• إدارة سياسات التحجيم.. موسكو والاستثمار في التناقضات

    الباحث: ساشا العلو
    بعد تدخلها العسكري في العام 2015 ، أدركت موسكو
    جيدا المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل
    دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري،
    إضافة إلى المناخ السياس ي العام الذي حك م و
    يحكم الملف السوري
    دوليا، وخاصة الموقف الأمريكي " يسّر
    الم " خلال حقبيي
    أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، واليي تمثلت ب:
    1 . فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
    2 . ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط،
    والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّ ة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على
    الحدود.
    هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب )درعا، القنيطرة(، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على
    حدوده )داعش، معابر(، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد
    داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة
    العسكرية الروسية على المدن والبلدات.
    وهذا ما حدث
    أيضا مع الكيان ا لإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروس ي لنفسه
    كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل
    عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.
    هو ذاته
    أيضا ما واجهت ه تركيا في العامين الأولى من التدخل الروس ي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها ا لأمنية
    بداية
    عبر دعمها ل " PYD " وذراعه العسكري " YPG " في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف،
    واليي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في
    شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية،
    وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.
    2
    مركز عمران للدراسات الاستراتيجية © جميع الحقوق محفوظة
    عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. | www.OmranDirasat.org
    وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى ح د كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل
    طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياس ي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل
    المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع،
    وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من
    الأراض ي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياس ي، بل وإنجاز صفقات
    مع تلك الدول ، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري
    أساسا ) تعزيز التبادل تجاري، بيع ا لأسححة، وإنشاء معامل
    وقدرات عسكرية.. إلخ(.
    إذا فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة
    لتهدئتها؛
    تنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه
    غالبا في خدمة رؤية موسكو لححل السياس ي.
    واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوز ت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري،
    كالدور العربي- بالخليجي
    ممثلا -، والذي
    أيضا تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما
    طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له،
    مقابل التقدم الروس ي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروس ي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض
    فحسب، من محاولات
    بدءا
    وإنما سعت موسكو لترجمته سياسيا "أستنة" بتغيير أولويات السلال الأربعة مع
    جنيف مرورا
    "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال ، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق
    القرار 2254 إلى الحجنة الدستورية.
    وصولا
    بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم اليي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها
    ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في
    الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية اليي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل
    من الرأيين حجج ه؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك
    لم يعد خافيا
    من الرؤية لمستقبل
    بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءا
    عسكريا
    اليي فرضت تحالفا س ورية إلى
    وصولا
    إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور ا لإيراني في عدة
    مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات،
    أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاو لات حرمان
    إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سور ية ، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول
    السياس ي دوليا المنطقة على ظهر
    الوجود الإيراني في سورية )"معادل قوى "(، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود)الخليج، إسرائيل(.
    ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكا ء منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني ت
    راجعا
    للدور الأمريكي و
    سياسيا
    ارتباكا للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن

    صراعاتها المتعددة، واليي أمّ نت لم وسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة اليي ولدتها تلك الصراعات،
    بدءا
    من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، خ لا
    وأخيرا فات شركاء الناتو
    أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.
    كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّ م
    دور موسكو في سورية، وب من
    دلا ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّ ة
    وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك
    الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروس ي وما
    يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حيى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه )روسيا، إيران(.
    وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها
    الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروس ي
    لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّ ح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في
    الملف السوري.
    قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية رت ه
    ّ
    وما وف من هوامش للدور الروس ي، استمرار الفاعلين المحليين في
    التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية
    فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّ نت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون
    إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد
    ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.
    وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية- روسية
    بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث )إيران( بدعم قوى إقليمية
    ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّ ة على تناقضات القوى المختلفة واليي تؤمن ل
    ها تفردا
    في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طا ل أو يطا ل أو سيطا ل حلفائها
    )النظام، إيران(
    أيضا وشركائها )تركيا( في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي
    بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته
    قد لا يبدو تطبيقه عمليا وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر
    المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية اليي أوصلت الدور الروس ي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

  • استبدال الليرة السورية بالتركية في الشمال السوري: مدى توفر مقومات النجاح

    تأتي خطوة استبدال الليرة السورية بالتركية في الشمال السوري في هذا الوقت متكئة على مطلب ينادي بضرورة المساعدة على الحفاظ على ما تبقى من مدخرات السكان والحفاظ على قوتهم الشرائية، وضمان استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي بحده الأدنى، وبما يخفف من أثر الظروف الأمنية على استقرارهم. لكن، ودون الخوض في الدلالات السياسية لهذه الخطوة، والمدى الزمني المتوقع لاستمرارها، وعن التجاذبات التي أحاطت بها بين مؤيد ورافض منذ بداية طرح الفكرة، تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية حول هذه الخطوة مسلطة الضوء على مقومات نجاحها في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحليل مدى توفر مقومات النجاح، إلى جانب محاولة استشراف مآل الليرة السورية في هذه المناطق، والدور المنوط بالفواعل الرئيسية لنجاح هذا المسعى

  • الإدارة الذاتية وأزمة كورونا: قطاع صحي معتل وتحديات متزايدة

    تواجه منطقة شمال شرق سورية، التي تعاني أساساً من نقص طبي حاد وقطاع صحي معتل، تهديداً جديداً يفرضه فيروس كورونا المستجد الذي تتوقع العديد من المنظمات احتياجه لكافة مناطق سورية، أمرٌ تجاوبت معه "الإدارة الذاتية" بسلسلة من المناشدات والمطالبات بالدعم والمساندة، بالإضافة إلى اعلانها عن سلسلة من الإجراءات الاحترازية على عدة صعد؛

    يتناول هذا التقرير إطلالة عامة على واقع القطاع الصحي ومدى نجاعة السياسات التي اتبعتها "الإدارة الذاتية"؛ ويقف على أهم الاجراءات التي اتخذتها وأهم التحديات التي تواجهها.

    قطاع صحي هش

    تعاني مناطق شمال شرق سورية خلال حكم النظام من نقص في المستلزمات والمباني والكوادر الطبية؛ فعلى سبيل المثال وقبل الثورة في عام 2010 ووفقاً لمكتب الاحصاء المركزي فإنه لم يتجاوز عدد الأطباء في محافظة الحسكة أكثر من (1252) طبيباً، بمعدل (1166) شخص لكل طبيب، ولم يتجاوز عدد الصيادلة لم يتجاوز (690) صيدلانياً، أي بمعدل (2116) شخص لكل صيدلي، وضمت محافظة الحسكة آنذاك (32) مشفى بين حكومي وخاص يتوفر فيها (1348) سرير فقط، أي بمعدل سرير لكل (1083) شخص، إضافة إلى افتقارها لوجود مركز خدمة الأورام السرطانية، وبعض الأجهزة مثل المرنان المغناطيسي.

    والآن؛ وباستثناء المستشفى الوطني بالقامشلي؛ تسيطر "الإدارة الذاتية" على كافة المقرات والمباني الصحية في مناطق سيطرتها وتتولى "هيئة الصحة"  إدارة المستشفيات والمراكز الطبية معتمدة على كوادر بشرية قليلة (قسم منهم  موظفين لدى حكومة النظام، وقسم تم تدريبهم للتعامل مع الحالات الإسعافية والطارئة فقط)، خاصة بعد هجرة اكثر هذه الكوادر خارج البلاد لأسباب شتى؛ ولا تقدم "الإدارة" أي خدمات سوى دفع رواتب العاملين في القطاع الصحي واللقاحات الممنوحة لها من منظمة الصحة العالمية. ويشكل الدعم الخيري المقدم من المنظمات الدولية وغير الحكومية رافداً لحاجات القطاع الطبي والصحي إضافة إلى هبات يقدمها مغتربون أكراد في البلدان الأوروبية. وبتقريرها السنوي، أوضحت "الإدارة الذاتية" أنها في مجال الصحة قد أهلت وجهزت 58 مستوصف و8 مشافي بالإضافة إلى فتح مركزين للزنين المغناطيسي وتجهيز ثلاث غرف للعمليات وتجهيز بنك دم بأجهزة فحص مخبرية وتفعيل قسم الكلية بمشفى الفرات.

    وبدراسة أعدها مركز توثيق الانتهاكات في الشمال السوري بين أنه في مناطق الإدارة الذاتية يمكن أن يصاب بفيروس كورونا قرابة مليون شخص، من أصل 5 ملايين يسكنونها، وسيحتاج 13 ألف شخص مصاب على الأقل إلى وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي. وقدر البحث أنّ هنالك بحدود 27 – 30 جهاز تنفس صناعي في مختلف المراكز الصحية، حيث أوضح الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا جوان مصطفى: “نملك الآن 27 منفس هوائي، ونسعى إلى تأمين منافس أخرى ليصل العدد إلى 100” وأنّ عدد الغرف المتوفرة بالكاد يمكن أن يصل إلى 200 غرفة، قادرة على استيعاب حتى 1500 شخص فقط، فيما ولا يتوفر في مناطق الإدارة الذاتية سوى /28/ سريراً فقط في وحدات العناية المركزة في جميع مشافي المنطقة مجتمعةً، كما ليس هناك سوى طبيبين اثنين مدربين على كيفية التعامل مع أجهزة التنفّس، ما “سيؤدي إلى كارثة إنسانية مع انتشار الفايروس في ظل الإمكانيات المتوفرة” أي إنّ قدرة الاستيعاب قد تشمل فقط 5 %، كما أن الخطوة الكبيرة تأتي من أن الفيروس سيكون سريعاً في التفشي خاصة في المخيمات وعددها 15 مخيم وحوالي 35 مركز إيواء مؤقت يقطن بها ما يصل إلى 110 ألف.

    وحذّرت هيئة الصحة في بيان لها من نقص حاد في التجهيزات الأساسية والأدوية لعلاج المصابين، بينها الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس وعليه فإن  جميع العينات ترسل إلى مختبرات لتحليلها، وهو ما يجعل الإدارة الذاتية تعتمد على الحكومة السورية،  الأمر الذي يؤكد أن قطاع الصحة في الإدارة الذاتية لا يزال يفتقر لمقومات التأهيل والفاعلية سواء على المستوى الفني او البشري.

    مناشدات وإجراءات احترازية

    ناشدت "الإدارة الذاتية" المنظمات الإنسانية وجميع الجهات المعنية وحكومة إقليم كردستان العراق بضرورة تقديمها المساعدة لمنع انتشار فيروس "كورونا المستجد"؛  كما ناشد مدير مشفى السلام في القامشلي، منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، لتقديم المساعدة للمشافي الخاصة في المنطقة لمواجهة احتمالات تفشي فيروس "كورونا، وبناء على ذلك قدم التحالف الدولي ضد داعش – وفقاً للمركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية- كميات من الأدوية والمعدات الطبية  لمشافي الحسكة والشدادي ، كما أنه تم الاعلان عن مساعدة طبية من  التحالف لشرق الفرات بقيمة 1.2 مليون دولار.

    مؤخراً؛ أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية إيقاف حملات التجنيد الإجباري "واجب الدفاع الذاتي"، في المناطق التي تقع تحت إدارتها، مدة ثلاثة أشهر. وقالت الإدارة الذاتية في بيان، أنه "بدأ إيقاف الحملات فعلياً، منذ 5 نيسان 2020، ليستمر حتى 5 تموز2020، وذلك حرصاً على سلامة المواطنين من انتشار وباء كورونا.

  • التعاطي التركي الجديد بعد حادثة مقتل الجنود الأتراك في إدلب

    طرح الرئيس التركي في خطابه الأخير بعد مقتل الجنود الاتراك في إدلب جملة من الرسائل يمكن وصفها "بالحازمة" وتدل على توجه جديد للتعاطي التركي في سورية على رأسها "تغيير قواعد الاشتباك"؛ واستهداف ممنهج لقوات النظام في منطقة خفض التصعيد؛ إلا أن هذا التوجه يعتريه العديد من العقبات مما يجعل السيناريو الأكثر توقعاً في ظل عدم إنجاز اتفاق جديد مع الروس هو استمرار التصعيد العسكري الذي سيكون مليئاً بمؤشرات الانزلاق لمواجهة كبرى.

    أولاً: رسائل أردوغان: طروحات سياسية حاسمة

    من خلال استعراض نقاط حديث الرئيس التركي الأخير بتاريخ 29 شباط 2020، يمكن استنباط أربعة محاور:

    1. "لا كلام قبل الفعل": لم يخطب أردوغان إلا بعد أن وجه الجيش التركي عدة رسائل حاسمة، منها الرد القوي على نقاط تمركز النظام وتكبده خسائر قاسية، ومنها أيضاً إظهار فعالية السلاح التركي النوعي والذي قادر على تجاوز قضية تغييب سلاح الجو التركي. (قتل اكثر 2000 عنصر من المظام وتدمير 300مركبة ومدارج طيران ومخازن أسلحة كيميائية).
    2. "دولة وشعباً: النظام عدو": على الرغم من عدم إقفال طرق المفاوضات مع الروس إلا أن ما أفرزته الأستانة من تغييب للمحددات السياسية لصالح التطبيقات الأمنية قد انتهى؛ فالدولة التركية تصنف النظام عدو وتجعله هدفاً رئيسياً؛ وبالتالي قواعد الاشتباك في الشمال السوري قد تغيرت.
    3. "الكل شريك في تحمل مسؤولياته في إدلب": تريد تركيا أن تعيد انخراط المجتمع الدولي في إدلب ضاغطة على الاتحاد الأوربي في مسألة اللاجئين وعلى الناتو في تكوين موقف واضح من دعم الجيش التركي، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية في قضية المنطقة الآمنة.
    4. "انخراط مستدام في إدلب": فبعد الأحداث الأخيرة تقدمت "إدلب" من بوابة دفاع متقدمة عن الهواجس الأمنية التركية المركبة إلى ساحة هجوم؛ ومنافسة الروس على قضية شرعية التواجد وربطها بالطلب والدعم الشعبي.

    ثانياً: ملامح التوجه التركي الجديد

    1. إعادة تعريف العلاقة مع روسيا وفق ثنائية (إصبع على الزناد، وإصبع في المفاوضات)؛ إذ أنه بعد التطورات الأخيرة وإدراك تركيا للرضا والمعرفة الروسية بقتل جنودها، فإن تركيا لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس لكن ستعمل على توسيع هوامش قواعد الاشتباك سواء عبر مزيد من التنظيم للمعارضة المسلحة أو تزويدها بسلاح نوعي أو حتى بانخراطها بحرب مباشرة مع النظام لكن ضمن حدود منطقة خفض التصعيد.
    2. محاولة العودة إلى شبكة التحالفات القديمة عبر فتح مسار يعيد أولوية مبدأ التوازن للعلاقات الخارجية التركية؛ وهو ما سيساعدها على إدارة الملفات الخارجية مع روسيا بظهير أمريكي ناتوي؛ وهو ما سيتطلب التماهي مع المحددات الأمريكية خاصة بالتدرج كالتوافق على المسار السياسي وألوية جنيف، وفتح مساحة نقاش بخصوص اتفاقات شرق النهر.
    3. إدلب: (هدف تركي استراتيجي): وستعمل تركيا على تحصيلها سلماً عبر انتزاع اتفاق جديد مع روسيا، أو عبر الاستمرار في ضرب بنى النظام العسكرية في تلك المنطقة وقد يكون الأولويات العسكرية الجديدة آخذة بالتشكل والتوقع هنا أنها ضمن مفهوم تمتين خطوط الدفاع عن المنطقة الآمنة المتخيلة وإيقاف تقدم النظام على المجال الحيوي الأمني.

    ثالثاً: معوقات هذا التوجه

    1. الكلفة الباهظة لسيناريو الانزلاق لحرب الاصلاء في الشمال السوري؛ خاصة في ظل الموقف الأمريكي والأوروبي الناعم، واحتمالية عدم تماسك الجبهة الداخلية.
    2. تعقد وتضارب الملفات التي يتطلبها مبدأ التوازن في إدارة العلاقات الدولية التركية فمن جهة قطعت تركيا أشواطاً مهمة مع روسيا ومن جهة ثانية تتبدى في إدارة ترامب الفرصة الاستراتيجية لانتزاع مصالح تركية أكثر إلا أن هذه الفرصة ستبقى معلقة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة أو بقبول تركيا التعامل مع قسد وإنجاز تفاهم جديد.
    3. ضريبة تأخر تغيير قواعد الاشتباك؛ فالنظام بات مسيطراً على أجزاء واسعة من إدلب وكامل ريف حلب الغربي والجنوبي، أي نفذ عبر الدعم الروسي تحركاً بات فيه قاب قوسين أو أدنى من استعادة الطريقين؛ ومواجهة هذا التمدد فيها العديد من الألغام التي تجعل قد سيناريو الانزلاق سيناريو حتمي.
    4. التعامي الروسي عن متطلبات تركيا: فالروس بعد اتفاقات آستانة وسوتشي استعاد السيطرة بشكل وبآخر على جل مناطق المعارضة مؤجلاً إدلب؛ لكن وفي ظل أولوية الحل الصفري المتحكمة بالذهنية الروسية وفي ظل عدم الاستجابة الروسية المطلوبة لإنجاز اتفاقات جديدة في إدلب، فإن روسيا ستفرض على تركيا مساراً تفاوضياً طويلاً إما أن يفرز تثبيتاً للواقع بشكل مؤقت أو لا يفرز شيئاً.

    رابعاً: السيناريو الأكثر توقعاً

    • انتهاء مسار آستانة وإلغاء اتفاقية سوتشي بحكم انتهاء صلاحيتها.
    • استمرار العمليات العسكرية التركية واستهداف بنى النظام مباشرة في الشمال السوري
    • استمرار معارك إعادة السيطرة يقابله استمرار لقضم النظام للعديد من المناطق جنوب إدلب. أي الامر متروك للميادين في الآونة الراهنة.
    • سلسلة مفاوضات مارثونية قد تفضي بمكان لما لمنطقة آمنة بعمق 30 كم.
    • بدء التقارب مع حلف شمال الأطلسي.
    • توقف السير في استكمال شراء منظومة صواريخ اس 400.
  • التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة

    كثر الحديث مؤخراً عن عملية إعادة الإعمار في سورية، بحيث أصبحت إحدى أهم الملفات المتناولة من قبل المعنيين بالشأن السوري. لكن يبدو من الأهمية بمكان؛ في إطار الإحاطة بمدى توفر مقومات هذه العملية؛ ضرورة تلمس مدى نضوج المرحلة الأولى لها والمتمثلة بالتعافي الاقتصادي المبكر، حتى نتمكن من المحاكمة المنطقية لمدى القدرة على المضي قدماً في إعادة الإعمار. وفي هذا السياق يأتي هذا المخرج البحثي من مركز عمران للإضاءة على واقع التعافي الاقتصادي وتفكيك هذه المرحلة من جوانب عدة، والإحاطة بمدى التقدم المنجز فيها.
    وقدم تم تناول ذلك من خلال العناوين التالية:

    السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.

    1. التعافي الاقتصادي المبكر في سورية: التحديات والأولويات.
    2. الاقتصادالسياسي للتعافي المبكر في سورية.
    3. التعافي المبكر في سورية: دراسة تقييمية لدور وقدرة النظام السوري.

    المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات

  • الثورة السورية بين ممارسات قادتها ومفاهيم الاستبداد الموروثة

    المركز السوري سيرز-عيسى حسين المحمد

    باكورة:

    يقول الله عز وجل: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}آل عمران: 35

    يقول الشيخ الشعرواي في تفسير هذه الآية:إننا عندما نسمع كلمة"محرراً"فمعناها أنه غير مملوك لأحد فإذا قلنا(حررتُ العبدَ)يعني ينصرفُ دون قيدٍ عليه، أو حررتُ الكِتابَ أصلحتُ مافيه، فتحرير أي أمرٍ هو إصلاحُ مافيه من فساد أو إطلاقه من أي ارتباط أو قيد.

    بعد أن كنا عبيداً للنظام البعثي، لا نعرف إلا كلمة نعم، صِرنا اليوم خارج سيطرته واستطعنا أن نقول نعم، لا، ونريد، إلا أننا لا زلنا محتفظين بقيوده علينا، فلا زلنا نئن تحت وطأة ثقافته وتعاليمه.

    إن أغلب شخصيات الثورة السورية السياسية والعسكرية لا زالت داخل عباءة البعث، رغم أنهم خارج سيطرته، يشتركون في ذلك مع شخصيات النظام السوري السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أن هؤلاء خاضعين لسيطرته.

    هي لله ولكن!

    هذه العبارة"هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"كانت العبارة الرئيسية في سيمفونيات المظاهرات السلمية ضد النظام السوري البعثي، إلا أنها اليوم تكاد لا تذكر في المظاهرات التي تُقام بين الحين والآخر، ومن الطرافة أن هذه العبارة يقولها اليوم أغلب القيادات أو من هم في مركز القرار الثوري وخاصة عندما يطرح عليهم عبر وسائل الإعلام سؤال: ما السبب الذي دفعك للمشاركة في الثورة؟ إلا أن تلك العبارة أصبحت غِطاءً لما هو بعثي بامتياز.

    كلنا شاهد رامي مخلوف وهو يتكلم عن مشاكله المالية مع آل الأسد، وكيف أدخل قضية الفقراء في خطابه، ووصل الى مرحلة الدعاء لرفع الظلم لشدة ما يعاني من ضغط البعث!وهذا مالم يكن معهوداً لدى هؤلاء.كأنه يقول لمؤيديه أموالي لله ثم للفقراء.المهم أن من وراء هذا الخطاب صراع شديد على النفوذ المالي والاقتصادي.

    نفس الأمر في حاضنة الثورة، فهناك الكثير ممن هم على شاكلة مخلوف، فخطاب القادة والمتنفذين المبطن يوحي بأن كل أعمالهم لله ثم لهذه الثورة ولهؤلاء المقهورين، وفي ذات الوقت يدخلون في صراعات دموية على المعابر التجارية، والمناصب التنفيذية!

    السؤال المهم هنا هو: أين عبارة"هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"من كل هذا؟ الإجابة ستكون تقديم أعذار، وإلقاء اللوم على الآخر، وعرض بطولات مجوفة.

    ومن للثورة؟!لسان الحال كما قال عبد المطلب: إنما أنا رب الإبل، وإن للبيت رب سيمنعه.نعم، إن للثورة ضامنٌ سيمنعها!لقد قالوها إن لم يكن بألسنتهم فبأفعالهم.تركهم للجبهات، ودخولهم في صراعات مع بعضهم، وتحركاتهم المشروطة، أليست دليلاً على ذلك؟

    ردة أخلاقية:

    يكاد يكون هناك اتفاق لدى الشعب السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بأن الرعيل الأول من قادة الثورة وعناصرها، هم أفضل بكثير من قادة وعناصر اليوم.

    لقد تمتع الرعيل الأول(قادة وعناصر)بالأخلاق والسمعة الحسنة، وعدد لا بأس به منهم كان على قدر من القوة والأمانة.فعبارة"هي لله هي لله…"تماهت في شخصياتهم، فعاش الناس تلك العبارة واقعاً محسوساً.

    وأما اليوم فإننا نقضي أوقات فراغنا في متابعة أخبار قادة اليوم، فهذا سرق من هذا، وهذا اعتدى على عِرض هذا، وهذا فُضِح َعلى الملأ بسبب الرذائل الموجودة في هاتفه المخترق، وهذا يتابع أخبار العاهرات ويكلمهن، وغيرها من سيئات الأمور التي يندا لها الجبين.

    ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى أمرين إثنين:المال، ورد فعل على فكر تنظيم الدولة الإسلامية.

    فالمال الكثير إذا صار بأيدي الذين عاشوا الحرمان يحولهم الى طغاة ومجرمين.

    ومن جهة أخرى فإن هؤلاء يعتقدون بأن كل شي مسموح إلا أمرين:التفكير بعقلية تنظيم الدولة الإسلامية، والعمل ضد الضامن التركي.

    نفس الأمر عند شخصيات النظام البعثية، سواءً أكانت سياسية أو عسكرية.فمسموح لهم كل شي باستثناء ما يسيء الى الضامن الروسي، أو ما يسيء إلى قيادة البعث.

    أهم المبادئ:

    للكل مبادئ، سواءً كانوا دولاً، أو أحزاب، أو جماعات، أو أشخاص، ولكلٍ منهم مبادئ بارزة تصل إلى درجة التقديس،وتعتبر محركاً للجهة الحاملة، وأحياناً يشترك أكثر من طرف في مبدأ واحد، فعلى سبيل المثال:من أهم مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي إيمانه العميق بالثورة لتوحيد كافة الأقطار في دولة واحدة، فالبعث يؤمن بالثورة!ولكن ما هذه الثورة التي يؤمن بها البعث؟ هل هي ثورة ضد العلماء والمفكرين والمثقفين؟ أم هل هي ضد الأطفال والنساء والشيوخ؟

    وبالمقابل، نحن أيضاً نؤمن بالثورة الجامعة لكل أطياف المجتمع السوري، إلا أن أغلب من يقودها حرف مسارها وشوهها فصارت وكأنها سباق لمن يجمع المال أكثر من الأخر، ومنافسة من يحصل على أهم المناصب ويبقى فيها لأطول فترة ممكنة، والنتيجة لا هم وحدوا أقطارهم، ولا نحن وحدنا أطيافنا.

    تقتير هنا وإسراف هناك:

    سيارات فخمة، وبيوت كأنها قصور، وسياحة في أجمل المدن، ومناصب رفيعة، ومشاريع ضخمة بملايين الدولارات، وفي الجهة الأخرى خيام من قماش كانت وسيلة لتلك الغايات الذميمة، وعندما يطلب شيء للمقهورين من كلا الطرفين يبدؤون بتقديم الأعذار القبيحة لتبرير العجز عن المساعدة، فبعثيي النظام قتال الارهابيين عندهم أولى من أي شيء، فلا وقت لديهم للمساعدة، حتى وإن ساعدوا تكون مساعداتهم ضمن مجال وخطة تزيد من ثروتهم.أما بعثيي الثورة فلا أموال تأتي من الداعم، ولدينا ما هو أهم من هذا، قتال النظام وقسد، وغيرها الكثيرليسوا أهلاً لحمل همّ الناس، فعند أول فرصة تأتيهم يكونون في دول اللجوء، فأموالهم وابنائهم بانتظارهم.فعجز في الداخل وقوة ومنعة في الخارج.

    الروح الاستبدادية:

    منذ أربعينيات القرن العشرين، بدأت أفكار جمعية الإحياء العربي(نواة حزب البعث)تنتشر في المجتمع السوري، وتحفر في وجداننا حتى خدّت الأخاديد في ذاكرتنا الجمعية، فكان أهم ما ثبت في ثقافتنا هو الاستبداد.

    اليوم، وبعد خمسة عقود من حكم البعث أصبحنا من الشعوب التي تحمل في ذاكرتها الجمعية روح الاستبداد(بشكل عام الاستبداد متجذر في العالم الشرقي حسب تعبير هيجل)،ورغم أن ثورات الربيع العربي كانت ضد الاستبداد والمستبدين، إلا أن بعضها خلع المستبدين وبقيت روح الاستبداد(بأنواعها)تصول وتجول في أروقة الذاكرة، والخلاص منها من أهم ما يواجهنا اليوم.

    سنوات مرت على سياسيّ الثورة وعسكريّها وما زالوا متمسكين بمناصبهم وأفكارهم لا يرضون تركالمناصب لأهلها، ولا إدخال ماهو بعيد عن البعث لتطويرأفكارهم.

    فرغم الأخطاء الكارثية التي ارتكبوها، والحماقات التي فعلوها، والمناطق التي غضّوا الطرف عنها فذهبت ضحية محاصصاتهم السياسية، مازالوا كما هم، ثوريين بعقول بعثية.

    قد يحدث تغيير بسيط في المناصب، ولكن يبقى ضمن دائرة صغيرة، وضمن محاصصات سياسية قذرة.

    لا ينكر عاقل بثقل الموروث البعثي على عقول السوريين، والسؤال هنا:كيف نخفف من ثقله على عقولنا؟

    وفي الختام:

    أرى أن استمرار كل الأزمات الداخلية التي تعاني منها الثورة السورية اليوم، هو بسبب الصمت عن هؤلاء.

    فمازالت التفجيرات تفتك بالمدنيين، ومازالت مشاكل المؤسسات(الهشة)السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والتعليمية، تزاد تأزماً.والقول بأننا نعيش في مناطق محررة يحتاج إلى مزيد من التوضيح، فإذا كنا خارج سيطرة النظام الجغرافية، فهذا لا يعني أننا في مناطق محررة.وللعلم مصطلح"مناطق محررة"لم يطلق إلا على المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، نحن فقط من يسمي مناطقنا مناطق محررة.

    لقد وصلنا إلى مرحلة وضِعنا فيها بين فكي كماشة، قادة فاسدين مستبدين، لا قوة لهم ولا أمانة.وحثالة من الناس يهرفون بما لا يعرفون، يبررون لهم أفعالهم ويأوّلون لهم أقوالهم.والنتيجة، حرية بتراء ونظام أعرج.

  • الحرب في سوريا انتهكت كل المعايير والقواعد الدولية المقدّسة

    كريم شاهين     

              نهاية العقد: لقد دمّر الصراع في سوريا كل هذه الخرافات التي طورناها عن أنفسنا كمجتمع دولي- حيث لم نظهر التعاطف اللازم، ولم نتعامل معها بالجديّة المطلوبة، ولم نتحمل المسؤولية الملقاة على عواتقنا في حماية المدنيين!

           كانت الأيام الماضية مروّعة في سوريا. حيث فرّ عشرات الآلاف من المدنيين إلى المناطق الحدودية خوفًا من تقدّم النظام. فهناك احتمال كبير في أن يقوم النظام بذبح جماعي مرة أخرى لسكان هذه المناطق.

            لقد فُرض حظر على المساعدات الإنسانية التي تَعْبر الحدود من تركيا إلى ثلاثة ملايين مدني محاصرين داخل صندوق للقتل في الشمال الغربي، وهو واحد من الجيوب القليلة المتبقية الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تعيش تحت قصف المدافع والرشاشات والطائرات المقاتلة. لقد دُمرت مدينة معرّة النعمان بشكل كامل في ظل الصمت العالمي والتقاعس الدولي.

            إنه لأمر محزن ولكنه ذو طابع كلّي. فمنذ عقد من الزمن تمّ تدمير كل القواعد الأخلاقية في هذه الحرب بشكل ممنهج، فالحرب في سوريا لم تُراعَ فيها أخلاق الحرب إطلاقًا.

            قبل عشر سنوات، كان الرئيس السوري بشار الأسد ممتلئًا بالثقة، حيث أعلن في مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال أن الانتفاضات التي اجتاحت الدول العربية الأخرى لا يمكن أن تحدث في سوريا لأن الحكومة السورية كانت تتماشى مع مواطنيها عند حدّ قوله.

            بالطبع، تمّت السيطرة الواضحة على المواطنين من خلال القبضة الحديدية متمثلة بشبكات واسعة النطاق من المخبرين، ومقرّات الأمن، والمخابرات، والسجون. والقبض كذلك على الاقتصاد حيث سُمح للفاسدين العبث بمقدرات الناس، والسيطرة على كل جوانب الحياة العامة والمجتمع المدني.

             ومع ذلك، كانت سوريا الأسد تتمتّع بثمار الانفتاح الواسع على الغرب وجيرانها العرب والترك.

             لقد نجحت دمشق في انتهاز الفرصة لإصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة على خلفية مشكلة خلقتها وهي: -تحريك الخلايا الإرهابية والسماح لها أن تعبر الحدود العراقية لمحاربة القوات الأمريكية- واستثمرت العلاقات التجارية والدبلوماسية فضلا عن الجهود المبذولة لعزل إيران.

           لقد حضر الزوجان السوريان الأولان بشار وأسماء الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتفالا يوم الباستيل مع ساركوزي في فرنسا.  فجذبوا اهتمام الناس عندما تحدّثوا بأريحية إلى المراسلين الغربيين حول الطموحات الديمقراطية المبذولة، وأظهروا لهم كيف تناولوا الطعام مع الجماهير في المطاعم الشعبية في مديني حلب ودمشق.

            كل شيء كان سرابًا، لقد أدّت عقود من الفوضى بقيادة حزب البعث المعروف بسوء الإدارة وعدم المساواة وتفشي المحسوبيات… إلى تراجع البلاد وضعف الاقتصاد… وبخاصة قطاع الزراعة، ما تسبب بهجرة سكان الأرياف إلى المدن.

          وكان لدى الجميع قصّته محزنة عن قريب حميم اختفى قسرًا في دهاليز المخابرات، ففي كل صباح تنفّذ أجهزة المخابرات عملية اعتقال للمشتبه بهم، ولا يُعرف مصيرهم إلا بعد إنفاق الأموال الطائلة من الرشاوي على السماسرة لدى الأفرع الأمنية.

            محمد محي الدين أنيس أبو عمر 70 عاماً، يدخن الغليون، وهو يجلس في غرفة نومه المدمّرة، يستمع إلى الموسيقى على مشغل فينيله الحاكي، في حي الشعار الذي كان يسيطر عليه الثوار في حلب سابقًا.

           وكان احتجاز المراهقين عام 2011م الذين كتبوا شعارات مناهضة للأسد على حائط مدرستهم. وكان اعتقالهم وتعذيبهم بمثابة الشرارة الأولى للحراك الشعبي، وتلاها احتجاج مدني سرعان ما انتشر في جميع أنحاء البلاد.

            في البداية طالب المحتجون بإصلاحات جزئية صغيرة، وكان ردّ الحكومة عنيفًا، فطالبوا بالإطاحة الصريحة بالنظام! فقابلهم النظام بوحشية كبيرة، ورفض الدخول في حوار جديّ معهم فاستمرّ الحراك الشعبي حتى يومنا هذا.

            قام النظام بإطلاق سراح الإرهابيين المدانين في محاولة منه لعسكرة المعارضة ولوضع المجتمع الدولي أمام خيارين: إما الرئيس الأسد بتاريخه الدموي الفظيع أو مواجهة المتطرّفين.

            لقد توقفت الأمم المتحدة في نهاية المطاف عن حساب عدد القتلى الذي بلغ 400000، في عام 2016. ومن المؤكد أن الأعداد أكثر من نصف مليون شخصا.

           تم تهجير نصف سكان البلاد، معظمهم داخل سوريا، وأجبر العديد منهم على ترك منازلهم عدّة مرات خلال الحرب التي استمرت تسع سنوات. فالملايين الذين فروا إلى الخارج غيّروا بشكل جذري في شخصية البلاد المجاورة وسياستها، وأولئك الذين تحدّوا البحار ليعبروا إلى الشواطئ الأوروبية، هرباً من الموت وطمعًا بحياة كريمة لأطفالهم، استخدموا كتكتيك مهزوم من قبل الزعماء الشعبويين في جميع أنحاء العالم لدفعهم. وساهموا في عودة اليمين المتطرف إلى السياسة الأوروبية والأمريكية.

          وهذا التحول العميق أدى إلى تغييرات كبيرة وإعادة تنظيم تكتونية، سواء في الخارج أو على المستوى الإقليمي، حيث لبست موسكو الوشاح الذي تخلّت عنه واشنطن، فتدخلت في الحرب لإنقاذ الأسد مما بدا في ذلك الوقت هزيمة لا مفر منها. وتركت تركيا، الغاضبة من الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية ذات التطلعات لإقامة الدولة، وتخليها عن تحالفها مع الناتو لصالح التعاون الوثيق مع روسيا، مما زاد من تقويض نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.

    قافلة من الناس يفرون من معرة النعمان في شمال إدلب

           استفادت داعش من فراغ السلطة، ومن الظلم العميق في الحرب لإقامة ما يسمى بالدولة التي تغطي أجزاء من سوريا والعراق، وهو مشروع مزين بفظائع الوحشية الخطيرة مثل الاستعباد المنتظم للأقلية اليزيدية فضلا عن اغتصاب نسائهن، وطرده للمسيحيين من وطنهم وإعدام الآلاف من المدنيين بطرق مروّعة ومتعددة.

          خلال هذا الوقت، تم تدمير سوريا بشكل ممنهج. اتبع النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة لمحاصرة مناطق المعارضة. فأمطرها بمئات البرميل المتفجرة ما جعل هذه المناطق غير صالحة للسكن.

           تحتاج سوريا إلى 200 مليار دولار على الأقل لإعادة الإعمار، وربما ضعف هذا المبلغ، ولكن هذه المساعدات تمنعها الدول الغربية بسبب غياب الإصلاحات السياسية الحقيقية.

           ربما يكمن إرث سوريا الدائم في كيفية تفكيكها النظام الدولي القائم على القواعد الأخلاقية، على مدى عقد من الحرب والتدمير بشكل ممنهج، تم ّخلالها انتهاك كل المعايير الدولية التي كانت تعتبر ذات يوم مقدسة!!!!

          إنه تناقض صارخ للرسالة التي خرج بها العالم بعد عمليات الإبادة الجماعية في يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، -شعار “لم يسبق له مثيل” في قاعات المحاكم الدولية. وبمرور الوقت، تلاشت شيئا فشيئا دورات الفظائع التي أعقبها الغضب والعجز في المبادئ التي قررنا أنها تشكل سلوكًا حضاريًا في الحرب وشؤون الدولة شيئًا، وكانت إنسانيتنا تتآكل باستمرار!!

          فهذه الانتهاكات العديدة تستحق التوضيح لأنها توضّح إلى أي مدى سقطنا. استخدمت في سوريا الأسلحة الكيماوية مرارًا وتكرارًا ضدّ المدنيين في محاولة ناجحة إلى حدّ كبير لإرهابهم وإخضاعهم، دون أي عقاب!! ثم الحصار والتجويع بشكل متكرر كسلاح حرب من قبل السيد الأسد وميليشياته في الحملة الشرسة المسعورة لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.

    مهجرّة معمّرة من النعمان في شمال غرب محافظة إدلب

            القصف الممنهج للمدنيين بأسلحة غير دقيقة مثل البراميل المتفجرة، والتي يعتبر استخدامها جريمة حرب فعلية، فضلا عن الاعتقالات التعسفية على نطاق واسع، والاختفاء القسري لعشرات الآلاف من المدنيين، واستهداف المستشفيات واستخدام المساعدات الإنسانية ومساعدة الأمم المتحدة كأدوات سياسية لصالحهم… جعلت الحياة لا تطاق.

           من الصعب التنبؤ بالسنوات القليلة القادمة في سوريا لأن النزاع دمر كل الخرافات التي زرعناها عن أنفسنا – مدى تعاطفنا، ومدى جديتنا وتحملنا المسؤولية كمجتمع دولي لحماية المدنيين، وإيماننا الجماعي بالعدالة وفي المصير المشترك.

           لقد دمرت سوريا كل ذلك من خلال سحق أحلام شعب بأكمله ومنعه من حقوقه في العيش بكرامة وسلام ورخاء.

          حتى مع استمرار الجدل حول الرماد، فإن إرث العقد الماضي سيستمر. لقد نحتت سوريا مثال الضمير الجماعي للمجتمع الدولي.

  • الرؤية الجيواستراتيجية الروسية لوصل روسيا بسورية عبر البر

    د. عبادة التامر – المركز السوري سيرز 10.02.2020

    تشير التطورات المتعاقبة وفصول الحرب التي تشن في سورية وإصرار روسيا على مسألة السيطرة على طريقي الM5 وM4 إلى توجه يبدو أقرب لمحاولة فتح طريق بري يربط روسيا بسورية عبر إيران والعراق. وهنا تتجلى عقدة من أهم عقد الملف السوري في استراتيجيات الدول المعنية بالملف.

    إذ تتشارك كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا الإشراف على أجزاءٍ من هذا الطريق البري الذي يربط الموانئ الإيرانية المطلة على بحر قزوين بميناء اللاذقية، وبدمشق.

    لطالما اعتبرت روسيا نفسها قوة برية من المنظور الجيوبوليتيكي، ولطالما كان الهدف الأساسي لاستراتيجية الروسية متمثلاً في الوصول إلى منطقة الحافة (الريم لاند) والإطلال على المياه الدافئة وكسر الطوق الجيواسراتيجي الذي فرضته حولها القوى الأطلسية. ولهذا الهدف وبعد إعادة تعريف روسيا لنفسها باعتبارها قوة عاملية إثر غزوها لجورجيا عام 2008 بدأت تنشط من جديد التوجهات الجيوبوليتكية الروسية الرامية إلى إعادة تعريف نفسها بوصفها القوة المسيطرة في أوراسيا عبر سلسلة من التحركات البطيئة نسبياً، وما لبثت أن تسارعت هذه التحركات بعد تدخلها العسكري المباشر في سورية عام 2015.

    أولاً: الطريق البحري بين سورية وروسيا

    يبدأ هذا الطريق من ميناء سيفاستوبل في شبه جزيرة القرم والتي كانت موضوع أبرز أزمة بين الشرق والغرب بعد مرحلة الحرب الباردة إذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم المتمتعة بالحكم الذاتي والتابعة لأوكرانيا عام 2014، ما شكل أزمة لاتزال تظهر مفاعليها بشكل متكرر منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

    ومع ذلك فقد وقع كلٌ من حاكم سيفاستوبل الروسي دميتري أوفسيانيكوف ومحافظ طرطوس صفوان أبو سعد عام 2018 اتفاقية لتسيير خط شحن بحري مباشر بين سيفاستوبل وطرطوس، للاتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري ومن يتعامل معه.

  • الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر آب 2019

    • تسرع حكومة النظام من إجراءاتها لاستثمار مؤسسات القطاع العام الاقتصادية والطرقات المركزية بغرض تعزيز إيراداتها المالية، وتعتبر التشاركية الصيغة الحكومية المفضلة لاستثمار هذه المنشئات.
    • يمنح قانون الاستثمار الجديد المزمع إصداره تسهيلات ضريبية وجمركية واسعة للمستثمرين على حساب ميزانية الدولة، وما يمكن لذلك أن يحدثه من أزمات اقتصادية واجتماعية.

    تحد العقوبات الغربية وعدم الاستقرار السياسي واحتكار الفرص الاستثمارية من قبل الحلفاء، من فرص نجاح إجراءات حكومة النظام في جذب رؤوس الأموال وتنشيط الاستثمار.

  • تنبيه استراتيجي حول طبيعة تغييرات النظام للقادة الأمنيين

     
    دون تأكيد من مصادر النظام؛ أشا رت عدة تقارير إعلامية صادرة في الأسبوع ا لأول من شهر آب لعام 2019 إلى إجراء

     

    النظام عدة تغييرات نوعية طالت أهم مراكز القوى الأمنية والتي كان من أبرزها لهذه التقارير

     

    ً

     

    وفقا تعيين رئيس مكتب

     

    الأمن الوطني علي مملوك نائب

     

    ً

     

    ا

     

    ً

     

    له للشؤون الأمنية، فيما حل بديلا عنه في هذا المنصب اللواء محمد ديب زيتون الذي كان

     

    يشغل مدير إدارة المخابرات العامة؛ و وشملت التغييرات

     

    ً

     

    أيضا، إحالة رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن

     

    إلى التقاعد وتعييّ ن اللواء غسان جودت إسماعيل خلفًا له؛ كما عيّن اللواء حسام لوقا )الذي كان يشغل منصب رئيس

     

    شعبة الأمن السياس ي( مدي ر

     

    ً

     

    ا لإدارة المخابرات العامة عنه

     

    ً

     

    ؛ وعيّن عوضا اللواء ناصر العلي، كما شملت التعيينات وضع

     

    اللواء ناصر ديب مدي ر

     

    ً

     

    ا لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيس ى.

     

    وفي الوقت الذي لا يعلن النظام عن هذه التغييرات عبر قنواته الرسمية؛ تصدرت هذه التغييرات العديد من مواقع

     

    التواصل الاجتماعي والصفحات الاعلامية السورية وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام والتداول بحكم الترابط الزمني

     

    ما بين هذه التغييرات وما يشهده المسرح السوري من عقم سياس ي وتأزمات معززة لتنامي الاستعصاء؛ وانحصرت تفاسير

     

    ود وافع النظام لتلك التغييرات بين اتجاهات ثلاثة مكملة لبعضها البعض:

     

    الاتجاه الأول: "إجراء روتني"؛ فأوامر النقل والترفيع والتسريح والندب والتمديد ) المعروفة باسم النشرة( تصدر مرتين

     

    ً

     

    سنويا )بأول السنة وبمنتصفها(؛ ويستطيع من خلالها النظام -إذا ما استثنينا عامل العمر والوضع الصحي والتقييم

     

    الأمني- لمعاييره

     

    ً

     

    إعادة توزيع مراكز القوة وفقا وشروطه؛ ففي التغييرات الأخيرة هناك بعض الضباط قد تجاوز السبعين

     

    ً

     

    عاما من العمر وقد تم تمديد خدمتهم لأسباب عديدة أولها منطق "إدارة الأزمة" )كجميل حسن ومحمد ديب زيتون تم

     

    تمديد خدمة كل منهما عشرة سنوات ولابد من احالتهما الى التقاعد( ؛ أما بالنس

     

    ً

     

    بة لتعيين غسان إسماعيل مديرا لإدارة

     

    المخابرات الجوية فيمكن اعتباره "تدرج

     

    ً

     

    ا وظيفي

     

    ً

     

    ا" حيث لجميل حسن

     

    ً

     

    كان نائبا ؛ وكذلك بخصوص تعيين حسام لوقا مدير

     

    إدارة المخابرات العامة حيث كان معاون مدير هذه ا لإ لشعبة ا لأ

     

    ً

     

    دارة قبل تعيينه رئيسا من السياس ي.

     

    الاتجاه الثاني: "رسائل شكلية": على الرغم من استمرار النظام بانتهاج ذات السياسة الناظمة لمعايير "النشرة" كمعيار

     

    الولاء والإطاعة؛ وسلوكه المهني؛ والخبرة في حماية أمن النظام؛ حرص النظام في هذه التغييرات على تصدير عدة رسائل

     

    أهمها الآتي:

     

    1 . الإيحاء "بإعادة التوازن الطائفي" بين مراكز القوة؛ فعين في إدارة المخابرات العامة حسام لوقا )شركس ي من السفيرة

     

    بحلب( وفي ا لأمن السياس ي ناصر العلي )سني من ريف حلب(؛ بينما أبقى المخابرات العسكرية والجوية بيد ضباط

     

    علويين.

     

    2 . التقاعد كوسيلة "مشرفة" لمن أوغل بالإجرام من قبل الثورة وبعدها؛ إذ تعد تلك الوسيلة طريقة بيروقراطية

     

    للالتفاف على مطالبات وإدانات المجتمع الدولي لهؤلاء "القادة" بحكم ما ارتكبوه من جرائم مثبتة بحق الشعب

     

    السوري.

     

    3 . تعزيز "مخيال قدرة النظام" على التحكم بقطاع الأمن والدفاع أمام العديد من الفواعل؛ إذ يط من وراء تل

     

    ً

     

    مح أيضا ك

     

    التغييرات إبراز مساحة تحكمه أمام "افتراضات الانقسام الافقي والعمودي" لهذا القطاع لصالح الشبكات الروسية

     

    وا لإيرانية.

     

    الاتجاه الثالث: "المرونة أمام متطلبات الحلفاء": إذ باتت واضحة رغبة موسكو بإعادة تنظيم قطاع الأمن والدفاع
    وتحسين أدائه، ولا تمتلك دوائر صنع القرار عند النظام إلا إبداء المرونة والتكيف مع هذا التوجه الروس ي؛ حيث قامت
    موسكو بإيفاد عدد من ضباط النظام إلى موسكو لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة،
    كما دفعت بإجراء سلسلة من التعيينات في وزارتي الدفاع والداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب حساسة منذ
    مطلع عام 2019 ، كما تمت تنحية عدد من الضباط بذريعة بلوغهم السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش المحسوبين
    حيط
    ُ
    كنات الم
    ُ
    على إيران تحت ذريعة انتهاء أدوارهم العسكرية، وخاصة في الث ة بدمشق.
    :
    ً
    عموما إن التوصيف الأكثر موضوعية لتلك التغييرات هي المحاولة لإعادة تشكيل حذرة لمراكز القوة في قطاع الأمن
    والدفاع بما يخدم فلسفة النظام الحاكم بإبقاء هذا القطاع كأداة تأثير وقوة يتحكم بها ويضمن ضبطها وتوجيهها من
    جهة؛ ويعطي إيحاء "بتعديل ما" لن
    ً
    يكون إلا شكليا من جهة ثانية، وهذا ا لأ لعقبات بالغة الععوةة
    ً
    مر لا يزال ااضعا .
    وينبغي على المعارضة السورية )سواء الرسمية وغير الرسمية( وكافة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير؛ أن تعتمد في
    تعاطيها مع ملف التغييرات استراتيجية "التمسك بضرورة التغيير الشامل والجذري"؛ وذلك من الال ثلاثة أدوات
    رئيسية:
    1 . الأداة التفاوضية: عبر إصرارها بأن عملية التغيير هي عملية مرتبطة بالبنية والوظيفة والفلسفة المتحكمة في عمل
    هذه ا لأ ويرافقها العديد من الإجراءات
    ً
    جهزة وينبغي أن تكون موجهات ومحددات هذا التغيير مضمونة دستوريا
    المتعلقة بالترابط ما بين هذا الملف والتغييرات القانونية من جهة؛ وما بينه وبين مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة
    ثانية؛ وهذا يتطلب بطبيعة الحال تبني رؤية تنفيذية للتغيير؛
    2 . الأداة الحقوقية: وهذا يتطلب تظافر العديد من الجهود الوطنية لمواجهة طموح النظام في الافلات من العقوبة؛
    واستمرار العمل في توثيق جرائم وانتهاكات تلك الأجهزة )كبينة وكقادة(؛ وهذا الأمر يتطلب وجود مؤتمر س للعدي
    ً
    نويا د
    من المنظمات الحقوقية الوطنية وأجندة سنوية متسقة مع هذا الهدف؛
    3 . الأداة البحثية والاعلامية: في الملف السوري محصورة في الدفع
    ً
    لا تزال المهمة البحثية والاعلامية الأكثر إلحاحا
    باتجاه إحداث القطيعة مع الإرث الماضوي لعمل وفلسفة عمل قطاع ا لأمن والدفاع، وبلورة سياسات تعيد تصميم
    لمعايير احترافية ووطنية بعيدة عن الأدلجة السياس
    ً
    الهندسة الاجتماعية فيه وفقا ية والمقاربات السلطوية؛ وانتاج
    خطط موضوعية بات وقوننة العلاقات المدنية الأمنية.
    ً
    جاه إعادة بناء هذا القطاع كلية
    يغيب النظام كل أسئلة التغيير الوطنية
    ً
    قسرا الدافعة باتجاه استقرار مستدام، ويكتفي بإجراءات بيروقراطية
    ورسائل لا وزن لها وغير مؤثرة في طبيعة الحركة المستقبلية لهذا القطاع والذي يمض ي بتسارع نح و مجمع ميليشياوي
    بز ي عسكري "رسمي"؛ وأمام هذا التغييب لا بد من التنويه
    ً
    مجددا -
    ً
    استراتيجيا-على الضرورة الملحة لتبني المعا رضة
    وقوى الثورة والتغيير لاستراتيجية صادة لمحاولات النظام الطامحة لإفلاته من العقاب وللإيهام بإجرائه تغييرات
    تضلل المجتمع المحلي والدولي عبر بوابة "تغيير سلوكه". فج ل التغييرات التي حعلت والتي ستحعل ستبقى أسيرة
    محددات تحكمه بالسلطة وإعادة ضبط قطاع ا لأمن والدفاع وفق ثنائية )المعلحة والمرونة( التي تهيئ له الشروط
    لإعادة انتا شبكاته بتغييرات شكلية ولا تتعارض مع ضغوطات حلفائه الرامية لتطبيق منهجيتها في إعادة التشكل

     

     
  • روسيا وتركيا والصراع على إدلب

    توران قشلاقجي

    تركيا منذ الحرب العالمية الأولى، للمرة الأولى تواجه صعوبات كبيرة مثل هذه. الغرب هو الغرب نفسه في موقفه، وروسيا هي روسيا نفسها التي لا تهتم بالاتفاقيات. الغرب وروسيا وإيران والعديد من الدول الأخرى الموجودة في سوريا. قبل أن ندخل في تحليل المشكلة في إدلب، دعونا نلقي نظرة سريعة على العلاقات التركية الروسية.
    حتى الأمس القريب، كانت روسيا وتركيا تقعان في فضاءين استراتيجيين مختلفين، أيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا، واحدة تتزعم حلف وارسو الاشتراكي، والأخرى جزء فاعل في حلف الناتو الغربي. ومع أن العلاقات بين الجانبين بدأت تتحسن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، غير أنها لم تصل إلى المستوى الإيجابي، إلا من بوابة الملف السوري، بحكم الضرورات الملحة التي فرضت نفسها على العاصمتين. ومع ذلك، فعلى الرغم من الاتفاقات والتفاهمات الروسية ـ التركية في سوريا (مسار أستانة، درع الفرات، غصن الزيتون، سوتشي، شرق الفرات)، يعتبر الملف السوري جزءا من سياق أعم للمجال التداولي الاستراتيجي بين الدولتين، يحكمه الموقف من الغرب.
    على مدار القرون الثلاثة الماضية، تعاونت الدولتان معا لمواجهة الهجمات الغربية، وظهر هذا التعاون بشكل جلي في مواجهة التوسع الفرنسي بقيادة نابليون نهاية القرن الثامن عشر، وظهر ثانيا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، مع توقيع اتفاقية أونكيار ـ إسكيليسكي، التي التزمت روسيا بمقتضاها تقديم الدعم العسكري لتركيا بعد عصيان محمد علي باشا في مصر. لكن في ذاك العصر نفسه، وقعت صراعات بين روسيا وتركيا، ففي عام 1768 عبر أسطول روسي مضيق جبل طارق للمرة الأولى نحو المتوسط، وخاض معركة بحرية كبرى ضد الأسطول العثماني، بسبب الصراع على شبه جزيرة القرم. وبعد ذلك بأربعة أعوام، قصف الأسطول الروسي المدن السورية الساحلية، في مشهد يشبه ما يحدث اليوم. باختصار، يمكن القول إن الخلافات الروسية ـ التركية في منطقة أوراسيا والقوقاز، كانت سببا في صراعهما، في حين كان التهديد الغربي سببا في تعاونهما.
    ما يحدث في إدلب الآن يلخص طبيعة العلاقات بين الدولتين طوال القرون الثلاثة الماضية. تشترك الدولتان بوجود حالة من فائض القوة لديهما في وقت تدخل علاقتهما مع الولايات المتحدة بمرحلة فتور، وقد برز فائض القوة الروسي والتركي بشكل جلي في سوريا: الأولى أصبحت اللاعب العسكري الدولي الرئيسي، فيما أصبحت الثانية اللاعب الإقليمي الرئيسي.
    شكلت الأزمة السورية نوعا من المفارقة في تاريخ العلاقة بين البلدين: اختلاف استراتيجي حيال الموقف من الثورة، ومن النظام، ومن مستقبل سوريا السياسي، غير أن هذه الخلافات الحادّة، وبفعل تعقد المشهد السوري بسبب كثرة الفاعلين الإقليميين، دفعت الطرفين إلى الاقتراب من بعضهما بعضا، وتقديم تنازلات متبادلة فرضتها مجريات الأمور. يمكن النظر إلى التعاون والصراع الروسي ـ التركي في إدلب من خلال بعدين اثنين:
    الأول، تكتيكي مرتبط بمفاعيل الترتيبات العسكرية في الجغرافية السورية، وفي هذا المستوى ثمة تفاهمات بين الدولتين، وثمة خلافات حول السيطرة على بعض المناطق في محافظة إدلب.

    الثاني، استراتيجي أبعد وأشمل من الجغرافية السورية، ويمكن تلمس أبعاده في أوكرانيا مع زيارة أردوغان إليها مؤخرا، والتوجه التركي إلى البحر المتوسط والوصول إلى الشاطئ الليبي، وقبلها التلاقي التركي ـ الأمريكي في شرق الفرات، وهذا المستوى هو الأهم، كونه من يحدد مسار العلاقات بين الجانبين.
    مشكلة روسيا، أنها لم تنظر إلى تركيا من خلال موقعها الاستراتيجي في المنطقة، بقدر ما نظرت إليها من البوابة السورية فقط، ومن هنا اعتقد الروس أن السماح للأتراك بالبقاء في إدلب والحصول على أراض في ريف حلب الشمالي الغربي، كفيل بإبعادهم عن الولايات المتحدة وأوروبا. لكن صناع القرار في الكرملين، لم يدركوا أن موقع تركيا في قلب العالم يضعها على تماس مع قارات ثلاث، ما يجعل خياراتها واسعة جدا، بحيث يصعب اختزالها في الشرق وحده أو الغرب وحده. عند هذه النقطة الرفيعة نشهد ارتفاع التوتر بين الجانبين، لكن من المهم التأكيد على أن العلاقة بينهما لن تصل إلى نقطة الصفر السياسي والعسكري، فتركيا تتحمل خسارة بعض الأراضي في إدلب من إجل الإبقاء على علاقتها مع روسيا، والأخيرة أيضا تتحمل بقاء بعض المناطق تحت سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا، لأجل السبب نفسه. وعليه، لن تنخدع أنقرة بالوعود والتصريحات الأمريكية، ومهما حاول جيمس جيفري دغدغة مشاعر الأتراك بالتحدث باللغة التركية، ووصفه الجنود الأتراك بالشهداء، فلن ينجح في دفع تركيا للوقوع في الفخ الأمريكي، وهو توتير العلاقة مع روسيا. هذه اللعبة يعيها صناع القرار في أنقرة جيدا، لكنها كانت مفيدة لتركيا، لأنها تخيف الروس الذين سارعوا عبر سفارتهم في أنقرة إلى القول إن التصريحات الأمريكية حيال تركيا كاذبة.
    الاستراتيجية التي يرسمها الرئيس أردوغان واضحة: تركيا قادرة ومستعدة لتحمل ثمن دورها التاريخي في سوريا، وعلى الروس أن يفهموا ذلك. التصعيد التركي بدا واضحا على الأرض، من خلال ارتفاع أعداد الجنود الأتراك في سوريا من ألف جندي إلى عشرة آلاف جندي، مع نحو ألفي مركبة عسكرية. وترافق التصعيد العسكري مع خطوط حمر وضعها أردوغان في وجه النظام السوري ومن ورائه الروس: ضبط حركة طيران مقاتلات النظام السوري في المحافظة، وأي اعتداء على الجيش التركي من قبل النظام السوري، سيرد عليه مباشرة في عموم الجغرافية السورية، بما يتجاوز منطقة اتفاق سوتشي في إدلب. ويمكن رؤية مدى جدية الموقف التركي من خلال عبارتين ذكرهما الرئيس أردوغان لأول مرة، «أي كفاح لا نقوم به اليوم داخل سوريا سنضطر للقيام به لاحقا في تركيا»، والثانية «إذا تركنا المبادرة للنظام السوري والأنظمة الداعمة له فلن ترتاح تركيا». يبدو أن الروس قد فهموا جدية الموقف التركي، فبعد المحادثة الهاتفية بين بوتين وأردوغان، أعلن الكرملين أن المطلوب هو تنفيذ اتفاق سوتشي، بمعنى أن روسيا لن تذهب إلى ما هو أبعد من هذا الاتفاق، وقد تم التعبير عن هذا الموقف أيضا بإعلان وزارة الدفاع الروسية مساء الأربعاء الماضي، أن السيطرة على الطريق السريع دمشق ـ حلب M5 سمح بإنشاء المنطقة الآمنة المنصوص عليها في المذكرة الروسية التركية. نتيجة لذلك قال رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون: «الحرية والتحرير، نضال الشعب السوري هو جزء لا يتجزأ، البقاء على قيد الحياة، والأمن القومي لتركيا، لا يمكننا السماح للأراضي السورية بأن يسيطر عليها مجرمون وإرهابيون. من واجبنا محاربة هذه العناصر، سواء في حدودنا أو في منطقتنا.»

  • سياسات "نظام الأسد" لمواجهة كورونا: ما بين "الانكار" و"الاستثمار"

    أصدر “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، تقريراً، تناول فيه بالتفصيل، المحددات التي تدفع نظام الأسد، لعدم التعامل بشفافية مع أزمة فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد19)، الذي تتزايد يومياً أعداد المصابين به، في دول جوار سورية.

    واعتبر التقرير، أن النظام لا يتعامل بشفافية، لـ”إخفاء عجزه البنيوي في قطاع الصحة (كتقنيات وكسياسات)”، ولـ”عدم تأجيج الاحتجاج المحلي الذي تعددت مستوياته سواء اقتصادية أو اجتماعية والآن صحية”، معتبراً أن النظام لا يستطيع التعامل بوضوح مع أزمة الفيروس، لأن هذا “قد يساهم في نشر الذعر داخل جيشه”.

    وذهب إلى أن نظام الأسد “سيستغل هذا الظرف ليكون سرديته التي تحيل سبب العجز وما يعيشه من أزمات محلية للعقوبات الدولية؛ وهو أمر تدحضه الكوارث المتراكمة في إدارة القطاعات الاقتصادية منذ عقود؛ واستنزافه المطلق لموارد الدولة لصالح العجلة العسكرية وأهدافه الأمنية وتغييبه كل أسئلة التنمية واستحقاقاتها”.

  • عقل الشمال السوري المحرر

    عقل الشمال السوري المحرر

    المركز السوري سيرز-عيسى حسين المحمد

    استهلال:

    فتحت الثورة السورية منذ انطلاقها المجال لأفكار لم تكن مألوفة لدى السوريين في ظل حكم البعث، ومع الوقت تحولت هذه الأفكار إلى مشاريع واقعية، وكون هذه الأفكار جديدة على العقلية السورية فقد تمت صياغتها بشكل جعلها تبدو مشوهة.البعض يظن أنها كاملة البناء والأداء، وهذا حال كثير من الأفكار الدخيلة على الثورة السورية ولم تكن موجودة في زمن البعث، أو ربما كانت موجودة ولكنها تسير في مسار حدده البعث فقط.

    من أهم هذه الأفكار فكرة مراكز البحث والدراسات، فهي وإن كانت موجودة في سوريا منذ السبعينيات إلا أنها كانت تستخدم لمصلحة النظام فقط، وكان أغلبها(وما زال)يعمل في مجال تطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كمركز جمرايا للبحوث العلمية، ومركز البحوث والدراسات العلمية في برزة، ومركز الدراسات والبحوث العلمية في مصياف.

    بين الحقيقة والواقع

    مراكز البحث والدراسات أشبه ما تكون مكان يجتمع فيه ثلة من الأكاديميين لكتابة المقالات فقط!، فليس لهم دور في توجيه السياسات أو صناعتها، وهذا ما يفترض أن تكون عليه الحال، أي أنها يجب أن تكون أماكن خبرة، توجه وتصنع السياسات والاستراتيجيات، وتقدم الاستشارات والمعلومات، هذا ما نراه من خلال النظر الى مراكز البحث والدراسات الغربية، حيث أن دورها قيادي في السياسة والإدارة والاقتصاد، وأصبحت معيار من معايير التقدم المعاصر.

    السؤال هنا، هل مراكز البحث والدراسات التي تعتبر حديثة النشأة في المنطقة تتمتع بالقدرة على أن يكون لها دور مؤثر في حياتنا العامة!؟

    عرّفت مؤسسة راندRand Corporation الأمريكية مراكز الأبحاث والدراسات بالتعريف التالي:تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة التي يتحدد هدفها بإجراء أبحاث مركزة ومكثفة، وتشتغل على تقديم الحلول والمقترحات للمشاكل المدروسة بصورة عامة وخصوصاً في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أو ما يتعلق بها.

    من خلال هذا التعريف نقول إنّ ما يسمى مراكز أبحاث ودراسات ما زالت بعيدة كل البعد عن التأثير في محيطها المحرر، فليس لهذه المراكز أبحاث ودراسات تتعلق بالاقتصاد أو الثقافة والإعلام، ولا علاقة تذكر بينها وبين الدراسات الإستراتيجية أو التكنولوجية.

    إن جلَ ما تقوم به هو ورشات تدريبية في مجال المهارات الشخصية أو الإدارة، وبعض المقالات عن الشارع السوري.

    الطريق وعر!

    يمكن القول بأن هذه المراكز تحاول التأثير في المجال العام ولكنها تعاني من نقاط ضعف عديدة تجعل الطريق أمامها وعراً وشاقاً ومن أهم هذه النقاط:

    1_المحتوى النظري: أغلب ما تقدمه مراكز المحرر يقع في دائرة العمل النظري فلا دراسات عمليه ولا أبحاث علمية يمكن أن تكون أساس للبناء العلمي التطبيقي، فنحن أحوج ما نكون الى هذا النوع من الدراسات، الدراسات والابحاث سواء أكانت في السياسة أو الاقتصاد(الدراسات في الاقتصاد تكاد تكون معدومة)أو التكنولوجيا أو التاريخ أو الديموغرافيا.

    2_البعد عن مراكز صنع القرار: إنها بعيدة عن صناع القرار، وليس لها صلة بها.البعد عن مراكز صنع القرار جعل مراكز الأبحاث تعيش حالة من الاغتراب، فمراكز البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً كان لها دور في انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولها دور كبير في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، ومؤسسة راند أفضل دليل على ذلك، ولهذا السبب أطلق عليها في الولايات المتحدة السلطة الخامسة.

    3_المال السياسي: يعتبر المال السياسي من أهم المخاطر على سوريا المستقبل وهو داء متفشي في كثيرٍ من الدول وفي تاريخ سوريا الماضي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.

    الحالةالطبيعية أن تكون مراكز الابحاث مستقلة ماليا وبحثيا ويمكن أن يكون تمويلها حكومي ولكن يجب وبكل تأكيد ان تكون مستقلة بحثيا، ولكن ما الحيلة في وضع يكون فيه المال السياسي سيد الموقف فلا عبرة للمستوى الأكاديمي ولا عبرة للهدف من وجود هذه المراكز، فمن المعروف عالميا بأن هذه المراكز هدفها تقديم تحليل أكاديمي وموضوعي صرف.

    يلعب التمويل دوراً كبيراً في توجيه مراكز الدراسات، فيجعلها تسبح بحمد الداعم دون مراعاة للواقع ويجعل المحتوى المقدم تجاري من الدرجة الأولى.

    أكاديميين ولكن

    يمكن القول أن مراكز الشمال المحرر فيها عدد لابأس به من الأكاديميين الذين يمتلكون الأدوات العلمية تمكنهم من تقديم محتوى علمي نافع للثورة، ولكن إلى الآن ما زلنا نقرأ ما تقدمه مراكز الابحاث الغربية، كمؤسسة راند ومعهد كارنيغي وغيرهما من دراسات وأبحاث عن الأمن والاقتصاد والسكان والأمور العسكرية الخاصة بالثورة السورية، ورغم وجود الأكاديميين إلا أننا لم نقرأ لهم سوى مقالات عن أمور غير مفيدة للثورة، فلا ندوات علمية ولا مؤتمرات سياسية، أو اقتصادية أو تاريخية.وجُلَّ ما يكتبه هؤلاء الأكاديميين يتعلق بالأمور الخارجية(لا صلة لها بالثورة)ومن جهة أخرى فان هؤلاء الأكاديميين أغلبهم لم يمتهن السياسة، وهذا على عكس ما نراه في المراكز الغربية التي تضم في صفوفها قامات علمية سياسيةوعسكرية يعملون في الوزارات وبيوتالرئاسة.

    ليس لأي مركز من المراكز في المناطق المحررة هدف واضح ورؤيا تبنى عليها أعمال تلك المراكز، قد يكون هذا هو السبب في عدم وجود دراسات وأبحاث تهتم بالأمور الأمنية والعسكرية والاقتصادية للثورة السورية.

    خاتمة

    تعتبر مراكز الأبحاث والدراسات عقل الدولة وهي خزانات للأفكارThink tanks تشارك بفاعلية في صنع السياسة وتوجيهها فأين مراكز المناطق المحررة من هذا؟

    يمكن القول بأن سبب في عدم فاعلية المراكز في المحرر قلة التمويل من جهة، وعدم وضوح الهدف من جهة الاخرى، وعدم وجود الأكاديميين المختصين في المجالات الحيوية في الأمن والاستراتيجية والاقتصاد، وضعف الفاعلية له دور كبير في عدم وجود تفاعل مع المواطنين.انها بحاجة للمساعدة المالية حتى تكون قادرة على المشاركة بشكل أكثر جدية في صنع القرار والتأثير في المجتمع.

    يجب أن تتغير استراتيجية هذه المراكز(إن وجدت)وتتحول إلى المجال العملي وأن تقترب من الثورة أكثر، إنها عقل الثورة وليست متجر للمواد الغذائية.