• Türkçe
  • English
مجموعة التفكير الاستراتيجي مجموعة التفكير الاستراتيجي
  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟

Sidebar

القائمة الرئيسية

  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟
  • التقدير الاستراتيجي (93): آفاق السياسة الأمريكية تجاه فلسطين في عهد ترامب: 2017-2021

    تقدير استراتيجي (93) – تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

    ملخص:

    يصعب العثور على فروقات جدية بين الرؤساء الأمريكيين العشرة الجمهوريين والديموقراطيين، الذين حكموا الولايات المتحدة طوال الخمسين سنة الماضية، تجاه قضية فلسطين؛ فقد ظلت “إسرائيل” حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة، وظلّ الانحياز لها وتغطية احتلالها وممارساتها، ورفض الضغوط عليها الطابع العام لهذه السياسة.

    وتفتح الطبيعة الشخصية الجدلية والبراجماتية لترامب آفاقاً مختلفة للسيناريوهات المستقبلية؛ غير أن الوعود التي يطلقها المرشحون في الانتخابات لا تجد طريقها للتنفيذ دائماً… حيث تتمتع الولايات المتحدة ببنى مؤسسية قوية ومستقرة ومؤثرة في صناعة القرار. ومع ذلك فإن ثمة هامش مؤثر لحركة الرئيس وسياساته، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الحزب الجمهوري يتمتع بالغالبية في مجلسي النواب والشيوخ، وهو الحزب الذي جاء ترامب على بطاقته.

    مقدمة:

    مع تولي المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمنصب الرئيس الأمريكي في مطلع سنة 2017، يكون الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة قد مضى عليه نصف قرن، تولى خلاله عشرة رؤساء أمريكيون السلطة، منهم أربعة رؤساء ديموقراطيون وستة رؤساء جمهوريون، وحكم الجمهوريون 28 سنة بينما حكم الديموقراطيون 26 سنة، أي أن الحكم كان مناصفة بين الطرفين من الناحية الزمنية منذ جونسون وانتهاء بترامب.

    وعند رصد الملامح الاستراتيجية للسياسة الأمريكية التي اتنتهجها الرؤساء العشرة، يصعب العثور على تباينات ذات معنى فيما بينهم في الموضوع الفلسطيني، وشكل الانحياز الخشن والناعم لـ”إسرائيل” السمة المشتركة فيما بينهم، فهل ستعرف فترة ترامب الجمهوري تغيراً تكتيكياً أو استراتيجياً في الاتجاه السائد في السياسة الأمريكية خلال نصف القرن الماضي؟ علماً أن القسمات الأساسية لبنية القوى السياسية الأمريكية لم تتغير تغيراً جذرياً، كما أن الصلاحيات الدستورية للرئيس لم يصبها تغير ذو دلالة مهمة.

    يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات مستقبلية في الإجابة عن هذا السؤال:

    السيناريو الأول: السيناريو المرغوب فلسطينياً:

    ويقوم هذا السيناريو على عدد من الافتراضات أهمها:

    1. أن يفي الرئيس الأمريكي ترامب بما نُقل عنه في حوار صحفي بأنه سيكون وسيطاً “محايداً” بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من ناحية، وشعوره بأن عدم تقديم “إسرائيل” لتنازلات لن يؤدي لسلام في المنطقة من ناحية ثانية، ففي حوار له مع وكالة أسوشييتد برس في كانون الأول/ ديسمبر 2015 ادعى أنه سيكون “محايداً”، ثم أضاف متسائلاً “ما إذا كانت إسرائيل مستعدة للتضحية بأشياء محددة”، ويجيب بقوله: “ربما لا، وأنا أتفهم ذلك، وليس لدي مشكلة في ذلك، ولكن لن يكون هناك سلام”. وفي آذار/ مارس 2016 أشار ترامب إلى أن موضوع الاستيطان في الضفة الغربية هو “نقطة خلاف” مع “إسرائيل”، وهو أمر يراه الطرف الفلسطيني موقفاً إيجابياً مع أنه استمرار للموقف الأمريكي التقليدي في هذه النقطة تحديداً.

    2. أن تتناغم السياسة الأمريكية والروسية في الشرق الأوسط، خصوصاً أن ترامب أبدى قدراً من “التفهم والاحترام” للرئيس الروسي بوتين، وهو ما يعني أن الطرفين قد ينسقا مواقف ضاغطة على “إسرائيل” في إطار عمل اللجنة الرباعية، وعبر مجلس الأمن، وعبر الحوار الديبلوماسي الثنائي الأمريكي الروسي مع “إسرائيل”.

    3. أن تمارس الدول الأوروبية المتضررة من موجات الهجرة، خصوصاً الناجمة عن الاضطرابات العربية، إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بأن الشرق الأوسط غير قابل للاستقرار دون تسوية الصراع العربي الصهيوني.

    4. تشير توجهات ترامب إلى أولوية المصالح الاقتصادية والمالية لديه في نطاق العلاقات الخارجية، وهو ما يتضح في تركيزه على تحميل دول الخليج أعباء الوجود الأمريكي في المنطقة، وفي مطالبته الملحة للدول الأوروبية بتحمل مزيد من الأعباء في نفقات الناتو، وهو ما قد ينطوي على احتمال بأنه سيقلص المساعدات الأمريكية للخارج، وهو ما قد يمتد للمساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل”.

    السيناريو الثاني: السيناريو الممكن:

    وهو السيناريو الذي يفترض أن السياسة الأمريكية ستبقى على حالها، وافتراضات هذا السيناريو تقوم على الآتي:

    1. تأكيد الانحياز الأمريكي المعلن، وهو ما يتضح في تصريحات ترامب المختلفة عما سبق وروده في السيناريو السابق، حيث أكد ترامب في عدد من المناسبات على:

    ‌أ.  موضوع الاستيطان: قال ترامب لصحيفة ديلي ميل في آذار/ مارس 2016 أنه “قد يكون الحياد أمراً غير ممكن، وعلى إسرائيل السير قدماً في بناء المستوطنات في الضفة الغربية”، وهذا التصريح من ترامب أمر يتناقض مع السياسة الأمريكية المعلنة ومع رأي المستشار القانوني للحكومة الأمريكية منذ ظهور مشكلة المستوطنات، ففي السابق كانت الولايات المتحدة تعلن رفضها لسياسة الاستيطان، لكنها لم تتخذ أي إجراء عملي للضغط على “إسرائيل” لوقف هذه السياسة، وهنا نجد أن ترامب قد انتقل خطوة أكثر استرضاء لـ”إسرائيل”.

    ‌ب.  كان ترامب في سنة 2013 من المؤيدين لترشيح بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يعني أن موقفه سيكون استمراراً لموقفه السابق في ظلّ هذا السيناريو.

    2. أن الكونجرس الأمريكي والذي يسيطر الجمهوريون على جناحيه له دور كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، ولا تشير مواقف هذا الحزب لأي تغير تجاه الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يجعل قدرة الرئيس على إحداث تغير استراتيجي أقل إمكانية حتى لو افترضنا أن لديه رغبة في ذلك.

    السيناريو الثالث: السيناريو الأسوأ فلسطينياً (والأفضل إسرائيلياً):

    وتتمثل افتراضات هذا السيناريو بما يلي:

    1. أن يتجه ترامب نحو تغيرات استراتيجية في تعامله مع أبعاد الموضوع الفلسطيني على النحو التالي:

    ‌أ. القدس: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإقرار بالقدس كاملة عاصمة لـ”إسرائيل”، وهو ما وعد به خلال حملته الانتخابية، مع الأخذ في الاعتبار أن عدداً من الرؤساء الأمريكيين السابقين وعدوا خلال الحملات الانتخابية بنقل السفارة لكنهم لم يفعلوا ذلك.

    ‌ب.  التخلي عن فكرة حلّ الدولتين: فقد أبلغ مستشار ترامب للشؤون الإسرائيلية ديفيد فريدمان صحيفة هآرتس الإسرائيلية في حزيران/ يونيو 2016 أن ترامب “قد يؤيد فكرة ضمّ بعض أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل وأن إقامة الدولة الفلسطينية ليست أمراً حتمياً على الاطلاق”. وأضاف فريدمان “لست معنياً بدولة ثنائية القومية لأن أحداً لا يعرف بالضبط كم من الفلسطينيين يعيشون هناك”، وهو تصريح يشكل خروجاً ثانياً عن السياسة الأمريكية المعلنة منذ الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش.

    2. اتساقاً مع توجهاته لتخفيض المساعدات الخارجية للدول الفقيرة، قد تطال هذه السياسة المساعدات الأمريكية للفلسطينيين لا سيّما للسلطة الفلسطينية، وهو أمر قد يجد دعماً كبيراً من الكونجرس الأمريكي، الذي كثيراً ما ربط بين التنازلات من الطرف الفلسطيني وبين المساعدات في الفترات السابقة خصوصاً منذ توقيع اتفاقية أوسلو.

    3. إن معارضة ترامب للاتفاق النووي مع إيران يتلاقى مع الرغبة الإسرائيلية، وقد تجد “إسرائيل” في ذلك فرصة للانقضاض على قوى المقاومة “ذات العلاقة بمستوى أو آخر مع إيران”، مثل حزب الله والجهاد الإسلامي وحركة حماس، وهو ما يعني أن غزة قد تشهد عدواناً إسرائيلياً جديداً متدثراً بضرب امتدادات إيران في المنطقة، وهو أمر سيجد له هوى لدى ترامب.

    عوامل الترجيح بين السيناريوهات الثلاثة:

    ثمة سلسلة من العوامل المتداخلة التي قد ترجح بين السيناريوهات، وهذه العوامل تتمثل في الآتي:

    1. مدى استمرار الاضطراب في البيئة الإقليمية، وهو أمر مرجح ونافع لـ”إسرائيل”، بل حتى أن تراجع الاضطراب سيؤدي إلى انكفاء الدول العربية نحو الداخل لفترة لا تقل عن خمس سنوات قادمة، لترميم أوضاعها الداخلية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، مما يجعل الطرف الفلسطيني شبه معزول عن بيئته الإقليمية التقليدية، وسينعكس ذلك على أدائه التفاوضي السري أو العلني، وسيتيح المجال لـ”إسرائيل” لاستثمار هذه الحالة إلى أبعد الحدود.

    2. استمرار الانقسام الفلسطيني وعدم القدرة على بلورة رؤية واحدة ليتعامل معها المجتمع الدولي باعتبارها الاستراتيجية الفلسطينية المعتمدة.

    3. الضغوط المالية الأمريكية على دول البترول العربي لمزيد من الإسهام في أعباء النفقات الأمريكية العسكرية في المنطقة، ناهيك عن تدهور سعر البترول، وتزايد الضغوط على ميزانيات دول الخليج قد يؤثر على حجم المساعدات العربية للسلطة الفلسطينية.

    السيناريو الأكثر احتمالاً:

    نظراً لأن القضية الفلسطينية أصبحت أقل مركزية على الصعيد العربي، كما أنها لا تشكل قضية ملحة لروسيا في المدى الزمني القريب —على الأقل—، فإن مبررات انتظار التغير الاستراتيجي في التوجهات الأمريكية في الموضوع الفلسطيني لن يتجاوز الاتجاه التاريخي للسياسة الأمريكية المعتمدة منذ 1967.

    كما أن تزايد الاتجاهات الأمريكية نحو الباسيفيكي على حساب الأقاليم الجيو-سياسة في العالم، يعني تراجع مكانة الشرق الأوسط (لأسباب كثيرة لا مجال لتعدادها هنا) في الاستراتيجية الأمريكية، وهو ما أكدت دلالاته صحيفة نيويورك تايمز، لكن هذا التراجع يأتي في وقت تَمزَّق فيه النظام الإقليمي العربي، وهو ما يسمح لـ”إسرائيل” لتعميق تغلغلها في المنطقة العربية، وهو الأمر الذي بدأت ملامحه تتزايد في عدد من الدول العربية إضافة للمعاهدات المعروفة مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.

    وعلى الرغم من أن تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية تحمل إشارات متناقضة، إلا أن الواضح من توجهاته العامة طغيان النزعة البراجماتية على فهمه للسياسة الدولية، وهو ما يعني أن مبادئ الحق والعدالة والمساواة لن تجد عنده أيّ هوى، فإذا أضفنا لذلك طبيعة مستشاريه وتوازنات القوى في جسد هيئات صنع القرار الأمريكية، يصبح أي توقع لتغير ذو دلالة في الموقف الأمريكي من الموضوع الفلسطيني ليس مستنداً على أسس متينة.

    توصيات:

    1. عدم المراهنة على الإدارة الأمريكية في إحداث أي تغيرات إيجابية لصالح الفلسطينيين أو في الضغط على “إسرائيل”.

    2. التأكيد على تقوية الصف الداخلي الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني حمايةً للحق الفلسطيني في مواجهة الضغوط المحتملة.

    3. تنشيط العمل السياسي والإعلامي لدعم القضية الفلسطينية عربياً وإسلامياً ودولياً، وإيجاد بيئة إيجابية أوسع مناصرة للحقوق والثوابت الفلسطينية.

    المراجع:

    للاطلاع على تصريحات ترامب الواردة في هذا التقدير الاستراتيجي يرجى العودة للمراجع التالية:

    1. Site of The Washington Times, 3/12/2015
    2. Site of theguardian, 6/9/2016
    3. The Independent newspaper, London, 20/5/2016
    4. Sultan Al Qassemi, What a Trump Presidency Means for the Gulf, site of The Middle East Institute, 25/2/2016.
    5. Haaretz newspaper, 9/11/2016.
    6. The Independent, 9/11/2016.
    7. The New York Times newspaper, 9/11/2016.

    * يتقدم مركز الزيتونة للدكتور وليد عبد الحي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (93): آفاق السياسة الأمريكية تجاه فلسطين في عهد ترامب: 2017-2021 Word (8 صفحات، 88 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (93): آفاق السياسة الأمريكية تجاه فلسطين في عهد ترامب: 2017-2021  (8 صفحات، 542 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 14/11/2016

  • التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس

    ملخص:

    يظهر أن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة سيعطي مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس زخماً جديداً، بالنظر إلى وعوده الانتخابية ووجود ميول قوية لدى قيادات في إدارته لتنفيذ هذه الوعود.

    غير أن السياسة الرسمية الأمريكية طوال السنوات الماضية، وحتى تلك التي مارسها رؤساء سابقون وعدوا بنقل السفارة، كان يميل إلى مراعاة الجوانب القانونية والدستورية والقرارات الدولية التي لا تُقر الضمَّ الإسرائيلي لشرقي القدس، وتعدها من قضايا الحل النهائي؛ وتحاول تجنب إغضاب الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية، وبالتالي احتمال إفشال مسار التسوية.

    وتتضمن السيناريوهات أن يقوم ترامب بنقل السفارة في بداية ولايته أو في وقت لاحق خلالها، أو أن يُحوّل أحد مكاتب خدمات السفارة في غربي القدس (وليس شرقي القدس) إلى سفارة، أو تبقى السفارة في تل أبيب وينتقل السفير إلى القدس، أو يقوم بخطوة مزدوجة بنقل السفارة للقدس مع الإعلان في المقابل عن الاعتراف بدولة فلسطين لامتصاص ردات الفعل. وفي كل الأحوال فإن هذا التقدير يميل إلى أن ترامب سيأخذ خطوة متقدمة في هذا المجال، مما يستدعي تحركاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً استباقياً ومكثفاً، لإفشال أو تعويق هذه الخطوة.

    مقدمة:

    يُجمعُ المتابعون للشأن الشرق أوسطي بشكل عام، والشأن الفلسطيني بشكل خاص، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هو صاحب الموقف الأكثر وضوحاً وقوة بخصوص موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. فقد سبقه رؤساء أمريكيون -جمهوريون وديموقراطيون-أعلنوا عن عزمهم على نقل السفارة، لكنهم لم ينفذوا هذه الوعود، فهل تعكس التزامات ترامب استناداً لتصريحاته -خلال الحملة الانتخابية وبعد الفوز-وتصريحات مساعديه، وعلى رأسهم سفيره الجديد في ”إسرائيل“ ديفيد فريدمان تغيّراً في الموقف الأمريكي، واحتمالاً بتنفيذ الوعد، خلافاً لسابقيه من الرؤساء خصوصاً بيل كلينتون وجورج بوش؟

    لتحديد السيناريوهات المختلفة لهذا الموضوع لا بدّ من رسم ملامح بيئة القرار المحتمل على النحو التالي:

    أولاً: البعد الدستوري والقانوني في القرار الأمريكي في موضوع القدس:

    تُقرُّ الولايات المتحدة من الناحية القانونية، وعبر مواقفها المعلنة في المنظمات الدولية، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، وفي بيانات اللجنة الرباعية المختلفة، وفي تأييدها لما ورد في المعاهدات العربية الإسرائيلية (مع الأردن ومع مصر)، وفي اتفاق أوسلو على:

    1. عدم الاعتراف بقرار الضمّ الإسرائيلي لمدينة القدس، وهو ما تجلى في امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بموافقة 144 دولة، وهو القرار الذي يُعدُّ الضم الإسرائيلي مخالفاً للقانون الدولي.

    2. أن التصريحات الأمريكية المختلفة تؤكد أن موضوع القدس هو من ضمن مواضيع الحل النهائي، مما يعني أنه ليس لأحد الأطراف أن يقرر فيه  منفرداً.

    لكن المشهد القانوني ينطوي على بعد آخر، وهو ما صدر في 23/10/1995 عن الكونجرس الأمريكي من قانون عُرف باسم ”قانون سفارة القدس لسنة 1995“ ”Jerusalem Embassy Act“ والذي نصّ وبأغلبية كبيرة (93 مقابل 5 في الشيوخ، 374 مقابل 37 في النواب) على الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على أن يتم ذلك في حدّ أقصى هو 31/5/1999، والتأكيد على بقاء القدس مدينة موحدة كعاصمة لـ”إسرائيل“، مع الإشارة أن الأمر متروك للرئيس لتقدير ما إذا كان ذلك يضر المصالح العليا للولايات المتحدة أم لا، إذ إن الأمر يقع ضمن صلاحيات الرئيس كأعلى سلطة تنفيذية.

    لكن هذا القانون لم ينتقل إلى حيّز التنفيذ لسببين، هما أن المستشار القانوني لوزارة العدل الأمريكية رأى أن هذا القانون غير دستوري، وينتهك صلاحيات الرئيس في مجال السياسة الخارجية من ناحية، وأن الرؤساء الأمريكيين منذ تلك الفترة وحتى الآن رفضوا ”التخلي“ (waiver) عن مسؤوليتهم الدستورية في هذا الجانب من ناحية ثانية، وامتنع كل من الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش عن تنفيذه، وعمل باراك أوباما على تناسيه، على الرغم من أن الأول والثاني وعدا بذلك خلال الحملات الانتخابية.

    ثانياً: البعد الدولي والإقليمي في موضوع القدس:

    بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 المشار له سابقاً، قامت 13 دولة أغلبها من أمريكيا اللاتينية، بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، وعلى الرغم من أن هناك الآن 86 سفارة في ”إسرائيل“، لا يوجد أي منها في القدس، وهو ما يشكل ”نوعاً من الحرج“ للديبلوماسية الأمريكية، خصوصاً أن كافة دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، واللجنة الرباعية، لا تميل لقرار النقل دون تسوية الموضوع الفلسطيني.

    ويحذر العديد من الخبراء والديبلوماسيين الأمريكيين من أن نقل السفارة سيقود لردات فعل عربية وإسلامية نظراً للقيمة الدينية للقدس، ناهيك عن أن البعض يرى أن القرار سيعزز ”أدبيات“ التيارات السياسية العربية والإسلامية المشككة في النوايا الأمريكية وجديتها في مساعي التسوية السلمية. وهو أمر قد يضر بالمصالح الأمريكية من زاوية إضعاف مواقف حلفائها في المنطقة، وإضعاف موقفها كوسيط في محاولات التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، ويعزز ما يصفه هؤلاء الخبراء بالتيارات المتطرفة، وستجد فيه قوى مثل حماس والجهاد الإسلامي وإيران تأكيداً لمواقفها في الشارع العربي والإسلامي. ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من أن نقل السفارة سيقود إلى ”انفجار على مستوى الإقليم“ مؤشر على مثل هذه التوجهات المحذرة من النتائج.

    ويستدل هؤلاء على هذه الهواجس بما أعلنته الحكومة الأردنية عن طريق الناطق بلسانها في كانون الثاني/ يناير 2017 من التحذير من نتائج ”كارثية“ في حال الإقدام على نقل السفارة، وبأن الأردن ستستخدم كل إمكانياتها السياسية والديبلوماسية لمنع تنفيذ القرار، لا سيّما تأكيد الأردن على ما ورد في الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية من دور للأردن في رعاية المقدسات في القدس.

    مقابل هذه الصورة، هناك من يرى أن مجموعة من العوامل المقابلة تسير في اتجاه دعم احتمالات نقل السفارة وأهمها:

    1. أن الفريق السياسي الذي اختاره ترامب لإدارته القادمة يتبنى في معظمه قرار النقل، فوزير خارجيته ريكس تيليرسون يَعدُّ ”إسرائيل“ ”الحليف  الأكثر أهمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط“، على الرغم من إشارات حول علاقاته بجماعات المصالح البترولية. أما السفير المقترح للإدارة الجديدة في ”إسرائيل“ وهو ديفيد فريدمان فهو الأكثر انحيازاً لـ”إسرائيل“، وهو من أكثر الشخصيات الأمريكية المساندة لنقل السفارة، بل وله صلات طويلة بالمستوطنين. وهو من الداعين لضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل“ ناهيك عن عدم اقتناعه بحل الدولتين. وقد قال في أحد تصريحاته بعد ترشيحه للسفارة، إن ترامب ”سينفذ النقل“، وإنه يأمل أن يقوم بمهمته ”من سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل الأبدية“.

    لكن يمكن تلمس بعض البون بين مواقف السفير المرشح (فريدمان) وبين مواقف تيليرسون ووزير الدفاع المرشح جيمس ماتيس؛ وخصوصاً حذرهما من الإدلاء بمواقف واضحة في هذا السياق، لا سيّما أن لهما خبرة واسعة في الشرق الأوسط ويدركان التعقيدات أكثر من السفير المرشح.

    2. أن الظروف العربية بشكل خاص، وظروف الدول الإسلامية لا تشير إلى أن لديها القدرة على التأثير على القرار خارج نطاق الاحتجاجات اللفظية  أو اللجوء للمنظمات الدولية للحصول على قرارات جديدة، خصوصاً أن أغلب هذه الدول منغمسة في مشكلات دولية أو داخلية تضعف من استدارتها نحو الشأن الفلسطيني، وبالذات في ظلّ ظروف الاضطرابات الداخلية، أو الاختناق الاقتصادي المتزايد بعد انهيار أسعار النفط الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاديات الكثير من الدول العربية أو الإسلامية الأهم.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة:

    1. السيناريو الإسرائيلي:

    وهو أن يقوم ترامب بتنفيذ وعده باعتبار نقل السفارة أولوية قصوى كما ردد بعض مستشاريه، لكن هذا السيناريو قد يأخذ مسارين: أحدهما تنفيذ الوعد خلال فترة قصيرة بعد توليه المسؤولية، والآخر أن يؤكد على قرار النقل تاركاً موضوع الموعد ”إلى حين الوقت المناسب“، وقد قال جاسون ميللر الناطق بلسان الرئيس المنتخب في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2016 إن تحديد موعد تنفيذ النقل هو ”أمر سابق لأوانه“.

    2. السيناريو المراوغ: ويتمثل هذا السيناريو في أشكال مراوغة عديدة منها:

    ‌أ. لما كان للولايات المتحدة الآن ثلاثة مكاتب تؤدي خدمات ديبلوماسية في مدينة القدس، أحدها في غربي القدس، والآخر في شرقي القدس، وثالث في  منطقة وسطى بين شرقيها وغربيها، فإن ترامب يمكنه نقل السفارة لغربي القدس أو تحويل المكتب الموجود فعلاً لسفارة، مدعياً أن العرب والعالم يعترفون بأن غربي القدس جزء غير متنازع عليه، وأن من حقّ الولايات المتحدة أن تضع سفارتها هناك، متجاهلاً موضوع الضمّ الإسرائيلي للقدس واعتبارها عاصمة موحدة.

    ‌ب. أن تبقى السفارة الأمريكية في تل أبيب، بينما يقيم السفير في القنصلية الأمريكية في القدس ويبدأ بممارسة أعماله تدريجياً في القدس، وهو حلّ قد  يقبله الإسرائيليون في المرحلة الأولى، على أمل تطويره لاحقاً لنقل كامل.

    ‌ج. قد يقوم ترامب بخطوة مزدوجة، فيعلن عن نقل السفارة الأمريكية للقدس من ناحية، ويعلن عن اعتراف أمريكي بدولة فلسطين في الوقت نفسه  كترضية للطرف الفلسطيني وامتصاص لردات الفعل العربية والفلسطينية.

    رابعاً: الخلاصة:

    إن الظروف العربية والإسلامية، وطبيعة القوى الدافعة في المؤسسات السياسية الأمريكية تجاه نقل السفارة، وفريق العمل الذي اختاره ترامب لإدارته، ستدفعه نحو خطوة متقدمة عن الرؤساء الأمريكيين السابقين في اتجاه النقل بكيفية أو أخرى، وقد تكون أحد جوانب السيناريو المرواغ ضمن مكونات القرار.

    خامساً: التوصيات والمقترحات:

    من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع القرار قبل صدوره، وفي حالة صدوره العمل على عرقلة تنفيذه، ومع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية هي الأدوات المتاحة، بقدرٍ ما، في الظروف الحالية لمنع صدور القرار أو وقف تنفيذه، هو ما يستدعي:

    1. العمل على انعقاد الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز لإصدار بيانات تحذر من خطورة الإقدام على قرار نقل السفارة  الأمريكية للقدس، وذلك بهدف التأثير على صانع القرار الأمريكي.

    2. العمل على التواصل مع الاتحاد الأوروبي، لا سيّما البرلمان الأوروبي، لإصدار بيان يدعو فيه للامتناع عن نقل السفارة، لما في ذلك من مخاطر  على أمن منطقة البحر المتوسط، بشكل خاص والعالم بشكل عام، وأن تتعهد الدول الأوروبية بالامتناع عن الإقدام على الخطوة الأمريكية.

    3. العمل مع الأمم المتحدة بوكالاتها المختلفة للتحذير من خطورة الخطوة.

    4. مطالبة اللجنة الرباعية بعقد اجتماع طارئ لاتخاذ موقف ينذر بأن نقل السفارة سيقود إلى نتائج خطيرة على جهود اللجنة في نطاق مساعي التسوية  السلمية.

    وعلى الجانب الفلسطيني، من الضروري أن تصدر المنظمات الفلسطينية، خصوصاً منظمة التحرير، بياناً واضحاً بأن نقل السفارة سيقود لسحب السلطة الفلسطينية كافة تعهداتها السابقة باعتبار نقل السفارة خروجاً على الالتزامات المتفق عليها في اتفاقات السلام.

    كما أن الفعاليات الشعبية لا سيّما في الدول العربية وفلسطين يمكن أن توجد جواً ضاغطاً لإعادة النظر في احتمالات أخذ قرار النقل للسفارة.

    ذلك يعني أن على الطرف الفلسطيني أن يستخدم الديبلوماسية الوقائية؛ بأن يعمل على منع صدور القرار، فإذا صدر عمل على منع تنفيذه، فإن جرى تنفيذه يتم على أن لا تحذو الدول الأخرى حذو الولايات المتحدة.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ الدكتور وليد عبد الحي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس Word (16 صفحة، 112 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس  (16 صفحة، 612 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/1/2017

  • المشهد العراقي بعد اغتيال قاسم سليماني

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

         المشهد العراقي، كما لا يخفى كان مسرحًا للعملية الأمريكية ضدّ إيران، فإنه من المتوقع أن يستمر كساحة للحرب بالوكالة بين (طهران، وواشنطن) في الوقت الذي يزداد فيه احتمال نشوب عمليات أخرى وضربات جديدة، وخاصة في ظلّ تمركز العديد من القوات الأمريكية هنالك، واستمرارها بالوعيد والتهديد لإيران وقوات الحشد الشعبيّ.

         لقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، فجر يوم جمعة 3/1/2020، مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” في بغداد، بناء على توجيهات من الرئيس دونالد ترامب مباشرة، في مؤشر لتغيير قواعد اللعبة، بحسب “مارك أسبر” وزير الدفاع.

        ويعتبر اغتيال سليماني تغييراً ملحوظا في قواعد الاشتباك، حيث اتّخذت الولايات المتّحدة قرارها السياسي بقتل سليماني، وهو القيادي الإيراني الأبرز، ومدير عمليات إيران خارج حدودها.

           جاء اغتياله بعد تصعيد حادّ بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران والفصائل المدعومة من قِبلها في العراق من جهة أخرى، في أعقاب مقتل مقاول عسكري أميركي في هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في كركوك / العراق، فحمَّلت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عنه، وردَّت الولايات المتحدة بهجوم جويّ على فصائل حزب الله العراقي المدعومة من إيران، وهاجم أنصار الحزب السفارة الأمريكية في بغداد، على إثره.

         ولكن لابد من سائل يسأل لماذا هذا الإعلام والضجة والصراخ على مقتل قاسم سليماني؟ فكم يقتل أبرياء في ساحات الاعتصام السلمية ولم نسمع صوتا واحدا؟!! ولم يحضر رئيس الوزراء إلى مجلس النواب بالرغم من طلبه لأكثر من مرة؟ فهل هانت دماء العراقيين لهذا الحدّ فليس لها حرمة ولا قيمة؟!!!

    من هو قاسم سليماني؟

         أحيط هذا الرجل بهالة كبيرة من خلال الدعم والصلاحيات والثقة العالية التي منحه إياها ما يسمى ب (ولي الفقيه)، حيث أصبح العقل المدبر للعمليات الإرهابية التي ينفذها فليق القدس، وهو المسؤول الأول عن تفتيت المنطقة برمتها! يستمد أهميته في الساحة الإيرانية من خلال قدرته على خلق تحالفات جديدة وغريبة لخدمة أهدافه، فهو بارع في التمدّد وحياكة المؤامرات، من خلال استخدام الرشاوي المالية لاستمالة السياسيين واستئجار المرتزقة وتخويف الخصوم أو المترددين في تنفيذ رغباته، وإنشاء المليشيات وتسليحها، وتنفيذ الاغتيالات…

           تبنّى سليماني الطائفية في العراق ووظف الخلافات الشيعية السنية في صالح السياسة الإيرانية، كما استثمر الانشقاقات لإحكام السيطرة على الجماعات المختلفة، وقد نجح بالفعل في تحقيق تلك الاستراتيجية بل وفي تطويرها من خلال حصوله على الدعم المالي الغير محدود من الدوائر الإيرانية، لدرجة تصفه تقارير إعلامية غربية بأنه الحاكم الفعلي للعراق، فقد أرسل في مطلع عام 2008 رسالة إلى الجنرال “ديفيد بترايوس” عندما كان قائد القوات الأمريكية في العراق على هاتفه الشخصي يقول فيها: ( أنا قاسم سليماني أتحكم في السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق، ولبنان، وغزّة، وأفغانستان، والسفير الإيراني لدى بغداد، وأنا عنصر من فليق القدس، والسفير الذي سيحل محله عنصر آخر).

          شكّل وصول محمود أحمدي نجاد علامة فارقة في نفوذ سليماني الذي سعى منذ تسليمه قيادة فيلق القدس إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران، من خلال منحه الصلاحيات الواسعة ومنها التفرّد في الملف العراقي، وأصبحت وزارة الأمن تابعة له وفق أوامر المرشد دون أن تكون منافسة للحرس لثوري.

          تمكّن سليماني من إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار أسد من الانهيار، من خلال وضع استراتيجية التصدّي للانتفاضة المسلحة التي اندلعت عام 2011، واستطاع خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من قلب موازين المعركة ودحر المعارضة السورية، إذ ساعد دعمه العسكري، مضافًا إلى الدعم الجوي الروسي على قلب دفة القتال ضدّ القوى الثورية لصالح الحكومة السورية، وسمح لها في استعادة العديد من المدن والبلدات الرئيسة، ووفقا للمعلومات فهو يدير المعركة من مبنى محصّن في سوريا، وقد أعدّ سلسلة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب في الميدان، بينهم قادة سوريون، وقادة من حزب الله، وقادة من المليشيات العراقية…

         ولم تقتصر عملياته على الشرق الأوسط، فبين عامي 2012 -2013 قام بأكثر من ثلاثين عملية نوعية في كل من نيو دلهي، لاجوس، وتمكّن من نقل الرجال والمواد المتفجرة عبر تايلاند، ونيروبي، وساعد القاعدة على الدخول إلى إيران والخروج منها، واستثمارها لأهدافه!

          يتمتع سليماني بنفوذ واسع داخل إيران ويعد ثاني شخصية بعد المرشد وله دور كبير في قمع كل التظاهرات داخل إيران، وكل ذلك كان تحت سمع أمريكا وبصرها.

         وقد بلغت عملية التلميع الممنهج نوعًا من الاستعراض المسرحي للتفوق الإيراني، فطهران تصدّره كبطل عسكري ورجل يمكن الاعتماد عليه في مواجهة المستقبل. ويُعد قاسم سليماني أقوى شخصية عسكرية في إيران وهو العقل الاستراتيجي الذي يقف وراء طموحات إيران في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الحقيقي في شؤون الحرب والسلم.

    فلماذا قتل سليماني؟

          رصدت الولايات المتحدة تحركات قاسم سليماني في كلٍّ من: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) منذ عام 2007، وقد اتهمته بأنه كان وراء الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية بعد احتلال العراق، وصنفت: (قوات الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس كمنظمات إرهابية في ابريل عام 2019، وقالت إدارة ترامب: إن فيلق القدس قدّم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات إلى جماعات في الشرق الأوسط تُصنفها الولايات المتحدة بأنها منظمات إرهابية أجنبية، بما في ذلك حزب الله اللبناني، وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة، وفي بيان للبنتاغون يقول: إن سليماني ” دبّر بفعالية خططا لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة ” وأضاف البيان أن “الجنرال سليماني، وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل المئات من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف وجرح الألاف منهم”

           وما تسرّب من معلومات عن السيناريو الذي كان يقوده سليماني قبل أسبوعين، حيث اتفق الإيرانيون على سيناريو جديد في العراق للقيام في انقلاب عسكري والسيطرة على الحكومة بعد أن عجزت الأحزاب الحاكمة عن فرض مرشحيها لرئاسة الوزراء، وأن سليماني ذهب لدمشق لإبلاغ بشار أسد بالخطة وبعدها غادر لبغداد لإكمال الترتيبات التالية:

    • اغتيال المسؤولين العراقيين الرافضين لترشّح الأحزاب الحاكمة إلى رئاسة الوزراء.
    • إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
    • قمع الانتفاضات الشعبية وإحكام القبضة الأمنية والسياسية على البلاد.
    • اختطاف رهائن من السفارة الأمريكية والتعامل مع الأمريكان بسيناريو سنة ١٩٧٩ وهذا الأمر يساهم بخسارة فادحة للرئيس ترامب في الانتخابات القادمة ويحقّق انتصارات للديمقراطيين، وأن يتم إطلاق سراحهم بعد سقوط ترامب كرسالة تعاون بين الإيرانيين والديمقراطيين كما حدث مع الرئيس ريغان واتفاقية الجزائر عام ٨١ 19م. وصلت إلى ترامب له هذه المعلومة قبل أسبوع حين تمّت محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد.

         إن توقيت عملية الاستهداف كان ذكياً جداً، جاء في “الوقت الذي يثور فيه العراقيون في جنوب العراق ووسطها على التدخل الإيراني، فضلا عن استمرار المظاهرات في لبنان بشكل أو بآخر ضدّ سطوة حزب الله المؤتمِر بأوامر إيران، وكذلك بعد عدّة مظاهرات جرت في 29 محافظة إيرانية (مؤخراً)، وهي قابلة للاشتعال في أي وقت لاحق”.

         إن عملية مقتل سليماني تأتي تنفيذاً لتهديد الرئيس الأميركي الذي وجّه لإيران تصريحاته الأخيرة بأنها ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة اقتحام السفارة الأمريكية، وشدّد في تصريحه بأن كلامه تهديد وليس تحذير، واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أنه من غير الصحيح أنّ قائد فيلق القدس قاسم سليماني كان في بغداد بزيارة دبلوماسية، مؤكداً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قرارًا بقتل سليماني بناء على معلومات استخبارية. تهدف الضربة الأمريكية لردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية.

    البرلمان العراق وقرار إخراج القوات الأجنبية:

          على إثر ذلك تحرّكت الأحزاب الموالية لإيران وطلبت عقد اجتماع مجلس النواب العراقي وناقشت يوم الأحد الموافق 5/1/2020م مشروع خروج القوات الأمريكية من العراق باعتبار أنها تجاوزت السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدّة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارسه دون العودة للحكومة العراقية. ويشير البعض إلى أن هذا المشروع ربما كان السبب في تعجيل هذه العملية التي ربما تعيد رسم خريطة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. واقر مجلس النواب بحضور رئيس الوزراء السابق؛ إخراج القوات الأجنبية من العراق، حضر الاجتماع نواب الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران فقط ولم يحضر أحد من نواب السنة أو الأكراد. فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت في البرلمان أنه لم يصدر قانونياً ملزماً بهذا الشأن بل كان مجرد قرار غير ملزم عكس طبيعة القانون.

          وردّت الولايات المتحدة الأميركية، على قرار البرلمان بإلزام الحكومة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، حيث هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باحتمال فرض عقوبات على العراق تفوق تلك المفروضة على إيران، وهو ما أكّدته تقارير صحافية أميركية، وهذا ما أكده مسؤولون في البيت الأبيض حيث قالوا: إنهم أعدّوا قائمة للعقوبات المحتملة على العراق، وهذه العقوبات ستكون مؤذية بشكل كبير للعراق الذي يمرّ بظروف استثنائية”. حيث يمر بوضع هوا الأسوأ منذ زمن الحصار في التسعينيات، فإنّ الشعب العراقي يُعرّض صدره للرصاص، ويموت من أجل لقمة العيش، فعلينا أن نتصوّر المأساة التي ستحلّ بالعراقيين إذا فُرضت عليهم عقوبات أخرى وهم يمرّون بهذه الظروف الصعبة.

          أريد بهذا القرار أن  تستفرد إيران بالعراق من خلال هذه التعابير الفضاضة، والمقصود هنا في القوات الأجنبية هي القوات الأمريكية بالتحديد لأن هذه العبارة لا تعني التواجد الإيراني، فالقوات الأمريكية متواجدة وفق اتفاقيات تحدّد أسلوب العمل ومدّة البقاء وشروط إنهائه وأماكن تواجدها معلوم، أمّا التواجد الإيراني فهو موجود في كل مفاصل الدولة العراقية من خلال الأحزاب الموالية لإيران، ومن خلال المليشيات المسيطرة على الجانب الأمني ودون أي اتفاق أو ضوابط، فالمطوب هو إخراج التواجد الإيراني أولا، والذي لا يمكن إخراجه إلا بمساعدة دولية، وبعد ذلك يتم التفكير في إخراج الأمريكيين، أو تقليص نفوذهم وفق بنود الاتفاق، وإلا كيف يمكن إخراج القوات الأمريكية التي تحقّق نوعًا من الموازنة ! لأن خروج أمريكا يعني ترك العراق لإيران.

          والسؤال الأهم للبرلمان أليس دخول قاسم سليماني وخروجه وقتما يشاء وكيفما يشاء إلى إيران، وسوريا، ولبنان، وبدون تأشيرة خرقا للسيادة؟ وأين مجلس النواب من اختراق السيادة العراقية؟ فإيران تطلق 22 صاروخا على أرض العراق أليس هذا خرقا للسيادة؟ أليس هذا إعلان حرب على العراق فلماذا لم يجتمع البرلمان؟

    الردّ الإيراني:

            لا تجرؤ إيران على ضرب القواعد الأمريكية في الكويت، وقطر، والإمارات، وعمان، والسعودية، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا، وجميع هذه الدول لها حدود مشتركة معها لكنها تضربها في العراق فقط لكثرة الذيول فيه، وحكومته عميلة ذليلة، ونقلت “اندبندنت العربية”، ومصادر دبلوماسية عراقية، أن الأيام الماضية التي أعقبت تنفيذ الولايات المتحدة هجوماً بالطيران المسير، أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس في “الحرس الثوري” الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، شهدت حراكاً دبلوماسياً متسارعاً في المنطقة، شارك فيه العراق، أسفر عن توافق بين واشنطن وطهران بشأن الردّ، ويتضمن التوافق تنفيذ إيران هجوماً صاروخياً محدوداً على عدد من المواقع التي تضمّ قوات أميركية داخل العراق، بما يضمن عدم سقوط قتلى من جيش الولايات المتحدة، وهذا ما حدث بالفعل، وفقاً للمعلومات الأولية، كبالون إعلامي لإعادة ماء الوجه لإيران ولإيهام الشعب الإيراني بردّ مزلزل، إن هذا ما اتفقت عليه كافة الأطراف بشأن الضربة الصاروخية تجاوزا للازمة…

           وهكذا تمخضت كل التهديدات المرعبة عن زوبعة في فنجان. وهذ ما توقعناه في مقالنا السابق: (ثورة الكرامة تنتصر رغم صراع أمريكا وإيران على أرضها)

           لم يفاجئ القصف الإيراني القاعدتين التي تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق فبعد التصعيد الكلامي الذي تبادلته واشنطن وطهران عقب مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية في بغداد. وتبدو الضربات الجوية الإيرانية على قاعدتي عين الأسد الجوية، ومدينة أربيل من النظرة الإيرانية كانتقام لمقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني. ومباشرة بعد القصف الإيراني للقاعدتين في العراق بدأت الحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة وإيران فيما تؤكد واشنطن أن القصف لم يخلف ضحايا بشرية.

          فتصريحات معظم المسؤولين الإيرانيين بعد القصف هي الأخرى تدفع للحديث عن ضربة رمزية بهدف حفظ ماء الوجه داخليًا وعلى مستوى المنطقة، حيث أشار وزير الخارجية جواد ظريف في تصريحاته أن هذا القصف يأتي في إطار إجراءات متكافئة للدفاع عن النفس بموجب المادة: 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن بلاده لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب. كما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن إيران لا تسعى للحرب مع الولايات المتحدة. إلى جانب هذا، بقاء الصمت الذي تلتزم به واشنطن بعد القصف الإيراني، حيث اكتفى ترامب بكلمة واحدة على تويتر “كل شيء على ما يرام”. وثمة معطيات أخرى تشير إلى أنّ القصف الإيراني رمزيا، منها:

    1. القواعد العسكرية المستهدفة في العراق:

    تعدّ قاعدة عين الأسد الجوية ثاني أكبر القواعد الجوية بالعراق والتي تستخدمها القوات الأمريكية. ومنذ الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بغداد ومقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني الجمعة، حول الجيش الأمريكي في العراق كل قواته إلى قاعدة عين الأسد، وشدّد الإجراءات الأمنية حول المنشأة العسكرية، ما يجعل القاعدة محصنة بشكل كبير، ولذلك اختيرت لتوجيه الضربة لعدم وقوع خسائر.

    1. 2. صمت واشنطن:

        أكد المسؤولون الأمريكيون أن القصف الإيراني للقاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في العراق لم يسبب خسائر بشرية لأن الصواريخ البالستية سقطت في محيط القواعد وفي مناطق غير مأهولة من قاعدة عين الأسد، وغياب الردّ المباشر من الرئيس الأمريكي المعروف بتهوره في مثل هذه المواقف خاصة، وأنه هدّد بالردّ السريع على أي استهداف للمصالح الأمريكيين في المنطقة من طرف إيران.

    1. 3. الحرب الإعلامية:

        مباشرة بعد بدء القصف الإيراني للأهداف الأمريكية، انتهجت طهران سياسة إعلامية دعائية كبيرة، حيث تمّ وصف هذه العملية بالثأر الذي وعدت به إيران من الولايات الأمريكي لمقتل قاسم سليماني. فالإعلام الرسمي الإيراني بث صور القصف ووزعه على كافة وسائل الإعلام العالمية، كما سارعت وسائل الإعلام الإيرانية إلى الحديث عن وقوع عدد كبير من القتلى بهدف حفظ ماء الوجه، في الجانب الأمريكي وهو الأمر الذي نفاه الأمريكيون.

    1. 4. تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين

      :

        سارع المسؤولون الإيرانيون بعد القصف مباشر لجملة من التصريحات تراوحت ما بين النبرة الحادّة داخليا والتطمين على المستوى الدولي، وقال وزير الخارجة ظريف: إن “رد طهران على اغتيال الجنرال سليماني انتهى، نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا ضدّ أي عدوان.

    1. 5. أثبت الخبراء من خلال الحطام أن الصواريخ برؤوس فارغة لا يوجد فيها رئس حربي أي (بدون مواد متجرة).

    فما هي تبعات مقتل سليماني؟

    1. كان التصور العام أن إيران قويّة داخل العراق بوجود سليماني، ونائبه أبو مهدي المهندس، الشخصية التي أصبحت تأمر وتنهى، أما بعد مقتلهما فقد اهتزت تلك الصورة، وأظهرت ضعف إيران ذات المخالب المتوزعة على أكثر من بلد، حيث دفعت الثمن غاليا مقابل الأحجار التي رمتها على السفارة الأميركية.

     2.من ناحية أخرى فإن الدعم الإيراني للميليشيات في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان ستشهد انحسارا خلال الأيام المقبلة… وسوف تحاول إيران إعادة تنظيم نفسها من جديد بعد سليماني الذي كان المدبر الأساسي لجميع أنشطة الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة”.

    1. إن مقتل سليماني قد يحرّر بشار الأسد أكثر من ذي قبل، فسليماني كان الرجل المتابع للملف السوري منذ 9 سنوات وكان يشكّل ضغطاً على القرار السوري، وبعد مقتله سيتحرر بشار أسد من سطوته وتحكّمه”.
    2. الجغرافية العراقية لم تعد تحتمل الأمريكان والإيرانيين كلاهما، ولا بد من خروج أحدهما، ويبدو أن سليماني كان يخطّط من خلال أذرعه لإجبار أمريكا على الانسحاب من العراق… فإيران بدأت تخسر العراق وإن هي ردت رداً حقيقياً على مقتل سليماني فهذا يعني إعطاء ذريعة لأمريكا باستهداف الأراضي الإيرانية بعمليات عسكرية، وهناك بنك أهداف موجود لدى واشنطن، وهذا قد يعطي أيضا ذريعة للشعب الإيراني للثورة ضد نظامه”.
    3. لا ردّ حقيقي من قبل إيران، إلا أنه لم يستبعد حدوث عمليات “عشوائية وغير مخطط لها” من فصائل الحشد الشعبي العراقي “وهذا لا يمكن التكهن به”، وأن الأمريكيين حريصون جداً على حفظ التوازنات في العراق، وسوريا، وعدم الإخلال بها وعدم الاحتكاك مع الروس، وإعطائهم مبرر للتدخل بالملف العراقي، واللبناني”.
    4. وفي إطار متصل فإن العملية تلك ربما تقضي على ما تبقى من أمل في إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا منفردة عام 2018، فالاتفاق الذي كان ميتًا سريريًا بعد انسحاب واشنطن، في ظل مساعٍ أوروبية لبث الروح فيه من جديد، بات اليوم بعد التصعيد الأخير ميتًا بصورة شبه رسمية، فقد طالب الرئيس الامريكي الدول بالانسحاب من الاتفاق، وسط احتمالات للتوصّل إلى اتفاق جديد وهذا ما تطلبه أمريكا.

    هل ستغادر القوات الأمريكية؟

         احتلت الولايات المتحدة الأمريكية القواعد العراقية بعد احتلال العراق عام 2003، وقامت بتطويرها فيما يتناسب مع قواتها، وأصبح عدد القواعد المشغولة 12 قاعدة موزعة بشكل دقيق بما يؤمن إحكام السيطرة على كل العراق، وتعتبر العراق مركز الشرق الأوسط الذي ينبغي السيطرة عليه لأحكام السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، ولذلك فإن القوات الأميركية تعتزم إنشاء مطار دولي عملاق بمواصفات عالمية، لطائرات “بي 52” العملاقة، في قاعدة عين الأسد الجوية بناحية البغدادي، في قضاء هيت غربي محافظة الأنبار وفي حال تمّ إنشاء هذا المطار، فإنه سيكون “من أهم المطارات في العالم”، كونه مخصّص لـطائرات “بي 52″، كالمطار الموجود في بريطانيا.

             ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها».

            اعتبرت السفارة الأمريكية في بغداد يوم الجمعة 10/1/2020 أن الوجود العسكري لبلاده في العراق هو لموصلة القتال ضدّ تنظيم داعش، وأعلنت أمريكا بأنها لا نفكر في الانسحاب من العراق، ولن تناقش هذا الموضوع!!!

    الاحتمالات المستقبلية:

            مع كل ما ذكر آنفا فلا تزال إيران تواجه الاحتمالات الكارثية فما لحق بها أمر شديد الوطأة أيّا كانت المقاييس، لذا فإن تجاوز الأزمة بالتهدئة أو المقايضة أمر أقرب إلى التحقّق فيما يبقى أمر الردّ على العدوان كابوسا مخيفا فعواقبه ستجعل إيران اليوم شيئًا من الأمس البعيد… واغتيال سليماني رسالة أمريكية قد وصلت إلى إيران،  وفهمت بأن ترامب يريدّ التفاوض، وليس من الحكمة النفخ في كير الحرب، وليس من الحكمة المسارعة في الاصطفاف فيها، وهم منذ أربعين عاما متفقون على تدمير دولنا العربية، ومحو هويتنا، واستنزاف طاقاتنا وثرواتنا، ومنذ عشرين عاما ذهبوا معًا بعراقنا ودمروا كل شيء ، وقبل سبعة أعوام دمروا سوريا، واليمن …

         لقد أعرب دونالد ترامب عن هذا التخادم في قوله: “تدمير داعش الذي هو عدو طبيعي لإيران يصبّ في مصلحتنا، ويجب أن نعمل سويًا على هذا الأمر وغيره من الأمور المشتركة”.” أَدعوا قادة إيران إلى التعاون معنا ضدّ داعش”.

          فكلّ ما حدث لا يعدو أن يكون سوى تحذير أمريكي لإيران كي لا تخرج عن النص فواشنطن أرادت تنبيهها إلى ضرورة البقاء داخله، وفي هذا السياق يفهم مقتل سليماني. وهذه هي اللعبة القذرة بين إيران وأمريكا والمتضرر الأكبر منها، هو العراق.

         أقول سوف تقلّم أمريكا أذرع إيران ومعهم مليشيات العراق وتغدر بهم لأنهم خونه ومن يخن بلده يسهل عليه خيانة الآخرين. وستجلس أمريكا وإيران للتفاوض من جديد حول:

    1. الملف النووي بما لا يهدّد أمن إسرائيل
    2. تقاسم كعكة النفوذ في المنطقة.

        واستمرار تظاهرات ثورة الكرامة بهذه الصورة المدهشة، وراء مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ستقولون كيف؟

        أقول إن تلك التظاهرات كانت أحد أهم أسباب تحرّك قاسم سليماني بكتائب حزب الله العراق لضرب القاعدة الأميركية، ثم الهجوم الأميركي ومقتل قياديين من الكتائب، ثم ما حصل ضدّ السفارة الأميركية بعد اجتياح المنطقة الخضراء، وبأمر بطبيعة الحال من قاسم سليماني مباشرة، وبالفعل تمّت التغطية تمامًا على التظاهرات خلال الأيام الماضية.

       عاش العراق موحدا حرًا مستقلًا، وأسأل الله الرحمة لكل شهداء ثورة الكرامة شهداء ثورة العراق، والشفاء التام لجرحى الكرامة، ونسأل الله العودة الكريمة لكل المغيبين قسرًا في سجون الميليشيات إلى أهلهم وذويهم.

  • تقدير استراتيجي (89): آفاق المبادرة الفرنسية‎

    تقدير استراتيجي (89) – حزيران/ يونيو 2016.English_Version

    ملخص:

    لا تمتلك ”المبادرة الفرنسية“ فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة، بل إن حظها أقل من سابقاتها، بحكم  أن فرنسا وأوروبا لا تمتلك القدرة الكافية للضغط على ”إسرائيل“ حتى لو توفرت لديها الإرادة لفعل ذلك، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية غير متحمسة للمبادرة الفرنسية، وكل همها هو تفريغها من مضمونها والاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها، كما أن المبادرة انطلقت من سقف منخفض هو أقل بكثير من الشرعية الدولية، بل حتى لا تولد ميتة أخذت تبحث عن مرجعية تتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، كما أن الحد الأقصى الذي تستطيع تحقيقه إذا حققت شيء أصلاً، هو استئناف المفاوضات الثنائية برعاية دولية شكلية، وما يعنيه ذلك من منع تبني خيارات أخرى وإضاعة المزيد من الوقت الثمين، الذي تستغله “إسرائيل” لاستكمال إيجاد أمر واقع احتلالي يجعل الحل الإسرائيلي بإحدى صيغه هو الحل الوحيد المطروح والممكن عملياً.
    تأسيساً على ذلك، فمن الخطأ منح المبادرة الفرنسية تأييداً على بياض، بل الموقف منها يجب أن ينطلق من مدى التزامها بالحقوق الوطنية الفلسطينية.

     مقدمة:

    ظهرت ما تعرف بـ”المبادرة الفرنسية” في سنة 2014 عندما طرحت فرنسا مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن المبادئ والأسس والمعايير التي من المفترض أن تحكم مسيرة السلام لضمان نجاحها، ولكن مشروع القرار هذا عارضته أمريكا و”إسرائيل”، وتحفظت عليه ألمانيا وبريطانيا، ولم تستطع القيادة الفلسطينية أن تقبله لتضمنه بعض النقاط التي تمسّ بالحقوق الوطنية الفلسطينية، مثل قبول “إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، على الرغم من تضمنه بعض النقاط الإيجابية، مثل تحديد جدول للمفاوضات وآخر لتنفيذ ما يتفق عليه، وتشكيل مجموعة دولية لتواكب المفاوضات وتساعد على إنجاحها، لأن المفاوضات الثنائية من دون تدخل دولي لم تؤدِّ إلى اتفاق.

    وجددت فرنسا تحركها السياسي في بداية هذه السنة بصورة مختلفة عن تحركها السابق، إذ تضمنت:

    أولاً: ضرورة إيجاد المجموعة الدولية لتقوم بالاتفاق على مرجعية المفاوضات، من خلال عقد اجتماع دولي دون مشاركة “إسرائيل” وفلسطين، وقد تمّ عقده فعلاً في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي.

    ثانياً: عقد مؤتمر دولي يسبقه تشكيل فرق عمل حول الأمن والتعاون الإقليمي والاقتصادي ومقومات الدولة.

    وكان من المفترض أن تنتهي المرحلتين قبل نهاية صيف سنة 2016، ثم تأجّل عقد المؤتمر الدولي إلى ما قبل نهاية السنة الجارية، مع أن عقدة ما يزال مجرد احتمال.

    إن قصر الإليزيه حاول وسيبقى يحاول استرضاء حكومة نتنياهو والحصول على رضى واشنطن، وهو ما أدى إلى إجراء تعديلات على الأفكار الفرنسية، فبعد التراجع عن عرض مشروع قرار في مجلس الأمن أولاً، تُركت مسألة تحديد المرجعية للاجتماع الدولي، لتتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، وأن تكون الصياغة عامة، وهذا يعني أن المرجعية ليست القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بل يدور البحث حول إيجاد مرجعية متفق عليها، أي أدنى مما تتضمنه الشرعية الدولية. كما تبخر سريعاً الوعد الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذ فشلت الجهود الفرنسية بعد الاعتراض الإسرائيلي عليه.

    وطالب رئيس الحكومة الفرنسية الدول العربية الاعتراف بـ”إسرائيل” أولاً لتشجيعها على قبول “المبادرة العربية”، التي تربط ما بين الاعتراف والتطبيع العربي بموافقة “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967. واعتذرت فرنسا عن تصويتها في اليونيسكو حول المسجد الأقصى، وتعهدت بالتراجع عن هذا الموقف في أيّ تصويت جديد. وقللت، وهذا هو الأهم، من أهمية دور مجموعة الاتصال الدولية، إذ أصبح جوهر دورها ودور المؤتمر الدولي المزمع عقده، كما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي في افتتاح اجتماع باريس، تشجيع “إسرائيل” وفلسطين على استئناف المفاوضات الثنائية.

    كما نصحت فرنسا القيادةَ الفلسطينية —التي قبلت النصيحة— بتجميد تحركها بخصوص عرض مشروع قرار على مجلس الأمن بخصوص الاستيطان، لكون مثل هذا القرار يعرقل الجهود الفرنسية! مع أنه من المفترض أن يساعدها على النجاح. وتميّز الموقف الفرنسي بالحدة من حملة مقاطعة “إسرائيل”، إذ رأتها معادية للإنسانية والسامية.

    أولاً: اجتماع باريس مخيب للآمال:

    لقد جاءت نتائج اجتماع باريس مخيبة للآمال، لدرجة أن معظم القيادات الفلسطينية أعربت عن صدمتها من اختطاف الاجتماع من قبل وزير الخارجية الأمريكي، الذي حاول فرض صيغة سيئة جداً جوهرها: الشروع في التطبيع العربي الاقتصادي والأمني مع “إسرائيل” وبناء مقومات الدولة، مقابل تمديد المرحلة الانتقالية، ما أفرغ الصيغة المطروحة للبيان الختامي من مضمونها.

    ولم يتضمن البيان الكثير من القضايا، بل جاء عمومياً دون خطوات وأهداف حقيقية، وبلا خطة عمل ملموسة، ولا آليات تنفيذ وجداول زمنية، إضافة إلى أنه ساوى بين الطرفين.

    ولا يكفي ما جاء في البيان من تكرار واجترار كما ظهر في التأكيد على حلّ عادل ودائم وشامل، وعن حلّ الدولتين وما يتعرض له من أخطار، وأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، وعن إعادة بناء الثقة وإيجاد الشروط للإنهاء التام للاحتلال الذي بدأ سنة 1967، وحلّ قضايا الوضع النهائي عبر مفاوضات مباشرة على أساس القرارين 242 و338، وبناء على قرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة، إضافة إلى إبراز أهمية تنفيذ مبادرة السلام العربية.

    تُدرك جميع الأطراف، بما فيهم القيادة الفلسطينية، أن الوضع الراهن لا يحمل أيّ احتمال حقيقي للتوصل إلى حلّ متفق عليه للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك لأن “إسرائيل” تحكمها حكومة متطرفة وعنصرية أعادت إحياء خطة إقامة “إسرائيل الكبرى”، وتعتقد أن المتغيرات العربية والإقليمية والدولية والوضع الفلسطيني الضعيف والمنقسم الذي يعاني من فقدان الخيارات يوفر لها فرصة تاريخية لتحقيقها، عبر الانتقال من سياسة إدارة الصراع ومنعه من التوصل إلى حلّ، إلى سياسة فرض الحل الإسرائيلي برضى أو من خلال الخطوات أحادية الجانب.

    في هذا السياق، فإن أقصى ما تقدمه المبادرات، وخصوصاً الفرنسية، هو محاولة الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم تدهوره إلى مواجهة شاملة فلسطينية – إسرائيلية، والإبقاء على ما يسمى “حلّ الدولتين” انتظاراً لتوفر ظروف أخرى لتحقيقه مستقبلاً. فالهدف إبقاء خيار الدولة الفلسطينية على قيد الحياة لوجود قناعة فرنسية وأوروبية ودولية بأن موت “حلّ الدولتين” بالرغم من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية يهدد الأمن والاستقرار ويغذي الإرهاب ويشجع على تواصل موجات الهجرة.

    ثانياً: مواقف الأطراف الرئيسية من المبادرة الفرنسية:

    1. الموقف الفرنسي:

    اختلف موقف فرنسا الحالي عن موقفها التقليدي الذي كان أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، إذ أصبح متفهماً للموقف الإسرائيلي، ويحاول مراعاته باستمرار. وهذا يثير الشكوك حول مدى قدرة المبادرة الفرنسية على الاستمرار والنجاح، لأنه من دون ممارسة ضغوط جدية على “إسرائيل” لا يمكن نجاح أيّ مبادرة تسعى للتوصل إلى تسوية.

    تريد فرنسا من تحركها تحقيق نجاح هي بحاجة له، وخصوصاً بعد فشلها المدوي في سورية، وهي تدرك أن سقف التوقعات منخفض في ظلّ أن الرئيس الفرنسي في آخر عام من عهده، إذ يكفي الديبلوماسية الفرنسية في الحد الأدنى أن تنجح في تحريك ملف القضية الفلسطينية المجمد والمتراجع جرّاء ما يحدث في المنطقة، وهذا قد يحسّن من فرص حزبه في الانتخابات القادمة، وياهم في ملء الفراغ الناشئ عن فشل الجهود والمبادرات الرامية إلى التوصل إلى حلّ، ووصول المسيرة السياسية إلى مأزق شامل. هذا الفراغ يمكن أن تملأه أطراف أخرى إذا لم تستأنف المسيرة السياسية، خصوصاً في ظلّ ابتعاد وانشغال الإدارة الأمريكية ودخولها مرحلة البطة العرجاء عشية الانتخابات الرئاسية.

    من الواضح أن قصر الإليزيه يعرف جيداً أن فرنسا لا يمكن أن تحل محل أمريكا، لذا ما تفعله أشبه باللعب في الوقت الضائع، ويتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، فليس من المستبعد تأجيل عقد المؤتمر الدولي (إذا طلب البيت الأبيض ذلك) المحتمل عقده هذه السنة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وتشكيل الإدارة الجديدة. وما يشجع فرنسا على مواصلة تحركها تأييد الاتحاد الأوروبي لمبادرتها بعد تردد طويل على الرغم من أن خروج بريطانيا منه سيلعب دوراً معاكساً.

    2. الموقف الإسرائيلي:

    ترفض الحكومة الإسرائيلية أيّ تحرك دولي يؤدي إلى مشاركة أطراف دولية في المفاوضات، لأنها تفضل الاستفراد بالفلسطينيين من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة، حتى الرعاية الأمريكية للمفاوضات السابقة قبلتها الحكومات الإسرائيلية على مضض، وجعلتها دائماً ضمن الحد الأدنى، لذلك ترفض المبادرة الفرنسية، ولكنها تستخدم هذا الرفض لترويضها وجعلها تقترب من الشروط والمواقف الإسرائيلية.

    كما يعزز من رفض حكومة نتنياهو للمبادرة الفرنسية تفضيلها لما تسميه “الحل الإقليمي”، خصوصاً بعد خطاب الرئيس المصري ودعوته لتحويل السلام البارد إلى سلام دافئ، ومدخل هذا الحل مفاوضات عربية إسرائيلية تكون القضية الفلسطينية مخرجاً ثانوياً نهائياً له، تغطي على تطبيع وإقامة علاقات عربية متنوعة مع “إسرائيل” انتعشت في السنوات الأخيرة على خلفية العداء المشترك لما يسمى “الخطر الإيراني الشيعي”، وتصاعد “الاٍرهاب السني”.

    اضطرت “إسرائيل” سابقاً إلى إعطاء الأولوية لعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين، على أمل أن يفتح لها أبواب المنطقة العربية، بينما أصبحت في السنوات الأخيرة تراهن على الاتفاق مع العرب واستخدمه لفرض “التسوية” التي تريدها على الفلسطينيين، إذ أوضح نتنياهو موقفه تماماً من المبادرة العربية بعد الأنباء التي تحدثت عن موافقته عليها، مؤكداً بأن لا مفاوضات على أساسها إلا بعد تعديلها فيما يخص الانسحاب الإسرائيلي، وما تتضمنه من إشارة لحل قضية اللاجئين، فهو لا يكتفي بالتنازل العربي الوارد فيها بالحديث عن حلّ متفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194.

    بالرغم مما تقدم، لم تتوقف “إسرائيل” عن محاولاتها المنفردة، أو مستعينة بالإدارة الأمريكية، لترويض المبادرة الفرنسية لتصبح ملائمة للشروط والإملاءات الإسرائيلية، وإذا استطاعت “إسرائيل” في ظلّ غيابها عن اجتماع باريس أن تكون حاضرة كما يتضح من البيان الختامي الذي تعرضنا له، فما الذي سينتج عن مؤتمر دولي، تشارك فيه “إسرائيل”، ولن يُعقد إذا لم توافق على المشاركة فيه؟!!

     3. الموقف الفلسطيني:

    رحبت القيادة الفلسطينية بالتحرك الفرنسي منذ البداية على الرغم من معرفتها بسقفه الهابط، لأنها راهنت على أنه يمكن أن يحافظ على الوضع الراهن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويمكن أن يجنبها الدخول في اختبار عملي لما هددت به منذ فترة من اعتماد خيارات أخرى. لذا، منحت التحرك موافقة على بياض، وروّجت له عربياً وفي كل أصقاع الدنيا، إذ تعاملت معه مثل الغريق الذي يتعلق بقشة كل ما يهمه أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة، وليس مهمًاً كيف، وما هي المخاطر المترتبة على عدم وجود المتطلبات الكفيلة بحماية القضية الفلسطينية وتجسيدها.

    واستكمالاً لهذا الرهان، وافقت القيادة على عدم المشاركة في اجتماع باريس، وهذا أمر خطير، فكيف تُبحث القضية بغياب أصحابها بذريعة حضور بعض الأشقاء والأصدقاء العرب والأجانب؟!

    لا يعقل أن يغيب أصحاب القضية الذين ناضلوا وضحوا طويلاً ليكون العامل الفلسطيني حاضراً في ظلّ أن الأوضاع العربية سيئة جداً، ولا ينفع وضع القضية الفلسطينية في يد العرب أو بعضهم وهم في أسوأ حال.

    بالرغم من خيبة أمل القيادة من نتائج اجتماع باريس إلا أنها بلعت الاعتراضات التي وردت على لسان معظم أفرادها، وجددت دعمها للمبادرة الفرنسية لكونها “اللعبة الوحيدة في المدينة”، وعزاؤها في ذلك أن كيري لم ينجح تماماً —بتواطؤ من بعض الدول الأوروبية— في تمرير الأجندة الحقيقية لما يجري، وهي فتح طريق التطبيع والعلاقات العلنية العربية مع “إسرائيل” دون موافقتها على مبادرة السلام العربية.

    ثالثاً: سيناريوهات المبادرة الفرنسية:

    1. السيناريو الأول: عدم عقد المؤتمر الدولي:

    يقوم هذا السيناريو على احتمالية عدم وصول المبادرة إلى عقد المؤتمر الدولي جرّاء الرفض الإسرائيلي وعدم استعداد الإدارة الأمريكية لممارسة الضغط على “إسرائيل”، إضافة إلى عدم رغبة وقدرة فرنسا والاتحاد الأوروبي الضغط الكافي عليها، وخصوصاً بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ودلالاته وتداعياته السلبية المحتملة، التي قد يكون من ضمنها بروز النزعات الانغلاقية واليمينيّة وانشغال أوروبا بشؤونها الداخلية، وهذا من شأنه أن يصبّ في محصلته لصالح الموقف الإسرائيلي.

    وسيتعزز هذا السيناريو بصورة أكبر في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لا سيّما أن الإدارة الأمريكية لا تبدو بوارد تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن قبل انتهاء فترة أوباما، يتضمن أسس ومرجعيات التسوية، بل أقصى ما يمكن أن تذهب إليه هو إصدار إعلان رئاسي لا قيمة له، مع أنه سيتضمن الكثير من البنود التي تنتقص من الحقوق الفلسطينية، مثل الاعتراف بـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، وعلاقتها بـ”جبل الهيكل”، ومبدأ “تبادل الأراضي”، وضم الكتل الاستيطانية في القدس الشرقية وبقية أراضي الضفة لـ”إسرائيل”، ورفض حقّ العودة، وتبني مطالب “إسرائيل” الأمنية.

    وما يعزز هذا السيناريو أيضاً عدم تحمّس روسيا للمبادرة الفرنسية، ولا أن تحلَّ مجموعة دولية موسّعة محلَّ اللجنة الرباعية الدولية، إضافة إلى طموح موسكو لاستضافة المؤتمر الدولي.

    2. السيناريو الثاني: المؤتمر الدولي منصة للمفاوضات للثنائية:

    ويقوم هذا السيناريو على عقد المؤتمر الدولي بعد ترويض المبادرة الفرنسية أكثر، ليكون مجرد منصة أو غطاء لانطلاق المفاوضات الثنائية، بحيث نكون أمام جولة أخرى من المفاوضات العبثية التي ستكون أخطر من سابقاتها، لأنها ستتم في ظلّ معطيات وشروط أسوأ، ووسط إقرار مخططات إسرائيلية عدوانية واستيطانية وعنصرية أوسع مدى وأكثر خطورة، وسيرافق هذه المفاوضات —في حال حصولها— رعاية دولية شكلية لا تختلف كثيراً عن الدور الذي لعبته اللجنة الرباعية الدولية التي أجلت المرة تلو المرة إصدار تقريرها (لم يصدر حتى كتابة هذه السطور) حتى لا تغضب “إسرائيل”، لأنه يحملها جزءاً من المسؤولية عن عدم نجاح جهود السلام.

    ويحتاج هذا السيناريو حتى يُكتب له النجاح الجمع بين ترغيب “إسرائيل” وترهيبها، وممارسة درجة من الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها.

    3. السيناريو الثالث: مفاوضات عربية إسرائيلية:

    يستند هذا السيناريو إلى دمج المبادرتين الفرنسية والعربية لنكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية تسمح بالتعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي، وبتطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية، ونشوء “تحالف عربي إسرائيلي” ضدّ ما يسمى “الخطر الإيراني الشيعي والإرهاب السني”، مقابل العودة إلى خطة إقامة مقومات الدولة الفلسطينية وتمديد المرحلة الانتقالية، وتقديم حوافز تشجيعية اقتصادية وغيرها.

    وقد يحتمل هذا السيناريو عقد مؤتمر دولي وظيفته التغطية على المفاوضات العربية الإسرائيلية، وما يمكن أن تتوصل إليه من حلّ إقليمي، أو يمكن أن يتحقق من دون عقده. وهناك معلومات تفيد بتداول فكرة عقد المؤتمر الدولي في مصر على أن تقوده فرنسا، غير أن مصر رفضت ذلك على أساس أن المؤتمر إذا عقد في مصر فلا بدّ أن تقوده القاهرة.

    يمكن أن يشهد هذا السيناريو مفاوضات فلسطينية إسرائيلية واتفاقات انتقالية جديدة تشارك فيها أو لا تشارك في تنفيذها أطراف عربية جنباً إلى جنب مع لجان التعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي والتطبيع العربي بتعديل رسمي أو فعلي للمبادرة العربية.

    4. السيناريو الرابع: خطوات إسرائيلية أحادية:

    يرتكز هذا السيناريو على فشل كل المبادرات وقيام “إسرائيل” بخطوات أحادية الجانب، مثل ضمّ مناطق ج أو جزء منها مثل ما تسمى “الكتل الاستيطانية”، أو فرض القوانين الإسرائيلية على مناطق ج دون الإعلان عن ضمها، وهذا في كل الأحوال يفتح احتمالات التفجير والمجابهة.

    ويمكن أن يشهد هذا السيناريو خطوات إسرائيلية من شأنها أن تعمق الانقسام الفلسطيني من خلال تخفيف الحصار لإتمام تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية، بعد رفض “إسرائيل” الطلب التركي برفع الحصار عن غزة.

    رابعاً: استنتاجات وتوصيات:

    1. إن الدفع للتوصل إلى حلّ نهائي في ظلّ الاختلال الفادح في موازين القوى لصالح “إسرائيل”، ومع استمرار الحريق العربي، واتجاه العالم نحو اليمين والانغلاق، وازدياد التنافس والصراع الإقليمي في المنطقة؛ مجرد إعادة إنتاج للأوهام، وسيؤدي في أحسن الأحوال إلى الفشل، ولن يحافظ على الوضع الراهن الذي يتدهور باستمرار. وسيسهم، في أسوأ الأحوال، بقصد أو من دون قصد في تمرير حلّ تصفوي، أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر.

    2. التعامل مع المبادرة الفرنسية وغيرها على أساس ما يمكن أن تخدم به القضية الفلسطينية، دون تنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية.

    3. رفض العودة بأي حال إلى المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية أو دولية شكلية، والإصرار على أن تستجيب “إسرائيل” للقرارات الدولية المؤكدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ووضع الآليات الملزمة لها بذلك.

    4. رفض أيّ حلول انتقالية مثل دولة ذات حدود مؤقتة، أو في غزة، أو العودة إلى خطة بناء المؤسسات تحت الاحتلال.

    5. إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس القواسم المشتركة، ضمن الاتفاق على أسس وطنية وديموقراطية توافقية ومشاركة حقيقية، وبلورة استراتيجية سياسية ونضالية تكون مدخلاً لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، والنظر في الحكومة وغيرها من الملفات، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها لتصبح أداة لخدمة البرنامج الوطني وليس عبئاً عليه. على أن يكون توحيد الموقف الفلسطيني المدخل لبناء موقف عربي ودولي مساند للقضية الفلسطينية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ هاني المصري بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

      لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

     

    >> تقدير استراتيجي (89): آفاق المبادرة الفرنسية‎ Word
    (7 صفحات، 81 KB)

    >> تقدير استراتيجي (89): آفاق المبادرة الفرنسية‎ 
    (7 صفحات، 560 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/6/2016

  • تقدير استراتيجي (90): مسارات القضية الفلسطينية في برامج مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية

  • ثقوب في ”بيت العنكبوت“: عناصر الضعف في الكيان الإسرائيلي


    بقلم: أ.د. وليد عبد الحي.
    (مقال خاص بمركز الزيتونة). 

    تبدو الأدبيات السياسية العربية الخاصة بـ”إسرائيل” أكثر ميلاً للتركيز على مؤشرات القوة في هذا الكيان السياسي الشاذ، وطبقاً لقاعدة “أعرف عدوك” تبدو أهمية معرفة الثقوب في جدران هذا الكيان السياسي، الذي جلب لهذه المنطقة أعتى موجات عدم الاستقرار منذ قرابة القرن، أمراً ضرورياً، ونسعى في هذا المقال إلى مجرد الإشارة لأهم هذه الثقوب لعلها تكون ضمن التفكير العربي في وضع خططه الاستراتيجية لمواجهة مخططات “إسرائيل” المستقبلية. ومن المؤكد أن هذه الثقوب التي سنستعرضها تباعاً تؤثر على بعضها البعض، فبعضها يوسع الفتق الناجم عن هذه الثقوب، وبعضه قد يضيقه طبقا لنمط التفاعل بين الجانبين.

    يمكن رصد أهم هذه الثقوب التي تتردد في أدبيات الكيان الصهيوني بشكل خاص أو الدراسات الاستراتيجية العالمية على النحو التالي:

    أولاً: فقدان العمق الاستراتيجي: [1]

    يمثل العمق الاستراتيجي المسافة الفاصلة بين حدود الدولة في جهاتها الأربع وبين قلب الدولة Heartland حيث المراكز الحضرية والمنشآت الاستراتيجية للدولة، فكلما كانت المسافة أطول كانت قدرتها على الكر والفر والمناورة أكبر، بينما في حالة فقدان هذا العمق يكون أي انسحاب مهدداً لقلب الدولة، وتشير الجغرافيا الفلسطينية الى أن “إسرائيل” ليس لديها عمق استراتيجي، وتتراوح أبعاد حدودها بين 14 كم (الحد الأدنى) و137 كم (الحد الأقصى)، وهو ما يجعل المناورة على الأرض شبه منعدمة، مما يفرض على “إسرائيل” أن تبقى مستعدة مستقبلاً لحروب ضد خصمٍ متفوِّقٍ عليها عددياً. وهذا يعني أن المعركة، من منظور استراتيجي صهيوني، يجب دائماً أن تدور على أرض الخصم واقتناص أي فرصة لتوسيع العمق الاستراتيجي له. فاحتلال الضفة الغربية والجولان ومنع الجيش المصري للعودة لصحراء سيناء هي سياسات تستهدف توسيع العمق الاستراتيجي من ناحية، والسيطرة على كل ما تنطوي عليه هذه الجغرافيا من موارد القوة المختلفة من ناحية ثانية.

    ثانياً: الخلل الديموجرافي: [2]

    تبدي “إسرائيل” من ناحية المشكلات الديموجرافية قلقاً كبيراً من عدة زوايا أبرزها: تزايد نسبة العرب بشكل قد يحولها على المدى البعيد إلى دولة ثنائية القومية، وتشير الارقام الرسمية الإسرائيلية (تقارير الجيش وهيئات الإحصاء السكاني الإسرائيلي) إلى أن عدد العرب في فلسطين التاريخية حالياً يفوق عدد اليهود بحوالي 300 ألف نسمة، كما أن تزايد نسبة البدو في النقب يثير قلقها الأمني، وهذا يعني أن بقاء الزيادة السكانية في فلسطين لصالح الفلسطينيين يجعل الخيار أمام “إسرائيل” إما القبول بدولة ثنائية القومية (وهو ما يتنافى والمخطط الصهيوني لا سيّما يهودية الدولة)، أو تهجير الفلسطينيين بشتى السبل، وهو ما سيعيد دورة الصراع من جديد.

    ثالثاً: القلق من تحول مواقف الدول الكبرى تجاه “إسرائيل” خصوصاً الولايات المتحدة: [3]

    أثار الانسحاب الأمريكي الجزئي من سورية واستقالة رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون John Bolton، واحتمالات الانسحاب من العراق أو تخفيف الالتزامات تجاه المنطقة، لا سيّما بعد الاستقلال النفطي الأمريكي عن الشرق الأوسط، قلقاً إسرائيلياً من مدى ديمومة الالتزام الأمريكي طويل الأمد تجاه “إسرائيل”. ناهيك عن الشعور بأن تخلي الولايات المتحدة عن مساندة الأكراد في مقايضات مع تركيا، قد يكون مؤشراً على توجهات أمريكية جديدة، قد تظهر على المدى البعيد أو المتوسط.

    وتدعم الهواجسَ السابقة ما تشير إليه استطلاعات الرأي الحزبي في الولايات المتحدة من أن تأييد الأمريكيين من الحزب الجمهوري لـ”إسرائيل” تراجع بنسبة 13% بينما تراجع التأييد بين الديموقراطيين بنسبة 6% في سنة 2019. وتشكل هذه التراجعات الأعلى منذ 2001، وتتعزز هذه الهواجس الصهيونية ببعض التباين في المواقف الأوروبية قياساً بالمواقف الأمريكية، ناهيك عن الزحف الصيني الهادئ، والسعي الروسي للاتكاء على تحالفات شرق أوسطية لا تراها “إسرائيل” لصالحها بالقدر الكافي.

    رابعاً: الشعور بالتحول الهادئ في الرأي العام الدولي: [4]

    تشير استطلاعات الرأي العام الدولي، وخصوصاً الغربية منها، أن نسب التعاطف مع “إسرائيل” في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة تعرف اتجاهاً متواصلاً بالتراجع، فهي تقع دائماً منذ سنة 2010 ضمن الدول الخمس الأقل تعاطفاً معها، كما أن نسب التعاطف تتراجع باستمرار. ويتعزز هذا الاتجاه بتراجع موازٍ في نسب التأييد لـ”إسرائيل” في الأمم المتحدة وأغلب وكالاتها المتخصصة؛ وهو ما تكشفه نتائج التصويت على القرارات الدولية التي تعالج موضوعات لها صلة بالصراع العربي الصهيوني.

    خامساً: الثقافات الفرعية في “إسرائيل” (عرب، وأشكناز، وصابرا، وسفارديم… علمانيين متدينين…إلخ): [5]

    تشير سجلات حقوق الإنسان المختلفة إلى أن اليهود السود ويهود الدول العربية يقعون في مراتب أدنى في بيروقراطية الدولة، كما تتم ممارسات ميدانية عنصرية من المجتمع اليهودي الغربي تجاههم، ناهيك عن التمييز العنصري تجاه العرب واليهود غير الغربيين في الوظائف ونسب البطالة ومستويات الدخل والتزاوج المختلط…إلخ، والدليل على التمييز في الظروف الحياتية هي أن الأثيوبيين من اليهود يمثلون 2% من السكان، لكنهم يشكلون 18% من نسبة سجناء الجرائم المدنية. وإذا كانت الثقافات الفرعية هي مصدر الاضطراب السياسي في أغلب الحروب الأهلية، فإن ذلك يدفع لطرح التساؤل حول حالة “إسرائيل”، فهذه “الدولة” تتألف من خليط قابل للاستغلال ويكفي التأمل في الجوانب التالية:

    1. الانقسام في المجتمع الإسرائيلي حسب اللون:

    هناك 140 ألف أثيوبي “أسود” وصل أغلبهم إلى فلسطين في الفترة 1984-1991. وقد واجه هؤلاء منذ هجرتهم ممارسات عنصرية أدت لقتل 11 منهم على يد البيض اليهود خلال العقدين الماضيين. وتتمثل أبرز مظاهر التمييز ضدهم في:

    أ. لا يتم الاعتراف لرجالهم الذين يدرسون الشريعة اليهودية بصفة الحاخام.

    ب. 90% من شبابهم عاطلون عن العمل و65% منهم أميون.

    ج. نسبة الانحراف بين أطفالهم تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الانحراف بين أطفال اليهود البيض.

    د. 43% من الإسرائيليين يرفضون الزواج من أثيوبي طبقاً لاستطلاعات رأي إسرائيلية.

    ه. لم يتمكن حزب الأثيوبيين السود “أتيد إحاد” من بلوغ نسبة الحسم للدخول في الكنيست.

    و. ما تزال بعض المدارس اليهودية ترفض قبول الطلاب اليهود “السود”.

    ز. امتناع بنوك الدم الإسرائيلية من قبول تبرعات الدم من اليهود “السود”، وقد استمرت هذه الظاهرة منذ سنة 1996 وتكررت سنة 2006.

    هذه الأوضاع هي التي تفسر ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن متظاهر يهودي “أسود” هو آتي آشاتو (وهو من أقارب الشاب “الأسود” سولومون تيكاح الذي قتل سنة 2019)، حين قال “من الصعب أن تكون أسوداً وتشعر بالأمان في إسرائيل…”.

    2. الخلفيات القومية لليهود:

    يشكل اليهود الروس 20% من سكان “إسرائيل”، وقد وصل معظمهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن العشرين، وتزايدت نسبتهم منذ تلك الفترة حتى 2018 بحوالي 5%، مقابل تراجع نسبة اليهود المهاجرين من الولايات المتحدة بمعدل 10% من 1990 إلى 2018. وتشير إحدى الدراسات إلى أن 35% من المهاجرين لـ”إسرائيل” من الاتحاد السوفييتي هم من غير اليهود.

    كذلك تعاني “إسرائيل” من عدم استقرار ظاهرة الهجرة المعاكسة (الخروج من “إسرائيل”) والتي فاقت في بعض السنوات عدد القادمين إليها.

    ولو قسمنا اليهود في “إسرائيل” طبقاً لخلفياتهم سنجد 68% من الصابرا (الذين ولدوا في فلسطين ولكن أصولهم من خارجها)، و22% جاءوا من أوروبا وأمريكا، و10% من آسيا وإفريقيا وأغلبهم من المغرب، حيث يشكل اليهود المغاربة المجموعة الثانية بعد الروس من حيث العدد.

    3. الانقسام في الموقف من الدين:

    تشير الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي المعتمدة في الدوائر العلمية إلى أن اليهود في “إسرائيل” منقسمون في موقفهم من الدين على النحو التالي:

      النسبة (%)
    علمانيون (يطالبون بفصل الدين عن الدولة بغض النظر عن تدينه أو عدمه) 57
    متدينون 30
    ملحدون 8
    لا أدريون 5

    ويترتب على هذه المسألة مشكلة تظهر بين الحين والآخر في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً التوتر حول الموقف من اليهود الأرثوذوكس (8% من اليهود)، بسبب إعفائهم من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. ويمثل التنامي الواضح في نسبة المتدينين الحريديم موضوع قلق للقيادات الإسرائيلية، من حيث احتمال الاحتكاك بينهم وبين الشرائح العلمانية في المجتمع اليهودي، خصوصاً أن الأخيرة ما تزال هي الأكبر.

    4. توزيع المراكز القيادية بين النخب:

    ويمكن أن ندلل على هذا الجانب من خلال منصب رئيس الوزراء، فمنذ سنة 1948 تولى رئاسة الحكومة 17 فرداً (بعضهم تولاها لأكثر من مرة)، منهم 8 من اليهود الغربيين، و9 من الصابرا، بينما ليس من بينهم أي رئيس وزراء من اليهود الشرقيين.

    5. العنصرية تجاه فلسطينيي 1948:

    يرفض 75% من اليهود السكن في بناية فيها أحد من العرب، كما يطالب 40% من اليهود بتجريد العرب في فلسطين المحتلة سنة 1948 من كافة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

    سادساً: انعكاسات التحولات في القوى الإقليمية في الشرق الأوسط على الأمن الإسرائيلي: [6]

    نظراً لعدم استقرار الدول العربية فإن “إسرائيل” قلقة من أن تحدث تغيرات في دول عربية محورية تقود لعودة الصراع من جديد، فأي تغير باتجاه التيارات الإسلامية أو القومية أو اليسارية المعادية للمشروع الصهيوني، قد يحمل في طياته خطراً كبيراً بعودة الصراع لوتيرته الأولى؛ لا سيّما أن الخبرة التاريخية في المنطقة منذ الصليبيين والاستعمار الغربي وغيرهما تشير إلى أن طرد القوى الأجنبية من المنطقة أمر شبه ثابت في الاتجاه التاريخي للمنطقة. كما ترى “إسرائيل” أن بعض التحولات الإقليمية قد تحول دولة إقليمية من فرصة إلى تحدٍ كما هو حال إيران قبل وبعد ثورتها سنة 1979. كما أن إخراج منظمة التحرير من لبنان أفرز ظهور حزب الله بخطورة أكبر، كما أن الانسحاب من غزة بهدف التخلص من العبء السكاني تحول لعبء أمني… .

    سابعاً: “مشاعية” التكنولوجيا قد تجعل التنظيمات الصغيرة قادرة على إنتاج أسلحة متطورة أو غير تقليدية: [7]

    منذ فترة طويلة نبه كثير من الباحثين إلى أن “مشاعية” التكنولوجيا والمعرفة التقنية وتوافر وسائل التواصل الإلكتروني قد تنتهي إلى قدرة تنظيمات سياسية على التسلح بقدرات عسكرية غير تقليدية. وهو أمر سيجعل مفهوم التوازن في موضع شك كبير، وتخشى “إسرائيل” أن تمتد هذه الظاهرة إلى المنطقة الشرق أوسطية مستقبلاً.

    ثامناً: إنهاء الاحتكار النووي في الشرق الاوسط: [8]

    تبدي “إسرائيل” رغبة عارمة في إبقاء احتكارها لملكية الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولديها هواجس من التوافق الدولي في مرحلة لاحقة على إخلاء هذه المنطقة من السلاح النووي، وكل من الأمرين يشكل نقطة قلق. ففي الأول الخوف من إيران أو من مصر (في فترة لاحقة) أو غيرها من الدول العربية لا سيّما مع احتمال تعاون جهات خارجية مثل كوريا الشمالية مع توجه شرق أوسطي كهذا، والثاني قد يقود لضغوط ضمن ظروف معينة إلى العمل على إخلاء المنطقة من السلاح النووي مما يؤثر سلباً على “إسرائيل”.

    تاسعاً: الخوف من انعكاسات العولمة والنزعة العلمانية على الهوية اليهودية للمجتمع الإسرائيلي: [9]

    تأسست الدولة اليهودية على أساس الأسطورة الدينية، وترتب على ذلك جعل البعد الديني في البناء الفكري الصهيوني ركناً مهماً، لكن تنامي النزعة العلمانية بدأ يوجِد ردات فعل في قطاعات من المجتمع تعتبرها المؤسسة العسكرية تأثيرات سلبية على المجتمع والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في التخطيط الاستراتيجي للتفاعل مع التحولات الدولية والعلمية. ففي كانون الثاني/ يناير، أعلن رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي أيزنكوت أنه سيُزيل وحدة عمرها 15 عاماً مكرسة لـ”الوعي اليهودي”، وهي الإدارة المسؤولة عن تقديم الخدمات الدينية داخل صفوفها ويشرف عليها الحاخامات. وقد أثار فرع التوعية اليهودية بشكل دوري انتقادات من داخل الجيش وخارجه على حد سواء لدفعه إلى أجندة أيديولوجية ويمينية ودينية. ويشعر بعض الإسرائيليين العلمانيين بالقلق من أن كثرة المتدينين في الجيش، قد تؤدي إلى تساؤل الجنود عن من يجب أن يطيعوه: “ضابطهم أو الله”؟!. وكانت دراسة مفصلة أجرتها مجلة وزارة الدفاع معاراتشوت، أظهرت أنه بحلول سنة 2008، ارتفعت نسبة طلاب الضباط الدينيين الوطنيين عشرة أضعاف إلى 26% من 2.5% سنة 1990، وهي زيادة تقلق العلمانيين منهم.

    عاشراً: التباينات الطبقية: [10]

    تحتل “إسرائيل” طبقاً لمقياس جيني Gini، الذي يقيس الفروق الطبقية ومستوى عدالة توزيع الثروة، المرتبة 104 بين 176 دولة بمقياس 42.8 نقطة.

    وطبقاً لأرقام المراكز الإسرائيلية والبنك الدولي والسي آي ايه، يتوزع الدخل في “إسرائيل” على النحو التالي:

    1. الطبقة العليا العليا (الفئة الأولى من الأغنياء) (10% من السكان)، تسيطر على 27.7% من الدخل.

    2. الطبقة العليا العليا (الفئة الثانية من الأغنياء) (20% من السكان)، تسيطر على 44.2% من الدخل.

    3. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الأولى من الفقراء) (أدنى 10% من السكان)، لهم 1.9% من الدخل.

    4. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الثانية من الفقراء) (أدنى 20% من السكان)، لهم 5.20% من الدخل.

    5. الطبقة الوسطى (60% من السكان)، لهم 50.6% من الدخل.

    وتقع “إسرائيل” قياساً للدول الغربية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سوء توزيع الدخل، مع الإشارة إلى أن هذه الفروق الطبقية تتزايد في “إسرائيل” منذ 2009، وهو ما يعني التآكل في الطبقة الوسطى التي تعد الأهم في التوازن الاجتماعي طبقاً لكل دراسات علم الاجتماع السياسي.

    حادي عشر: دولة احتلال وهو نموذج ينقرض: [11]

    تظهر المؤشرات الكمية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن المناطق المحتلة من قوى أجنبية في العالم تراجعت بشكل متواصل على النحو التالي:

    السنة عدد المناطق
    1959 77
    1979 15
    1999 10
    2020 8

    ذلك يعني أن “إسرائيل” مفارقة للاتجاه العالمي الذي يميل نحو التحلل التدريجي من ظاهرة الاحتلال للآخرين التي هي ظاهرة قديمة.

    ثاني عشر: تزايد نسب الفساد في المجتمع الإسرائيلي: [12]

    على الرغم من التذبذب في معدلات الفساد في “إسرائيل”، فإن الاتجاه العام يميل بقدر ما إلى التزايد خلال الفترة الأخيرة. فقد تزايد معدل الفساد خلال الفترة 2011-2019 بحوالي 3 نقاط، وتقع “إسرائيل” في مرتبة متأخرة قياساً لبقية الدول الغربية الصناعية؛ فهي تحتل المرتبة 24 بين 35 دولة صناعية، والمرتبة 34 بين 180 دولة. والملاحظ في هذا الجانب تزايد ظهور كبار المسؤولين الإسرائيليين في قوائم الفساد (رئيس، ورؤساء وزراء، وأعضاء كنيست، وعسكريون،…إلخ)، ناهيك عن أن آخر استطلاع رأي عام أجراه المعهد الديموقراطي الإسرائيلي سنة 2019، يشير إلى أن حوالي 82% من المجتمع الإسرائيلي يظنون أن الفساد منتشر في الإدارات الإسرائيلية.

    ثالث عشر: غياب القيادات الكارزمية من المجتمع الإسرائيلي: [13]

    يكشف تكرار الانتخابات في سنة واحدة، وعدم القدرة على تشكيل حكومة على أن دور القائد الذي تلتف حوله الجموع في “إسرائيل” لم يعد قائماً، فالقيادات التاريخية الكارزمية (وايزمان، أو بن جوريون، أو بيريز، أو شارون…) لم تعد حاضرة بالقوة إياها. وترى بعض الدراسات الأمريكية أن الميل التدريجي للقيادات الإسرائيلية الحالية نحو السياسات الشعبوية يهدد مستوى الحريات السياسية في بيئة المجتمع الإسرائيلي.

    رابع عشر: التكدس الحضري: [14]

    تعد “إسرائيل” من ضمن الدول الأعلى بين دول العالم في الكثافة السكانية، حيث تصل نسبتها إلى 416 فرد في الكيلومتر المربع الواحد، وتحتل المرتبة 30 في الكثافة السكانية بين دول العالم. ويرى البروفيسور آلون تال من جامعة تل أبيب أن “إسرائيل” في طريقها لكارثة بيئية واجتماعية، ولتدهور نوعية الحياة، بسبب الكثافة السكانية التي تصل إلى حد الاختناق؛ إذ إن 92.3% من سكان “إسرائيل” يعيشون في المدن. ويرى القادة الإسرائيليون أن هناك مخاطر أمنية من التكدس الحضري، لأن ذلك يجعل الكتلة البشرية الأكبر من السكان عرضة للتهديد.

    خامس عشر: الحساسية تجاه خسائر العنصر البشري في المعارك الحربية: [15]

    تشير ردود الفعل الإسرائيلية تجاه خسائرها البشرية إلى عدم قدرتها على مواجهة خسائر عالية، ويسير الميجور جنرال اليعازر شتيرن Alazar Stern إلى أن أحد دوافع “إسرائيل” لإدارة الحرب مع حزب الله بشكل متردد هو الخوف من الخسائر البشرية، وأضاف إن الحساسية من الخسائر البشرية كان أمراً ملفتاً للنظر في حرب 2006. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت على ذلك في الماضي، وكان صانعو القرار في عملية أوسلو، وخصوصاً إسحق رابين، مدفوعين أيضاً بمثل هذه المشاعر التي يشاركهم فيها المجتمع الإسرائيلي. وكانت حركة الأمهات الأربعة التي دعت إلى الانسحاب أحادي الجانب من جنوب لبنان أحد العوامل التي أدت إلى قرار الحكومة في أيار/ مايو 2000 بالانسحاب. ويفسر هذا القلق نتائج دراسات إسرائيلية أجراها المعهد الديموقراطي الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، إذ تشير إلى أن 90% من الإسرائيليين يوافقون على قتل المدنيين الفلسطينيين إذا كان في ذلك تأمين للجندي الإسرائيلي.

    سادس عشر: القلق من الصورة الذهنية لليهودي في الذهن العربي: [16]

    طبقاً لاستطلاعات الرأي العام العربي، فإن معارضة الاعتراف بـ”إسرائيل” تزايدت من 84% سنة 2011 إلى 87% سنة 2018، كما أن الاتجاه العام يشير إلى تزايد مستمر طيلة هذه الفترة. وعلى الرغم من التوجهات الرسمية العربية، فإن الطرف الإسرائيلي ما يزال يرى أن نسبة عالية للغاية من المجتمع العربي تنظر لـ”إسرائيل” على أنها هي الأخطر على الأمن العربي.

    سابع عشر: المكانة الدينية لفلسطين: [17]

    تدل أغلب المؤشرات في العالم على اتساع قاعدة الحركات الدينية في العالم خلال الفترة منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين. كما أن دراسات علم الاجتماع السياسي تشير إلى أن النزاعات ذات البعد الديني تكون أكثر حدة وأكثر صعوبة في الوصول لتسوية. وتحدد أحد الدراسات عناصر التصادم في الحالة الفلسطينية من الزاوية الدينية في ثلاثة أبعاد: تباين قانون الحرب والسلام بين الإسلام واليهودية، وعدم قابلية الدين الإسلامي لحق أي جهة في السيادة على مساجد أو مراكز دينية لها قداستها في الدين الإسلامي، ومركزية المكانة الدينية للقدس. ويرى الخبراء الإسرائيليون أن هذه العقبات تجعل من تنامي الحركات الدينية في المدى المنظور أكثر خطورة على قبول العرب والمسلمين بالوضع الحالي.

    ثامن عشر: مستوى الاستقرار السياسي: [18]

    يدل تتبع المقاييس الدولية أن مستوى الاستقرار السياسي في “إسرائيل” ما زال سالباً، فطبقاً لمقياس كوفمان للاستقرار السياسي الذي يتراوح بين +2.5 إلى –2.5، فإن “إسرائيل” سجلت -0.88، واحتلت في الترتيب العالمي المرتبة 161 من بين 195 دولة، وفي مقياس آخر احتلت المرتبة 146 من بين 163 دولة. أما في الحريات المدنية، فقد احتلت “إسرائيل” المرتبة 101 من بين 167 دولة بمعدل 5.88 من عشرة، أما العنف المدني فقد سجلت “إسرائيل” 4 نقاط على مقياس من 7 درجات (حيث 7 تمثل الأعلى في العنف المدني).

    الخلاصة:

    تشير المؤشرات السابقة إلى أن في “بيت العنكبوت” ثقوب كثيرة تنتظر من يستغلها، ولا بدّ من إدراجها في بلورة رؤية استراتيجية متكاملة في إطار الصراع مع هذا الكيان الشاذ.


    [1] Site of Russian International Affairs Council, https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/analytics/israel-s-security-system-little-strategic-depth-but-profound-strategic-vision
    [2] Ian S. Lustick, The Red Thread of Israel’s “Demographic Problem”, site of Online Library, 25/3/2019, https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/mepo.12406; and Yotam Berger, Figures Presented by Army Show More Arabs Than Jews Live in Israel, West Bank and Gaza, Haaretz newspaper, 26/3/2018,
    https://www.haaretz.com/israel-news/army-presents-figures-showing-arab-majority-in-israel-territories-1.5940676
    [3] Neri Zilber, What Bolton’s Departure Means for Israel, site of Foreign Policy, 12/9/2019, https://foreignpolicy.com/2019/09/12/what-john-bolton-departure-means-for-israel-netanyahu-iran-trump/; David M. Halbfinger, Israelis Watch U.S. Abandon Kurds, and Worry: Who’s Next?, site of The New York Times, 8/10/2019, https://www.nytimes.com/2019/10/08/world/middleeast/israel-us-syria-kurds.html; Eric Cortellessa, New poll: Americans’ support for Israel falls to lowest point in a decade, site of Times of Israel, 6/3/2019, https://www.timesofisrael.com/new-poll-americans-support-for-israel-declines-to-lowest-point-in-a-decade/; and Shibley Telhami, Americans are increasingly critical of Israel, site of Brookings, 12/12/2018,https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/12/12/americans-are-increasingly-critical-of-israel/
    [4] BBC poll: Germany most popular country in the world, 23/5/2013, https://www.bbc.com/news/world-europe-22624104; and Zack Beauchamp, How does the world feel about Israel/Palestine?, 14/5/2018, https://www.vox.com/2018/11/20/18080086/israel-palestine-global-opinion
    [5] Mustafa Deveci, Ethiopian Jews suffer racism in Israel, 9/7/2019, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/ethiopian-jews-suffer-racism-in-israel/1526782; and Rachel Shenhav, How ‘cultural racism’ helps Israelis rationalize inequality, discrimination, 29/7/2019, https://www.972mag.com/cultural-racism-helps-israelis-rationalize-inequality-discrimination/
    [6] Itamar Rabinovich, Israel and The Changing Middle East, Middle East Memo, no. 34, Jan. 2015.
    [7] O. Ike Okoro and Nduka Lucas, “Weapons of Mass Destruction and Modern Terrorism: Implications for Global Security,” Asian Social Science Journal, Canadian Center of Science and Education, vol. 15, no. 3, 2019, Oluka https://www.researchgate.net/publication/331411546_Weapons_of_Mass_Destruction_and_Modern_Terrorism_Implications_for_Global_Security; Gary Ackerman and Michelle Jacome, “WMD Terrorism: The Once and Future Threat,” Prism Journal, National Defence University, Washington, D. C., vol. 7, no. 3, 2018, https://cco.ndu.edu/News/Article/1507339/wmd-terrorism-the-once-and-future-threat/; and J. P. Caves and W. Seth Carus, “The Future of Weapons of Mass Destruction: Their Nature and Role in 2030,” Center for the Study of Weapons of Mass Destruction Occasional, National Defence University Press, Washington, D. C., paper no. 10, 2014, https://ndupress.ndu.edu/Portals/68/Documents/occasional/cswmd/CSWMD_OccationalPaper-10.pdf
    [8] Thalif Deen, Israel’s Obsession for Monopoly on Middle East Nuclear Power, Inter Press Service (IPS) News Agency, 2015, http://www.ipsnews.net/2015/02/israels-obsession-for-monopoly-on-middle-east-nuclear-power/; and Drew Christiansen and Ra’fat Al-Dajani, Will there be a nuclear arms race in the Middle East?, site of National Catholic Reporter, 22/2/2016, https://www.ncronline.org/blogs/ncr-today/will-there-be-nuclear-arms-race-middle-east
    [9] Maayan Lubell, Israeli military struggles with rising influence of Religious-Zionists, Reuters News Agency, 15/4/2016, https://www.reuters.com/investigates/special-report/israel-military-religion/
    [10] Avi Waksman, Israeli Income Inequality Lowest in 20 Years, Haaretz, 13/12/2018, https://www.haaretz.com/israel-news/business/israeli-income-inequality-lowest-in-20-years-1.6743249
    [11] Eyal Benvenisti, The International Law of Occupation, 2nd ed. (UK: Oxford University Press, 2012).
    [12] Raoul Wootliff, Israel seen as slightly more corrupt in latest global index, Times of Israel, 22/2/2018, https://www.timesofisrael.com/israel-slides-down-world-corruption-index-amid-burgeoning-pm-graft-allegations/; Israel Corruption Index, https://tradingeconomics.com/israel/corruption-index; Gil Hoffman, Yonah Jeremy Bob, and Greer Fay Cashman, Israelis think their leadership is corrupt – IDI survey, The Jerusalem Post newspaper,, 7/1/2020,
    https://www.jpost.com/Israel-News/Israelis-think-their-leadership-is-corrupt-IDI-survey-613396; and Akiva Eldar, Israel plagued with political corruption, site of Al- Monitor, 22/2/2018, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/02/israel-political-corruption-society-netanyahu-democracy.html
    [13] Jonathan Freedland, It will take a leader of extraordinary charisma to deliver a Labour victory, The Guardian newspaper, 20/12/2019, https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/dec/20/extraordinary-leader-deliver-labour-party-victory; Aluf Benn, Has Netanyahu’s End Finally Come?, site of Foreign Affairs, 18/12/2019, https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/2019-12-18/has-netanyahus-end-finally-come; and Tamara Cofman Wittes and Yaël Mizrahi-Arnaud, “Is Israel in democratic decline?,” The Brookings Institution Center For Middle East Policy, 2019, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2019/03/FP_20190318_israel_decline_wittes_mizrahi-arnaud.pdf
    [14] Israel Population 2020, site of World Population Review, http://worldpopulationreview.com/countries/israel-population/; Tova Cohen, Steven Scheer, Israel’s soaring population: Promised Land running out of room?. Reuters, 25/9/2015,https://www.reuters.com/article/us-israel-demographics/israels-soaring-population-promised-land-running-out-of-room-idUSKCN0RP0Z820150925; Urbanization in Israel 2018, site of Statista, https://www.statista.com/statistics/455846/urbanization-in-israel/; and Gadi Eisenkot and Gabi Siboni, “Guidelines for Israel’s National Security Strategy,” The Washington Institute for Near East Policy, 2019, passim
    [15] Efraim Inbar, Casualty Intolerance, The Jerusalem Post, 19/11/2006; Martin Sherman, Defending Israel: Civilian casualties and common sense, site of Jewish News Syindicate, 25/11/2018, https://www.jns.org/opinion/defending-israel-civilian-casualties-and-common-sense/
    [16] “2017-2018 Arab Opinion Index: Executive Summary,” Arab Center Washington DC, 10/7/2018, http://arabcenterdc.org/survey/2017-2018-arab-opinion-index-executive-summary/
    [17] Muslim nations urge recognition of East Jerusalem as Palestinian capital, BBC, 13/12/2017, https://www.bbc.com/news/world-europe-42335751; and Yaacov Bar-Siman-Tov (ed.), Barriers to Peace in the Israeli-Palestinian Conflict (The Jerusalem Institute for Israel Studies, 2010), chap. 6.
    [18] Institute for Economics & Peace, Global Peace Index 2018: Measuring Peace in a Complex World, Sydney, June 2018, https://www.theglobaleconomy.com/Israel/political_violence_risk/; and Democracy Index 2018: Me too?, Political participation, protest and democracy, site of The Economist, https://www.eiu.com/public/topical_report.aspx?campaignid=democracy2018
  • صناعة السجون.. الاستعباد الجديد

    أ.محمد الراشد

    رئيس مجموعة التفكير الاستراتيجي

    عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية 328.2 مليون، حسب إحصاء عام 2019، ويمثلون 5% من سكان العالم، إلا أن 25% من سجناء العالم فيها، وهذا يعني أن واحداً من كل 4 أشخاص في الولايات المتحدة في السجن في بلد يقف تمثال الحرية شامخاً فيه.

    لقد كانت الفكرة الرئيسة لصناعة السجون الأمريكية قائمة أساساً على فكرة عنصرية؛ وهي استبدال الرق بالسجن؛ أي الحرمان من الحرية كعقوبة، التي كانت ثغرة في التعديل الثالث عشر في الدستور الأمريكي الذي تم في مجلس الشيوخ، في 8 أبريل 1864.

    لقد وصل عدد السجناء في الولايات المتحدة إلى ما يقارب 2300000 سجين إلى اليوم، بحجة احتواء الجريمة، الكلمة البديلة عن "الرق".

    لقد تطورت فكرة العبودية من "التحرر" إلى تقييد الحريات بمسار قانوني وسياسي لفكرة صناعة السجون الأمريكية، فمرت بعدة مراحل وانتقالات خلال العقود الخمسة الأخيرة (1964 – 2020)؛ أي من بعد انطلاق حركة الحقوق المدنية ما بين عامي 1954 و1968، وإقرار قانون الحقوق المدنية عام 1964، وقانون حقوق التصويت في السادس من أغسطس 1965.

    النقلات التاريخية:

    النقلة الأولى: ربط معدل زيادة الجريمة بحركة الحقوق المدنية وفرض قانون الأمن والنظام (Law & Order):

    هدفت حركة ناشطي الحقوق المدنية إلى بناء حركة حقوق إنسان ودمج السود مع البيض في بوتقة التكامل في المجتمع الأمريكي؛ حيث ترى هذه الحركة أن عدم اختلاط الهجين وتكاملها سيدمر الفرقين معاً، لكن الإعلام ومن ورائه حشد من الساسة ورجال الأعمال بدأ يرسم صورة إعلامية بتنميط قادة هذه الحركة على أنهم مجرمون وأناس يخرقون عمداً "قوانين الفصل العنصري في الجنوب" ومع نمو نشاط الحركة تم تسليط الضوء على معدلات الجريمة، وأنها بازدياد، وربطها بنتائج ما كسبته حركة الحقوق المدنية، مع رفض الكثير من الأكاديميين، ومنهم د. جون هايغن الذي عزا ارتفاع معدل الجريمة بسبب نمو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وله مطالبه وخصوصياته، وليس بسبب "العرق" أو الحريات المدنية، وتعزو ميتشل ألكسندر (Michelle Alexander)، مؤلفة كتاب "جيم كرو الجديد"، أن السياسيين هم من ادَّعوا بأنه لو أعطينا الزنوج حريتهم فسيكافئوننا كأمة بزيادة الجريمة.

    لقد كانت الجريمة ثابتة في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين لم تزد أو تنقص كثيراً، لكن التغيير بدأ منذ السبعينيات من القرن العشرين، حيث بدأ تجديد مصطلح الحبس الجماعي، عندما نادى نيكسون (1969 – 1974) في بداية تسمله للحكم بمبدأ فرض الأمن والنظام، وهنا انطلق مصلح "Law Porder" (فرض الأمن والنظام) في الولايات المتحدة.

    تقول أنجيلا دايفس، أستاذة فخرية (UC Santa Cruz): في حقبة نيكسون وفترة فرض الأمن والنظام أصبحت الجريمة مرادفة للعرق، لقد أطلق نيكسون مصطلح الحرب الشاملة أنه على الجريمة، وكانت ثورية سياسية، وكان ذلك يشير إلى حركات السود في ذلك الوقت، وضد حرمان "قوة السود" و"الفهود السود"، وفق ما قاله جيمس كيلغور، كاتب "Formerly incarcerated author understanding mass incarceration".

    وكذلك شمل "الحركة المناهضة للحرب" وحركات تحرر المرأة والتي شعر نيكسون بأنه مضطر إلى النضال ضدها، وللتغطية على طبيعة الحرب، فإنها ضخت في الإعلام على أنها "حرب على المخدرات".

    وقد تم إرسال مئات الآلاف من الأشخاص إلى السجون بهذه الحجة، وحتى الجنايات بسيطة جداً.

    وقد أقر جون إرليتشمان، مستشار ريتشارد نيكسون، بأن هدف الحرب على المخدرات كان وضع السود في السجون، ولكي يجعل الرأي العام يربط بين الوجوديين والماريجوانا والسود والهيروين ثم تجريم الاثنين بشدة، ويمكننا إثارة الفوضى في المجتمعين، ويمكن اعتقال قادتهم ومداهمة منازلهم وإيقاف اجتماعاتهم وشيطنتهم ليلة بعد أخرى في نشرات أخبار المساء.

    ويتابع: هل كنا نعلم أننا نكذب بشأن المخدرات؟ نعم كنا نعلم.

    لقد وصل في عام 1970 عدد السجناء إلى 357292 شخصاً، في حين أنه مع وصول عام 1980 أصبح عدد السجناء 513900.

    النقلة الثانية: تنميط الجريمة بالقانون "الحقبة الريغانية":

    بانتخاب رونالد ريجان (1981 - 1989) أحدث تغييراً جذرياً من جوانب عديدة ولكن بالمعنى السلبي؛ حيث أعلن ريجان عام 1982 الحرب المعاصرة على المخدرات، واعتبرها حملة وطنية بالرغم من أن كل الاستطلاعات الوطنية لم تضع ذلك كأولوية عند غالبية الأمريكيين، يقول:

    - مارك ماور (Marc Mauer)، المدير التنفيذي لمشروع "SENTENCING": أعتبر أن كوكايين الكراك خطرة أكثر من الإرهاب.

    - وقد وضع الكونجرس عقوبات إلزامية لمتعاطيه أكثر عقوبة من متعاطي الكوكايين، وعادة كان السود وذوو الأصول اللاتينية ينالون عقوبات طويلة، كما يقول ديفيد دينكنز "David Dinkins" محافظ نيويورك الـ106: إذا كان أسود ووجد عنده كوكايين كراك فيسجن بقية حياته، وإن كان أبيض البشرة فسينال عقوبة بسيطة (حسب تصريح شاكا سنغور، ناشط، ويؤيد ذلك بات نولان (Pat Nolan)، ناشط أبيض).

    ومع حقبة ريجان، فإنه فجأة وكأن منجلاً شق طريقه في مجتمعات السود وفرق الرجال وعائلاتهم، واختفى جزء كبير من العائلات في السجون ولفترات طويلة جداً.

    في حين صرح ريجان حينها بأنه تم تخصيص ملايين الدولارات للسجون ومراكز الاعتقال وسرعان ما تحول عهد ريجان إلى حقبة من الحبس الجماعي للسود.

    يقول نيوت غينغرش (Newt Gingrich)، رئيس مجلس النواب (الجمهوري) (1979 - 1999): إن "ذلك القانون شكل عبئاً هائلاً على مجتمع السود، لكنه طرق في الصميم حس العدالة".

    في الواقع كانت حرب المخدرات المغطاة قانونياً هي حرب على المجتمعات ذوي البشرة الداكنة السود وذوي الأصول اللاتينية، ولتنميط السود على أنهم مجرمون ولم يتأذَّ البيض منها.

    وبذلك ارتفع عدد السجناء في عام 1985 إلى 759100 سجين، وأصبح في الإعلام ثقافة شعبية وهي استعراض الشباب السود بالأغلال على الشاشات.

    تقول مليكا سيريل (Malka Cyril)، المديرة التنفيذية لمركز العدالة الإعلامي: الرجال السود والسود عموماً يصورون بشكل زائد في الأخبار كمجرمين أكثر مما هو حقيقة استناداً إلى إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد خلق الإعلام صوراً نمطية بأن السود وأصحاب البشرة الداكنة على أنهم حيوانات في أقفاص ويخلقون سياقاً لإثارة الخوف مما يسوق فكرة أهمية السجون وتبرير وضع الناس في السجن.

    النقلة الثالثة: التربح السياسي من وراء الخوف من الجريمة وجذب الكتلة الجنوبية:

    مع حقبة جورج بوش الأب (1989 - 1993) استعمل حملة "صوتوا لمواجهة المجرمين"، وأنه الرئيس الحازم ضد الجريمة.

    لقد فاز بوش بالانتخابات بخلق الخوف من الرجال السود كونهم مجرمين، الخوف الابتدائي للبيض.

    تقول ليزا غرافيز (Lisa Graves)، المدير التنفيذي لمركز الإعلام والديمقراطية: إنها كانت لحظة تفرقة عنصرية للغاية تصوير مجرم أفريقي كان متعمداً في حملة بوش الانتخابية

    لقد استمر في نفس السياسات التي انتهجها سابقيه، لقد وقف خلف تلك السياسات الخوف من السود "الجريمة".

    طريقة مخاطبة خوف الناخبين وقلقهم في الأمة الأمريكية يمر عبر أجساد السود، لقد وصل تعداد السجناء في عام 1990 في عهد بوش إلى 1179200 سجين.

    ومع فترة حكم بيل كلينتون كرد فعل لخسارتهم في انتخابات عام 1988، أصبح الديمقراطيون يميلون لاتخاذ موقف أكثر للتشدد تجاه الجريمة؛ لذا أكد بيل كلينتون أهمية زيادة عدد رجال الشرطة في الشوارع بقانون، ويؤكد أن الجريمة العنيفة والخوف الذي تولده يعيقان المجتمع الأمريكي، ولكن مع شيوع بعض الجرائم كاختطاف طفلة بولي كلاس وقتلها تم إقرار قانون "3 Strikes" (3 جرائم وستسجن مدى الحياة) في كاليفورنيا، وكانت تحسباً لجرائم البسيطة ويطلق السجناء ليعودوا مرة أخرى وفتح المجال في السجون لمرتكبي جرائمهم الثالثة.

    وقد قيد هذا القانون السطلة التقديرية للقضاة وقدرتهم على تحقيق العدالة كما يقول "نيك ترنر" رئيس معهد ميزا للعدالة (NICHOLASTURNER).

    لقد تم إلغاء جميع المحاكمات المدنية في كاليفورنيا للتمكن من مواكبة حجم العمل والقضايا الجنائية.

    يقول كين ثومبسون (Ken Thompson) مدعٍّ عام: إن الذي قاد المرحلة هم المدعون العامون وليسوا القضاة، و95% منهم من المدعين المنتمين هم من البيض، وتم إقرار قانون "Truth in Sentencing" (قانون العقوبة الحقيقة) الذي أبقى الناس في السجن لـ85% من مدة عقوبتهم، وتم إزالة إطلاق السراح المشروط في النظام الفيدرالي ولو لجريمة واحدة، وفرض ذلك على القضاة.

    أتى الكونجرس عام 1994 بمقترح مشروع قانون فيدرالي حول الجريمة بقيمة 30 مليار دولار من أجل قيام قوات فرض القانون بالاعتقال؛ حيث أدى ذلك لتوسع هائل لنظام السجون وبنائها مع وضع 100 ألف شرطي في الشوارع وذلك بتطبيق أنظمة الجيش حتى في أصغر أقسام الشرطة الريفية وتزويدها بفرق مداهمة، وقد أدى ذلك إلى زيادة في عدد المساجين وحالات حبس جماعية ومفرطة كما يقول كوري بوكر (Cory Booker)، سيناتور من نيو جيرسي.

    يقول كريغ ديروش (Craig Deroche): لقد شيد بيل كلينتون في فترة حكمه "البنية التحتية للسجون التي نراها اليوم".

    وهذه السياسة منحازة للغاية ضد ذوي البشرة الداكنة، لقد وصل عدد السجناء في عام 2000 إلى 2015300 سجين.

    في نهاية حكمه، اعترف بيل كلينتون أنه أخطأ في سن تلك القوانين، لكن لم يحاسبه أحد، لقد كانت تلك القوانين استغلالاً للقوة السياسية، لقد أجبروا ملايين الناس على دخول السجن دون وجه حق، فككوا العائلات، أجبروا الأطفال على العيش دون آبائهم.

    لقد بلغ عدد السجناء الأمريكيين الأفارقة عام 2001 نحو 878400 سجين.

    النقلة الرابعة: تربح الشركات الكبرى من الجريمة وبقاء السجون مليئة وقانون "دافع عن أرضك":

    في عام 2014 بلغ عدد السجناء في أمريكا 2306200 سجين.

    قانون "دافع عن أرضك" الذي شرع في فلوريدا الذي يسمح للمرء بقتل شخص إن شعر بالتهديد؛ فأصبح غطاءً لتسهيل قتل أي مشتبه به وتبرئة القاتل.

    هذا ما حدث في مقتل ترايفون مارتن، الطفل الأسود على يد جورج زيرمان الأبيض، وتم تبرئته وكانت تلك انطلاقة الأحداث التي نشهدها اليوم.

    لكن التشريع السابق "دافع عن أرضك" كان ثمرة لمزيج من السياسة والعلاقات العامة والاستثمار المالي لنظام السجون؛ حيث اتُّهم نادٍ اسمه "AmericanLegislative Exchange Council “A.L.E.C” وهو نادٍ خاص لرجال الأعمال وسياسيين وشركات، أسس في عهد ريجان، وهو يقوم بخدمة تعاونية لتلبية رغبات رجال الأعمال وتنفيذها عبر الساسة الأمريكيين، حيث يتمكن أفراد الشركات من اقتراح قوانين على نظرائهم السياسيين ومعظمهم جمهوريون، ولتؤثر الشركات الكبرى عبر "أليك" (A.L.E.C) على سن القوانين، واعتبر ريجان أن "A.L.E.C" شراكة فريدة بين مشرعي الدولة وقادة الشركات.

    وكل مشروع قانون يقدمه "A.L.E.C" هناك شركة تموله تقريباً مثل "إريكسون موبايل" (Ericsson Mobile)، و"تايم وارنر كيبل" (Time Warner Cable)، و"وول مارت" (Walmart)، و"ستايت فارم" (State Farm)، و"آلتريا" (Altria).

    و"وول مارت" (Walmart) مولت قانون "دافع عن أرضك"؛ لأن ذلك يخلق بيئة ازدهار لبيع السلاح، وهي أكبر شركات بيع البنادق الطويلة في الولايات المتحدة.

    لكن هناك شركات مثل صناعات "كوج"، وشركة "ستايت فارم" للتأمين، و"فارما" هي مجموعة ضغط للصناعات الدوائية، وكذلك تتلقى "أليك" (A.L.E.C) دعماً من صناعة التبغ، وكذلك "إيه تي آند تي" (A T & T)، و"فرايزون" (Verizon).

    ولمدة عقدين شركة "كوريكشن كوربورايشن أوف أمريكا" (C.C.A) التي تخدم 60 موقعاً أمنياً، وهي خامس أكبر نظام إصلاحي في أمريكا تمتلك وتبني وتدير منشآت إصلاحية أمنية (السجون)، وهي أول شركة سجن خاص أمريكية، بدأت كشركة صغيرة في فرتينتي عام 1983، حيث بدؤوا بتوقيع عقود مع الولايات وتعين عليهم حماية استثماراتهم، فتعين لإبقاء السجون مليئة حتى لو لم يتم ارتكاب جريمة، وازدهرت هذه الصناعة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وتتفوق على كثير من الصناعات في الولايات المتحدة، وكانت نموذجاً مضمون النجاح.

    يقول "كيونغ جي ري" (Kyung Ji Rhe) كل التشريعات "3 جرائم وتسجن مدى الحياة" اقترحته "إليك" (A.L.E.C) قوانين الأدنى من الحكم الإجبارية، حيث تقدم تدفقاً ثابتاً من السجناء لدر الأرباح التي ستكون من نصيب مالكي الأسهم.

    من خلال "A.L.E.C" غدت "سي سي إيه" (C.C.A) الرائدة في السجون الخاصة تدر عليها مليارات الدولارات، أرباح 1.7 مليار، وبذلك حظيت "سي سي إيه" (C.C.A) بدور في صياغة سياسة الجريمة في أرجاء البلاد، ليس فقط تخصيص السجون، بل وللازدياد السريع في التجريم، وقدمت سياسات لزيادة أعداد المساهمين ولزيادة مدة سجن السجناء، لقد استفادت شركة "سي سي إيه" (C.C.A) من استثماراتها في مجلس التبادل التشريعي الأمريكي "أليك"، وتضرر الشعب الأمريكي بطرق شتى من تلك السياسات وخصوصاً مجتمع السود بسبب الحبس الجماعي.

    اقترح "إليك" مشروع قانون آخر هو "إس. بي. 1070 SB" فقد كانت شركة "سي سي إيه" (C.C.A) في فريق عمل "ALIC" الذي دفع لإصدار هذا القانون الذي منح الشرطة الحق بإيقاف أي شخص ظنت أنه يبدو مهاجراً، هذا القانون ملأ منشآت احتجاز المهاجرين في "سي سي إيه" (C.C.A)؛ حيث إن لديها العقد الفيدرالي لإسكان المهاجرين المحتجزين في أريزونا، وتفوق قيمته شهرياً 11 مليون دولار، وتدعى منشأة احتجاز، لكن في الحقيقة هي سجن صغير.

    تقول ماري غوتشالك (Marie Gottschalk)، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا: لقد صنع نظام "هجرة إجرامي"، وإن هناك اندماجاً بين قوات فرض قوانين الهجرة ونظامنا لفرض القانون، وبعض الأمور نفسها التي كانت تستخدم في مكافحة المخدرات تستخدم على أناس آخرين.

    النقلة الخامسة: الاستثمار في نظام المراقبة والسيطرة لمجتمع الملونين:

    منذ عام 2008 اعتمدت 31 ولاية تغيرات إيجابية على إصدار الأحكام وإصلاحات إطلاق السراح والمراقبة، لكن نادي "أليك" (A.L.E.C) يقوم بجهد جبار لتخصيص كل قطاعات الحكومة، ومن ذلك قاموا بتخصيص المراقبة وإطلاق السراح (probation and Parole).

    تقول جينا مارت (Gianna Martin): يريدون القيام بنظام تحديد المواقع (GPS) للانتقال لنظام حجز منزلي للأحداث وترسيخ السجون أكثر في المنازل بمراقبة بعضهم بنظام تحديد المواقع، وسيرتدون أساور في الكاحل والرسغ، فهل هذا سيحل مشكلة ازدحام السجون، والتركيز على سجن الناس في مجتمعاتهم، ووضع السجناء في إصلاحية تحت نظام المراقبة الجمعية، والاستثمار في تلك البرامج.

    أصبحت المجتمعات السوداء تحت المراقبة والسيطرة، وتشكلت شركات خاصة تكسب المال من المراقبة بنظام تحديد المواقع بدلاً من سجن الشخص في قفص فعلي.

    يقول دانييل واغنر (Daniel Wagner)، مراسل صحفي: يهدف مجمع السجن الصناعي إلى نظام الحبس الجماعي والشركات المستفيدة من الحبس الجماعي، ويتضمن ذلك مشغلي السجون الخاصة ومجموعة بائعين كثيرين مثل شركة "سيكيوراس تكنولوجيز" (Secures Technologies) التي تزود خدمات هاتفية (ربحت 114 مليون دولار في عام 2019) التي تكلف تلك الاتصالات إلى العائلات والأصدقاء في السجون الحكومية مبالغ كبيرة، حيث يضخمون السعر الذي يتقاضونه من السجين وعائلته.

    - ولسداد ثمن مكالمة هاتفية مدتها 10 دقائق فإنها تساوي عمل ساعة ونصف ساعة.

    - شركة "أرامارك" (Aramark) أكبر موردي خدمة الطعام، وقد اتهمت أكثر من ولاية بوجود ديدان في الطعام الذي قدمته.

    - تقدم "كورايزن هيلث كير" (Corazon Health Care) رعاية صحية في 28 ولاية مختلفة، وتنال عقوداً بقيمة ملايين الدولارات على هذه الخدمة.

    - تقدم حوافر ضخمة للمقاولين لعقود طويلة الأجل جداً، وهذه في الحقيقة مثبط على تقديم الخدمة؛ لأنهم سينالون أجراً على كل حال، بالرغم من ضعف هذه الخدمات في بعض السجون.

    - لقد أصبح الحبس الجماعي مربحاً مادياً للغاية.

    - شركة صغيرة تدعى "يونيكور" تربح 900 مليون دولار سنوياً! كيف تفعل ذلك بواسطة الكمية وكذلك عمالة السجناء Prisoners' labor؟

    تشغيل السجناء كعمالة:

    - تحالف بين صناعات الإصلاح والسجون والشركات الخاصة جزء يزدهر بسرعة من صناعة تقدر بمليارات الدولارات في أمريكا.

    - نتحدث عن مصانع مستغلة للعمالة وشركات تستثمر في هذه العمالة المجانية، ويحدث هذا في كل المجالات؛ في صناعة ملابس الرياضة والأزياء الموحدة والقبعات وفي مايكروسوفت وبوينج، يصنع سجناء فيدراليون نظم التوجيه لنظام باترون، وتصنع سراويل "جاي سي بيني" (J.C.Penny) الجينز في "تينيسي"، وتصنع منتجات أرضيات "أندرسون" في جورجيا.

    كانت توجد دائماً بطاطا "أيداهو" يقوم سجناء بزراعتها وتعليبها وشحنها، الشركات تعمل في السجون وتكسب من العقوبات.

    يقول بوب سلوان (Bob Sloan)، مراسل صحفي: لقد ازدهرت صناعات السجن كثيراً حتى يصعب جداً الآن إيقافها، فهي تتضمن مبالغ كبيرة، ويدعمها مشرعون كثر جداً؛ لأنهم يتعرضون إلى الضغوط؛ لذا يتعين على الشعب أن يعارض ويستعيدها، ولن ينتهي الأمر ما لم يفعل ذلك.

    النقلة السادسة: الحرمان من الحقوق المدنية بغطاء قانوني جديد:

    يقول مجموعة من الخبراء القانونيين الأمريكيين كانت مقابلتهم في الفيلم الوثائقي "13th": إن عدم التمكن من دفع الكفالة للملونين والسود لأنهم أفقر من أن يخرجوا منها.

    يعاملك نظامنا للعدالة الجنائية بشكل أفضل إن كنت ثرياً ومذنباً مما لو كنت فقيراً وبريئاً، الثروة وليست الإدانة هي ما يؤثر على النتائج.

    ما يفكر فيه معظم الأمريكيين لأنهم شاهدوا مسلسلات قاعات المحاكم وما يشبهها أن نظام العدالة الجنائية يتعلق بالقضاة والمحلفين، لم يعد الأمر هكذا، لا يمكن أن يوجد هذا النظام إن قرر الجميع الخضوع لمحاكمة فسيتوقف النظام بأكمله، ما يحدث هو أن المدعي يقول: "يمكنك الاعتراف بذنبك وسنسجنك 3 سنوات، أو يمكنك أن تحاكم وسنسجنك 30 سنة، لذلك قم بتلك المخاطرة".

    لا أحد في المناطق الفقيرة يخضع لمحاكمات، 96% من المساجين يقرون بذنبهم لتخفيف الحكم عليهم، وهذا من أسوأ خروقات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة.

    هناك من يعترف بجرائم لم يقترفها؛ لأن فكرة سجنهم حسب أدنى فترات السجن الإجباري مؤلمة للغاية.

    مجمع السجن الصناعي، النظام، الصناعة، كلها متوحشة، إنها تدمر السود واللاتينيين وتدمر حياتهم بالكامل، لم نفكر حتى من سيعمل في قضاء الوقت مع هؤلاء الناس وإلا سنريد اختصاصيين اجتماعيين ومعلمين، نريد أشخاصاً يفهمون السلوك البشري ويفعل عكس ذلك في الواقع.

    تقول دوري نان (Dorey Nunn)، المدير التنفيذي لمؤسسة الخدمات القانونية للأطفال السجناء: توجد عقوبات كثيرة جائرة على الناس الذين يتعرضون إلى نظام العدالة الجنائية، السؤال الدائم: هل أدنت بجنحة؟ الموجود على طلب التوظيف، كما ويؤثر على القروض الطلابية ومنع رخص مزاولة الأعمال وعلى قسائم الطعام والإيجارات الخاصة فيما يتعلق بالسكن، السؤال الموجود على بوليصة التأمين على الحياة: "يلازمك خطؤك حتى نهاية حياتك في هذا البلد".

    يقول: بريان تيفينسن (Bryan Tevenson)، مؤلف: إن حوالي 30% من الذكور السود في ألاباما اليوم قد فقدوا إلى الأبد الحق في الانتخابات نتيجة إدانة جنائية، نخبر في الواقع المواطنين الأمريكيين عندما يسددون دينهم للمجتمع أنهم لا يزالون سيحرمون من مواطنتهم.

    تقول ميستشل ألكسندر (Michelle Alexaner): غدت جوانب كثيرة من قانون "جيم كرو" العنصرية قانونية مجدداً فجأة عندما توصف بأنك مجرم، الانتخابات، الحقوق الأبوية، يبدو أنه في أمريكا لم ننهِ التفرقة العنصرية، بل تم إعادة تصميمها وحسب.

    وتتابع وتقول: قرر الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء أنه لم يعد من مصلحتهم إبقاء نظام السجن على حاله بعد الآن.

    يقول رك بري (Rick Perry)، حاكم تكساس (2000 - 2015): المحافظون الذين يتبنون التشدد دائماً يتبنون الآن إصلاح نظام العدالة، إنه أمر غير عادي، اعتادت تكساس على إنفاق المليارات لسجن الناس الذين يرتكبون جنحاً بسيطة، حولنا برامجنا إلى برامج تشغيلية كمراقبة المجتمع.

    تقول المناضلة أنجيلا دايفس (Angella Davis): في الحقيقية إنهم لا يريدون الرجوع للوراء وإصلاح ما أفسدوه كبلد، وغير مستعدين للاعتراف بأنهم سحقوا مجتمعات بأكملها وأجيالاً متعددة بأمور كالعبودية وقوانين "جيم كرو" وجميع أنظمة القمع الأخرى التي أوصلت الولايات المتحدة إلى ما هي عليه اليوم.

    د. كينج: ظهر أولئك الأشخاص إيلا جوبيكر، فاني لوهايمر، وعرضت عليهما مشاريع القوانين للتصويت ثم حطموا القيود، إن سموك "مجرماً" لا يمكنك أن تنتخب أو تحصل على وظيفة؛ لذا لا ندري ما سيكون التكرار التالي لهذا، لكنه سيحدث ويتعين أن نكون يقظين.

    "حياة السود مهمه" (Blak Lives Matter):

    • احتمالات دخول السجن وفق مكتب وزارة العدل، الرجال البيض 1 من 7، الرجال السود 1 من 3 يتوقع أن يسجن خلال حياته.
    • نسبة الرجال السود نحو 6.5% من سكان أمريكا، وتبلغ نسبتهم 40.2% من السجناء.
    • هناك أمريكيون أفارقة تحت المراقبة الجنائية يفوق عددهم جميع العبيد في خمسينيات القرن الـ19.
    • مجمع السجن الصناعي يعتمد سياساته على تاريخ أمريكا في إرث العبودية.
    • ينص التعديل الثالث عشر للدستور الأمريكي: "لا العبودية ولا الاستعباد الإلزامي ستتواجدان في أمريكا"، "ولا استعباد إلزامياً للمدانين بجريمة"، "وحالما يدان بجريمة تغدو عبداً للولاية عدا عن عقوبة جريمة".

    يقول كيفين غانون (Kevin Gannon)، أستاذ التاريخ في جامعة "جراند فيو" (Grand View University): عبر التاريخ الأمريكي تمت السيطرة على الأمريكيين الأفارقة باستمرار عبر أنظمة سيطرة عرقية واجتماعية تبدو أنها تتلاشى، ثم ظهرت لتتشكل مجدداً بشكل جديد حسب احتياجات وضوابط الزمن.

    بعد انهيار العبودية وُجد نظام جديد وهو تأجير المدان، وكان شكلاً جديداً للعبودية، وعندما تلاشى تأجير المدان وُجد نظام جديد وهو نظام جيم كرو الذي أنقص مرتبة الأمريكيين الأفارقة إلى درجة متدنية، وبعد عقود من انهيار قوانين جيم كرو القديمة وُجد نظام جديد ثابت في أمريكا.

    قام نظام الحبس الجماعي بتجريد ملايين من السود من مدقعي الفقر من جميع الحقوق التي يفترض أنهم فازوا بها من خلال حركات الحقوق المدنية، وبدلاً من التحدث عنها حاولنا الاستمرار وتجاهلناها، بعد صدور قانون الحقوق المدنية والقوانين الأخرى حاولنا التلاعب بها؛ لأننا لم نعالج المشكلة، واستمر أمر الاختلاف العرقي وتحول إلى افتراض الخطورة والشعور بالذنب لازم جميع السود داكني البشرة حيثما كانوا.

    تقول ميلينا عبدالله (Melina Abdullah)، رئيس مجلس الدراسات الأفريقية في جامعة كاليفورنيا: وغدا السود يعتبرون كمقاتلين أعداء لا حقوق لهم، ويمكن إيقافهم وتفتيشهم واعتقالهم واحتجازهم واستجوابهم وقتلهم مع الإفلات من العقاب، وهذا يفسر طبيعة العلاقة الراهنة بين السود والشرطة اليوم، إنه نتاج عملية تاريخية امتدت قروناً بدون حلول.

    لقد عاد ترمب لينادي من جديد عندما نادى في حملته الانتخابية: "أنا مرشح القانون والنظام (Law & Order)"، وعاد السود يرفعون شعار "حياة السود مهمة" (Black lives matter).

    يتبع..

  • فيروس «كورونا» وما كسبته يد الإنسان

    فيروس «كورونا» أرعب العالم بسرعة انتقاله وانتشاره من مكان ظهوره في مدينة «ووهان» بالصين منذ منتصف ديسمبر 2019م، التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، وحوّلها إلى مدينة أشباح، وحصد عشرات الأرواح في الصين، وانتشر الفيروس في مقاطعات صينية ودول أخرى كاليابان وكوريا وتايلاند وفيتنام وأستراليا وسنغافورة وفرنسا ونيبال وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية، لأشخاص زاروا أو عادوا من ووهان الصينية، حسب التقرير الذي نشرته منظمة الصحة العالمية.

    وتعتبر الأوبئة عاملاً مؤثراً في إعادة توازن الحياة البشرية؛ إذ إن طغيان الحياة المادية على الإنسان في كل عصر ينشئ أصناماً من اللذة التي تُنسيه حقيقة وجوده وما رسمه الخالق لمساره، فتأتي الكوارث الطبيعية منبهة للإنسان، ومن أجل إعادة التوازن في الحياة الإنسانية والبشرية، وليتعامل الإنسان مع ذاته الإنسانية وعلاقته بالأرض والكون والناس والأشياء بالعدل والحق وإرجاع مساره إلى ما هو صحيح، وإن ما جرى ويجري من نتائج كارثية إنما هو نتاج ما كسبته يداه.

    إن ما كسبت يد الإنسان في صناعته وتطوير حياته وإقامته لشؤون الناس إما سبّب الدمار والهلاك، وإما أدى إلى الصعود والرقي في الحياة الإنسانية والبشرية.

    فالتوجه البشري للخبائث التي نهى الله عنها وأمرنا أن نجتنبها والإمعان في صناعتها وتداولها ستسبب في نهاية المطاف كوارث إنسانية وأوبئة تدمر حياة الإنسان، فاليوم تعاني الإنسانية من سباق في تطوير أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة التي تدمر الحياة البشرية؛ حيث أصبح الحجر والمدر أهم من حياة الإنسان! فهذا بالطبع من صنع البشر.

    وإن ما تعانيه البشرية اليوم من انتشار أمراض السرطان والأوبئة وأمراض لم يصل الإنسان لعلاج لها؛ هو بسبب نتائج استخدام تلك الأسلحة الفتاكة في حروب مدمرة، خذ على سبيل المثال حرب الخليج الثانية واحتلال العراق؛ حيث خلفت نحو 273 طناً من اليورانيوم المنضب المستخدم في القذائف ضد الدروع، وهذه بقعة جغرافية صغيرة في العالم، لكنها خلفت نسباً مرتفعة من أمراض السرطان في الكويت والعراق.

    كما تعاني البيئة العالمية للأرض من آثار مدمرة وغازات وسوائل سامة تدمر النبات وتلوث الفضاء، وتخلق اختلالاً في توازن فصول السنة، وتهدد بارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما يتوقع منه الخطر على حياة وبقاء الإنسان، وإن مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة قد دمرت بشكل كامل بسبب العوامل الكيميائية للتلوث، كما أن ذلك غيَّر الطبيعة الخاصة بفصول السنة، وندرة الأمطار؛ مما يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي، وكذلك على حياة الحيوان المنتج للحوم التي تحتاجها البشرية.

    وقد ارتفعت معدلات تلوث الهواء في العالم بنسبة %8 بين عامي 2008 و2013م، وسجل أنه لا يتنفس %92 من سكان المدن هواء مأموناً، وأن مستويات تلوث الهواء تتجاوز الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.

    إن تلوث الهواء، وفق الإحصائيات العالمية، تسبب في 2.2 مليون إصابة بالسكتة الدماغية، ويتسبب الهواء الملوث في وفاة مليوني شخص سنوياً جراء الإصابة بأمراض القلب، وإصابة 1.7 مليون شخص بأمراض الرئة والسرطان.

    وتأتي تلك النتائج بسبب الصراع بين قوى المال والسلطة في مجتمعنا الإنساني، فالشركات الكبرى المتنافسة على صناعة الأدوية سعت وتسعى للتسابق والتنافس على حساب الأرواح البشرية.

    إن تطوير الأدوية اللازمة لعلاج فيروسات غامضة بسبب تدبير بشري خاطئ لإدارة الحياة خلفه شركات عالمية تدر من ورائه مليارات الدولارات، علماً بأن نسبة المصابين بهذا الفيروس لا تساوي شيئاً في المقاييس العالمية؛ فرغم أن عدد سكان الصين 1.386 مليار نسمة، وفق إحصائية عام 2017م، فإن الإحصاءات الرسمية الصادرة إلى يوم 27 يناير الماضي لا يتجاوز عدد الوفيات 80 شخصاً، وعدد المصابين 2700 شخص، وذلك بسبب استخدام محرمات غذائية يعتقد أنها تسببت في توالد فيروس «كورونا» القاتل، وانتقلت العدوى إلى مناطق عدة من العالم، ومع ذلك فإن حجم الخوف والذعر والهلع بين الناس كبير؛ مما سيدفع بكل الدول لشراء كل وسائل الوقاية والدواء لهذا الداء القاتل، لنعرف بعد ذلك أن هذا الفيروس لا يستحق كل هذه المعاناة والخوف والرعب لو أن الإنسان أدار حياته بالشكل الذي أراده الله من العدل والرحمة وكسب الخير والتوزيع العادل للثروات والاستخدام الصحيح للبيئة والموارد، لا الطغيان فيها، وإن لكل طغيان طوفاناً يتغير شكله بالزمان والمكان، اللهم الطف بالإنسان الذي كرمه القرآن؛ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70)

  • مقال: الولايات المتحدة: من حدود سايكس بيكو إلى جدران الدم (العراق نموذجاً)… د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    استنتاجات خاطئة:

    الذين يرون أن الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من المنطقة (خصوصاً المشرق العربي) مخطئون. والذين يسوقون باراك أوباما وسياسته في المنطقة كـ”بطة عرجاء“ يجانبهم الصواب. والذين يصفون السياسة الأمريكية في المنطقة بالضعف والترهل، يبدو أنهم استعجلوا في استنتاجاتهم غير الصحيحة.

    ما تقوم به الولايات المتحدة في المنطقة لا يعبِّر بالضرورة عن فشل أو عجز أو ارتباك؛ وإن قراءة متأنية للسياسة الأمريكية وعملية صناعة القرار فيها… تشير إلى أن المصالح العليا لم تختلف… وتوجيه مسار الأحداث الكلية بما يخدم السياسة الأمريكية لم يختلف… وأن محصلة تدخّل القوى الأخرى (بمن فيها الروس)… لا تبعد في النهاية عن الصبِّ في ”الطاحونة الأمريكية“!!

    كل ما فعله أوباما هو أنه غيَّر أسلوب التعامل الأمريكي مع المنطقة من أسلوب التدخل الغليظ الدموي المباشر والمكلِّف إلى تحقيق المصالح نفسها من خلال أدوات القوة الناعمة… وبتكاليف أقل… وربما بنتائج أفضل… وهو ما حاول تنفيذه من خلال ”الإدارة الذكية للنزاع أو للصراع“ أو بالإنجليزية Smart Management of Crisis.

    والملاحظة الثانية أن بعض الذين يتهمون أمريكا بالضعف والتردد يحاكمونها على أساس أنها القوة العظمى التي من واجبها أن تفرض الأمن والاستقرار ”في مناطق نفوذها” التقليدية. ولكن، مَنْ قال إن أمريكا في هذه المرحلة معنية بتحقيق الاستقرار، وفي المشرق العربي، وخصوصاً في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة أو الكيان الصهيوني؟!… (العراق، وسورية، ومصر…). وإذا كانت أمريكا تريد تحقيق شكل من أشكال الاستقرار، فليس بالضرورة ما تريده هو استقرار يخدم تطلعات أهل المنطقة وشعوبها في الحرية والنهضة والتنمية؛ وإنما تريد استقراراً مبنياً على خدمة مصالحها، حتى لو كان قائماً على معادلات هشَّة طائفية وعرقية، أو أنظمة قمعية، أو أنظمة تابعة تدور في الفلك الأمريكي الغربي.

    هذا المقال يركز فقط على العراق نموذجاً (ويتبعه مقال ثانٍ حول السياسة الأمريكية في سورية)، ويحاول أن يحدد حقيقة المنظور الأمريكي وممارساته تجاهها… وهو يرى أن أمريكا جاءت بعد نحو مائة عام على سايكس بيكو لتختط حدوداً ليست على الخرائط، وإنما حدوداً ترتفع فيها جدران الكراهية والدم، في مأساة وملهاة يشارك أبناء المنطقة أنفسهم في صناعتها!!

    المصالح القومية الأمريكية:

    تركز الاستراتيجية الأمريكية الدولية على المحافظة على الهيمنة الأمريكية على العالم، والبقاء كقوة عظمى وحيدة لأطول فترة ممكنة (عسكرياً، واقتصادياً، وعلمياً وتكنولوجياً…)؛ وإعادة تشكيل النظام الدولي وفقاً للمصالح الأمريكية. وهي بشكل عام استراتيجية تتميز ببراجماتية ومرونة عالية، وقدرة كبيرة على التكيف.

    وضمن هذه الاستراتيجية، وبعيداً عن الاستغراق في تصنيفات ومدارس السياسة الخارجية الأمريكية (انعزالية، وليبرالية، ومحافظة… بدرجاتها وتداخلاتها المختلفة)، فإن ثمة خطان رئيسيان يتنازعان هذه السياسة. الأول يعطي وزناً أكبر للأمن والقوة، ويعّد نفسه ممثلاً لقيم الحرية، ويميل لفاعلية أكبر في التدخل المباشر في النزاعات الخارجية ولو باستخدام القوة العسكرية، لفرض النُظم والمنظومات التي يراها متناسبة مع قيمه ومصالحه، وبما يليق مع الولايات المتحدة كقوة أولى عالمياً. أما الاتجاه الثاني فيعطي وزناً أكبر ”للقوة الناعمة“ في التغيير، ويسعى لإصلاح النظام العالمي، ويركز على آليات التفاوض والاتفاقات، ويُسوِّق اهتمامه بالتنمية وحقوق الإنسان، ويعطي اعتباراً للقوى المحلية وثقافاتها، ولاحترام الخصوصية والتعددية. ولا يميل للتدخل العسكري إلا إذا تعرضت المصالح الأمريكية العليا للخطر.

    وعادة ما يتركز أتباع الاتجاه الأول في الحزب الجمهوري، وأتباع الاتجاه الثاني في الحزب الديموقراطي.

    وعلى هذا، فإن هناك تقلُّباً بين هذين الاتجاهين، خاصة عندما يحصل الفشل لدى أي منهما… ومثال ذلك حلول رونالد ريجان ”القوي“ مكان كارتر الذي يركز على القوة الناعمة… وحلول أوباما الذي يركز على القوة الناعمة مكان بوش الابن الذي لجأ للقوة في أفغانستان والعراق… غير أن هاتان الثنائيتان لا تخرجان عن الغاية النهائية في خدمة المصالح الأمريكية العليا.

    أما الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط فتتلخص في:

    1. الحفاظ على ”إسرائيل“ وأمنها كقوة إقليمية عظمى، وباعتبارها حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة.

    2. الهيمنة على مناطق البترول لتأمين احتياجات أمريكا وحلفائها، وكأداة ضغط في الاستراتيجية الدولية.

    3. تأمين خطوط الملاحة والتجارة الدولية في المنطقة، بما في ذلك مضائق وممرات هرمز والسويس وباب المندب.

    4. دعم النظم السياسية الموالية أو ذات العلاقة الجيدة معها.

    5. ضبط وتحديد أدوار ونفوذ نظم المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية، أو بما لا يتعارض معها على الأقل.

    6. الاستفراد بالهيمنة على المنطقة ومنع أي قوة كبرى من المنافسة، إلا ضمن هامش لا يضر بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية (بما في ذلك روسيا).

    مبررات احتلال العراق:

    لم تخرج السياسة الخارجية الأمريكية في العراق طوال الخمس وعشرين سنة الماضية عن المراوحة بين خطي الإضعاف والتفتيت. فبعد التدخل العسكري المباشر بقيادة جورج بوش الأب لضرب القوات العراقية وتحرير الكويت 1991، تابع الرئيس كلينتون (كانون الأول/ يناير 1993 – كانون الأول/ يناير 2001) سياسة إضعاف وإنهاك العراق بقصد إسقاط نظام صدام حسين بالطرق ”الناعمة“ مستخدماً أساليب الحصار والعقوبات الدولية، كما تابع توفير الحماية الجوية، ومنع استخدام الطيران العراقي في مناطق التَّركُز الكردي في شمال العراق. ثم جاء جورج بوش الابن ليعود للخط الأول في استخدام التدخل العسكري المباشر لإسقاط النظام، وفرض بيئة تفتيت داخلي عليه، ثم لحقه أوباما ليتابع خط كلينتون في الإضعاف بالوسائل الناعمة مع تخفيف الأعباء العسكرية والمالية.

    خط الإضعاف الذي اتبعه كلينتون في العراق لم يكن إنسانياً ولا رحيماً ولا منطقياً في معاقبة الشعب العراقي وتدمير اقتصاده. وعلى سبيل المثال، ففي مقابلة لوكيل وزارة الخارجية العراقية رياض القيسي مع قناة الجزيرة في 1/6/2001، قال إن معدل نصيب الفرد العراقي من الأموال التي سمحت الأمم المتحدة بصرفها (طوال السنوات الخمس السابقة) كان 125 دولاراً للفرد سنوياً. مع العلم أن الأمم المتحدة، مثلاً، استوردت لمعالجة موضوع الألغام في شمال العراق 28 كلباً صرفت على إطعامهم 33 ألف دولار خلال 11 شهراً، أي أن معدل إطعام الكلب الواحد كان حوالي 1,286 دولار سنوياً أي أكثر من عشرة أضعاف المصروف الذي سمحت به للفرد العراقي. لقد عوقب الشعب العراقي وجرت محاولات لإهانة كرامته وإذلاله، تحت شعار معاقبة النظام الذي تمكن من تكييف نفسه ومن الاستمرار حتى وقوع الاحتلال.

    بعد تولي بوش الابن الرئاسة الأمريكية، حدثت نقلة نوعية في استراتيجية التعاطي الأمريكي مع المنطقة، فقام مدفوعاً بمدرسة ”الأمن والقوة“، ومحاطاً بتيار المحافظين الجدد المهيمن على السياسة الخارجية، ومستغلاً بطريقة فجة الأوضاع الناتجة عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ليطبق أجندات خاصة، ليس لها أي علاقة بالأحداث ذاتها. وكان احتلال العراق أكبر مثال على ذلك.

    الحجتان الرئيسيتان اللتان سعت الإدارة الأمريكية لتسويقهما لتبرير احتلال العراق كانتا:

    1. حيازة العراق لأسلحة دمار شامل، أو على الأقل قيامه ببرنامج لحيازة هذه الأسلحة بما يخالف التزاماته الدولية، وبما يشكل تهديداً على دول المنطقة.

    2. دعم النظام العراقي للإرهاب؛ وإيواء الإرهابيين.

    في 6/7/2016، أعلنت نتائج تقرير جون تشيلكوت الخاص بالمسؤولية عن مشاركة بريطانيا في غزو العراق، والذي يؤكد على كذب الأسباب المعلنة لاحتلال العراق، وأنها واهية أو منعدمة، ويتضح من التقرير أن المطلوب لم يكن مجرد استهداف صدام حسين ونظامه، وإنما العراق نفسه، دون أسباب حقيقية معلنة. ولكن لم تظهر مطالبة جادة بمحاسبة ومعاقبة من كذبوا وقاموا بالحرب ودمروا العراق. ولم يحدث التقرير الأثر والضغط الإعلامي الكافي لمحاسبة المسؤولين، حيث سيدفن كغيره من التقارير.

    لقد ثبت قطعاً كذب الادعاءات الأمريكية بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق. أما حكاية دعم الإرهاب… فقد كان واضحاً أنها مجرد فقاعة إعلامية… فالنظام العراقي لم يكن فيه أحد من تنظيمات القاعدة أو ما شابهها… وكان أحد أنجح الأنظمة في قمع تيارات ”الإسلام السياسي“…. ولم يخرج منه شخص واحد ليشارك في هجمات 11 سبتمبر… أو في الاعتداء على المصالح الغربية…. إذاً، فالسؤال ببساطة إذا كان هذان السببان غير صحيحان وادعاءان كاذبان… فلماذا قامت أمريكا باحتلالها للعراق؟!

    تهاوي المبرر الاقتصادي:

    اتجهت معظم التحليلات التي رفضت المبررات الأمريكية للاحتلال إلى أن الجانب الاقتصادي المتمثل في السيطرة على ثروات العراق وخصوصاً النفط ونهب خيراته، هو السبب الحقيقي للاحتلال… وما تزال هذه المدرسة هي الأكثر رواجاً حتى أيامنا هذه. غير أن قراءة متأنية لتكاليف الحرب الأمريكية على العراق تكشف أن النفقات والخسائر المالية الأمريكية كانت أكبر بكثير من حصول الأمريكان على النفط العراقي ولو بأسعار تفضيلية أو شبه مجانية!! ومع ذلك فالإدارة الأمريكية لم تنهب نفط العراق، كما لم تهبط أسعار النفط في أثناء احتلال الأمريكان للعراق.

    من جهة أخرى، فقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية أن نفقاتها المباشرة على الحرب في الفترة 2003-2010 بلغت نحو 758 مليار دولار. أما الدراسة التي أعدها معهد واتسون للدراسات الدولية في جامعة براون (وهي جامعة أمريكية) فقد أظهرت أن تكاليف الحرب للفترة نفسها تزيد عن 1,100 مليار دولار، أي بما معدله ملياران و640 مليون دولار أسبوعياً. الخبير الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، أعد بالتعاون مع ليندا بيلميز من جامعة هارفارد، دراسة قالت إن تكاليف الحرب على العراق ستكلف الاقتصاد الأمريكي نحو ثلاثة تريليونات دولار (ثلاثة آلاف مليار) في المعدل المتوسط، وبأرقام متحفظة.

    وأشارت وحدة البحوث في الكونجرس الأمريكي إلى أن تكاليف الحرب على العراق ستصل إلى نحو تريليون و700 مليار دولار في سنة 2017، بما في ذلك جوانب الرعاية الصحية للجرحى والمصابين من الجنود الأمريكان وفوائد القروض… وغيرها.

    وقبل أقل من أسبوع من العدوان على العراق (آذار/ مارس 2003)، أعلن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن الحرب في سنتها الأولى ستكلف ثمانين مليار دولار، وأن هناك حاجة لإنفاق نحو عشرين مليار دولار على مدى سنتين ليتعافى الوضع في العراق، غير أنه لم يتحدث عن تكاليف بقاء الجيش الأمريكي في العراق. فهل تعمد عدم التحدث عن تكاليف البقاء المحتملة للجيش حتى لا يؤثر سلباً على الرأي العام الأمريكي، أم أن سوء التقدير بلغ به أنه لم يكن يتوقع البقاء لأكثر من سنتين في العراق؟!

    ربما ساعد الحصول على النفط العراقي بأسعار تفضيلية، وعقود إعادة الإعمار في العراق، وحتى دفع دول المنطقة لشراء الأسلحة الأمريكية… في خدمة الاقتصاد الأمريكي… ولكنها كلها عوامل غير كافية لتبرير احتلال العراق، ودفع تلك الأثمان الهائلة… فيما يبدو استثماراً خاسراً.

    إذاً، لا مكاسب اقتصادية من الحرب على العراق… بل تكاليف هائلة أسهمت بشكل أو بآخر في الإضرار بالاقتصاد الأمريكي… وصرفت الناخب الأمريكي لاختيار المرشح الديموقراطي أوباما.

    الأبعاد الجيوستراتيجية والخلفيات الدينية والثقافية:

    ما هو أقرب للصحة أن الخلفية الدينية والثقافية للمحافظين الجدد الذين أحاطوا بالرئيس بوش الابن، والرغبة في الاستفادة من البيئة العالمية المعادية لـ”الإرهاب“ والتي نشأت وجرى تعزيزها بعد أحداث 11 سبتمبر، قد دفعت صانع القرار الأمريكي لتبني رؤى إعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية، بما يسهل مزيداً من الهيمنة الأمريكية عليها، وبما يخدم الكيان الإسرائيلي. ومن المفكرين الكبار الذين دعوا إلى تفتيت العالم العربي المؤرخ اليهودي الصهيوني المشهور برنارد لويس؛ والذي كان له تأثير مهم على مدرسة المحافظين الجدد، وعلى الرئيس جورج بوش الابن نفسه، من أبرز من دعا إلى تفتيت العالم العربي، معترضاً على أخطاء سايكس بيكو التي لم تراع الأسس الطائفية والعرقية. وقد بنى الكاتب الأمريكي رالف بيترز Ralph Peters على دراسات لويس ودعا إلى تقسيم الشرق الأوسط في مقاله ”حدود الدم“، التي نشرها في مجلة الجيش الأمريكي Armed Forces Journal في حزيران/ يونيو 2006. الذي تحدث بشكل فجِّ عن تقسيم العراق والسعودية، فاقترح دولة للشيعة العرب في جنوب العراق تمتد لتضم منطقة الإحساء وجنوب غربي إيران المطلة على الخليج وخصوصاً مناطق الأهواز وعربستان. كما اقترح دولة للعرب السنة وسط العراق وأخرى للأكراد تمتد شمالي العراق وشمال غربي سورية وشرقي تركيا وشمال غربي إيران. ولذلك، كان ثمة رغبة في ضرب العراق وتفتيته داخلياً، بغض النظر عن أي مبررات حقيقية قانونية أو مسوغات تمس الأمن القومي الأمريكي.

    معالم السلوك الأمريكي المعاصر في المنطقة:

    دَشَّن الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 في عهد بوش الابن مرحلة جديدة في الانغماس الأمريكي المباشر في إعادة تشكيل أو تطويع النُّظم السياسية في المنطقة، ثم جاء أوباما ليتابع خط الإضعاف والتطويع بالوسائل الناعمة. غير أن السلوك الأمريكي ظلّ يسير ضمن عدد من المحددات والمعالم أبرزها:

    1. إضعاف أنظمة المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بحيث يسهل إخضاعها، ولا تشكل أي خطر على الكيان الإسرائيلي وعلى المصالح الأمريكية.

    2. لم يكن المطلوب بالضرورة رسم حدود سياسية جديدة، ولكن تأجيج الصراع الطائفي والعرقي بشكل يمزِّق النسيج الاجتماعي؛ داخل الدولة الواحدة، وبما يرفع جدران الحقد والكراهية بين الناس.

    3. إيجاد بيئات لتزايد الحساسيات والعداوات الإقليمية بين دول وشعوب المنطقة، على أسس طائفية ومذهبية وعرقية (سنة وشيعة، عرب وفرس وأتراك وأكراد…) بحيث تُستهلك في هكذا عداوات، بعيداً عن العدو المشترك ”إسرائيل“.

    4. قطع الطريق على أي مشروع نهضوي وحدوي في المنطقة، يمكن أن يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية أو للكيان الإسرائيلي.

    ولم يكن هذا السلوك الأمريكي ليجد لنفسه سوقاً، لولا أن الأنظمة الفاسدة والمستبدة والقمعية في المنطقة فشلت في مشاريعها النهضوية والوحدوية، كما فشلت في بناء الدولة القطرية الحديثة، وفي تقوية البنى الاجتماعية وتنمية الشعور بالمواطنة والولاء لدى شعوبها، بعيداً عن العصبيات الدينية والعرقية.

    السلوك الأمريكي كان معنياً بإيجاد البيئات المناسبة لتصاعد التوتر الطائفي والعرقي، دون أن يقوم بدور فظٍّ مباشر في هذا الإطار، لأن ذلك قد يفسد عليه خطته، وسيوجِّه أسهم الاتهام إليه. كان عليه فقط أن ”يكشف الغطاء عن الطنجرة”، ليجد ما يكفي من تيارات واتجاهات وقوى في الساحة العراقية مستعدة لصبِّ الزيت على النار الطائفية والعرقية.

    ومن أمثلة الإجراءات والسياسات التي اتبعها الأمريكان:

    1. القيام بحلِّ الجيش العراقي بطريقة كيفية؛ والسماح بإنشاء جيش جديد هيمنت على الكثير من مفاصله قوى طائفية.

    2. توفير الغطاء للأكراد في شمال العراق لتعزيز حكمهم الذاتي، وتكريس البنى التحتية للابتعاد عن الدولة المركزية والانفصال.

    3. السكوت عن تشكيل مليشيات عسكرية طائفية، مارست التحريض، وكانت جزءاً أساسياً من صراعات دموية طائفية تحت سمع الأمريكان وبصرهم.

    4. ترك مظاهر الفساد الإداري والمالي والسياسي تتفشى في كل مفاصل الدولة، وتكريس المحاصصات الطائفية والعرقية في البنى التحتية… وإغماض العين عن سرقة جهات وشخصيات عراقية متنفذة للمليارات من ثروات العراق وشعبها. فحسب عادل عبد المهدي، وزير النفط العراقي السابق، فإن الفساد أفقد البلاد 450 مليار دولار منذ 2003 وحتى 2015. كما أن الناطق باسم هيئة النزاهة في العراق عادل نوري أبلغ البرلمان العراقي عن اختفاء نحو 500 مليار دولار من الخزينة العراقية خلال فترة حكم المالكي 2006–2014. أما رئيس هيئة النزاهة الأسبق رحيم العكيلي فقد قال إنه قد تمّ عمل 6 آلاف عقد وهمي بـ 227 مليار دولار… وكان تقرير سابق للجنة المالية في البرلمان العراقي قد قال إن الهدر المالي خلال فترة حكومة المالكي قد بلغ 109 مليارات دولار. كل ذلك وضع العراق خلال ”العهد الأمريكي“ ضمن قائمة أكثر الدول فساداً في العالم، وضمن آخر خمسة دول في العالم في مؤشر الشفافية.

    5. السياسة الأمريكية والغربية التي بنت وكرست خطاباً إعلامياً يتحدث بشكل متواصل وبكافة الوسائل المؤثرة عن الجنوب الشيعي والوسط السني والشمال الكردي… بحيث أصبح ذلك أمراً عادياً منطبعاً في الوعي واللا وعي العراقي والعربي والدولي.

    6. هناك علامات استفهام حقيقية عن ترعرع ظواهر التطرف وانتشارها تحت الاحتلال الأمريكي… وتزايد أعداد المنتمين إلى الجماعات المتطرفة بالآلاف، بعد أن لم يكن لهم وجود تحت حكم صدام حسين. أي أن نمو قوى ”التطرف” حدث فعلاً تحت الاحتلال الأمريكي… ليس بالضرورة لأن أمريكا هي التي تصنعهم، وإنما لأن الاحتلال نفسه يؤجج المشاعر ضدها بكافة الأشكال المنضبطة وغير المنضبطة. وقس على ذلك ظاهرة صعود داعش، والتراخي النسبي في التعامل معها.

    7. التقصير المتعمد أو غير المبرر في حماية التراث والآثار والتاريخ العراقي والهوية الوطنية العراقية… بما في ذلك السكوت عن نهب المتحف الوطني.

    لقد تسبب الاحتلال الأمريكي وسياساته بأحد أعظم الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث والمعاصر، فخلال عشر سنوات من الاحتلال تم إحصاء مقتل نحو 134 ألف مدني، ولعله تسبب الاحتلال بوفاة أربعة أضعاف هذا العدد (بحسب تقديرات ”معتدلة“ لجامعة براون)؛ ومئات الآلاف من الجرحى، بالإضافة إلى ملايين المهجَّرين، والأهم من ذلك ارتفاع جدران الدم بين مكونات المجتمع العراقي.

    نواصل الحديث في مقال قادم حول السياسة الأمريكية في سورية

    هذا المقال هو نسخة معدلة عن النص الذي نشر في الجزيرة.نت، الدوحة 30/7/2016

  • مقتل سليماني- تداعيات ومآلات

    تقدير موقف12/1/2020

    د. سامر عبد الهادي علي – المركز السوري سيرز

       أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فجر الجمعة 3 كانون الثاني/ يناير 2020 مقتل قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد، بناءً على توجيهات مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، كما قُتل معه في الغارة أبو مهدي المهندس نائب ما يسمى "قوات الحشد الشعبي" العراقي، إلى جانب عشرة آخرين، منهم قياديين في الحشد.

    حدث لم يكن كغيره، وعملية من النوع الدقيق وذات أبعاد تتخطى مسألة التخلص من شخصية ما، كانت عملية تحمل في طياتها أسباباً كثيرة، وتداعيات كبيرة لاحقة، ليس على إيران والعراق والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل على عموم المنطقة بملفاتها المعقدة والمتشابكة.

    *تسلسل أحداث ما قبل العملية:

       يمكن القول أنّ تطورات الأحداث ما قبل عملية اغتيال سليماني قد بدأت من العراق منذ انطلاق التظاهرات العراقية الكبيرة في بغداد ومدن الجنوب العراقي، تحديداً الشيعية منها، وذلك مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضدّ سياسات الحكومة العراقية المتماهية مع السياسات الإيرانية في العراق، التي أوصلت البلاد إلى الانهيار التام في الكثير من القطاعات، خاصةً الاقتصادية منها، وحتى الأمنية.

    هذه المظاهرات التي استمرت، ولا تزال، طيلة أشهر، أدّت إلى شعور إيران بالخطر المحدق بها، لما قد يكون لها من تداعيات ليس فقط على ميليشياتها في العراق، بل حتى على الداخل الإيراني المتأزم كذلك بطبيعة الحال، خاصة وأنّ العراق يقع على حدودها مباشرةً، عكس التظاهرات التي شهدها لبنان أيضاً، فهي ليس ذات تأثير مباشر عليها كما العراق. من هذا المنطلق أوعزت إيران إلى ميليشياتها الطائفية، وتحديداً ميليشيا حزب الله العراقي، لتنفيذ عمليات قنص واغتيال بحق المتظاهرين العراقيين، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى من العراقيين، إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى تراجع التظاهرات، وهو ما وضع الحكومة العراقية الموالية لإيران في مأزق كبير، ما دعاها إلى الاستقالة فعلاً، ليزداد خطر التداعيات على السياسات الإيرانية ومواليها في العراق، لذلك أخذت إيران بالتصعيد أكثر، ومحاولة خلط الأوراق، من خلال قيام ميليشياتها، حزب الله العراقي، بعمليات قصف على مواقع عسكرية عراقية تحوي جنوداً من القوات الأمريكية تحديداً، كان أعنفها القصف الذي طال قاعدة عسكرية في كركوك شمال العراق في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّى إلى مقتل موظف مدني أمريكي في القاعدة، ما اعتبرته الولايات المتحدّة الأمريكية تجاوزاً على مواطنيها وجنودها، وبالتالي على مصالحها القومية، واتهمت حزب الله العراقي بالعملية، وردّت بتنفيذ ضربات جوية على خمسة مواقع تتبع لميليشيا حزب الله، أحدها في سورية، وذلك بعد يومين فقط في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وأدّت إلى مقتل العشرات من الميليشيات.

    تصاعد التوتر في العراق بين إيران وأدواتها من جهة، وبين الولايات المتحدة ومصالحها من جهةٍ أخرى، وهو ما سعت إليه إيران، التي بدأت تجييشها ضد الولايات المتحدة ومصالحها في العراق، وجرت محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء، والوصول إلى السفارة الأمريكية، من قبل متظاهرين موالين لحزب الله العراقي وبدعم إيراني، بالتوازي مع بدء الإعداد لمؤامرة تهدف للسيطرة على المنطقة الخضراء بعملية انقلاب سياسي ستقوم به إيران للسيطرة على ما تبقى من العراق "بمعنى العراق الموالي للسياسة الأمريكية"، وكان التنفيذ يوم وصول قاسم سليماني إلى بغداد قادماً من دمشق، صبيحة الثالث من كانون الثاني 2020، إلا أنّ الولايات المتحدة، بحسب تقارير استخباراتية، اكتشفت الأمر، فصدر أمر مباشر من الرئيس ترامب شخصياً، بتصفية سليماني قبل خروجه من مطار بغداد، وهو ما تم فعلاً.

    *ردود الأفعال على العملية:

       على الرغم من حجم العملية، وتأثيراتها المتوقعة على ارتفاع حدّة التوتر في المنطقة، وإمكانية الرّد الإيراني بشكلٍ أو بآخر، ما ينذر بحرب قد تندلع في أيّ لحظة، إلا أنّ المواقف الإقليمية، وحتى الدولية، لم تكن ذات تباينات كبيرة، حيث اكتفت كثير من دول العالم، بما فيها الإقليمية منها، بالدعوة إلى الحوار ومنع حدوث صراع ما في منطقة لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات، باستثناء العراق الذي رفض العملية، وطالب القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق، بينما اكتفت سورية بالتنديد.

       الولايات المتحدة الأمريكية بررت العملية على أنّ سليماني "كان يعمل على تطوير خطط لمهاجمة دبلوماسيين وموظفين أمريكيين في العراق والمنطقة"، وأنّ هدف الضربة "ردع خطط الهجوم الإيرانية المستقبلية"، وتعهدت الولايات المتحدة أنها "ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات لحماية مواطنيها ومصالحها حول العالم".

    أما إيران، فقد توعّدت مراراً على لسان مسؤوليها كافة بالرّد "المزلزل" وغير المتوقع على الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، ليس في المنطقة فقط، بل في كل مكان من العالم. وتوعّد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ"انتقام مؤلم" على خلفية مقتل سليماني. لكن وبعد نحو أسبوع من التهديد والوعيد قامت إيران باستهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بعدّة صواريخ بالستية، وصاروخين قرب أربيل شمالي العراق، ليتبيّن بعد الضربة هذه أنّها لم تكن سوى ضربة متفق عليها لامتصاص غضب الإيرانيين والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، خاصة وأنّ إيران كانت قد أعلمت العراق بالضربة قبل وقوعها، وبالتالي علمت الولايات المتحدة الأمريكية بها، وهو ما ألمح إليه الرئيس ترامب. هذه الضربة التي لم تؤدِّ حتى إلى جرح عسكري أمريكي واحد، أو تتسبب بأي خسائر مادية، ومما زاد الأمر سوءاً استهداف إيران، بالخطأ كما تدعي، لطائرة ركاب أوكرانية خلال تنفيذها للضربة، ما أدى إلى إصابة الطائرة وتحطمها ومقتل 176 مدنياً قرب طهران، وبعد إنكار وتجاهل، اعترفت إيران بأنها من أسقط الطائرة.

    *التداعيات:

       إنّ تداعيات عملية قتل سليماني وأبو مهدي المهندس، وما تلاها من توجيه إيران لضربة إعلامية فاشلة على قاعدة أمريكية في العراق، وإسقاطها للطائرة المدنية الأوكرانية، قد بدأت بالظهور على الصعيد الإيراني من جهة، وعلى صعيد المنطقة من جهةٍ أخرى، أما التداعيات على الصعيد الإيراني:

    1- جاءت نتائج الضربة الإيرانية بنتائج عكسية عليها، فقد أظهرت إيران على حقيقتها من ناحية القوة المزعومة التي تدّعيها، حيث لم تستطع أن تنفذ تهديداتها برد عسكري مؤلم كما ادّعت.

    2- أدت إلى استنفار الشارع الإيراني، لتندلع التظاهرات ضد الحرس الثوري الإيراني والمرشد الإيراني، حيث طالبته بالرحيل الفوري.

    3- أظهرت ضعف ميليشيات إيران في العراق والمنطقة، التي كانت هي الأخرى قد توعدت بالرّد، إلا أنها اكتفت بالتصريحات والخطابات الإعلامية.  

    4- زاد من سوء الوضع الإيراني أمام العالم إسقاطها للطائرة الأوكرانية، ما يعني أنها فقدت أي تعاطف كان من الممكن أن تحصل عليه من جانب أي دولة، ومنها روسيا التي اكتفت بالصمت.

    أما التداعيات على صعيد المنطقة:

    1- ازدياد تعقيدات الداخل العراقي المتأزم أصلاً، خاصة على صعيد الموالين لإيران من قوى سياسية وميليشيات عسكرية، حيث أصبحوا في موقفٍ ضعيفٍ بالتوازي مع بداية بروز تيار سياسي غير موالي لإيران، ستتضح ملامحه في الفترة المقبلة، مع بروز اسم إياد علاوي من جديد.

    2- تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لنفوذها في العراق والمنطقة أكثر من السابق، مع ازدياد إرسال قوات عسكرية إلى قواعدها في العراق والمنطقة، على عكس ما طالبت به كل من العراق وإيران من سحب الولايات المتحدة لقواتها من المنطقة.

    3- ازدياد حدّة التوتر في المنطقة، وتصاعده لدرجة خطيرة، بما يسمى الوصول إلى حافة الهاوية.

    4- قلق خليجي من رد إيراني محتمل عليها، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية إلى إطلاق تصريحات هدفها امتصاص التوتر، من خلال تصريحها بأنها تقف إلى جانب العراق، ورفضها تحويله إلى ساحة لصراعات خارجية.

    أما التداعيات على الملف السوري، فقد تكون الأهم والأكثر وضوحاً، خاصةّ بعد الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي بوتين إلى سورية، قبل يوم واحد فقط من لقاءه الرئيس التركي أردوغان في اسطنبول، ولذلك رسائل عديدة منها: أنّ روسيا هي صاحبة الكلمة العليا في سورية، وليس إيران، بما يعني عدم تفكير إيران باتجاه رد ما على أي طرف انطلاقاً من الأراضي السورية. كذلك رسالة إلى "إسرائيل" بأنّ روسيا لن تسمح لبشار الأسد بأي تحرك من جانبه، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال السماح لوكلاء إيران في سورية، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، بالاعتداء عليها. ورسالة إلى نظام الأسد نفسه بأنّ هناك متغيرات قادمة في المنطقة ما بعد مقتل سليماني، وعليه أن يكون متوافقاً مع ما قد تنجزه روسيا في هذا الشأن في المرحلة المقبلة.

    *المآلات المستقبلية:

       من خلال ما سبق، يمكن الحديث عن سيناريوهات محتملة في المرحلة المقبلة، يمكن أن تذهب الأوضاع العامة في المنطقة باتجاهها، وأرى أننا أمام سيناريوهين فقط:

    الأول: الاتجاه نحو حرب واسعة بين كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون مقتصرةً على الطرفين، عسكرياً وجغرافياً، بل ستشمل أطرافاً ودولاً عدّة في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير واسع، وستكون المنطقة بأكملها الخاسر الأكبر، وليس إيران فقط، وهو ما يحاول الجميع تفاديه، لذلك فإنّ احتمالية هذا السيناريو ضعيفة جداً، وقد تكاد تكون معدومة.    

    الثاني: الذهاب إلى مفاوضات سياسية شاملة لكل ملفات المنطقة، أهمها على الصعيد الإيراني الملف النووي وملف الميليشيات الموالية لإيران وتمددها في المنطقة، وكذلك حول ملفات المنطقة الأخرى وهي الملف السوري والملف العراقي، وهو الاحتمال الأقوى والمتوقع حصوله فعلاً في الفترة المقبلة، حيث بدأت تظهر ملامحه، من خلال دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لإيران للعودة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني ودون شروط مسبقة من أي طرف، وهي دعوة كررتها الدول الأوروبية، كفرصة لإيران للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لكن لذلك تداعيات محتملة أيضاً، حيث ستتنازل إيران عن بعض سياساتها في المنطقة، وقد ترضخ للطلبات الغربية في هذا السياق، ومنها تحجيم دور ميليشياتها وعدم التدخل في شؤون المنطقة، ما يعني إضعاف أذرعها العسكرية، خاصة في سورية التي قد يتم إخراج إيران منها بالكامل، لصالح تفاهمات روسية تركية بدأت تظهر منذ نحو أسبوع عندما تم التوافق بين الطرفين على هدنة جديدة في إدلب، قد تكون طويلة، وربما دائمة، حسب بعض التسريبات، وإمكانية فرضها عن طريق قرار من مجلس الأمن الدولي، مع إمكانية استئناف أعمال اللجنة الدستورية في المرحلة القادمة في حال تم تطبيق جدّي للهدنة في إدلب.

       مما سبق نجد أنّ الخاسر الأكبر في هذه المرحلة وما تضمنته من أحداث ومتغيرات جديدة هي إيران نفسها، التي دفعت أخيراً ثمن سياساتها العنجهية في العدوان على دول المنطقة وشعوبها، ونحن نرى اليوم الاضطرابات التي تشهدها الدول التي تدخلت فيها إيران سواء بميليشياتها العسكرية، أو بأذرعها السياسية، كما يحصل في كل من العراق وسورية ولبنان وحتى اليمن، وهو ما ينذر بمرحلة جديدة ستشهدها المنطقة عموماً، قد تكون أكثر استقراراً من السابق في حال أُنجز هذا السيناريو على المدى المتوسط.

مجموعة التفكير الإستراتيجي

مؤسسة نفع عام مستقلة وغير ربحية مسجلة بتركيا، رائدة وشريك دولي في التفكير الاستراتيجي، تعمل على تطوير مستوى الوعي والتفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية

المزيد

القائمة البريدية

تقوم المجموعة باصدار مجموعة من النشرات البريدية بشكل دوري. لتصلك أحدث اصدارتنا ونشراتنا البريدية قم بالتسجيل معنا
جميع الحقوق محفوظة مجموعة التفكير الاستراتيجي © 2025.تم التصميم والتطوير بواسطة List.Istanbul.