجال جوي لا تستطيع التكنولوجيا الأمريكية المستخدمة حالياً مراقبتها، وأن لها قدرة عالية على المناورة، بحيث لا يمكن توقع مسار طيرانها ولا الأهداف التي ستضربها. فقط الأشعة تحت الحمراء (Infrared) تصلح لتقنيات كشف هكذا صواريخ، وأمريكا غير جاهزة لذلك. ويعترف وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الأبحاث والهندسة مايكل جريفين (M. Griffin) وهو على رأس هرم اختصاصيي وزارة الدفاع في المجال التكنولوجي، بعدم توفر الإمكانات الكافية لصناعة الأسلحة التي تتجاوز سرعة الصوت، وضمن تكاليف معقولة أو متحملة؛ وأما الصينيون فلديهم هذه الأسلحة بالآلاف (بحسب موقع ديفنس نيوز في 7 آب/ أغسطس 2019). ويقول جريفين بأن الولايات المتحدة لن تستطيع نشر مضادات دفاعية لمواجهة الصواريخ الأسرع من الصوت، قبل منتصف عشرينيات هذا القرن (حسب تقرير فوربس في 30 تموز/ يوليو 2019).

    كما نبّه الخبير سام روجيفين (S. Roggeveen)، مدير برنامج الأمن الدولي في معهد لوي (Lowy) في سيدني بأستراليا؛ إلى أن الصين تتقدم الآن على أي دولة غربية في بعض مجالات التكنولوجيا العسكرية.

    ومما يزيد الصعوبة على الأمريكان قدرةُ الصينيين والروس (خصوصاً الصينيين) على إنتاج هذه الأسلحة بكميات كبيرة، وبتكاليف أقل، وبتكنولوجيا متقدمة جداً، بينما يحتاج الأمريكان في المدى القريب على الأقل وقتاً أطول، وتكاليف مضاعفة، للتعامل المكافئ مع هكذا تنافس، بمعنى أن الصينيين والروس ركزوا على تعويض الفارق الهائل في النفقات العسكرية مع الأمريكان، من خلال إنتاج أسلحة نوعية غير مكلفة، تلغي التفوق الأمريكي، وتردم الفجوة معه. ولعل ذلك هو ما أشار إليه الخبير العسكري الروسي المتقاعد أندريه مارتيانوف (Andrei Martyanov) والمقيم حالياً في أمريكا، في كتابه "الثورة الحقيقية في الشؤون العسكرية" (The (Real) Revolution in Military Affairs)، وفيه نقد للأساليب العسكرية الأمريكية المكلفة والأقل فاعلية في الإنتاج العسكري.

    الأمريكان ما زالوا في الميدان:

    من جهة أخرى، فالأمريكان ليسوا بعيدين عن تكنولوجيا الصواريخ التي تتجاوز سرعة الصوت، وهم موجودون في "سوق التنافس"، وإن كانوا على ما يبدو لا يظهرون كل ما لديهم من إمكانات صاروخية في هذا المجال. فصاروخ دونج فينج 41 في جيله الرابع، هو أساساً بنفس مستوى الجيل السابع من الصواريخ النووية الأمريكية الروسية. وقد طوّر سلاح الطيران الأمريكي صاروخ "AGM-183A" الذي تستطيع منظومته إطلاق صاروخ تصل سرعته إلى عشرين ضعف سرعة الصوت، كما يمكن إطلاقه من طائرات عسكرية مثل بي2 وبي52. غير أنه على ما يبدو، فليس من المتوقع أن يدخل الخدمة قبل منتصف عشرينيات هذا القرن. وهناك أيضاً صاروخ "راكب الأمواج" (X-51 A Waverider) الذي تصل سرعته إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت.

    وهو ما يعني أنه بالرغم من الخطر الذي تشكله الصواريخ الروسية والصينية على القواعد والأراضي الأمريكية، فإن الصينيين والروس أنفسهم ليسوا بمأمن من الصواريخ الأمريكية من الفئة نفسها؛ ولا يملكون أنظمة دفاعية لحماية أنفسهم منها، أي أن حالهم في المجال الدفاعي كحال الأمريكان.

    الملاحظة الثانية، أن الأمريكان ما زالوا متفوقين في مجالات عسكرية أخرى، كالأسلحة النووية، وسلاح الطيران، والغواصات النووية، وحاملات الطائرات، كما يملكون قاعدة حلفاء أوسع من خلال الناتو والدول الصديقة؛ ولديهم انتشار عالمي أوسع.

    والأمريكان من ناحية ثالثة؛ أقدر على الاستثمار والإنفاق المالي والدخول في سباقات التسلح من منافسيهم، بوجود ميزانية عسكرية تزيد عن 750 مليار دولار سنوياً، مقابل ميزانية صينية عسكرية بحدود 224 مليار دولار، وميزانية روسية بحدود 44 مليار دولار.

    وهي مزايا تنافسية يمكن للأمريكان التركيز عليها إذا ما شعروا بالخطر.

    خلاصة:

    وعلى ذلك، فلعل الصواريخ الصينية والروسية تشكل اختراقاً حقيقياً، وتحدياً كبيراً للأمريكان، وتفرض في المستقبل الوسيط معادلات وحسابات جديدة، وتفتح المجال نحو عالم متعدد القطبية، ليس لهذا السبب فقط، وإنما أيضاً بسبب السياسات الأمريكية، خصوصاً في عهد ترامب، والتي تتميز بالتسرع والارتباك واستعداء الآخرين، فضلاً عن إضرارها بأمريكا نفسها في بنيتها وتكوينها الداخلي، نتيجة ميول القيادة السياسية اليمينية والشعبوية.

    وأخيراً، فعلى شعوبنا العربية والإسلامية ألا تفرح كثيراً وهي تقرأ هكذا أخبار. فلئن كان تراجع الهيمنة الأمريكية وإنهاء نظام أحادية القطبية يصُبُّ في إضعاف التَّغوُّل الصهيوني الأمريكي في المنطقة؛ فإن من المهم الإشارة إلى أن القوى الكبرى كروسيا والصين وغيرها تسعى هي الأخرى لضمان مصالحها بالدرجة الأولى، وغير ملتزمة تجاهنا إلا ضمن حساباتها وأولوياتها. وما هو أهم أن تركز أمتنا ورجالها ومفكروها ومبدعوها على إطلاق مشروع نهضوي حقيقي، يفرض نفسه بين الأمم، لا أن نبقى في عداد الضحايا أو المتفرجين أو المستهلكين أو التابعين.

    المصدر: موقع "عربي 21"، 27/10/2019