• الثورة السورية بين ممارسات قادتها ومفاهيم الاستبداد الموروثة

    المركز السوري سيرز-عيسى حسين المحمد

    باكورة:

    يقول الله عز وجل: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}آل عمران: 35

    يقول الشيخ الشعرواي في تفسير هذه الآية:إننا عندما نسمع كلمة"محرراً"فمعناها أنه غير مملوك لأحد فإذا قلنا(حررتُ العبدَ)يعني ينصرفُ دون قيدٍ عليه، أو حررتُ الكِتابَ أصلحتُ مافيه، فتحرير أي أمرٍ هو إصلاحُ مافيه من فساد أو إطلاقه من أي ارتباط أو قيد.

    بعد أن كنا عبيداً للنظام البعثي، لا نعرف إلا كلمة نعم، صِرنا اليوم خارج سيطرته واستطعنا أن نقول نعم، لا، ونريد، إلا أننا لا زلنا محتفظين بقيوده علينا، فلا زلنا نئن تحت وطأة ثقافته وتعاليمه.

    إن أغلب شخصيات الثورة السورية السياسية والعسكرية لا زالت داخل عباءة البعث، رغم أنهم خارج سيطرته، يشتركون في ذلك مع شخصيات النظام السوري السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أن هؤلاء خاضعين لسيطرته.

    هي لله ولكن!

    هذه العبارة"هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"كانت العبارة الرئيسية في سيمفونيات المظاهرات السلمية ضد النظام السوري البعثي، إلا أنها اليوم تكاد لا تذكر في المظاهرات التي تُقام بين الحين والآخر، ومن الطرافة أن هذه العبارة يقولها اليوم أغلب القيادات أو من هم في مركز القرار الثوري وخاصة عندما يطرح عليهم عبر وسائل الإعلام سؤال: ما السبب الذي دفعك للمشاركة في الثورة؟ إلا أن تلك العبارة أصبحت غِطاءً لما هو بعثي بامتياز.

    كلنا شاهد رامي مخلوف وهو يتكلم عن مشاكله المالية مع آل الأسد، وكيف أدخل قضية الفقراء في خطابه، ووصل الى مرحلة الدعاء لرفع الظلم لشدة ما يعاني من ضغط البعث!وهذا مالم يكن معهوداً لدى هؤلاء.كأنه يقول لمؤيديه أموالي لله ثم للفقراء.المهم أن من وراء هذا الخطاب صراع شديد على النفوذ المالي والاقتصادي.

    نفس الأمر في حاضنة الثورة، فهناك الكثير ممن هم على شاكلة مخلوف، فخطاب القادة والمتنفذين المبطن يوحي بأن كل أعمالهم لله ثم لهذه الثورة ولهؤلاء المقهورين، وفي ذات الوقت يدخلون في صراعات دموية على المعابر التجارية، والمناصب التنفيذية!

    السؤال المهم هنا هو: أين عبارة"هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"من كل هذا؟ الإجابة ستكون تقديم أعذار، وإلقاء اللوم على الآخر، وعرض بطولات مجوفة.

    ومن للثورة؟!لسان الحال كما قال عبد المطلب: إنما أنا رب الإبل، وإن للبيت رب سيمنعه.نعم، إن للثورة ضامنٌ سيمنعها!لقد قالوها إن لم يكن بألسنتهم فبأفعالهم.تركهم للجبهات، ودخولهم في صراعات مع بعضهم، وتحركاتهم المشروطة، أليست دليلاً على ذلك؟

    ردة أخلاقية:

    يكاد يكون هناك اتفاق لدى الشعب السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بأن الرعيل الأول من قادة الثورة وعناصرها، هم أفضل بكثير من قادة وعناصر اليوم.

    لقد تمتع الرعيل الأول(قادة وعناصر)بالأخلاق والسمعة الحسنة، وعدد لا بأس به منهم كان على قدر من القوة والأمانة.فعبارة"هي لله هي لله…"تماهت في شخصياتهم، فعاش الناس تلك العبارة واقعاً محسوساً.

    وأما اليوم فإننا نقضي أوقات فراغنا في متابعة أخبار قادة اليوم، فهذا سرق من هذا، وهذا اعتدى على عِرض هذا، وهذا فُضِح َعلى الملأ بسبب الرذائل الموجودة في هاتفه المخترق، وهذا يتابع أخبار العاهرات ويكلمهن، وغيرها من سيئات الأمور التي يندا لها الجبين.

    ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى أمرين إثنين:المال، ورد فعل على فكر تنظيم الدولة الإسلامية.

    فالمال الكثير إذا صار بأيدي الذين عاشوا الحرمان يحولهم الى طغاة ومجرمين.

    ومن جهة أخرى فإن هؤلاء يعتقدون بأن كل شي مسموح إلا أمرين:التفكير بعقلية تنظيم الدولة الإسلامية، والعمل ضد الضامن التركي.

    نفس الأمر عند شخصيات النظام البعثية، سواءً أكانت سياسية أو عسكرية.فمسموح لهم كل شي باستثناء ما يسيء الى الضامن الروسي، أو ما يسيء إلى قيادة البعث.

    أهم المبادئ:

    للكل مبادئ، سواءً كانوا دولاً، أو أحزاب، أو جماعات، أو أشخاص، ولكلٍ منهم مبادئ بارزة تصل إلى درجة التقديس،وتعتبر محركاً للجهة الحاملة، وأحياناً يشترك أكثر من طرف في مبدأ واحد، فعلى سبيل المثال:من أهم مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي إيمانه العميق بالثورة لتوحيد كافة الأقطار في دولة واحدة، فالبعث يؤمن بالثورة!ولكن ما هذه الثورة التي يؤمن بها البعث؟ هل هي ثورة ضد العلماء والمفكرين والمثقفين؟ أم هل هي ضد الأطفال والنساء والشيوخ؟

    وبالمقابل، نحن أيضاً نؤمن بالثورة الجامعة لكل أطياف المجتمع السوري، إلا أن أغلب من يقودها حرف مسارها وشوهها فصارت وكأنها سباق لمن يجمع المال أكثر من الأخر، ومنافسة من يحصل على أهم المناصب ويبقى فيها لأطول فترة ممكنة، والنتيجة لا هم وحدوا أقطارهم، ولا نحن وحدنا أطيافنا.

    تقتير هنا وإسراف هناك:

    سيارات فخمة، وبيوت كأنها قصور، وسياحة في أجمل المدن، ومناصب رفيعة، ومشاريع ضخمة بملايين الدولارات، وفي الجهة الأخرى خيام من قماش كانت وسيلة لتلك الغايات الذميمة، وعندما يطلب شيء للمقهورين من كلا الطرفين يبدؤون بتقديم الأعذار القبيحة لتبرير العجز عن المساعدة، فبعثيي النظام قتال الارهابيين عندهم أولى من أي شيء، فلا وقت لديهم للمساعدة، حتى وإن ساعدوا تكون مساعداتهم ضمن مجال وخطة تزيد من ثروتهم.أما بعثيي الثورة فلا أموال تأتي من الداعم، ولدينا ما هو أهم من هذا، قتال النظام وقسد، وغيرها الكثيرليسوا أهلاً لحمل همّ الناس، فعند أول فرصة تأتيهم يكونون في دول اللجوء، فأموالهم وابنائهم بانتظارهم.فعجز في الداخل وقوة ومنعة في الخارج.

    الروح الاستبدادية:

    منذ أربعينيات القرن العشرين، بدأت أفكار جمعية الإحياء العربي(نواة حزب البعث)تنتشر في المجتمع السوري، وتحفر في وجداننا حتى خدّت الأخاديد في ذاكرتنا الجمعية، فكان أهم ما ثبت في ثقافتنا هو الاستبداد.

    اليوم، وبعد خمسة عقود من حكم البعث أصبحنا من الشعوب التي تحمل في ذاكرتها الجمعية روح الاستبداد(بشكل عام الاستبداد متجذر في العالم الشرقي حسب تعبير هيجل)،ورغم أن ثورات الربيع العربي كانت ضد الاستبداد والمستبدين، إلا أن بعضها خلع المستبدين وبقيت روح الاستبداد(بأنواعها)تصول وتجول في أروقة الذاكرة، والخلاص منها من أهم ما يواجهنا اليوم.

    سنوات مرت على سياسيّ الثورة وعسكريّها وما زالوا متمسكين بمناصبهم وأفكارهم لا يرضون تركالمناصب لأهلها، ولا إدخال ماهو بعيد عن البعث لتطويرأفكارهم.

    فرغم الأخطاء الكارثية التي ارتكبوها، والحماقات التي فعلوها، والمناطق التي غضّوا الطرف عنها فذهبت ضحية محاصصاتهم السياسية، مازالوا كما هم، ثوريين بعقول بعثية.

    قد يحدث تغيير بسيط في المناصب، ولكن يبقى ضمن دائرة صغيرة، وضمن محاصصات سياسية قذرة.

    لا ينكر عاقل بثقل الموروث البعثي على عقول السوريين، والسؤال هنا:كيف نخفف من ثقله على عقولنا؟

    وفي الختام:

    أرى أن استمرار كل الأزمات الداخلية التي تعاني منها الثورة السورية اليوم، هو بسبب الصمت عن هؤلاء.

    فمازالت التفجيرات تفتك بالمدنيين، ومازالت مشاكل المؤسسات(الهشة)السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والتعليمية، تزاد تأزماً.والقول بأننا نعيش في مناطق محررة يحتاج إلى مزيد من التوضيح، فإذا كنا خارج سيطرة النظام الجغرافية، فهذا لا يعني أننا في مناطق محررة.وللعلم مصطلح"مناطق محررة"لم يطلق إلا على المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، نحن فقط من يسمي مناطقنا مناطق محررة.

    لقد وصلنا إلى مرحلة وضِعنا فيها بين فكي كماشة، قادة فاسدين مستبدين، لا قوة لهم ولا أمانة.وحثالة من الناس يهرفون بما لا يعرفون، يبررون لهم أفعالهم ويأوّلون لهم أقوالهم.والنتيجة، حرية بتراء ونظام أعرج.

  • الثورة السورية: النصوص المفقودة

    المركز السوري سيرز - عيسى حسين المحمد17.06.2020

    أغلب ثورات العالم الكبرى وخاصةً (الأمريكية، الفرنسية، الانكليزية) استندت على نصوص مرجعية، فيها ما هو ديني، وما هو غير ذلك وفيها ما هو مستوحاً من نصوص الدين، وفيها ما يعتبر من العام المنتشر في زمن تلك الثورات، تلك النصوص ساعدت في بلورة استراتيجية شاملة لتحرك الثورة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية... فمثلاً: الآباء المؤسسون للولايات المتحدة اعتمدوا على كتابات مفكري عصر النهضة كـ مونتسكيو وهوبز، والثورة الفرنسية، اعتمدت على كتابات ملهمها جان جاك روسو، وتم إقرار وثيقة الحقوق التي أصدرها البرلمان الإنكليزي سنة 1689 في انكلترا عقب انتهاء الثورة.

    تلك النصوص على اختلافها، أدت الى انتهاج نهج خاص بكل ثورة، فكان السمتُ الراديكالي (التغيير الجذري) ظاهراً على الثورة الفرنسية، والطبعُ الإصلاحي بادياً على الثورة الإنجليزية، والسجيةُ المركبة التي جمعت بين التحرر من الأجنبي، والثورة على الاستبداد أُلبست للثورة الأمريكية. وفي النهاية كلهم وصلوا الى مبتغاهم رغم اختلاف الوسائل.

    إنّ الثورة السورية التي تعتبر شبيهة بتلك الثورات خاصةً ما يتعلق بالثورة المضادة، كما أشار الى ذلك محمد مختار الشنقيطي في كتابه الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، مازالت تفتقر الى مثل تلك النصوص كهادٍ لها يهديها الطريق نحو الخلاص.

    وهذه النصوص موجودة في تراثنا الإسلامي الغني، إلا أنّه لم يتم صياغتها بما يتناسب مع الوضع الخاص للثورة السورية، ويمكن إجمالها بما يلي:

    أولاً: الميتا أيديولوجية/ما وراء الأيديولوجيةMeta ideology:

    يقول د. جاسم سلطان في كتابه" من الصحوة الى اليقظة" ما نصه:... مفهوم ما وراء الأيديولوجية يمكن أن نقول عنه أنه مجموع النصوص المرجعية، سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة، وبصفتها نصوصاً مرجعية فعادة ما يحتكم إليها في الحديث.

    إنها مادة خام للأيديولوجية، فكل أيديولوجية سمعنا بها تكون نتيجة لأفكار أو فلسفة سابقة لها، فالشيوعية نتيجة لفلسفة هيجل، والليبرالية نتيجة لفلسفة جون لوك، وهكذا.

    وثقافتنا الإسلامية غنية جداً بهذه النصوص الما وراء أيديولوجية، وأهمها وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم ما أجمع عليه فقهاء الإسلام، وكلها مجتمعة لم تترك أمراً إلا وتحدثت عنه أو أشارت اليه.

    المعنى، هذه النصوص يجب أن تكون أساساً لأي أيديولوجية محتملة، فهي الموافقة لفطرة الانسان السوري ووجدانه. بشكل عام كل فصائل الثورة السياسية والعسكرية، لم تتفق حتى الآن على نص مرجعي يكون أساساً لأيديولوجية واضحة، والخطأ المشترك بينهم هو محاولة استجلاب منظومات فكرية جاهزة وتطبيقها على المجتمع السوري والذي من المعروف بأنه مجتمع محافظ، حتى أنّ الفصائل التي تصنف بأنها معتدلة -رغم اعتمادها على نصوص مرجعية إسلامية- الا انها لم تستطع صوغ أيديولوجية جامعة لكل أطياف الثورة، وهي بذلك سيان مع باقي الحركات الإسلامية.

    فحتى تكون معادلة الثورة صحيحة يجب أن تكون هذه النصوص أساساً للتحرك، وأظن أنّ قادة إحدى الحركات الإسلامية المحسوبة على الثورة السورية انتبه لهذا الأمر عندما قال: الثورة على الأوراق تنتهي في المقاهي، والثورة بالسلاح تنتهي في الجبال، وثورة الأوراق والسلاح تبني الدول. وهذه الأوراق ليست بيضاء، وإنما نصوص مرجعية أساسية. والله اعلم.

    ثانياً: الأيديولوجيةideology:

    يمكن القول بأنّ الثورة السورية شهدت صراعاً بين ثلاث أيديولوجيات مختلفة كل منها عن الأخرى، وهي الأيديولوجيا الإسلامية، واليسارية، والقومية.

  • الرؤية الجيواستراتيجية الروسية لوصل روسيا بسورية عبر البر

    د. عبادة التامر – المركز السوري سيرز 10.02.2020

    تشير التطورات المتعاقبة وفصول الحرب التي تشن في سورية وإصرار روسيا على مسألة السيطرة على طريقي الM5 وM4 إلى توجه يبدو أقرب لمحاولة فتح طريق بري يربط روسيا بسورية عبر إيران والعراق. وهنا تتجلى عقدة من أهم عقد الملف السوري في استراتيجيات الدول المعنية بالملف.

    إذ تتشارك كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا الإشراف على أجزاءٍ من هذا الطريق البري الذي يربط الموانئ الإيرانية المطلة على بحر قزوين بميناء اللاذقية، وبدمشق.

    لطالما اعتبرت روسيا نفسها قوة برية من المنظور الجيوبوليتيكي، ولطالما كان الهدف الأساسي لاستراتيجية الروسية متمثلاً في الوصول إلى منطقة الحافة (الريم لاند) والإطلال على المياه الدافئة وكسر الطوق الجيواسراتيجي الذي فرضته حولها القوى الأطلسية. ولهذا الهدف وبعد إعادة تعريف روسيا لنفسها باعتبارها قوة عاملية إثر غزوها لجورجيا عام 2008 بدأت تنشط من جديد التوجهات الجيوبوليتكية الروسية الرامية إلى إعادة تعريف نفسها بوصفها القوة المسيطرة في أوراسيا عبر سلسلة من التحركات البطيئة نسبياً، وما لبثت أن تسارعت هذه التحركات بعد تدخلها العسكري المباشر في سورية عام 2015.

    أولاً: الطريق البحري بين سورية وروسيا

    يبدأ هذا الطريق من ميناء سيفاستوبل في شبه جزيرة القرم والتي كانت موضوع أبرز أزمة بين الشرق والغرب بعد مرحلة الحرب الباردة إذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم المتمتعة بالحكم الذاتي والتابعة لأوكرانيا عام 2014، ما شكل أزمة لاتزال تظهر مفاعليها بشكل متكرر منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

    ومع ذلك فقد وقع كلٌ من حاكم سيفاستوبل الروسي دميتري أوفسيانيكوف ومحافظ طرطوس صفوان أبو سعد عام 2018 اتفاقية لتسيير خط شحن بحري مباشر بين سيفاستوبل وطرطوس، للاتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري ومن يتعامل معه.

  • العنف ضد المدنيين: سياسية النظام لإنهاء شرعية المعارضة

    المركز السوري - بلال صطوف

    مقدمة

    تعتبر الثورة السورية إحدى أكثر ثورات الربيع العربي التي شهدت أعمال عنف مصدره السلطة، طالت مئات ألاف المدنيين، فمنذ انطلاقة المظاهرات السلمية عمد النظام إلى استخدام الحل الأمني في قمع المظاهرات وذلك من خلال استهداف المتظاهرين بشكل مباشر ، ومع حمل الثوار السلاح وسيطرتهم على مناطق واسعة من الجغرافية والمدن السورية تحول النظام إلى الحل العسكري من خلال زج الجيش بشكل مباشر في معركته ضد قوى الثورة ، مستخدماً الدبابات والطائرات في قصف المدن والاحياء الشعبية والأسواق بشكل خاص ، فضلاً عن ارسال مفخخاته إلى مناطق الثورة ، كثيراً ما سمعنا من يحاول سوق الأسباب والدوافع التي تقف خلف ممارسات النظام هذه ، عبر إرجاعها إلى أسباب طائفية أو انتقامية.

    تحاول هذه الورقة التعرف على أسباب ودوافع العنف المفرط الذي ارتكبه النظام، وذلك من خلال تقديم تصور لطبيعة الصراع السوري، ودور العنف في تثبيت حكم النظام السوري.

    أولاً: ماهية الصراع في الثورة السورية:

    يدور الصراع في الثورة السورية كما هو الحال في جميع الثورات حول مدى شرعية كل طرف من الأطراف المتصارعة،ففي حين تعمل قوى الثورة على بيان الجوانب التي تظهر عدم شرعية النظام القائم، وإثبات شرعيتها وأحقيتها في تسلم سلطة البلاد، يحاول النظام القائم هو الأخر منع الثوار من امتلاك الوسائل المناسبة لحصولهم على شرعية الحكم فضلاً عن سلطة البلاد، وتبقى لكل دولة خصوصيتها المتعلقة بمفهوم الأسس التي تقوم عليها شرعية نظام الحكم، فلكل دولة أركان شرعية تختلف عن بقية الدول.

    وتشهد الثورة السورية صراع يدور في مجمله حول نفي أو تأكيد شرعية الحكم، إلا انها تتميز في اختلاف أركان شرعية الحكم بين النظام والمعارضة.

    ثانياً: مفهوم الشرعية لدى نظام الأسد:

    هناك العديد من أسس الشرعية على مستوى الحياة اليومية التي حاول النظام السوري بناءها وسوقها كل ما دعت الحاجة إليها وتنقسم هذه الاركان إلى:

    • ·توفير "الاستقرار الأمني" : لقد حاول النظام السوري طوال عقود حكمه إظهار قدرته على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار داخل البلاد من خلال بناء عدد كبير من الأجهزة الأمنية " أمن الدولة ، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، المخابرات العامة" وتوسيع حلقة نفوذ هذه الأجهزة ، وإقرار قانون الأحكام العرفية "الطوارئ" ، وأن كانت مهمة هذه الأجهزة تتركز في حماية النظام ، إلا أنها تمكنت من تحقيق " الاستقرار الأمني" القائم على القمع والترهيب بالدرجة الأولى، ثم عمد النظام إلى رفع الشعارات التي تتغنى بالسلام الذي يعم البلاد " سورية الله حاميها" ، واكساب هذا النموذج من "الاستقرار" طابعاً مقدساً.

    احتكار الخدمات العامة: عمل نظام الأسد منذ وصوله إلى السلطة على احتكار الخدمات العامة وذلك من خلال تبنيه نموذج الاقتصاد المخطط والتي تتحكم فيه السلطة بكل أشكال العمل الاقتصادي ومنها الخدمات العامة كشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، بالإضافة إلى توسيع نطاق عمل القطاع الصحي الحكومي عبر بناء مشافي ومراكز صحة حكومية "

     

  • اللجنة الدستورية السورية ومتلازمة التفكير الجمعي

    تقدير موقف

    د. عبادة التامر – المركز السوري سيرز

    بعد سلسلة طويلة من المفاوضات والنقاشات بين أطرافٍ دولية متعددة استمرت لأكثر عامين دعا المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون إلى انعقاد أول اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف في 30 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام.

    وبالرغم من وجاهة كثير من الآراء القانونية حول مسألة تشكيل وآلية عمل اللجنة الدستورية التي أطلقت للبحث في مسألة الدستور السوري المزمع. فإن التركيز هنا سيأخذنا لأبعاد قلما يتم الحديث عنها، في ظل الصخب والآراء المتباينة حول مسألة الشرعية والمشروعية والآليات المعتادة لكتابة الدساتير، وما يتطلبه ذلك من بيئة مواتية. وبالرغم أيضاً من إثارة مسألة قانونية يتم الحديث عنها حالياً وهي إطفاء الشرعية والمشروعية بإجراءات لاحقة من بينها الاستفتاء على الدستور.

    الأبعاد التي يجب أن توضع كأسئلة يبنى عليها مقتضاها هي التساؤل التالي: ما هي علاقة بنية وآلية عمل اللجنة الدستورية بـ (متلازمة التفكير الجمعي(Groupthink Syndrome؟

    وهل يمكن أن يقود التوافق المفترض بين أعضاء اللجنة الدستورية إن حصل – وهذا ما سنناقشه مفصلاً- إلى ما يسمى في علم النفس السياسي بـ الانسياق للجماعةGroup conformity الأمر الذي سيقبل بمحصلته الشعب عبر استفتاء بـ(الدستور المفترض)؟

    أولاً، ووفق التسلسل المنطقي يمكن وصف المخرج النهائي لعمل اللجنة الدستورية إن تم التوافق على مخرج نهائي بأنه "شيء ما" لا يشبه الهدف الذي دخلت على أساسه المجموعات الثلاث – المعارضة، النظام، قائمة الأمم المتحدة- هذه العملية.

    لماذا؟ تقول طرفة قديمة أن " الجمل ماهو إلا حصان سباق صممته لجنة" ولنفرض بأن حصان السباق الموجود والمعروف لم يكن موجوداً، وأننا أوكلنا إلى لجنة مشكلة وفق طريقة تشكيل اللجنة الدستورية مهمة تصميمه، فربما يقترح أحد أعضاء اللجنة جعل الحصان أملساً ويتمتع بإيروديناميكية تمكنه من أداء وظيفته بدقة، وربما يعارضه آخر بأن يقول بأن إضافة سنامٍ للتصميم سيعطي سائقه شيئاً يتعلق به أثناء السباق، ويقول شخص ثالث لماذا لا نعطيه ثلاثة أسنمة حتى يتمكن عدد أكبر من الأشخاص قيادته وتوجيهه معاً. وفي نهاية المطاف ربما لا يتفقون إلا على تصميم بسنامين شيء يشبه الجمل، ولكنه ليس حصان سباق.

    ناقش غراهام أليسون وفيليب زيليكوف في كتابها "جوهر القرارEssence Decision" نموذجاً لصناعة القرار يكاد ينطبق على شكل وبنية وآلية عمل اللجنة الدستورية الحالية الموكل إليها مسألة وضع الدستور السوري المفترض، وفي ذلك النموذج (نموذج غراهام وفيليب) تتوزع قوة التأثير في صنع القرار على الجميع وتتحدد مخرجات القرار عن طريق المفاوضات والتسويات، ويقترح النموذج أن يمتلك كل عضو في الجماعة قدراً من القوة يستطيع معه الوقوف من دون تحقيق الأعضاء الآخرين لرغباتهم وأي قرار يتم الوصول إليه لا يمثل سوى القاسم المشترك الأصغر لآراء الجماعة، أو ذلك الشيء الذي يتفقون عليه جميعاً ولكنه لن يكون الشيء الذي رغب فيه أحد، وفي هذه الحالة فإن الواقع سيؤدي إلى إنتاج مخرجات غير فعالة أو أدنى مما هو مأمول على أقل تقدير.

    يشير التحليل البنيوي والوظيفي المتأني للجنة الدستورية وتكوينها وآلياتها إلى سلسلة معقدة من الأزمات البنيوية التي قد تعيق عملها أو أن تنتج مخرجات غير فعالة، إن نجت من الوقوع في سلسلة عطبٍ ذاتي. وتحمل هذه البنية من حيث المبدأ المزايا السلبية لما يمكن تسميته بالانسياق للجماعةGroup Conformity الذي سينتج شيئاً شبيها بجملٍ ذي سنامين في حين كان الهدف هو انتاج حصان سباق.

    فهذه البنية – اللجنة الدستورية بكل مكوناتها- إما ستجتمع بوصفها مجموعة تعزل نفسها عن محيطها، الأمر الذي سيقود إلى شعور أعضاء اللجنة بحالة عارضة من التقدير للذات وتوهم الحصانة مما سيقود إلى تفاؤل مفرط يشجعها على المخاطرة ونتيجةً لذلك ستصل اللجنة إلى حالة التبرير الجمعي ويسقِطون أو يتجاهلون ما يصلهم من تحذيرات وما خلف هذه التحذيرات من افتراضات جوهرية تشكل أسس البناء السليم لعملها.

    وقد يتذرع البعض بأن نقل المخرج النهائي لعمل اللجنة الدستورية إلى الاستفتاء الشعبي سيضفي عليها وعلى عملها ومُخرجها الشرعية اللاحقة، وهذه المقولة يمكن مناقشتها أيضاً عبر مدخل الانسياق للجماعة فالاستفاء الشعبي في هذه الحالة لن يقود إلى تمعن مواد الدستور من قبل الشعب وفحص وتبين مآلاتها بل سيخضع الشعب نتيجة سلسلة من الأفعال والوقائع لما يسميه سولومون آش بالامتثال أو الانسياق للجماعة.Group Conformity

    أوأن تنقسم اللجنة الدستورية إلى ثلاث مكونات وفق تركيبتها الحالية أو مكونين نتيجة عدم تماسك المكون الثالث الذي اختارته نظرياً الأمم المتحدة، أو أنها ستتشظى إلا أكثر من ذلك... بحيث تبقى كتلة النظام هي الكتلة الوحيدة المتماسكة نتيجة وجود مرجعية عليا تحدد لها سياقات عملها ودورها. وفي هذه الحالة فإن المخرج المتوقع من عمل اللجنة قد لا يشبه حصان السباق أو الجمل ذو السنام الواحد أو حتى الجمل ذي السنامين، أو أنها ستدخل في سلسلة طويلة جداً من الأخذ والرد والتعطيل مما يفقدها وزنها بشكل كلي.

    تشير كلتا الحالتين إلى واقعٍ يشي بفهمٍ مغلوط لما يروج له من باب الواقعية السياسية – وهذه الاشارة لا تمت لمبدأ الواقعية بصلة- فالواقعية السياسية تعني تبين مواطن الضعف وتعزيزها وتقويتها وذلك لغايةٍ محددة هي تجميع ومراكمة القوة كما يعبر عنها أبرز منظري الواقعية السياسية هانز مورغانثو.

    إن هذا الشكل من الحلول الوسط ستنسف بشكل أو بآخر مبدأ العدالة الانتقالية ومحاكمة عادلة لمن تسبب في دمار وتشريد وقتل الشعب ومصادرة خياره الحر. كما أنها ستفتح الباب إن فشلت في تلبية خيار وطموحات الشعب لطرق أبواب أخرى قد تقود إلى تشظي الجغرافيا واعادة تشكيلها من جديد.

  • تصورات الطفل العامل لدور بدائل التعليم التقليدي كحل للتسرب المدرسي

    المركز السوري سيرز - غياث أحمد دك

    إن ظاهرة العمل في الشارع أصبحت من الظواهر الملفتة للانتباه وخاصة في الآونة الأخيرة في سوريا بسب ظروف الحرب، فعند خروجنا للشارع نلحظ العدد الهائل من الأطفال اللذين يعملون إن النظر إلى قيمة ودور المدرسة في ايامنا هذه يعاني نوعا من التذبذب بين اهمية وقيمة المدرسة والتعلم في مقابل الكسب المادي للعائلات الفقيرة النازحة التي اعيتها سنوات الحرب، سوف نجري مسح ميداني للأطفال الذين تركوا مقاعدهم الدراسية واتجهوا للعمل بسبب النزوح وفقدان المعيل، والفرصة الإيجابية لبدائل التعليم في ظل الظرف الراهن وما توفره لهؤلاء الطلاب من امكانية متابعة تحصيلهم العلمي وهم في عملهم.

    مشكلة البحث:

    تتمحور المشكلة حول واقع عمالة الاطفال وظروف الحرب والعوز الذي أجبرهم على التسرب من المدرسة من أجل كسب لقمة العيش وكيف لنا أن نحد من مخاطر انقطاعهم عن التعليم التقليدي (المدرسي) من خلال بدائل التعليم التقليدي التي تناسب ظروفهم.

    ويمكن التعبير عن إشكالية الدراسة من خلال التساؤل الرئيسي التالي:

    ماهي تصورات الطفل العامل لبدائل التعليم التقليدي التي من الممكن أن تحد من تسربهم المدرسي؟

    فرضية البحث:

    يمتلك الطفل العامل في الشمال السوري المحرر تصورات مناسبة له لأكثر من أسلوب كبديل عن التعليم التقليدي يمكن أن يحد من تسربهم المدرسي.

    اهمية البحث:

    تستمد هذه الدراسة أهميتها من أهمية الفئة التي تتناولها الدراسة، الا وهي الطفولة وما تلعبه هذه الشريحة في مستقبل الأفراد والمجتمعات من أدوار فعالة في شتى مجالات الحياة وكذا بالنظر إلى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في الشارع وما ينتج عنها من انزلاقات ومخاطر قد تفتك بأطفالنا، إن لم نعر هذه الظاهرة الدراسة والاهتمام اللازمين ومحاولة القضاء عليه قبل فوات الأوان، وفي هذا السياق جاءت هذه الدراسة للكشف عن بدائل التعليم التقليدي التي من الممكن أن تناسبهم وتحد من مخاطر تسربهم المدرسي.

    أهداف الدراسة:

    1-              الكشف عن تصورات الطفل العامل التي تناسبه كبديل عن التعليم التقليدي لإكمال تعليمه.

    2-              الكشف عن مدى أدارك الطفل المعرفي بمخاطر تسربه من المدرسة على مستقبله.

    3-              الكشف عن مدى التزام الطفل العامل بالبدائل التعلمية كحل جذري لتسربهم المدرسي.

    منهج الدراسة:

    سيتناول الباحث الدراسة من خلال:

    قسم نظري ويعتمد على المنهج الوصفي.

    وقسم عملي من خلال تصميم استمارة مناسبة تجيب على فرضيات الدراسة.

    حدود الدراسة المكانية والزمانية:

    ستتناول الدراسة الاطفال العاملين في منطقة اعزاز بشمال سوريا منذ بداية عام 2020 الى تاريخ 15\5\2020 بعد التحول الذي شهدته المنطقة والعالم إلى التعليم الإلكتروني.

  • تقرير عن الندوة البحثية متغيرات الوضع السوري لعام 2019 ومآلاته

    د. سامر عبد الهادي علي

    أقام المركز السوري سيرز ندوة بحثية في مدينة إسطنبول بتاريخ 16.11.2019، حضرها ما يقارب الخمسين من النخب الفكرية والشخصيات البحثية، وعلى مدار خمس ساعات تمت مناقشة المحاور الأربعة للندوة، ونثبت هنا اهم النقاط التي تداولتها تلك المحاور.

    المحور الأول: اللجنة الدستورية أ. أحمد رمضان

    النقاط الرئيسية التي وردت في المحور:

    • اللجنة الدستورية جزء من العملية السياسية
    • الدخول إلى العملية السياسية من باب اللجنة الدستورية يعني أن الأبواب الأخرى كانت مغلقة وخاصة مسار جنيف
    • المفاوضات لم تستطع إحداث أي تقدم بما يخص تطبيق القرار 2254 لعام 2015
    • تم الإعلان عن اللجنة الدستورية في 23 سبتمبر في العام الماضي 2018
    • نحن أمام عملية اختبار أخرى بما يخص العملية السياسية بسلالها الأربعة
    • ضرورة تفعيل باقي المسارات بالتوازي مع مسار عمل اللجنة الدستورية
    • بما يخص ولادة اللجنة الدستورية كان هناك متاعب كبيرة فقد حاول الروس تحويل مسار أستانة إلى مسار سياسي وخطف مسار جنيف
    • تحول الموقف الروسي إلى سوتشي حيث تم الإعلان عنه بعد مؤتمر الرياض لجر العملية السياسية إلى هناك
    • روسيا تسعى لتثبيت كامل أركان الرؤية الروسية للحل في سورية
    • اللجنة الدستورية التي جرى الحديث عنها في سوتشي تختلف تماماَ عن اللجنة الدستورية التي تشكلت أخيرا
    • الدور التركي كان قويا وأساسيا
    • الدور الأمريكي منع الروس من الانفراد في هذه اللجنة
    • النظام كان يعرقل باستمرار تشكيل اللجنة وفي النتيجة تعرض لضغوط كبيرة
    • انطلاق اللجنة هو إنجاز إعلامي أكثر منه واقعي

    نحن أمام أربعة سيناريوهات حيال عمل اللجنة:

    1-     سيناريو الإنجاز: إذ يمكن لهذه اللجنة أن تحقق إنجازا ولكن لا بد من توافر عوامل الإنجاح ومنها

  • سوء الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة الأسباب وآلية الحل إدلب (درع الربيع) – غصن الزيتون – درع الفرات - نبع السلام

    المركز السوري سيرز - د. عبادة التامر

    تشكل الحاجات الاقتصادية والمعيشية الحاجة الأكثر أهمية والتي تلي الحاجة إلى الأمن وربما تسير معها جنباً إلى جنب في حالة الشمال السوري.

    ومع الإقرار بتحسب الواقع الأمني إلى حدٍ ما في المناطق الأربعة إلا أن التوجس والقلق مازال يتسرب إلى المجتمع وأفراده في هذا الجانب، فمن جهة منطقة ادلب (درع الربيع) مازال المجتمع غير متأكدٍ تماماً من إمكانية صمود وقف إطلاق النار الحالي وكيفية عودة الهجرين إلى منازلهم ومن هي الجهة التي ستشرف على تلك المناطق وآلية التعاون التركي-الروسي لإدارتها، إضافة لمسألة التنظيمات الراديكالية وآلية حل هذه العقدة ومداها الزمني.

    أما منطقة غصن الزيتون فتشهد توجساً أمنياً من نوعٍ مختلف إلى حدٍ ما يتعلق بالتفجيرات والسيارات المفخخة من جهة والتي يمكن أن يقف ورائها إحدى جهتين (قسد أو مخابرات النظام السوري)، وهذه المسألة إضافة لحالة الاقتتال بين بعض الفصائل المسلحة وضعف دور المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني) والشرطة الحرة في ضبط الحالتين يشكل هاجساً أمنياً لدى المجتمع. وتنسحب هذه الحالة على منطقتي درع الفرات ونبع السلام.

    لذلك يشكل هذا الجانب الحاجة الأولى لدى المجتمع المحلي للانطلاق نحو تثبيت نتائج نجاح العمليات العسكرية والجهد السياسي التركي وتحويلهما إلى واقعٍ يعيشه المجتمع المحلي بشكل أفضل.

    يترافق مع الحاجات الأمنية وربما يتجاوزها في بعض الحالات الحاجات الاقتصادية والمعيشية للمجتمع المحلي في الداخل السوري – يتجاوزها لأنه في بعض الحالات يصبح العمل شديد الخطورة أمنياً ومع ذلك لا يستطيع الشخص إلا أن يقوم بعملٍ ما حتى يسد احتياجات الأسرة ولو كانت نسبة المخاطرة الأمنية تصل إلى 70 أو 90 في المئة-

    ولمناقشة هذه المسألة بشكل علمي يجب التنويه إلا أن الشمال السوري يعتمد على ثلاثة مصادر أساسية للدخل وسد الاحتياجات المعيشية للمجتمع.

    المصدر الأول: المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني العالمية والتي تقدم رواتب لموظفيها في الداخل ومساعدات عينية للمستفيدين.

    المصدر الثاني: الرواتب التي يتلقاها المقاتلون وعناصر الشرطة والمعلمون والقضاة في الشمال المحرر عدا منطقة إدلب* وهي رواتب قد تكون رمزية (بين 500-800 ليرة تركية وربما تصل إلى 1000 في حالات نادرة).

    المصدر الثالث: التبادل التجاري مع مناطق النظام وتسويق المنتجات المحلية الزراعية وغيرها عن طريق تجارٍ في مناطق النظام.

    ومع تزايد انخفاض قيمة العملة السورية بشكل كبير وضعف المصادر الثلاثة للدخل في المناطق المحررة وواقع النزوح والعيش في المخيمات، يعيش المجتمع المحلي وتحديداً الطبقات الأشد فقراً فيه حالة من العوز والافتقار إلى بعض أبسط مقومات الحياة.

    هذا الأمر أيضاً إلى جانب الشق الأمني يشكل أهمية فائقة لجهة خطورته ونتائجه التي قد تشمل بعض الانحرافات الاجتماعية وانتشار حالات الفلتان الأمني. لذلك يشكل هذان المحوران كلاً واحداً، ولا يجب الفصل بينهما. (الاقتصادي والأمني)

    ومن الواجب التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية التركية لإيجاد طرقٍ لتثبيت نجاح الجهد العسكري والسياسي في تلك المناطق عبر تعميق حالة احساس المجتمع بالأمن –النسبي- وسد حاجاته المعيشية.

    فعلى سبيل المثال تشكل عملية التبادل التجاري مع تركيا أحد أبرز الجوانب التي يمكن العمل عليها لتحسين الواقع الاقتصادي في المنطقة وتسويق المنتجات المحلية عبر التجار والمؤسسات التركية المختصة بعد وضع المعايير والمواصفات الضرورية لهذه العملية.

    كما يمكن العمل مثلاً على انتاج بعض المنتجات التي تتمتع المنطقة بميزة نسبية في انتاجها الزراعية أو غيرها لصالح التصدير أو السوق المحلية التركية وعبر الشركات التركية.

    كذلك تشكل مسألة التدهور المتزايد لقيمة العملة السورية هاجساً للطبقة الفقيرة من المجتمع وقد طرحت أفكارٌ عديدة من قبل مختصين محليين سواء في منطقة إدلب أو المناطق الأخرى لاستبدال النقد المتداول بالليرة التركية أو الدولار الأميركي.

    أن تحسين الواقع المعيشي والخدمي والاقتصادي للمنطقة المحررة يشكل بلا أدنى شك المدخل الأكثر أهمية لتثبيت نجاح العمليات العسكرية والسياسية التركية، وتعميق الأخوة التي لمسها المجتمع المحلي، إضافة لإمكانية عودة اللاجئين أو بعضهم من تركيا.

    وكذلك فإن تدهور هذا الواقع قد يحمل معه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة جداً وقد تهدد بنسف بعض الانجازات في المسارات الأخرى.

  • سورية..... مواجهة من نوعٍ آخر

    المركز السوري سيرز - د. سامر عبد الهادي علي

    13 حزيران 2020

     منذ تدخل روسيا العسكري في سورية نهاية أيلول/ سبتمبر 2015 حتى اليوم كانت سورية ساحة اللعب الرئيسية للقيصر الروسي "فلاديمير بوتين"، سياسياً من خلال الإمساك بخيوط القرار السياسي للنظام السوري، والتفاوض بدلاً عنه في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة، واتخاذ القرارات الداخلية والخارجية، وكذلك عسكرياً من خلال قيادة عمليات ميليشيات النظام ومرتزقته في المعارك ضد الشعب السوري وقواه الثورية. واستطاعت روسيا فرض إرادتها السياسية والعسكرية في الملف السوري إلى حدٍّ بعيد رغم مواجهتها لمعارضة تركيّة منعتها من الوصول لأهدافها بالسيطرة على ما تبقى من ريفي حماة وإدلب، وإصرار أمريكي على البقاء في شرق وشمال شرق سورية، حيث الموارد النفطية الرئيسية في البلاد، وخزان الزراعات الاستراتيجية فيها.

    ولم يدع قيصر روسيا محفلاً إلا وأظهر فيه عنجهيته السياسية والعسكرية، وتفوقه في سورية على بقية اللاعبين في هذه الساحة الدموية. إلا أنّ روسيا "الغبيّة تاريخياً" في دعم الطغاة والمستبدين لم تتعلم من دروس الماضي حيث سقط كل الطغاة الذين دعمتهم على شاكلة النظام السوري، وخسرت بسقوطهم سنوات من الدعم بأشكاله المختلفة، ولم تجنِ سوى الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي أدّت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 انهياراً مدوّياً.

      واليوم.... وصلت روسيا في سورية إلى نهاية الطريق ذاته الذي سلكته سابقاً، فبالرغم من الدعم اللامحدود الذي قدّمته للنظام السوري لإعادة بسط سيطرته العسكرية على البلاد، وإعادة تعويمه سياسياً في الداخل والخارج إلا أنها فشلت في ذلك تماماً، فهي لم تستطع إعادة بسط سيطرة النظام على أهم مناطق سورية الاقتصادية والاستراتيجية من جهة، كما لم تستطع إعادة جزءاً من سمعته السياسية على المستوى الخارجي، وبقي منبوذاً عربياً وإقليمياً ودولياً.

     كانت روسيا تعتقد أنّ النظام السوري سيكون أكثر قوةً وشرعيةً فيما إذا تمكّن من السيطرة وإعادة التحكم بالبلاد أو بأجزاء واسعة منها، هذا الاعتقاد فشل هو الآخر بعد أن أصبحت المناطق الخاضعة له الأكثر فقراً ومعاناةً، لتزداد الأوضاع سوءاً مع الانهيار المتسارع للعملة السورية، رافقها غلاء غير مسبوق في المعيشة، ما جعل الحاضنة الشعبية له تعيش حالة غير مسبوقة من التذمر والغليان نتيجة فشل حكومة النظام في إيجاد حلول مرضية توقف التدهور الحاصل على الأصعدة كافة.

     بالرغم من كل ذلك..... إلا أنّ ما لم تتوقعه روسيا وقيصرها بوتين أن تكون الضربة الأقسى لأطماعه ومشروعه التوسعي في سورية من خلال قانون أمريكي "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات غير مسبوقة على النظام السوري برجالاته ومؤسساته وجميع داعميه "أفراد ومؤسسات ودول" في مقدمتها روسيا وإيران.

       نعم..... قانون قيصر الذي عملت عليه نخبة من السوريين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع مؤسسات أمريكية ذات صلة بعد أن قام "قيصر" السوري بتسليم الولايات المتحدة عشرات آلاف الصور لسوريين معتقلين قتلهم النظام بأبشع الطرق والوسائل التي لم يعرف التاريخ الحديث والمعاصر مثيلاً لها.

     هذا القانون هو التحرك السياسي والحقوقي والإنساني الأهم منذ عام 2011 حتى اليوم، بما يخص الملف السوري والصراع مع النظام وداعميه، وقد بدأت آثاره بالظهور سريعاً مع اقتراب موعد دخول حزمة العقوبات الأولى حيّز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو الجاري، فبدأ الصراع داخل الدائرة الضيقة للنظام من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الأموال المنهوبة مع استشعار رجالات النظام لخطر قيصر من جهة، وإرضاءً لحلفاء جمعهم الهدف وفرّقتهم المصالح "روسيا وإيران".

     الخلاف الأهم ما ظهر للعلن مؤخراً بين أقوى شخصية اقتصادية ومالية في النظام "رامي مخلوف" مع رأس النظام "بشار الأسد وزوجته". هذا الخلاف انعكس على الحاضنة المؤيدة للنظام، حيث بدأ التصدع والخلاف بينها، بين مؤيد للأسد وآخر لمخلوف، وهو ما لم يحصل طوال تسعة أعوام من الثورة.

     نعم..... نحن اليوم أمام مواجهة من نوعٍ آخر بين قيصر روسيا الذي استشعر الخطر الحقيقي، وقيصر سورية الذي شكّل ضربة غير متوقعة لروسيا والنظام وجميع داعميه. مواجهة بدأتها روسيا بمقاربة جديدة في تعاملها مع الملف السوري، بحيث تسعى لتلافي السقوط غير المحسوب للنظام، وبالتالي سقوط جميع أحلامها ومطامعها ومصالحها في سورية وخارجها، وهي اليوم أمام خيارين، الأول: استمرار دعمها غير المجدي للنظام السوري المتهالك، ما يعني خسارة محتّمة لها ما بعد قيصر القانون. والثاني: أن تقود روسيا بنفسها وضمن تفاهمات إقليمية مع تركيا، ودولية مع الولايات المتحدة الأمريكية، عملية إنهاء حكم الأسد الهزيل، وقيادة مرحلة انتقالية يجري فيها تجميع حكومة ائتلافية ما، أو مجلس عسكري- مدني يوقف في النهاية تطبيق قانون قيصر وتبعاته على مصالحها في سورية، وهو الاحتمال الأقرب للواقع. لذلك يأتي تعيين سفير روسيا في سورية "ألكسندر يفيموف" ممثلاً رئاسياً لبوتين في سورية في 25 أيار/ مايو الماضي أولى الخطوات الروسية في هذا الطريق، ما يعني أنّ سورية "الأسد" أصبحت تحت الانتداب الروسي المباشر، والمفاوض على حاضر ومستقبل سورية.

     وبين قيصر روسيا وقيصر سورية "الأمريكي" تبقى سورية الدولة والوطن، ويبقى الشعب السوري بأطيافه كافة الخاسر الأول والأخير في جميع المواجهات السابقة، وهذه المواجهة اليوم.

  • سياسة الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية

    أحمد عبد القادر*

    مقدمة

    مع بداية ثورات الربيع العربي ازداد التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، مما شكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، فسعت الأخيرة إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال مجموعة من الإجراءات منها تجديد العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني في عام 2018م مروراً بالغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سورية ثم اغتيال قاسم سليماني " قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني " في 3 يناير 2020م، لاحقاً ردت إيران بقصف صاروخي لقاعدة " عين الأسد" الأمريكية في 8 يناير 2020م.

    فإلى أي مدى يمكن أن يشكل ازدياد النفوذ الإيراني خطراً على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

    وماهي الوسائل المحتملة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية؟

    أولاً: التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط:

    تقع إيران ضمن قائمة الأنظمة المارقة - حسب الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الأمريكية لعام 2018م- التي تهديد مصالح الولايات المتحدة على المستوى الدولي والمستوى الإقليمي بشكل خاص، ويظهر ذلك من خلال سعيها المستمر للحصول على السلاح النووي والتي ترى فيه الولايات المتحدة خطراً وجودياً على إسرائيل حليفها الاستراتيجي، وكذلك من خلال دعمها الواضح والكبير لجماعات تصنفها الولايات المتحدة " منظمات إرهابية" ، وتطويرها لمنظومة صواريخ بعيدة المدى، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فضلاً عن بسط نفوذها الكامل في دول أخرى[1]. يضاف إلى ذلك سعيها لبناء نظام أمني إقليمي تكون هي دولة المركز فيه وذلك لن يتأتى لها إلا من خلال مزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز" الذي يمر عبره ثلث الإنتاج النفط العالمي"[2]، وبناءها تحالف مع روسيا الاتحادية المنافس التقليدي للولايات المتحدة، محاولة تصديرها لنظام" الولي الفقيه" تحت مسمى تصدير الثورة الإيرانية وهو نظام استبدادي لا يتفق مع المبادئ الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة.

    ثانياً: أدوات الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية عدد من الوسائل والأدوات التي من الممكن استخدامها في تقليص النفوذ الإيراني بدايةً من استخدام القوة العسكرية المباشرة وصولاً إلى استخدام العقوبات الاقتصادية مروراً بتوظيف الوسائل والأدوات الإقليمية والمحلية ومن هذه الأدوات:

    1. دعم فصائل الثورة السورية

      بدأ الدعم الأمريكي لفصائل الثورة السورية في عام 2013م بهدف إسقاط النظام السوري ومن خلفه النفوذ الإيراني من خلال غرفة تنسيق الدعم لقوات المعارضة" الموك" ومن أهم الفصائل التي تلقت الدعم الأمريكي "جبهة ثوار سورية، وحركة حزم" إلا أن الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة السورية قد توقف في عام2017م بعد فشلها في مواجهة تنظيمات تصنفها الولايات المتحدة" منظمات إرهابية".

    2. دعم تنظيم قوات سورية الديمقراطية" قسد"

      بدأت الولايات المتحدة في دعم قوات سورية الديمقراطية "قسد" مع بداية تشكيلها في عام 2015م بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تقديم الاستشارات العسكرية ،ثم من خلال التدريب وتقديم الأسلحة والذخائر والمشاركة بالعمليات الميدانية من خلال القصف الجوي، وكانت مشاركتها الأكبر في معركة عين العرب، وتعمل الولايات المتحدة على توظيف دعمها لهذه القوات للسيطرة على منطقة الجزيرة السورية والتي تمر فيها أغلب الطرق البرية بين سورية والعراق وبخاصة بعد سيطرتها على المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات بين الرقة ودير الزور، مانعةً بذلك إيران من السيطرة على هذه المنطقة.

    3. القواعد العسكرية

      • قاعدة التنف: تعتبر قاعدة التنف العسكرية من أهم القواعد الأمريكية في سورية وقد تم إنشاءها في العام 2014م، وكانت قد استخدمتها بداية إنشاءها لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ولاحقاً لتقليص النفوذ الإيراني من خلال سيطرتها على الطريق بين دمشق وبغداد، والذي تستخدمه الميليشيات التابعة لإيران كخط امداد رئيسي لقواتها المتواجدة في سورية[3]، وتعتمد هذه القاعدة على التواجد المباشر للقوات الأمريكية إضافة إلى بعض التشكيلات التابعة لقوات المعارضة السورية*. تاركةً القوات الإيرانية تستخدم طريق البو كمال -تدمر والذي يتعرض بشكل متكرر لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

      • قاعدة الرميلان: تم إنشاؤها في عام 2015م وتعتبر القاعدة المركزية في منطقة الجزيرة السورية وتحتوي على مهبط للطائرات[4]، وتشكل مع مجموعة من القواعد الأخرى* حزام حمائي للطريق الدولي M4على طول المناطق الممتدة من الحدود السورية العراقية عند معبر اليعربية وصولاً منبج في ريف حلب الشرقي، وبذلك تحرم الميليشيات الإيرانية من استخدام هذا الطريق الاستراتيجي.

    4. الغارات الجوية على المواقع العسكرية

      بدأ الطيران الأمريكي باستهداف الميليشيات التابعة لإيران في أوائل العام 2018م واستمر خلال العام 2019م، وتركز القصف في دير الزور حيث استهدفت الأرتال الإيرانية ومواقع القيادة والذخائر أكثر من مرة وازدادت هذه الهجمات بعد مقتل "قائد لواء القدس" قاسم سليماني بغارة أمريكية في العراق.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل أدوات تقليص النفوذ الإيراني في سورية:

    1. استمرار الاعتماد على الأدوات السابقة: من خلال القواعد العسكرية المتواجدة في التنف ومنطقة الجزيرة السورية ، والحفاظ على مستوى دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن دعم هذه القوات قد يلقى معارضة شديدة من قبل تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو، وكذلك الحفاظ على مستوى الدعم المحدود لفصائل المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف والتي ليس بمقدورها تحقيق مهمات كبيرة في تقليص النفوذ الإيراني بسبب قلة عددها وطبيعة المنطقة التي تتواجد فيها، واستخدام الغارات الجوية بين الحين والأخر، وكل ذلك قد لا يسهم بشكل فعّال في تحقيق هدف تقليص النفوذ الإيراني.
    2. زيادة الاعتماد على الأدوات السابقة: وهو السيناريو المرجح، ويمكن للولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال زيادة دعم ونفوذ قواعدها العسكرية بهدف تحقيق السيطرة المطلقة على طرق امداد الميليشيات الإيرانية، أو من خلال زيادة دعم قوات سورية الديمقراطية ولكن ذلك قد يواجه بموقف تركي رافض لهذا الدعم ، ويمكن كذلك زيادة الغارات الجوية والتركيز على استهداف قيادات في الميليشيات الإيرانية وحلفائها وهو ما ظهر في استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري في وتوسيع نفوذه في الدول العربية ، وزيادة دعم فصائل المعارضة وبخاصة بعد تقدم النظام وحلفائه في إدلب واحتمال فقدان المعارضة أخر معاقلها في ظل دفع إيران أعداد كبيرة من ميليشياتها إلى جبهات إدلب ، وبالتالي قد يكون زيادة دعم قوات المعارضة لمنع إيران من الاستفادة من هذا التقدم عن طريق دعم فصائل جديدة متواجدة في إدلب إضافةً إلى الفصائل الموجودة في قاعدة التنف.
    3. تقليص دعم الأدوات السابقة: يمكن للولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في سورية من خلال الحرب المباشرة مع ما يرافقها من تقليص دعم الأدوات السابقة ولكن يبقى هذا السيناريو مستبعداً بسبب التكلفة الباهظة العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب المباشرة، وكذلك حاجة الحرب إلى تأييد داخلي واستعداد شعبي لتحمل هذه التكاليف، فضلاً عن حشد التأييد الدولي وقد يزيد ذلك من حدة التنافس مع روسيا والصين.

    *طالب علوم سياسية في جامعة شام العالمية

    [1] ضرار الخضر، ملخص الاستراتيجية الدفاعية الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية2018، مركز نورس للدراسات،2019م.

    [2] بالخرائط: قراءة لواقع النفط في الشرق الأوسط، ن بوست، 23\12\2014م، http://bit.ly/2PWGXaA، أخر تحديث 7\3\2020م

    3] واشنطن بوست تكشف عن الأهمية الاستراتيجية لقاعدة التنف، أورينت نت، 24\10\2018، http://bit.ly/2vDGIKU، أخر تحديث 7\3\2020م

    *ومن أهم التشكيلات العسكرية لقوات المعارضة المتواجدة في قاعدة التنف فصيل" مغاوير الثورة"

    [4] سوريا مكتظة بالقواعد الأجنبة .. تعرف عليها، الجزيرة نت، 1\3\2018م، http://bit.ly/3cFINGI، أخر تحديث 7\3\2020م

    *تل تمر، تل السمن، صباح الخير، حرب عشق

  • عقل الشمال السوري المحرر

    عقل الشمال السوري المحرر

    المركز السوري سيرز-عيسى حسين المحمد

    استهلال:

    فتحت الثورة السورية منذ انطلاقها المجال لأفكار لم تكن مألوفة لدى السوريين في ظل حكم البعث، ومع الوقت تحولت هذه الأفكار إلى مشاريع واقعية، وكون هذه الأفكار جديدة على العقلية السورية فقد تمت صياغتها بشكل جعلها تبدو مشوهة.البعض يظن أنها كاملة البناء والأداء، وهذا حال كثير من الأفكار الدخيلة على الثورة السورية ولم تكن موجودة في زمن البعث، أو ربما كانت موجودة ولكنها تسير في مسار حدده البعث فقط.

    من أهم هذه الأفكار فكرة مراكز البحث والدراسات، فهي وإن كانت موجودة في سوريا منذ السبعينيات إلا أنها كانت تستخدم لمصلحة النظام فقط، وكان أغلبها(وما زال)يعمل في مجال تطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كمركز جمرايا للبحوث العلمية، ومركز البحوث والدراسات العلمية في برزة، ومركز الدراسات والبحوث العلمية في مصياف.

    بين الحقيقة والواقع

    مراكز البحث والدراسات أشبه ما تكون مكان يجتمع فيه ثلة من الأكاديميين لكتابة المقالات فقط!، فليس لهم دور في توجيه السياسات أو صناعتها، وهذا ما يفترض أن تكون عليه الحال، أي أنها يجب أن تكون أماكن خبرة، توجه وتصنع السياسات والاستراتيجيات، وتقدم الاستشارات والمعلومات، هذا ما نراه من خلال النظر الى مراكز البحث والدراسات الغربية، حيث أن دورها قيادي في السياسة والإدارة والاقتصاد، وأصبحت معيار من معايير التقدم المعاصر.

    السؤال هنا، هل مراكز البحث والدراسات التي تعتبر حديثة النشأة في المنطقة تتمتع بالقدرة على أن يكون لها دور مؤثر في حياتنا العامة!؟

    عرّفت مؤسسة راندRand Corporation الأمريكية مراكز الأبحاث والدراسات بالتعريف التالي:تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة التي يتحدد هدفها بإجراء أبحاث مركزة ومكثفة، وتشتغل على تقديم الحلول والمقترحات للمشاكل المدروسة بصورة عامة وخصوصاً في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أو ما يتعلق بها.

    من خلال هذا التعريف نقول إنّ ما يسمى مراكز أبحاث ودراسات ما زالت بعيدة كل البعد عن التأثير في محيطها المحرر، فليس لهذه المراكز أبحاث ودراسات تتعلق بالاقتصاد أو الثقافة والإعلام، ولا علاقة تذكر بينها وبين الدراسات الإستراتيجية أو التكنولوجية.

    إن جلَ ما تقوم به هو ورشات تدريبية في مجال المهارات الشخصية أو الإدارة، وبعض المقالات عن الشارع السوري.

    الطريق وعر!

    يمكن القول بأن هذه المراكز تحاول التأثير في المجال العام ولكنها تعاني من نقاط ضعف عديدة تجعل الطريق أمامها وعراً وشاقاً ومن أهم هذه النقاط:

    1_المحتوى النظري: أغلب ما تقدمه مراكز المحرر يقع في دائرة العمل النظري فلا دراسات عمليه ولا أبحاث علمية يمكن أن تكون أساس للبناء العلمي التطبيقي، فنحن أحوج ما نكون الى هذا النوع من الدراسات، الدراسات والابحاث سواء أكانت في السياسة أو الاقتصاد(الدراسات في الاقتصاد تكاد تكون معدومة)أو التكنولوجيا أو التاريخ أو الديموغرافيا.

    2_البعد عن مراكز صنع القرار: إنها بعيدة عن صناع القرار، وليس لها صلة بها.البعد عن مراكز صنع القرار جعل مراكز الأبحاث تعيش حالة من الاغتراب، فمراكز البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً كان لها دور في انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولها دور كبير في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، ومؤسسة راند أفضل دليل على ذلك، ولهذا السبب أطلق عليها في الولايات المتحدة السلطة الخامسة.

    3_المال السياسي: يعتبر المال السياسي من أهم المخاطر على سوريا المستقبل وهو داء متفشي في كثيرٍ من الدول وفي تاريخ سوريا الماضي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.

    الحالةالطبيعية أن تكون مراكز الابحاث مستقلة ماليا وبحثيا ويمكن أن يكون تمويلها حكومي ولكن يجب وبكل تأكيد ان تكون مستقلة بحثيا، ولكن ما الحيلة في وضع يكون فيه المال السياسي سيد الموقف فلا عبرة للمستوى الأكاديمي ولا عبرة للهدف من وجود هذه المراكز، فمن المعروف عالميا بأن هذه المراكز هدفها تقديم تحليل أكاديمي وموضوعي صرف.

    يلعب التمويل دوراً كبيراً في توجيه مراكز الدراسات، فيجعلها تسبح بحمد الداعم دون مراعاة للواقع ويجعل المحتوى المقدم تجاري من الدرجة الأولى.

    أكاديميين ولكن

    يمكن القول أن مراكز الشمال المحرر فيها عدد لابأس به من الأكاديميين الذين يمتلكون الأدوات العلمية تمكنهم من تقديم محتوى علمي نافع للثورة، ولكن إلى الآن ما زلنا نقرأ ما تقدمه مراكز الابحاث الغربية، كمؤسسة راند ومعهد كارنيغي وغيرهما من دراسات وأبحاث عن الأمن والاقتصاد والسكان والأمور العسكرية الخاصة بالثورة السورية، ورغم وجود الأكاديميين إلا أننا لم نقرأ لهم سوى مقالات عن أمور غير مفيدة للثورة، فلا ندوات علمية ولا مؤتمرات سياسية، أو اقتصادية أو تاريخية.وجُلَّ ما يكتبه هؤلاء الأكاديميين يتعلق بالأمور الخارجية(لا صلة لها بالثورة)ومن جهة أخرى فان هؤلاء الأكاديميين أغلبهم لم يمتهن السياسة، وهذا على عكس ما نراه في المراكز الغربية التي تضم في صفوفها قامات علمية سياسيةوعسكرية يعملون في الوزارات وبيوتالرئاسة.

    ليس لأي مركز من المراكز في المناطق المحررة هدف واضح ورؤيا تبنى عليها أعمال تلك المراكز، قد يكون هذا هو السبب في عدم وجود دراسات وأبحاث تهتم بالأمور الأمنية والعسكرية والاقتصادية للثورة السورية.

    خاتمة

    تعتبر مراكز الأبحاث والدراسات عقل الدولة وهي خزانات للأفكارThink tanks تشارك بفاعلية في صنع السياسة وتوجيهها فأين مراكز المناطق المحررة من هذا؟

    يمكن القول بأن سبب في عدم فاعلية المراكز في المحرر قلة التمويل من جهة، وعدم وضوح الهدف من جهة الاخرى، وعدم وجود الأكاديميين المختصين في المجالات الحيوية في الأمن والاستراتيجية والاقتصاد، وضعف الفاعلية له دور كبير في عدم وجود تفاعل مع المواطنين.انها بحاجة للمساعدة المالية حتى تكون قادرة على المشاركة بشكل أكثر جدية في صنع القرار والتأثير في المجتمع.

    يجب أن تتغير استراتيجية هذه المراكز(إن وجدت)وتتحول إلى المجال العملي وأن تقترب من الثورة أكثر، إنها عقل الثورة وليست متجر للمواد الغذائية.

  • عملية نبع السلام وكشف اللثام عن وجوه اللئام

    د. حسين إبراهيم قطريب – المركز السوري سيرز

    16/10/2019م

    أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان عملية نبع السلام المشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري في منطقة شرق الفرات من سورية مساء يوم الأربعاء 9/10/2019م، من أجل محاربة الإرهاب وإنشاء منطقة آمنة للسوريين الهاربين من جحيم الحرب، بعد صبر مضن وحوار عقيم جرى مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية والشرقية الفاعلة في الساحة السورية والمحتلة لأرضها، المدمرة لبنيتها، القاتلة لشعبها، ولكن دون جدوى، وتهدف العملية إلى تحقيق أهداف عدة أهمها ما يلي:

    1. إزالة ممر الإرهاب الذي أنشأته عصابات(pkk & pyd)الكردية الانفصالية الإرهابية في منطقة شرق الفرات السورية، واستبداله بإدارة مدنية محلية مكونة من جميع أبناء المنطقة ومكوناتها.
    2. إنشاء منطقة آمنة في الأرض السورية تمتد في شرق الفرات من جرابلس ومنبج غرباً حتى المالكية شرقاً، بعمق يتراوح بين 30 – 35 كم، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها.
    3. تنمية المنطقة الآمنة المذكورة في مختلف المجالات، الخدمية والزراعية والتعليمية والصحية، وإعادة إعمارها بالمدن والقرى، لاستيعاب اللاجئين السوريين الذين لجأوا من منطقة شرق الفرات إلى تركيا بفعل إرهاب النظام وداعش والمليشيا الكرديةالإرهابية على التوالي، وهم أكثر من مليون سوري منهم حوالي ثلاثمائة ألف كردي.
    4. تأمين الموارد المالية لتغطية احتياجات الثورة السورية والجيش الوطني والحكومة المؤقتة وخدمات المناطق المحررة من الموارد النفطية والزراعية المتوفرة في المنطقة.

    وبهذه الأهداف ذات الأبعاد المختلفة، الأمنية والإنسانية والتنموية، تقاطعت مصالح تركيا الشقيقة مع مصالح الشعب السوري وقواه الثورية الحرة بتحرير جزء مهم من الأرض السورية التي سيطرت عليه عصابات(pkk & pyd) العنصرية الانفصالية الإرهابية، وهددت الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية، ولهذا تكتسب عملية نبع السلام شرعية قانونية تستند إلى مبررات مختلفة إنسانية وقانونية وأمنية، ويمكن توضيحها بما يلي:

    1-  لتركيا الشقيقة حدود برية مع سورية يزيد طولها على 850 كم، وتاريخ مشترك معها لقرون، وإن عوامل الجوار الجغرافي، والتداخل الأمني والاجتماعي والثقافي على جانبي الحدود، تحتم على تركيا نصرة الشعب السوري وتعطيها حق التدخل في الأزمة السورية أكثر من جميع الأطراف التي جاءت من وراء البحار والفيافي والقفار، كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران وفرنسا وبريطانية وجهات أخرى كثيرة خفية الأصابع، وجعلت من الأرض السورية ساحة لتصفية الحسابات وحروب المصالح بالوكالة بينها.

    2-  لتركيا كامل الحق القانوني بمحاربة العصابات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي عبر الحدود السورية بموجب اتفاقية أضنة التي أبرمتها مع النظام السوري في أضنة عام 1998م، ونصت الاتفاقية على إعطاء تركيا الحق بملاحقة العصابات الإرهابية وتتبعها للقضاء عليها في داخل الأراضي السورية.

    3-  إن تأييد الشعب السوري وقواه الثورية الحرة لعملية نبع السلام، ومشاركة الجيش الوطني فيها بحوالي خمسة عشر ألفاً، وتأهب عشرات الآلاف الآخرين من مقاتليه للمؤازرة، يعد من أهم المرتكزات الشرعية وأكثرها قيمة اعتبارية في إضفاء الشرعية على العملية.

    4-  إن عصابات (pkk & pyd)الإرهابية باسم قوات سورية الديمقراطية (قسد) لا تمثل الشعب الكردي في سورية، ومارست على مكوناته السياسية الاضطهاد والاقصاء، كما مارستهما على جميع المكونات السورية الأخرى من العرب والتركمان وغيرهما.

    5-  وتعتبر عصابات(pkk & pyd) الإرهابية العنصرية الانفصالية قوى احتلالية لمنطقة شرق الفرات في سورية،وإن ما سمته بالإدارة الذاتية الكردية وفرضتها قسراً بقوة السلاح على حوالي 19% سكان سورية، وحوالي 37% من مساحة سورية، وهي تنتسب في المنطقة لأقل من 15% من سكانها سورية، وأقل من 10%من سكان سورية،مما يدعو للسؤال عن نوع الشرعية التي تنسبها لنفسها بإدارة هذا الاقليم؟ والحق الذي يخولها بالتصرف بمعظم مقدرات سورية الموجودة في هذا الاقليم وتقدر بـ 64% من الموارد الاقتصادية لسورية.

    وفي المقابل فإن تحليل المنطلقات العدائية والذرائع الواهية لأصحاب المواقف الذين شكلوا أنفسهم في دائرة الرفض والادانة لعملية نبع السلام إقليمياً ودولياً، والتي تتمثل في دعوى الاعتداء على السيادة السورية خارج إطار القانون الدولي، وإمكانية عودة تنظيم داعش الإرهابي للظهور في المنطقة من جديد.

    وإن الكم اللامعقول وغير المبرر للعقوبات السريعة التي قررتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول ضد تركيا وبعض المسؤولين الأتراك، كشف اللثام عن ضعف مبادئ هذه الدول، وعن حقدها التاريخي، وعن ضعف الجدوى من أية علاقة استراتيجية وتحالف معها، علماً بأن تركيا هي حليف استراتيجي لها وعضو فعال في حليف الناتو معها منذ عشرات السنين، وعلى أية حال يمكن أن نميز بين منطلقين أساسيين لأصحاب المواقف السلبية من عملية نبع السلام هما:

    أولاً- منطلق العداء الاستراتيجي لشعوب المنطقة ودولها، والرغبة في إبقائها منطقة ضعيفة تعاني من الإرهاب وعدم الاستقرار، وتابعة مستنزفة القدرات، ويقف في مقدمة هؤلاء كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والعديد من دول الاتحاد الأوربي الأخرى، ولم تشفع لتركيا عند هؤلاء عضويتها في حلف الناتو، كما لم تشفع للشعب السوري وقواه الثورية الحرة عدالة القضية الانسانية ضد اجرام النظام وحلفائه، وإجرام المليشيا الطائفية والكردية الانفصالية الإرهابية (pkk & pyd).

    ثانياً- منطلق العداء والكيد لتركيا والتشويش على دورها في سورية والمنطقة العربية ونهضتها الحديثة، وفي مقدمة هؤلاء الأنظمة الاستبدادية الفاشلة في مصر والخليج العربي ولبنان والعراق والجزائر، ولم يشفع لتركيا عند هؤلاء وقوفها مع الشعب السوري وقواه الثورية الحرة، ولا علمهم علم اليقين بأن العصابات الكردية الإرهابية تعمل على تقسيم سورية، والمضحك المبكي أن هؤلاء الكائدون يتذرعون باختراق تركيا لسيادة سورية، وقد عمو وصمو من قبل لسنوات عن اختراق السيادة السورية وتدميرها وقتل شعبها من قبل إيران وروسيا والمليشيا الطائفية متعددة الجنسيات، بل نراهم يسعون راضخين لعلاقة استراتيجية مع روسيا وحوار مع إيران بعد كل ما ارتكبتاه من اجرام في سورية.

    كتب الله الحفظ لتركيا والنجاح لعملية نبع السلام، والخلود لشهدائها وشهداء الثورة السورية، والشفاء العاجل لجرحاها، والعودة الآمنة الكريمة لمن تشرد من سورية، والخزي والعار للأعداء وأصحاب الكيد.

    إن عملية نبع السلام ستستمر حتى تحقيق أهدافها برغم كل الماكرين والكائدين، وإن مسارها الصحيح والمغيظ للكثير من الأطراف التي وقفت ضدها من منطلقات عدائية كيدية حاقدة، وبغض النظر عما ستسفر عن نتائج سلبية غير محسوبة بفعل التأثيرات الطارئة على مجرياتها، وستحملون وزرها التاريخي من غدر وكاد لها وليس تركيا التي رسمت مسارها النظيف، وشعوب المنطقة تعي من شوش على سيره وجعل له ارتدادات تصب في مصلحة النظام السوري المجرم، فإن مختصر وصف مسار العملية كما هو وكما يلي:

    1-  إنها عملية تحرير لجزء كبير من الأرض السورية تحتله عصابات إرهابية انفصالية.

    2-  إنها عملية حرب على إرهاب عصابات انفصالية وحفاظ على وحدة الأرض السورية.

    3-  إنها عملية إنسانية لإعادة لاجئين سوريين هُجِروا قسرا من قبل عصابات إرهابية انفصالية، وهم من المنطقة نفسها ومن جميع المكونات العربية والكردية وغيرهما.

    4-  إنها عملية تحمل في طياتها أبعاداً مختلفة، وتهدف إلى تنمية المنطقة وتأمين الأمن والاستقرار فيها.

  • عملية نبع السلام/ أهدافها ومآلاتها

    د. حسين إبراهيم قطريب – المركز السوري سيرز

    مسرح العملية وأهم أهدافها:                                                  

    أمر الرئيس أردوغان ببدء عملية نبع السلامفيمساء يوم الأربعاء الموافق 9/10/2019م، بعد استكمال كافة الاستعدادات العسكرية والإجراءات اللوجستية من قبل الجيشين التركي والوطني السوري، وتهيئة الأجواء الداخلية والدولية لشن هذه العملية العسكرية في منطقة شرق الفراتمن سورية.

    وأهم ما يلفت النظر من الناحية الدبلوماسية أنها بدأت بعد التفاهم مع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتن وإقناعهما بالموافقة عليها من قبل الرئيس أردوغان، وهما من أهم اللاعبين المؤثرين على الساحة السورية، وتأكدت موافقتهما بتصريحات لهما، وبموقف دولتيهما في مجلس الأمن اللتين رفضتا إدانة العملية بموجب اقتراح تقدمت به خمس دول أوربية في اليوم الثاني لبدء العملية.

    ويشمل مسرح الأنشطة العسكرية لعملية نبع السلامكامل الشريط الحدودي لتركيا مع سورية في منطقة شرق الفرات بعمق حوالي (30) كم، وامتداد حوالي 460 كم من منطقة عين العرب في الغرب إلى منطقة المالكية في الشرق، مروراً بمنطقتي تل أبيض ورأس العين، وضمن هذا الامتداد نحو الشرق والعمق نحو الجنوب يقع معظم إقليم انتشار الأكراد في شمال شرق سورية، وأهم مناطقهم التي يشكلون فيها أغلبية سكانية من الغرب نحو الشرق هي: منطقة عين العرب، وناحيتا عمودا والدرباسية، ومنطقة القامشلي، ثم ناحيتا القحطانية والجوادية، ومنطقة المالكية.

    وتتركز المعارك الآن في المرحلة الأولى من العملية في شمال محافظة الرقة بمنطقتي تل أبيض ورأس العين، وهاتان المنطقتان تسكنهما أغلبية عربية ومكونات أخرى من التركمان وغيرهم، وتم تهجير معظم سكانهما بالقوة بعد السيطرة عليها من قبل عصابات(pkk & pyd) الإرهابية.

  • قانون قيصر.. وماذا سيغير في المشهد السوري للثورة

    د. جهاد الاتاسي – المركز السوري سيرز

    كيف جاءت تسمية القانون؟

    تعود تسمية قانون “سيزر” (قيصر) نسبة إلى اسم مستعار أطلق على مصور سوري منشق عن جيش الأسد عام 2013، واتخذ هذا اللقب كاحتياط أمني للحفاظ على حياته، وكان مصوراً لدى الشرطة العسكرية السورية، وكلف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، وقام بتسريب 55 ألف صورة، بمعدل أربع صور تحديداً لكل جثة، أي أن صوره وثقت ما يزيد عن 11 ألف ضحية سقطوا تحت التعذيب في سجون الأفرع الأمنية لنظام الأسد.

    هرب المدعو قيصر إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2014، وعرض شهادته وقدم الملفات التي بحوزته أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مما أدى الي تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، للتأكد من صدقية الصور.

    كانت رحلة القانون الذي سمي بقانون قيصر (فيما بعد) قد بدأت عام 2016 حيث تم تقديمه في مجلس النواب في الكونغرس الأميركي مرتين في عامي 2016 و2017، ولم يتمكن من تحقيق الفوز بأغلبية الأصوات حينها إلا في نهاية عام بموافقة 377 نائباً ومعارضة 47 آخرين 2017، ثم تم تمرير القانون لإقراره في مجلس الشيوخ عام 2019، حيث تم التصويت عليه بأغلبية 86 صوتاً بمقابل رفض 8، والحاقه ضمن موازنة وزارة الدفاع لعام 2020، وأصبح نافذاً من تاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 عندما وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

    فقرات من أهم بنود هذا القانون

    Ü     مدة القانون 5 سنوات تبدأ من تاريخ توقيع الرئيس الأميركي عليه،

    Ü     في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن هذا القانون، اللوائح اللازمة لتنفيذ مثل.

    • عقوبات تشمل البنك المركزي السوري
    • وتشمل العقوبات أي شخص أجنبي متورط في أحد الأعمال التالية:
    • يوفر دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو قام وساعد في صفقة كبيرة مع أي كيان للحكومة السورية أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية، أو شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سوريا لمصلحة حكومة سوريا أو باسمها،
    • تخضع حكومتي روسيا أو إيران، أو شخص أجنبي تابع لتلك الدولتين يكون مشمولا" بالعقوبات فيما يتعلق بسوريا وبموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولي أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سوريا.
    • أي شخص أو جهة دولية أخرى قام بالبيع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
    • أي شخص أو جهة يقوم في بيع قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية خدمات بناء أو هندسة مهمة في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، أو لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية.
  • قراءة في الموقف التركي في إدلب

    محمد أديب عبد الغني* – تقدير موقف
    المركز السوري سيرز
    مقدمة
    أعلنت تركيا في 2020\3\1م عن انطلاق عملية "درع الربيع" في منطقة إدلب السورية بهدف استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام السوري في الآونة الأخيرة، والتخفيف من حدة موجة اللجوء تجاه الحدود التركية التي تسببت بها هذه الحملة، وقد سبق إعلان انطلاق العملية ارتفاع حدة المواجهات بين الجيش التركي وقوات النظام، حيث سيطر الجيش الوطني السوري بدعم من أنقرة على مدينة سراقب الاستراتيجية وتمكن من قطع الطريقين الدوليينM4 وM5 تلى ذلك استهداف قوات النظام بتاريخ 27- فبراير- 2020 رتلاً من القوات التركية مما تسبب بمقتل عدد من الجنود الأتراك، والذي أدى بدوره إلى التسريع في بدأ العملية التركية.
    تتضارب الآراء حول تفسير هذه العملية بين مشكّك في مصداقيتها وبين من يراها خطوة متأخرة، فكيف يمكن تفسير السلوك التركي في إدلب وأسباب إعلان انطلاق العملية في هذا التوقيت وماهو المدى المحتمل لنطاق العملية؟
    أولاً: مراحل تصاعد الموقف التركي في إدلب
    بدأ النفوذ التركي في إدلب بالانحسار لصالح قوات النظام السوري مدعوماً بالقوات الروسية مع بدأ الحملة العسكرية التي تسببت بحصار نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بتاريخ 2019\8\20، تبعها حصار عدة نقاط تركية" الصرمان- تل الطوقان- العيس- سراقب- شير مغار" وظهرت تركيا عاجزة عن الحفاظ على مناطق خفض التصعيد بوصفها ضامن في اتفاقية استانا وسوتشي، ويمكن تقسم المواقف التركي من هذه الأحداث إلى مرحلتين أساسيتين
    1. مرحلة استخدام الأدوات الدبلوماسية: استخدمت تركيا هذه الأدوات بعد سيطرة النظام على منطقة ريف حماه وحصار نقطة المراقبة في مورك حيث عقدت تركيا مع روسيا عدة لقاءات بهدف تثبيت وقف إطلاق النار بين قوات المعارضة من جانب وقوات النظام السوري من جانب أخر نتج عنها الهدنة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية في 12 كانون الثاني (يناير) ،ولم تنجح هذه الهدنة في تحقيق أهدافها بسبب خرق قوات النظام المستمر لها، أصرت أنقرة على المحافظة على تواجد نقاطها على الرغم من حصار هذه النقاط وتعرضها للقصف عدة مرات، ويمكن تفسير سلوك تركيا في هذه المرحلة واقتصارها على الأدوات الدبلوماسية في رغبتها بالالتزام ببنود اتفاقية وقف التصعيد وتجنباً للتكلفة الباهظة التي يمكن أن تحدثها الأدوات العسكرية.

    2. مرحلة النزاع العسكري: يعتبر استخدام القوة العسكرية الأداة الأخيرة التي تلجأ إليها الدولة لتحقيق أهدافها وبعد استنفاذ استخدام الوسائل الدبلوماسية بسبب ارتفاع تكلفة الأداة العسكرية لتحقيق أي هدف تغييري. وتقسم هذه المرحلة إلى:
    أ‌- مرحلة مراكمة القوة العسكرية والتهديد باستخدامها: بدأت هذه المرحلة بعد سيطرة قوات النظام السوري على منطقة معرة النعمان أواخر شهر يناير من العام الحال حيث ظهر الموقف التركي في هذه المرحلة أكثر حدة، وتجلى ذلك بدفع عدد كبير من القوات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية و إنشاء عدد جديد من النقاط العسكرية خارج اتفاقية خفض التصعيد*، ترافق ذلك من تصريحات تركية باستخدام القوة لإعادة النظام السوري إلى خطوط خفض التصعيد مع عقد لقاءات جديدة مع المسؤولين الروس لحثهم على وقف العمليات العسكرية ومع سيطرة قوات النظام السوري على أرياف حلف الجنوبية والغربية زادت تركيا من وتيرة إرسالها للأرتال العسكرية ونصب منظومة دفاع جوي للتشويش على طائرات النظام وتزويد قوات المعارضة بصواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف ونشر عدد من القوات التركية داخل بعض المدن ووضع القوات في مواجهة قوات النظام السوري.

    ب‌- مرحلة استخدام القوة العسكرية: انتهجت أنقرة سياسة الرد بالمثل عند أي استهداف تتعرض له نقاط المراقبة التركية مطلع الشهر المنصرم حيث قصفت المدفعية التركية 46 هدف لقوات النظام السوري وقتلت 35 عنصر من قوات النظام رداً على استهداف نقطة المراقبة شرق إدلب ومقتل 4 جنود أتراك وإصابة تسعة أخرين ، تلى ذلك إسقاط عدد من طائرات النظام في إدلب وريف حلب الغربي ثم بدأت بدعم تركي عملية تحرير قرية النيرب ومدينة سراقب الاستراتيجية، وبعد مقتل 33 جندي من القوات التركية أعلنت تركيا عن انطلاق عملية " درع الربيع".
    ثانياً: التحديات التي تواجه عملية "درع الربيع"
    بالرغم من إعلان تركيا عن انطلاق العملية إلا أن هناك عدد من التحديات التي يمكن أن تواجها وذلك بسبب غموض موقف حلف شمال الأطلسي " الناتو" الذي اكتفى بتقديم الدعم الإعلامي للعملية تارةً والتصريح بإمكانية المساعدة بتقديم المعلومات الاستخباراتية تارةً أخرى ، مقابل موقف روسي أكثر حزماً في دعم النظام السوري.
    أعلنت تركيا عن هدف العملية المتمثل بتحقيق حالة الاستقرار في منطقة خفض التصعيد وإعادة قوات النظام إلى خلف خطوط نقاط المراقبة وحماية المدنيين في إدلب، يمكن لتركيا إيقاف العملية إذا ما استطاعت تحقيق هذه الأهداف من خلال الوسائل الدبلوماسية بالاتفاق مع الجانب الروسي بسبب ارتفاع تكلفة الوسائل العسكرية مقارنةً بالوسائل الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك الأثر السلبي الكبير الذي يمكن أن يترتب على فشل العملية وامتداده إلى الدور التركي في الملف السوري إجمالاً.

    ثالثاُ: السيناريوهات المتوقعة لنطاق العملية
    1. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل الموقف الحالي للناتو: وهو أكثر السيناريوهات ترجيحاً ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق بفعل إصرار تركيا على تحقيق استعادة كاملة لمنطقة خفض التصعيد ويستند ذلك إلى التصريحات المتكررة للمسؤولين الأتراك وتلاحم الجبهة الداخلية لتركيا خلف هذا الموقف بعد مقتل 34جندي من الجيش التركي، وإمكانية حدوث أثر سلبي على الموقف الداخلي لحزب العدالة والتنمية في حال العجز عن تحقيق الهدف من العملية، أو بإمكانية التوصل لتفاهم تركي روسي يقضي بإنهاء وجود قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد والحفاظ على المصالح الروسية مع تركيا والتي قد تتعدى تمسك موسكو بالوجود العسكري لقوات النظام داخل منطقة خفض التصعيد مع تخوف روسيا من خوضها حرب مباشرة مع تركيا في ظل الخسائر الفادحة لقوات النظام السوري.

    2. استعادة جزء من منطقة خفض التصعيد: قد يحدث هذا السيناريو إذا ما استمرت روسيا في تقديم الدعم لقوات النظام أو اشتراك قوات روسية بشكل مباشر في العمليات العسكرية وهذا ما قد يدفع تركيا للتوافق مع روسيا على حدود جديدة لمنطقة خفض التصعيد ويرتبط هذا السيناريو بالموقف المحدود للناتو ورغبة أنقرة بوضع حد للتصعيد العسكري مع موسكو، ويعزز هذا السيناريو مجريات العمليات الميدانية فإلى الآن لم تشهد المواجهات بين تركيا والنظام تصعيداً خارج حدود غرب الطريق الدولي M5.

    3. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة وبعض المناطق الأخرى: ويستند هذا السيناريو لما تروج له بعض المنصات الإعلامية عن رغبة تركيا في بسط سيطرتها على مدينة حلب استناداً لعوامل تاريخية وثقافية ومنطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية استناداً لعوامل عرقية ويشترط تحقق هذا السيناريو دعم العمليات التركية من قبل الولايات المتحدة أو حلف الناتو رغبةً منهم بتقليص النفوذ الإيراني - خصوصاً بعد أن استهدفت القوات التركية مليشيات حزب الله في إدلب وضباط إيرانيين جنوب حلب مما يشير لإمكانية اشتراك أنقرة في أي عملية عسكرية ضد النفوذ الإيراني في سوريا - ويضاف إلى ذلك رغبة الولايات المتحدة في إعادة الروس لمسار جنيف للحل في سوريا.

  • قيصر الإنجاز، وأعراضه الجانبية

    المركز السوري سيرز - مصطفى إبراهيم

      يسمونها "الدبلوماسية الموازية"، ويقصد بها تلك القنوات الخلفية الموازية لقنوات الدبلوماسية التقليدية، التي توظفها الدول للضغط على صناع القرار والرأي في دول أخرى، لتسهيل مصالحها، وتحسين صورتها، وتشويه صورة خصومها. ويحصل هذا عن طريق أشخاص ليسوا محسوبين على السلك الدبلوماسي، عن طريق التواصل مع شركات العلاقات العامة، وجماعات الضغط التي تنفذ طلبات الزبون من خلال أساليبها الخاصة مقابل مبالغ مالية محددة. وفيما كان النظام السوري يدفع الكثير لتلك الجهات لتشويه صورة الثورة وتقديمه كمحارب للإرهاب. كانت بعض الفعاليات السورية تعمل باتجاه آخر، لتجعل الأموال التي بددها في هذا المجال تذهب هباء.

     مؤخرا، استطاع بعض السوريين المغتربين، والذين ترفع لهم القبعة احتراما، وبعد جهود حثيثة وعمل دؤوب، أن يجعلوا من أهم عملية فدائية نفذها القيصر المسمى بقيصر، حدثا تاريخيا ربما هو الفيصل في تاريخ الثورة السورية رغم محاولات النظام السوري وطابوره الخامس تقزيمه، ومن يعتقد أن حدثا ما، كانشقاق شخصية كبيرة، أو مقتل ضباط ذوي أهمية، أو سقوط مدينة؛ آلم النظام وحلفاءه أكثر؛ فهو واهم.

     يمكن تلمس آثار الألم تلك من خلال تصريح نائب وزير الخارجية الروسي عن استعداد موسكو للتفاوض مع واشنطن بشأن سوريا، فيما يبدو وكأنه محاولة لإنجاز صفقة، ومنذ أيام قليلة لاحظ الجميع في تصريحات وليد المعلم مقدمات لنوع من الرضوخ. ومؤخرا، وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو" يقول: "عقوباتنا على النظام السوري أظهرت نتائج إيجابية". وربما يشي الهدوء النسبي في التصريحات الأمريكية بما يمكن أن يكون النظام السوري قد قدمه من وعود وتنازلات نتيجة ذلك الألم.

    من جهة أخرى، لا شك أن بعض الأعراض الجانبية والآثار السلبية لذلك القانون سوف تطال المناطق المحررة لأن تلك المناطق لم تفك ارتباطها بالمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي ما زالت تتعامل بالعملة السورية، وهناك حركة تبادل تجاري بين المنطقتين مازالت موجودة. وهو أمر يستحق التوقف عنده وتسجيل بعض الملاحظات، فالضائقة الاقتصادية قد تدفع بالبعض للقيام بمظاهرات احتجاجية، وربما تتحول إلى أعمال تخريبية، أو ربما تصل إلى مستوى الجريمة. وهنا يجب التذكير بأن حرية التظاهر في المناطق المحررة متاحة لمن يرغب، بينما هي مغامرة في مناطق النظام. والأهم من ذلك، أنه بينما تعتبر الاحتجاجات في مناطق النظام عامل ضغط على النظام، تعتبر المظاهرات في المناطق المحررة عامل ضغط على القانون بحد ذاته. وبالتالي، هي لمصلحة النظام. لذلك، نلاحظ عناصر الطابور الخامس بدؤوا بممارسة نشاط حثيث في مجال التحريض على القانون. وهؤلاء، يعملون بشكل علني، وفي وضح النهار، فبالأمس أحد هؤلاء ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بين أسعار بعض السلع التي اختارها بعناية، حيث تبدو الأسعار في المناطق المحررة أكثر ارتفاعا من الأسعار في مناطق النظام، متسائلا في النهاية: هل قانون قيصر يعاقبنا أم يعاقب النظام!

     رغم ذلك، فالآثار الجانبية لقانون قيصر أثرت بشكل واضح على الشريحة الأشد فقرا في المناطق المحررة، وهذه قضية لا يمكن إهمالها أبدا، ومن أجل إمكانية التغلب على الآثار السلبية، عقدت الكثير من الندوات والمناقشات، وقدمت بعض المقترحات، والكل أدلى بدلوه في هذا المجال. لكنه، وللأسف، تبدو أغلب الطروحات غير مجدية، والمسألة معقدة أكثر مما يتوقع البعض، فعلى سبيل المثال، قد يتسبب المقترح الأكثر رواجا، وهو استبدال العملة بإمداد النظام بالعملة الصعبة عن طريق المبادلات التي مازالت تحصل كشراء الأدوية مثلا، كما أنها قد تحرم المنطقة من جزء من الموارد التي تأتيها من خلال الرواتب التي لا زال بعض الموظفين والمتقاعدين يتقاضونها. وبالتالي، حرمان هذه الشريحة من مصدر دخلها دونما تعويض.

    بعيدا عن الخوض في التفاصيل، يعتقد أن الحل الأمثل ربما يكون بإنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي، أو الرعاية الاجتماعية، يمول من خلال اقتطاع جزء من مرتبات أصحاب الوظائف الدائمة كل حسب دخله، بالإضافة إلى أصحاب المحال التجارية، كما يمكن فتح باب للمساهمة في هذا الصندوق لمن يرغب من المغتربين. وبكل تأكيد، قد يصطدم هذا المشروع ببعض العقبات، ويأتي على رأسها التشكيك بنزاهة القائمين على هذه المهمة، وهو حق مشروع؛ لأن هذ الداء الموروث ما زال مستشريا في المناطق المحررة. ومن أجل التغلب على هذه المشكلة يمكن اعتماد مبدأ الشفافية كتجربة تنفذ للمرة الأولى، والتي تعني أن يكون كل شيء مكشوفا وواضحا، فمن خلال المعرفات يتم عرض كافة الأنشطة والعمليات، بحيث تظهر أسماء المساهمين، وكمية المبالغ المجموعة، وعدد وأسماء العوائل المستفيدة... وهكذا.

    كما تفوق بعض المغتربين على أنفسهم واقتحموا ردهات وأروقة دوائر صنع القرار في العواصم المهمة، منجزين قانون قيصر، فليحذو الجميع حذوهم، فنحن بحاجة للتصدي للطابور الخامس الذي يعمل بحرية مطلقة، كما أننا بحاجة للتكافل الاجتماعي الذي نحن أهل له، أو لإجراء آخر يمكن أن يخفف من معاناة الفقراء، فالنظام السوري في الجولات الأخيرة تلقى لكمتين قاسيتين جدا: الأولى منعه من اجتياح إدلب، والذي كان يهدف من خلاله مساومة العالم: إما رفع العقوبات، وإما استقبال ملايين المهجرين. والثانية، قانون قيصر، وهو الآن يترنح، فلنتعاون معا لدفعه إلى السقوط والاستسلام، إن قمة التفوق: معرفة من أين تؤكل الكتف.

  • مستقبل قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا

    المركز السوري سيرز- الباحث أحمد ناصيف

    التاريخ: السابع من حزيران 2020

    تعتبر سوريا عمومًا مركز حضاري هام في منطقة الشرق الأوسط، وفيها وجدت أول أبجدية متكاملة في التاريخ وهي الأبجدية الأوغاريتية. تطور وتغير نظام التعليم فيها حسب الانظمة الحاكمة مرورا بالدولة الاموية حيث انشأت المدارس في دمشق وكان أشهر المدارس المدرسة السيمساطية التي تقع شمال الجامع الأموي، ثم العصر العباسي حيث كان أهم المراكز العلمية في تلك الفترة كانت في مدن دمشق وحلب وقنسرين والرها وغيرها من المدن السورية. الى العصر العثماني حيث نشط التعليم في الكتاتيب، قبل احداث 2011 في سورية حظي التعليم بالاهتمام والرعاية، إذ يكفل الدستور السوري حق التعلم لكل مواطن، وهو إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي.

    في السنوات الاخيرة مرَ قطاع التعليم في سوريا بأيام عصيبة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، واعتمد التعليم في البلاد على الأسلوب التقليدي من خلال المدارس، ومع تفشي جائحة كورونا هذا العام أغلقت المدارس في عموم البلاد ومنها المدارس في المناطق المحررة (شمال غرب سوريا) حيث أغلقت 2,349 مدرسة منتشرة في المحرر أبوابها مما أثر على نحو 766,545 طالب فيها أي ما يعادل 100% من الطلاب المسجلين في المدارس بعموم المدن والقرى والمخيمات في المناطق المحررة، فاحدث ذلك تغييرا في طرق التعليم التقليدي ودفع نحو تحولات جذرية للبدائل مختلفة عن التعليم التقليدي لضمان استمرارية التعليم في المناطق المحررة، هذه التحولات أحدثت تغييرات في ثقافة المجتمع والطالب والمعلم في المنطقة وفتحت أفق جديدة للتعليم غير التقليدي، مما عزز إمكانية متابعة فئات متعددة لتعليمهم المدرسي والجامعي بعد أن كانوا متسربين بسب ظروفهم الخاصة، ومع توافر العديد من المقومات لنجاح طرق بديلة عن التعليم التقليدي هيئتها ظروف كورونا وظروف أخرى سياسية وإقليمية فلابد أن هناك تغيرات هامة في قطاع التعليم بعد كورونا ستحدث.

    تتمحور المشكلة التي تتناولها الدراسة في التساؤل الرئيسي التالي كيف سيتغير قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا؟

    وتنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية العلم ومخاطر الانقطاع عن التعليم وتفشي الجهل في المجتمع إضافة لخطورة إغفال دور بدائل التعليم التقليدي في ظل تفشي جائحة كورونا والأزمات والحروب على المجتمع ككل في المناطق المحررة.