• الانتخابات الإسرائيلية: قراءة في الدلالات والانعكاسات

    بقلم:د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يظهر أن نتنياهو سيظفر بولاية خامسة لرئاسة الوزراء، بحسب النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية، وسيقف إلى جانب بن غوريون الزعيم المؤسس للكيان الصهيوني، في طول المدة التي قضاها رئيساً للوزراء؛ حيث أتم نتنياهو 13 عاماً (الفترة 1996-1999، والفترة 2009-2019). وهو إنجاز كبير في البيئة السياسية الإسرائيلية، التي تتميز بكثرة الأحزاب، وبكثرة الانشقاقات والاندماجات، وبكثرة المناورات والمناكفات السياسية، مع قدرة كبيرة على التعايش في إطار المشروع الصهيوني.

    نقف هنا عدداً من الوقفات كقراءة أولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت مؤخراً في 9/4/2019:

    الوقفة الأولى: أن نتنياهو تمكن بما لديه من خبرة، وبما عُرف عنه من حنكة ودهاء، من تجاوز تحدي الانتخابات بنجاح كبير. فبالرغم من أنه جاءها وملفات اتهامه بالفساد جاهزة لرفعها لمحاكمته؛ إلا أنه تجاوز كل بيئة الاتهامات، وظلت أغلبية كبيرة ترى أنه المؤهل لرئاسة الوزراء، حتى من غير مؤيدي حزبه (الليكود). بل وتمكَّن من إضافة ستة مقاعد إلى مقاعد الليكود لتصبح 36 مقعداً. ونجح في تجاوز أو تحجيم القوى الأكثر يمينية، التي كانت تتهمه بالضعف؛ فسقط نفتالي بينيت وحزبه "اليمين الجديد"؛ كما سقط حزب "هوية" الذي يرأسه موشيه فاغلين النائب الليكودي السابق. وتراجع حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون وزير المالية في الحكومة السابقة من عشرة مقاعد إلى أربعة فقط. وبالتالي ظلَّ نتنياهو متربعاً كـ"مَلِك"ٍ على اليمين الصهيوني؛ الذي لا يملك مرشحاً سواه لرئاسة الوزراء. أما الأحزاب الدينية التي حصلت على 16 مقعداً؛ فهي بالتأكيد ستميل إلى نتنياهو في أي تشكيل حكومي، لتقاربها السياسي العام معه.

    الوقفة الثانية: أن المسار العام للانتخابات في العشرين عاماً الماضية، يؤكد ازدياد يمينية وتطرف المجتمع الصهيوني في الكيان الإسرائيلي؛ وتفتُّت وانزواء ما يُعرف بمعسكر "اليسار"، الذي أخذ هو نفسه يأخذ صبغة يمينية، ويتبنى رؤى وجدليات "يمينية". وجاء السقوط المدوي لحزب العمل في هذه الانتخابات بحصوله على ستة مقاعد فقط، بعد أن كان يقود "المعسكر الصهيوني" بالتحالف مع تسيبي ليفني، الذي يملك 24 مقعداً. مع العلم أن حزب العمل (بأشكاله المختلفة) هو الذي قاد الحياة السياسية الإسرائيلية، منذ إنشاء الكيان الصهيوني 1948 وحتى 1977. وفي الوقت نفسه، يجب أن لا تفوتنا ملاحظة أن تسميات اليمين واليسار والوسط في "إسرائيل" هي تسميات لا تُعبر بالضرورة عن المصطلحات والمدلولات العلمية المتداولة، ولكنها تستخدم لتقريب الصورة. إذ إن "الصهيونية التوفيقية" التي تُعلي الشأن اليهودي الصهيوني هي التي تحكم الجميع.

    الوقفة الثالثة: أن تنياهو استفاد من رصيد "منجزاته" على الصعيد الإسرائيلي؛ فالاقتصاد الإسرائيلي في أحسن أحواله، ويزيد معدل الدخل السنوي للفرد عن أربعين ألف دولار، وبرامج التهويد والاستيطان تجري على قدم وساق، بينما تقوم السلطة الفلسطينية في رام الله بـ "واجباتها" المطلوبة منها إسرائيلياً، وعلى رأسها التنسيق الأمني. وفي الوقت نفسه، تزداد معالم "يهودية" الكيان الصهيوني وعنصريته وتطرفه، ويتم تثبيت ذلك في قوانين ونصوص "فوق دستورية"، وعلى رأسها قانون "يهودية الدولة" الذي أجيز السنة الماضية. كما أن السياسة الأمريكية بقيادة ترامب هي أكثر تماهياُ مع الليكودية اليمينية المتطرفة؛ فقامت بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقلت سفارتها إليه؛ وهي تسير في خطى حثيثة لتطبيق ما يُعرف بـ"صفقة القرن" باتجاه تصفية القضية الفلسطينية.

    غر أنه كان لافتاً للنظر التدخل الأمريكي لدعم نتنياهو من خلال تقديم منجز تاريخي له بين يدي الانتخابات، وهو الاعتراف الأمريكي بضم الكيان الإسرائيلي للجولان السوري المحتل منذ سنة 1967. كما كان لافتاً أن يقوم الروس بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي، الذي ظلت جثته مدفونة في سورية طوال الـ 37 سنة الماضية قبل الانتخابات أيضاً. وهو ما يشير إلى أن قوى كبرى كانت تدعم فوز نتنياهو، وقامت ببعض الخطوات المهمة، عندما أظهرت استطلاعات الرأي تقدّم بني غانتس (حزب أزرق أبيض) عليه.

    وفي الوقت نفسه، تمّ إظهار خطوات تطبيعية مع عدد من الأنظمة العربية. كما زاره قُبيل الانتخابات رؤساء البرازيل وقبرص واليونان وهنغاريا وتشيكيا وتشاد.

    الوقفة الرابعة: أنه مع تكرُّس يهودية الدولة، وازدياد القوانين العنصرية، أصبح فلسطينيو 1948 أكثر يأساً من إمكانية تحصيل أي مكاسب من خلال المشاركة في الانتخابات والمنظومة السياسية الإسرائيلية. وانضم الكثيرون إلى الحركة الإسلامية (الشمال)، وحركة أبناء البلد في مقاطعة الانتخابات؛ وهبطت نسبة المشاركة في التصويت من 63% إلى نحو 50%. كما أن انقسام القائمة العربية، التي نزلت بشكل موحد في الانتخابات الماضية إلى قائمتين، أسهم في إضعاف قوة الدفع في الوسط الفلسطيني، فانخفض عدد المقاعد التي تم تحصيلها من 13 مقعداً إلى عشرة مقاعد.

    الوقفة الخامسة: أن مسار التسوية السلمية، وفق اتفاقيات أوسلو، يلفظ أنفاسه الأخيرة (هذا مع ميلنا مع عدد من المحللين، إلى أنه مات منذ أمد بعيد؛ وما ينتظره فقط هو الإعلان الرسمي للوفاة). فقد نجح الكيان الإسرائيلي في "إدارة" التسوية، وفي استخدامها كغطاء لتوسيع التهويد والاستيطان، وفي توظيف قوى فلسطينية "تؤمن بالتسوية" في قمع قوى المقاومة؛ والقيام بالمهام "القذرة" التي يحتاجها الاحتلال. ومع ظهور نتائج هذه الانتخابات، يلاحِظ "كبير المفاوضين الفلسطينيين" صائب عريقات أن المجتمع الصهيوني صوَّت ضدّ "السلام" وضدّ مسار التسوية السلمية؛ فلم يفز سوى 18 عضواً من أصل 120 عضواً ممن يؤيدون حلَّ الدولتين. وهكذا وجدت قيادة السلطة الفلسطينية نفسها بعد أن غامرت بأوسلو وتنازلت عن معظم فلسطين، أنها كانت كالنعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!

    أما الحل الذي يقدمه نتنياهو ومجتمعه الصهيوني فلن يتجاوز حكماً ذاتياً (تحت مسمى الدولة) فاقداً للسيادة، فاقداً للقدس، فاقداً لحق عودة اللاجئين، فاقداً لأجزاء واسعة من الضفة الغربية... يتم تسويقه بالتنسيق مع إدارة ترامب، التي تضغط لتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والبلاد العربية، وتجاوز الملف الفلسطيني، ومحاولة فرض ما يُعرف بـ"صفقة القرن".

    من ناحية سادسة، فعلى المقاومة الفلسطينية وخصوصاً في قطاع غزة، أن تتوقع بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، مزيداً من الضغوط، ومزيداً من محاولات تطويع القطاع ونزع سلاحه. ومع أن الطرف الإسرائيلي لا يرغب بأن تتحقّق وحدة سياسية بين الضفة والقطاع فإن ما هو أهم بالنسبة له إنهاكُ وإنهاءُ وإسقاطُ تجربة المقاومة في القطاع. ولعله سيتابع ضغطه بتصعيد بعض أشكال الحصار، لتشجيع إيجاد بيئات ساخطة بين الناس في القطاع، تستغلها القوى المعادية لحماس والمقاومة لمحاولة إسقاطها. وقد يصل الأمر بالإسرائيليين إلى تنفيذ اغتيالات للقادة والرموز وتوجيه "ضربات نوعية"؛ لكن الإسرائيليين سيظلون مترددين في الدخول في حرب شاملة نظراً لكلفتها الباهظة، ولاحتمالات فشلها. ولا تملك المقاومة إلا أن تتعامل بمزيد من الحكمة في استيعاب الناس وهمومهم، وبمزيد من الجهود لتوسيع دائرة التحالفات الوطنية لحماية المقاومة، وبمزيد من حسن التدبير والقوة والحزم في مواجهة العدو الصهيوني.
     

    المصدر: موقع "عربي 21"، 13/4/2019

  • التقرير الإستراتيجي لشهر شباط/فبراير 2020

    المقدمة

    حمل شباط/فبراير2020، مجموعةً من التطورات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وبالقضية الفلسطينية برمتها، من حيث متابعة ما جرى من إعلان عن صفقة القرن في الشهر الذي سبقه، والآليات التي باتت تستخدمها إسرائيل لتحقيق تنفيذٍ فعلي على الأرض، كما شهد الشهر تواصلاً وتنامياً للاعتداءات على الفلسطينيين، وفي هذا التقرير يتم الحديث عن أبرز الأحداث التي حملها شهر شباط.

    أولاً: الاقتصاد عنصر التأثير الأول في صفقة القرن

    بعد الإعلان عن صفقة القرن الشهر الماضي، بدأت تفاصيل آلية تنفيذها تتكشف تباعاً على أرض الواقع، وتقترح "صفقة القرن" إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، من ضمنها 30% من أراضي المنطقة "ج"، مع إمكانية مواصلة "إسرائيل" النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة دون توسيعها، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة "شعفاط" شمال شرقي القدس المحتلة، وفق الصحيفة العبرية نقلاً عن مصادر إسرائيلية لم تسمها.

    وتتضمن الخطة ضم "إسرائيل" ما بين 30% إلى 40% من أراضي المنطقة "ج"، التي تشكّل 61% من مساحة الضفة، كما أنها تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.

    ويبدو حسب ما أوردت صحيفة الخليج، أنّ دولاً خليجية حملت القسم الأكبر من المسؤوليات المالية ضمن إطار الصفقة؛ حيث تشير البنود التي أعلنها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال افتتاح مؤتمر المنامة، في 25 يونيو 2019، إلى أنه سيتم رصد مبلغ 50 مليار دولار على مدى 5 سنوات لـ"فلسطين الجديدة".

    وفيما يخص الأموال المدفوعة ستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية؛ وهي 70%، في حين لا تتكفل فلسطين و"إسرائيل" بأي مبالغ. وكشف الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، عن صفقة غير معلنة ستدفع من خلالها دول خليجية نحو 100 مليار دولار؛ في إطار تنفيذ الصفقة التي اهتمت بالجانب الاقتصادي، على أن يدفع كل من الإمارات والسعودية 70 مليار دولار بالمناصفة.[2]

    وتعتبر قوى وفصائل فلسطينية، بما فيها المنضوية تحت منظمة التحرير، اللجنة أداة من أدوات التطبيع ولا تنفك المطالبات بحلها.وسبق أن قالت لجنة التواصل، إنه "يجب التفريق بين التطبيع مع الاحتلال وأدواته، وهو أمر مرفوضٌ ومدانٌ فلسطينيا، وبين العمل على الجبهة الإسرائيلية الداخلية من خلال الحوار والتواصل والنقاش مع المجتمع الإسرائيلي وشرائحه المتعددة".، خاصة بعدما تم الكشف مؤخراً عن لقاء تم بين مكلفين من اللجنة فيما يسمى برلمان السلام للقاء إسرائيليين من اجل بحث صفقة القرن وتداعياتها.[4]

    رابعاً: تحرك أوروبي مدني ضد صفقة القرن

    وقّع 50 قيادياً أوروبياً سابقاً، بمبادرة من وزير الخارجية الدنماركي السابق وأمين عام الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقاً، موينز لوكاتوفت، رسالة مفتوحة تشبّه خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة باسم ‘صفقة القرن’ بأنها أقرب إلى نظام الفصل العنصري وشبيهة بالجبنة السويسرية.

    وبادر لوكاتوفت، بعد تواصله مع كلّ من وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا الأسبقين، جاك سترو وهربرت فيدرين، إلى الطلب من قادة أوروبيين التوقيع على الرسالة التي احتوت في مقدمتها على الآتي: ‘كأوروبيين ملتزمين بتعزيز القانون الدولي والسلام والأمن في جميع العالم، نعرب عن قلقنا العميق إزاء خطة الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب للمنطقة. ومن بين المشاركين في الرسالة، مفوضون ووزراء سابقون وأمين عام حلف شمال الأطلسي الأسبق، ووجّهها الموقعون عليها إلى زملائهم في مناصبهم الحالية، كردّ على مشروع ترامب (صفقة القرن).

    ويرى الساسة الأوروبيون السابقون، أن الخطة الأميركية ‘تقدم للفلسطينيين وضعاً يكونون فيه تحت الاحتلال’، وفقاً لما قاله لوكاتوفت اليوم الخميس، والذي استطاع أيضاً أن يجعل 4 من وزراء الخارجية السابقين لبلده الدنمارك، يوقعون الرسالة، وهم بيير ستي موللر، ومارتن ليدغورد، وأوفه إلمان يانسن، وهولغر نيلسن، وينتمي الساسة الأربعة إلى تيارات مختلفة من اليسار إلى المحافظين.

    ويذكر الموقعون على الرسالة الأوروبية، أن خطة ترامب ‘السلام من أجل الازدهار’، تتناقض مع المعايير المتفق عليها دولياً لعملية السلام في المنطقة، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2334’. ويشدد هؤلاء على أهمية القانون الدولي، لافتين إلى أن الخطة، بدل ‘تعزيز السلام، فهي تزيد المخاطر بتأجيج الصراع، على حساب المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتترتب على الأردن وعموم المنطقة آثار خطيرة’، مذكرين أيضاً بأنها خطة ‘قوبلت بمعارضة واسعة النطاق في المنطقة، وأوروبا، والولايات المتحدة الأميركية

    واعتبر الموقعون على الرسالة أنها بدل أن تؤدي إلى حلّ دولتين، ستقود إلى أبرتهايد.

    ويرى هؤلاء الساسة الموقعون على الرسالة أنّ ‘صفقة القرن’ ‘لن تسحب المستوطنين وتلغي استعمار الضفة الغربية، بل على العكس، يريدون الإبقاء عليها، وهذا سيؤدي إلى أن نكون، بعبارة أخرى، أمام دويلة محلية صغيرة، تخالف كل القرارات الدولية التي جرى تبنيها، وتتحدث عن دولة فلسطينية، والتي نرى اليوم أنها عبارة عن قطعة جبن سويسرية مليئة بالثقوب، ولا يوجد أي ترابط بين جغرافيا هذه الدولة مطلقاً، وبشكل عملي، ذلك سيعني أنها ستبقى تحت الاحتلال’.

    ويشدد موينز لوكاتوفت على أن الهدف من الرسالة هو جعل أوروبا تقف بحزم كصف واحد، ولهذا جمعنا تواقيع 50 قيادياً أوروبياً سابقاً، بمن فيهم مسؤولو السياسة الخارجية السابقون في الاتحاد الأوروبي، الذين انتقدوا بداية الشهر الحالي، فبراير/شباط، السياسات الإسرائيلية، ووقفوا ضد ضم مناطق فلسطينية.

    وكان مسؤول السياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، اعتبر أنه ‘لا يجب، مهما يحصل، أن يجري هذا الضم’. ورحبت الرسالة بكلام بوريل عن أن الحلّ يقوم على القرارات الدولية وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967.

    ويرى وزير الخارجية الدنماركي الأسبق، والقيادي في يسار الوسط الحاكم، أن الرسالة ‘هي أولاً نداء للدول الأوروبية بألا تحيد عن السياق الذي يعبّر عنه مسؤول السياسات الخارجية جوزيف بوريل، في رفضه للضم، وتمسكه باسم الاتحاد الأوروبي، والدول التي هي خارجه، كالنرويج وبريطانيا، بالحفاظ على السياسات الثابتة لأوروبا، وبنفس الوقت هي رسالة تودّ أن ترى الاتحاد الأوروبي يخطو خطوة أخرى’.

    وعن تلك الخطوة، يقول لوكاتوفت، في حديث للتلفزيون الرسمي الدنماركي، اليوم الخميس: ‘بحسب رأيي، يمكن لأوروبا عمل الكثير، وأكثر مما تقوم به، وبشكل خاص في النواحي الاقتصادية، حتى تستطيع الدولة الفلسطينية الوقوف على قدميها، وبالطبع أن تقوم أوروبا بالتفاعل وإشراك الجزء المتمسك بالسلام في المجتمع الإسرائيلي.

    ولوكاتوفت واحد من الشخصيات الإسكندينافية التي تناصر القضية الفلسطينية منذ سنوات عدة، وهو ما عرضه مراراً وتكراراً لهجوم من اللوبيات الصهيونية، بما فيها "آيباك"، وجرى اتهام الرجل في مناسبات مختلفة بأنه "معادٍ للسامية" و"يساري متعصب"، بسبب تمسكه بمواقفه المنتقدة لدولة الاحتلال.

    خامساً: تعاظم إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية

    شهدت العام الماضي 2019، ارتفاعا حادًا في جرائم منظمات "الإرهاب اليهودي"، وعنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية المحتلة، مقارنة مع السنوات الأخيرة الماضية، وسط تحذيرات أمنية إسرائيلية من جنوح عصابات فتية اليمين الاستيطاني المتطرف إلى أيديولوجيا أكثر تطرفًا، وبالتالي، تترجم إلى أعمال عنف إرهابية واسعة النطاق.

    ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن مسؤول في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وصفه لهذه التنظيمات بأن "لديهم شعور قوي بأنهم قادرون على الدولة، وأنه من المستحيل الفوز عليهم"، وتابع "هذا سينتهي بالدم وسيقلب كل شيء هنا".

    وبحسب معطيات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإرهابية اليهودية في الضفة الغربية المحتلة بنسبة 50% خلال عام 2019، حيث ارتكبت منظمات "الإرهاب اليهودي" 295 اعتداء عنيفًا في العام الماضي مقارنة مع 197 اعتداء خلال العام 2018.

    وقد أضحى عنف المستوطنين (وأحياناً عنف المواطنين الإسرائيليّين الذين ليسوا مستوطنين) ضدّ الفلسطينيين منذ فترة طويلة جزءاً لا يتجزأ من روتين الاحتلال في الضفة الغربيّة. تشمل أعمال العنف هذه - التي ينتج عنها انتهاك لحياة الفلسطينيّين وسلامة أجسادهم وممتلكاتهم وأراضيهم - مجموعة واسعة من الممارسات، بدءًا بإغلاق الطّرقات ورشق الحجارة على السيارات والمنازل، مرورًا بمداهمة القرى والأراضي وإحراق حقول الزيتون والمحاصيل وتدمير وإتلاف الممتلكات وصولاً إلى الاعتداءات الجسدية وأحياناً الزجاجات الحارقة (المولوتوف) وإطلاق النار.

    يقع على عاتق إسرائيل واجب حماية سكّان الضّفة الغربيّة من أعمال العنف هذه لكن قوّات الأمن وأجهزة تطبيق القانون لا تقوم بواجبها، حتى في الحالات التي يمكن فيها التكهّن بحدوث مثل هذه الاعتداءات. تشير آلاف الإفادات وأشرطة الفيديو والتّقارير والمتابعة طويلة الأمد التي قامت بها منظمة "بتسيلم" ومؤسسات أخرى حول هذا الموضوع، تشير إلى أنّ قوّات الأمن تسمح للمستوطنين على نحوٍ روتينيّ بإلحاق الأذى بالفلسطينيّين بل إنها ترافق المستوطنين لدى تنفيذ اعتداءاتهم وتدعمهم وتؤمّن لهم الحماية، وأحيانًا تنضمّ إلى صفوفهم كمعتدية. وفي بعض الحالات تفضّل قوّات الأمن إبعاد الفلسطينيّين تحديدًا من أجل تجنّب الإصابات.

    إنّ النتيجة بعيدة المدى لأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون هي سلب مناطق آخذة بالازدياد من أيدي الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة وهو الأمر الذي يسهّل على الدولة السّيطرة على الضفّة الغربيّة ومواردها.

    نادراً ما يضطرّ المستوطنون إلى دفع ثمن الأذى الذي يُلحقونه بالفلسطينيّين وفي الغالبية العظمى من الحالات تُغلق ملفّات التّحقيق (إذا فُتحت أصلاً) دون التوصّل إلى شيء. لقد تمّ توثيق هذا الواقع في سلسلة طويلة من تقارير مؤسسات حقوق الإنسان وتقارير رسميّة (مثل تقرير لجنة كارب الذي صدر عام 1982 وتقرير لجنة شامغار الذي صدر عام 1994) أكّدت جميعها أنّ السّلطات الإسرائيليّة تتبنّى سياسة غير معلنة من التسامح والتهاون وعدم تنفيذ القانون بحقّ الجناة.

    وقد أكّدت منظمة "بتسيلم" أنّ من واجب قوّات الأمن حماية الفلسطينيّين وممتلكاتهم من عنف المستوطنين. كذلك أكّدت أنّ من واجب السّلطات إعداد وتخصيص قوّات تعمل على منع اعتداءات المستوطنين المتوقع حدوثها علنًا، عبر التدخّل في الوقت المناسب للقبض على المعتدين. إضافة إلى ذلك أكّدت "بتسيلم" على واجب التّحقيق بسرعة وفعاليّة بالاعتداءات بعد وقوعها. وثّقت "بتسيلم" أحداثًا هاجم فيها المستوطنون

    إنّ لأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون إسقاطات بعيدة المدى على الواقع في الأراضي المحتلّة ولها تأثير رادع ومثير للتهديد حتى بعد وقوعها. أفاد العديد من الفلسطينيّين عن هجمات المستوطنين كأحداث صادمة طُبعت في الذاكرة الفرديّة والجماعيّة ومنعت الكثيرين من الاقتراب من "مناطق الخطر" المحاذية للمستوطنات. لا يجرؤ الفلسطينيّون على الوصول إلى أراضيهم الواقعة في هذه المناطق دون مرافقة مدنيّين إسرائيليّين أو الجيش. نتيجة لهذا هناك مناطق زراعية أُهملت وتضررت بصورة بالغة حتّى باتت محاصيلها شحيحة جدّاً بحيث تخلّى أصحابها عن مجرّد الوصول إليها. وهكذا نشأت في جميع أنحاء الضّفة الغربيّة "جدران شفافة" يعرف الفلسطينيّون أنهم إذا عبروها سيتعرّضون للعنف إلى حدّ يعرّض حياتهم للخطر.

    إنّ أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون ليست "استثناءات" وإنّما هي جزء من نشاط استراتيجي تسمح به الدولة وتشارك فيه وتستفيد من تبعاته. النّتيجة البعيدة المدى لهذه الأعمال هي سلب المزيد والمزيد من الأراضي من أيدي الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة وهو الأمر الذي يسهّل على الدولة السّيطرة على الضفّة الغربيّة ومواردها.

    في المقابل، أكد تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، نهاية العام المنصرم، أن "عنف المستوطنين شهد ارتفاعًا مطّردًا منذ مطلع العام 2019، حيث بلغ المتوسط الأسبوعي لهجمات المستوطنين التي أفضت إلى إصابات بين صفوف الفلسطينيين أو إلحاق الضرر بالممتلكات الفلسطينية خمس هجمات.

    وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، كشفت تحقيقات وبيانات "الشاباك" عن قيام كبار حاخامات مستوطنة "يتسهار" والمرجعيات الدينية والروحية، بإصدار فتوى تجيز "لشبان من المستوطنة" السفر يوم السبت، وكسر "حرمة اليوم المقدس"، للوصول إلى الفتية اليهود وإرشادهم إلى كيفية التعامل مع تحقيقات "الشاباك"، ما يؤكد معرفة قادة المستوطنة وحاخاماتها بدور هؤلاء الفتية في تنفيذ الجرائم.

    وأشارت الصحيفة إلى مخاوف المسؤولين في "الشاباك" من تآكل حالة الردع ضد نشطاء المنظمات الاستيطانية اليمينية، فيما وجه المسؤول الأمني الانتقادات إلى لرؤساء المجالس الاستيطانية ومسؤولين في أجهزة الأمن على الدعم المفتوح الذي يقدمونه لهؤلاء الفتية، في ظل الفتاوى التي يطلقها كبار الحاخامات في صفوف المستوطنين، تجيز قتل الفلسطينيين خصوصا خلال دروس السبت الدينية.

    ووفقًا لتقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن هذا الدعم المعنوي والتأييد الذين يحظون به في البيئة الاستيطانية، يحفزهم على مواصلة العمل؛ "إنهم يشعرون بأنهم لا يقهرون، وأنه من غير المجدي التعامل معهم"، وأضاف المسؤول الأمني أنهم "لا يدخلون بالصدفة في اشتباكات عن عمد مع قوات الأمن، ويعتدون عليهم بالضرب العنيف ويكسرون أيدي رجال الشرطة في عمونا أو يهاجمون الجنود، يأتي ذلك في سياق محاولتهم لردع أجهزة الأمن من التعامل معهم".

    وبيّنت معطيات "الشاباك"، حجم تأثير المستوطنات وما يروجه حاخاماتها على توفير خلفية فكرية ودينية تجيز إنتاج هذه التنظيمات الإرهابية في المستوطنات الإسرائيلية، كما حذر المسؤول الأمني من الحماية التي يوفرها سياسيون لهؤلاء الشبان، ما قد يدفهم إلى تصعيد هجماتهم الإرهابية بصورة أكثر تطرفًا، والذي قد يصل إلى استخدام الأسلحة النارية.

     

  • ثقوب في ”بيت العنكبوت“: عناصر الضعف في الكيان الإسرائيلي


    بقلم: أ.د. وليد عبد الحي.
    (مقال خاص بمركز الزيتونة). 

    تبدو الأدبيات السياسية العربية الخاصة بـ”إسرائيل” أكثر ميلاً للتركيز على مؤشرات القوة في هذا الكيان السياسي الشاذ، وطبقاً لقاعدة “أعرف عدوك” تبدو أهمية معرفة الثقوب في جدران هذا الكيان السياسي، الذي جلب لهذه المنطقة أعتى موجات عدم الاستقرار منذ قرابة القرن، أمراً ضرورياً، ونسعى في هذا المقال إلى مجرد الإشارة لأهم هذه الثقوب لعلها تكون ضمن التفكير العربي في وضع خططه الاستراتيجية لمواجهة مخططات “إسرائيل” المستقبلية. ومن المؤكد أن هذه الثقوب التي سنستعرضها تباعاً تؤثر على بعضها البعض، فبعضها يوسع الفتق الناجم عن هذه الثقوب، وبعضه قد يضيقه طبقا لنمط التفاعل بين الجانبين.

    يمكن رصد أهم هذه الثقوب التي تتردد في أدبيات الكيان الصهيوني بشكل خاص أو الدراسات الاستراتيجية العالمية على النحو التالي:

    أولاً: فقدان العمق الاستراتيجي: [1]

    يمثل العمق الاستراتيجي المسافة الفاصلة بين حدود الدولة في جهاتها الأربع وبين قلب الدولة Heartland حيث المراكز الحضرية والمنشآت الاستراتيجية للدولة، فكلما كانت المسافة أطول كانت قدرتها على الكر والفر والمناورة أكبر، بينما في حالة فقدان هذا العمق يكون أي انسحاب مهدداً لقلب الدولة، وتشير الجغرافيا الفلسطينية الى أن “إسرائيل” ليس لديها عمق استراتيجي، وتتراوح أبعاد حدودها بين 14 كم (الحد الأدنى) و137 كم (الحد الأقصى)، وهو ما يجعل المناورة على الأرض شبه منعدمة، مما يفرض على “إسرائيل” أن تبقى مستعدة مستقبلاً لحروب ضد خصمٍ متفوِّقٍ عليها عددياً. وهذا يعني أن المعركة، من منظور استراتيجي صهيوني، يجب دائماً أن تدور على أرض الخصم واقتناص أي فرصة لتوسيع العمق الاستراتيجي له. فاحتلال الضفة الغربية والجولان ومنع الجيش المصري للعودة لصحراء سيناء هي سياسات تستهدف توسيع العمق الاستراتيجي من ناحية، والسيطرة على كل ما تنطوي عليه هذه الجغرافيا من موارد القوة المختلفة من ناحية ثانية.

    ثانياً: الخلل الديموجرافي: [2]

    تبدي “إسرائيل” من ناحية المشكلات الديموجرافية قلقاً كبيراً من عدة زوايا أبرزها: تزايد نسبة العرب بشكل قد يحولها على المدى البعيد إلى دولة ثنائية القومية، وتشير الارقام الرسمية الإسرائيلية (تقارير الجيش وهيئات الإحصاء السكاني الإسرائيلي) إلى أن عدد العرب في فلسطين التاريخية حالياً يفوق عدد اليهود بحوالي 300 ألف نسمة، كما أن تزايد نسبة البدو في النقب يثير قلقها الأمني، وهذا يعني أن بقاء الزيادة السكانية في فلسطين لصالح الفلسطينيين يجعل الخيار أمام “إسرائيل” إما القبول بدولة ثنائية القومية (وهو ما يتنافى والمخطط الصهيوني لا سيّما يهودية الدولة)، أو تهجير الفلسطينيين بشتى السبل، وهو ما سيعيد دورة الصراع من جديد.

    ثالثاً: القلق من تحول مواقف الدول الكبرى تجاه “إسرائيل” خصوصاً الولايات المتحدة: [3]

    أثار الانسحاب الأمريكي الجزئي من سورية واستقالة رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون John Bolton، واحتمالات الانسحاب من العراق أو تخفيف الالتزامات تجاه المنطقة، لا سيّما بعد الاستقلال النفطي الأمريكي عن الشرق الأوسط، قلقاً إسرائيلياً من مدى ديمومة الالتزام الأمريكي طويل الأمد تجاه “إسرائيل”. ناهيك عن الشعور بأن تخلي الولايات المتحدة عن مساندة الأكراد في مقايضات مع تركيا، قد يكون مؤشراً على توجهات أمريكية جديدة، قد تظهر على المدى البعيد أو المتوسط.

    وتدعم الهواجسَ السابقة ما تشير إليه استطلاعات الرأي الحزبي في الولايات المتحدة من أن تأييد الأمريكيين من الحزب الجمهوري لـ”إسرائيل” تراجع بنسبة 13% بينما تراجع التأييد بين الديموقراطيين بنسبة 6% في سنة 2019. وتشكل هذه التراجعات الأعلى منذ 2001، وتتعزز هذه الهواجس الصهيونية ببعض التباين في المواقف الأوروبية قياساً بالمواقف الأمريكية، ناهيك عن الزحف الصيني الهادئ، والسعي الروسي للاتكاء على تحالفات شرق أوسطية لا تراها “إسرائيل” لصالحها بالقدر الكافي.

    رابعاً: الشعور بالتحول الهادئ في الرأي العام الدولي: [4]

    تشير استطلاعات الرأي العام الدولي، وخصوصاً الغربية منها، أن نسب التعاطف مع “إسرائيل” في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة تعرف اتجاهاً متواصلاً بالتراجع، فهي تقع دائماً منذ سنة 2010 ضمن الدول الخمس الأقل تعاطفاً معها، كما أن نسب التعاطف تتراجع باستمرار. ويتعزز هذا الاتجاه بتراجع موازٍ في نسب التأييد لـ”إسرائيل” في الأمم المتحدة وأغلب وكالاتها المتخصصة؛ وهو ما تكشفه نتائج التصويت على القرارات الدولية التي تعالج موضوعات لها صلة بالصراع العربي الصهيوني.

    خامساً: الثقافات الفرعية في “إسرائيل” (عرب، وأشكناز، وصابرا، وسفارديم… علمانيين متدينين…إلخ): [5]

    تشير سجلات حقوق الإنسان المختلفة إلى أن اليهود السود ويهود الدول العربية يقعون في مراتب أدنى في بيروقراطية الدولة، كما تتم ممارسات ميدانية عنصرية من المجتمع اليهودي الغربي تجاههم، ناهيك عن التمييز العنصري تجاه العرب واليهود غير الغربيين في الوظائف ونسب البطالة ومستويات الدخل والتزاوج المختلط…إلخ، والدليل على التمييز في الظروف الحياتية هي أن الأثيوبيين من اليهود يمثلون 2% من السكان، لكنهم يشكلون 18% من نسبة سجناء الجرائم المدنية. وإذا كانت الثقافات الفرعية هي مصدر الاضطراب السياسي في أغلب الحروب الأهلية، فإن ذلك يدفع لطرح التساؤل حول حالة “إسرائيل”، فهذه “الدولة” تتألف من خليط قابل للاستغلال ويكفي التأمل في الجوانب التالية:

    1. الانقسام في المجتمع الإسرائيلي حسب اللون:

    هناك 140 ألف أثيوبي “أسود” وصل أغلبهم إلى فلسطين في الفترة 1984-1991. وقد واجه هؤلاء منذ هجرتهم ممارسات عنصرية أدت لقتل 11 منهم على يد البيض اليهود خلال العقدين الماضيين. وتتمثل أبرز مظاهر التمييز ضدهم في:

    أ. لا يتم الاعتراف لرجالهم الذين يدرسون الشريعة اليهودية بصفة الحاخام.

    ب. 90% من شبابهم عاطلون عن العمل و65% منهم أميون.

    ج. نسبة الانحراف بين أطفالهم تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الانحراف بين أطفال اليهود البيض.

    د. 43% من الإسرائيليين يرفضون الزواج من أثيوبي طبقاً لاستطلاعات رأي إسرائيلية.

    ه. لم يتمكن حزب الأثيوبيين السود “أتيد إحاد” من بلوغ نسبة الحسم للدخول في الكنيست.

    و. ما تزال بعض المدارس اليهودية ترفض قبول الطلاب اليهود “السود”.

    ز. امتناع بنوك الدم الإسرائيلية من قبول تبرعات الدم من اليهود “السود”، وقد استمرت هذه الظاهرة منذ سنة 1996 وتكررت سنة 2006.

    هذه الأوضاع هي التي تفسر ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن متظاهر يهودي “أسود” هو آتي آشاتو (وهو من أقارب الشاب “الأسود” سولومون تيكاح الذي قتل سنة 2019)، حين قال “من الصعب أن تكون أسوداً وتشعر بالأمان في إسرائيل…”.

    2. الخلفيات القومية لليهود:

    يشكل اليهود الروس 20% من سكان “إسرائيل”، وقد وصل معظمهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن العشرين، وتزايدت نسبتهم منذ تلك الفترة حتى 2018 بحوالي 5%، مقابل تراجع نسبة اليهود المهاجرين من الولايات المتحدة بمعدل 10% من 1990 إلى 2018. وتشير إحدى الدراسات إلى أن 35% من المهاجرين لـ”إسرائيل” من الاتحاد السوفييتي هم من غير اليهود.

    كذلك تعاني “إسرائيل” من عدم استقرار ظاهرة الهجرة المعاكسة (الخروج من “إسرائيل”) والتي فاقت في بعض السنوات عدد القادمين إليها.

    ولو قسمنا اليهود في “إسرائيل” طبقاً لخلفياتهم سنجد 68% من الصابرا (الذين ولدوا في فلسطين ولكن أصولهم من خارجها)، و22% جاءوا من أوروبا وأمريكا، و10% من آسيا وإفريقيا وأغلبهم من المغرب، حيث يشكل اليهود المغاربة المجموعة الثانية بعد الروس من حيث العدد.

    3. الانقسام في الموقف من الدين:

    تشير الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي المعتمدة في الدوائر العلمية إلى أن اليهود في “إسرائيل” منقسمون في موقفهم من الدين على النحو التالي:

      النسبة (%)
    علمانيون (يطالبون بفصل الدين عن الدولة بغض النظر عن تدينه أو عدمه) 57
    متدينون 30
    ملحدون 8
    لا أدريون 5

    ويترتب على هذه المسألة مشكلة تظهر بين الحين والآخر في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً التوتر حول الموقف من اليهود الأرثوذوكس (8% من اليهود)، بسبب إعفائهم من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. ويمثل التنامي الواضح في نسبة المتدينين الحريديم موضوع قلق للقيادات الإسرائيلية، من حيث احتمال الاحتكاك بينهم وبين الشرائح العلمانية في المجتمع اليهودي، خصوصاً أن الأخيرة ما تزال هي الأكبر.

    4. توزيع المراكز القيادية بين النخب:

    ويمكن أن ندلل على هذا الجانب من خلال منصب رئيس الوزراء، فمنذ سنة 1948 تولى رئاسة الحكومة 17 فرداً (بعضهم تولاها لأكثر من مرة)، منهم 8 من اليهود الغربيين، و9 من الصابرا، بينما ليس من بينهم أي رئيس وزراء من اليهود الشرقيين.

    5. العنصرية تجاه فلسطينيي 1948:

    يرفض 75% من اليهود السكن في بناية فيها أحد من العرب، كما يطالب 40% من اليهود بتجريد العرب في فلسطين المحتلة سنة 1948 من كافة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

    سادساً: انعكاسات التحولات في القوى الإقليمية في الشرق الأوسط على الأمن الإسرائيلي: [6]

    نظراً لعدم استقرار الدول العربية فإن “إسرائيل” قلقة من أن تحدث تغيرات في دول عربية محورية تقود لعودة الصراع من جديد، فأي تغير باتجاه التيارات الإسلامية أو القومية أو اليسارية المعادية للمشروع الصهيوني، قد يحمل في طياته خطراً كبيراً بعودة الصراع لوتيرته الأولى؛ لا سيّما أن الخبرة التاريخية في المنطقة منذ الصليبيين والاستعمار الغربي وغيرهما تشير إلى أن طرد القوى الأجنبية من المنطقة أمر شبه ثابت في الاتجاه التاريخي للمنطقة. كما ترى “إسرائيل” أن بعض التحولات الإقليمية قد تحول دولة إقليمية من فرصة إلى تحدٍ كما هو حال إيران قبل وبعد ثورتها سنة 1979. كما أن إخراج منظمة التحرير من لبنان أفرز ظهور حزب الله بخطورة أكبر، كما أن الانسحاب من غزة بهدف التخلص من العبء السكاني تحول لعبء أمني… .

    سابعاً: “مشاعية” التكنولوجيا قد تجعل التنظيمات الصغيرة قادرة على إنتاج أسلحة متطورة أو غير تقليدية: [7]

    منذ فترة طويلة نبه كثير من الباحثين إلى أن “مشاعية” التكنولوجيا والمعرفة التقنية وتوافر وسائل التواصل الإلكتروني قد تنتهي إلى قدرة تنظيمات سياسية على التسلح بقدرات عسكرية غير تقليدية. وهو أمر سيجعل مفهوم التوازن في موضع شك كبير، وتخشى “إسرائيل” أن تمتد هذه الظاهرة إلى المنطقة الشرق أوسطية مستقبلاً.

    ثامناً: إنهاء الاحتكار النووي في الشرق الاوسط: [8]

    تبدي “إسرائيل” رغبة عارمة في إبقاء احتكارها لملكية الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولديها هواجس من التوافق الدولي في مرحلة لاحقة على إخلاء هذه المنطقة من السلاح النووي، وكل من الأمرين يشكل نقطة قلق. ففي الأول الخوف من إيران أو من مصر (في فترة لاحقة) أو غيرها من الدول العربية لا سيّما مع احتمال تعاون جهات خارجية مثل كوريا الشمالية مع توجه شرق أوسطي كهذا، والثاني قد يقود لضغوط ضمن ظروف معينة إلى العمل على إخلاء المنطقة من السلاح النووي مما يؤثر سلباً على “إسرائيل”.

    تاسعاً: الخوف من انعكاسات العولمة والنزعة العلمانية على الهوية اليهودية للمجتمع الإسرائيلي: [9]

    تأسست الدولة اليهودية على أساس الأسطورة الدينية، وترتب على ذلك جعل البعد الديني في البناء الفكري الصهيوني ركناً مهماً، لكن تنامي النزعة العلمانية بدأ يوجِد ردات فعل في قطاعات من المجتمع تعتبرها المؤسسة العسكرية تأثيرات سلبية على المجتمع والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في التخطيط الاستراتيجي للتفاعل مع التحولات الدولية والعلمية. ففي كانون الثاني/ يناير، أعلن رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي أيزنكوت أنه سيُزيل وحدة عمرها 15 عاماً مكرسة لـ”الوعي اليهودي”، وهي الإدارة المسؤولة عن تقديم الخدمات الدينية داخل صفوفها ويشرف عليها الحاخامات. وقد أثار فرع التوعية اليهودية بشكل دوري انتقادات من داخل الجيش وخارجه على حد سواء لدفعه إلى أجندة أيديولوجية ويمينية ودينية. ويشعر بعض الإسرائيليين العلمانيين بالقلق من أن كثرة المتدينين في الجيش، قد تؤدي إلى تساؤل الجنود عن من يجب أن يطيعوه: “ضابطهم أو الله”؟!. وكانت دراسة مفصلة أجرتها مجلة وزارة الدفاع معاراتشوت، أظهرت أنه بحلول سنة 2008، ارتفعت نسبة طلاب الضباط الدينيين الوطنيين عشرة أضعاف إلى 26% من 2.5% سنة 1990، وهي زيادة تقلق العلمانيين منهم.

    عاشراً: التباينات الطبقية: [10]

    تحتل “إسرائيل” طبقاً لمقياس جيني Gini، الذي يقيس الفروق الطبقية ومستوى عدالة توزيع الثروة، المرتبة 104 بين 176 دولة بمقياس 42.8 نقطة.

    وطبقاً لأرقام المراكز الإسرائيلية والبنك الدولي والسي آي ايه، يتوزع الدخل في “إسرائيل” على النحو التالي:

    1. الطبقة العليا العليا (الفئة الأولى من الأغنياء) (10% من السكان)، تسيطر على 27.7% من الدخل.

    2. الطبقة العليا العليا (الفئة الثانية من الأغنياء) (20% من السكان)، تسيطر على 44.2% من الدخل.

    3. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الأولى من الفقراء) (أدنى 10% من السكان)، لهم 1.9% من الدخل.

    4. الطبقة السفلى السفلى (الفئة الثانية من الفقراء) (أدنى 20% من السكان)، لهم 5.20% من الدخل.

    5. الطبقة الوسطى (60% من السكان)، لهم 50.6% من الدخل.

    وتقع “إسرائيل” قياساً للدول الغربية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سوء توزيع الدخل، مع الإشارة إلى أن هذه الفروق الطبقية تتزايد في “إسرائيل” منذ 2009، وهو ما يعني التآكل في الطبقة الوسطى التي تعد الأهم في التوازن الاجتماعي طبقاً لكل دراسات علم الاجتماع السياسي.

    حادي عشر: دولة احتلال وهو نموذج ينقرض: [11]

    تظهر المؤشرات الكمية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن المناطق المحتلة من قوى أجنبية في العالم تراجعت بشكل متواصل على النحو التالي:

    السنة عدد المناطق
    1959 77
    1979 15
    1999 10
    2020 8

    ذلك يعني أن “إسرائيل” مفارقة للاتجاه العالمي الذي يميل نحو التحلل التدريجي من ظاهرة الاحتلال للآخرين التي هي ظاهرة قديمة.

    ثاني عشر: تزايد نسب الفساد في المجتمع الإسرائيلي: [12]

    على الرغم من التذبذب في معدلات الفساد في “إسرائيل”، فإن الاتجاه العام يميل بقدر ما إلى التزايد خلال الفترة الأخيرة. فقد تزايد معدل الفساد خلال الفترة 2011-2019 بحوالي 3 نقاط، وتقع “إسرائيل” في مرتبة متأخرة قياساً لبقية الدول الغربية الصناعية؛ فهي تحتل المرتبة 24 بين 35 دولة صناعية، والمرتبة 34 بين 180 دولة. والملاحظ في هذا الجانب تزايد ظهور كبار المسؤولين الإسرائيليين في قوائم الفساد (رئيس، ورؤساء وزراء، وأعضاء كنيست، وعسكريون،…إلخ)، ناهيك عن أن آخر استطلاع رأي عام أجراه المعهد الديموقراطي الإسرائيلي سنة 2019، يشير إلى أن حوالي 82% من المجتمع الإسرائيلي يظنون أن الفساد منتشر في الإدارات الإسرائيلية.

    ثالث عشر: غياب القيادات الكارزمية من المجتمع الإسرائيلي: [13]

    يكشف تكرار الانتخابات في سنة واحدة، وعدم القدرة على تشكيل حكومة على أن دور القائد الذي تلتف حوله الجموع في “إسرائيل” لم يعد قائماً، فالقيادات التاريخية الكارزمية (وايزمان، أو بن جوريون، أو بيريز، أو شارون…) لم تعد حاضرة بالقوة إياها. وترى بعض الدراسات الأمريكية أن الميل التدريجي للقيادات الإسرائيلية الحالية نحو السياسات الشعبوية يهدد مستوى الحريات السياسية في بيئة المجتمع الإسرائيلي.

    رابع عشر: التكدس الحضري: [14]

    تعد “إسرائيل” من ضمن الدول الأعلى بين دول العالم في الكثافة السكانية، حيث تصل نسبتها إلى 416 فرد في الكيلومتر المربع الواحد، وتحتل المرتبة 30 في الكثافة السكانية بين دول العالم. ويرى البروفيسور آلون تال من جامعة تل أبيب أن “إسرائيل” في طريقها لكارثة بيئية واجتماعية، ولتدهور نوعية الحياة، بسبب الكثافة السكانية التي تصل إلى حد الاختناق؛ إذ إن 92.3% من سكان “إسرائيل” يعيشون في المدن. ويرى القادة الإسرائيليون أن هناك مخاطر أمنية من التكدس الحضري، لأن ذلك يجعل الكتلة البشرية الأكبر من السكان عرضة للتهديد.

    خامس عشر: الحساسية تجاه خسائر العنصر البشري في المعارك الحربية: [15]

    تشير ردود الفعل الإسرائيلية تجاه خسائرها البشرية إلى عدم قدرتها على مواجهة خسائر عالية، ويسير الميجور جنرال اليعازر شتيرن Alazar Stern إلى أن أحد دوافع “إسرائيل” لإدارة الحرب مع حزب الله بشكل متردد هو الخوف من الخسائر البشرية، وأضاف إن الحساسية من الخسائر البشرية كان أمراً ملفتاً للنظر في حرب 2006. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت على ذلك في الماضي، وكان صانعو القرار في عملية أوسلو، وخصوصاً إسحق رابين، مدفوعين أيضاً بمثل هذه المشاعر التي يشاركهم فيها المجتمع الإسرائيلي. وكانت حركة الأمهات الأربعة التي دعت إلى الانسحاب أحادي الجانب من جنوب لبنان أحد العوامل التي أدت إلى قرار الحكومة في أيار/ مايو 2000 بالانسحاب. ويفسر هذا القلق نتائج دراسات إسرائيلية أجراها المعهد الديموقراطي الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، إذ تشير إلى أن 90% من الإسرائيليين يوافقون على قتل المدنيين الفلسطينيين إذا كان في ذلك تأمين للجندي الإسرائيلي.

    سادس عشر: القلق من الصورة الذهنية لليهودي في الذهن العربي: [16]

    طبقاً لاستطلاعات الرأي العام العربي، فإن معارضة الاعتراف بـ”إسرائيل” تزايدت من 84% سنة 2011 إلى 87% سنة 2018، كما أن الاتجاه العام يشير إلى تزايد مستمر طيلة هذه الفترة. وعلى الرغم من التوجهات الرسمية العربية، فإن الطرف الإسرائيلي ما يزال يرى أن نسبة عالية للغاية من المجتمع العربي تنظر لـ”إسرائيل” على أنها هي الأخطر على الأمن العربي.

    سابع عشر: المكانة الدينية لفلسطين: [17]

    تدل أغلب المؤشرات في العالم على اتساع قاعدة الحركات الدينية في العالم خلال الفترة منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين. كما أن دراسات علم الاجتماع السياسي تشير إلى أن النزاعات ذات البعد الديني تكون أكثر حدة وأكثر صعوبة في الوصول لتسوية. وتحدد أحد الدراسات عناصر التصادم في الحالة الفلسطينية من الزاوية الدينية في ثلاثة أبعاد: تباين قانون الحرب والسلام بين الإسلام واليهودية، وعدم قابلية الدين الإسلامي لحق أي جهة في السيادة على مساجد أو مراكز دينية لها قداستها في الدين الإسلامي، ومركزية المكانة الدينية للقدس. ويرى الخبراء الإسرائيليون أن هذه العقبات تجعل من تنامي الحركات الدينية في المدى المنظور أكثر خطورة على قبول العرب والمسلمين بالوضع الحالي.

    ثامن عشر: مستوى الاستقرار السياسي: [18]

    يدل تتبع المقاييس الدولية أن مستوى الاستقرار السياسي في “إسرائيل” ما زال سالباً، فطبقاً لمقياس كوفمان للاستقرار السياسي الذي يتراوح بين +2.5 إلى –2.5، فإن “إسرائيل” سجلت -0.88، واحتلت في الترتيب العالمي المرتبة 161 من بين 195 دولة، وفي مقياس آخر احتلت المرتبة 146 من بين 163 دولة. أما في الحريات المدنية، فقد احتلت “إسرائيل” المرتبة 101 من بين 167 دولة بمعدل 5.88 من عشرة، أما العنف المدني فقد سجلت “إسرائيل” 4 نقاط على مقياس من 7 درجات (حيث 7 تمثل الأعلى في العنف المدني).

    الخلاصة:

    تشير المؤشرات السابقة إلى أن في “بيت العنكبوت” ثقوب كثيرة تنتظر من يستغلها، ولا بدّ من إدراجها في بلورة رؤية استراتيجية متكاملة في إطار الصراع مع هذا الكيان الشاذ.


    [1] Site of Russian International Affairs Council, https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/analytics/israel-s-security-system-little-strategic-depth-but-profound-strategic-vision
    [2] Ian S. Lustick, The Red Thread of Israel’s “Demographic Problem”, site of Online Library, 25/3/2019, https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/mepo.12406; and Yotam Berger, Figures Presented by Army Show More Arabs Than Jews Live in Israel, West Bank and Gaza, Haaretz newspaper, 26/3/2018,
    https://www.haaretz.com/israel-news/army-presents-figures-showing-arab-majority-in-israel-territories-1.5940676
    [3] Neri Zilber, What Bolton’s Departure Means for Israel, site of Foreign Policy, 12/9/2019, https://foreignpolicy.com/2019/09/12/what-john-bolton-departure-means-for-israel-netanyahu-iran-trump/; David M. Halbfinger, Israelis Watch U.S. Abandon Kurds, and Worry: Who’s Next?, site of The New York Times, 8/10/2019, https://www.nytimes.com/2019/10/08/world/middleeast/israel-us-syria-kurds.html; Eric Cortellessa, New poll: Americans’ support for Israel falls to lowest point in a decade, site of Times of Israel, 6/3/2019, https://www.timesofisrael.com/new-poll-americans-support-for-israel-declines-to-lowest-point-in-a-decade/; and Shibley Telhami, Americans are increasingly critical of Israel, site of Brookings, 12/12/2018,https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/12/12/americans-are-increasingly-critical-of-israel/
    [4] BBC poll: Germany most popular country in the world, 23/5/2013, https://www.bbc.com/news/world-europe-22624104; and Zack Beauchamp, How does the world feel about Israel/Palestine?, 14/5/2018, https://www.vox.com/2018/11/20/18080086/israel-palestine-global-opinion
    [5] Mustafa Deveci, Ethiopian Jews suffer racism in Israel, 9/7/2019, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/ethiopian-jews-suffer-racism-in-israel/1526782; and Rachel Shenhav, How ‘cultural racism’ helps Israelis rationalize inequality, discrimination, 29/7/2019, https://www.972mag.com/cultural-racism-helps-israelis-rationalize-inequality-discrimination/
    [6] Itamar Rabinovich, Israel and The Changing Middle East, Middle East Memo, no. 34, Jan. 2015.
    [7] O. Ike Okoro and Nduka Lucas, “Weapons of Mass Destruction and Modern Terrorism: Implications for Global Security,” Asian Social Science Journal, Canadian Center of Science and Education, vol. 15, no. 3, 2019, Oluka https://www.researchgate.net/publication/331411546_Weapons_of_Mass_Destruction_and_Modern_Terrorism_Implications_for_Global_Security; Gary Ackerman and Michelle Jacome, “WMD Terrorism: The Once and Future Threat,” Prism Journal, National Defence University, Washington, D. C., vol. 7, no. 3, 2018, https://cco.ndu.edu/News/Article/1507339/wmd-terrorism-the-once-and-future-threat/; and J. P. Caves and W. Seth Carus, “The Future of Weapons of Mass Destruction: Their Nature and Role in 2030,” Center for the Study of Weapons of Mass Destruction Occasional, National Defence University Press, Washington, D. C., paper no. 10, 2014, https://ndupress.ndu.edu/Portals/68/Documents/occasional/cswmd/CSWMD_OccationalPaper-10.pdf
    [8] Thalif Deen, Israel’s Obsession for Monopoly on Middle East Nuclear Power, Inter Press Service (IPS) News Agency, 2015, http://www.ipsnews.net/2015/02/israels-obsession-for-monopoly-on-middle-east-nuclear-power/; and Drew Christiansen and Ra’fat Al-Dajani, Will there be a nuclear arms race in the Middle East?, site of National Catholic Reporter, 22/2/2016, https://www.ncronline.org/blogs/ncr-today/will-there-be-nuclear-arms-race-middle-east
    [9] Maayan Lubell, Israeli military struggles with rising influence of Religious-Zionists, Reuters News Agency, 15/4/2016, https://www.reuters.com/investigates/special-report/israel-military-religion/
    [10] Avi Waksman, Israeli Income Inequality Lowest in 20 Years, Haaretz, 13/12/2018, https://www.haaretz.com/israel-news/business/israeli-income-inequality-lowest-in-20-years-1.6743249
    [11] Eyal Benvenisti, The International Law of Occupation, 2nd ed. (UK: Oxford University Press, 2012).
    [12] Raoul Wootliff, Israel seen as slightly more corrupt in latest global index, Times of Israel, 22/2/2018, https://www.timesofisrael.com/israel-slides-down-world-corruption-index-amid-burgeoning-pm-graft-allegations/; Israel Corruption Index, https://tradingeconomics.com/israel/corruption-index; Gil Hoffman, Yonah Jeremy Bob, and Greer Fay Cashman, Israelis think their leadership is corrupt – IDI survey, The Jerusalem Post newspaper,, 7/1/2020,
    https://www.jpost.com/Israel-News/Israelis-think-their-leadership-is-corrupt-IDI-survey-613396; and Akiva Eldar, Israel plagued with political corruption, site of Al- Monitor, 22/2/2018, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/02/israel-political-corruption-society-netanyahu-democracy.html
    [13] Jonathan Freedland, It will take a leader of extraordinary charisma to deliver a Labour victory, The Guardian newspaper, 20/12/2019, https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/dec/20/extraordinary-leader-deliver-labour-party-victory; Aluf Benn, Has Netanyahu’s End Finally Come?, site of Foreign Affairs, 18/12/2019, https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/2019-12-18/has-netanyahus-end-finally-come; and Tamara Cofman Wittes and Yaël Mizrahi-Arnaud, “Is Israel in democratic decline?,” The Brookings Institution Center For Middle East Policy, 2019, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2019/03/FP_20190318_israel_decline_wittes_mizrahi-arnaud.pdf
    [14] Israel Population 2020, site of World Population Review, http://worldpopulationreview.com/countries/israel-population/; Tova Cohen, Steven Scheer, Israel’s soaring population: Promised Land running out of room?. Reuters, 25/9/2015,https://www.reuters.com/article/us-israel-demographics/israels-soaring-population-promised-land-running-out-of-room-idUSKCN0RP0Z820150925; Urbanization in Israel 2018, site of Statista, https://www.statista.com/statistics/455846/urbanization-in-israel/; and Gadi Eisenkot and Gabi Siboni, “Guidelines for Israel’s National Security Strategy,” The Washington Institute for Near East Policy, 2019, passim
    [15] Efraim Inbar, Casualty Intolerance, The Jerusalem Post, 19/11/2006; Martin Sherman, Defending Israel: Civilian casualties and common sense, site of Jewish News Syindicate, 25/11/2018, https://www.jns.org/opinion/defending-israel-civilian-casualties-and-common-sense/
    [16] “2017-2018 Arab Opinion Index: Executive Summary,” Arab Center Washington DC, 10/7/2018, http://arabcenterdc.org/survey/2017-2018-arab-opinion-index-executive-summary/
    [17] Muslim nations urge recognition of East Jerusalem as Palestinian capital, BBC, 13/12/2017, https://www.bbc.com/news/world-europe-42335751; and Yaacov Bar-Siman-Tov (ed.), Barriers to Peace in the Israeli-Palestinian Conflict (The Jerusalem Institute for Israel Studies, 2010), chap. 6.
    [18] Institute for Economics & Peace, Global Peace Index 2018: Measuring Peace in a Complex World, Sydney, June 2018, https://www.theglobaleconomy.com/Israel/political_violence_risk/; and Democracy Index 2018: Me too?, Political participation, protest and democracy, site of The Economist, https://www.eiu.com/public/topical_report.aspx?campaignid=democracy2018
  • خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن)

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

           جميع النزاعات في الشرق الأوسط مستعرة، ويأتي في مقدمتها الصراع }الصهيوني (الإسرائيلي)، الفلسطيني {حيث مضى عليه 100 عام وهو الصراع الأكثر صعوبة. على الرغم من أن الجانبين وقّعا اتفاق سلام في أوسلو عام 1993، إلا أنهما -ولأكثر من ربع قرن- متباعدان أكثر من أي وقت مضى.

           بعد مرور عامين من التكتم التام على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أطلق عليها “خطة السلام” للشرق الأوسط، تمّ إعلان الخطة التي طال انتظارها للسلام في الشرق الأوسط، متعهدًا بأن تظلّ القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل. واقترح حل دولتين، وقال: إنه لن يجبر أي إسرائيلي أو فلسطيني على ترك منزله. وقال ترامب، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن خطته “قد تكون الفرصة الأخيرة” للفلسطينيين. وتوالت ردود الفعل العربية والدولية على هذه الخطة بين التأييد والمعارضة والصمت. وطرحت الكثير من الأسئلة حول مضمون هذه الخطة.

    فما هي أبرز محاورها؟

            أُعدّ هذا المشروع خلف الكواليس بين الكيان الصهيوني (اسرائيل) والولايات المتحدة، من خلال إعادة صياغة المشاريع الصهيونية القديمة، ولكن لابد من السؤال لماذا لم يؤخذ رأي الطرف الثاني في أثناء الإعداد له، وقبل الإعلان عنه ليكن مقبولا إذا كانوا يرغبون في السلام الحقيقي؟ وماذا حقّق المشرع الجديد من امتيازات لفلسطين عن المشاريع القديمة المرفوضة فلسطينيا؟ وما هو الدور العربي لخدمة القضية المركزية قضية فلسطين؟

    مشروع جديد على أنقاض الحلول القديم

         منذ عام 1947 طرحت العديد من القرارات والمبادرات الإقليمية والدولية لحل الصراع العربي الصهيوني، تأثرت بالمجريات التاريخية ونتائج الحروب العربية الإسرائيلية وبتقلبات الأوضاع الدولية، لكن معظم هذه القرارات والحلول كانت تصطدم بتعنّت إسرائيلي يسنده انحياز أميركي لتل أبيب.

    مشاريع وخلفيات

         يبدو أنّ ما تسرّب من “صفقة القرن” يتشابه إلى حدّ كبير مع ما طرحه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند (Giora Eiland) في دراسة نشرها عام 2010 تحت عنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. كما تأخذ الصفقة أيضا أجزاء من خطة طرحها أفيغدور ليبرمان -رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الخارجية والدفاع سابقا- المعروفة بخطة “تبادل الأراضي المأهولة”، وخطة أخرى طرحها يسرائيل كاتس القائم بأعمال وزارة الخارجية ووزير النقل والاستخبارات.

         ويأخذ المشروع أيضا أفكارًا من دراسة موسعة طرحها الرئيس السابق للجامعة العبرية البروفيسور يوشع بن آريه عام 2003، جمعت تحت عنوان خطة “تبادل أراض ثلاثية”؛ وترتكز مجمل هذه المشاريع على فكرة توطين الفلسطينيين في أرض ثالثة.

         وفي تموز/يوليو 2018، أشار الصحفي الإسرائيلي شاؤول أرئيلي -في مقال له في جريدة “هآرتس”، تعقيبا على تسريبات للخطة- إلى أنها مجرّد حزمة أفكار إسرائيلية أعدّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتم تقديمها في حلّة أمريكية. مما يتضح أنّ “خطة السلام” للشرق الأوسط لم تأتِ بشيء جديد بل هي جمع الأفكار بحلّة أمريكية، رغم أنّ كل هذه الأفكار والمشاريع رفضت من قبل فلسطين.

    هكذا حارب ترامب القضية الفلسطينية

         منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2016 قدّم لدولة الاحتلال الإسرائيلي جملة من القرارات التاريخية التي تمسّ بالأراضي الفلسطينية المحتلة إضافة إلى أخرى عربية، كهضبة الجولان المحتلة.

         وكان أبرز قرارات ترامب وأشدها ألماً على الفلسطينيين والعرب اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ “إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في (ديسمبر 2017). هذا القرار جاء بعد عام تقريباً من تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض، لكن ذلك التاريخ شهد بعده سلسلة قرارات كانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.

    1. إغلاق مكتب منظمة التحرير. في واشنطن في نوفمبر 2017 وبعدها بأسبوع تقريباً تراجع ترامب عن القرار، واستبدل به فرض “قيود” على بعثة منظمة التحرير، وهو ما لم يرق للسلطة الفلسطينية التي أعلنت تخليها عن واشنطن كـ “وسيط لعملية السلام”.
    2. القدس عاصمة لـ “إسرائيل”. في 6 ديسمبر 2017 أعلن ترامب القدس عاصمة لـ “إسرائيل. أشعل موجة غضب شعبية ورسمية واسعة في العالمين العربي والإسلامي.
    3. تجميد 125 مليون دولار من مخصصات “أونروا”. بعد شهر بالتمام من إعلان القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، وبدأت قرارات ترامب التضييقية على القضية الفلسطينية تتضح أكثر، وخاصة عندما أمر بتجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات “أونروا”.
    4. نقل سفارة واشنطن إلى القدس. نفذ ترامب وعده بمنح ما لا يملك إلى من لا يستحق وفي 14 مايو 2018، افتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة لدى دولة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة.
    5. في مايو 2018 نفذت الإدارة الأمريكية ما أمر به ترامب من إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى.
    6. وقف دعم مستشفيات القدس. في سبتمبر 2018 حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات.
    7. إغلاق مكتب منظمة التحرير. في سبتمبر 2018 الإدارة الأمريكية أبلغتهم رسمياً بقرارها بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وجاء القرار كـ “عقاب” على مواصلة عمل السلطة الفلسطينية مع المحكمة الجنائية الدولية ضدّ جرائم الحرب الإسرائيلية، كما قالت واشنطن: إنها ستنزل علم فلسطين في واشنطن.
    8. طرد السفير الفلسطيني. قرّرت الإدارة الأمريكية طرد السفير الفلسطيني لديها، حسام زملط وعائلته، في سبتمبر 2018 وهو ما وصفته المنظمة بـ “السلوك الإنتقامي الذي يعكس ما وصلت إليه الإدارة الأمريكية من حقد على فلسطين قيادة وشعباً”.
    9. شرعنة المستوطنات. أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية “مخالفة للقانون الدولي”.
    10. ترامب يعلن صفقة القرن. بعد سنوات من التكهنات والتمهيد الإعلامي والسياسي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صمته، الثلاثاء 28 يناير 2020، وأعلن خطة السلام التي أعدتها إدارته، المعروفة باسم “صفقة القرن”، وسط رفض فلسطيني لها ودعوات للمواجهة مع الاحتلال رداً على إعلانها.

         يتضح من خلال سلسلة قرارات الرئيس ترامب أعلاه شدّة كرهه للقضية الفلسطينية وانحيازه للكيان الصهيوني المحتل، وكانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.

    أبرز محاور الصفقة

        ركّزت الولايات المتحدة دائما، خلال سنوات الوساطة في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، على رغبات إسرائيل وقيودها مع إيلاء أولوية خاصة لأمنها، بيد أن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين قبلوا فكرة مفادها أن السلام يتطلب قيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، حتى وإن كانوا غير مستعدين للسماح لها بسيادة كاملة على قدم المساواة.

         قد تبدو صفقة ترامب وثيقة استسلام أكثر من كونها أي شيء آخر، إذ تمثل فرصة لإسرائيل لتأكيد انتصارها على الفلسطينيين مرّة أخرى وإلى الأبد، بعد 7 عقود من الاستقلال وأكثر من قرن منذ بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين.

         الخطة كانت مختلفة، كونها تتعامل مع الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وليست قائمة على تطلعات وأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق عودة اللاجئين.

        تقترح “صفقة القرن” إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس. وإن الخطة تسمح لإسرائيل بضم ما بين 30 إلى 40% من أراضي الضفة الغربية.

        إن الدولة الفلسطينية الموعودة، بموجب “رؤية السلام” الأمريكية، يجب أن تكون “منزوعة السلاح” وبلا سيادة وهي لن ترى النور إلا بعد أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة الإسرائيلية. والدولة المنزوعة السلاح تعني تخلي حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة عن أسلحتها، وهو شرط يصعب تحقيقه في ظل سيطرة حماس على غزة.

    توقيت الصفقة

         اختيار دونالد ترامب لتوقيت الإعلان عن خطته للسلام حساس جدًا بسبب موقفه الحالي في مجلس الشيوخ فقد ضيّق الديمقراطيون عليه الخناق واستدعوا مزيدا من الشهود لعزله. أما نتانياهو، فهو يواجه انتخابات مفصلية في بلاده بحلول شهر مارس المقبل لذا يرى المحللون أن ترامب قد ألقى بطوق النجاة لنتنياهو لكي ينقذ نفسه وصديقه”.

       “فصفقة القرن” بمثابة صفقة بين ترامب ونتنياهو قبيل الانتخابات سواء في إسرائيل أو أميركا، مؤكدا أن الخطة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام نتنياهو لضم جميع المستوطنات في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون أن تدفع إسرائيل أي مقابل للسلطة الفلسطينية.

        والامتحان الحقيقي للخطة الأميركية سيكون بحال انتخب ترامب رئيسا لولاية ثانية، وحتى ذلك الحين فإن الخطة ما هي إلا تدخل في الانتخابات الإسرائيلية وصرف الأنظار عن محاكمة نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى.

    رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية

         أعلن الرئيس الفلسطيني رفضه الخطة رفضًا قاطعًا وعدم قبوله بالتفاوض على صفقة القرن، وأكد كذلك رفض الشعب الفلسطيني لها.

         وحول رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية، شدّد “نبيل شعث” على أنها “أكاذيب تحاول الولايات المتحدة من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، وليس تحقيق السلام، وطموح الشعوب”.

        هاجم نبيل شعث، الممثل الخاص لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حضور دول خليجية لإعلان “صفقة القرن”، معتبرًا أنّ عذر هذه الدول “أقبح من ذنب”.

        فوّضت القيادة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، بتنفيذ كل القرارات التي صدرت عن المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، المتمثلة بوقف التنسيق الأمني، ووقف العلاقة الاقتصادية مع “إسرائيل”، وغيرها من الالتزامات التي لم تلتزم بها “إسرائيل”،

       منذ إعلان الصفقة خرج للشوارع آلاف الفلسطينيين منددين بها، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس، وبعض الدول العربية.

    مستقبل خطّة السلام للشرق الأوسط

        أجمعت غالبية الصحف الأوروبية على أن خطّة ترامب لحلّ أزمة الشرق الأوسط لن تجلب السلام المنشود، لأنها تحمل في طياتها خطرًا كبيرا في تصعيد الصراع بين الطرفين، كونها تراعي فقط مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

        فقد أعلن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورته غير العادية، أمس، رفض «صفقة القرن» الأميركية الإسرائيلية، باعتبارها لا تلبي الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته وتخالف مرجعيات عملية السلام. وشددت كذلك على عدم التعاطي مع هذه الصفقة التي وصفتها بـ «المجحفة»، أو التعاون مع الإدارة الأميركية في تنفيذها بأي شكل من الأشكال.

         ورغم ضعف ردود الفعل الدولية على خطة الولايات المتحدة ـالإسرائيلية الذي يطرح كثيرا من الأسئلة. والشيء نفسه يقال عن التعليقات العربية المزدوجة المعنى. فالدول العربية مرتبطة وتابعة للولايات المتحدة، ولا تستطيع اتخاذ موقف مضاد لترامب، ويجدون صعوبات متزايدة في إسناد “الجهود” التي يبذلها ترامب من أجل التوصل إلى سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لأنهم متردّدون في أن يكونوا شركاء في قرارات أمريكية تعد موالية لإسرائيل.

          وهناك احتمالات لنجاح الخطة ولو بشكل محدود، “وهذا النجاح يتوقف على قبول الطرف الفلسطيني بالبدء في مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي تحت رعاية أمريكية. وفي ظلّ الموقف المعلن للسلطة الفلسطينية برفض الخطة الأمريكية، فإن هذا المسار ونجاح الخطة غير ممكن والفشل قد يلحق بالخطة التي تؤسس لدولة فلسطينية منزوعة السيادة عاصمتها “شعفاط” (يديعوت).

         إن إعلان الخطة في هذا التوقيت وبدون توافق فلسطيني لا يمكن استبعاد عنصر الانتخابات من توقيت إعلان صفقة القرن، وذلك لخدمة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ثالث انتخابات برلمانية تشهدها إسرائيل خلال أقل من عام.

          ويبدو أن الصفقة لها هدف سياسي أوحد: وهو مساعدة نتانياهو في معركته السياسية-القضائية وتعزيز الدعم لترامب في صفوف الناخبين المؤيدين لإسرائيل”.

         ورغم أن التعبير عن الإحباط من مواقف الحكومات العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام  إزاء صفقة القرن، ورغم تآمر البعض على القضية الفلسطينية من خلف الكواليس وأخيرا وليس آخرًا، لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني مع نتنياهو يوم الإثنين الموافق 3/1/ 2020، سيكون مصيرها الفشل كما في المشاريع السابقة رغم أن ظروف الدول العربية  الآن تختلف عن السابق، لأن هناك شعب فلسطيني مقاوم ورافض لكل مشاريع  الاستسلام والمساومات، والقدس ليست للبيع، وسيدافع عن القدس الشعب الفلسطيني الذي قال عنه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: “لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لإوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.

  • دراسة علمية محكّمة (12): الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية 2011-2018

    تهدف الدراسة إلى التعرف إلى الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتطورات على الجبهة الشمالية. فمع اندلاع الأزمة السورية وجدت "إسرائيل" نفسها أمام واقع استراتيجي جديد، فرض عليها تحديات أمنية جديدة، ووضعها أمام متطلبات عملية لتحسين وضعها الاستراتيجي؛ خصوصاً مع دخول لاعبين دوليين وإقليميين على مسرح الأحداث، مما أدى إلى وجود حالة صراع إرادات من كافة الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، في محاولة لحصد المكاسب، ولا يغيب ذلك عن أعين القيادة الإسرائيلية التي حاولت توظيف كافة الإمكانات والعلاقات للحصول على بعض المكاسب، أو على الأقل منع تأثيرات الواقع الجديد على الأمن القومي الإسرائيلي؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتموضع الاستراتيجي لإيران وحزب الله في سورية.

    وتحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية من خلال:

    1. رصد تطورات الأزمة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي الإسرائيلي.

    2. تناول الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتهديدات في الساحة السورية.

    3. إماطة اللثام عن الطريقة التي أدارت "إسرائيل" العلاقات مع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.

    وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الاستراتيجية الإسرائيلية واجهت عقبات عدة، بسبب إما محدودية القدرات الإسرائيلية في التعامل مع الأزمة، أو بسبب طبيعة العلاقة والمصالح والتشابكات التي نشأت فيما بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. كما أن هناك حالة عدم يقين حول ما يمكن أن تكون تل أبيب قد حققته في الحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في سورية، سواء في منع أو إفشال التموضع العسكري هناك أم في منع وصول الأسلحة النوعية إلى مخازن حزب الله في لبنان

  • قراءة قانونية حول مجريات التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية بجرائم عدوان 2014 على قطاع غزة

    بقلم: أ. وسيم جابر الشنطي*.

    تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة للعدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2014، والذي يصادف 8/7/2019، والذي نتج عنه انتهاكات جسيمة لشتى قوانين الحرب أسفرت عن استشهاد 2,219 مدني فلسطيني، من بينهم 556 طفل، و299 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 11,036، من بينهم 2,647 طفل، و1,442 إمرأة.

    في 16/1/2015، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إجراء دراسة أولية للوضع في فلسطين، وتقوم المدعية العامة بإجراء الدراسة الأولية بموجب نظام روما الذي نصت المادة 53 منه على “يشرع المدعي العام في التحقيق، بعد تقييم المعلومات المتاحة له، ما لم يقرر عدم وجود أساس معقول لمباشرة إجراء بموجب هذا النظام الأساسي”. ومن خلال تلك الدراسة يقوم مكتب المدعية العامة بتقييم أولي للمعلومات التي تلقاها، ويصنفها للتحقق من كونها تقع في نطاق اختصاص المحكمة أم لا، ويقوم مكتب المدعي العام بدراسة القضايا المتصلة بمسألة اختصاص المحكمة من عدمه في الجرائم المزعومة، كما يتم دراسة ما يتعلق بمسألة مقبولية القضية.

    وحسب نظام روما لا يوجد مدة محددة لإتمام الدراسة الأولية، مما يعني أن المدعية العامة ليس لها موعد نهائي محدد، ومن الممكن أن تستمر لعدة أعوام، ويعتمد ذلك على جهود مكتب المدعي العام، فمنذ سنة 2015 والمدعية العامة للمحكمة تجري دراسة أولية فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية والجرائم المرتكبة خلال عدوان 2014، وبناء على الحالات الأخرى، فعلى ما يبدو أن المدعية العامة تحتاج وقت أطول من ذلك بكثير لإنهاء الدراسة الأولية التي تقوم بها. ففي أفغانستان بدأت المدعية العامة دراستها الأولية سنة 2007 وأنهتها سنة 2019، وفي كولومبيا يخضع الوضع للدراسة الأولية منذ سنة 2004، وفي غينيا منذ سنة 2009، وفي نيجيريا منذ سنة 2010، وما زال الفحص في تلك الدول مستمر حتى اليوم، وهذا ما يعطي انطباع أن الدراسة الأولية التي تجريها المدعية العامة فيما يتعلق بالحالة في فلسطين ستستمر أعواماً أطول، الأمر الذي من شأنه أن يقوض مصداقية مكتب المدعية العامة في نظر المجتمع الفلسطيني، في حين أن المزيد من التأخير في بدء التحقيقات قد يؤدي إلى مشكلات عملية عديدة تجعل تحقيق العدالة أكثر صعوبة. ومع تقديرنا لازدحام جدول الأعمال لدى مكتب المدعية العامة، إلا أنه يجب أن لا يتسبب في تأخير فتح تحقيق في الحالة الفلسطينية، وفي السعي لإسقاط الإفلات من العقاب، وعلى الدول أعضاء المحكمة الجنائية الدولية تصعيد الدعم للمحكمة لضمان نيل جميع ملفات الفحص التمهيدي التي فتحتها المدعية للاهتمام المستحق.

    وذكرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في تقريرها المنشور حول أنشطة الدراسة الأولية لسنة 2018: “أن الدراسة الأولية ما زالت في المرحلة الثانية، وأنها تلقت أكثر من 125 بلاغاً فيما يتعلق بالحالة في فلسطين منذ 13 حزيران 2014، وأن مكتبها يواصل النظر في المذكرات والمعلومات المتاحة بشأن المسائل المتصلة بممارسة المحكمة لاختصاصها الإقليمي والشخصي في فلسطين”. وفيما يتعلق بالعدوان على غزة عام 2014 ذكرت المدعية العامة أنها تركز في دراستها على بعض الحوادث المبلغ عنها من بين آلاف الحالات التي وثقها مكتبها سابقاً، وأن مكتبها “اختار الحوادث الخطيرة جداً على المدنيين والتي تتوفر بشأنها مجموعة من المصادر والمعلومات الكافية”. وذكر التقرير أن مكتب المدعية أحرز تقدماً كبيراً في تقييم المسائل القانونية اللازمة لتقرير إن كان هناك أساس معقول للشروع في إجراء تحقيقٍ من عدمه، وأن الدراسة الأولية ما زالت مستمرة.

    الخيارات المتوقعة بعد انتهاء الدراسة الأولية:

    بعد انتهاء المدعي العام من الدراسة الأولية، يعلن إن كان سيجري تحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة خلال عدوان 2014، أم سيرفض إجراء التحقيق، ويغلق الملف.

    وبعد انتهاء الدراسة الأولية، ستحدد المدعية العامة كيف تتعامل مع الحالة الفلسطينية داخل المحكمة، خصوصاً في ظل وجود إحالة من قبل دولة فلسطين، ووجود إعلان صادر عن دولة فلسطين بموجب الفقرة الثالثة من المادة 12، والذي بموجبه قد قبلت فلسطين اختصاص المحكمة، بدءاً من تاريخ 13/6/2014. وقد وضعت فلسطين الإعلان بأثر رجعي حتى يستطيع المدعي العام التحقيق بجرائم الحرب المرتكبة في العدوان على غزة سنة 2014.

    1. في حال قررت المدعية العامة معاملة الإعلان الصادر بموجب الفقرة الثالثة من المادة 12 على أنه منفصل عن الإحالة، ففي هذه الحالة يجب على المدعية العامة أخذ الموافقة من الدائرة التمهيدية للمحكمة قبل مباشرة التحقيق، ويكون للدائرة التمهيدية الخيار بين الرفض والقبول، وفي حال رفضت الدائرة التمهيدية إجراء تحقيق، فتستطيع المدعية العامة تقديم طلب جديد للدائرة التمهيدية يحتوي على وقائع وأدلة جديدة. والجدير بالذكر أن الدائرة التمهيدية رفضت مؤخراً بالإجماع طلب المدعية العامة فاتو بنسودة Fatou Bensouda في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، فتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح الوحشي في أفغانستان.

    2. في حال قررت المدعية العامة التعامل مع الإحالة، واعتبرت الإعلان بمثابة إحالة، فلا يلزم موافقة الدائرة التمهيدية لإجراء التحقيق، وهذا ما أكدت عليه المدعية العامة في بيان صحفي صدر عنها سابقاً “الإحالة لا تؤدي تلقائياً إلى بدء التحقيق، ومع ذلك، إذا قررتُ أخيراً أن الحالة المحالة تُبرر إجراء تحقيق وفقاً للمعايير الواردة في النظام الأساسي، نتيجة لهذه الإحالة، لا يتطلب النظام الأساسي أن يطلب المدعي العام الإذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة من أجل الشروع في التحقيق”.

    3. تستطيع المدعية العامة أن تقرر من تلقاء نفسها عدم فتح تحقيق، وفي حال قررت عدم فتح التحقيق في حالة معينة، فبإمكان الدولة تقديم مستندات وأدلة أخرى لإقناعها بإعادة فتح دراسة أولية مرة أخرى، وهذا ما حدث في الحالة العراقية؛ حيث قرر المدعي العام للمحكمة سنة 2006 لويس مورينو أوكامبو Luis Moreno Ocampo، عدم فتح تحقيق رسمي قائلاً أنه على الرغم من وجود سند معقول للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب، فليس عددها كافياً لدفع المحكمة الجنائية الدولية للتدخل. وبعد تلقيه مراسلات أخرى أكثر استفاضة قرر في كانون الثاني/ يناير 2014 إعادة فتح الدراسة الأولية للحالة في العراق.

    4. في حال رفضت المدعية العامة فتح تحقيق فيما يتعلق بعدوان 2014، وكان سبب رفض التحقيق مستنداً إلى اعتبارات مصالح العدالة، فتستطيع فلسطين أن تقدم التماساً للدائرة التمهيدية من أجل عمل مراجعة صارمة للقضية. أما إن كان قرار رفض فتح التحقيق بسبب المقبولية؛ ففي هذه الحالة لا يمكن للدائرة التمهيدية إلا أن تطلب من المدعي العام إعادة النظر دون أن تأمره بذلك.

    إن ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية بمثابة معركة قانونية معقدة، لا بدّ لإنجاحها من جهد عربي وإسلامي موحد، مدعم بقدرات قانونية ومالية كبيرة، وجهد مثابر، من دون أي مراعاة لضغوط الدول الكبرى؛ لأن حقوق الضحايا لا يمكن إخضاعها بأي حال من الأحوال لأي ضغط خارجي.

    وبعد كل هذه الأعوام الطويلة من الإفلات من المحاسبة والعقاب، حان الوقت للمسؤولين عن الجرائم الخطيرة بحق الفلسطينيين، أن يدفعوا الثمن، وعلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية المضي قدماً في التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل الإسرائيليين لتتحقق للضحايا العدالة، التي كانت صعبة المنال وحتى الآن، ودون إحقاق العدالة، سيبقى عدوان غزة لسنة 2014 جرحاً نازفاً.

    * أ. وسيم جابر الشنطي، محامي وباحث قانوني. حاصل على درجة الماجستير في القانون العام من الجامعة الإسلامية بغزة سنة 2017.

  • مقال: الرأي العام الياباني و”إسرائيل“: ظاهرة تستحق العناية

    بقلم: أ.د.وليد عبد الحي. (مقال خاص بمركز الزيتونة).

    شكلت الدراسة التي أشرفت عليها منظمة اليونسكو، وأنجزها كل من وليم بوكانانWilliam Buchanan وهادلي كانتريلHadley Cantril سنة 1953، مرجعاً مهماً لفهم كيف تتشكل الصور الذهنية للمجتمعات عن بعضها البعض. وكان التركيز في هذه الدراسة على أهمية "تاريخ العلاقة بين المجتمعات" في تشكيل الصور الذهنية المتبادلة بين طرفي العلاقة، إذ تؤدي التفاعلات السلبية بعد تراكمها التاريخي إلى تشكيل صورة سلبية عن المجتمع الآخر، والعكس صحيح.[1] ثم جاءت دراسة يوري برونفنبرينرUrie Bronfenbrenner حول ما أسماه نظرية صور المرآةMirror Images، والتي تقوم على رسم صورة للآخر من خلال "مرآة" المنظومة المعرفية والقيمية الذاتية. وتبين من الدراسة التي جرى تطبيقها على الصور الذهنية لكل من مجتمعات الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كلٌّ منهما تجاه الآخر، أن مرحلة الطفولة، حسب هذه النظرية، وما يترسب فيها من خلال الثقافة المجتمعية، تمثل نقطة الارتكاز في تشكيل الصورة الذهنية عن الآخر.[2]

    وعند مراجعة استطلاعات الرأي العام الدولي حول صور المجتمعات تجاه بعضها البعض، لفت انتباه كاتب هذه السطور أن الصورة السلبية لـ"إسرائيل"، ولليهود بشكل عام، في الذهن الياباني تكاد أن تكون هي الأسوأ مقارنة بكل الصور الذهنية في كل المجتمعات الأخرى بما فيها الإسلامية لـ"إسرائيل". فمن خلال تتبع استطلاعات الرأي العام الدولي للفترة من 2010-2019، كانت أدنى نسبة للصورة الإيجابية لـ"إسرائيل" هي التي تبناها المجتمع الياباني. وعند العودة لعيّنة من الاستطلاعات السابقة على فترة القياس هذه، تَبيَّن أن هذه الصورة السلبية مستقرة بقدر كبير ومنذ فترة طويلة، بل لم أجد في هذه الصورة فرقاً له دلالة إحصائية في نتائج استطلاعات الرأي العام الغربية أو الآسيوية، بل والإسرائيلية، ويتبين من الرصد لـ 13 استطلاعاً أن "معدل" الموقف الإيجابي من "إسرائيل" في اليابان في الفترة 2010-2019 هو على النحو التالي:[3]

    النسبة (%)
    المؤيدون لـ"إسرائيل" 2
    المعارضون لها 52
    المحايدون 46

    ذلك يعني أن نسبة المؤيدين لـ"إسرائيل" في اليابان هي أقل من نسبة المؤيدين أو المتعاطفين مع "إسرائيل" في أغلب الدول الإسلامية، وهذا هو الدليل، وفق الاستطلاعات التي تم رصدها:

    المؤيدون لـ"إسرائيل" النسبة (%)
    مصر 3
    باكستان 4
    تركيا 6
    أذربيجان 12
    إندونيسيا 15
    نيجيريا 37

    وفي استطلاع واسع للرأي العام الياباني حول صورة "اليهودي – الإسرائيلي" في الذهن الياباني، تمّ إجراؤه في 2014، كانت النتائج على النحو التالي:[4]

    49% من اليابانيين يعتقدون أن ولاء اليهود لـ"إسرائيل" أكثر من ولائهم للدول التي يعيشون فيها وينتمون لها. 46% من اليابانيين يعتقدون أن اليهود يرون أنفسهم أفضل من الآخرين. 34% يعتقدون أن سيطرة اليهود على عالم المال والتجارة في العالم كبيراً جداً. 34% يعتقدون أن نفوذ اليهود على الحكومة الأمريكية عالٍ جداً. 31% من اليهود لا يكترثون بمصائب الآخرين.

    وقد حفزتني المعطيات السابقة للعمل على فهم هذه الظاهرة، التي تستحق التأمل والبحث، في كيفية توظيفها بل وتعزيزها في نطاق الصراع العربي الصهيوني من ناحية، ومن ناحية ثانية لإثبات عدم صحة ما يحاول الفكر الصهيوني أن يروجه كما يفعل البروفيسور في الجامعة العبرية بن عامي شيلونيBen-Ami Shillony في الترويج عن دور اليهود في مساندة اليابان لتحقيق انتصارات في الحرب الروسية اليابانية بين 1904-1905، أو تسخير زيارة ألبرت آينشتاين لليابان سنة 1923 لرسم صورة إيجابية للعلاقة التاريخية بين الطرفين؛ على الرغم من أن هذه الصورة لا تعكسها نتائج جميع استطلاعات الرأي العام الدولي، ولا يعكسها رفض آينشتاين لقيام "دولة إسرائيل" أو رفضه تولي منصب رئيس "إسرائيل"، والذي عرض عليه سنة 1952.[5] يضاف إلى ذلك محاولات بعض الكتاب المسيحيين من أصول يابانية عقد تشابهات بين النصوص الدينية اليابانية واليهودية في عدد من المجالات، مثل تفسير الخطيئة، أو كيفية تَولِّي الحكم للإمبراطور الياباني والأنبياء اليهود، إلى حد الوصول لاستنتاجات مثيرة، مثل الزعم بأن كثيراً من التقاليد اليابانية تعود جذورها لليهودية. بل ذهب بعضهم إلى القول بأن الأصول العرقية لليابانيين تعود للقبائل الإسرائيلية العشرة المفقودة...إلخ.[6]

    كما أن بعض الدراسات الصهيونية تحاول التمييز والفصل بين الصورة المجتمعية اليابانية، والصورة لدى الحكومة ووسائل الإعلام، لإضعاف قوة الصورة السلبية المجتمعية تجاه "إسرائيل".[7]

    وبالعودة إلى النظريتين السابقتين المشار إليهما في بداية هذا المقال، نجد أنهما تسهمان بقدر كبير في تفسير الصورة المجتمعية السلبية للياباني عن "إسرائيل" بشكل خاص، واليهود بشكل عام. وفيما يلي محاولة لتفسير هذه الصورة:

    أولاً: الخبرة التاريخية في العلاقات بين "اليهود واليابانيين":

    1. في سنة 1845، أجبرت القوى الغربية اليابان في أواخر فترة حكم الشوجان
    Shogun (الحكام العسكريين) على فتح موانئها أمام التجارة العالمية. وكان التجار اليهود من أوائل من وصلوا مع التجار الغربيين، وهو ما أنتج ردة فعل ضد اليهود في أوساط الشعب الياباني، واعتبروا اليهود جزءاً من التغلغل الغربي المسيحي في بلادهم. ومع انتشار البعثات التبشيرية المسيحية في اليابان، وحدوث ردة فعل حادة من اليابانيين، لا سيّما من رجال الدين البوذيين والطاويين والشنتويين، بدأت المذابح ضد المسيحيين، ورأى اليابانيون أن الدين اليهودي هو أصل الديانة المسيحية، وأنهما يكملان بعضهما؛ وأن لا فرق بين المسيحي الغاصب واليهودي التاجر، وبقي الأمر على هذا الحال حتى سنة 1873.[8]

    2. في سنة 1868، بدأت في التاريخ الياباني ما يعرف بإصلاحات الأمبراطور موتسوهيتوMutsuhito المعروف بالإمبراطور "ميجي"Meiji، والتي قامت على أساس الانفتاح على التجارب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الغربية. وفي إطار الانفتاح الثقافي، شكلت في هذه الفترة ترجمة مسرحية شكسبيرWilliam Shakespeare الشهيرة "تاجر البندقية"The Merchant of Venice (التي تتناول شخصية المرابي اليهودي شايلوكShylock) إلى اليابانية حدثاً ثقافياً مهماً؛ خصوصاً أن المسرحية انتشرت بشكل هائل، وتم تقديمها على المسارح اليابانية، ثم تم تحويلها إلى مسلسل، خصوصاً أن شخصية شايلوك قريبة في المنظومة المعرفية اليابانية من صورة جماعة يابانية يطلق عليها إيتاEta، أو بوراكومينBurakumin، وتعني الفئة "البشعة" و"المنبوذة".[9]

    3. مع بداية العشرينيات من القرن الماضي، وبعد ظهور الاتحاد السوفييتي والدخول في صراع مع اليابان على سيبيريا، تم ترجمة "بروتوكولات حكماء صهيون" (المنسوبة دونما إثبات إلى زعماء اليهود)، وتم توزيع ملايين النسخ منها، وراجت فكرة أن الثورة الشيوعية هي جزء من الخطة اليهودية للسيطرة على العالم، وأن اليهود سينتقلون إلى اليابان للسيطرة عليها بعد روسيا.[10]

    وقد أسهم خصوم الشيوعيين (من قوات الجيش الأبيض) في أثناء تعاونهم مع الجيش الإمبراطوري الياباني، في توزيع أعداد كبيرة جداً من نسخ بروتوكولات حكماء صهيون على الجيش الإمبراطوري، وانتشرت فكرة "المؤامرة اليهودية لحكم العالم" بين الجنود والضباط، وتعززت هذه الفكرة، بعد اكتشاف وجود نسبة عالية من اليهود بين الشيوعيين.

    4. أسهم التحالف الياباني مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وترجمة كتاب كفاحي لهتلر، وكتاب الفريد روزنبرغ
    Alfred Rosenberg "خرافة القرن العشرين"، والذي يركز فيه على الدور السلبي لليهود في التاريخ، وعلى دونية العرق السامي بشكل عام، في تعزيز مشاعر الكراهية لليهود باعتبارهم أعوان خصوم التحالف الياباني الألماني. ومع احتدام المعارك، أصبحت الصحافة اليابانية تشن حملات إعلامية حادة وتطالب على حدّ وصفها بـ"تطهير العالم من اليهود".[11]

    وفي 1925 نشر الضابط الياباني نوريهيرو ياسوئيهYasueNorihiro ترجمة بروتوكولات صهيون لليابانية، وبعدها نشر تحت اسم مستعار هو كوشيHō Kōshi كتاباً بعنوان "دراسات في المؤامرة الدولية"، وجعل من البروتوكولات نموذجاً لهذه المؤامرة. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، انتشرت بشكل واسع قصص للأطفال التي رسمت صورة لليهود الذين انتشروا في العالم، وكيف جمعوا أموالاً هائلة "ليسيطروا على العالم" ومن ضمنها السيطرة على الإمبراطورية اليابانية. وبرزت في هذا السياق روايات مينيتارو ياماناكاMinetarō Yamanaka، التي ازدهرت وعرفت رواجاً كبيراً حتى سنة 1970 تقريباً.[12]

    وفي سنة 1936 ظهرت ترجمة جديدة للبروتوكولات قام بها الضابط الياباني نوبوتاكا شيودنNobutaka Shiōden، وفي شروحاته ركز على فكرة "المؤامرة اليهودية" للسيطرة على ثروات العالم. أما اليهود الذين فروا من النازية قبل بدء الحرب إلى اليابان، فقد تم تجميعهم في معسكرات في ثلاث مناطق في منشوريا وشنغهاي التي كانت محتلة من قبل اليابانيين في 1934 في إطار ما عرف بخطة فوجوFugu Plan.[13] واستمرت الكتب اليابانية التي تنظر لليهود كعنصر تآمري وتخريبي في العالم، وأصبحت بعض المجلات اليابانية تتبنى التوجهات نفسها، بل بدأت تظهر بعض الكتابات التي تنبه اليابانيين إلى خطورة ما تسميه السعي اليهودي للسيطرة على بعض البنوك الكبرى في اليابان.[14]

    ذلك يعني أن الصورة التي رسمتها الأحداث التاريخية للعلاقات اليهودية اليابانية هي صورة سلبية، تتمثل في رسوخ "فكرة السيطرة على العالم"، وما يُسمى "المؤامرة الكونية التي ينسجها اليهود"، وموقفهم المعادي للتحالف الياباني الألماني، ومرافقتهم للغزو والبعثات التبشيرية الغربية لليابان، واعتبار المسيحية منتجاً فكرياً يهودياً.

    ثانياً: الأسباب الاقتصادية: وتتمثل في:

    1. بدأ الانتعاش الاقتصادي الياباني في منتصف الستينيات من القرن العشرين، وبعد قيام "إسرائيل" بالعدوان على الدول العربية سنة 1967، بدأت موجات ارتفاع أسعار النفط، وهو ما أرهق الاقتصاد الياباني الذي كان في بدايات نموه، ثم تلاحقت موجات ما سمي بالصدمات النفطية وارتفاع أسعار النفط، بسبب عدم الاستقرار الناجم عن السياسات الإسرائيلية. ومع منتصف الثمانينيات (حيث حدثت أزمة اقتصادية في اليابان)، انتشرت موجة من الدراسات التي تعود لفكرة ما يُسمى "الخطر اليهودي على العالم"، وظهر كتاب ماسامي أونو
    Masami Uno والذي يرى فيه أن اليابان هي "آخر عقبة أمام اليهود للسيطرة على العالم"، وباع من هذا الكتاب حوالي 1.1 مليون نسخة. وربط الكتاب بين دور اليهود ونشوب الحرب الروسية اليابانية، والهجوم على بيرل هابر وإلقاء القنابل النووية على اليابان...إلخ، وأن "اليهود هم وراء انتشار مرض نقص المناعة، وأنهم سبب التلكؤ في النمو الاقتصادي الياباني بسبب سياساتهم التي ترفع أسعار النفط، وأنهم سبب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة". وظهرت بعض الدراسات في سنة 1984 كتبها نواب في البرلمان الياباني يحملون مسؤولية الأزمات الاقتصادية في اليابان لليهود، كما أنكر بعض الكتّاب "الهولوكوست" واعتبروها جزءاً من العقل الصهيوني.[15]

    وبالمقابل، تزايدت ترجمات اليابانيين للكتب العربية، وكانت روايات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني من بين أكثر الكتب العربية رواجاً في الترجمات اليابانية عن الآداب الأجنبية. ولعل ذلك يفسر في "حدود معينة" تعاطف مجموعة يابانية تابعة للجيش الأحمر الياباني مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال الهجوم على مطار إسرائيلي سنة 1972، وقتل حوالي 26 صهيونياً.[16]

    2. يرى اليابانيون أن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، يدفع الدول العربية لشراء الأسلحة بدلاً من شراء السلع المدنية، ولما كانت اليابان لا تشكل مبيعات السلاح جزءاً من استراتيجيتها، فإن قدرتها على المنافسة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين في هذا المجال تبدو ضعيفة. لذا يرى اليابانيون في السياسات الإسرائيلية سبباً في دفع العرب نحو أسواق السلاح بدلاً من التوجه لشراء سلع مدنية، وهو الميدان الذي يمكن فيه لليابان الدخول في المنافسة مع الدول الكبرى الأخرى أكثر من قدرتها على المنافسة في بيع الأسلحة.[17]

    3. في سنة 1992 نشرت صحيفة شوكان بوستshukan post المشهورة مقالاً حملت فيه اليهود مسؤولية تراجع البورصة وتباطؤ نمو الاقتصاد الياباني، ثم تبعتها عشرات الصحف والندوات حول النقطة نفسها. [18]

    4. هناك مشاعر يابانية قوية أيضاً ضد الأمريكيين، بسبب القواعد العسكرية وآثار الحرب العالمية الثانية والمنافسة الاقتصادية...إلخ، وكل كراهية للأمريكيين تمتد لكراهية اليهود باعتبار أن "إسرائيل" هي الحليف الأوثق للولايات المتحدة.

    5. أن ثقافة "أهيمسا" التي تدعو للسلام والاستقرار، والنزعة البوذية والطاوية (التي ترى أن الجندي الجيد هو الذي لا يحارب)، تتصادم مع النزعة العسكرتارية الصهيونية.

    لكل هذه الأسباب كره اليابانيون "إسرائيل"...

    خاتمة:

    إن محاولة فهمنا للصورة السلبية لليابانيين عن "إسرائيل"، تشير إلى خلفيات مختلفة دينية وثقافية وتاريخية وسياسية واقتصادية. ونحن عندما نطرح هذه الأسباب فإنما نطرحها لفهم الظاهرة، وليس موقفاً منا ضد اليهودية كدين أو ضد اليهود كيهود. وموقفنا السلبي هو ضد المشروع الصهيوني وضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

    ويفترض بالبلاد العربية والإسلامية وبالفلسطينيين، وخصوصاً قوى المقاومة، أن تبني على خلفية موقف المجتمع الياباني من "إسرائيل" في تحويل الموقف الياباني الرسمي إلى موقف أكثر قوة وتأييداً للموقف الفلسطيني، وأكثر دعماً له في الساحة الدولية.



    [1] William Buchanan and Hadley Cantril, How nations see each other, a study in public opinion (Urbana (Illinois): University of Illinois Press, 1953).

    [2] Urie Bronfenbrenner, The Mirror Image in Soviet-American Relations: A Social Psychologist's Report (Ithaca (New York): Committee on Soviet Studies, Cornell University, 1964).

    [3] For more see bbc survey on world public opinion toward Israel, https://globescan.com/ and http://www.worldpublicopinion.org/; and site of ADL GLOBAL 100,https://global100.adl.org/country/japan/2014
    .

    [4] Site of ADL GLOBAL 100, https://global100.adl.org/country/japan/2014

    [5] Ben-Ami Shillony, The Jews & the Japanese: The Successful Outsiders (Charles E. Tuttle, 1992); Yaniv Pohoryles, Jewish World, site of Yedioth Ahronoth, 14/2/2019, https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5462495,00.html; and Albert Einstein, in Ideas and Opinions (New York: Crown Publishers, 1954), p. 190.

    [6] http://www2.biglobe.ne.jp/~remnant/isracame.htm

    [7] Jennifer Golup, “Japanese Attitudes Toward Jews,” The Pacific Rim Institute of the American Jewish Committee, New York, 1992, http://www.ajcarchives.org/AJC_DATA/Files/889.PDF

    [8] Daniel Ari Kapner and Stephen Levine, “The Jews of Japan,” Jerusalem Letter, Jerusalem Center for Public Affairs, no. 425, 24 Adar I 5760 - 1 March 2000.

    [9] Olga Barbasiewicz, “Jews in Japan until 1945 :A Case Study of Eidelberg and Shillony.s Research on Setsuzô Kotsuji,” Hemispheres Journal, no. 28, 2013, pp-6-12.

    [10] Esther Webman, The Global Impact of the Protocols of the Elders of Zion: A Century-Old Myth, Routledge Jewish Studies Series (Routledge, 2012), chap.10.

    [11] Benjamin Ivry, Why Did Japan Treat Jews Differently During World War II?, site of Forward, 10/1/2017, https://forward.com/culture/359072/why-did-japan-treat-jews-differently-during-world-war-ii/

    [12] Jacob Kovalio, The Russian Protocols of Zion in Japan: Yudayaka/Jewish Peril Propaganda and Debates in the 1920s, Asian Thought and Culture, vol. 64 (Peter Lang Publishing Inc, 2009).

    [13] Tanaka Chigaku, Shishi-ō Zenshū Daisan-shū, (Complete Works of the Lion King, Part Three), vol. 6, 1937; and Marvin Tokayer and Mary Swartz, The Fugu Plan: The Untold Story of the Japanese and the Jews During World War II (Paddington Press, 1979).

    [14] Toshikawa Takao, "Jewish Capital Accelerates the Law of the Jungle," in David Goodman, Jews in the Japanese Mind: The History and Uses of a Cultural Stereotype, Studies of modern Japan Series (Lexington Books, 2000), pp. 276-278.

    [15] Clyde Haberman, Japanese Writers Critical of Jews, site of The New York Times, 12/3/1987, https://www.nytimes.com/1987/03/12/world/japanese-writers-critical-of-jews.html

    [16] مسعود ضاهر، تطور الدراسات العربية في اليابان 1945-2016 (بيروت: دار الفارابي، 2019)، ص 115-118.

    [17] Stanley White, Japan shares rise as easing Middle East tension shifts focus to trade deal, Reuters Agency, 10/1/2020, https://www.reuters.com/article/japan-stocks-closer/japan-shares-rise-as-easing-middle-east-tension-shifts-focus-to-trade-deal-idUSL4N29F174

    [18] Japanese Government Rejects Article Blaming Stock Market Trouble on Jews, Jewish Telegraphic Agency, 13/7/1992, https://www.jta.org/1992/07/13/archive/japanese-government-rejects-article-blaming-stock-market-trouble-on-jews
  • مقال: صفقة القرن: أشباح وأوهام ...

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    يبدو لمن يحاول أن يعرف حقيقة “صفقة القرن” أو “صفقة العصر” التي ظهرت تسريبات أمريكية حولها، كمن يطارد مجموعة من الأشباح والأوهام.

    منذ نحو سنتين بدأت تظهر تصريحات أمريكية حول مشروع تسوية سلمية نهائية للقضية الفلسطينية، وتعددت تصريحات صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر Jared Kushner والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات Jason Greenblatt حول الصفقة، وتعددت التسريبات الإعلامية، دون أن يُعلن عن محتواها أو بنودها رسمياً حتى الآن.

    اللافت للنظر أن العالم انشغل بها، وأخذ يناقشها باحثون ومحللون وسياسيون وخبراء دون أن يكون بين أيديهم مادة رسمية يستندون إليها. والطرف الأمريكي تعمَّد لعبة الغموض والتأجيل.. فأعلن مراراً أنه سيطلقها ثم ما يلبث عندما يقترب الموعد أن يعلن عن تأجيلها لأسباب مختلفة مرتبطة عادة بظروف سياسية أو بظروف المنطقة. فقد كان ثمة توقعات عن إطلاقها في كانون الثاني/ يناير 2018، ثم أجلت للشهر التالي، ثم الذي بعده، ثم إلى أيار/ مايو. وتواصل التأجيل ليعلن أنه سيكشف عنها بعد الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، ثم إلى مطلع 2019، ثم إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/ أبريل 2019، ثم إلى حزيران/ يونيو، ثم إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستعقد في منتصف أيلول/ سبتمبر 2019. وطوال تلك الفترة لم يتم الإعلان إلا عن الشّق الاقتصادي للصفقة في ورشة البحرين التي عقدت في 25 حزيران/ يونيو 2019، والذي جاء مخيباً تماماً لمن يعقد عليه الآمال، وسط مقاطعة فلسطينية ومقاطعة عربية واسعة. أما الشق السياسي الأهم فلم يكشف بعد.

    وهكذا، يجد المرء نفسه يطارد “أشباحاً”، ويحاول أن يرسم بنفسه اللوحة التي يتخيلها للصفقة.

    لا يبدو الأمر سلوكاً أمريكياً “بريئاً”؛ إذ إن كل المعطيات والتسريبات التي بين أيدينا، والسلوك الأمريكي على الأرض؛ يشيران إلى أنه ليس هناك “صفقة” حقيقية، ولا تسوية تاريخية بين طرفين. وأننا أمام اسم زائف، يحاول أن يبيع “الأوهام”. وأننا أمام سلوك تاجر”وقح نذل” يعلم أن بضاعته فاسدة لا سوق لها، فيلجأ إلى استخدام مصطلحات وشعارات رنانة فارغة من مضمونها. ويحاول أن يستفيد من حالة الغموض والشائعات والتسريبات لإيجاد بيئة فلسطينية وعربية متكيفة نفسياً مع متطلبات الصفقة، أو تشعر بالضعف والعجز أمام “الشبح” القادم الذي لا يمكن مقاومته أو تحديه!!

    الصفقة تكون بين طرفين، والطرفان المعنيان أساساً (الفلسطينيون والعرب مقابل الإسرائيليين) لم يعرض عليهما شيء رسمي حتى الآن. ولفظة “القرن” أو “العصر” تدل على إنجاز تاريخي عظيم، وكل ما تسرب، ربما كان تاريخياً بالنسبة للصهاينة إن تم، ولكنه كارثي بالنسبة للفلسطينيين.

    على ما يبدو، فإن الطرف الأمريكي الذي يعلم أن مضامين صفقته مرفوضة فلسطينياً، لجأ إلى تكتيك الالتفاف على الفلسطينيين من خلال التواصل مع الأنظمة العربية الفاعلة (مصر، والسعودية، والإمارات، والأردن..)، وتحديداً ما يعرف بمحور “الاعتدال” العربي المعروف بارتباطه بالولايات المتحدة، لتحقيق قبوله بالصفقة، وبالتالي عزل الطرف الفلسطيني والاستفراد به لفرض “الصفقة” عليه. وهو في الوقت نفسه يعمل على دمج “إسرائيل” في البيئة العربية، و”تطبيع” علاقاتها الرسمية، ويحولها إلى “شرطي المنطقة”، دونما حاجة لتسوية مع الفلسطينيين.

    وفي هذه البيئة يسهل الانتقال إلى “تصفية” القضية دون ضرورة الوصول إلى “تسوية” متفق عليها، ويتم إسقاط قوى المقاومة، كما يتم مطاردة كافة حركات الإصلاح والتغيير والنهضة، وخصوصاً ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”، في الوقت الذي تُشغل فيه المنطقة العربية بصراعات طائفية عرقية، تستنزف فيها ثرواتها وإمكاناتها.

    ومن جهة أخرى، فالطرف الأمريكي يبدو أنه غير معني بإقناع الطرف الفلسطيني بما لديه، وإنما بموافقة الطرف الإسرائيلي، وبالتالي ترتيب الأوضاع بما يتوافق مع إرادة وشروط ومواصفات الصهاينة. ولذلك، فقد بدأ بإجراءاته على الأرض لحسم مصير كل الملفات المعلقة أو “المستعصية”؛ فاعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها. وهو الآن يسعى لتصفية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة من خلال محاولة إلغاء الأونروا، والضغط على الدول المستضيفة (خصوصاً الأردن، ولبنان) بتوطين اللاجئين. وهو بذلك يسعى لإنشاء الحقائق على الأرض والتي يراهن أن البيئة العربية والدولية ستتقبلها مع الزمن. وخلال هذه الفترة يتابع الناس مطاردة أوهام “صفقة القرن” وأشباحها!!

    * * *

    وعلى ذلك، ومن خلال استقراء التصريحات والتسريبات الأمريكية على مدى السنتين الماضيتين، مع السلوك الأمريكي على الأرض، فلعلنا نخرج بخمسة معالم أساسية لما يسمى “صفقة العصر”، وما دون ذلك هو تفصيلات تندرج تحتها:

    أولاً: الانتقال من “تسوية” القضية الفلسطينية في إطار “اتفاق سلام”، إلى “تصفية” القضية في إطار فرض الحقائق على الأرض. وشطب كل قضايا “الحل النهائي” من خلال شطب حق العودة، وأن تكون القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبقاء المستوطنات في الضفة، والهيمنة على الحدود ومصادر المياه والمجال الجوي..

    ثانياً: إسقاط مشروع “حل الدولتين”، وإنشاء حكم ذاتي للفلسطينيين (يمكن أن يسمى دولة!!)، في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، بحيث تكون السيادة الحقيقية للكيان الصهيوني.

    ثالثاً: فكرة السلام الاقتصادي من خلال التركيز على مشاريع التنمية الاقتصادية، والقفز عن حقيقة وجوهر الصراع في المنطقة مع المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأرض والإنسان، ويُعطل مشاريع النهضة الحقيقية في الأمة.

    رابعاً: التطبيع قبل التسوية: من خلال إقامة علاقات رسمية مع الأنظمة العربية قبل الوصول إلى تسوية سلمية متفق عليها بين قيادة منظمة التحرير وبين الكيان الصهيوني؛ وهو ما كانت تشترطه الأنظمة العربية.

    خامساً: حرف بوصلة الصراع: بحيث يدخل الكيان الصهيوني ككيان “طبيعي” في المنطقة، ويتحالف مع أنظمة “الاعتدال” العربي في مواجهة ما يسمى “التطرف والإرهاب” وتيارات “الإسلام السياسي”؛ أو في مواجهة إيران.. كما يشغل المنطقة بنزاعات طائفية عرقية تستنزفها بشرياً ومادياً، وتجعل من المشروع الصهيوني “سيّد” المنطقة، وعصاها الغليظة.

    * * *

    لا مجال في هذا المقال للتطرق إلى تفصيلات أخرى، ولا إلى الاستشراف والتوقعات، ولكننا نقول أنه بالرغم من خطورة الوضع، وبالرغم من تغوّل المشروع الصهيوني، وحالة الضعف والتخلف والانقسام العربي والإسلامي؛ فما زالت هناك عقبات كبيرة أمام الصفقة، وما زالت الأمة قادرة على إسقاطها وإفشالها، وما زال الشعب الفلسطيني صامداً وثابتاً على أرضه، ولا تستطيع أمريكا ولا “إسرائيل” فرض إرادتها عليه، وسينزع حقوقه طال الزمان أم قصر.

    المصدر: موقع عربي 21، 30/8/2019