• دور المجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية: قراءة تحليلية في نتائج استطلاع رأي

    ملخص تنفيذي

    قام مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بإجراء استطلاع رأي للمجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة القوى الوطنية، شمل 105 مجالس في المحافظات السورية الآتية: دمشق؛ ريف دمشق؛ حلب؛ إدلب؛ درعا؛ القنيطرة؛ حمص؛ حماة؛ اللاذقية. يُركّز الاستطلاع على طبيعة الدور الذي تمارسه المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بشكل خاص وفي كافة المحافظات السورية بشكل عام، بالتزامن مع المساعي الدبلوماسية الأممية لإيجاد تسوية للقضية السورية، على اعتبار أنَّ المجالس المحلية تُشكل أحد أبرز الحوامل الُمهيئة للاستقرار في المرحلتين الحالية والانتقالية.

    وقد خلصت نتائج استطلاع الرأي إلى ما يلي:

    ·تمارس المجالس المحلية دوراً خدمياً بالدرجة الأولى مُستندة على شرعيتها المبنية على قبول المواطنين، ولكنها تمتلك في نفس الوقت كُمونَ ومقومات الفاعلية السياسية؛

    ·تغلب آليتي التوافق والانتخاب على تشكيل المجالس، في حين يلحظ اعتماداً أضعف على آليتي التعيين والمبادرة الفردية؛

    ·تعتبر العلاقة التي تربط المجالس المحلية بغيرها من مؤسسات المعارضة الرسمية وفصائل المقاومة الوطنية إيجابية عموماً؛

    ·رغم وجود ميل عام لدى عينة المجالس لقبول مبدأ التفاوض على المستوى الوطني، إلا أن ذلك لا ينسحب على قبولها لاتفاقيات الهدن المحلية؛

    ·أكدت غالبية العينة على ضرورة حصر موضوع التفاوض ببحث قضية تشكيل هيئة الحكم الانتقالي؛

    ·حازت الهيئة العليا للتفاوض على دعم أغلبية العينة، في حين تبنت النسبة المتبقية موقفاً مغايراً لذلك؛

    ·أكدت عينة المجالس على أن عقدة الأسد تمثل العائق الأبرز الذي يحول دون نجاح العملية التفاوضية؛

    ·يتبنى ما يزيد عن ثلثي العينة اللامركزية الإدارية ضمن إطار وطني كنمط لإدارة سورية وتحقيق مطالب المجتمعات المحلية وتنميتها؛

    ·يأتي الجانب الخدمي والسلم الأهلي في سلم أولويات عمل المجالس المحلية في المرحلة الانتقالية.

    تمهيد

    تُعتبر المجالس المحلية أحد أهم إفرازات الثورة السورية لتعبيرها عن التحول الذي طرأ على طبيعة العلاقة مع المركز من جهة، ولكونها أداة لإدارة المرحلة الحالية والانتقالية من جهة أخرى. وعقب مرور ما يقارب الأربع سنوات على نشأة المجالس المحلية وما حققته من منجزات وما أثير حولها من إشكالات، ومع وجود مساعٍ دولية لدفع العملية السياسية التفاوضية واستثمار المجالس في هذا المجال نظراً لدورها الحالي الذي يكسبها شرعية حقيقية منبثقة من الأرض، فإنه من الأهمية بمكان دراسة دور المجالس في المرحلة الحالية والانتقالية في كلا المجالين الخدمي والسياسي بهدف تحليل طبيعة ذلك الدور والعوامل المؤثرة فيه، وصولاً إلى اقتراح توصيات من شأنها تمكين المجالس المحلية كأحد محركات الدفع السياسي.

    تُسلط هذه الورقة التحليلية الضوء على الدور السياسي للمجالس المحلية وتجلياته كما في نموذج اتفاقات الهدن المحلية الجزئية، وتُحاول تحليل طبيعة علاقة المجالس مع قوى المعارضة العسكرية والسياسية، وتصوراتها حول العملية التفاوضية من حيث موقفها من التفاوض كوسيلة للحل ومحددات رؤيتها السياسية وعلاقتها بالهيئة العليا للتفاوض. وأخيراً تبحث طبيعة ومعوقات الدور الذي من الممكن أن تؤديه المجالس المحلية في المرحلة الانتقالية.

    المجالس المحلية: دور خدمي قائم ومقومات لدور سياسي ناشئ

    تتنوع آليات تشكيل المجالس المحلية ما بين انتخاب وتوافق إلى تعيين ومبادرة فردية، حيث أظهرت نتائج الاستطلاع أن غالبية المجالس المستطلعة تشكَّلت عبر آلية التوافق المحلي حيث أشار 57% إلى ذلك مقارنة بـ 38% من العينة أشارت إلى الاستناد على آلية الانتخاب. وأظهرت النتائج بالمقابل ضعف الاعتماد على آليتَي التعيين والمبادرة الفردية في التشكيل حيث بلغتا مجتمعتين ما نسبته 5% من إجمالي إجابات العينة.

    **يُمكن أن يُفسّر اعتماد التوافق كآلية سائدة حالياً لتشكيل المجالس بغياب عوامل الاستقرار الأمني وحركات الانزياح الديمغرافي التي لا تتيح لجميع السكان المحليين المشاركة بالانتخابات، إضافة إلى قدرة هذه الآلية على تجاوز إشكاليات تقنية تكتنف العملية الانتخابية (لوائح الناخبين، القانون الانتخابي، الدوائر الانتخابية، عملية الاقتراع) وهو ما يحتاج إلى خبرات قانونية وتخصصية قد لا تتوافر بالضرورة على نطاق واسع في المجتمعات المحلية.

    وبمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خلصت إليها دراسة مؤشرات احتياجات المجالس التي قامت بها وحدة المجالس المحلية بالتعاون مع مركز عمران فإنه يلحظ تنامٍ طفيف في الاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل، حيث ارتفعت النسبة من 35.75% في الدراسة السابقة لتصل إلى 38% في الدراسة الراهنة، وهو ما تدلل عليه الوقائع الميدانية من حيث تنظيم عملية انتخابات محلية تطورت من حيث آليات التمثيل وحجم المشاركة كما هو الحال في الغوطة الشرقية. وبغض النظر عن آلية التشكيل انتخاباً كانت أم توافقاً فإنها تعتبر دليل على وجود مشاركة السكان في المجالس وهو ما يمنحها شرعية لا تتوافر لدى العديد من الإدارات المحلية القائمة ولا الكيانات السياسية في سورية.

    أما من حيث الأدوار التي مارستها المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية فقد تفاوتت حسب ما أتيح لها من إمكانيات وما تحقق لها من قبول محلي وشبكة علاقات ضمن السياق الذي تعمل فيه.وقد أظهرت نتائج الاستطلاع توصيف 57% من العينة لدور مجالسهم بأنه خدمي يقوم على تقديم الخدمات المحلية للسكان في مجالات الإغاثة والبنية التحتية والصحة والتعليم، في حين أجاب 42% بأنه دور ثنائي يشمل إضافةً إلى تقديم الخدمات على دور سياسي من أبرز تجلياته: إصدار مواقف وبيانات سياسية، حضور فعاليات سياسية، تنظيم مظاهرات، عقد مصالحات مجتمعية، إجراء مفاوضات محلية مع النظام والقوات الموالية له. أما النسبة المتبقية من العينة وتبلغ 1% فعرَّفَت دورها بأنه سياسي بحت.

    ­

    **تجلى الدور الخدمي للمجالس بشكل أكبر منالجانب السياسي رغم امتلاك المجالس كموناً عالياً ومقومات الفاعلية السياسية وهي:

    1.الشرعية المحليةالمستمدة من تمثيلها للسكان المحليين عبر انتخابات أو توافقات محلية؛

    2.الدور الوظيفيالملاحظ في نجاحها النسبي في الاضطلاع بممارسة وظائف الدولة في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد وقدرتها على تمثيل جميع مكونات المجتمع المحلي واتجاهاته السياسية والفكرية واستقطاب الكفاءات وتأهيل قادة المجتمع المحلي للمشاركة في إدارة الشأن العام؛

    3.الاعتراف السياسيمن قبل جميع الأطراف حيث اضطر النظام للتعامل مع بعضها وعقد معها مفاوضات (اتفاق الزبداني) وكذلك المنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر الكثير من المجالس المحلية شريكاً أساسياً في تنفيذ عملياتها الإنسانية، كذلك المعارضة السورية والفاعليات المحلية والدول التي تواصلت معها ورتبت شراكات معها فضلاً عن حضورها في وثائق الحل السياسي.

    ويمكن إيجاز أبرز ما يُعيق إمكانية تطور الدور السياسي للمجالس بما يلي:

    1.نظرة القائمين عليها بأنها هيئات يغلب عليها الطابع الخدمي؛

    2.تضارب المصالح وتنازع الأدوار بين المجالس المحلية من جهة والقوى العسكرية والسياسية للمعارضة من جهة أخرى؛

    3.غياب عملية سياسية مستقرة تتيح للمجالس ممارسة دور متقدم يتجاوز الدور الخدمي.

    المجالس المحلية وقوى المعارضة: منظور إيجابي لعلاقات متشابكة

    أظهرت نتائج الاستطلاع تقييماً مقبولاً بشكل عام من قبل عينة المجالس لعلاقتهم بمؤسسات المعارضة الرسمية كالائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة، حيث وصف 37% من العينة علاقتهم بالائتلاف بالإيجابية عموماً مقابل 25% ممن رأوا بأنها سلبية، ووصفها 38% بأنها مقبولة. وفيما يتعلق بالحكومة المؤقتة، عبَّر 45% من العينة عن تقييم إيجابي للعلاقة معها مقابل 21% وصفوها بالسلبية، و34% أشاروا بأنها مقبولة.

    وينسحب التقييم الإيجابي أيضاً على العلاقة التي تربط المجالس بفصائل المقاومة الوطنية، حيث عبَّر ما نسبته 89% من العينة بأنها جيدة جداً أو جيدة، فيما أفاد 10% أنها مقبولة، مقابل 1% وصفوها بالسلبية.

    **تتحدد علاقة المجالس بمؤسسات المعارضة الرسمية بعدة متغيرات أبرزها:

    1.الدعم المادي؛

    2.الشرعية السياسية والدولية؛

    3.الدور الوظيفي؛

    4.العلاقات الشخصية.

    وبناء على ما سبق يمكن تفسير التقييم الإيجابي لهذه العلاقة بما يلي:

    1.إدراك المجالس أن ضعف دور مؤسسات المعارضة الرسمية يتصل بعوامل موضوعية، كالإرادة الإقليمية والدولية، أكثر مما يتصل بعوامل ذاتية ذات صلة بالمعارضة نفسها؛

    2.اعتقاد المجالس بأهمية وجود جهة مركزية تنسق عمل المجالس المحلية وتدير أولويات عملها إضافة إلى الحاجة لوجود حامل سياسي على المستوى الوطني يزيح عن كاهل المجالس المحلية هذا العبء ويصرفها باتجاه ميادين الخدمة والإدارة المحلية؛

    3.وجود علاقات شخصية بين أعضاء المجالس وشخصيات المعارضة الرسمية، إضافةً إلى عضوية بعض أعضاء المجالس في بُنى المعارضة السياسية الرسمية؛

    4.وجود اعتمادية نسبية من قبل المجالس على هذه المؤسسات كقنوات رسمية للتواصل مع الجهات الداعمة.

    ومن جهة أخرى، تطورت علاقة المجالس المحلية مع فصائل المقاومة الوطنية من تضارب مصالح إلى علاقات تتسم بالإيجابية دون أن ينفي ذلك استمرار التنافس بينهما ولكن بأشكال أخرى، ويمكن تفسير هذا التحول بعدة عوامل أبرزها:

    1.إدراك الفصائل لأهمية مشروع المجالس في إدارة شؤون المجتمعات المحلية وأن تعاونهم معها في حل قضايا المجتمع المحلي يسهم في تعزيز شرعيتها؛

    2.التحول في آليات تدخل الفصائل في المجالس من تدخل مباشر كان يمارس على اختيار المجالس وعملها إلى آخر يتم من خلال قنوات مجتمعية (هيئات محلية ووُجهاء) وهو ما ساهم في تخفيف الاحتكاك السلبي بين الطرفين.

    منظور المجالس للعملية التفاوضية: قبول مشروط بحل سياسي محفوف بالمعوقات

    حظيت مقولة الحل السياسي للقضية السورية بقبول إقليمي ودولي لاسيما بعد تنامي التهديدات الأمنية والأزمات الإنسانية للصراع وتجاوزهما حدود الجغرافية السورية. وفي إطار دفع العملية التفاوضية تم إصدار عدد من القرارات الأممية وتشكيل هيئة عليا للتفاوض لتكون طرفاً مفاوضاً لنظام الأسد انبثقت عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية بعد أن كان التفاوض على المستوى الوطني من اختصاص الائتلاف الوطني، وتم عقد جولة من المباحثات إلا أنها لم تُحقق إنجازاً يُذكر في جسر الهوة بين طرفي التفاوض. وعلى اعتبار أنَّ المجالس المحلية هيئات شرعية تُمثل رأي السكان المحليين، إضافةً إلى أنه سبق لها القيام بمفاوضات محلية مع نظام الأسد في عدة حالات غلب عليها الطابع المحلي ومن أهمها اتفاقيات الهدن، كان من المهم استطلاع رأيها حول العملية التفاوضية. وقد عبَّر 57% من عينة المجالس عن قبولها لفكرة التفاوض مع نظام الأسد من حيث المبدأ كوسيلة للحل النهائي في حين عارض ذلك 38% من العينة نفسها، وعزف 5% عنالتعبير عن رأيهم حيال فكرة التفاوض.

    ومن الجدير بالذكر أن قبول المجالس المحلية للتفاوض مع نظام الأسد لا ينسحب على قبولها لاتفاقيات الهدن المحلية، حيث عارض ثلثا العينة اتفاقيات الهدن المحلية باعتبارها تصُبّ في مصلحة نظام الأسد، مقابل تأييد ما يزيد عن ريع العينة بقليل لفكرة الهدن باعتبارها تصُب في إنعاش المجتمعات المحاصرة، في حين عزف 15% من العينة عن إبداء رأيهم في هذا الموضوع.

    **عقد النظام السوري وحلفاؤه منذ بداية عام 2013 عدداً من الهدن مع الفاعلين المحليين في المناطق التي خرجت عن سيطرته، تتركز في مناطق ذات أهمية استراتيجية كالموقع الجغرافي أو الثقل الديمغرافي وهو ما يتبين من خلال انتشارها في محيط العاصمة وحمص ودرعا وحماة. وقد بلغ عددها تقريباً -بغض النظر عن استمراريتها أو انتهائها-ما يزيد عن 27 هدنة يُضاف إليها عدد من الهدن التي ما يزال التفاوض بشأنها قائماً في عدة مناطق من محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق.

    وقد لجأ النظام إلى الهدن كحلول تسكينية محدودة مدفوعاً بعاملين أساسيين:

    1.عسكري-أمني: فنظراً لعدم قدرته على الحسم العسكري في ظل انخفاض قدرته التعبوية على شن عمليات عسكرية بشكل متزامن في عدة مناطق لجأ النظام إلى المفاضلة بين مناطق استراتيجية وأخرى يمكن الاستغناء عنها تكتيكاً؛

    2.سياسي: دفع النظام رؤيته للحل السياسي القائمة على تحوير المطالب من حل سياسي شامل يقوم على إعادة توزيع السلطة وإشراك ممثلين عن قوى المجتمع السوري في الحكم بما يكسر من احتكار السلطة والموارد إلى مطالب محلية تتمحور حول مطالب إنسانية بالدرجة الأولى. بالمقابل اضطُر عدد من المجالس المحلية للقبول بالهدن لتحقيق مكاسب محلية في مقدمتها إنهاء المأساة الإنسانية في ظل استمرار الصراع واستنزاف كلا الطرفين وترهل استجابة المجتمع الدولي لمطالب الشعب السوري. ويمكن الاستدلال على ما سبق بنوعية المطالب التي تضمنتها اتفاقيات الهدن وفي مقدمتها رفع الحصار وإخراج المعتقلين ووقف القصف وإعادة الخدمات الأساسية.

    ويمكن أن يفسر الموقف الرافض لاتفاقيات الهدن والذي بلغ ثلثي العينة بما يلي:

    1.الأثر المتدني للهدن على أحوال ومعيشة المجتمعات المحلية وهو ما تعزز صحته الوقائع الميدانية؛

    2.عدم التزام نظام الأسد بالبنود الواردة في اتفاقيات الهدن لا سيما فيما يتعلق بإخراج المعتقلين والسماح للمواد الإغاثية بالدخول للمناطق المحاصرة فضلاً عن تقييد حركة السكان المحليين في مناطق الهدن؛

    3.غياب ضمانات جدية لاتفاقيات الهدن وضعف آليات مراقبتها؛

    4.الخشية من التأثير السلبي لاتفاقيات الهدن على الحراك الثوري من خلال اختراقه أمنياً وإغراق مناطق الهدن بالأزمات.

    وعلى الرغم من قبول المجالس لفكرة التفاوض مع نظام الأسد إلا أنهم يشترطون اتخاذ الأخير إجراءات محددة رتبتها المجالس من حيث أولويتها وفق الآتي:

    1.وقف إطلاق النار والقصف الجوي؛

    2.سحب الميليشيات الأجنبية؛

    3.إطلاق سراح المعتقلين؛

    4.فك الحصار عن المناطق المحاصرة؛ وأخيراً إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الصراع.

    وفي حين يتمسك وفد الأسد بموقفه القائم على أولوية محاربة الإرهاب ويعتبره بوابة الحل السياسي، تُصرّ المعارضة والقوى الوطنية على ثوابتها في ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة لإدارة ملفات المرحلة الانتقالية. وحول رأي المجالس المحلية فيما يخصّ أولويات التفاوض، أكدت غالبية العينة بما نسبته 89% على ضرورة حصر موضوع التفاوض ببحث قضية هيئة الحكم الانتقالية، في حين رأى 9% بوجوب تطرق المفاوضات لموضوعَي هيئة الحكم الانتقالية ومحاربة الإرهاب.

    وفيما يخص موقف المجالس المحلية من الهيئة العليا للمفاوضات ومدى تمثيلها لها، أظهرت النتائج أن 55% من العينة يرَون أن هيئة التفاوض تُمثل المجالس، في حين تبنَّت النسبة المتبقية موقفاً مُغايراً.

    أما فيما يخص إجراءات التفاوض وسياق العملية التفاوضية، فقد أبدت غالبية المجالس المحلية تأييدها لإجراء التفاوض، إلا أنها في الوقت نفسه لا تنظر بإيجابية إلى السياق والتوجه الذي ستبدأ من خلاله العملية السياسية نظراً لاعتقادها بوجود العديد من المعوّقات التي تحول دون نجاح العملية التفاوضية والتي رتبتها المجالس المحلية كالآتي:

    1.عقدة الأسد؛

    2.غياب إجماع دولي.

    3.غياب جهة تمثل السكان.

    4.الفصائل العسكرية.

    5.المعارضة السياسية.

    **ينطلق قبول المجالس المحلية لمبدأ التفاوض مع نظام الأسد من عدة اعتبارات، أهمها:

    1.وجود قناعة لدى المجالس بصعوبة الحسم العسكري وفق معايير الواقعية السياسية وخاصة بعد التدخل الروسي، مقابل وجود قبول إقليمي ودولي لأطروحة الحل السياسي لتسوية الصراع؛

    2.استثمار أداة المفاوضات لتحقيق مكاسب خدمية وإنسانية وحقوقية؛

    3.إحراج النظام سياسياً واختبار جديته في التوصل لحل سياسي.

    وإن كانت المجالس تميل للقبول بالتفاوض إلا أنه قبول مشروط بمحددات تشكل مجتمعة السقف السياسي المجمع عليه من قبل المجالس وهي:

    1.وقف إطلاق النار وإيقاف العمليات العسكرية؛

    2.سحب الميليشيات الأجنبية من الأرض السورية؛

    3.تحقيق المطالب الإنسانية التي نصت عليها القرارات الأممية من إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود؛

    4.الحفاظ على وحدة سورية وإدارتها من خلال هيئة حكم انتقالية لا مكان للأسد فيها؛

    5.إعادة تشكيل المؤسسة الأمنية والعسكرية على أسس وطنية؛

    6.محاسبة المتورطين في ارتكاب جرائم بحق الشعب السوري.

    ويلحظ من ترتيب المجالس لإجراءات ما قبل التفاوض تركيزها على المطالب ذات الطابع الأمني والعسكري عوضاً عن تركيزها على المطالب الإنسانية، ويمكن تفسير ذلك باعتقاد المجالس بأن ما تواجهه من أزمات إنسانية هو نتيجة لتأزم الوضع الميداني، وبالتالي فإن وقف التصعيد العسكري وسحب الميليشيات سيعزز من قدرتها على التعامل مع الملفات الإنسانية والأزمات الخدمية. ورغم تأييد ما يزيد عن نصف عينة المجالس بقليل للهيئة العليا للتفاوض إلا أن النسبة المتبقية لا تعتبر الهيئة ممثلة لها وهي تمثل كتلة حرجة لا يستهان بها، ويمكن تفسير موقفها بعاملين رئيسين وهما:

    1.طريقة تشكيل الهيئة العليا للتفاوض وشعور المجالس باستمرار تهميشها؛

    2.ضعف التواصل بين الهيئة العليا للتفاوض والمجالس المحلية من حيث استماعها إلى رأي الأخيرة حول مجريات الأحداث ومعرفة آخر التطورات السياسية من قبل الهيئة باعتبار أن المجالس معنية بالأمر أكثر من غيرها لاحتكاكها اليومي بالسكان المحليين وتمثيلها لهم.

    وضمن تصورات الحل السياسي تُطرح قضية شكل الدولة والصيغة الأمثل لإداراتها، حيث تتراوح الطروحات بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية. وبالنظر إلى موقف المجالس المحلية حيال نمطي الإدارة فقد أظهرت النتائج تبني ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل للامركزية الإدارية، مقابل تبني ما يقارب ثلث العينة للامركزية السياسية.

    كما أشارت غالبية العينة إلى ضرورة وجود إطار ناظم لعملها على المستوى الوطني وهو ما عبر عنه 98% من العينة، مقابل معارضة 2% لهذا التوجه.

    **إن ميل المجالس المحلية للامركزية الإدارية كنمط لإدارة الدولة السورية ينبع من حرصها على وحدة سورية واعتقادها بأن منح المجتمعات المحلية صلاحيات أوسع ضمن اللامركزية الإدارية كفيل بأن يحقق مطالبها في الجوانب الخدمية والتنموية والثقافية، بالمقابل فإن اللامركزية السياسية من شأنها أن تؤدي إلى إيجاد كيان سياسي هش قوامه وحدات سياسية متنافسة فيما بينها وهو ما ينبئ بصراعات مستمرة.

    وفيما يخص تأييد المقترح بخصوص تشكيل إطار وطني ناظم لعمل المجالس فإنه ينبع من التزام المجالس بالشراكة على المستوى الوطني مع الإدارات المحلية من جهة وقناعتها بأنها بحاجة إلى إطار وطني يُنسق الأولويات ويشكل مرجعية إدارية لها في مزاولة مهامها.

    دور مأمول وتحديات قائمة للمجالس في المرحلة الانتقالية

    تُعتبر المجالس المحلية أحد الآليات التي يُعول عليها لإدارة المرحلة الانتقالية بحكم شرعيتها من جهة وما تراكم لديها من خبرات في إدارة ملفات هذه المرحلة من جهة أخرى. وفيما يتعلق بترتيب المجالس لأولوياتها في المرحلة الانتقالية فقد جاءت وفق الآتي:

    1.توفير الخدمات الأساسية؛

    2.تعزيز السلم الأهلي؛

    3.توفير الأمن المحلي والتنمية الاقتصادية؛

    4.دفع العملية السياسية.

    وأشارت نتائج الاستطلاع إلى إدراك المجالس المحلية أنَّ دورها في المرحلة الانتقالية منوطٌ بقدرتها على التعامل مع التحديات التي ستُواجهها والتي رتبتها وفق الآتي:

    1.ضعف الموارد؛

    2.التجاذب السياسي والانقسام المجتمعي؛

    3.الحصول على الشرعية؛

    4.صعوبات أمنية.

    **يفسر تركيز المجالس المحلية على أولوية توفير الخدمات في المرحلة الانتقالية بقناعتها بأن دورها خدمي بالدرجة الأولى وهو ما أظهرته نتيجة سابقة ذات صلة بالموضوع، بالإضافة إلى اعتقادها بأن الخدمات هي الحاجة الأبرز للسكان المحليين وأن نجاحها في توفيرها يمنحها الشرعية المحلية ثم الدولية، كما يُسهم في استعادة الأمن والاستقرار للمجتمعات المحلية. وتدرك المجالس أيضاً أن العائق الأكبر أمام ممارسة مهامها في المرحلة الانتقالية يكمُن في ضعف الموارد وهو ما يفسر بحجم الطلب الكبير على الخدمات المهيئة للاستقرار من قبل السكان المحليين.

    الخاتمة

    تُمارس المجالس المحلية بشكل عام ثلاثة أدوار وهي:

    1.الدور الخدمي؛

    2.الدور السياسي؛

    3.الدور التنموي.

    ورغم أن نتائج الاستطلاع أظهرت ميل المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية للتركيز على الدور الخدمي على حساب الدور السياسي لاعتبارات عدة، إلا أنها مارست الفعل السياسي في عدة مناسبات ومن أبرز تجلياته: إصدار بيانات ومواقف سياسية تمثل رأي المواطنين الذين منحوها الشرعية الحقيقية على الأرض، حضور فعاليات سياسية، تنظيم مظاهرات، عقد مصالحات مجتمعية، إجراء مفاوضات محلية مع النظام والقوات الموالية له، إبداء الرأي في العملية التفاوضية.

    وفي ظل الحراك السياسي القائم لدفع العملية التفاوضية للتوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع الدائر، فإنه من الأهمية بمكان تعزيز الدور السياسي للمجالس واستثماره لأجل تعزيز الموقف التفاوضي للمعارضة ولاحقاً لدفع العملية السياسية وحماية المكتسبات الناجمة عنها من محاولات الثورة المضادة الرامية لإجهاض الحراك الثوري. ولا يخفى على المراقب أن المجالس المحلية تملك كموناً عالياً يؤهلها لتشكيل هيئات سياسية مستندة على شرعية شعبية محلية تجعلها تتفوق عن كافة الأجسام السياسية الحالية.

    ولتحقيق ما سبق يتوجب توفير حزم دعم تستهدف تعزيز قدرات وموارد المجالس وتمكينها مؤسسياً من الصمود في وجه التحديات المختلفة من خلال رفدها بعوامل النجاح المؤسسي والمالي وبرامج بناء القدرات والتدريب المستمر لاسيما فيما يتعلق بالعمل السياسي، إضافة إلى تأطير علاقة المجالس بغيرها من هيئات الحراك الثوري المدنية والعسكرية على قاعدة وحدة الهدف ووفق مبدأ توزع الأدوار وتكاملها.

    ملحق: معلومات الاستطلاع

    تاريخ الدراسة: من 1-1-2016 إلى 3-2-2016

    عينة الاستطلاع: 105 مجلس محلي

    التنفيذ: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

    منهجية البحث

    1.مجتمع العينة

    تم اختيار عينة غرضية من ضمن المجالس المحلية للمحافظات والمجالس الفرعية التابعة لها، وذلك في المناطق الخارجة كلياً أو جزئياً عن سيطرة نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية والإدارة الذاتية الكردية، نظراً لقدرة المجالس في هذه المناطق على القيام بأدوار عدة ضمن الحدود الإدارية لمناطقها.

    2.حجم العينة وتوزيعها

    شملت عينة الاستطلاع 105 مجلساً محلياً من إجمالي عدد المجالس البالغ 427. حيث استجاب من كوادر تلك المجالس 62 رئيس مجلس و32 عضو مكتب تنفيذي و11 عضو، فيما توزعت العينة على محافظات دمشق وريف دمشق وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماه اللاذقية، وتفاوت توزع العينة على المجالس الفرعية وفقاً لتفاوت عدد المجالس الفرعية في كل محافظة.

    3.وثوقية العينة

    حرص الباحثون على طرح أسئلة الاستبيان وعرضها على المستجيبين بغض النظر عن آرائهم الشخصية أو توقعهم لاتجاه نتائج الاستطلاع، كما تم التركيز على صياغة الأسئلة بطريقة محايدة لا تؤثر على آراء المستجيب.

    4.مدة الاستطلاع

    استغرقت عملية الاستطلاع ما يزيد عن الشهر، حيث بدأ التواصل مع المجالس المحلية اعتباراً من 1-1-2016 وحتى 3-2-2016، تلا ذلك عملية تفريغ البيانات ثم تحليلها واستخلاص النتائج النهائية.

    5.منهجية التحليل

    تم تقسيم عملية التحليل إلى جزأين وفق هدف الدراسة المتمثل في رصد توجهات المجالس المحلية ومدى اضطلاعها بأدوارها على المستويين الإداري والسياسي ، وبالتالي فإن هذا القسم من التحليل يتناول نتائج الاستطلاع ضمن التساؤلات التي تم طرحها حول دور المجالس المحلية في التأثير على العملية السياسية، وموقفها من الأداء السياسي للبنى السياسية الثورية وتفاعلها مع الاستحقاقات المختلفة، والميل السياسي العام للمجالس المحلية، في حين سيتناول القسم الثاني من التحليلالدور الإداري للمجالس المحلية ومدى حيازتها لأهم مقوماته ومسؤولياته.

    وتأتي عملية إدماج عملية الاستطلاع للدورين السياسي والإداري من منطلق وجود جدلية مستمرة بين فاعلية دور المجالس المحلية في الدفع السياسي ودورها الرئيس في إدارة المجتمعات المحلية وتحقيق مصالحها وتمثيلها.

    مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

  • في تعقيدات المشهد السوداني

    د.بدر شافعي

    كلما تمر الأيام في السودان بعد إطاحة عمر البشير، تتكشف الأمور والمواقف شيئا فشيئا، وقد يساعد هذا الانكشاف في فهم مجريات الأحداث، لكنه قد يزيد المشهد تعقيدا، فربما كان البشير قمة جبل الجليد، التي بمجرد سقوطها، بدأت الأمور تتضح شيئا فشيئا، لا سيما أن الحديث الآن بات يركز على تفاصيل المرحلة الانتقالية التي ربما تشهد تبايناتٍ حتى داخل الفصيل الواحد بشأن مفرداتها، وكما يعرف دائما، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. 
    أول تعقيدات المشهد الراهن تتمثل في تشكيلة الطرفين الأساسيين الآن، وهما قوى الحرية والتغيير التي تضم بداخلها قوى “نداء السودان” و”الإجماع الوطني” و”تجمع المهنيين” وغيرها، في مقابل المجلس العسكري الانتقالي الذي يتشكل من عشرة أشخاص، كلهم ينتمون للمؤسسة العسكرية باستثناء واحد أو اثنين من المؤسسة الأمنية. تشكيلة كل من الطرفين هذه، مع وجود أطراف أخرى غير منضوية لقوى الثورة (أكثر من مئة حزب في السودان بغض النظر عن فاعلية دورها) تعد أحد تعقيدات المشهد ذاته، فقوى الحرية والتغيير تضم قوى غير مسيسة، تتمثل في تجمع المهنيين الذي قاد الحراك الثوري منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومعظمهم من الشباب التكنوقراط غير المسيس، والذين يعدّون أيقونة الثورة. تقف هذه القوى جنبا إلى جنب مع قوى أخرى سياسية تقليدية، ربما كانت تطمح تاريخيا في السلطة، حتى وإنْ بالاستعانة بالعسكر، كالقوى الشيوعية ودعمها انقلاب جعفر النميري ذي التوجهات اليسارية في مايو/ أيار 1969، أو قوى سياسية كحزب الأمة الوطني الذي قاد الحكومة في مرحلتي ما بعد الفريق إبراهيم عبود (بدأت في 1958) والنميري، لكنه ساهم، بصورة أو بأخرى، في حدوث انقلاب عسكري بعد خمس سنوات فقط، بل إنه كان مؤيدا من خلال رئيس وزرائه، عبدالله خليل، انقلاب عبود للتخلص من خصوم الحزب… وبالتالي بات السؤال: من ستكون له اليد الطولى داخل قوى التغيير، هل لهؤلاء الشباب الذين يفتقدون الخبرة السياسية، أم للشيوخ الذين ربما أفسدوا التجارب الديمقراطية المحدودة التي شهدتها البلاد. 
    ثم يأتي تعقيد آخر يتعلق بمدى تمثيل قوى الحرية والتغيير قوى الثورة، وربما هذا ما فطن إليه 

    “قوى المؤتمر الوطني والثورة المضادة ستكون في عنفوانها، وستعيد تجهيز نفسها”

    المجلس العسكري الانتقالي، ويلعب عليه الآن، إذ يرى أن المرحلة الانتقالية لا بد أن تتم بمشاركة الجميع، وربما الاستثناء، بسبب ضغوط الثوار عليه، حزب المؤتمر الوطني، الحاكم سابقا. ولذلك استقبل قوى الحرية والتغيير، ثم باقي القوى الأخرى، وأكد أنه سيتلقى المقترحات بشأن رئيس الحكومة المدنية المقترحة من الجميع، ما يعني السماح لكل طرف، حتى من الأطراف الموالية له بتقديم مقترحات، وبالتالي تشتيت الجهود، واللعب على الخلافات لإضعاف الخصوم، متأثرا بذلك بالتجربة المصرية إبّان ثورة يناير، والتي لعب دورها الأساسي رئيس المخابرات العامة الراحل عمر سليمان، ومدير المخابرات الحربية في حينها عبد الفتاح السيسي. 
    ويتعلق التعقيد الثالث بالمجلس العسكري الانتقالي وكيفية اختياره، فالواضح أنه امتداد لنظام البشير. وقد برز هذا بوضوح بعد الإعلان الأول لوزير الدفاع ونائب الرئيس عوض بن عوف، والذي على الرغم من الرفض الشعبي لبيانه، وله شخصيا، إلا أنه أصرّ على تنصيب نفسه رئيسا. ولما زادت الضغوط، اختار المجلس شخصا آخر، هو عبدالفتاح البرهان، من دون معرفة كيفية اختياره، ناهيك عن أنه أيضا أحد رجال البشير الذي قام بترقيته في فبراير/ شباط الماضي من فريق ركن إلى فريق أول، وإسناد منصب المفتش العام للقوات المسلحة إليه، بعد أن كان قائدا للقوات البرية، كما أسند له الإشراف على القوات السودانية في اليمن، بالتنسيق مع نائبه، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، الذي، وإن أظهر، هو الآخر، تعاطفا وتأييدا للمطالب الشعبية، سيما ما يتعلق بتقليص المرحلة الانتقالية، إلا أنه كان قائد مليشيا الجنجويد في حرب دارفور، ثم قائد قوات الدعم السريع التي كانت ذراع النظام الطولى في ملفي كردفان والنيل الأزرق وغيرهما. 
    وهنا تأتي إشكالية خاصة بعلاقة كلا الجانبين، قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، ببعضهما، فتبرز أزمة ثقة عميقة، ربما لن تخفف منها الكلمات الدبلوماسية “الناعمة” من المجلس العسكري، فمن وجهة نظر قوى التغيير، لا بد من التغيير الشامل لكل مؤسسات الدولة. ووفق ما جاء في البند الرابع من إعلانها في يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي يعد الإطار المرجعي لمواقفها، فإنها تطالب بإعادة هيكلة مؤسسات الخدمة المدنية (الشرطة)، والعسكرية (الجيش) خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما أكد عليه ميثاق إعادة الهيكلة الذي تم توقيعه في إبريل/ نيسان 2016 بين قوى نداء السودان والإجماع الوطني والجبهة الثورية ومبادرة المجتمع المدني، والذي اعتبرته قوى الحرية والتغيير إطارا مرجعيا ثانيا لها، فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية المقبلة، إذ ينص أيضا على حل (وتسريح) الدفاع الشعبي ومليشيات الدعم السريع وجميع المليشيات التي أنشأها النظام ونزع أسلحتها. 
    تساهم هذه المواقف في تعميق أزمة الثقة بين الجانبين، وتجعل المجلس العسكري رافضا مطلب 

    “قد تعود الثورة المضادة إلى المشهد بلباس ديمقراطي، مستغلة حالة التخبط، أو عدم النضج لهذه القوى، في المرحلة الانتقالية”

    هذه القوى بوجود تمثيل مدني في صفوفه، حتى وإن كان تمثيلا محدودا، لا يؤثر على اتخاذ القرارات، كما تجعله هدفا صريحا لهذه القوى، فكيف سيكون حال حميدتي، وهو نائب رئيس المجلس، عندما يطالب الثوار بحل قواته، بل وربما هذا هو الأخطر تقديمه، هو وأعضاء المجلس للمحاكمة الوطنية والمحلية، على جرائم ارتكبت في الفترة الماضية بحق المدنيين. وقد جاء هذا الأمر أيضا في بيان إعادة الهيكلة في البند الثالث الخاص بالعدالة الانتقالية، إذ تم التأكيد على إخضاع مرتكبي الجرائم للمحاكمات العادلة، ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، بالمحاسبة الوطنية والدولية على ارتكاب الجرائم الجسيمة، وفي مقدمتها جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. 
    صدور مثل هذه البيانات بهذا الوضوح لا يجعل العسكر يرفض فقط فكرة مشاركة المدنيين، بل وربما يجعله يسعى، بطريقةٍ أو بأخرى، إلى الالتفاف حول الثورة، مهما بدا منه غير ذلك، بسبب هذا الخطاب الواضح والصريح. ولعل هذا يفسّر أسباب حرصه على تقليص المرحلة الانتقالية إلى سنتين حدا أقصى، بدلا من أربع وفق الثوار، لأنه يدرك أن هذه المدة ربما تكون قصيرة على الثورة والثوار الجدد لإعادة ترتيب الحياة السياسية وغيرها، والتي تحتاج مزيدا من الوقت، في حين أن قوى “المؤتمر الوطني” والثورة المضادة ستكون في عنفوانها، وستعيد تجهيز نفسها بصورة أو بأخرى. وبالتالي، يمكن أن تعود إلى المشهد بلباس ديمقراطي، مستغلة حالة التخبط، أو عدم النضج لهذه القوى، في المرحلة الانتقالية.