• الأزمة الليبية بين المبادرة الفرنسية والدور المصري..... خالد فؤاد

    تمهيد

    في ظل استمرار إشتعال الساحة الليبية مابين انقسامات حادة بين القادة السياسين من جهة وبين الفصائل المسلحة الفاعلة من جهة أخرى، تأتي المبادرة الفرنسية كمحاولة لتسوية الأزمة الليبية، وإيجاد حل سياسي للأزمة يستند إلى واقع الأرض ويدفع بفرنسا كقوة دولية تتولى مسؤلية الملف الليبي، يحاول هذا التقدير بيان أهداف فرنسا من المبادرة؟ ومدى إمكانية نجاحها في إنهاء الأزمة الليبية؟ وحدود دور النظام المصري وتداخله في الأزمة؟

     

    أولاً: مضامين المبادرة الفرنسية .. أهم المضامين

    في الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضي أعلن من أحد ضواحي باريس عن التوصل إلى إتفاق لإنهاء الأزمة الليبية فيما سمي بالمبادرة الفرنسية وبحضور الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ومشاركة كلا من "فايز السراج" رئيس حكومة التوافق الوطني المنبثقة عن إتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 والحاصلة على دعم رسمي من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا ويحظى بدعم دولي وإقليمي متمثل في روسيا ومصر والإمارات. حمل البيان الختامي للمبادرة البنود التي تم الإتفاق عليها بين الطرفين السراج وحفتر والتي اشتملت أهم مضامينها على التأكيد على الحل السياسي ووقف اطلاق النار بإستثناء عمليات مكافحة الإرهاب والدعوة إلى نزع السلاح وإدماج المسلحين الراغبين في الجيش الوطني وترتيب خطة زمنية لمكافحة الإرهاب وتهريب المهاجرين والوصول إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، على أن يكون إتفاق الصخيرات هو الإطار المرجعي لتنفيذ بنود المبادرة.

     

    ثانياً: المبادرة الفرنسية .. لماذا الآن؟

    لم يكن اللقاء بين السراج وحفتر في فرنسا هو اللقاء الأول بين الطرفين إنما جاء بعد سلسلة لقاءات جمعت بينهم في القاهرة وأبو ظبي وهو ما يبدو أنه قد مهد الطريق للقاء الذي عقد بينهم في باريس وأسفر عن المبادرة الفرنسية، الأمر الذي يستحق الإشارة إليه أن بنود مبادرة باريس لم تختلف كثيرا عن ما خرج به اجتماع القاهرة بين السراج وحفتر حيث تم الإتفاق على عدة نقاط كان أبرزها العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير 2018.

    ويبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد "ماكرون" يسعى إلى حضور فاعل للسياسة الخارجية الفرنسية في فترة رئاسته وذلك من خلال استرداد فرنسا لدورها وتأثيرها في منطقة الشمال الإفريقي وهو ما يعني بالأساس إستعادة الملف الليبي مرة أخرى بعد أن كانت فرنسا قد ابتعدت عنه في الفترة الماضية وتقديم فرنسا لنفسها كفاعل رئيسي وضامن دولي لحل الأزمة الليبية بما يفرض على القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة الليبية التعاون والتنسيق من خلالها.

    من ناحية أخرى بدت الأزمة الخليجية أنها تزيد وتعمق الأزمة الليبية حيث أصبحت المعركة بين الداعمين الإقليميين للأطراف الليبية معركة مباشرة وهو الأمر الذي انعكس على حدة المعارك على الأراضي الليبية، كان واضحا اتجاه مصر والامارات لإستغلال الأزمة الخليجية في تسريع حسم الملف الليبي لصالح حفتر الشريك الرئيس لهما في ليبيا وهو ما أسفر عن إعلان حفتر سيطرة قواته على مدينة بني غازي بعد عمليات عسكرية ضارية.

     

    ثالثاً: أهداف فرنسا الحقيقية

    السياسة الخارجية الفرنسية مع الأزمة الليبية لم تتغير بتبدل شخوص الرئاسة الفرنسية ما بين هولاند وماكرون حيث أن لدى فرنسا مصالح حيوية في ليبيا تتمثل في ضمان إستمرار تدفق الغاز والنفط واستكمال مكافحة الإرهاب من خلال تأمين منطقة الجنوب الليبي وتأمين القاعدة العسكرية الفرنسية "ماداما" والتي تقع داخل حدود دولة النيجر وبالتماس مع حدود ليبيا الجنوبية بهدف قطع الطريق عن أية امدادت عسكرية قادمة من الجنوب الليبي للجماعات المسلحة في مالي، والتي تخوض معها فرنسا معارك عسكرية منذ عام 2013، الأمر الذي قاد فرنسا منذ بداية الأزمة الليبية إلى الدفع بشريك يحافظ على مصالحها داخل ليبيا، وتقديم دعم عسكري مباشر له، ولم تستطع فرنسا إخفاء دعمها للجنرال حفتر حيث بدا ذلك واضحا بعد الكشف عن مقتل ثلاثة جنود فرنسيين خلال مهمة قرب مدينة بنغازي" شرقي ليبيا في يوليو 2016 ليؤكد ذلك الحادث التقارير التي كانت تشير إلى دعم فرنسي لقوات حفتر في قتالها ضد خصومها في بنغازي.

     

    رابعاً: فرنسا وأزمة متوقعة مع إيطاليا

    بالرغم أن وقف تسلل الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية يعد القاسم المشترك بين الدول الأوروبية حيال تعاملهم مع الأزمة الليبية إلا أنه بدا واضحاً منذ بداية الأزمة الليبية إختلاف رؤية أكثر من طرف أوروبي في طريقة حل الأزمة. التدخل الفرنسي المباشر بمبادرة تزاحم اتفاق الصخيرات الأممي الذي تدعمه ايطاليا يبدو انه لن يقابل بحالة من الرضا من الجانب الإيطالي الذي اتخذ موقفا مخالفا لفرنسا منذ بداية الأزمة الليبية وربما تمثل المبادرة الفرنسية بداية ساحة لمواجهة سياسية بين فرنسا وايطاليا بدأت ملامحها مع إعلان روما غضبها من المبادرة الفرنسية ثم إعلانها بعد عدة أيام من المبادرة عن عملية بحرية في المياه الإقليمية الليبية لمساعدة خفر السواحل الليبي على منع تسلل المهاجرين بناء على طلب من الحكومة الليبية.

     

    خامساً: المبادرة .. حل للأزمة أم مزيد من التعقيد؟

    يبدو هنا أن المبادرة تسعى إلى ايجاد مصالحة وطنية بين الاطراف المتنازعة في ليبيا والتي حصرتها المبادرة في طرفي النزاع السراج وحفتر على أن يكلل نجاح هذه المبادرة باجراء انتخابات كان السراج قد دعا إليها في وقت سابق، وقبل أيام من لقائه بحفتر في باريس ولكن نظرة إلى واقع الأرض وإلى بنود المبادرة سيكون من الصعوبة بمكان، وفي ظل هكذا مشهد معقد، الوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية فضلاً عن الوصول إلى تأمين إجراءات انتخابات نزيهة لا يبدو واضحاً من سيمتلك القدرة على تنظيمها، أو إلى أي قانون ستستند اليه.

    ويمكن أن نشير هنا إلى أهم النقاط الفاصلة التي يمكن أن تتسبب في إعاقة المبادرة:

    • إخنزال الازمة الليبية بين شخصي السراج وحفتر يمثل أهم العوامل التي تؤسس إلى مزيد من تعقيد المشهد، حيث أن تغييب القوى والأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، والتي تُمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً، وعدم احتضانها في مبادرة كتلك، واختزال المبادرة في طرفين يمثلان جزءاً من المشهد الكلي، لن يساهم بطبيعة الحال في توافق ومصالحة وطنية، تبدو كخطوات تمهيدية قبل أي إجراءات إنتخابية يفترض عقدها في ربيع 2018 والتي تمثل العنوان الرئيسي للمبادرة.
    • بنود البيان الذي خرج من باريس حمل استثناء لبقاء العمليات العسكرية من أجل مكافحة الإرهاب، ولا يبدو هنا من البيان من هم المقصود وصفهم بالإرهاب من الفصائل المسلحة وهو الأمر الذي سيتسبب في أزمات مشتعلة في ضوء غياب تعريف واضح وغير فضفاض للإرهاب وفي ضوء وجود العديد من الفصائل المسلحة الفاعلة على الساحة الليبية.
    • الضغوط التي ستواجه السراج وحفتر من شركائهما وداعميهما المحليين تبدو كبيرة ولا يمكن اغفالها وربما لن يتوقف الأمر فقط على مجرد عدم القدرة على إنفاذ بنود المبادرة وإنما سيكون من المتوقع حدوث إنشقاقات وخسارة تحالفات للطرفين على حد السواء إذا مضيا قدما في بنود المبادرة.
    • الأحداث والتصريحات التي تلت الإعلان عن المبادرة مباشرة لا تُشير إلى أن ثمة أمراً قد تغير في الأزمة المشتعلة بين الطرفين السراج وحفتر، حيث بدأتحرب تصريحات بين الطرفين مباشرة قبل أن يغادر الطرفين باريس، وصرح السراج بأنه من "الحماقة" التفكير في دخول طرابلس في إشارة مباشرة إلى حفتر ورد الأخير بدعوة السراج بالإبتعاد عن "العنترية"، لم يتوقف الأمر فقط عند تجاذب التصريحات بين الطرفين حيث طالب السراج في زيارة رسمية إلى ايطاليا تلت زيارته إلى باريس مباشرة، مساعدة سلطات طرابلس في مكافحة الهجرة غير الشرعية داخل المياه الإقليمية الليبية، وهو ما دفع الحكومة الإيطالية إلى الإعلان عن إطلاق مهمة بحرية في المياه الليبية لمكافحة مهربي المهاجرين وإرسال قطعة بحرية للدخول إلى ميناء طرابلس، الأمر الذي اثار خلافاً حاداً بين السراج وحفتر الذي كان قد أعطى أمراً لقواته بالتعامل مع أية قطع بحرية في المياه الإقليمية في إشارة إلى اعتراضه على إتفاق السراج مع ايطاليا.

    سادساً: الدور المصري في الأزمة الليبية

    بالرغم من إعلان القاهرة تأييدها الرسمي لإتفاق الصخيرات في نهاية عام 2015 إلا أن الدور المصري استمر في تعميق الأزمة الليبية والضغط في اتجاه عدم تنفيذ بنود إتفاق الصخيرات وسعى النظام المصري منذ بداية الأزمة الليبية إلى إستغلال تناقضات المشهد على الساحة الليبية والتنسيق والتعاون مع أكثر من طرف من أطراف المعادلة في المشهد الليبي، حيث إعتمد النظام المصري على مسارين متوازيين حيال تعامله مع الأزمة الليبية:

    الأول: الدعم الظاهري للمسار السياسي الناتج عن اتفاق الصخيرات ودعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة "فايز السراج".

    الثاني: إستمرار الدعم اللوجيستي والعسكري والسياسي للجنرال "خليفة حفتر" والمطالبة بدمجه في العملية السياسية.

    سارع النظام المصري في الشهور القليلة الماضية لإيجاد دور سياسي لحفتر بعد ما بدا أنه يبتعد عن الساحة السياسية بإصراره على رفض إتفاق الصخيرات المدعوم أممياً ومن جهة أخرى بعد ما بدا من تواجد عسكري وأمني لقواته يفرض نفسه على أرض الواقع، وهو مادفع حفتر بالإسراع والإعلان عن تحرير بني غازي بالرغم ان العمليات العسكرية في بعض الجيوب لازالت دائرة وهو الأمر الذي يؤكد إستباق حفتر والداعمين الرئيسيين له النظام المصري والإمارات للإعلان عن مكسب عسكري يعزز من موقف حفتر على الأرض ويفرض نفسه على طاولة المفاوضات.

    ومن ناحية أخرى لم تكن نقطة الانطلاق للمبادرة الفرنسية بعيدة عن القاهرة حيث دشنت القاهرة اللقاء بين السراج وحفتر في فبراير 2017 والدفع في ايجاد دور سياسي له، ولم يمر على لقاء القاهرة سوى ثلاثة شهور فقط حتى التقى الطرفان مرة أخرى في أبو ظبي في محاولة أخرى لإيجاد دور سياسي للجنرال، وكانت محصلة هذه اللقاءات هي لقاء باريس والذي بدا فيه أن القاهرة وأبوظبي قد مهدتا الطريق أمام تفاهم بين الطرفين برعاية دولية تتمثل في فرنسا.

    بعد عدة أيام من إعلان المبادرة الفرنسية لم يتوقف النظام المصري عن إستمراره في انتهاج سياسة إستغلال تناقضات الأزمة الليبية وممارسة الضغط على أطرافها، حيث التقى محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري ومسؤول ملف الأزمة الليبية لدى النظام المصري مع عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق الذي غاب عن لقاء فرنسا، والذي لم يعلن موقفاً محدداً من المبادرة الفرنسية سواء بالقبول أو بالرفض، لينتهي اللقاء بتأكيد محمود حجازي من القاهرة على أن مجلس النواب الليبي يمثل الجهة المناط بها اتخاذ كل الإجراءات الدستورية والقانونية لإتمام الاتفاق السياسي في ليبيا، وهو ما يعني ضمنياً عرقلة للمبادرة الفرنسية الأمر الذي يأتي في سياق عرقلة النظام المصري لأي مبادرات يمكن أن تسير باتجاه في حل سياسي للأزمة الليبية والإستمرار في الدفع إلى الحل العسكري للأزمة وهو ما يتوافق مع مصالح النظام المصري وتوجهاته.

     

    خلاصة

    وجود فرنسا كطرف دولي مثل ضغوطاً على السراج وحفتر وإحراج لهما للإعلان عن بنود مبادرة للمصالحة الوطنية ولحل الأزمة الليبية، لكن واقع الأمر أنه ليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه إتفاق بالمعنى السياسي حيث أن المصالحة التي هي التمهيد المبدئي لأي شكل من أشكال الإتفاقات ليست موجودة على أرض الواقع، وتظل المبادرة بما تعلن عنه من إنهاء للأزمة الليبية والدفع نحو الإستقرار بعيدة عن الواقع الليبي المشتعل، وربما المستفيد الأكبر من الإعلان عن تلك المبادرة هو الجنرال خليفة حفتر، الذي حظى من خلال المبادرة بإعتراف دولي به كفاعل سياسي في المشهد الليبي.

    من ناحية أخرى بعد تقديم فرنسا نفسها كداعم دولي لحل الأزمة الليبية يبدو أن هامش المناورات الإقليمية سيتقلص سياسياً وهو الأمر الذي ربما ينعكس على الدور السياسي للنظام المصري في الأزمة الليبية، إلا أن الامر لن يتسبب في خسارة للنظام المصري الذي يتوافق مع فرنسا في رؤيتها للأزمة الليبية سياسياً وعسكرياً، وهو ما يعني أن الأمر لا يتعدى سوى تبادل أدوار بين مصر وفرنسا حيال الأزمة الليبية، عن طريق وجود راعي دولي قوي يعطي شرعية سياسية لحفتر، مع إستمرار النظام المصري في دعمه لحفتر لوجيستياً وعسكرياً

    المقال على موقع المركز 

  • الكرد والنظام التوافقي في العراق........ د. جاسم الشمري

    اتسمت العلاقات بين كثير من الأطراف المساهمة في العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، بأنها مبنية على المصالح الضيقة، كالقومية والطائفية والعرقية، ولم تكن مبنية على المصلحة الوطنية العليا التي تُقدم مصلحة الوطن على بقية المصالح والهويات الفرعية، وهذا ما أثبتته تجربة السنوات الماضية من عمر العملية السياسية.

    والكتل السياسية الكردية – على اختلاف توجهاتها– تُشكّل محورًا مهمًا في عراق ما بعد 2003، سواء أكان ذلك على المستوى السياسي، أم الأمني.

    والمتابع للسياسة الداخلية العراقية يجد أن العلاقات الكردية – العربية لم تشهد استقرارًا أو توافقًا، كما كان يُفترض بها أن تكون، وهي السمة الأبرز لمجمل العمل السياسي في العراق بعد عام 2003، وما مرت به من تفاهمات مؤقتة يُمكن أن يُقال عنها: إنها مرحلة تأجيل المشاكل أو محاولة تخديرها إلى أجل غير مسمى.

    وهناك من يرى أن الساسة الكرد يحاولون (استغلال) حالة الاستقرار والنمو التي يشهدها الإقليم، وكذلك ثقلهم في العملية السياسية، وإمكانياتهم العسكرية، ولاسيما في المحافظات المتاخمة للإقليم؛ للمطالبة بأمور يرونها مشروعة، في حين ينظر الشركاء العرب إلى ذلك على أنه (استغلال) لوضع شاذ بعد أن صاروا (دولة) داخل الدولة العراقية، ويؤيد ذلك أن حكومة الإقليم تُهدد بين حين وآخر بفتح ملف المناطق المتنازع عليها بين المحافظات العراقية وفقًا للمادة(140) من الدستور العراقي، بل أحيانًا، تُلوح بالانفصال وإعلان الدولة الكردية.

    وفي هذا البحث تناول الباحث آراء كافة الأطراف العربية والكردية بحيادية، ولهذا ربما أسهب في الإشارة للمصادر عند الاستشهاد بأقوال الفريقين وذلك لحساسية الموضوع وأهميته. وسنحاول تقديم لمحة تاريخية موجزة عن الكرد، وأصولهم وأهم قياداتهم، وعلاقاتهم غير الواضحة مع الحكومات العراقية منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الآن، ثم التطرق لقضية الدولة الكردية من ناحية الإمكانيات المتوفرة لتحقيق هذا الحلم، والعقبات الحالية والمستقبلية التي يواجهونها، وكذلك سنتطرق للموقف المحلي والإقليمي والدولي من بناء هذه الدولة، ثم نعرج على دراسة أصل المشكلة بين بغداد وأربيل، وهل بينهما شراكة دائمة أم مرحلية، وأهم صور الشراكة، وكذلك أبرز المشاكل بين الطرفين، وبعدها سنحاول التطرق لمستقبل هذه العلاقة بين الفريقين، ونختم الدراسة بخلاصة للبحث وأهم النتائج والتوصيات.

    أولاً: لمحة تاريخية عن الكرد وأهم قيادتهم

    قبل الخوض في موضوع البحث نحاول التعرف ولو بومضات سريعة على أصل الكرد وأهم قياداتهم في العراق.

    اختلف المؤرخون في إعطاء الفصول الأولى من تاريخ الكرد وأصولهم ومنشأهم((1))، والكرد يصنفون من ضمن مجموعة الشعوب(الهند وأوربية). وقد تعددت الآراء والنظريات حول أصلهم، فبعضها يرى أنهم ينحدرون من أصل آري، وبعضها يظن أنهم من أصل آشوري، وفريق ثالث يرى أنهم من أصل عربي((2)).

    المؤرخون المعاصرون يختلفون في تحديد أصل الكرد، وقد ذكر المؤرخ (ماكدويل) المختص في تاريخ الكرد: أن الكرد ظهروا كقومية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ (برنارد لويس): أن الشعور بالهوية الكردية، وثم القومية ظهر في بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورًا سريعًا لعدة عوامل، منها اعتبار الإمبراطورية البريطانية أن الكرد قضية أمة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها((3)).

    ونشأت(بين الكرد في أوائل القرن العشرين فكرة القومية الكردية؛ كردِّ فعل تجاه القوميات التركية والعربية التي بدأ الترويج لها منذ نهايات القرن التاسع عشر)((4)).

    والكرد مسلمون سُنِّيون في غالبيتهم، ومعظمهم على المذهب الشافعي، وتوجد قلة شيعية تعيش في كردستان وكرمنشاه، وقد دخلوا في الإسلام في الثلث الأول من القرن الأول الهجري، وأسهموا مساهمة فعالة في نشر الدين الإسلامي، ومن أبرز شخصياتهم قائد المعارك الحاسمة ضد الصليبيين، ومؤسس الدولة الأيوبية صلاح الدين الأيوبي((5)).

    وأما تسمية شمال العراق بكردستان العراق فيرجع إلى القرن السابع عشر، عندما حاول الانكليز تجزئة الإمبراطورية العثمانية، ويُعد الكابتن البريطاني جون ماكدونالد كيز أول من أطلق مصطلح كردستان في كتابه:(رحلة إلى آسيا الصغرى وأرمينيا وكردستان)عام 1818م((6)).

    ويقدر عدد السكان بمحافظات الإقليم الأربع أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة((7)) بأكثر من (5.2) مليون نسمة. وتغطي هذه المدن مساحة (40000) كم2، أي أكبر من مساحة هولندا، وأربع مرات من مساحة لبنان((8)).

    أما سياسيًا، فالكرد في العراق منقسمون إلى حزبين سياسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الكردستاني، وقد تجاوز الحزبان خلافاتهما التي وصلت في بعض الأوقات إلى الاقتتال، وساهما بفاعلية في العملية السياسية  التي قامت في العراق بعد عام 2003 م((9) ).

    وللكرد العراقيين العديد من القيادات البارزين من بينهم: الملا مصطفى البرزاني،(1903-1979)، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني (بالبارتي). وجلال الطالباني (1933- ) زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أصبح بعد الاحتلال عضوًا في مجلس الحكم، ثم اختير رئيسًا مؤقتًا للعراق عام 2005م، وجُدد انتخابه من قبل مجلس النواب لرئاسة الجمهورية لأربع سنوات أخرى في أبريل/ نيسان 2006م.

    ومن بين قياداتهم مسعود البرزاني (1946- ) الذي أصبح عضوًا ورئيسًا لمجلس الحكم ببغداد بعد الاحتلال، ويشغل الآن منصب رئيس إقليم كردستان الذي توحد في إدارة مشتركة وبرلمان موحد عام

    006م((10)). وكذلك نيشروان مصطفى، مؤسس حركة التغيير الكردية المنشقة عن الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2006م((11)).

    ثانياً: مراحل العلاقات الكردية مع الحكومات العراقية

    شهدت العلاقات العربية (العراقية) – الكردية تطورات كبيرة منذ بدايات القرن الماضي، ويمكننا تحديد أهم مراحل تلك العلاقات على النحو الآتي:

    - في 1930 - 1933 شارك ملا مصطفى البرزاني في مقاتلة القوات العراقية المدعومة من البريطانيين، لكن الحركة فشلت((12)).

    - في عام 1943 استثمر الكرد الحرب العالمية الثانية ليعلنوا ثورتهم التي قادها مصطفى البرزاني في منطقة برزان، واستطاع الجيش العراقي القضاء عليها عام 1945م((13)).

    - في عام 1945 عاد البرزاني لمقاتلة القوات العراقية، لكن حركته انتهت ليتوجه بعدها لمهاباد الإيرانية((14) ).

    - في عام 1961، عاد البرزاني لقتال الحكومة((15)).

    - في أوائل عام 1970 قام الكرد بثورة مسلحة عندما كان صدام حسين نائبًا لرئيس الجمهورية، البكر، وفشلت ثورتهم عام 1975م((16)).

    - في عام 1976 بدأ الطالباني حركة مسلحة ضد السلطة المركزية، واستمرت حتى الحرب العراقية الإيرانية((17)).

    - في تسعينيات القرن الماضي (شارك الكرد في الحملة الأمريكية للإطاحة بنظام صدام حسين كطريقة للتعبير عن رغبتهم في الاستقلال، وازدهرت أحوالهم بعد حرب الخليج الثانية عندما أنشأت الولايات المتحدة وبريطانيا منطقة لحظر الطيران؛ إذ كان من المحرم على الطيران الحربي العراقي التحليق ما بين خطي عرض 33 – 36)((18) ). وتحت هذه الحماية الدولية، تمكن الكرد من إنشاء إقليم شبه مستقل، رغم عدم استطاعتهم الاستغناء الكامل عن حكومة بغداد((19) ).

    ثالثًا: الكرد وحلم الدولة

    لم يكن مفهوم الدولة الحديثة قد ظهر لدى الكرد أو وصلت أفكاره المنطقة حتى نهايات القرن التاسع عشر((20)). وفي عام 1920 كاد الكرد يحوزون دولة خاصة بهم، لكن بعد ثلاث سنوات تبدد هذا الاحتمال, لكن ما السبيل إلى فهم إخفاق النخب القومية الكردية في الفوز بدولة خاصة بهم، في وقت كان السياق الدولي يبدو مواتيًا على وقع تقطيع أوصال السلطنة العثمانية وبحث القوى الغربية عن حلفاء محليين. الحقيقة أن النخب الكردية ترمي بلائمة الإخفاق كلها على القوى الأوروبية ووعودها، لكن واقع الأمور أكثر تعقيدًا وتركيبًا، والسبيل إلى جواب مركب هو احتساب عدة عوامل خارجية (مصالح الغربيين المتباينة، وانتصارات مصطفى كمال العسكرية) وداخلية (انقسام اللجان الكردية) ومسارات تاريخية سابقة (الشقاق القبلي والديني الكردي)((21)).

    وقد (نعى العديد من الكرد دولتهم خلال الذكرى السنوية المئوية لاتفاقية (سايكس بيكو)، الموقعة في 16 أيار/مايو عام 1916، ووضعت الأساس لقيام الدول القومية التي نراها اليوم في الشرق الأوسط؛ ويمكن القول بأنه لا توجد مجموعة عرقية واحدة تبغض هذا الاتفاق أكثر من الكرد، فهم يعتبرون صياغة الدول العظمى له، السبب الأول في تعليق حلم قيام دولة كردية مستقلة وتعطيله إلى الآن)((22)). وفي 1919م أعلن الشيخ محمود الحفيد تشكيل حكومة كردستان الجنوبية بعد مساندة الانكليز له، واستمرت الحكومة إلى عام 1922 ثم زالت بعد ذلك((23)).

    وفي مطلع القرن العشرين(بدأ الكثير من الكرد التفكير في تكوين دولة مستقلة، باسم كردستان، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورًا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية)((24)).

    وفي سنة 1929(طالب البرزانيون باستقلال المناطق الكردية، إلى أن وصل بهم الحد إلى القيام بالثورة ضد السلطات في بغداد)((25)).

    والواقع إن (جمهورية مهاباد) هي أول دولة كردية تأسست في إيران، في ٢٢ من كانون الثاني/يناير عام ١٩٤٦ إلا أنها فشلت وسقطت سريعًا. والجمهورية المهابادية كانت من الأخطاء القاتلة للقيادة الكردية، التي لم تتحسب للظروف المحلية والدولية والإقليمية((26)).

    وبعد الغزو العراقي للكويت (ظهر تأييد حلم دولة الكرد قويًا إما بطريقة رسمية، أو بطريقة فعلية على الأرض، حيث أدى فرض أمريكا مناطق الحظر الجوي في العراق، وتراجع قوى الدولة والأمن نحو مناطق الوسط المحيطة ببغداد إلى منح أكراد العراق الفرصة التاريخية لنيل وضعية تُقارب الاستقلال وتتجاوز الحكم الذاتي)((27) ).

    وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، لم يتوقف الساسة الكرد عن التهديد وترديد دعواتهم لتكوين الدولة الكردية، ففي بداية تموز/يوليو 2014، دعا مسعود البرزاني البرلمان الكردي (لتحديد موعد للاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، وأن لديه دعمًا دوليًا في قضية تقرير مصير الكرد)((28)).

    والبرزاني عُرف عنه أنه أكثر زعيم كردي معاصر يدعو لاستقلال الإقليم، والذي كان من المتوقع أن ينفذه في عيد نوروز عام 2013 لكنه أرجاها لأسباب غير معلومة((29)).

    ولتأكيد وجود رغبة شعبية كردية للانفصال أظهر استطلاع أجرته الجامعة الأمريكية في كردستان (AUDK ) في آب/أغسطس 2016، بأن(أكثر من (84)% من الكرد الذين شملهم الاستبيان يؤيدون الاستقلال عن العراق)((30)).

    وفي نهاية أيلول/سبتمبر 2016، أكد رئيس مجلس الأمن في الإقليم مسرور البرزاني لصحيفة (واشنطن بوست)،أن(الإقليم جرب جميع السبل مع حكومة بغداد إلا أنه من دون أية نتيجة، وأن الإقليم يريد الاستقلال عن المركز ولكن بشكل سلمي، بلا عنف واقتتال، وأنهم ماضون في إجراء استفتاء لتقرير المصير)((31)).

    إن الذي يجعل مشروع استقلال كردستان يشق طريقه بصلابة إلى الأمام أكثر، هو دخول الأحزاب الإسلامية الكردستانية على خط المشروع، وبهذا فان مشروع الاستقلال أخذ يحوز على زخم كبير بتبني الإسلام السياسي الكردستاني له، والذي يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة في كردستان، وفاز بـ(17) مقعدًا في انتخابات أيلول/سبتمبر 2013 البرلمانية الكردستانية((32)).

    رابعاً: موقف الدولة العراقية من الحلم الكردي

    تؤكد الوقائع التاريخية أن الحكومات العراقية كان لها مواقف متنوعة من قضية الدولة الكردية، أو حتى استقلال شمال العراق. ويمكننا ترتيب أهم مواقف الحكومات العراقية منذ في عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم على النحو الآتي:

    - في عام 1920 تشكلت حكومة عراقية مؤقتة تحت الرعاية البريطانية، وتم الاتفاق على ترشيح الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكًا على العراق، وجرى استفتاء على مبايعته من قبل كل المواطنين العراقيين، لكن الكرد العراقيين لم يشاركوا في الاستفتاء، ومع ذلك فان كل ما تحقق للعرب تحقق للأكراد بضمنها المشاركة في الحكم.

    - وجاء دستور ثورة 14 تموز 1958 لينص على: (إن العرب والكرد شركاء في هذا الوطن)، وعاد الملا مصطفى البرزاني وجماعته إلى بغداد، ومنح الزعيم عبد الكريم قاسم رواتب مجزية لهم، وأسكن البرزاني في القصر الملكي (قصر الرحاب)، ومنحه سيارة الأمير عبد الإله، ومنح الكرد حرية العمل السياسي، فنشط (الحزب الديمقراطي الكردستاني) في الشمال والمحافظات العراقية، وشكلوا ميليشيات عسكرية، (البيشمركة)، وساهموا في السلطة بقوة((33)).

    ـ في عهد الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف (تشرين الثاني 1963ـ تموز 1968)،استمرت حالة الحرب واللا حرب بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة، وفشلت كل الاتفاقيات بين الطرفين.

    - وبعد نجاح انقلاب حزب البعث بتموز 1968، استمر الكرد في الإجراءات المناوئة للحكومة واندلع قتال عنيف بين الطرفين بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 1968، وحتى 11 آذار/مارس 1970 حيث بادرت الحكومة إلى إعلان بيان 11 آذار/مارس، الذي يُقنن حقوق الكرد القومية على مستوى الدولة، ويشعرهم بأنهم جزء من الوطن العراق((34)).

    - في عام 1970 اتفق حزب البعث الحاكم والحركة الكردية على منحهم الحكم الذاتي خلال أربع سنوات، وطبقت كل فقرات الاتفاق، لكن الكرد رفضوا تنفيذ آخر بند في إعلان الحكم الذاتي في 11 آذار 1974، وطالبوا بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي((35)).

    - في 25 نيسان/ابريل 1974 أصدرت الحكومة العراقية بيانًا أكدت فيه تصميمها على تنفيذ قانون الحكم الذاتي، وأنها لن تتفاوض ثانية مع البرزاني، وعادت الحرب بحلول آب/أغسطس 1974 بين الجانبين((36)).

    - في عام 1975 وقع العراق اتفاقية الجزائر مع إيران، التي تنازل بموجبها عن نصف شط العرب لإيران، مقابل عدم دعمها للبرازاني((37)).

    - في عام 1995، أراد العراق أن يُنهي قضية الكرد نهائيًا بإعطائهم الاستقلال، فقد ذكر مكرم الطالباني((38)) أن صدام حسين كان يقول له:( إذا استطاعوا – أي الكرد- أن يشكلوا حكومة فانا أكون أول المعترفين بهم، لكن عندما التقيت به للمرة الأخيرة قال: (إذا يرضون بالوضع الذي هم فيه الآن أنا مستعد أن اعترف بهم وليعلنوا وقتما يشاؤون الاستقلال وعلى الحدود الحالية الآن سأعترف بهم، وكان جادًا في حديثه هذا حيث كان يرغب بالخروج من هذه المسألة)((39)).

    - بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 استمرت المطالب الكردية بالاستقلال، وبالأخص بعد ظهور "المشاكل المؤجلة" بين بغداد وأربيل بخصوص جملة من القضايا العالقة بينهما، ومنها حصة الكرد في الموازنة، والمناطق المتنازع عليها، وغيرها.

    - في حزيران/يونيو 2014، أكد مسعود البرزاني لقناة (سي أن أن):(أن العراق لم يعد على حاله، وأن الدولة تشهد عراقًا جديدًا، وآن الأوان لكي يحدد الكرد هويتهم ورسمهم لمستقبلهم)((40) ).

    هذا وقد تضاربت ردود فعل حكومات بغداد بعد العام 2003 حول استقلال الإقليم، ومن ذلك ما قاله عضو دولة القانون، سعد المطلبي:(لو كان الأمر بيدي لأعلنت انفصال العراق عن إقليم كردستان لأن الإقليم أصبح يعتاش على العراق، والإقليم يرى في الأزمات الداخلية مادة خصبة للابتزاز والضغط من اجل تنفيذ مطالبه، والكرد يمارسون بهذه المطالبات ضغوطًا على بغداد لتنفيذ مطالبهم لا أكثر)((41)).

    وربما دفع هذا الإلحاح أو الاستغلال الكردي بعض الأطراف العراقية الحاكمة للقبول بفكرة الاستقلال، وهذا ما أكده فؤاد حسين رئيس ديوان الإقليم في أيلول/سبتمبر 2016:(تحدثنا مع كبار مسؤولي الأحزاب والتحالفات العراقية بوضوح عن حق تقرير المصير واستقلال كردستان، وقالت بعض الأطراف العراقية بصراحة أن حق تقرير المصير حق طبيعي لشعب كردستان)((42)).

    وفي نهاية كانون الثاني/يناير 2017، قال عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي أحمد بيره، إن(وفدًا كرديًا سيزور بغداد، للتباحث بشكل رسمي بشأن الاستقلال). فيما قال المتحدث باسم المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، محمود محمد، إنه (يجب الحوار بشأن كيفية الإدارة المستقبلية لهذا البلد، فنحن لم نستطع أن نتعايش معًا من خلال الحكم الذاتي ولا الحكم الفيدرالي، فماذا سيكون الوضع الآن)((43)).

    خامساً: معوقات قيام الدولة الكردية

    يُدرك القادة الكرد أن الطريق إلى تحقيق تطلعاتهم القومية ليست مفروشة بالورد، وأن هنالك شبه إجماع من الدول التي يعيشون فيها على رفض الانفصال، بل وحتى الاعتراف بالحكم المحلي لهم، ويدركون أيضًا أن المصالح هي التي تُشكل معيار الاعتراف الدولي بهم من عدمه.

    والمعوقات ليست خارجية فقط، بل منها على الصعيد الداخلي الكردي، فهنالك ثمة استحقاقات داخلية أو حزبية قد تدفع بهذا الحزب، أو الزعيم إلى ركوب موجة المطالبة بتقرير المصير والاستقلال لحساباته الخاصة، فعلى الأقل في حالة إقليم كردستان العراق، ثمة تباين بين مواقف الحزب الديمقراطي، ومواقف كل من حزب الاتحاد الوطني وحركة التغيير بخصوص الاستفتاء وإعلان الاستقلال((44)).

    فالبرزاني، رئيس الإقليم (يواجه انتقادات شديدة، خاصة من حركة نوشيروان مصطفى والإسلاميين، بل حتى من حليفه الاستراتيجي حزب الاتحاد، ويتهمونه بأنه لم يتمكن من توحيد الصف الكردي في كردستان، رغم أولوية ذلك قبيل الاتجاه للإعلان عن الدولة)((45) ).

    وهكذا ما زلنا نلحظ(غياب الخطاب الكردي المتماسك، وتشرذم القيادة الكردية، والخصومات الشخصية بينها. فبعد مرور مائة عام، يتضح لنا أن الأسباب الداخلية الخاصة بالكرد أنفسهم هي التي تحول دون تشكيل دولة كردية مستقلة)((46)).

    وساهمت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتضارب المصالح في تشكيل أفكار انفصالية داخل الإقليم، خاصة في محافظات كركوك، والسليمانية، وسنجار لتشكيل إقليم داخل إقليم كردستان((47)).

    وعلى الرغم من أنه سيكون لدى هذه الدولة الكردية أكبر مخزون نفطي، أي أكثر من إيران والعراق وسوريا والكويت((48))، إلا أنها ستواجه معوقات اقتصادية، فمواردها الطبيعية قليلة، ووجود النفط وحده لا يكفي من دون مسرب إلى البحر لتصديره، خصوصًا أن الدولة الكردية ستكون محاطة بدول تعاديها((49)).

    وكذلك سيواجه الإقليم (تقلصًا جذريًا في سوقه المحلية، حيث سينخفض عدد المستهلكين من أكثر من (35) مليون عراقي إلى عدد مواطني كردستان العراق فقط البالغ ستة ملايين نسمة، وعلى الرغم من أن بغداد وأربيل لا تتمتعان اليوم بعلاقة ودودة، إلا أن الاستقلال سيسفر على الأرجح عن خلق حواجز داخلية، وعلى المدى القريب ستصبح كردستان أكثر اعتمادًا على مواردها الطبيعية والتجارة عبر الحدود مع تركيا لتحقيق الملاءة المالية والبقاء)((50)).

    وتشير (المشاريع الاقتصادية الفاشلة والسياسة النفطية الخاطئة والعجز عن بناء بنية تحتية استراتيجية إلى أن المنطقة الكردية ليست جاهزة للاستقلال)((51)).

    وهنالك أيضًا المعوقات الجغرافية إذ إن الكرد يعيشون في سلاسل جبلية متصلة ومعقدة تمنع بناء دولة كردية موحدة، بل وتعيق توحيد الكرد أنفسهم((52)).

    ولهذا لاحظنا أنه في نهاية أيلول/سبتمبر 2016، أكد البرزاني، أن:(استقلال الإقليم لن يتم دون الاتفاق مع الحكومة المركزية، وأن إقليم كردستان طلب الاستقلال وليس الانفصال وهو حق طبيعي)((53) ). وهذا نوع من التراجع الضمني عن الانفراد بقرار إعلان الدولة الكردية.

    وفي مقابلة مع جلال طالباني يوم 8 نيسان/ابريل 2006 صرح بأن(فكرة انفصال أكراد العراق عن العراق أمر غير وارد، وغير عملي لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كردية لم تحسم فيها القضية الكردية بعد، وإذا ما قررت هذه الدول غلق حدودها فإن ذلك الإجراء يكون كفيلًا بإسقاط الكيان المنفصل من العراق)((54)).

    سادساً: الموقف الدولي والإقليمي من إعلان الدولة الكردية

    قبل تسعينيات القرن الماضي كانت دول الشرق الأوسط الأربع ذات التجمعات الكردية الكبيرة - تركيا وإيران والعراق وسوريا- ترتبط بعلاقات أمنية فريدة مثلت فيها القضية الكردية حافزًا رئيسيًا. واليوم تُعيد القضية الكردية تشكيل العلاقات بين هذه الدول الأربع مرة أخرى((55)).

    ولا شك أن البرزاني يعرف العوائق التي تمنعه من تحقيق (حلم) الكرد بجمهورية مستقلة, وهو يعرف أن (العوائق ليست عراقية، أو دولية فقط، بل بعضها يتأتى من اختلاف المصالح بين الكرد الموزعين على دول أربع، وإن كان يستطيع التذرّع بالوحدة العراقية ليمتنع عن دعم أولاد عمّه في حلّ مشاكلهم فإن استقلال الإقليم على عكس ما يبدو للوهلة الأولى سيضعه في موقف ضعيف جدًا)((56)).

    وعلى كل حال فقد تنوعت المواقف الدولية والإقليمية بخصوص قيام الدولة الكردية، ويمكننا إجمال ذلك في الفقرات الآتية:

    - موقف الدول الكبرى:

    تأرجحت مواقف الدول الكبرى بخصوص استقلال الكرد, إذ ذكر (ملا بختيار) عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني بأن (28) دولة غربية ومن ضمنها الولايات المتحدة وروسيا وقعت على مذكرة وقدمتها للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني أكدوا فيها عدم موافقتهم على إعلان استقلال إقليم كردستان((57)).

    وبالمقابل هناك من يقول: (يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا اتفقتا على إقامة دولة كردية كبرى تمتد من حدود إيران وتضم جزء من تركيا وسوريا إلى كردستان في العراق، ويكون فيها الاستثمار حرًا مثل ولاية كاليفورنيا، مع إعفاءات من الضرائب ووجود جيش أميركي – أوروبي دائم فيها وقواعد عسكرية أميركية, وتقول واشنطن: إن الدولة الكردية ستكون مثالًا للديمقراطية)((58)).

    وهذا التناقض في الموقف من استقلال الكرد برز بشكل كبير في الموقف الأمريكي، ففي منتصف شباط/ فبراير 2016 قال السفير الأميركي الأسبق ببغداد رايان كروكر (إن استقلال إقليم كردستان العراق وامتداد ذلك إلى سوريا سيؤدي إلى موجة عنف جديدة في المنطقة، وإن أي تقسيم للعراق سيؤدي بكارثة للمنطقة)((59)).

    وفي 19 شباط/فبراير 2017، قال محمد حاج محمود، عضو وفد إقليم كردستان في مؤتمر ميونخ للأمن(ناقشنا مسألة استقلال كردستان في ميونخ مع مسؤولي أمريكا وألمانيا والأمم المتحدة، وأن بعض المسؤولين كانوا يؤكدون أن من حق الشعب الكردي إعلان استقلاله، وبعضهم لم يفصحوا عن رأيهم حول المسألة، فيما آخرون يوافقون على استقلال كردستان، منهم، جو ماكين السناتور الأمريكي، الذي كان أكثر منا حماسًا لإعلان الاستقلال"((60)).

    - الموقف الإيراني:

    لا شك أن إيران تقف ضد قيام الدولة الكردية، وهنالك العديد من التصريحات التي تؤكد هذه الحقيقة، ومنها تصريح نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي اعتبر (الحديث عن استقلال كردستان العراق ستكون نتيجته عودة كردستان إلى ما قبل عقود عدة، وإننا لفتنا انتباه مسؤولي كردستان إلى هذا الموضوع بشكل ودّي وأخوي). وكذلك يعمل الإيرانيون سياسيًا على إنشاء كتلة كردية رافضة لاستقلال الإقليم مكوّنة من الحزبين المنافسين لحزب البرزاني، أي من الاتحاد الوطني بزعامة طالباني، والتغيير بزعامة نوشيروان مصطفى((61)).

    - الموقف التركي:

    الموقف التركي الرسمي الرافض لإعلان الدولة الكردية أكده الرئيس رجب أردوغان، نهاية حزيران/يونيو 2015، إذ أعلن:(أن تركيا لن تسمح مطلقًا بإقامة دولة للأكراد في سوريا)((62)).

    وهناك من يرى أن (القيادة التركية تناور في هذه القضية، وقد أعلن الأتراك أنهم لا يمانعون إقامة الدولة الكردية الجديدة، ويبرر بعض المحللين ذلك بأن تركيا اليوم تجمعها بكردستان العراق علاقات اقتصادية وثيقة من خلال أنابيب النفط الجديدة التي تمر عبر تركيا)((63)).

    وقد سبق لوزير الطاقة التركي الإعلان عن مغادرة ثالث ناقلة محملة بنفط إقليم كردستان وتحميل ناقلة رابعة بنفط كردستان، في إشارة إلى أن تركيا لم تعد تعارض استقلال كردستان((64)).

    وعلى الرغم من هذه المواقف فانه كثيرًا ما تتم الإشادة بـ(إقليم كردستان)باعتباره مركزًا للاستقرار في الشرق الأوسط((65)).

    وبهذا يتضح جليًا أن المواقف الدولية والإقليمية الرسمية ليست مع قيام دولة كردية على الأقل في المستقبل القريب، وربما ما زالت بعض الدول الكبرى تستخدم ورقة قيام الدولة الكردية لتحقيق مكاسب سياسية، أو كورقة ضغط ضد بعض دولة المنطقة التي يتواجد فيها الكرد.

    سابعاً: العلاقة بين أربيل وبغداد هل هي شراكة أم انتظار فرصة الاستقلال؟

    منذ مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كانت العلاقة بين الأطراف الفاعلة في ما يسمى بالمعارضة العراقية قائمة على التعاون لتحقيق هدفهم المشترك والمتمثل بإزاحة النظام الحاكم ببغداد والسيطرة على الحكم.

    وقد كانت الساحة الكردية تمثل ملاذًا آمنًا لتلك المعارضة، وآخر الفعاليات المشتركة بينهم تمثلت بانعقاد مؤتمر صلاح الدين للمعارضة بأربيل بحضور أمريكي وإيراني قبيل الاحتلال الأمريكي للعراق بعدة أسابيع.

    وبعد الاحتلال استمرت العلاقة بين حكومة بغداد والكرد على أساس المصالح المشتركة، وقد كان للكرد دور بارز في عراق ما بعد 2003، لكن هذه العلاقة بدأت تظهر على حقيقتها القائمة على المصالح الضيقة، وليس على مصلحة الوطن العراقي الجامع للعرب والكرد وغيرهم.

    والملاحظ أن خطط الزعماء الكرد بعد الاحتلال كانت تسعى (لتحقيق طموحاتهم من خلال الإسهام في قيادة الدولة العراقية، وإحياء الأمل في بناء الدولة الكردية في نطاق الفيدرالية العراقية لتكون اللبنة الأولى في بناء الدولة الكردية المستقلة مستقبلًا. وقد استخدم الكرد وسائل متعددة لتحقيق هذين الهدفين، وأبرزها:

    1. استخدام أسلوب القوة الناعمة في التعامل مع جميع الأطراف وتجنب التصعيد والمواجهات.

    2. ترتيب البيت الداخلي الكردي على جميع المستويات لضمان قدرة الدولة مستقبلًا في التصدي للتهديدات والتحديات والمحن التي تواجهها.

    3. ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية لاتخاذ قرارات في مصلحة الكرد.

    4.تمسكهم بفكرة نائب الرئيس الأمريكي (جوزيف بايدن)الخاصة بالتقسيم الناعم للعراق، والقائمة على أساس حقائق التكوين الديمغرافي)((66)).

    وعلى الرغم من بعض صور التعاون القائمة بين بغداد وأربيل في مرحلة ما بعد الاحتلال، لكن العلاقة بينهما لم تتضح حقيقتها، هل هي علاقة شراكة حقيقة قائمة على مصلحة الوطن، أم هي علاقة تعاون مرحلي، أو مؤقت ستنتهي بعد أن تموت، أو تضعف المعوقات المانعة لانفصال الكرد عن بغداد؟

    والواقع أن من يحاول تناول قضية العلاقة بين الفريقين سيجدها متداخلة، فأحيانًا تكون في صور تعاون، وأخرى تكون في صور خلافات جوهرية.

    وهنا سنحاول تناول أهم هذه الصور، ثم نُقرر حقيقة العلاقة الرابطة بين الفريقين، وذلك على النحو الآتي:

    صور الشراكة

    هنالك بعض صور الشراكة بين أربيل وبغداد، وأهمها:

    1. دخول الكرد كطرف فاعل في العملية السياسية، وحصولهم على امتيازات كبيرة-رغم أوضاعهم الخاصة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي-، ومن أهمها حصولهم على:

    أ. (62) مقعدًا داخل البرلمان العراقي من مجموع (325) مقعدًا، وثلاثة مقاعد كوتا.

    ب. منصب رئيس الجمهورية، إذ صار من حصة الكرد منذ الاحتلال حتى الآن.

    ج. منصب احد نواب رئيس الوزراء، منذ الاحتلال حتى الآن.

    د. منصب نائب رئيس البرلمان العراقي، منذ الاحتلال حتى الآن.

    هـ. وزارة سيادية.

    و. عشرات المناصب العليا الأخرى في عموم وزارات الدولة المدنية والعسكرية.

    2. شارك الكرد في صياغة دستور عام 2005؛ وحصلوا بموجبه على تأكيد لإقامة حكم ذاتي لهم في شمال البلاد، فبات الإقليم شبه مستقل من حينه((67)).

    3. الكرد شركاء في مجالس المحافظات التي بها أقليات كردية وهي ديالى والموصل وصلاح الدين.

    4. مشاركة قوات البيشمركة في أوقات محددة- وبطلب من حكومة بغداد- في الحفاظ على الأمن في بعض المناطق، ومنها مشاركتهم في حماية منطقة الكرادة الحيوية ببغداد وغيرها.

    أهم نقاط الخلاف الجوهرية بين بغداد وأربيل، أو الشراكة غير النقية

    يمكن تحديد بعض الخلافات الجوهرية بين بغداد وأربيل، أو بعض النماذج مما يسميه بعض السياسيين وشركاء العملية السياسية بالاستغلال، أو (الشراكة غير النقية)، أو الانتظار الكردي لفرصة ملائمة للاستقلال بدءًا من مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى الآن، وذلك على النحو الآتي:

    1. المناطق المتنازع عليها

    يُقصد بمصطلح(المناطق المتنازع عليها): المدن والبلدات والقرى الاستراتيجية ذات الأغلبية الكردية المطلقة التي تشكل حدود إقليم كردستان الغربية والجنوبية والشرقية، والتي تقع بمحاذاة مدن وبلدات عربية((68)).

    بعد عام 2003 لم تظهر الخلافات بصورة واضحة بين الكرد والعرب في بغداد، لكنه في نهاية عام 2007 لوحظ أن العلاقة بين الطرفين بدأ يسودها التوتر، وبالتحديد منذ تأجيل تنفيذ المادة (140) من الدستور العراقي نهاية 2007 والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وزادت العلاقة توترًا بعد نقض نوري المالكي اتفاقية أربيل 2010، ثم ازداد التوتر أكثر بعد سيطرة (تنظيم الدولة) على الموصل في يونيو/حزيران 2014 ((69)).

    وفي 22 تموز/يوليو 2008، أقر مجلس النواب العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، الذي يتضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات مدينة كركوك – وهي من أهم المناطق المتنازع عليها- إلى أجل غير مسمى بموافقة (127) نائبًا من أصل (140) حضروا الجلسة((70)).

    وبعد سيطرة (تنظيم الدولة) على الموصل، ثم قيامه بعدها بعمليات كبيرة في مناطق قريبة من بغداد، وجدت الحكومة نفسها في موقف صعب؛ لذلك (عززت وجود القوات الأمنية في مداخل العاصمة؛ وكانت نتيجة التخبّط الحكومي وانسحاب الجيش من المدن صوب بغداد، استغلال الإقليم الكردي الفراغ في كركوك وقيامهم بالسيطرة عليها بعدما أدخلوا قوات البيشمركة الكردية إلى أحياءها بحجة الخوف من توغل المنظمات الإسلامية فيها)((71)).

    وقبل معركة الموصل التي تدور روحاها اليوم لاحظنا أن الكرد رفضوا المشاركة في المعركة إلا بعد ترتيب مرحلة ما بعد الموصل؛ ولهذا عُقد اجتماع مهم ضم كلًا من مسعود البرزاني، وبريت ماكغورك المتحدث باسم الرئيس أوباما، ومستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض وعلى إثره شاركت البيشمركة في معارك شرق الموصل((72)).

    وفي 27 حزيران/يونيو 2014 أكد مسعود البرزاني (أن سيطرة الكرد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها مع بغداد أمر نهائي بعدما اعتبر أن المادة (140) من الدستور الخاصة بهذه المناطق لم يعد لها وجود)((73)).

    وفي آب/أغسطس 2016، قال البرزاني (لقد صبرنا عشر سنوات مع الحكومة الاتحادية لحل مشاكل هذه المناطق وفق المادة (140)، ولكن دون جدوى، لا سبيل أمام كردستان غير الاستقلال)((74) ).

    وبعد معركة الموصل بعدة أسابيع بدأت عمليات تهجير ومضايقات محدودة للعوائل العربية في كركوك. ويقول الكرد (إنهم يعملون ببساطة لإصلاح أخطاء تاريخية ارتكبها قادة العراق المتعاقبون وخاصة صدام حسين. فقد أدت سياسة (التعريب) التي انتهجها في الشمال إلى إزالة قرى كردية ونزوح مئات الآلاف. غير أن آخرين في الحكومة العراقية قالوا إن: الكرد يتسببون في مظالم جديدة ويهيئون الوضع لصراعات مستقبلية، فيما يرى الكرد أن: تدعيم أراضيهم خطوة مهمة على الطريق صوب وضع الدولة المستقلة التي يسعون لإقامتها)((75)).

    وفي خطوة جديدة قرر مجلس محافظة كركوك نهاية آذار/ مارس 2017 رفع علم إقليم كردستان إلى جانب علم العراق على المباني الحكومية وسط مقاطعة العرب والتركمان، وقد لاقت هذه الخطوة غير المدروسة بعناية ردود فعل كبيرة داخل العراق، وكذلك في بعض دول الإقليم ومنها تركيا وايران((76)).

    وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016، اتهم النائب عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي إقليم كردستان(باستغلال انشغال الحكومة بتحرير الموصل لتحقيق مطامع توسعية, وأن تصريح نيجيرفان البرزاني بشأن استقلال إقليم كردستان بعد تحرير الموصل يُعد إجراءًا تمهيديًا لضم (16) وحدة إدارية في الموصل للإقليم، مثل ربيعة وغيرها بذريعة محاربة "داعش")((77)).

    والحلّ الدستوري للأراضي المتنازع عليها بين بغداد وأربيل يكون بالرجوع للدستور،  وبالتحديد للمادة (140) التي(تحيل إلى المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، والتي تنص على مجموعة خطوات تمهّد لاستفتاء سكان الإقليم على مصيرهم. وكان ينبغي أن تطبّق هذه المادة عام 2007، ولكن الخلافات بين أطراف النزاع حالت دون ذلك، واليوم يرى الكرد أن المادة (140) أنجزت، بعد سيطرتهم عليها، ولم يبق سوى أن يقرر سكان هذه المناطق مصيرهم، كما مرّ آنفًا، وهذه الرؤية تعقد القضية أكثر، ولا يمكن اعتبارها أسلوبًا سياسيًا لإنهاء هذه القضية الخطيرة.

    2. عقدة الموازنة المالية

    على الرغم من أن الكثيرين ينظرون لإقليم كردستان على أنه (دولة) داخل الدولة العراقية، إلا أن الإقليم يحصل على حصة مهمة من ميزانية العراق، إذ كانت حصته 13% منذ مرحلة ما بعد الاحتلال. وفي عام 2008، تغيرت حصة الإقليم من الموازنة من 13% إلى 17%؛ لأن برلمان المنتخب سنة 2006 ادخل نسبة 17% للإقليم في موازنة 2008 بناءًا على السلة البرلمانية والتصويت الواحد على ثلاثة قوانين بنعم واحدة، وهي قانون المحافظات، الذي كانت تطالب به كتلة من كتل المكون الشيعي، وقانون العفو العام، الذي كانت تطالب به كتل المكون السني، وقانون الموازنة بنسبة 17%، الذي كانت تطالب به كتله التحالف الكردستاني. وهذه النسبة - كما ذكر أكثر من نائب وخبير قانوني، ومنهم الخبير طارق حرب- لا تتفق ومعيار حصة الإقليم القائمة على عدد المقاعد البرلمانية، وعند اعتماد هذه المعادلة نلاحظ أن حصة الإقليم من الموازنة السنوية ستكون أقل بكثير من نسبة 17%، التي منحت للإقليم منذ موازنة 2008، وأن العدد يتقيد، والحصة تتحدد بعدد النواب الذين يمثلون الإقليم في محافظاتهم فقط، ولا يضاف إلى ذلك عدد النواب الذين ينتسبون إلى التحالف الكردستاني في المحافظات الأخرى كمحافظة نينوى وكركوك وديالى؛ وذلك لأن سكان المحافظات الكردستانيين في هذه المحافظات يكون استحقاقهم من موازنة هذه المحافظات، وليس من موازنة محافظات الإقليم((78)).

    وفي نهاية عام 2016، دعا رئيس كتلة الدعوة النيابية خلف عبد الصمد إلى تخفيض حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية للعام 2017م((79))، والبالغة ما يقارب (95) مليار دولار بسعر احتساب النفط لـ(40) دولارًا، بحسب ما كشف المستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي((80)). وبلغت حصة إقليم كردستان في موازنة عام 2017،(17%، على أن تكون مستحقات الشركات النفطية في الإقليم من ضمنها)((81)).

    وعلى الرغم من إقرار الموازنة بحضور النواب الكرد فإن حكومة الإقليم أعلنت في كانون الأول/ديسمبر 2016 عن رفضها لقانون الموازنة الذي صادق عليه مجلس النواب، وأكدت بأن:(ما جاء ضمن الفقرات المتعلقة بإقليم كردستان من قانون الموازنة العامة لسنة 2017، مؤامرة سياسية خطيرة ضد الإقليم، وفي أفضل الأحوال سيصل مبلغ (496) مليار دينار إلى الإقليم من الحكومة العراقية، في الوقت الذي تصل نفقات الإقليم إلى ترليون، و(352) مليار دينار شهريًا، وأن إجراء محاسبة ومقارنة بسيطة بين الأرقام كاف لنعلم بأن القانون قد أعد ضد كردستان ولا يستند إلى أي أسس صحيحة، ولا تصل الحصة المخصصة للإقليم بأي شكل من الأشكال إلى ما يحققه الإقليم عبر بيع نفطه وإيراداته المحلية الأخرى، أما القول بأن التزام حكومة الإقليم بالقانون، وتسليم نفطه لبغداد، سيؤدي إلى قيام الحكومة الاتحادية العراقية بدفع رواتب موظفيه، فذلك كذب)((82)).

    وأرى أن الخروج من هذه العقدة، والمرتبطة بنسبة كل محافظة من محافظات العراق،– بما فيها محافظات الإقليم- يتطلب إجراء تعداد سكاني؛ لأن النسب اليوم غير دقيقة بسبب عدم وجود إحصاء سكاني منذ عام  1997 يحدد حصة كل محافظة وفقًا لعدد السكان، وكذلك اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، حيث أشارت المادة (93):(تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: ثانيًا:ـ تفسير نصوص الدستور. رابعًا:ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم)((83)).

    3. بيع الإقليم للنفط دون موافقة بغداد

    ما يزال الإقليم- شأنه شأن بقية أجزاء العراق- يعتمد في إيراداته على الصادرات النفطية بشكل شبه كامل. وتذهب التقديرات إلى أن الإقليم يصدر يوميًا (600) إلى (700) ألف برميل عبر ميناء جيهان التركي، والحكومة العراقية تعتبر مبيعات الإقليم من النفط غير شرعية كونها لا تتم تحت إشرافها((84)).

    واحتجاجًا على سياسة أربيل النفطية الجديدة غير المرتبطة بالحكومة المركزية، توقفت بغداد عن تقديم حصة الميزانية المخصصة لأربيل، مما خلق أزمة مالية في القطاع العام التابع لحكومة الإقليم خلال العامين 2015 و2016م((85)).

    وكان وزير الثروات لإقليم كردستان آشتي هورامي قد أكد أن (عائدات بيع النفط من الإقليم بشكل مباشر ودون العودة لبغداد تعادل ثلاثة أضعاف ما خصصه قانون الموازنة العراقي للإقليم من حصة مالية، وأن استمرار الإقليم ببيع نفطه بشكل مستقل أفضل من الالتزام بقانون الموازنة)((86)).

    وأعتقد أن الحل الأمثل لهذه القضية يكون بالعودة للدستور العراقي، الذي أكد بحسب المادة (111): (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات)((87))، وأيضًا اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، كما مرّ آنفًا في الفقرة السابقة((88)).

    4. موازنة البيشمركة

    تُعد قضية رواتب قوات البيشمركة الكردية واحدة من المشاكل المتجددة بين بغداد وأربيل، إلا أنها في موازنة 2017 كانت حاضرة وبقوة، وذلك بعد مشاركة قوات البيشمركة في معارك الموصل المستمرة الآن.

    وفي بداية كانون الأول/ديسمبر 2016، هدد الكرد بعدم استمرارهم في معركة الموصل إن لم يتم حسم ملف رواتب البيشمركة، وأكد مستشار مجلس أمن الإقليم مسرور البرزاني، أن(دور قوات البيشمركة في معركة استعادة الموصل مهم جدًا، وأن أفراد البيشمركة إذا لم يتم دفع رواتبهم فاعتقد أن هذا سيؤدي إلى عدم تأدية والواجبات المناطة بهم بالشكل المطلوب) ((89)).

    وكان رئيس كتلة الدعوة النيابية علي الأديب أكد أن (حرس الإقليم ووفق الدستور لا يأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة، بل بأمرة القائد المحلي لرئاسة الإقليم؛ لذلك لا يمكنهم الحصول على مخصصات وزارة الدفاع الاتحادية لأن نسبة الكرد الـ 17 % من الموازنة تندرج ضمنها رواتب البيشمركة)((90)).

    وفي نهاية 2016، صوت مجلس النواب على المادة (٩) – تعديل فقرة خامسًا والمتعلقة بتخصيص نسبة من تخصيصات وزارة الدفاع إلى البيشمركة باعتبارها جزء من المنظومة العراقية بما يضمن رواتب البيشمركة وبالتنسيق بين القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة البيشمركة)((91)).

    وعلى الرغم من أن هذه المنظومة لا تأخذ أوامرها من حكومة بغداد، لكن أرى أن الحل يكون بالرجوع إلى المادتين (111)، و(93) من الدستور العراقي لإنهاء هذه الإشكالية بين الفريقين، وبحسب ما تقدم آنفًا.

    5. واردات المنافذ الحدودية

    تُعد المنافذ الحدودية من الموارد المهمة للميزانية في العراق، وهنالك في إقليم كردستان العديد من المنافذ المهمة التي تربط العراق بإيران وتركيا، ومنها معابر باشماخ، وإبراهيم الخليل، وحاج اومران، وبرويزخان، التي لا تعود وارداتها لخزينة الحكومة المركزية ببغداد.

    وحسب إحصاءات رسمية فان (المنافذ الحدودية البرية التي تربط إقليم كردستان بتركيا وإيران تؤمن نحو (100) مليون دولار شهريًا لحكومة الإقليم)((92)).

    وفي نهاية عام 2016، قال النائب عن دولة القانون، عباس البياتي إن (الموازنة ووفق الدستور تعتمد على الموارد النفطية والمنافذ الحدودية ضمن الحسابات الختامية، وإن كردستان لم تعط الحكومة الاتحادية أي شيء من واردات المنافذ الحدودية)((93)).

    وأظن أن الحل لهذه المسألة بين الفريقين يكون بالرجوع إلى المادتين (111)، و(93) من الدستور العراقي، وبحسب ما تقدم آنفًا.

    6. المطالبة بتعويضات عن النظام السابق

    الخلافات بين بغداد وأربيل لم تتوقف عند المرحلة الحالية، بل تعدت ذلك إلى مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي نهاية عام 2013 طالبت حكومة الإقليم الحكومة الاتحادية ببغداد بدفع أكثر من (384) مليار دولار كتعويضات للخسائر التي لحقت بالإقليم نتيجة سياسات النظام السابق. وقال وزير شؤون الشهداء و المؤنفلين في حكومة الإقليم آرام أحمد إن(السياسات التي مارسها النظام المباد خلال السنين الماضية خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، ناهيك عن الأضرار النفسية والبيئية التي لحقت بالشعب الكردي؛ وكون الحكومة الاتحادية الحالية وريثة النظام السابق فعليها تعويض هذه الأضرار)((94)).

    وفي المقابل انتقد سامي العسكري النائب عن ائتلاف رئيس الوزراء – حينها- نوري المالكي مطالبة الإقليم بدفع التعويضات للخسائر قائلًا: إن (الدولة العراقية غير مسؤولة عن ممارسات صدام، ونعتقد أن هذا الطرح يأتي متزامنًا مع الموازنة المالية، وأصبحت هذه المطالب ذات السقوف العالية من اجل تحصيل أشياء أخرى مثل موازنة قوات البيشمركة، والإبقاء على نسبة 17% من الموازنة كحصة الإقليم)(()).

    وأتصور أن هذه القضية ليست منطقية ولا قانونية لأن حكومة بغداد التي جاءت بعد 2003، كانت جزءًا من المنظومة المعارضة لحكومة العراق قبل 2003، فكيف تطالبها حكومة الإقليم بتعويضات عن مرحلة ما قبل الاحتلال، وفي كل الأحوال يمكن اللجوء للمحكمة الاتحادية المختصة بالفصل في الخلافات بين الحكومة المركزية والأقاليم، بحسب المادة (93) من الدستور العراقي المذكورة آنفًا.

    ومن خلال ما مرّ استعراضه من تصريحات المسؤولين لكلا الطرفين يتضح لنا أن غالبية شركاء العملية السياسية ينظرون للمواقف الكردية على أنها استغلال لظروف غير صحية يمر بها العراق، وهذا مؤشر خطير، ويؤكد فرضية أن العلاقات بين الفريقين غير دائمة، وإنما هي مرحلية تنتهي بانتهاء الظروف المانعة لاستقلال الكرد، أو إعلان دولتهم.

    ثامناً: مستقبل العراق في ضوء العلاقات العربية الكردية

    في ضوء ما تقدم نلاحظ أن الكرد مقتنعون بضرورة الاستقلال لكن يبدو أن الظروف الداخلية والخارجية لم توفر لهم الأرضية  الصالحة لهذا الإعلان.

    إذن - وفي ظل اقتناع الكرد بعدم وجود أرضية صالحة لإعلان دولتهم- فان ذلك يدفعهم للتعايش المرحلي، أو المؤقت مع الحكومة المركزية في بغداد.

    وفي كل الأحوال فإنه (إذا لم تبق الثقة المتبادلة بين بغداد والكرد فإن الشعب الكردي يصل إلى قناعة باستحالة العيش وحينذاك لا مفر من إعلان الاستقلال، لكن الشعب الكردي اختار العيش مع العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي الموحد، بشرط أن يتمتع الشعب الكردي بحقوقه العادلة، وبدون هذه الحقوق لن تبقى وسيلة إلا أن يتركوا العراق العربي، ليؤسسوا دولة مستقلة على أرض وطنهم إقليم كردستان)((96)).

    ورغم بقاء حالة التعايش (المرحلي) بين الفريقين إلا أننا نلاحظ أن الكرد حققوا الكثير من الخطوات المشجعة لانفصالهم، ومن أبرزها:

    1. بناء مؤسسات الدولة المستقلة المتمثلة في حكومة الإقليم ووزارته وبرلمانه المنتخب ودستوره وجيشه المكون من "البيشمركة".

    2. سعي الكرد لتحديد حدود إقليمهم متضمنة كركوك بوصفها الركيزة الاقتصادية لمتطلبات الدولة مستقبلًا.

    3. إصدار دستور لإقليم كردستان وإقراره في حزيران 2009، الذي يحتوي على الأسس والركائز التي تحقق أمل الكرد في إقامة دولتهم المستقلة.

    4. محاولة الكرد الوصول بإقليمهم إلى مستوى مشابه لاستقلال الدولة العراقية نفسها بهدف تحقيق انفصالهم، فمثلًا إن الشأن الكردي غير مسموح مناقشته في البرلمان العراقي خاصة الدستور الكردي، ولا يحق للحكومة المركزية إصدار قرارات بشأن الإقليم ولا تصديق قرارات الحكومة الكردية.

    5.  تأسيس دائرة للعلاقات الخارجية خاصة بإقليم كردستان، وقد تم فتح أكثر من (14) ممثلية للإقليم في دول العالم المختلفة، وأكثر من(14) ممثلية لدول أجنبية في الإقليم، ومكاتب دائمة وممثلين لبعض المنظمات الدولية.

    6. إبرام كثير من الاتفاقات الدولية التجارية والنفطية، وتبادل الزيارات الخارجية مع عدد كبير من الدول، والمشاركة في المؤتمرات والمنتديات الدولية واستضافتها((97)).

    المشكلة في العراق اليوم هي:(أن بعض دعاة الفدرالية لا يريدون إقامة حكومة فيدرالية، كما هو حال الحكومات الفدرالية الموجودة في العالم، وإنما إقامة حكومة اتحادية خاضعة لحكومات الأقاليم ومشلولة الإرادة تجاههم، وهذا خطأ جسيم من جانبين:

    - الأول: مخالفتها للأصول الدستورية المتعارف عليها في الدول الفدرالية.

    - الثاني: البيئة الإقليمية للعراق تقتضي وجود حكومة قوية تتخذ إجراءات حازمة في حماية الأمن والوحدة الوطنيين، ومن بينها حقها في دخول أي من الأقاليم المكونة للاتحاد بالقوة عند الضرورة، دون أن يكون في ذلك مخالفة للأصول الدستورية المتعارف عليها في الدول الفدرالية)((98)).

    أخيرًا فالعراق بلد التنوع والتعدد والثقافات المختلفة. ورغم جميع المحاولات لبناء شراكة سياسية دائمة إلا أنها لم تتعد حيز الشعارات والإعلام بسبب عدم الجدية في المحاولة، ورجحان مفهوم المحاصصة الحزبية بصبغة طائفية على جميع المفاهيم، والذي أدى إلى عدم وجود شراكة سياسية حقيقية في العراق((99)). وفي كل الأحوال فإن القيادة الكردية تسعى للانفصال بعد توفر الظروف الموضوعية لذلك، وانتهاء الخلافات الكردية - الكردية، وكل هذه العقبات لا يمكن أن تذوب بسهولة((100)).

    ويتضح من مجمل ما تقدم أن البلاد مهددة بالتقسيم سواء بوجود تطلعات المكون الكردي بالانفصال، أو نتيجة طبيعة الأحزاب والقيادات الحاكمة التي أسهمت بشكل مباشر في تقسيم بنية المجتمع، ونهب الثروات، وتأجيج الصراع وإصدارها التشريعات التي تخدم مصالحها الضيقة((101)).

    وهكذا نلاحظ استمرار حالة الغموض في العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث لا يمكننا الجزم بوجود شراكة حقيقية بينهما، وذلك بسبب جدية الطرف الكردي في الانفصال، وعدم نجاح الحكومات المركزية ببغداد باستيعاب الحالة الكردية الخاصة داخل إطار الدولة العراقية، ذات الأغلبية العربية.

    وبناءًا على ذلك أظن أن العلاقة بين العرب والكرد ستبقى في حالة مد وجزر إلى أن تتوفر الظروف الموضوعية لتحقيق الحلم الكردي بإعلان دولتهم القومية.

    خاتمة:

    من خلال القراءة التاريخية للعلاقات بين الحكومات التي تناوبت على حكم العراق والكرد، ومن خلال ما مرّ استعراضه من توجهات سياسية وتصريحات المسؤولين من جميع الأطراف السياسية في العراق بعد احتلاله من قبل أمريكا يمكننا أن نلخص ما توصلنا إليه من نتائج بما يلي:-

    1. نشأت عند الكرد في أوائل القرن العشرين الميلادي فكرة القومية الكردية؛ وتسمية شمال العراق بكردستان العراق ترجع إلى القرن السابع عشر، ويقدر عدد سكان إقليم كردستان العراق بأكثر من (5.2) مليون نسمة في محافظات الإقليم الأربع أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة.

    2. أول دولة كردية تأسست هي جمهورية مهاباد في إيران عام ١٩٤٦ إلا أنها سقطت سريعًا.

    3. سياسيًا، الكرد في العراق منقسمون إلى حزبين سياسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الكردستاني، واليوم أضيف لهما حركة التغيير.

    4. شهدت العلاقات العربية (العراقية)– الكردية تطورات كبيرة منذ بدايات القرن الماضي، وبقيت علاقات الطرفين قائمة على الاقتتال منذ عام 1932 إلى تسعينيات القرن الماضي، ثم بعدها شارك الكرد في الحملة الأمريكية لاحتلال العراق عام 2003.

    5. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لم يتوقف الساسة الكرد عن دعواتهم بالدولة الكردية.

    6. حصل الكرد في العراق على امتيازات كبيرة داخل العملية السياسية بعد عام 2003، ومنها حصولهم على (62) مقعدًا داخل البرلمان العراقي، وعلى مناصب مهمة منها: منصب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس البرلمان، ووزارة سيادية واحدة، وعشرات المناصب العليا الأخرى في عموم وزارات الدولة.

    7. شارك الكرد في دستور عام 2005 وحصلوا بموجبه على تأكيد لإقامة حكم ذاتي.

    8. الكرد شركاء في مجالس المحافظات التي بها أقليات كردية وهي ديالى والموصل وصلاح الدين.

    9. وجود كثير من المشاكل الآن بين بغداد وأربيل منها: المناطق المتنازع عليها وحصتهم من الموازنة المالية، وبيع النفط دون موافقة بغداد، وموازنة البيشمركة، وواردات المنافذ الحدودية، ومطالبة الكرد بتعويضات عن مرحلة النظام السابق.

    10. الحل لجميع المسائل العالقة بين بغداد وأربيل يكون بالرجوع إلى المادتين (111) و(93)من الدستور العراقي.

    11. الكرد مقتنعون بصعوبة إعلان دولتهم في العراق لممانعة اغلب دول الجوار العراقي إن لم يكن جميعها، إضافة إلى  المشاكل الكردية – الكردية، وكذلك لوجود مشاكل اقتصادية وغيرها.

    12. يتضح مما سبق أنه لا يمكن القول: إن العلاقة بين بغداد وأربيل هي علاقة دائمة، وإنما هي علاقة مرحلية، ستنتهي بمجرد توفّر الظروف الموضوعية لإعلان الدولة الكردية.

    - المقترحات:

    من خلال ما مرّ تناوله في بحثنا هذا بدت لنا بعض الاقتراحات التي نرى ضرورة تطبيقها؛ من أجل الوصول إلى نتائج أكثر دقة وموضوعية، وهي:

    1. إجراء ورشة عمل لكل جزئية من جزئيات المشاكل بين الكرد والحكومة العراقية، ومنها على سبيل المثال: الموازنة، والمنافذ الحدودية، وهكذا.

    2. ورشة عمل تدرس قضية مفهوم الفيدرالية، هل هو دولة مستقلة تمامًا داخل الدولة الأم، أم هي جزء منها؟

    3. ضرورة توجيه دعوات رسمية للأطراف في حكومتي بغداد وأربيل للمشاركة في أي حوارات تتعلق بالطرفين وذلك لحساسيتها، وضرورة الاستماع لرأي للأطراف ذات العلاقة لبيان وجهات نظرهم ((102)).

    -----------------------

    الهامش

    (1) لقد أثبتت الدراسات والبحوث الانثرلوبولجية والأثنولوجية بالأدلة القاطعة أن الكرد من أصل آري). أنظر: تاج الدين، أحمد، الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن، (القاهرة، الدار الثقافية للنشر، ط1، 2001)، ص: 15. والآريون (Aryans ): (تسمية أطلقت في القرن التاسع عشر على مجموعة من الشعوب الناطقة باللغات الهندية - الأوربية, لوجود قرابة بين تلك اللغات. ومصطلح «آري» Aryan يستخدم للدلالة خاصة على الفرع الشرقي, أي الهندي - الإِيراني من أسرة اللغات الهندية - الأوربية, وهو مصطلح لغوي, ولا يتضمن بالضرورة خصائص إِثنية أو عرقية أو ثقافية أو قومية محددة).أنظر: الآريون الموسوعة العربية، الرابط

    (2) الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، نقلا عن: موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، 12/12.

    (3) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الأولى - الرابط

    (4) الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، مصدر سابق، 12/12.

    (5) أنظر: محمود رزوق أحمد، الحركة الكردية في العراق، دور البرزانيين في طريق الحكم الذاتي، 1918-1968، (الأردن، عمان، دار المعتز، ط1، 2014)، ص: 20، أنظر كذلك: الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، مصدر سابق، 12/12.

    (6) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الأولى، مجلة تحولات، مصدر سابق.

    (7) في (31 كانون الأول 2013)، وافق مجلس الوزراء العراقي على طلب حكومة الإقليم بجعل قضاء حلبجة محافظة جديدة في الإقليم والعراق. أنظر: وكالة باسنيوز، الرابط

    (8) الموقع الرسمي لحكومة إقليم كردستان، الرابط

    (9) أنظر: البي بي سي، من هم الكرد، الرابط

    (10) مسعود عبد الخالق، الحركات الإسلامية في كردستان، مجموعة باحثين، مركز المسبار للدراسات والبحوث،(الإمارات العربية المتحدة، ط2، شباط 2011)، ص: 47، / أنظر أيضًا: شخصيات كردية، الجزيرة نت.

    (11) شبكة رووداو الإعلامية، الرابط

    (12) جالياند، جيرارد، شعب بدون وطن، الكرد وكردستان، ترجمة: عبد السلام النقشبندي، (العراق، أربيل، إقليم كردستان، دار اراس، ط1، 2012)، ص: 287.

    (13) هادي حسن عليوي، الدولة الكردية، وتقسيم العراق، كتابات.

    (14)نيكيتين، باسيلي، الكرد: دراسة سوسيولوجية وتاريخية، ترجمة: نوري طالباني، مكتب الفكر والتوعية، الاتحاد الوطني الكردستاني،(العراق، السليمانية، ط3، 2007)، ص: 336.

    (15) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الثانية، المصدر السابق.

    (16) البي بي سي، من هم الكرد؟، مصدر سابق.

    (17) شخصيات كردية، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (18) أنظر: البي بي سي، من هم الكرد؟، مصدر سابق.

    (19) المصدر سابق.

    (20) لقاء مكي، الدولة الكردية هل من فرصة، الجزيرة نت

    (21) جوردي تيجيل، كيف تبدّدت فرصة إنشاء الدولة الكرديّة في 1920؟ صحيفة الحياة اللندنية نقلًا عن«ليستوار» الفرنسية، وتيجيل أستاذ – باحث في كلية التاريخ الدولي في معهد الدراسات العليا الدولية والتنموية في جنيف.

    (22) فرزند شيركو، معهد واشنطن، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟

    (23) أنظر: موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني.

    (24) البي بي سي، من هم الكرد، مصدر سابق.

    (25) موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني، مصدر سابق.

    (26) أنظر: أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم - الحلقة الثانية، مصدر سابق.

    (27) عبد العظيم محمود حنفي، سيناريوهات ثلاث.. الموقف التركي من دولة الكرد، معهد العربية للدراسات.

    (28) الجزيرة نت، كردستان العراق. هل تقرير المصير ممكن؟

    (29) أنظر: شخصيات كردية، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (30) كردستان 24

    (31) فضائية الشرقية العراقية، لا ثقة بين الكرد وبغداد، الرابط

    (32) أنظر: عبد الغني علي يحيى، هل إن الأوان لإعلان استقلال كردستان؟ ميدل ايست أونلاين، http: //www.middle-east-online.com/?id=174588

    (33) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (34) أنظر: موسوعة المقاتل، الكرد في ظل حكم البعث العراقي، الرابط

    (35) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (37) أنظر: موسوعة المقاتل، الكرد في ظل حكم البعث العراقي، مصدر سابق.

    (37) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (38) وهذا الحديث منقول من مذكرات مكرم الطالباني، والطالباني عمل كوسيط بين حكومة بغداد والكرد لإنهاء الخلافات قبل الاحتلال، كما ذكر جريدة آوينة، العدد: (145).

    (39) أنظر: مكرم طالباني يروي أسرار وساطته بين صدام والطالباني والبارازاني.جريدة آوينة، موقع الحقيقة في العراق، الرابط. وهذا الحديث منقول من مذكرات مكرم الطالباني، والطالباني عمل كوسيط بين حكومة بغداد والكرد لإنهاء الخلافات قبل الاحتلال، كما ذكر جريدة آوينة، العدد: (145).

    (40) صحيفة الصباح الجديد العراقية، بارزاني: آن الأوان لكي يحدد الكرد هويتهم، الرابط

    (41)  صوت كردستان، دولة القانون : لو كان الأمر بيدنا لأعلنا انفصال العراق من إقليم كردستان، الرابط

    (42) يكيتي ميديا/ المركز الإعلامي لحزب يكيتي بسوريا

    (43) شبكة رووداو، وفد من إقليم كردستان يزور بغداد حاملًا معه ملف الاستقلال، الرابط

    (44) أنظر: خورشيد دلي، الجزيرة نت، الدولة الكردية من وحي الربيع العربي.

    (45) أحمد الزاويتي، استقلال كردستان.. إصرار البارزاني وعدم اتفاق كردي، الجزيرة نت

    (46) يريفان سعيد، من المسؤول عن غياب الدولة الكردية بعد سايكس بيكو؟ معهد واشنطن، الرابط

    (47) أنظر: لقاء مكي، الدولة الكردية، هل من فرصة، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (48) جريدة الديار اللبنانية، أهم دولة ستكون الدولة الكردية.

    (49) أنظر: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس إسرائيلي، صحيفة القدس العربي، الرابط

    (50) دوف فريدمان، الوقت ليس ملائمًا لنشهد تأسيس كردستان المستقلة، فورن بوليسي، ترجمة وتحرير نون بوست الرابط

    (51) فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، مصدر سابق.

    (52) لقاء مكي، الدولة الكردية هل من فرصة، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (53) قناة السومرية، البارزاني: استقلال كردستان لن يتم دون الاتفاق مع بغداد.

    (54) موقع حكومة إقليم كردستان، التاريخ الكردي وكردستان، الرابط

    (55) أنظر: سونر چاغاپتاي، جينز إسلاميك آفيرز آناليست، (الربيع العربي) يُشعل القضية الكردية، معهد واشنطن.

    (56)حسن عباس، الحلم المستحيل، رصيف 22/ استقلال كردستان، الرابط

    (57) أنظر: موقع كتابات،  نجل بارزاني: من الآن وصاعدا نحن لسنا مواطنين عراقيين، الرابط

    (58) أنظر: صحيفة الديار اللبنانية، أهم دولة ستكون الدولة الكردية، مصدر سابق.

    (59) شبكة أخبار العراق، استقلال كردستان سيؤدي إلى موجة عنف جديدة في المنطقة الرابط

    (61) وكالة رووداو الكردية، محمد حاج محمود: وفد مجلس الشيوخ الأمريكي كان أكثر منا حماسًا لإعلان استقلال كردستان ،الرابط

    ()حسن عباس، رصيف 22/ استقلال كردستان، الحلم المستحيل، مصدر سابق.

    (62) صحيفة العرب القطرية، أردوغان: لن نسمح أبدًا بدولة كردية في سوريا، الرابط

    (63) عبد العظيم محمود حنفي، سيناريوهات ثلاث.. الموقف التركي من دولة الكرد، العربية نت ، معهد العربية للدراسات، مصدر سابق.

    (64) أنظر: رندة تقي الدين، هل أصبح إعلان الدولة الكردية وشيكًا؟ المركز العربي للبحوث والدراسات، الرابط

    (65) يريفان سعيد مستقبل «إقليم كردستان» ما بين الوحدة و(البلقنة)، معهد واشنطن، الرابط

    (66) ابتسام العامري، الكرد واستراتيجية بناء الدولة في العراق بعد الاحتلال، مركز العراق للدراسات، جامعة بغداد/ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. الرابط

    (67) أنظر: مجلة المسيرة في 30 حزيران 2014 (العدد رقم: 1463).

    (68) كفاح محمود كريم، المناطق المتنازع عليها في العراق، شبكة رووداو الإعلامية، الرابط

    (69) أنظر: رصيف 22، استقلال كردستان، الحلم المستحيل، حسن عباس، مصدر سابق.

    (70) أنظر: راديو سوا، البرلمان يقر قانون انتخابات مجالس المحافظات، الرابط

    (71) أنظر: مجلة المسيرة، (العدد رقم: 1463)، مصدر سابق.

    (72) قناة روسيا اليوم، ما سر الخلاف بين بغداد وأربيل؟ الرابط

    (73) صحيفة القدس العربي، البرزاني يؤكد أن سيطرة الكرد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها أمر نهائي ، الرابط

    (74) أحمد الزاويتي، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (75) ايزابيل كولز وستيفن كالين، رويترز، في الحرب على الدولة الإسلامية.. الكرد يوسعون نطاق سيطرتهم، وكالة رويترز، الرابط

    (76) صحيفة رأي اليوم، أكراد كركوك يرفعون علم كردستنا على المباني الرسمية، الرابط

    (77) وكالة كنوز ميديا، نائب يتهم كردستان باستغلال انشغال الحكومة بمعركة الموصل لتحقيق (مطامع توسعية ( ، الرابط

    (78) أنظر: طارق حرب، مقاعد الإقليم تحدد حصته في الموازنة، جريدة الزمان، الرابط

    (79) وكالة دواڕۆژ الكردية، كتلة نيابية تدعو لتخفيض نسبة كردستان من الموازنة، الرابط

    (80) مؤيد الكناني، صحيفة المدى العراقية، العدد(3766) الرابط

    (81) وكالة الفرات نيوز، نائبة كردية: تخصيصات الإقليم في موازنة 2017 حبر على ورق، الرابط

    (82) صحيفة العربي الجديد، إقليم كردستان: قانون الموازنة العراقي (مؤامرة)، الرابط

    (83) نص الدستور العراقي، الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء العراقية، الرابط

    (84) وكالة DW ، كردستان العراق - من الازدهار إلى حافة الإفلاس!، الرابط

    (85) فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، مصدر سابق.

    (86) صحيفة العربي الجديد، إقليم كردستان: قانون الموازنة العراقي (مؤامرة ( ، مصدر سابق.

    (87) نص الدستور العراقي، الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء العراقية، مصدر سابق.

    (88) المصدر السابق.

    (89) وكالة سكاي برس، البرزاني يفجرها: إذا لم تدفع بغداد رواتب البيشمركة فلن يؤدوا واجباتهم المناطة لهم، الرابط

    (90) المصدر السابق.

    (91) وكالة الفرات نيوز، نائبة كردية: تخصيصات الإقليم في موازنة 2017 حبر على ورق، مصدر سابق.

    (92) صحيفة العربي الجديد، إغلاق تركيا لمعبر حدودي يزيد متاعب كردستان العراق، الرابط.(93) قناة الاتجاه، موازنة 2017 خضعت للابتزاز السياسي، الرابط

    (94) وكالة أنباء براثا، تعويضات كردستان، الرابط

    (95) صحيفة الأخبار، ائتلاف المالكي: مطالبة الإقليم بدفع تعويضات عن سياسات صدام مرفوضة. ، الرابط

    (96) خالد يونس خالد، القضية الكردية ومشاكل العراق الإقليمية والدولية، موقع باهور، الرابط

    (97) ابتسام العامري، الكرد واستراتيجية بناء الدولة في العراق بعد الاحتلال، مركز العراق للدراسات، جامعة بغداد/ مصدر سابق.

    (98) خالد عليوي العرداوي، الفيتو الكردي على قرارات الحكومة الاتحادية، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الرابط

    (99) احمد جويد، الشراكة السياسيةـ شبكة النبأ المعلوماتية، الرابط

    (100) أنظر: الزيباري، عبد الكريم يحيى، سؤال الهوية الكردية، (لبنان، بيروت، دار الفارابي، ط1، 2012)، ص: 12- 14.

    (101) مؤيد الونداوي، قراءة في التجربة العراقية في الشراكة السياسية، مركز دراسات الشرق الأوسط، الرابط

    (102) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية".

  • مضيق هرمز في العقيدة الأمنية العمانية......محمد بن سعيد الفطيسي

    "أيها المواطنون لا شك انكم سمعتم الكثير عما قيل بشأن اهمية مضيق هرمز الذي هو جزء من مياهنا الاقليمية...... لذلك فإن عمان تعهدت بالدفاع عن حق جميع السفن المسالمة بالمرور عبر هذا المضيق وهذا واجب علينا وفقا للقانون الدولي.... فاذا تعرض المضيق للخطر فإننا في عمان لن نتردد في الدفاع عن سيادتنا الوطنية وسلامة الملاحة الدولية". من خطاب السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني التاسع بتاريخ 18 / 11 / 1979م.

    يعد مضيق هرمز نقطة ارتكاز وعبور لمصالح الكثير من القوى الاقليمية والدولية، وتختلف أهمية المضيق بحسب النظرة الجيوسياسية والجيواستراتيجية إليه من قبل تلك الدول، ما بين اعتباره (الحد الشرقي للوطن العربي والمجال الحيوي للاستيراد والتصدير والمنفذ الوحيد للخليج العربي، وهو بالنسبة لإيران يمثل حدودها الجنوبية وخاصرتها الامنية والاقتصادية. كما يراه الاتحاد السوفيتي السابق، المجال الأمني لحدوده الجنوبية وحلقة وصل للدول المطلة على الخليج العربي، أما بالنسبة للدول الاخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية واليابان فللمضيق أهمية اقتصادية عظمى لكونه أكبر منطقة منتجة ومخزنة للطاقة (1).

    ويقع المضيق بين إيران من الشمال الشرقي وسلطنة عمان من الجنوب. ويربط الخليج العربي بخليج عمان، وبالنسبة لسلطنة عمان فإن مضيق هرمز يعد جزء لا يتجزأ من أمنها القومي وامتداد لسيادتها الوطنية، حيث يعد من الناحية الاستراتيجية والأمنية (مضيقا عمانيا يستخدم للملاحة الدولية وينطبق عليه حق المرور العابر وحق المرور البريء الوارد في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار في المادة 36 لعام 1982م، وباستثناء حق المرور العابر فان المضيق يخضع كليا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العمانية نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الاقليمية العمانية بحيث تمارس السلطنة عليه سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها والقاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات، غير ان ممارسة هذه السيادة يجب ان لا تمس بحقوق الدول الاجنبية في المرور العابر. وفي هذا السياق وقعت سلطنة عمان وإيران بلاغا مشتركا في مارس 1974 للتعاون المشترك من أجل الاستقرار وسلامة الملاحة عرف باسم الدوريات المشتركة، واتفاقيات تحديد الجرف القاري في يوليو من العام 1974م).

    لذا كانت وجهة النظر السلطانية واضحة وصريحة منذ بداية قيام الدولة العمانية الحديثة في 23 يوليو من العام 1970م تجاه أمن وسلامة واستقرار منطقة الخليج العربي ككل ومضيق هرمز بوجه خاص، وذلك انطلاقا من نظرة شاملة للأمن القومي العربي الاستراتيجي من جهة ونظرة متوازنة بين الحقوق السيادية العمانية والمصالح الإقليمية والدولية من جهة اخرى، وهو ما أكده جلالته في العديد من الخطابات السلطانية واللقاءات الاعلامية والصحفية.

    ويعد اللقاء الصحفي للسلطان قابوس بن سعيد مع مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م اللقاء الابرز والأهم والأول من نوعه الذي تطرق فيه صراحة إلى هذه المسألة الغاية في الأهمية الاستراتيجية من الناحيتين السياسية والأمنية الوطنية والإقليمية والدولية، فقد أجاب حول سؤال وجه إليه بخصوص وجود اتفاق عماني – ايراني لتفتيش السفن التي تمر عبر مضيق هرمز في وقتها أو أنه أصبح لإيران وجود في المضيق، قائلاً: (نحن نعتبر أن مضيق هرمز ممر مائي دولي، ولا نقبل بأي وجود أجنبي فيه) ( 2)

    وإذا كانت هذه النظرة السلطانية لأهمية هذه القضية، أي قضية الامن والاستقرار في منطقة "الخليج العربي / ومضيق هرمز" قد انطلقت مع بواكير عهد السلطان قابوس بن سعيد، وفي ذلك دلالة الأهمية الاستراتيجية والسيادية الوطنية لهذا الجزء من العالم الجيوسياسي.

    وقد كان للصراع الايراني العراقي في العام 1980م الدور البالغ والمحفز الاكبر لرفع الوعي الوطني الحاضر أصلا من جهة، والوعي الاقليمي والدولي من جهة اخرى تجاه اهمية وحساسية هذا المضيق، نظرا للمخاطر المرتفعة التي يمكن ان تنتج عن اي اغلاق أو تضييق أو تحرك غير سلمي فيه، وهو ما لم يستبعد ابدا في الرؤية السلطانية رغم صعوبة ذلك، وهو ما أكده قابوس في عام 1982م بقوله (لا أعتقد أن المضيق يمكن أن يغلق بسهولة، ولكن في المقابل ليس من المستحيل على أي كان أن يجعل هذا المضيق عرضة للخطر، وأبسط شيء مثلا القيام بزرع ألغام في المضيق، أو حتى مجرد اشاعة من هذا القبيل ستؤدي الى تعطيل مرور السفن. لا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه السهولة، ولكن لابد من حساب كل الاحتمالات).

    على ضوء ذلك اعتبرت عمان نفسها بوابة لأمن واستقرار الجزيرة العربية، وتحملت نتيجة ذلك العديد من التحديات، وهو ما أكده قابوس بقوله (لذا فانه إذا ادت حالة عدم الاستقرار الراهنة في الشرق الاوسط -ارهاصات ومقدمات عدم الاستقرار التي سادت المنطقة قبل الحرب العراقية الايرانية بشهور – إلى عرقلة أو وقف امدادات النفط عبر هذا المضيق فان النتائج التي قد تنجم عن ذلك ستكون خطيرة.... ونحن نرى ان جميع الدول التي تستفيد من الملاحة في هذا المضيق سواء اكانت الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط تقع عليها مسؤولية المساهمة في حماية هذا الممر المائي الحيوي ضد خطر الاعمال الارهابية أو اي شكل اخر من العدوان )، كما أشار لهذه المخاوف الاستراتيجية في لقاء مع مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981م بقوله: (إننا بوابة الجزيرة العربية وطريق النفط وتستطيع أية طائرة في القرن الافريقي أو في كابول أو في طشقند ان تطير الى مسافة 450 ميلا بحمولة من الالغام البحرية في مضيق هرمز فيقفل المضيق ويختنق شريان الغرب الاقتصادي) ().

    لذا برز المشروع العماني في العام 1979، والذي يقترح الحصول على كاسحات ألغام وقوارب خفر ساحلية وطائرات استطلاع ومعدات اكتشاف الكترونية ( 4). واقترحت السلطنة هذا المشروع الذي لم تكن تستفيد منه بشكل مباشر، إضافة إلى تحملها عبء الحماية والصيانة، بأن يتم تمويله من قبل دول الخليج العربية والدول الغربية بوصفها أطرافا ذات مصلحة، إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح بسبب معارضة بعض الدول الخليجية بحجة انه يمهد للتدخل الاجنبي في المنطقة، أو بأنه يهدف إلى (إقامة حلف اقليمي تسيطر عليه القوى الاجنبية، ومرة أخرى أوضحت السلطنة أن هذا تفسير خاطئ) ( 5).

    وهو ما جاء على لسان السلطان قابوس، حيث أكد في خطاب العيد الوطني التاسع في العام 1979، في سياق حديثه عن مضيق هرمز، قائلا: (إن عمان لا تطالب بتدخل القوات الاجنبية، فباستطاعة السلطنة القيام بالإجراءات اللازمة شريطة أن تتوفر لها الوسائل الضرورية لذلك)، لذا أعلنت سلطنة عمان عن استعدادها للتخلي عن إشراك الدول الاجنبية في التمويل إذا ما تعهدت دول المنطقة بتغطية تكاليفه (). و(بالرغم من ذلك فإنها لم تتلق ردا على طلبها، إذ كانت المنطقة قد شغلت باجتياح الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان وبقيام الثورة في إيران) ( 7).

    وفي عام 1985م عاد قابوس ليؤكد أنه بالرغم من كل الظروف والاختلافات في وجهة النظر الخليجية والعربية تجاه أمن مضيق هرمز، بأن أمن المضيق سيبقى مسؤولية جماعية، وأن عمان لن تكون طرفا متطرفة في رأيها أو رؤيتها تجاه ذلك أبدا، ولذلك، قال قابوس، ردا على سؤال ما هو تقدير جلالتكم لمدى الخطر الذي يُهدد مضيق هرمز الآن وخاصة بعد اشتعال حرب الناقلات بين إيران والعراق، وما هو موقف عمان في حالة اغلاق المضيق: (في هذه الحالة فإننا ينبغي من خلال مجلس التعاون الخليجي أن نجتمع ونبحث كيف يمكن مواجهة هذا الموقف، لذلك فإنه لن يكون لعمان موقف فردي إزاء هذه الحالة، وإنما لابد أن يكون هناك موقفاً جماعياً).

    وقال قابوس: "بحكم موقع المضيق ومرور السفن من وإلى المنطقة والعالم في مياهنا الاقليمية، علينا مسؤولية كبرى تجاه سلامة هذا الممر، وبقدر امكانياتنا، نراقب مراقبة دقيقة دخول السفن وخروجها في المضيق، وبحريتنا متواجدة هناك بشكل دائم".

    هذا الطرح يؤكد أن سلطنة عمان لا تحتاج إلى اعادة كتابة التاريخ من جديد، أو تكرار وجهة النظر الرسمية تجاه ما يتعلق بمضيق هرمز، فقد أكدت عليها منذ العام 1973م، ولا زالت من الثوابت الوطنية حتى اليوم، وهي العقيدة الأمنية التي تسير عليها سياساتها الداخلية والخارجية تجاه أمن وسلامة المضيق ().

    -------------------------

    الهامش

    ( 1 ) العيسائي. د. علي بن احمد، ازمة الملاحة والمرور في مضيق هرمز – خلال الفترة من 1979م – 1989م) سلطنة عمان، ط1 / 2014م.

    ( 2 ) مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م.

    ( 3 ) مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981

    ( 4 ) مراد. خليل الياس، حرب الخليج وانعكاساتها على الامن القومي العربي، بغداد / دار الحرية للطباعة والنشر، بدون ط/ 1987م

    ( 5 ) صحيفة الوطن الكويتية. بتاريخ 17 / نوفمبر/1979م

    ( 6 ) أحاديث السلطان قابوس في: يوميات ووثائق الوحدة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية لعام 1979م

    ( 7 ) العريمي. د. محمد مبارك، الرؤية العمانية للتعاون الخليجي، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، رقم 121، ط 1 / 2007.

    ( 8 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية".